9_ أريد منك شيئاً واحداً
استيقظت إيبرل في الصباح التالي مع صداع شديد وإحساس بألم شامل. خرجت من السرير لمجرد أن تتصل بالسيدة أغريبا عبر الهاتف الداخلي لتطلب منها توصيل رسالة إلى السيدة بوكستر أنها لن تتمكن من العمل اليوم .. وهكذا بقيت مشلولة الحركة طوال الصباح، وكان الوقت يقارب الظهر حين سمعت دقاً على باب منزلها، تبعه صوت السيدة أغريبا المشاكس: أين أنت يافتاة؟
منتديات ليلاس
نادت إيبرل بصوت ضعيف: أنا هنا في الداخل. وقفت السيدة أغريبا بباب غرفة النوم وبين ذراعيها لفافة طويلة ضعيفة . بدت نشيطة وممتلئة حيوية وابتهاجاً ، حتى أن مظهرها أرهق أعصاب إيبرل. رمت اللفافة إليها قائلة: انظري ماذا وصل لك .
تناولتها إيبرل بأصابع ضعيفة ، وفكت الشريط الأبيض متسائلة دون الكثير من الآهتمام عن الشخص الذي يمكن أن يرسل لها هدية. أيمكن أن تكون نسيت عيد ميلادها؟ لكن بمشاهدتها محتويات العلبة عرفت تماماً من رأسها.. مع أنه لاوجود لبطاقة.
كان في العلبة وردة حمراء وحيدة .. مقطوفة في وقت بدأت الطبقة الخارجية من الزهرة تتفتح . وضعت إيبرل الوردة الباردة على خدها وأغمضت عينيها بعد أن امتلأتا بدموع حارقة. ابتسمت السيدة أغريبا بخبث : هل هذه من رجل صديق؟
عند سماعها الجملة ، انفجر سد داخل إيبرل وبدأت تبكي بشدة "لا.. ليس رجلاً صديقاً".. لكنه على الأقل " صديق"..
صاحت السيدة أغريبا: إيبرل!
وكأن التأنيب طبيعة متأصلة فيها ، فبدأته على الفور : هاك الآن !عيب عليك !فتاة كبيرة قوية مثلك!
لكنها وهي تؤنب ، جلست إلى جانبها في السرير، ووضعت يدها الخشنة بلطف على جبين إيبرل : هاك الآن .. هاك.. ألست سخيفة وغريبة الأطوار لتبكي بسبب هدية جميلة كهذه؟ شهقت إيبرل وهزت رأسها .. وتمتمت السيدة أغريبا:أنت فقط متكدرة لما حدث في الأمسية الفائتة .. لكن لا يجب أن تخدي طباع ريبيكا الحادة بمثل هذه الحساسية . إنها تتجاوز الحدود لأتفه الأسباب .
ابتسمت إيبرل للسيدة أغريبا ابتسامة دامعة ، امتناناً لجهدها في مواساتها على حساب ريبيكا . إنها بادرة لطيفة منها. عادت السيدة أغريبا مجدداً إلى شخصيتها الأصلية ، وأمرت إيبرل متجهمة أن تبقى في السرير ، بينما حضرت لها طبقا من حساء الخضار للغداء .. ولكثرة احتجاجات إيبرل ، قالت المرأة بكل تسلط وكأنها مديرة سجن: سوف أحضرها ولسوف تأكلينها .. لذا وفري أنفاسك لتبريد الحساء.
عادت إيبرل تغوص في الوسائد وتشعر كأنها مجرمة أنقذت مؤقتاً من الإعدام، ورفعت الوردة الحمراء إلى شفتيها، وهي تعرف أنها تعني تعبيراً عن الاعتذار في ولانفجار غضب غرايغ في وجهها ليلة أمس .. لكن لاشيء أكثر .. كلماته كانت واضحة بما يكفي: "لاتتدخلي بيننا .. ولاتزيدي الأمور سوءاً ، أكثر مما هي".. في المستفبل ستكون حذرة جداً لاتتطفل على حياته الخاصة.
بعد أسبوع من هذا ، وفي يوم بارد رطب لايسمح بالعمل في الخارج، ولعلم إيبرل أن حفلة تدشين المنزل التي ستقيمها السيدة بوكستر أصبحت وشيكة ، عرضت خدماتها في المنزل .. وهكذا جلست المرأتان أمام طاولة غرفة الطعام المغطاء بأوراق الصحف، تلمعان أدوات الطعام الفضية..
سألت السيدة بوكستر: إيبرل ، عزيزتي .. ماذا سترتدين ليلة السبت؟
_ السبت؟
_ لحفلتي .. تدشين المنزل.
_ لكنني اعتقدت أنها بعد ظهر الأحد.
رفعت السيدة بوكستر نظرها عن تنظيف سكين : لم أخطط لها أبداً ليوم الأحد عزيزتي .. من أين أتتك هذه الفكرة؟
_ ذكرتها لي ريبيكا ، أعتقد.
تمتمت السيدة بوكستر: هكذا إذن .. لابد أن الأمراختلط عليها .. فهي تعيش حياة محمومة ، وغالباً ما تخلط الأمور .. حسنٌ أنني سألتك أليس كذلك؟ وإلا لما حضرت الحفلة!
ترددت إيبرل ثم اندفعت : لطف شديد منك أن تشملني الدعوة، لكنني حقاً لاأعتقد .. ردت المرأة تقاطعها بخشونة: هراء! يجب أن تأتي .. وأنا أصر.. لن نتكلم بالمزيد عن هذا.. هزت إيبرل رأسها مهزومة، ففي الأربعة أشهر التي عملت فيها للسيدة بوكستر تعلمت أن هذه المرأة اللطيفة الساحرة تمتلك إرادة صلبة .. ومعارضتها الآن لاجدوى منها أبداً.
