كاتب الموضوع :
بـراءة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء الرابع و الأربعون
و الأخير
مر كل شيء بسرعة .. بعد أربعة شهور .. دعونا نذهب ناحية أهل مهند .. يهمس لي مهند قلقاً و يقول أن هناك ثمة خطط و تدابير و مكائد تخطط له عائلته .. من خلف الأقنعة المصطنعة .. بينما هو يفرش الجناح الخاص به تحت مراقبة هيام .. التي تدخل المنزل و تخرج .. دون أن تقبل رأس حماتها و دون أن تبتسم لعمها أو أي أحد يعيش هناك ..الأمر الذي يقلق مهند .. و هو يلحظ تلك النظرات الثاقبة التي تلمع في عيون أهله.. هيام .. لا تهتم بأي شيء ..الذي زادني قلقاً فوق قلق .. صرخة من هيام موجهة نحو مهند :
" ثلاث ساعات سأقضيها في المشفى ..لأجل تخطيطك ؟ لست مضطرة أبداً "
نظر لها مهند بحزن ثم نظر لي و عاد ينظر لها قائلاً :" عليك الاعتياد على هذا الوضع .. أنا تقريباً كل اسبوع أذهب لأجري تخطيطاً .. "
تنهدت :" سأتعود .. لكن يا عزيزي .. سأنتظرك في المنزل .. ليس هناك داع لأنتظرك في المشفى "
تدخلت أنا :" هيام .. يجب أن تقفي معه في كل مشاكله "
قالت بحدة :" أقف معه ثلاث ساعات أجننت ؟ معه السائق .. أنا سأبقى في المنزل "
تنهد هو :" لا بأس .. "
--
أقيم حفل زواج مهند بهيام .. و بدآ العيش في منزل أهل مهند و منذ ذلك الوقت و أنا قلق على الاثنين .. خصوصاً أختي هيام المدللة و المغرورة و التي مستحيل أن تتصور أن من الممكن أن يكون أهل زوجها متربصين لها يسعون لتنفيذ الانتقام فيها .. هي لم تدرك جيداً قصة مهند مع أهله ..تظن أن الموضوع هو مجرد طرد أبا مهند له من المنزل .. هي لا تعلم أن فياض مختل عقلياً .. صرت أتصل بهما يومياً .. يصلني صوت هيام ناعساً :
" الساعة السابعة يا أخي .. و أنا سهرت البارحة .. بربك دعني أنام و دع عنك الظنون و المخاوف "
قلت بحدة :" هيام .. الآن الآن اذهبي لعمك و سلمي عليه و تحدثي معه بلطف و لا تنسي حماتك و لا تنسي البقية .."
تنهدت :" حاضر .. حاضر .. لكني سأتمم نومي "
صحت بها :" هيام لا تتساهلي بالموضوع .. و إياك و الاحتكاك بالمسمى فياض .. أين مهند "
زفرت :" نائم "
قلت منفعلاً :" هل تريدان من فياض أن يفجركما بقنبلة .. أيقضي زوجك بسرعة و اهبطا لتناول الفطور مع الأسرة كلها "
انزعجت :" صدعت رأسي يا حسام .. حاضر ، حاضر "
--
وصل بي القلق لدرجة أني نويت زيارة مهند لأرى الوضع هناك ..صحيح أنه لم يمر على زواجهما إلا أربعة أيام .. لكني كنت خائفاً على أختي و صديقي و يحق لي ..أخذت معي زوجتي و طفلتي ..و انطلقنا نحو منزل أهل مهند .. جلسنا في الصالة .. و ظللنا ننتظر هيام .. مهند سعيد للغاية و ذلك باد على ملامحه .. هنا هبطت هيام بدون حجاب و خاطبتنا قائلة :" اجلسوا في غرفة الجلوس .. لنأخذ راحتنا "
رمقها مهند مقطباً حاجباه مستغرباً .. فغطت شعرها بشال كان على كتفيها و قالت متنهدة :" هيا "
