كاتب الموضوع :
وداد التميمي
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وهتفت بيأس : انه ليس هنا انه ليس على الجبل .
فسألها : ألا يمكن أن يكون قد نزل من الجهة الأخرى .
فصرخت : من غير الممكن النزول من الجهة الأخرى فهناك صخور شاهقة جداً وفي السفح يوجد أخدود مليء بمياه الأمطار ....
وازدردت ريقها لا تريد أن تفكر بذلك الأخدود ولكن إذا كان كيلتي قد اختار النزول من تلك الجهة فليس ثمة فائدة من التفتيش عنه فالأخدود كان بعمق مئات الأقدام . ولفت وشاحها حول فمها وهي تقول : ستسود الظلمة قريباً ومن الأفضل أن نعود
ورفعت بصرها عالياً ثم همست بذعر : الثلج سيتساقط مرة أخرى ....
وتلاشى صوتها عندما هب الهواء المثلج يحمل الألوف من ندف الثلج تتطاير حولهما ومرت لحظة تجمد فيها ذهنها فلم تر ستروم وشعرت بنفسها وحيدة في هذا المكان الشاهق بعيدة أميالاً عن كل مخلوق أو مكان. ثم إذا بأصابع قوية تقبض على ذراعيها وصوت يقول : يبدو أن عاصفة ثلجية على وشك الهبوب من الأفضل أن نفتش عن ملجأ ، ولا تقلقي بشأن كيلتي إذ ربما عاد فراجع أفكاره من ناحية الهرب وربما يكون الآن جالساً في المنزل قرب المدفأة .
وفكرت نيرن وهي تهبط فوق الصخور المغطاة بالثلج في أنه قد يكون على حق . قد لا يكون كيلتي الآن جالساً قرب المدفأة ولكنه بالتأكيد ليس على جبل سلاغمهور ، نعم ربما جاء إلى هنا ، ذلك أنهما شاهدا أثار أقدام أمام أول باب مرا به في طريقهما إلى القمة وكذلك أمام باب ثاني ولكن شدة الرياح وتساقط الثلج جعلت من غير الممكن التمييز ما إذا كانت آثار أقدام إنسان أم أرنب بري .
كان الكوخان خاليين وكان الأصغر القريب من القمة مجرد كوخ لا يقدم سوى الملجأ لأولئك الذين تفاجئهم العاصفة أو الظلام ، أما الآخر الذي يمران به مرة أخرى بعد ثلث ساعة في عودتهما فقد كان ذات مرة كوخاً لرعاة وكانت الغرفة الأمامية تحتوي على مدفأة أما الغرفة الخلفية فقد كانت عارية تماماً ولكن نيرن كانت لاحظت كومة من الحطب وبعض المواد السريعة الاشتعال في زاوية من الغرفة الأكثر اتساعاً كما كانت هناك حشية قذرة المظهر مكومة بجانب الجدار وقد ألقي عليها بطانية تماثلها قذارة .
وكانت كل دقيقة تمر بهما تجعل مقاومتهما لعصف الرياح اكثر صعوبة فقد جعل ذلك التنفس وكذلك الرؤية اكثر صعوبة وكان الثلج يزداد سماكة كل لحظة وكان شعر ستروم الأسود قد اصبح ابيض تماماً وكذلك حاجباه ولكن رغم الرياح التي كانت من القسوة بحيث توشك أن تقذف بهم من فوق الجبل فقد كانت حركاته مليئة بالثقة والسيطرة على ما حوله .
وجدت نيرن نفسها تفكر في أن حكمها عليه كان خاطئاً فقالت له وهي تحاول وسعها البقاء بجانبه : يجب أن اعتذر إليك فقد كنت مخطئة.
فسألها : مخطئة بماذا؟
فأجابت : كنت ظننت انك ربيب المدينة ، ظننت انك .....
فقاطعها وقد بدا الهزل في صوته : ظننتني شخصاً خسعاً ستضطرين إلى تركه خلفك بعد عدة مئات من الأمتار ثم ...
فقالت : على كل حال ....
وهنا فقدت توازنها وهي تقفز من فوق صخرة وكادت تقع لولا أن امتدت ذراعاه تثبتانها واحمر وجهها قليلاً بينما ابتسم وهو ينظر إليها قائلاً : إن الثلج جعل شعرك يبدو ابيض تماماً مما أراني صورة عن مظهرك بعد خمسين عاماً حين يكون شعرك قد ابيضّ بينما ما زال وجهك جميلاً وانفك حلواً وما زالت تعلوه بعض نقاط النمش ...
وابتسم مرة أخرى وكان شالها قد انزلق فمد يديه يربطه حول وجهها قبل أن يتابع سيره وكانت هي تسير بجانبه دون انتباه منها إلى بنطلونها الذي كان قد ألصقه البلل بساقيها . كانت تشعر بالبرد والضعف وكانت تدرك أنها لا بد تبدو كعمود ثلجي يمشي .
