كاتب الموضوع :
kokowa
المنتدى :
روايات منوعة
يلا تفضلوا الفصل الأول
" تك ....تك ....تك... تك ..."
استرخاء تام على صوت القطرات المنتظمة في كل مكان بدءأ بالمطر خارجا حيث شوارع أكسفورد تملأها البرك الصغيرة بفعل الامطار فتتساقط على سقف المنزل محدثة سيمفونية طبيعية فيشاركها العزف حوض الاستحمام المعطر بالرغوة البيضاء التي تغطيه بأكمله و القهوة الساخنة التي ينتهي صوت القطرات عندها فتكتمل المقطوعة الرائعة التي تبعث الدفء بالجسد ... هذا افضل شيء قد يحدث بعد يوم عمل طويل و مليء بالاحداث و الخطط و الرسومات كل ذلك يجب ان يمحى حالا من الذاكرة فعندما يترك الشخص مكتبه المكتظ بالاوراق و يقفله ليعود للمنزل يجدر به ايضا قفل عقله من التفكير بتلك الاشياء التي تنهك النفس و تتعب العقل و كل ما على المرء ان يفعله هو اخذ قسط من الراحة في حوض الاستحمام وتكون قهوته باليد الاخرى فيستمتع بصوت تساقط المطر على النافذة و سقف البيت و تخيل منظر الشارع بالخارج حيث الناس يحملون المضلات الملونة و البعض يهرب من البلل خوفا على بذلته الجديدة او من ان يبلل المطر شعره المسرح وهناك اخرين لا يأبهون بما يحدثه المطر من كوارث فيقفان يتبادلان القبلات تحته الذي يليق بالرومانسية التي يقومون بها ... لكن ما يحدث لها الان في حوض الاستحمام الساخن هو افضل استرخاء قد يحصل عليه المرء بعد يوم شاق ...
اغمضت عينيها تحاول طرد الرسومات الهندسية و المخططات من رأسها و اهم شيء تريد طرده هو صوت مديريها المزعج الذي لا يشك خيط بإبرة الا و أخذ رأيها به و هذا قد يصبح متعبا لها في اغلب الاحيان ... فالبنسبة له هي كل شيء بل هي محور المؤسسة و عمودها كما يطلق عليها فبدونها قد تسقط المؤسسة او تنهار, قد تكون تلك الفكرة رائعة عندما يسمعها البعض اي عندما نجد بان المدير يسلم كل شيء بيد موظفة صغيرة ليس لديها خبرة طويلة الا خمس سنوات قد نراها قليلة , لكن جهدها للوصول الى ما هي عليه كان صعبا في اول سنتين حيث اثبتت وجودها في المؤسسة مما جعل المحيطين و السابقين لها يشعرون بشيء من الغيرة و الحقد فهم يعتقدون بانها تقربت من المدير بجمالها و صباها و بشعرها الاحمر الكثيف و برشاقة جسدها و اناقتها و انسيابها بالحركةعلى الرغم من كعبها العالي و فستانها الضيق و ما الى ذلك من كلام النساء الغيورات و الرجال المعادين لاحتلال المرأة لمناصب قد تعلوهم .. فيتناسون عقلها و منطقها و تفكيرها و لا يصدقون بأن ذلك هو ما جعلها نائب المدير و المستشار العام في شركة ( مارتن كوبر ) و هي احدى الشركات المشهورة في اكسفورد للهندسة المعمارية... تخرجت قبل خمس سنوات من جامعة اكسفورد و عملت بالشركة كمتطوعة قبل تخرجها كعمل جزئي ليزيد من نسبة قبولها في العمل لاحقا, لاحظ السيد كوبر نشاطها و حبها لعملها حتى قبيل حصولها على الشهادة الشيء الذي ساعدها للحصول على الوظيفة في اول مقابلة لها بالشركة و هذا جيد بالنسبة لها لكن الموضوع يختلف الان لكثرة إلحاح السيد كوبر لان تقوم هي بكل عمل فلا وقت لها للراحة ..للاكل للنوم.. و حتى لقضاء الحاجات الضرورية فهي لم تر أصدقائها منذ فترة و لم تجتمع معهم كما ان علاقاتها الاجتماعية قد قلت لكثرة انشغالها انها تحب ما تقوم به لكن الامر تعدى الحدود فهو يعتمد عليها اعتماد كلي منذ ان استلمت الوظيفة و منذ ثلاث سنوات لم تاخذ اجازة للراحة و حتى عندما تمرض,و كل ما تريده الان هو البحث عن (كايت) الفتاة التي اعتادت ان تكون هي لسنوات طويلة انها بحاجة للراحة و النوم اكثر من اربع ساعات يوميا, تريد ان تأخذ حمام شمس في مكان دافيء يحيط به الشبان و يتغزلون بها , تريد ان تخلق علاقات , تحب , تعشق, تخرج في مواعيد مع شباب يقدرون انثوتها تريد ان تفعل كل ما تفعله الفتيات اللاتي في عمرها فهي لم تبلغ السادسة و العشرون بعد و ليس لديها صديق او عشيق.. كل ما تريده هو اجازة في مكان بعيد عن حياة المدينة الروتينية, مكان دافيء, غير ممطر , مكان به نهر و شاطيء و بحر و بحيرات و سماء و ارض و زروع و اشجار و ليس مكان به اوراق و دفاتر و بحوث و اشكال هندسية و مشاريع و مديرين و موظفين و بذل رسمية وحقائب سوداء ثقيلة و عوادم سيارات خانقة كل ذلك لا تريده فقط لفترة معينة تبحث فيها عن ذاتها عن (كايت) ...
