كاتب الموضوع :
وداد التميمي
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وسألته وهو يقف سيارته بين سيارة آدم الروفر وبين سيارتها هي الفان قائلة :
- هل لدك أمتعة ؟
- حقيبة واحدة فقط موضوعة في صندوق السيارة ، وأضاء مصباح السقف ثم مد يده يتناول معطفه من المقعد الخلفي وعندما استدار عائدا احتك كتفه بكتف نيرن ، تراجعت إلى الخلف بسرعة وكأنما لدغت وقد اشتبكت بعينيه بحركة لا إرادية .
وتوترت عضلات فكها بشكل غريب وفكرت في أن كيلا كانت مخطئة إذ حتى كلمة رائع لم تكن كافية لوصف هذا الرجل .. كان خلابا أنيقا وقاسيا .. وغشت الأوصاف ذهنها بالضباب وقد توقفت أنفاسها بعد نظرة واحدة ألقتها عليه استوعبت بها وجهه الهضيم بقسماته القوية وعينيه الزرقاوين النفاذتين تحت حاجبين طويلين أسودين وكان شعره اسود كالليل الفاحم لم تلمع فيه شعرة واحدة بيضاء رغم أن الخطوط التي كانت حول فمه وعينيه كانت تنبئ بأنه في حوالي الأربعين من عمره .
لماذا لم تلاحظ كل هذه الأشياء حين تقابلا في المقبرة ؟ هل كان السبب تأثرها البالغ بمظاهر الوحدة والكآبة التي كانت تلوح في عينيه ؟ عينيه هاتين اللتين كانتا تنظران الآن في عينيها بطريقة غريبة ؟
وسمعته يتمتم :
- عفوا ، وبحركة سريعة فرك كتفه فتابعت بنظراتها حركته تلك وقلبها يخفق وكان ذهنها موزعا بين كنزته الكشمير الفخمة وبين ارتباكها لهذه المشاعر التي أحستها نحوه .
وعندما توقفت السيارة أمام الباب فتحت باب السيارة وخرجت حيث وقفت تنتظره على أعلى الدرجات وبينما كان يحضر حقيبته من صندوق السيارة كانت هي ترغم نفسها على تمالك مشاعرها وعندما واجهت الحقيقة شعرت بالذنب يصفعها على وجهها .
وارتجفت وهي تعض شفتيها بينما كان ذلك الرجل الفارع القامة يصعد الدرجات ليقف خلف بجانبها ، واستدارت تفتح الباب وتدخله إلى الصالة وبينما عادت تغلق الباب كانت أختها كيلا وزوجها آدم يبرزان من باب غرفة الجلوس وهما ينظران إليهما بأعين متسائلة .
وقهقهت كيلا ضاحكة وهي تقول :
- آه لقد ذهبت وراءه لقد قلت لآدم انك لابد خرجت لهذا السبب .
تناولت نيرن من الغريب معطفه متجنبة النظر في عينيه ثم ابتعدت لتعلقه في الخزانة مستغلة هذه الفرصة لتتمالك مشاعرها وعندما عادت قالت وهي تبتسم ببساط وقد بان الصفاء في عينيها :
- نعم كان ذلك سبب خروجي .. وقد وجدته عند البوابة متأهبا للتحول نحو الطريق .
ولاحظت أن الغريب كان قد وضع حقيبته قرب الباب ، فتابعت تقول :
- هيا بن نجلس قرب المدفأة فأنا أكاد أتجمد من البرد أن الحق معك يا كيلا ، فهذه الليلة بديعة تماما لكنها ما زالت شديدة البرودة .
وبينما اتجهوا جميعا نحو غرفة الجلوس الفسيحة قال آدم :
- هل تعارفتما يا نيرن أنت والنزيل الجديد ؟
فأجابت :
- كلا مع أن هذه هي المرة الثانية التي نتقابل فيها ، فقد جمعتنا المصادفة في المقبرة عصر هذا اليوم .
ونظرت إلى الغريب قائلة وهي تمد يدها :
- إنني نيرن كامبل
وبعد لحظة تردد قصيرة تمتم قائلا :
- ستروم غالبريث
ومد يده الدافئة وضغط على يدها المثلجة وتملك نيرن الهلع وهي تشعر لدى ضغطه على يدها بنفس الشعور الذي تملكها عندما احتكت كتفه بكتفها في السيارة ، لكنها الآن كانت أكثر ضبطا لنفسها كما استطاعت سحب يدها من يده وهي تقدم إليه كيلا وآدم بصوت ثابت .
وعندما حول انتباهه نحو الآخرين نظرت هي إلى وجهه متأملة واعترفت لنفسها بأنها لم تر رجلا مثله قط من قبل في بلدة غلينكريغ .. ليس فقط من ناحية ملابسه الثمينة غير العادية ، فقد كان مظهره ينطق بكل معاني السلطة والسيطرة ابتداء من كتفيه القويتين إلى ملامحه الخشنة . كان طويلا ضامرا قوي العضل كان من ذلك النوع من الرجال الين يجربون كل شئ إلى أقصى حدوده والذين لا يطيقون استغفال الآخرين لهم .
كان من نوع الرجال الذي تصعب معرفتهم ، من اين أتتها هذه الفكرة الأخيرة ؟ أخذت تتساءل عن هذا مع إنها كانت متأكدة من صحة حكمها ذاك ، لقد تحدث منظره بصراحة من خلال الجدار غير المرئي الذي أقامه حول نفسه فهو يقول يمكنك أن تقترب مني بهذا القدر إنما لن اسمح لك بأكثر من هذا وربما لم يكن منتبها كما لمحت نيرن إلى انه عندما نظرت هي إلى عينيه أثناء وجودهما في المقبرة لمحت لحظة واحدة من خلال شق في جدار نفسه ذاك مكانا موحشا كئيبا جعلتها تدرك أن لا مكان فيه لأحد .
واخترق صوت شقيقتها أفكارها وهي تقول :
- سأحضر القهوة يا نيرن
|