وفجأة هتفت بصوت أجش : ها قد وصلنا آه لا أستطيع تصديق ذلك .
لقد كان عثورهما على الكوخ الثاني أعجوبة حقاً فهي لم تر من قبل مثل هذا البياض الذي يكسو كل شيء وعندما وقفا أخيراً عند الباب والعاصفة تصفر حولهما تكاد تعصف بهما .
وتصاعد صرير الباب عندما فتحه ستروم وعندما جذبها إلى الداخل ، اندفعت معهما هبة ريح ثلجية هوجاء اكتسحت المكان وصفق ستروم الباب ثم وقفا معاً في الظلام صامتين .
وقال ستروم بهدوء : سنمضي الليلة هنا .
فهمست قائلة : نعم أظن ذلك ولكن عندما تهدأ العاصفة في الصباح علينا أن نكون قادرين على العودة . على الأقل الشرطة تعلم أين نحن إذا ....
فقاطعها : دعينا لا نفكر في ( إذا ) هذه يا نيرن إن ما علينا أن نفعل الآن هو أن نهتم بوضعنا هنا حالياً ونلتمس الدفء .
كانت نيرن تستمع إلى صوته القوي محاولة أن تستمد منه القوة ولكنها بعد أن كفا عن المسير ابتدأت بالارتجاف من البرد فقالت : حسناً لقد كنت رأيت بعض الحطب ومواد الإشعال هنا من قبل في تلك الزاوية . إن علينا أن نشعل النار وقد أحضرت معي علب ثقاب طبعاً كذلك أحضرت مصباحاً يدوياً ولم أكن أظن أننا قد نحتاجه فقد فكرت فيه في آخر لحظة .
فقال : وهي فكرة طيبة حقاً و الآن دعيني أساعدك على إنزال حملك عن ظهرك .
وخلعت نيرن قفازيها الجلديين ووضعتهما في جيب سترتها ثم فتحت كيسها بأصابع حذرة و أخرجت منه المصباح اليدوي فأنارته محولة ضوءه إلى الزاوية حيث سبق ورأت الحطب .
فقالت له : إن الفراش هناك لم اكن أظن أن وقتاً سيأتي سأقتنع بمثل هذا الفراش الرث .
وابتدأت تنظف المكان من الأوراق القذرة والمهملات الملقاة على الأرض وهي تقول : علينا أن ننظف المكان قدر استطاعتنا لكي .......
وسكتت فجأة وهي تسمع ما يشبه الأنين خلفها فقالت : ماذا حدث؟ " هل أصابك شيء ؟
فقال ستروم : كلا إنني بخير . اعطني المصباح لحظة .
وتناول منها المصباح وبدأ يوجهه نحو أنحاء المكان ، السقف ، الزوايا ، فوق الباب والسقف .....
وهتفت : آه كلا ..... وشعرت بدوار وهي ترى في ضوء المصباح الضئيل ... كلا هذا مستحيل ..
وقال ستروم بصوت اكثر خشونة مما سبق وسمعته من قبل : هيا اهتمي بإشعال النار يا نيرن وسأضعه في كيس النوم إن علينا أن ندفئ جسده .
لقد كان هذا كيلتي مستلقياً على الفراش القذر وغطاؤه الوحيد كان البطانية الرثة وكان متكوماً على نفسه مغمضاً عينيه ووجهه في شحوب الموتى وكان جسده يرتجف كمن يعاني من حمى الملاريا .
لا بد أنه كان يخفي نفسه خلف الفراش عندما اقبلا في البداية يبحثان عنه كما فكرت نيرن لا بد انه كان سمعهما يقتربان ، فأسرع بخفاء نفسه ولم يظن انهما سيعودان إلى الكوخ مرة أخرى ...
وهز ستروم ذراعيها ينبهها من أفكارها تلك قائلاً : نيرن دعي عنك ذهولك هذا و أوقدي النار .
ولم تعرف كيف تحركت وأحضرت الثقاب ثم الحطب تحمله إلى المدفأة كانت تشعر وكأن شخصاً آخر يحتل جسدها هو الذي يتحرك ويعمل . وعندما اشتعلت النار في الحطب وتصاعدت السنة اللهب أخذت تتأملها كالمنومة مغناطيسياً .
وما لبثت أن استدارت تنظر إلى ستروم الذي كان الآن قد تمكن من وضع كيلتي داخل كيس النوم ثم سحب الفرشة المستلقي عليها إلى قرب المدفأة وكان قد خلع عن الغلام حذاءه وجوربيه فوضعها قرب النار لتجف .
وسألته بصوت مرتجف : كيف حاله؟ هل سيصبح بخير؟
|