كاتب الموضوع :
بـراءة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء السابع
تركته يلملم حاجياته ..و يتصل بصاحب العمارة ..و اتجهت نحو شقتي و دخلت غرفة ابنتي خلود و صرت أتفحص السرير ..أظنه يكفي مهند .. و قمت باخراج ملابس ابنتي من الخزانة و نقلتها لغرفتي .. هناك خرجت زوجتي جمانة من الحمام و تأملتني مستغربة و أنا أنسق ملابس خلود و أصفها في خزانتنا الكبيرة .. اقتربت قائلة :" ماذا تفعل ؟ "
التفتت لها و قلت بجدية :" هيه جمانة تفهمي الأمر .. لدي صديق سيأتي للعيش معنا عدة أيام و ......"
صاحت بغضب :" ماذا تقول ؟!!! أجننت ؟ تجلب لي أشخاص غرباء .. ؟ و حتى حريتي في شقتي ستسلبها مني ؟ "
اقتربت منها و قلت بهدوء :" جمانة .. ما هي إلا عدة أيام "
قالت بحدة :" لن أحادثك .. سيكون حديثي مع والدي عن ما تفعله بي .. إن كنت لا تغار علي فلي أهل يغارون علي"
خرجت من الغرفة متجاهلاً إياها .. و رحت أعلق قماش كبير كفاصل يقسم الشقة لقسمين ..لكي لا تكون لها حجة ..
بصراحة هي محقة !..
..
بعد ذلك .. أتيت بمهند و استقبلته في الشقة .. فدخل محرجاً .. و عينيه مدفونتان في الأرض .. و احترق خجلاً عندما رأى القماش الذي يقسم الشقة .. حثثته على الغرفة .. فدخلها و وضع حقيبته بجانبه و قال و هو يحك خده بخجل:
" آسف ..أظن أنني سببت لك الازعاج "
قلت بسخرية :" و لماذا تظن ؟ بل تيقن أنك أزعجتني و سببت فوضى و قلق و مشاعر متضاربة بيني و بين زوجتي "
نظر لي و وجهه ملطخ بحمرة خجل حارقة ممزوجة بشيء من الأسى .. ثم قال مازحاً :
" فلتدع المدام تصنع لنا عشاءاً مميزاً "
" و هل صدقت نفسك ؟.. أنها مضربة عن فعل أي شيء "
حملق بي لبرهة.. فقلت أنا :" لا تقلق .. هناك ما يكفي من الخبز و الجبن ..ليسد جوعنا "
هز رأسه مبتسماً .. فدخلت ابنتي خلود و قالت مندهشة :" بابا .. ماذا يفعل هذا بغرفتي ؟"
انصهر مهند خجلاً .. فحملتها و قلت ساخراً :" أنه اللص الذي جاء يسرق غرفتك منك " و ضحكت ..
و بقيت أتناول معه العشاء المزعوم ..و بشهية ! ..خاطبني بعد أن تلاشت نوبة الخجل .. :" حسام .. إن تقدم شخص مثلي لابنتك .. هل ستقبل ؟ "
نظرت له طويلاً .. فكأنني أريد استشفاف ما يريد الوصول إليه .. ثم قلت :" لا "
نظر لي باستغراب :" لماذا ؟ هل أنا بهذا السوء ؟ "
ضحكت :" نعم .. للأسف .."
نظر لي طويلاً ..مهند يعلم أني لا أحب مدحه حتى لو كان على صواب .. لا أدري لماذا ؟.. ترك ما بيده من طعام و خرج متنحنحاً .. و مشى نحو الحمام لغسل يديه .. نهضت أنا و اتجهت نحو غرفتي فرأيت جمانة قد بدت كأسد مفترس .. كانت غاضبة بشكل مخيف ... نظرت لي بنظرة قاتلة .. ثم نهضت من على الكرسي و اتجهت نحو الخارج .. فخاطبتها :
" احذري .. مهند في الحمام "
زفرت :" رباه "
--
في صباح اليوم التالي .. جلست على مكتبي مخاطباً سهيل :" البارحة لم أنم .. جمانة لم تسكت عن التذمر "
قال مستغرباً :" لماذا ؟ "
ضحكت :" المشكلة هذا الذي استقبلته بشقتي "
فتح عينيه باستغراب :" وافقت على عيش مهند معك ؟؟؟ لماذا ؟؟ "
قلت :" ماذا أفعل .. شخص مريض لا يسعني إلا مساعدته .."
"و أين هو الآن ؟ "
" صعد سيارة أجرة .. ربما سيزور أهله و تعود المياه لمجاريها "
" أتمنى ذلك "
--
بعد انتهاء الدوام ذهبت مع سهيل لمنزل جليل ..صعقت به و قد تغير كثيراً.. قد اتخذ له تسريحة شعر جديدة ..
سأله سهيل :" ما هذه الأناقة يا رجل ؟ و لماذا "
ابتسم :" كمقدمة للزواج .. على الأقل "
ضحكت أنا باستغراب :" حتى أنت ؟!! جميعكم تسعون للزواج ؟ صدقوني أنه بشع .. اسألوني أنا "
قال سهيل :" أنت حالة استثنائية يا حسام .. اما كان الخطأ العقلي فيك أم في زوجتك .. و الأرجح أنه فيك "
و غرق الاثنان في الضحك..
