كاتب الموضوع :
وداد التميمي
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الحادي عشر
- ليلة سعيدة يا نيرن إنني ذاهب إلى الفراش . وما أن سمعت نيرن صوت كيلتي هذا الآتي من عند الباب خلفها حتى التفتت إليه من حيث تجلس أمام المدفأة في غرفة الجلوس وقالت تجيبه : هل انتهيتما من تجهيز الغرفة المظلمة؟
فأجاب : نعم وأشكر لك سماحك لي باستعمال ذلك المكان .
فقالت : ان تلك الغرفة الصغيرة الملاصقة للمطبخ خالية منذ سنوات .. ولكونها تحتوي على حوض للغسيل فهي ستناسب عملك تماماً . هل أنت مسرور بالمعدات التي اشتراها لك ستروم في انفرنيس؟
فأجاب : ولماذا لا أكون مسروراً وكل شيء اشتراه لي هو من أجود الأنواع؟
وحاول كيلتي أن يضفي على كلامه صبغة مرحة ولكن نيرن شعرت بزيف محاولته تلك . ذلك انها ، عندما عاد من المدرسة وعلم أن والده ما زال في برواش ولم يغادر رأت لمعان السرور في عينيه ...
ولكن ذاك المعان سرعان ما أطفأه ستروم بقوله انه فقط أرجأ رحيله إلى اليوم التالي ذلك أن الشروع في الرحيل باكراً في الصباح كما قال سيكون أفضل من ناحية هدوء الطرقات وخلوها من زحمة السير ولكنه على كل حال أخبر كيلتي أنه سيأخذه إلى مدينة انفرنيس للتسوق ومن ثم ذهب الاثنان بعد ذلك بعشر دقائق وقد تناولا طعامهما في الخارج وعادا في الساعة التاسعة والنصف حيث شرعا في الحال في تجهيز الغرفة المظلمة لكي يخرج فيها كيلتي أفلامه ولم تشأ هي ان تقف معهما مفضلة تركهما وشأنهما وفي الساعة العاشرة ذهبت إلى المطبخ تصنع لنفسها كوباً من الشاي ووصل صوتهما إلى أذنيها أثناء اجتيازها باب غرفة الحديقة المفتوح وكان كيلتي يلقي الأسئلة بصوت حاد خشن النبرات وكأنه يريد به ان يخفي مشاعره بينما كان ستروم يجيب بصوته العميق الواثق بسهولة نابعة عن معرفته الكاملة بالتصوير الفوتوغرافي وكانت العلاقة بين الاثنين واضحة لا تخطئها الأذن زادتها هوايتهما المشتركة في التصوير وشعرت نيرن بالألم وهي تسمع إلى انسجام صوتيهما . الألم لأجل كيلتي الذي كان متلهفاً إلى منح حبه لأبيه ... والألم لأجل ستروم الذي كان يحاول جاهداً عدم تقبل ذلك .
وانتبهت من ذكرياتها هذه لترد على كيلتي : نعم . معك حق إن ستروم لا يشتري سوى الأجود دوماً .
ونهضت تسأله : أين هو الآن؟
فأجاب : أظنه ذهب إلى غرفته .
وشعرت نيرن بفيض من خيبة الأمل . لقد أمضى طيلة الوقت مع كيلتي ... في ذهابهما إلى انفرنيس ثم أثناء انشغالهما في الغرفة المظلمة ... وأخذت تحدق في نار المدفأة وهي تفكر فيه وفي حنينها إليه .
وعاد كيلتي يقول : إنني صاعد إلى غرفتي إذن .
فحملت نيرن كوب الشاي الفارغ ومشت نحوه لتضع يدها على كتفه قائلة : ليلة سعيدة .
وبعد ذلك بلحظات ، فكرت وهي تغسل الصحون في المطبخ في ما عسى أن تبدو عليه الغرفة المظلمة ... ومن ثم قررت ان لا ضرر من إلقاء نظرة عليها .
كان الباب مغلقاً ولكن ما أن دفعته حتى شعرت بقلبها يكف عن الخفقان ذلك ان ستروم كان ما يزال هناك يقوم بتسوية بعض الأمور المتعلقة بأحكام إظلام الغرفة .
وأدار وجهه إليها وقد بدا التساؤل على ملامحه ثم قال بهدوء : آه أهو أنتِ ظننتت ان كيلتي ربما نسي شيئاً .
وحدقت نيرن فيه شاعرة وكأنها تغرق وتساءلت عما يجعل الأشياء تختفي من حولها كلما كانت معه في الغرفة ولا يبقى سوى تأثيره عليها وشعورها هذا بالدوار والوهن ...
قال أخيراً وهو ينفض يديه : ها قد انتهى كل شيء واستقر الأمر لكيلتي الآن .
فقالت تغير مجرى أفكارها : اخبرني عن السبب الذي جعلك تتخلى عن هواية التصوير مادمت تملك تلك الموهبة؟ لقد سبق وغضبت عندما علمت أن كيلتي تخلى عن التصوير وأنا اذكر قولك حينذاك ، إذا كان لدى الإنسان موهبة ما فواجب ذلك الشخص ان ...
فقاطعها : أنني لم امتنع عن التصوير باختياري يا نيرن .
فسألته : وكيف؟ بإمكاني ان افهم سبب تخليك عن تسلق الجبال والذي هو إصابة ركبتك أما التصوير ....