رشفت من قهوتها الساخنة و ارخت جسدها في حوض الفقاعات ثم غطست حتى رأسها تاركة انفها خارج الماء تستنشق الهواء لم تسمع شيء بالماء الا ضربات قلبها و صوت ضغط الماء على اذنيها اغمضت عينيها تتخيل نفسها في مكان غير عالمها واقفة و الهواء يطير فستانها الابيض و شعرها الاحمر يتبعثر و لم تكن تفكر في شيء الا بزرقة السماء الصافية و صوت العصافير و دفء اشعة الشمس على جسدها... ابتسمت لهذه الفكرة التي اراحت عقلها و الهته عن التفكير بالاعمال المنهكة ..
بعد ساعة من الاسترخاء اخذت دش سريعا دلكت به رأسها مما اشعرها بالنعاس اخذت المنشفة و لفت بها جسدها المبلل بعدها ارتدت قميص نوم حريري و مشطت شعرها المبلل .. دست نفسها تحت الاغطية الوفيرة و راحت بنوم عميق بمجرد ملامسة رأسها للوسادة الناعمة..
كان نومها مريحا لا تشوبه الاحلام المزعجة لكن نهاية لذتها بالنوم قربت عندما رن جرس الساعة يوقضها لبدء يوم عمل طويل كما الامس, شعرت بالامتعاض و هي توقف الرنين المزعج الذي اعتادت عليه كل صباح و في بعض الايام هي من تقوم قبله لتوقضه او لتطفأه قبل ان يرن تحركت بكسل و هي تتجه للحمام لتغتسل و من ثم تبدل ثياب النوم بثياب عملية عبارة عن بذلة رمادية و قميص عنابي يتماشى و شعرها الاحمر ثم وضعت ظلال عيون بلون رمادي فاتح ليتناسب و بذلتها ثم زينت شفتيها بلون عنابي كلون قميصها لبست حذاءها الاسود ذو الكعب العالي ثم رفعت شعرها للأعلى حتى لا يزعجها و هي تقوم بعملها المنكب على الاوراق نظرت الى الساعة التي بيدها تشير الى السادسة يجب ان تخرج الان لتتفادى زحمة الطريق خاصة بعد ليل ممطر عرقل السيارات و ما الى ذلك من مشاكل الطريق في الصباح ركبت سيارتها الصغيرة و انطلقت بها الى مكان عملها القريب لان منزلها يقع في قلب المدينة حيث ترى الناس يسيرون حتى في وقت متأخر من الليل و تسمع صوت زفير السيارات , صوت سيارات الشرطة و الاسعاف تقريبا كل ليلة لكن بالنهاية يبقى المكان مناسب حيث كل شيء قريب منها بالاخص مكان عملها... توقفت عند مقهى صغير و اخذت معها ثلاثة اكواب من القهوة لها و للسيد كوبر و لصديقتها (أن) دخلت مكتبها مبتسمة تخفي تعبها خلف نظراتها الشمسية القت تحية عليها
-" صباح الخير آن "
رفعت الاخرى رأسها و بادلتها ابتسامة الصباح
- " صباح الخير ..."