==
و أنا في طريق عودتي للشقة رن هاتفي .. فكان مهند .. أجبت :" ماذا لديك يا مهند ؟ "
" أنا منذ ساعة على باب شقتك أنتظرك .. هيا تعال "
" حسنٌ .. "
وصلت للشقة .. فرأيته مستند على باب الشقة يحادث حارس العمارة .. فوجئت بحارس العمارة يلتفت لي و يقول :
" ها قد جاء "
و غادر .. ! أكان يتحدث عني ؟.. اقتربت من مهند و خاطبته باستغراب :" ماذا لديك مع حارس العمارة "
تنهد:" و ما المهم في الأمر .. افتح الباب .. فلقد تعبت من الوقوف "
و دخلنا الشقة .. و فوجئت أنا بأصوات تنبعث من المطبخ .. اتجهت حيث هناك .. فكانت جمانة تعمل بجد و تطهو طعام الغداء و كم كانت الرائحة شهية للغاية .. اقتربت منها .. فارتدت حجابها مسرعة و همست :
" صديقك هنا ؟ "
ابتسمت :" نعم .. أ.. ماذا تطبخين ؟ "
ابتسمت :" سترى "
و كم كنت قاسياً طوال المدة الفائتة على هذه المرأة المسكينة التي تسعى لرضاي ..خرجت من المطبخ فرأيت مهند يتصل بأحد ما .. ظل ينتظر الاجابة ثم أجاب مرتبكاً :" مـ.. مرحباً جمال .."
صمت للحظات ثم قال :" ماذا قال أبي عن الموضوع ..؟ ....... و لماذا ؟ .. ألم ... جمال .. أنت ضدي أم معي ؟ ... و الآن ماذا أفعل ؟ .. إلى متى سأظل أعيش مع صديقي ؟ .. "
ثم قال باستياء :"اقنعه أرجوك ..وداعاً "
و أغلق الهاتف ..اقتربت منه و قلت :" هاه .. ماذا جرى ؟ "
نظر لي بحزن ..ثم تنهد :" ساعدني على ايجاد عمل و إلا بقيت معك طوال حياتي "
صرخت باستنكار :" ماذا ؟ "
==
و منذ ذلك الوقت بدأت أبحث عن عمل له .. المشكلة أن أعمال الحاسوب كلها لا تصلح له كونه مصاب بالصرع .. و الأماكن التي فيها موظفين قلة لا تنفع أن يعمل فيها ..سألت المشرف الاجتماعي لدى مدرستنا عن احتياج المدرسة لمشرف اجتماعي .. فمهند درس علم نفس عدة سنوات ..أجاب المشرف أن المدرسة لا تحتاج .. و كنت أقول في نفسي ذلك أفضل لأن مهند لن يفلح في هذا العمل ..ترى ماذا يحب أن يعمل مهند بالضبط و ما الذي يميل له ؟ إن أسأله هذا السؤال يتحير .. و يقول أنه لو وجد عملاً لما تردد في العمل ..
--
و في المساء .. كنت جالساً أشاهد التلفاز .. بينما جمانة تساعد خلود على كتابة واجباتها .. و مهند يدخن بقرب النافذة ..نظرت له جمانة باستياء .. ثم همست لي :" قل له أن يكف عن التدخين .. نكاد نختنق "
تنهدت .. و نظرت له و صرت أناديه :" مهند .. أطفئ سيجارتك "
و لا حياة لمن تنادي كان يراقب الشوارع ساهماً .. نهضت متجهاً نحوه ..وقفت بجانبه و سحبت من يده السيجارة بهدوء ففزع .. ثم تنهد و سحب السيجارة من يدي .. فقلت له بجدية :" كفاك تدخيناً .. خنقتنا "
نظر لي لبرهة ثم نظر لجمانة ..و رمى بالسيجارة من النافذة .. و عاد لغرفته ..وقفت للحظات أتأمل جمانة و خلود .. ثم اتجهت لغرفة مهند .. طرقت الباب .. فأجاب :" من ؟ "
" أنا .. و من سأكون "
" أدخل "
دخلت فرأيته يرتدي ملابس النوم .. سألته مستغرباً :" ستنام الآن ؟ الساعة لازلت الثامنة و النصف "
ابتسم ببهت :" لكي لا أثقل عليكما .. "
نظرت له طويلاً .. فخرج هو من الغرفة متجهاً للمطبخ .. لحقت به .. فرأيت يصب له ماءاً ..فجأة توقف عن الصب .. و بقى يتأمل كأس الماء بعمق ..و بيده الأخرى عبث بشعره ثم ضغط على جبينه .. فسألته :" ما بك ؟ "
بجهد حرك بؤبؤيه و نظر لي و هو يمسك برأسه ..فوجئت بالكأس الذي بيده يهوي و ينكسر .. نظرت له بسرعة ..و كان كما توقعت جاءته النوبة المرعبة ..أمسكته فهوى هو على الأرض و هويت معه .. انطلقت صرخة مدوية من جمانة لدى رؤيتها له ..صاحت برعب :" رباه .. ما الذي يجري ؟ " و صارت تصرخ خوفاً ..
بسرعة تناولت فوطة صغيرة بيضاء و وضعتها بين أسنانه و صرخت بجمانة :" اجلبي حقيبته بسرعة "
ركضت بسرعة ..أمسكت بشدة على يديه .. عدت أنظر للعينين الجامدتين و الدموع التي تبلل وجهه و لجسمه و كيف يرتجف بكل ما فيه و للدم الذي يلطخ الفوطة ..رمت جمانة بالحقيبة و صرخت خائفة:" أنه يزداد في ذلك يا حسام ..سيموت "
صرخت بها :" أبعدي أنت خلود "
و مددت يدي و سحبت الحقيبة و صرت أبحث عن الأقراص التي يتناولها ..و هو يزيد في ارتجافاته .. رأيت مادة غريبة تخرج من فمه مع الدم .. صرخت مفزوعاً :" مهند .. مهند .. ارفق بنفسك .. ستموت ..ستموت! "
|