كاتب الموضوع :
بـراءة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء السابع عشر
و انزوى في ناحية ما مع الخياطين فلحقه سهيل .. و كان علي اللحاق بهما لأسمع حوارهما .. من دون أن يشعران اقترب منهما و تحجبني ستارة عنهما .. سمعت مهند يهمس بغضب :" أجننت ؟ كيف تفعل هذا ؟"
" و ماذا فعلت ؟"
" كيف تقول ذلك أمام حسام .. ألم تخجل ؟ "
صمت الآخر قليلاً و عض شفتيه :" لم أستطع التحمل "
" أنا أستغرب حقاً كيف يستحملنا حسام ؟"
--
و انفجرت حمم بركانية لما علم كمال بالأمر في وسط الشارع استوقفني بينما كنت عائداً للشقة مشياً محملاً بأكياس الألعاب .. التي سأفاجئ ابنتي خلود بها .. سمعت حينها صوت بوق سيارة قوي و متكرر.. التفتتُ للخلف فكان كمال بسيارة أباه .. هبط من السيارة مشتعلاً .. و اقترب مني .. ابتسمت له :" أهلا كمال "
صرخ حتى اجتمعت الأنظار نحونا :" لماذا تخدعني ؟ .. لماذا ؟ "
نظرت له لبرهة فأتمم هو بقهر :" جليل الليلة سيتقدم لخطبة أختك ؟ أنا قلت لك أني سأجهز أموري فقط .. لماذا؟ "
و صرخ بصوت أعلى و قد احمر وجهه :" لماذا .. لماذا لا تريد مني الزواج من أختك و تفضل جليل علي "
نظرت له مرتبكاً و لم أعلم بماذا أجيبه .. فغادر و هو يهدد و يوعد ..
--
وقفت أمام أمي و هي تجهز طعام العشاء .. خاطبتها بهمس :" هيا أمي أسرعي "
رفعت رأسها لي و قالت بابتسامة عميقة :" لا أريد أن أرسم أماني لكن ألا ترى أن هذا الشاب لأول مرة يزورنا لوحده ؟ "
ابتسمت لها و همست :" ظنك في محله أمي "
ضحكت بفرح :" أحقاً ؟ "
و رفعت يديها للسماء و همست :" ربي أتمم على خير "
عدت لغرفة المجلس و كان أبي منشغل بالتحدث مع جليل بكل راحة إلا أن جليل رغم أنه سعيد لكن هناك تقاطيع في كلماته ربما بسبب الارتباك .. جلست بجانبه و اندمجت في حديثهما و كان أبي يقول بين الفترة و الأخرى :
" حسام .. لماذا لم تعرفني على جليل لحظة تعرفك عليه ؟"
و شعرت و كذلك شعر جليل بأن كل شيء سيسير على ما يرام ..
--
في السيارة و على الطريق المؤدي لمنزل جليل .. التفت لي جليل قائلاً :" بصراحة .. والدك إنسان محترم للغاية "
نظرت إليه مبتسماً .. فقال بارتباك :" أنا أشعر أنك لست موافق لفكرة أن أتقدم لخطبة أختك "
تنهدت :" لا ليس كذلك .. بل الرأي الأول و الأخير لوالدي و أختي "
قال منفعلاً :" يهمني رأيك أنت .. كونك الأقرب لي و تعرف كل ظروفي و كل تفاصيل حياتي "
ابتسمت :" أنا لن أقول موافق أو غير موافق إلا بعد أن أسمع رأي أختي "
نظر لي بعمق ثم همس :" أتظنها ستوافق ؟ "
نظرت له لبرهة .. يبدو أنه خائف من رأي هيام .. أجبت :" لا أدري "
نظر لي بعمق ..ثم أسند رأسه متنهداً ..
