* رحلة الحبشة:
من الأستانة إلى أديس أبابا * تأليف: صادق باشا المؤيد العظم
"إرتياد الآفاق" سلسلة من الكتب في أدب الرحلات، أعدها وحررها نوري الجراح وهو يهدف منها إلى بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا
العربية من خلال تقديم كلاسيكيات أدب الرحلة، إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودونوا يومياتهم، وانطباعاتهم ونقلوا صوراً لما شاهدوه وخبروه في أقاليمية قريبة وبعيدة، لا سيما في القرنين الماضيين، وفي هذا الكتاب الذي هو واحد من هذه السلسلة المذكورة، يجمع المحرر ما دوّنه القائد السوري والعسكري
صادق باشا المؤيد العظم في رحلته التي سافر بها إلى الحبشة ضيف سنة 1896 والتي دامت ثلاثة أشهر؛ وفي كتابه هذا يدوّن الرحالة وقائع رحلته وما حفلت به من أحداث ومشاهدات يوماً بيوم، وبالتالي فهي تشبه في ترتيبها المذكرات اليومية، ولم يهمل الكاتب يوماً ولم يدوّن فيه ما شاهده وسمعه وقراه ووقع له، حتى ليخيل إلينا أن الكاتب لا همّ له أكبر من تدوين الرحلة.
والواقع أن صادق باشا العظم يفصح هنا عن كاتب رحلة محترف، ورحلته هذه تضعه في مصاف كبار كتابها العرب والأجانب، لما يتميز به من دقّة في التعبير، وأمانة في النقل، ورهافة في وصف المشاهد، وذكاء في قراءة الظواهر، وبساطة في اللغة وطلاوة في العبارة، وطرافة في التعليق. فهو يذكر بعناية كبيرة الأمكنة ومحطات التوقف، ودرجات الحرارة والمواقيت، إلى جانب التقاطاته اللمّاحة في أمور ومسائل شتى تتصل بالناس والسلوك والعلاقة والبيئة. وفي كل مكان يحل رحالتنا فيه، تراه يدوّن مشاهداته، واستكشاف للطرق بين المدن والحصون والمواقع، والوقائع اليومية للمسافرين، وما يواجههم من متاعب ومشاق ونجاح وإخفاق ومفارقات خلال السفر. وثانياً: نقل الصور والمشاهدات والظواهر على خلفية متصلة من حوادث الطبيعة، واختلاف الجو، وتبدل المناظر، التي لا تتوقف مدّ الرحلة بعالم من الجمال الطبيعي، يسوده اختلاف الطقس بين وادٍ وجبل، وهو إلى هذا وذاك يرسم ملامح وصفية للناس تكاد تكون قطعاً أدبية ملهمة... ومن أول ورقة في الرحلة إلى ختامها، يبدو العظم لنا مشاهداً يتأمل وينصت ويدوّن بسرعة بديهة، وخبرة في الكتابة لافتة، لا يضير صاحبها أن يكشف عن جهله بأمر، ما دام في دور المستكشف، أو أن يسخر من خرافة أو مفارقة ما دام في وضع من يحتكم إلى العقل. وهو يفعل ذلك بلغة أنيقة مقتصدة وجذابة.
تصنف هذه الرحلة في عداد الرحلات الدبلوماسية، ومؤلفها
صادق باشا المؤيد العظم شخصية عثمانية معروفة، قام برحلته إلى الحبشة في ربيع وصيف سنة 1896 موفداً من قبل السلطان عبد الحميد، ومعه رسالة إلى النجاشي منليك الثاني امبراطور الحبشة الذي استقبله في بلاطه بحفاوة تليق بشخصية كبيرة، وهو سوري ينتمي إلى أحد أعرق البيوت الدمشقية. وإلى جانب "رحلة إلى الحبشة" له كتاب آخر عنوانه "الرحلة إلى صحراء أفريقيا الكبرى".
بدأ صادق باشا رحلته في 15 ابريل/نيسان من السنة المذكورة منطلقاً من ميناء اسطنبول على ظهر باخرة فرنسية متجهة إلى مرسيليا ورجع إلى الاستانة على ظهر باخرة روسية يوم 16 يوليو/تموز من العام نفسه، واستمرت رحلته ثلاثة أشهر، وبين هذين التاريخين حملته بارجة حربية فرنسية، من بورسعيد إلى سواحل جيبوتي وسفن أخرى استقلها قبل ذلك من موانئ في اليونان وإيطاليا ومصر، وقطارات بين دريدوه وهراري، والإسماعيلية والإسكندرية، وعشرات البغال المدربة على صعود الجبال الوعرة واختراق الغابات والأدغال الكثيفة وعبور الأنهار الجارفة في المناطق الإفريقية وصولاً إلى أديس أبابا.
http://www.liillas.com/mallouli/raha...tanh-a-ala.pdf