لم تعطي كايت فرصة لتتحدث و كانها تريد قول شيء قبل ان تنساه فتكلمت بعجله
- ",خبر عاجل لقد اتصل جورج و اخبرني بأن الرسومات التي طلبتها منه ستصل بعد ساعة "
جلست على الكنبة امامها بتهالك و هي ترفع النظارة عن عينيها فتثبتها بشعرها يا له من صباح يبدأ بالسلام و الاعمال المكثفة.. تنهدت بامتعاض فهذا هو الواقع عمل.. ارهاق و ...جورج
-" و من سيقوم باستلامها ؟"
-" قال بان سيأخذها بنفسه و يقدمها لك "
هزت (كايت) رأسها بانزعاج فذلك المدعو (جورج) يحاول التقرب منها بكل الطرق المتاحة له فيقوم بتوصيل الاوراق لها و الرسومات و يعطيها بعض الملاحظات مع انها ليست وظيفته اسداء الملاحظات فهو مهندس حاله كحال الجميع له مكتب محترم و اوراقه الخاصة لكنه يريد ان يقوم بكل شيء فقط لان يتحدث معها او ليراها .. انها لا تستلطفه فهو بالنسبة لها رجل سطحي و وصولي و هي لا تحب هذا النوع من الرجال فهي صعبة المنال كما يقال عنها و هذا ما يجعل الرجال الذين يعملون معها لان يلعبون لعبة التحدي لكسب رضاها او للتحدث معها او لمجرد ابتسامة صغيرة منها , انها ودودة و لطيفة معهم لكن ليس لديها وقت لعقد علاقات مع الرجال و هذا شيء تفتقده بل تحتاج له لكن عملها و السيد كوبر و وقتها الضيق يجعلها في موقف محرج خاصة لعلاقة طويلة.. شعرت (آن) بانزعاج كايت فابتسمت لها تهون عليها
-" اعرف شعورك يا عزيزتي فأنا ايضا اعاني منه و من تدخله الدائم لكننا لا نستطيع التخلي عن مهندس يعمل بجهد فاذا اخبرنا السيد كوبر سيعاتبنا لاننا سنخسر رجل يعمل باخلاص للشركة "
هزت رأسها توافقها لكن ..
-" لم اقل شيئا يا آن انا فقط انزعج منه و من نظراته انه يستفزني بنظراته تلك أنه ينظر الي و كانني عارية"
ضحكتا لتعليقها العفوي فوقفت و اخذت القهوة الاخرى
-" حسنا اذا اراك لاحقا يجب ان اوصل هذه القهوة للسيد كوبر قبل ان تبرد و استعد نفسيا لمقابلة جورج"
-" حظا طيبا "
غمزت لها و ابتسمت
-" احتاج للحظ فعلا ..ِشكرا "
اتجهت الى مكتب السيد كوبر طرقت الباب و لم تنتظر اجابته ففتحته و ابتسمت للرجل الذي يتحدث بالهاتف و يضحك خلف مكتبه المتواضع فالسيد كوبر رجلا محترم جدا له هيبته التي يقدرها و يحترمها كل الموظفين و بالاخص (كايت) التي اعتادت عليه فهي تراه على حقيقته لكثرة جلوسها معه فهو رجل كسائر الرجال يشعر بالضعف احيانا و احيانا اخرى يبدو قويا و في اوقات يتحدث كأب و يسدي نصائح لها و للموظفين الذين يعملون تحت جناحيه كما انه رجل يهتم بمظهره الرياضي و من يقابله لا يصدق بأنه تخطى الخمسين فاهتمامه بلبسه و جسمه و روحه السمحة و تطور فهمه يجعل من حوله يعتقدون بانه اصغر سنا ..بادلها الابتسامة و اشار لها بالجلوس ريثما ينتهي من مكالمته جلست على الكنبة و هي تنظر الى رئيسها الذي ينظر اليها بين حين و اخرى يشير لها بتعبيرات وجهه بانه منزعج لجعلها تنتظره و ما ان اغلق السماعة حتى تنهد
-" اه كايت عزيزتي لقد اتيت بالوقت المناسب"
اقتربت من مكتبه و هي تضع القهوة التي احضرتها له امامه
-" و احضرت لك قهوة معي "
-" شكرا .. لكن ما اريده فعلا هو تقيم للرسومات التي سيحضرها جورج بأسرع وقت ممكن و انت ..."