=
فكرت أن نتناول غداء يوم غد معاً .. نحن الخمسة .. كمال و مهند و سهيل مشتعلين غيظاً على جليل و جليل لم يكلف نفسه عناء مراضاتهم و شرح موقفه ..فبعد أن خرجت أنا و سهيل من المدرسة اتجهنا لمحل كمال و دعوناه لتناول الغداء فقبل .. و مررنا على شركة الخياطة التي يعمل فيها مهند ..فاستأذن هو من مديره و صعد معنا السيارة ..و أخيراً .. خاطبتهم أنا متصنعاً المرح :" و الآن جليل "
تبادل مهند و كمال النظرات و سهيل زفر ..أوقفت السيارة أمام شركة التصميم الذي يعمل فيها جليل و اتصلت به فوافق .. فهبطت أنا من السيارة و دخلت الشركة و اتجهت للغرفة التي يعمل بها و دخلتها .. ألقيت عليه التحية .. فابتسم ..أسرعت إليه قائلاً :" هيا .. فالبقية ينتظروننا "
-
خرجت به من الشركة ..و اقتربنا من السيارة حيث كان بقية الأصحاب يرمقون جليل بنظرات ثاقبة .. فتحت الباب الخلفي و من عادة سهيل أن ينهض لمساعدتي على نقل من جليل من الكرسي إلى السيارة .. بل هو الذي يتكفل بهذه المهمة .. إلا أنه لم يتحرك .. مهند لم يتنحى ليفسح المجال لجليل بل نكس رأسه متجاهلاً إياه .. قرصته أنا قائلاً :
" مهند .. فلتفسح لجليل قليلاً "
رمقه بنظرة حادة ..ثم ابتعد حيث سهيل و ظلا يتهامسان .. نقلت أنا جليل من الكرسي إلى جانب مهند .. و أغلقت الباب .. و انشغلت بوضع الكرسي في صندوق السيارة الخلفي .. ثم أغلقت الصندوق و دخلت السيارة .. فرأيت جليل مستغرب من الملامح المرتسمة على وجوههم .. قدت أنا السيارة و لم ينبس أحد ببنت شفة ..
إلى أن وصلنا للمطعم .. و حول الطاولة جلسنا ..تقدم النادل و أخبرناه بما نود أن نأكل فابتعد .. زفر سهيل .. و مهند منكس رأسه و كمال ينظر لجليل باحتقار .. تفحص جليل وجوههم ثم قال مازحاً :
" ما بكم شباب .. هل أكلت الفأرة ألسنتكم "
برزت ملامح الغضب على وجه سهيل و كاد أن يشن حربه إلا أن مهند أوقفه هامساً بأذنه ببضع كلمات ..الغريب أن هذان الاثنان كانا عدوين لدودين .. إلا أن علاقتهما تطورت منذ أن بدأ جليل تحركاته نحو هيام ..
جليل ينظر إلى الثلاثة باستغراب ثم باستياء ..
أتى النادل و وضع الصحون على الطاولة ثم ابتعد ..شمرت أنا عن ذراعي مبتسماً :" هيا شباب .. يبدو الطعام مشهياً "
هنا بدأنا نتناول الغداء بهدوء .. قطع هذا الهدوء سهيل الذي لا يستطيع الصمت أكثر .. خاطب جليل بحدة :
" ماذا جرى على مشروع زواجك ؟ "
رفع جليل رأسه مبتسماً :" أبا حسام يبدو أنه أحبني كثيراً .. و أنا أظن أن مشروع الزواج هذا سوف يتم بإذن الله "
اشتعل كمال و قال :" لماذا و أنت تعلم أني كنت أنوي الزواج من أخت حسام .. ألا ترى أنك خدعتني و خنتني "
أجاب جليل منفعلاً :" كمال ماذا تقول .. ؟ أنا لم أخدعك و لكن الجميع كان يقول أنك لست مناسب لأخت حسام "
و التفت لسهيل و قال :" ألم تقل لي يا سهيل أن أقنع حسام أن يرفض كمال ؟ "
اشتعل كمال :" ماذا ؟ "
و صرخ سهيل :" لا تحاول الهروب يا جليل و لا تحاول إفساد العلاقة بيننا ..قلنا لك أن تقنع حسام أن يرفض كمال .. لا أن تتقدم لخطبة أخته .. يا كاذب يا منافق "
جميع من كانوا في المطعم التفتوا لنا مستغربين .. فقال جليل مخاطباً مهند :" سنرى يا مهند .. إن كان عجزي المشي سيعيقني عن الزواج من أخت حسام "
انفعل مهند :" هيه جليل .. بكل بساطة تقولها و لا تكترث بأنك بتصرفك هذا قلبت علاقتنا بك من الصداقة إلى العداوة ؟ "
و قال سهيل :" يبدو أننا لم نعد نهمك .. "
و صاح كمال :" و نسيت كل شيء فعلناه لك .. أخرجناك من القوقعة التي كنت تعيش فيها و ساعدناك على تكوين نفسك .. بعد هذا .. لم تكترث لصداقتنا القديمة معك "
عض جليل على شفتيه مغتاظاً ثم صرخ :" ماذا تقولون جميعكم .. أنتم من ستفسدون الصداقة بيننا "
و التفت لي قائلاً :" فلتقل شيئاً حسام .."