فقاطعها : لقد اقترن عندي تسلق الجبال والتصوير معاً . في البداية ، كان تسلق الجبال وبعد ذلك أردت أن أسجل العلاقة بين الإنسان والجبال من خلال عدسة التصوير نعم معك حق لقد انتهت هواية تسلق الجبال عندي بإصابة ركبتي ولكن ذلك الانزلاق على الصخور الذي أصابني أثناء هبوطي لإنقاذ نيكولا أصبت أيضاً في رأسي ... ما سبب دماراً لعصب الرؤية في عيني اليمنى وأنا الآن لا أرى بها كلياً .
وانتاب نيرن الذهول لما سمعت وقالت : ولكن .... ، وسكتت وقد تلاشى من ذهنها ما تريد قوله .....
وضحك هو قائلاً : ولكن العين تبدو بحالة حسنة تماماً . آه يا نيرن لا تكوني حساسة من قولك أشياء قد تسبب لي الألم ، فأنا لست حساساً أبداً من كوني أرى بعين واحدة فقط ، وان يكن التعود على فكرة انتهاء أيامي في التسلق والتصوير معاً ، أخذ مني وقتاً طويلاً في الواقع ولكنني كنت محظوظاً لبقائي حياً وعندما شفيت أخذت أتطلع حولي عن عمل أقوم به وكنت قد سبق وفكرت قبل أن يحدث لي ما حدث في ان أقوم ببناء أكواخ لمتسلقي الجبال ، وذلك بعد تقاعدي عن التسلق وهكذا عندما حدث ذلك التقاعد مبكراً ، عادت إلى ذهني تلك الفكرة وباشرت بها حالاً فاتفقت مع ممول ومن ثم قمت ببناء أكواخ قمم الجبال وكان النجاح باهراً ... ومنذ ذلك اليوم سرت في طريقي دون النظر إلى الوراء .
فقالت بهدوء : أليس غريباً أن يرث عنك ابنك ليس هواية تسلق الجبال وإنما موهبة التصوير الفوتوغرافي أيضاً؟
فأجاب بلهجة متوترة : نعم هذا صحيح ان بإمكاني التأكد بأنه يوماً ما سيجعل من ذلك مهنة حسنة .
فسألته قائلة : ستروم .... هل علمت السبب في أنه أخذ محفظتك في أول صباح أمضيته هنا؟
فأجاب : لقد اخبرني بذلك هذه الليلة . لقد أراد فقط أن يعرف هويتي الكاملة أراد ان يتأكد من أنني حقاً ستروم سومرليد غالبريث أبوه .
وضحك بصوت أجوف متابعاً : ويظهر أنه ورث أيضاً طبيعتي المتشككة .
وأشاح بوجهه وكأنه يريد منها أن تعلم أنه لا يريد ان يتحدث عن ابنه أكثر من ذلك وتابع قائلاً : إن القمر متألق تماماً هذه الليلة . وهذه فرصة حسنة للتأكد من أنه لا يوجد منافذ للضوء في ظلام الغرفة هذه .
وقبل أن تدرك هي ما سيفعل ، كان قد مشى نحو الباب يغلقه بهدوء ثم يطفئ النور .
هذه العتمة المفاجئة جعلت نيرن تشعر بالدوار وبما يشبه الاختناق .... فتحسست طريقها نحو الباب ولكنها قبل أن تصل إليه وجدت نفسها تصطدم بالجدار . وهتف ستروم : آه ، حذار لقد كدت تتسببين الضرر لنفسك في سيرك هذا في الظلام .
وجعلها الظلام الدامس هذا تشعر وكأنها انتقلت إلى عالم آخر عالم منفصل تماماً عن واقعها ، لا يوجد فيه سوى ستروم ولا صوت سوى صدى صوته في أذنيها . وتنحنحت قائلة : يبدو أنها ستكون غرفة حسنة .
فأجاب : آه نعم إنها رائعة لتظهير الأفلام ولن يحصل كيلتي على غرفة افضل منها .
ثم مد يده إلى خلفها وأشعل النور . فقالت بصوت متهافت : إنني ذاهبة إلى غرفتي الآن . هل ما زالت ... مصمماً على الرحيل غداً صباحاً؟
فأجاب : علي ان أرحل يا نيرن إن بقائي .... وأبدى بيده إشارة وكأنه يتوسل إليها ان تشعر معه ثم قال : لقد أوضحت للغلام كل شيء وهو متفهم تماماً الآن .
فقالت : أنه بحاجة إليك يا ستروم .
ورأته يجفل وكأنما صفعته ورأت كتفيه تهبطان وكأنما سلبت منه الحياة وهمست من خلال دموعها : وأنا أيضاً بحاجة إليك .
ولكنه استدار مبتعداً عنها . وأغمضت عينيها لحظة وكأنها بعدم رؤيته تنهي عذابه وعذابها . ثم عادت ففتحت عينيها وسألته : في أي وقت ستشرع في المسير صباحاً؟
فأجاب : أحب أن يكون ذلك في السادسة .
فقالت : سأراك في الصباح وسأجهز لك الفطور قبل رحيلك .
ولم تنتظر جوابه كانت تعلم أن عليها أن تخرج من الغرفة وتغلق الباب خلفها قبل أن تنطلق من بين شفتيها تنهدات الأسى والحزن اللذين كانا يعتملان في أعماقها . منتديات ليلاس
|