قاطعته قبل ان يكمل جملته
-" جورج لم يصل بعد "
-" ماذا ؟ حسنا لا بأس بمجرد ان يأتي اريدك ان تناقشا المشروع و تقومي بتقيمه لقد اتصل صاحب الفندق يسأل عنه و انه من افضل زبائن الشركة و لا اريد ان اخسره لاننا تاخرنا عن تقديم طلب للبدء بالتنفيذ لاننا لم نقم بالتقيم "
-" سيد كوبر سأبذل جهدي لان يبقى السيد ماكموهن من افضل زبائنك لا تقلق و سأستحمل جورج قدر الامكان "
استند على كرسيه بارتياح ملقي ما كان على كاهله لكايت
-" لذلك انت الفضلى يا كايت "
استدارت لتخرج و هي مبتسمة لتعليقه الاخير فهو بذلك يرفع معنوياتها و يجبرها على القيام باعمال لا تحبذها كالصبر على تعليقات جورج مثلا
-" استمتع بقهوتك "
ثم خرجت من مكتبه لتتجه الى حيث مكتبها الصغير فتحت الباب لتدخل لكنها توقفت عندما رأت رجلا عريض ذو شعر أشقر قصير جالسا و الرسومات امامه ابتسم عندما رأها مندهشة فهذا ما توقعه انزعجت لوجوده لكنها اخفت ذلك بابتسامة مصطنعة
-" جورج .. يا لها من مفاجاة "
-" اهلا كايت "
وقفت خلف المكتب تضع حقيبتها و قهوتها
-" هل نبدأ"
اقترب منها و همس
-" بالتأكيد "
مدت الرسومات امامها على الطاولة البيضاء الكبيرة و فوقف بالقرب منها نظرت الى الرسومات التي فوق المنضدة بدقة و بتركيز لكن شيء ما جعلها ترفع بصرها لتصطدم بعين جورج شعرت بالاحراج و التوتر و الاستفزاز مشاعر تصادمت من نظرات جورج المزعجة فتكلمت بشيء من العصبية
-" جورج ماذا ترى بشأن الرسومات ؟"
القى نظرة على الاوراق و المخطوطات و اجاب بشفاة ملتوية و عين ماكرة
-" انها دقيقة التفاصيل "
شدة قبضتها بعصبية و هي ممدودة و تكلمت بهدوء ممزوج برائحة الغضب و ذلك بسبب كلماته اللتي لها مغزى اخر
-" اتعرف شيئا جورج ... اشعر بتوعك قليلا يمنعني من التركيز فهل تتركني مع الرسومات اريد ان ادرسها وحدي و اذا اردت مساعدتك لن اتردد في طلبك "
شعر بخيبة فهو كان يأمل البقاء معها و التناقش حول المشروع لساعات طويلة يشبع بها نظريه لكن ما باليد حيلة كما يقولون فهي المسؤولة هنا و هذا عملها و لا يستطيع ان يعترض او يمتعض.. اومأ برأسه و خرج دون اعتراض ..
وقفت تنظر خلفه لبرهة ثم استدارت لتبدأ عملها الجدي الذي اعتادت عليه و في غضون ساعتين كانت قد انتهت من دراسة المشروع و كتابة تقرير عنه و تقيمه ثم خرجت من مكتبها لتمر على مكتب جورج
-" جورج لقد انتهيت من كتابة التقرير و ما يتوجب عليك هو مراجعته و من ثم اعطائه للسيد كوبر ليقوم بما يراه مناسب "
لم ينطق بكلمة بل اكتفى بالايماء و قبل ان تستدير لتخرج ابتسمت له
-" شكرا لك "
-" على الرحب و السعة "
عادت الى مكتبها و فتحت جهاز الكمبيوتر لتلقي نظرة على بريدها الالكتروني و من ثم تنهي بعض الاعمال و بعد ثلاث ساعات كانت خارج المؤسسة تركب سيارتها لتعود الى المنزل الكائن في احدى ازعج مناطق اكسفورد و مع هذا فهي تعشقه .. كعادة المطر الذي يعوق السير و يحكر السائقين بالسيارات لساعات حتى تصل الى البيت و قد طارت طاقتها بأكملها .. نزلت من السيارة بسرعة لتفادي المطر المنهمر وقفت تبحث عن المفتاح و ما ان وجدته حتى تبللت بالكامل و كانها القيت في بركة ..علقت معطفها المبلل على الكماشة ثم صعدت السلم جهه الحمام نزعت ثيابها و غمرت جسدها بحوض الفقاعات الساخن مثل كل يوم و بيدها كأس (مارتيني) هذه المرة .. استرخاء جميل جعلها تغفو لخمسة عشر دقيقة لكنها افاقت على صوت جرس الهاتف فأخذت المنشفة بسرعة و ركضت لتلتقطه لكنها لم تتلقى المكالمة فجلست على الفراش تنتظر عودة المتصل للاتصال و بينما هي تنتظر غالبها النعاس فنامت بمنشفتها و بشعرها المبلل ..