انتقلنا كما رغبت هي ..و جاءت هي و جلست بجانب مهند الذي انقلب من الفرح إلى الغضب .. فنظرت هي إليه لبرهة .. خاطبتها أنا :" هيام .. ما هي أحوالك هنا "
نظرت مجدداً لمهند ثم قالت :" أشعر أني الوحيدة التي أعيش هنا .. أبا مهند سافر .. ربما هروباً من رؤيتي .. أم مهند لا تخرج من غرفتها أبداً ..زوجة أبيه دائماً مع الجيران .. و إن عادت و لا تخرج من المطبخ .. أخوات مهند يعشن في منزل عمهن و سوف يعدن مع عودة أباهن أما أخوته الشباب .. لم أراهم منذ أن تزوجنا .. و عندما أسأل مهند عنهم يقول أنه لا يعلم بامرهم .. الشيء الأكبر .. مهند في عطلته يخرج مع تلك المدعوة رحاب زعماً بأنه يساعدها على عملها المتراكم "
نظرت لمهند الذي ينظر لها من طرف عين .. أشعر به سينفجر غضباً ..ثم اصطنع ابتسامة قائلاً :" سوف أترككم لوحدكم "
--
" كيف حالك يا ابن العم ؟ "
رمقها كمال بسعادة لا توصف و صاح :" سوسن ؟ لا أصدق عيناي "
ابتسمت هي بخجل و قالت :" أنا أعمل هنا في المشفى منذ اسبوع .. ماذا عنك ؟"
ضحك :" أنا لازلت بائعاً .. "
و اشار لي :" هذا صديقي حسام ..أفضل شخص على هذه الكرة الأرضية "
ضحكت بسعادة :" لا تبالغ "
فخاطبني :" هذه ابنة عمي الغالية سوسن "
و عاد يخاطبها :" مستحيل أن أنقطع عنكم مجدداً .. "
ضحكت هي :" إذاً .. لماذا لا تزورني هنا في الأيام المقبلة .. أظن أن المشفى قريب جداً من أحد محلاتك "
قال بفرح :" بالتأكيد سأزورك .. أتساءل هل تغيرت في حبك للمشاحنات ؟ "
ضحكت :" اطمئن .. لم أتغير "
ابتسم بسعادة تغمره ....و كنت غارقاً في أفكاري و أنا أرمق تلك الفتاة سوسن .. كأني ألمح شيئاً قادماً من بعيد ..ماشياً على قدميه .. أنه الحب على الأرجح ..
--
جاءني هذا الحديث كالصاعقة .. سمعته بالصدفة .. أو .. لكي لا أكذب عليكم فأني سمعته بالتجسس كالعادة .. سمعته من هيام و هي تهمس به في اذن جمانة :" ذلك المسمى فياض يحاول ايذاء مهند أو ايذائي بأي شكل من الأشكال و يستغل سفر أبيه ليمارس علينا أفعاله المخيفة .. لا تعلمين ..يتسلل إلى غرفتنا أثناء غفوة مهند و كنت مع أم مهند نرى هذه الحركة كل يوم تقريباً .. أتدرين ما يفعل ؟ يحاول أن يصيب زوجي بصدمة عصبية .. أنه يذهب ليفزعه من نومه .. و لم يتركني أنا بحالي .. دائماً يتسلل ببطء إلي و يفزعني بصرخة مدوية تجمع العائلة بأكملها "
قطبت جمانة حاجبيها :" و ماذا تفعلان ؟ "
تنهدت :" مهند يلزم الصمت أما أنا فلا أستطيع .. كنت أشكو تصرفاته لأمه أي زوجة أبي مهند الثانية ..فما كان منها أن تقول بكل بساطة أنه يمازحنا كوننا ضيفان في هذا المنزل .. و كانت تصر بوقاحة أننا ضيفان و سنخرج قريباً و هناك شيء آخر .. أخت مهند تحاول أن تشوه صورته أمامي .. تقول أنه كان يشرب الخمرة و كان يدخن .. بالتأكيد أنها تكذب .. "
نكست جمانة رأسها ثم قالت :" أي شيء عائلي يحدث لا تتدخلي أنت فيه و إن تحدثوا عن مهند بسوء قولي لهم أنك تعرفين ذلك و أنك مقتنعة به و بسلبياته "
زاد قلقي كثيراً .. ربي احفظك يا هيام من ذلك المتوحش فياض ..