تنهدت :" بصراحة شباب .. كلكم أخطأتم .. سهيل و مهند أخطأتما عندما اتفقتما ضد كمال .. كمال أخطأت عندما صرحت برغبتك بالزواج بتلك الطريقة .. و جليل أخطأت عندما أقنعت سهيل و مهند بشيء و فعلت شيء آخر و لم تكترث لعواقب الأمور .. و الخطأ الأكبر أنكم جميعكم تفكرون بالزواج من فتاة واحدة .. هكذا لن يصل أحدكم لشيء "
==
الساعة الخامسة عصراً.. كنت آنذاك في شقة مهند .. أراقبه و هو يحلق ذقنه .. سألته :
" لماذا أنت رافض لفكرة زواج جليل "
نظر لي لبرهة .. ثم نظر للمرآة قائلاً :" لأنه .. "
و نظر لي قائلاً :" لأنه بذلك سيفسد مخططاتي "
و راح يغسل وجهه .. تأملته طويلاً ... ثم خاطبته :" مهند .. لماذا تكره جليل ؟"
رفع رأسه مقطباً حاجباه و تناول فوطة و مسح بها وجهه ثم قال :" أكرهه ؟ من قال ذلك ؟"
" تصرفاتك توحي بذلك "
تنهد و خرج من الحمام قائلاً :" لا أكرهه .. و لكنه يخدعنا "
لحقت به و قلت :" أنا لا أقصد ذلك .. أنت تكرهه منذ أن تعرفت عليك "
استدار لي مستغرباً .. فأتممت :" تجادله و تقلل من شأنه دائماً .. "
" نعم أجادله .. لكن كنصيحة مني إليه "
ابتسمت :" لا يا عزيزي يا مهند .. أنت لا تنصحه .. بل تحاول جاهداً أن تجرحه بكلماتك كلما سنحت لك الفرصة .."
نظر لي لبرهة ثم همس :" هو قال لك هذا ؟ "
" كثيراً .. هذا شعوره و شعوري و حتى شعور سهيل و كمال .. كلنا نشعر بهذا .."
ابتسم :" أحقاً ؟ "
و مشى نحو المطبخ .. تأملت المكان .. ثم لحقت به قائلاً :" هيه مهند .. شقتك مغبرة و متسخة "
فتح الثلاجة و قال :" ماذا أفعل ؟ "
صحت به :" لماذا لا تنظفها ..؟ "
أخرج قارورة ماء و قال :" متى سأجد الوقت لذلك ؟ "
نظرت له و هو يتناول أقراصه ثم قلت :" دعنا ننظفها "
نظر لي مستنكراً .. ثم قال :" هيه حسام .. و كأنك لست متزوج ؟ اذهب لزوجتك .. أنك لا تتناول الغداء معها و تخرج في العصر و أحياناً تتناول العشاء في منزل جليل .. أعانها الله عليك "
ابتسمت :" يبدو أنك ستصبح زوج مثالي "
نظر لي لبرهة .. ثم وجه قارورة الماء لي و قال :" إن لم تخرج و تعود لشقتك لسوف أبللك بهذه "
ابتسمت و أنا أنظر للأقراص .. و قلت :" مهند.. يبدو أن النوبات لم تعد تواتيك "
ارتسمت على شفتيه ابتسامة عميقة :" نعم .. لهذا أفكر بالزواج "
قلت بحدة :" جليل .. لا يحق لك الحديث هكذا حتى لو كنت صديقك .. يجب أن تضع في بالك أنها أختي و لم تنسب إليك بعد .. أفهمت ؟"
==
" علاقة سهيل و مهند تطورت حتى أصبحت تقلقني و تزعجني ..بصراحة أشعر أنهما يخططان لإيذاء جليل "
==
" بصراحة .. هي تقول أنه معدوم الشخصية و ليس لديه ثقة بنفسه .. لكنها لازالت تفكر .."
==
.. أوقفني قائلاً :" أرجوك حسام .. ابتعد .. أنا سأقود نفسي بنفسي "
|