الهاتف المزعج يرن ليوقضها فتمد يدها تلتقطه و تجيب بصوت ناعس
-" الو "
-" كايت "
جلست لتستوعب صوت المتصل
-" ليلي اهذه انت ؟"
-" نعم كايت انا ليلي اسفة لايقاضك "
نظرت الى الساعة التي تشير الى الثالثة صباحا فرفت خصلة شعرها سقطت على جبهتها ثم فركت عينيها لتستفيق اكثر و تركز مع ليلي التي ارعبها اتصالها في هذا الوقت
-" هل كل شيء على ما يرام ليلي ؟"
تباكى صوت ليلي و هي تجيب
-" لا .. "
ساورها القلق و هي تسمع صوت ليلي
-" ليلي اخبريني ما هناك ؟ ماذا يجري؟"
-" انه جدي يا كايت "
-" ما به اخبريني ارجوك انك تحطمين اعصابي يا ليلي "
بكت الاخرى و حاولت ان تخرج كلمات لكنها لم تستطيع فظلت تبكي و كايت تحترق اعصابها فهناك شيء خطير يجري يجعل ليلي تتصل في هذا الوقت و تبكي و بعد ثلاث دقائق تكلمت ليلي بالكاد
-" لقد فارق الحياة يا كايت جدي توفي "
فتحت عينيها باتساع فمها المنصدم و هي تنظر امامها تحاول ان تفهم اخر جملة قالتها ليلي لقد قالت جدي توفي نظرت امامها و كانها ترى وجه ليلي الباكية سرحت في شيء لا تعرف ما هو كانت عينيها مسمرتين على الجدار امامها تبحث به عن مخرج لاحزانها المفاجئة التي لا تنتهي فمن اين تاتي تلك الاوجاع و المصائب
-" كايت هل انت معي ؟"
اوقضها صوت ليلي من سرحانها و لا شعوريا احست بدمعة تنسل على خدها اومات برأسها تجيب و كأن ليلي معها بالحجرة و ترى وجهها تكلمت
-" متى حدث ذلك ؟"
و اخيرا نطقت بصوت خالي من المشاعر و الاحاسيس فهي مازالت مصدومة اجابتها الاخرى بألم و حسرة تخالطت بصوتها
- " مساء امس.. غدا صباحا ستكون جنازته "
ثم سكنتا لمدة قصيرة تستجمع بها افكارها لكن ليلي سبقتها بالكلام
- " اتمنى ان تكوني معنا يا كايت فجدتي ليست بخير و ستكون افضل اذا رأتك كما انني لا استطيع البقاء معها في كنساس فالاختبارات على الابواب و يجب ان ارحل الى بولدر و لا ليس من الممكن ان اتركها وحدها بهذه الحال "
شعورها بالصدمة طغى على تفكيرها فهي لم تنتبه الى ما قالته ليلي الا كلمة بولدر فتكلمت
- " لم لا تأخذينها معك الى بولدر؟"
- " حاولت معها لكنها مصرة على البقاء في اوتاوا "
- " ماذا عن سكوت الم يقنعها ؟ "
- " لقد حاولنا جميعنا حتى جيرانها لكنها لا تريد ترك المنزل الذي عاشت فيه لسنوات مع جدي فذلك يصعب عليها .. فهل لك ان تأتي لقضاء شهر او شهران معها لحين تقتنع و تأتي معنا الى بولدر او حتى انتهي من الفصل و اعود لاقيم عندها "
فكرت كايت لفترة طويلا حتى قالت
-" دعيني ارى ما يناسبني ليلي فأنا مشغولة كثيرا هذه الايام لكنني سأحاول "
-" حسنا اتصلي بي بأقرب وقت "
-" سأفعل .. اعتني بنفسك و جدتي "
-" و انت كذلك الى اللقاء "
اغلقت السماعة و نظرت الى الساعة التي تشير الى وقت متأخر حاولت ان تسترجع المكالمة المحزنة فهي لم تتوقع ان تسمع خبرا محزنا في هذا الوقت او لان تتقبل فكرة ان جدها لم يعد موجودا في الحياة .. يا الهي كم يصعب عليها فراقهما فجديها هما من تبقى لها في هذه الدنيا و الان خسرت احدهما فبعد وفاة والديها في حادث سير سافر جديها الى اكسفورد و اقاما معها لفترة طويلة حتى انهت الثانوية و دخلت كلية الهندسة و بدأت الاعتماد على نفسها و منذ ثمان سنوات لم يأخذانها الى الولايات المتحدة لكي لا تتعرقل بالدراسة و اختلاف الانظمة هناك بل تركا موطنهما لرعايتها و يوفران لها الحب و الامان , كانا لها ام و اب و جد و جدة و هي ممتنة لهما ما دامت على وجه الارض .. تزاحمت صور جدها في رأسها و كلماته و عادت ثمان سنوات الى الوراء حيث تذكرت جدها اندي الرجل البشوش الذي لا تفارق الابتسامة وجهه رجل حكيم عطوف و يخاف عليها كثيرا حيث كان يأخذها بنفسه الى المدرسة و