كاتب الموضوع :
وداد التميمي
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وساد صمت ، أخذ الغلام أثناءه يستوعب هذه المعلومات وما أن أوشكت على الكلام مرة أخرى ، حتى رأت كتفيه المتصلبتين تسترخيان قليلاً ، ثم يقول بهدوء :
-إن هذا حسن . أعني أن تجد مكاناً في دار المسنين .
ونظر إلى نار المدفأة . ورأت نيرن الدموع تتألق في عينيه وهو يتابع قائلاً :
- لقد كان من الكثير عليها أن تعتني بي ولكنها لم تكن تستمع ألي والآن ستجد هي من يعتني بها.
وتدفقت مشاعر نيرن . كان واضحاً أنه لم يفكر مقدار ذرة في مأزقه هو في أن تغيير وضع عمته يعني تغيير وضعه هو أيضاً وهو تغير قد يؤدي إلى انقلاب عنيف آخر في حياته .
وعندما نظرت إليه ، وإلى الشجاعة التي أراد أن يظهرها في طريقته الشاذة في ملابسه وإلى الضعف الصبياني في وجه الفتي الذي كان يظهر عليه الآن بجلاء مظاهر الألم الذي عاناه في حياته عند ذلك عرفت ما عليها أن تفعل عرفت ماذا تريد أن تفعل .
وما أن قررت أمرها ، حتى شعرت بعبء ثقيل ينزاح عن قلبها وشعرت بارتياح لم تشعر به منذ شهور كثيرة . وقفت تنظر إليه وهي تشبك يديها معاً بشدة ودهشت وهي ترى راحتيها تنضحان عرقاً ولكنها تساءلت عن الغرابة في ذلك ... وهل في كل يوم تتخذ المرأة قراراً خطيراً مثل هذا؟ ولكن ماذا سيكون رأي كيلتي في ذلك؟
رفع كيلتي تنورته إلى خصره وهو يقول :
- أظن من الأفضل أن أذهب إلى سريري يا نيرن .
ولكن التنورة سرعان ما انزلقت إلى وركيه مرة أخرى وتابع يقول :
- بالمناسبة لقد قررت الكف عن التدخين إنني أعرف أنكِ لا تحبينه وأنا لا أريدك أن تقلقي خوفاً من أن أشعل النار في برواش وقد رميت آخر سيكارة خارجاً قبل دخولي .
فقالت : ما رأيك في البقاء هنا يا كيلتي؟
وحالما انطلقت الكلمات من فمها شعرت نيرن بأن الغلام قد انتابه التوتر مرة أخرى فتابعت تقول :
- وأنا لا أعني أن تبقى في الغرفة الصغيرة على السطح ولو أن لا بأس بها مؤقتاً ما دمت تريد ذلك ، كلا بل أعني أن تعيش هنا في برواش ما دامت عمتك آني ستدخل دار المسنين .
فسألها قائلاً وقد بدا الحذر في عينيه :
- هل تعنين بصفة دائمة؟ مثل ... أحد المستأجرين عندك؟
فضحكت بصوت مرتجف وهي تقول : كلا ، آه ....
ما كان لها أن تضحك فقد تجمدت عينا الغلام كما تصلب جسمه فقد ظن أنه نطق بحماقة ما أو بدا وقحاً وبسرعة تابعت تقول :
-إن دكتور كوغيل يرى أن فكرة الحضانة هي فكرة حسنة وهذا أفضل من إرسالك إلى دار العناية إن بإمكانك أن تعيش معي وسيكون ذلك بإجراء قانوني ، فيكون كل شيء شرعياً ...
فانحنى وأخذ يسوي ثنية جوربيه ومع سرعته في الحركة فقد تمكنت نيرن من أن ترى اللمعان في عينيه فلم تدهش وهي تراه يقف منتصباً وهو يقول :
- هل فكرتِ في الأمر يا نيرن؟ هل هذا ما تريدينه أنتِ حقاً؟
فأجابت باسمة : نعم .
كانت تعلم بأنها قد صنعت القرار الصحيح وتابعت تقول : هل تظن أن بإمكاننا القيام بالتجربة؟
وقبل أن يجيب تناهى إلى مسامعهما صوت فتح الباب الخارجي يقتحم فيض المشاعر التي شملتهما ورأت عينيه تغيمان ويتصلب ظهره . ما أسوأ هذا التوقيت وداخلت نيرن الخيبة . لماذا لم يبق ستروم غالبريث في الخارج عشر دقائق أخرى؟ ربما سيصعد إلى غرفته مباشرة ...
ولكنه لم يفعل وبينما كانت وكيلتي واقفين يستمعان ، فتح باب غرفة الجلوس ودخل منه ستروم وبدا عليه عدم الانتباه إلى التوتر الذي كان يسود الجو وهو يسير مباشرة نحو المدفأة قائلاً :
- إنها ليلة باردة حتى بالنسبة إلى شهر شباط ( فبراير)
قال كيلتي :
- إنني صاعد إلى غرفتي يا نيرن وشكراً لإخباري عن عمتي . وألقى نظرة قصيرة على ستروم قبل أن يستدير مرة أخرى إلى نيرن قائلاً : وبالنسبة إلى ما كنا نتحدث عنه ، أظنها فكرة عظيمة وليس عندي خيار آخر ، أليس كذلك؟ وبعد أن مات أمي و أبي ودخلت عمتي الدار لم يبق لي أقرباء ليعتنوا بي وسأشعر بالفخر إذا اعتبرتني بمثابة ولدك .
ولأول مرة في حياته عانق نيرن كان عناقاً سريعاً غريباً وكانت رائحة التبغ تفوح من قميصه المقفل ثم ذهب ولكن حداثته وضعفه مسا قلبها .
كانت تعرف أن هذا الأمر سينجح لأنهما كانا يودانه هما الاثنان . ولم تستطع أن تصبر عن إخبار كيلا . وفي نفس الوقت قررت بعد أن اغلق باب غرفة الجلوس وبقيت بمفردها مع ستروم غالبريث شعرت بأنها تريد أن تشارك أحداً باخبارها وتحتفل بالمناسبة فليس في كل يوم يتيسر لامرأة أن تصبح أماً ....
واستدارت نحوه تقول ببشاشة :
- هل تريد أن تتناول معي فنجان قهوة؟ فقد حدثت هذه الليلة أشياء كثيرة .
فقال بصوت أجش وكانت عيناه قاتمتين غامضتين بعثتا قشعريرة في جسد نيرن :
- لقد سمعت ، انكِ سترعين الغلام أتظنين أنه قرار حكيم؟
|