[--
تعودت على التجسس على أحاديث هيام مع جمانة .. فأقلق أكثر فأكثر .. حتى أردت أن ألم بالأمر و أذهب لزيارة مهند في منزله فأحدثه عن هذا الموضوع الذي أقلقني أنه قال :" لن نتقابل في المنزل لأن أخي فياض هنا "
شعرت بحجم الخطر لكني أصررت على الحضور بوجود بفياض .. في غرفة الجلوس مهند يقفل الباب و هو يقول لي :
" أرأيت كيف يتربصني .. قلت لك لا يجب أن نتقابل في المنزل بوجود فياض "
نظرت لمهند طويلاً ثم قلت :" ألهذه الدرجة .. أنا صرت أخشى على أختي "
تنهد مهند :" لا .. أختك لن يمسها أي سوء .. هي تضخم الأمور و حسب "
" لكنها تقول أنه يتسلل لافزاعكما و .. "
قاطعني :" الموضوع ليس هكذا .. هذه الحركة هو يفعلها مع الجميع و حتى لو كنت أنا أكثر شخص يفعلها معي .. فأنه لا يفزع هيام إلا نادراً .. الموضوع أنه لا يعلم حدوده تجاه هيام و أنها فتاة غريبة عنه لا يحق له الاقتراب منه لهذا الحد و فعل هذه الحركات معها .. أنا صرت أتحير كثيراً .. كيف أفهمه هذا ..و حتى جناحنا صار يجول فيه دون استئذان .."
قلت قلقاً :" إذا كان الموضوع هكذا ماذا ستفعل "
تنهد ثم ابتسم :" هذا شيء لا يستحق قلقك يا حسام بالتأكيد سأجد طريقة للتفاهم معه "
نظرت له لبرهة ثم قلت بحدة :" مهند ما قصتك مع رحاب ؟ هل انتبهت لتوك أنها تستحق اهتمامك و بعد أن تزوجت ؟ "
نظر لي بصدمة :" حتى أنت يا حسام ؟؟ مجرد أني أساعدها في ............."
" لا يجب عليك تبرير هذا لي .. برر هذا لهيام التي صارت تتوقع أن رحاب قريباً ستكون ضرة لها "
--
سافر مهند و هيام لاحد البلدان .. .و مرت الأيام .. حتى اتصل بي مهند و قال :
" أختك عائدة الآن "
" و أنت ؟ "
" أنا سأبقى .. "
" كيف ذلك ؟"
" أختك عائدة بعد أن طلقتها "
..
شعرت بالأسى كثيراً .. فانتظرتها فجاءت بوجه شاحب .. خاطبتها بهمس :" لماذا ؟ "
نكست رأسها بحزن و قالت :" هو شاء ذلك "
و رفعت رأسها بعينين مغرورقتين بالدموع و قالت :" كله بسبب أخاه فياض "
----
بعد ثلاث سنوات من هذا .. و قرب شاطئ البحر .. أرى كمال يسير بجانب زوجته سوسن التي تحمل طفلاً سميناً ..يلتفت لي كمال و يضحك فأبتسم له .. أدرت رأسي ناحية مهند و زوجته رحاب المنشغلان بالشواء بينما كان طفليهما يحومان حولهما بفرح .. لوحت لمهند فضحك فرحاً .. ابتسمت .. و أدرت رأسي للخلف حيث كان سهيل يوبخ زوجته سجى ثم يأخذ طفلته من يديها بغضب و يستدير فأنفجر أنا ضحكاً.. و مجدداً أدير رأسي فأرى جليل و زوجته حسناء مع ابنهما يجلسون حول الطاولة و يتناولون طعامهم .. التفتت لي جليل فضحكت له ..
نكست رأسي قبل أن أنظر لكتلة الكآبة التي تقبع هناك .. نظرت لها .. وسط أمي و أبي و أخي تجلس و مثلي تراقب هؤلاء الأربعة بحزن .. ثم تنكس رأسها .. حاولت الهروب من كابوس العنوسة لكنها هربت إلى كابوس أشد رعباً .. مطلقة ثلاث مرات .. يا ترى أي حزن يعتريها في هذا الوقت ؟؟ ..
" حسام .. أراك سعيداً "
التفتتُ لها .. جمانة .. ضحكت :" مم .. لا شيء "
و عدت أراقب عينيها و ابتسمت بود قائلاً :" بصراحة .. أنا محظوظ بك يا زوجتي العزيزة "
ابتسمت هي بخجل فحولت أنظاري لابنتي خلود .. فعلاً الحب لا يأتيك سيراً على الأقدام .. بالتأكيد عليك أنت من تسعى إليه سيراً على الأقدام ..
تمت
24 – 8 – 2008
الساعة 6:55 مساءاً
|