ينتظرها حتى تدخل ثم يرجع لاخذها و يقف عند البوابة قبل انتهاء الدوام الرسمي حتى لا تنتظره طويلا و لم يكن رجل ذو عادات قديمة بل كان يرحب بصديقاتها و يتركها تخرج بين فترة و اخرى مع شباب و تسهر معهم لكن بحدود لانه زرع الثقة فيها و لم تحب هي ان تدمر هذه الثقة بعمل شيء مخزي قد تندم عليه لفترة فكانت لا تفعل شيء من وراءه و عندما تخطيء يعاتبها بصوته الهاديء ثم يقبلها على رأسها فتشعر هي بالخزي من تصرفها و في عطلة الصيف يسافر بها الى كنساس فيقيمان هناك الصيف كله في منزلهما المتواضع في اوتاوا مسقط رأس والدتها التي تزوجت من رجل الاعمال البريطاني ( ايان فورمر ) و انتقلت معه الى اكسفورد و عندما توفيا تركا لها ثروة كبيرة وضعها جدها لها في حساب خاص كوديعة لتسخدمها لاحقا و علمها ان لا تعتمد على ثروتها في العيش فقد تنبذ او تنتهي بل يجب ان تكافح لتعيش حياة كريمة بعرق جبينها و هي الان تعمل بنصيحته فهي تقوم بعملها بجهد متواصل و تكسب رزقها بنفسها و لم تستخدم ما تركه والديها لها و الفضل يعود الى جدها العزيز بكت كايت بحرقة و هي تتذكر جدها الحنون الذي لم تره منذ سنتين تقريبا عندما زاراها في اكسفورد اخر مرة فبعد عودتهما الى اوتاوا لم تسافر لهما لكثرة انشغالها بالدراسة و العمل الجزئي في المؤسسة بل قاما هما بزيارتها .. بكت لحال جدتها التي اصبحت وحيدة لاول مرة منذ خمسين سنة تقريبا كان لها الزوج و الصديق و الحبيب هون عليها مرضها الذي اصابها قبل خمس سنوات ففقدت بسببه القدرة على الكلام كيف تواجه الحياة الان و انيسها ليس معها .. جدها بذل جهده لتعليمها كل ما يراه مناسبا و كان دائما يقول لها بانه سيعلمها الاهتمام بالحديقة و تعليمها الصيد لكن لم تسنح لها الفرصة لان تراه بعد ذلك فتسير على نهجه او لستفيد من ما يريد تعليمها.. بكت لحالها و لخسارتها .. غفت على الذكريات التي جعلتها تبكي حتى غالبها النعاس لتستيقظ على صوت المنبه اطفأته و قامت من الفراش بتكاسل فقد كان نومها متقطع و رأسها يؤلمها بسبب البكاء غسلت وجهها و بعدها لبست بذلة سوداء و رفعت شعرها على هيئة ذيل حصان و لم تضع مساحيق تجميل على وجهها بل لبست نظارات شمسية تخفي عينيها المتورمتين قادت السيارة الى مكان عملها و لم تتوقف عند المقهى لاول مرة منذ سنتين نزلت من السيارة بتكاسل و مشت حتى مكتب سكرتيرة السيد كوبر
-" هل السيد كوبر موجود ؟"
-" نعم تفضلي "
استغربت السكرتيرة من كايت فهي دائما مبتسمة حتى و ان اخفت غضبها تخفيه بابتسامه لكن اليوم كانت مختلفة و شاحبة.. طرقت الباب بهدوء و فتحته عندما سمعته يناديها فدخلت دون ان تنزع النظارة عن عينيها مما جعل السيد كوبر ينظر اليها بقلق
-" كايت هل انت بخير ؟"
هزت راسها نفيا فهي فعلا ليست على ما يرام جلست على الكنبة امامه عندما اشار لها بالجلوس ابتسم لها
-" الن تنزعي ذلك الشيء الذي يحجب عينيك يا كايت و من ثم تخبريني ما بك ؟"
نزعت النظارة بهدوء و اتسعت عيناه هو عندما رأى عينيها الجميلتين حمراء متورمة
-" يا الهي هل انت مريضة ؟ انت تعرفين بانك تستطيعن اخذ يوم راحة يا كايت بمجرد ان تتصلي لتخبريني "
فتحت فمها لتتكلم من غير نفس بالنطق فهي مازالت مصدومة و منهاره لفقدها اعز الناس لديها
-" سيد كوبر انا لست مريضة لكنني متعبة بجد و اريد ان اخذ اجازة طويلة لارتاح فيها و اصفي ذهني لاعود للعمل بعدها بكامل قواي "
-" بالطبع كم يوم تقريبا ستحتاجين ؟"
-"ثلاثة اشهر"
اختض في مكانه عندما القت قنبلتها الاخيرة فاقترب ليتفحص عينيها و كأنه يستطيع ان يكشف اذا جنت ام لا ؟ ثلاثة اشهر ؟!!! و هي المساعد و المستشار و المهندس الاول بالنسبة له
-" ثلاثة ماذا؟ ؟؟!! كا..."
قاطعته قبلا ان يكمل و اجبره هدوئها على الانصات لها
-" نعم ثلاثة اشهر ... سأسافر بها الى امريكا حيث جدتي المريضة هناك التي فقدت جدي منذ يومين سأذهب لاعتني بها فهي وحيدة الان و لا احد معها ارجوك تفهم وضعي "
سكت لم يعرف ماذا يقول او بماذا يجيبها فلقد تأثربنبرة صوتها المتألمةو بكلامها الذي لم يتوقع ان يكون ذلك السبب في طلب اجازة طويلة جدا التفتت لينظر اليها طويلا فهذه كايت التي ساندته خمسة سنوات قامت باعمال لم يستطع هو ان يقوم بها و قضت ساعات طويلة لحصد افضل النتائج و اسدى القرارات كما انها لم تكثر من اخذ اجازات حتى و هي مريضة كانت تعمل بجهد فهذه مكافاة لها و لجهودها التي ادت بنتيجة كبيرة و مثمرة لمؤسسة كوبر و ذلك كله بفضلها فإجازة لثلاثة اشهر لا تكفي لرد جميلها ...
ابتسم لها بهدوء يواسيها لعل بابتسامته اللطيفة ينشرح صدرها قليلا
-" حسنا يا عزيزتي انا اسف لجدك و جدتك اعذريني "
-" لا بأس "
-" ثلاثة اشهر كثير جدا لكنك تحتاجين بالفعل للراحة و الاعتناء بجدتك و انا موافق بشرط"
-" ما هو ؟"
-" هو ان تاخذي معك احد المشاريع المستقبلية خاصة مشروع بروني التجاري و تعملين عليه في وقت فراغك ليسليك قليلا ... ما رايك ؟"
فكرت فهذا بالفعل وقت كافي لتنهي المشروع و انها اعتادت على العمل الهندسي و المشاريع و لن يضرها ان تأخذ مشروع بسيط تعمل عليه لشهران .. هزت رأسها و هي تجيب
-" حسنا "
وقف ليمد يده يصافحها و يربت على كفها يساندها كوالدها او اخوها الكبير
-" اذهبي يا كايت ... حظا طيبا .. اتصلي بي "
- " سأفعل شكرا لتفهمك سيد كوبر و اوعدك بان انهي المشروع و اجعلك فخور "
فغر فاه و ابتسمت عيناه
-" انا فخور بك منذ اول يوم استلمت به العمل هنا "
شعرت بالسعادة بالرغم من حزنها الدفين مما جعلها تظهر اسنانها بابتسامة رائعة بعدها استدارت و اتجهت لمكتب آن فتحت الباب و دخلت بكل هدوء فكانت ردة فعل آن مناسبة تماما لمظهر كايت الحزين ..وقفت تلك على رجليها بقلق
-" عزيزتي انت لست بخير "
اومات لها كايت و الحزن باد على ملامحها بشكل رهيب
-" جدي توفي قبل يومان و اتصلت قريبتي بالامس تخبريني بانني يجب ان اذهب الى اوتاوا حيث جدتي المسكينة هناك و سأقيم معها لشهرين او اكثر "
نظرت اليها (آن) تتفقدها انها متعبة و تحتاج لراحة نفسية و جسدية اقتربت منها و ربتت على كتفها
-" انا اسفة لخسارتك .."
حضنتها كايت و بعدها و دعتها و اتجهت الى مكتبها لتضع اوراقها و بعض اغراضها في صندوق كرتوني .. مر جورج بالقرب من مكتبها و القى نظرة فتكلم بصوته المتغطرس الذي جعلها تهتز من الداخل
-" الى اين يا كايت ؟"
التفتت عليه و هي توضب الاوراق
-" الى اوتاوا .. كنساس"
كتف ذراعيه و دخل الحجرة اكثر
-" تعنين الولايات المتحدة ؟؟"
-" نعم"
استغرب و سألها بصوته الثقيل
- " ما الذي يجري ؟ هل هي سفرة عمل؟"
- " لا بل لدي بعض الامور العائلية "
قهقه و لوى شفتيه كوجها سؤال آخر
- " هل لديك عائلة في الولايات المتحدة؟!"
انزعجت من اسألته التي لا تتوقف فهي مشغولة جدا و وجوده هنا يعرقلها فأجابته بحدة
- " نعم .. جدتي "
- " اممم .. و كم يوم ستغيبين ؟"
اكملت عملها بتوضيب اغراضها متجاهلة سؤاله لفترة لكنها تنبهت لوقوفه خلفها يترقب اجابتها لسؤاله الفضولي الاخر
- " شهران الى ثلاثة اشهر "
سكت يستوعب جملتها الاخيرة التي جعلته يشعر بخيبة امل فهو يريدها ان تبقى حيث يستطيع ان يراها كل صباح فهي تملك جذابية غير طبيعية تؤثر فيه كثيرا انه معجب بها منذ اول يوم استلمت به العمل اي منذ خمس سنوات لكنها لا تنفك تبعده عنها فهي لا تريد التورط بعلاقة معه خاصة و انهما يعملان معا بنفس الشركة فبذلك ستتعقد الامور بينهما لكنه لطالما تمنى ان يخرج معها و يسهران معا و ينشئا علاقة وثيقة قد تنتهي يوما ما بالزواج .. لكن لا ليست كايت من ترضى بذلك.. رضخ للواقع و هز رأسه و هو يخرج
- " اذن اتمنى لك رحلة سعيدة.. الى اللقاء يا كايت "
لم تلتفت عليه هذه المرة لانشغالها بالاوراق التي بيدها لكنها اجابته
- " الى اللقاء"
حملت الصندوق ودعت الموظفين و بعدها استقلت سيارتها و اتجهت الى مكتب سفريات قريب من الشركة ابتسمت لها موظفة الاستقبال بابتسامة ما ان دخلت
- " مرحبا .. بماذا اخدمك؟"
تكلمت كايت بسرعة تريد ان تنتهي من موضوع السفر باسرع وقت لترتاح
- " اهلا .. متى ستقلع اقرب طائرة الى كنساس ؟"
- " امريكا ..؟"
- " هذا صحيح "
- " سأرى امهليني دقيقة واحدة"
جلست كايت تنتظر المرأة و هي تبحث في الجهاز امامها عن اقرب طائرة ستقلع اليوم الى كنساس
- " هناك طائرة ستقلع غدا في السابعة صباحا الى نيويورك و من هناك ستاخذين طائرة اخرى الى كنساس "
- " جيد جدا.. اريدها"
- " هل لي بجواز سفرك يا انسة ؟"
- " بالطبع "
اخرجت كايت الجواز من حقيبتها و قدمته للموظفة التي اخذت تطبع البيانات على الشاشة امامها
- " كم تستغرق الرحلة ؟"
- " من اكسفورد الى نيويورك ثمان ساعات و في الرابعة مساءا ستأخذين الطائرة المتوجه الى كنساس التس تستغرق اربع ساعات تقريبا .. "
- " يا الهي ستكون رحلة طويلة اذا "
لم تعلق الموظفة بل اكتفت بابتسامة مهذبة و بعدها اخرجت التذكرة من الجهاز الموضوع بالقرب منها التي كتب عليها كافة بيانات الرحلة دفعت كايت ثمن التذكرة و اسرعت بالذهاب الى المنزل لتوضيب حقيبتها التي انتهت منها بثلاث ساعات بعدها استحمت و اندست تحت الاغطية لتنام حتى الرابعة صباحا لكن كما الليلة السابقة تقلبت بالفراش لساعات طويلة حتى اجهدها التعب فنامت بسكون ..
|