فجأة غيرت السيدة بوكستر الموضوع : قالت لي ريبيكا إنك ستزرعين شوك النار على ذلك المنحدر قرب بركة السباحة. ترددت إيبرل ثم ردت مرواغة : ناقشت الأمر معها ولم أقم به بعد . هزت السيدة بوكستر رأسها وكأن لاأهمية للأمر . ثم تابعت بطريقةبدت لإيبرل عفوية ، مع أنها كان يجب أن تكون حذرة أكثر .
_ ريبيكا تفكر بغرايغ وبي كعائلة لها.. وهي تؤمن بهذا منذ كانت طفلة صغيرة. كانت أمها مشغولة دائماً اجتماعياً ، وبالطبع كان والدها يغيب كثيراً حين كان ووالد غرايغ يبنيان الشركة معاً. ولأنها تظن نفسها من العائلة، لديها ميل لتجاو ز سلطتها من وقت لآخر .. وكما أظنني ذكرت هذا من قبل، ريبيكا امرأة متهورة جداً .. لكنها سرعان ما سيكون لها منزلها الخاص لتهتم به..
حتى ذلك الوقت لاأريد أن أحملها عبء إدارة منزلي. رفعت ماريان بوكستر نظرها عما تفعله ، لترى ما إذا كانت إيبرل تصغي إليها ، لتجد أنها متنبهة لكل كلمة تقولها . تابعت السيدة : الآن أنت، من ناحية أخرى ، تم انتقاؤك بعناية .. بفضل مواهبك وعلمك، وحكمك الصائب .. أليس كذلك؟ تمتمت إيبرل مشدوهة: أتمنى هذا.
سألت السيدة بوكستر: حسن إذن .. ماذا تنوين أن تزرعي ذلك المحدر؟ إذن هذا هو الأمر .. واضح تماماً.. ريبيكا سيكون لها صلاحية إعطاء الأوامر يوماً .. لكن ليس الآن .. وابتسمت إيبرل بارتياح ، وأحست باندفاع كي تمد يديها وتحتضن المرأة الرائعة.
_ فكرت " بالكزيلوسما" ، لها أوراق لامعةإنما بدون زهر ، وهكذا لن يأتي النحل إليها ، وبالتالي فلن تسبب مشكلة لبركة السباحة.
قالت السيدة بوكستر بارتياح : ممتاز.. هذا بالضبط مااخترته بنفسي.
كانت الشخصيات التي قدمت لحضور حفلة السيدة بوكستر مساء السبت ، من الخليط المعتاد للجميع.. ارتدت، إيبرل ، وبعد طول انتظار، الثوب الصيني الذي أهداه إيان لها منذ سنوات عديدة .. كانت تعرف أنه يناسب طولها ، كما يناسب لونه الخوخي شعرها الأحمر القاتم ، ومع أنها تعرف أنها تبدو مكتملة ، إلا أنها أحست بأن منظرها رهيب.
بالرغم من جو الحفلة البهيج ، والطعام اللذيذ، فقد وجدت إيبرل صعوبة في التمتع بكل هذا. إذ طوال الوقت كان نظرها يلاحق غرايغ الوسيم دائماً الذي خطف أنفاسها الليلة.. لم يظهر لها أي رجل من قبل بمثل هذه الأناقة، كما بدا ببذلة سهرة سوداء وقميص أبيض.. بينما ارتدت ريبيكا، ثوب سهرة أبيض اللون من الساتان جعلها تبدو كملكة الثلج الأسطورية.. لكن، السبب في ألم إيبرل العميق كان منظر ريبيكا المتعلقة به بألفة ، وكأنما هي جزء آخر من جسمه.
خلال اللحظات القليلة التي ترك فيها غرايغ ريبيكا ليحضر لها شراباً ، تقدمت إلى إيبرل لتقف معها لحظة وتبتسم بتكبر: كم تبدين لطيفة آنسة ساوندرز.. توقعت أن أراك بثوبك الجديد. تمتمت إيبرل ببرود: لم يبدُ لي مناسباً للحظة. قالت ريبيكا بابتسامة ماكرة:
_ هكذا إذن.. من حسن حظك أن يكون لديك شيء آخر تشعرين أنه مناسب.. أم أنك اشتريته خصيصاً للحفلة؟
حين لم ترد إيبرل ، تابعت ريبيكا: كم أنت جريئة في مجيئك إلى حفلة غرباء لوحدك.
نظرت حولها ، وأضافت باهتمام مزيف: أرجو أن يقوم أحد بتقديمك إلى المدعوين. ابتسمت إيبرل باختصار رداً، فأخفضت ريبيكا صوتها: أعتقد أنني مدينة لك باعتذار آنسة ساوندرز.. لقد تصرفت بطريقة لاذعة سخيفة في الأسبوع الماضي .. أعترف بهذا.. وكأن فتات عاملة جدية مثلك يمكن أن تفكر بأي نوع من العلاقات الشخصية مع رجل مثل غرايغ! أو هو معك؟ لست أدري لماذا ظننت.. حسناً ! لقد كنت متكدرة وأنا آسفة، وأعرف أنك ستسامحيني. على أي حال لم يحصل أي ضرر.. وكما لاشك تلاحظين، غرايغ وأنا تصالحنا.. إنه عزيز جداً .. يتساهل مع نوبات غضبي السخيفة .. لكنه يحب المرأة التي تملك روحاً قتالية.
تحركت مبتعدة، تلوح لإيبرل بيدها مودعة بأصابع زهرية رشيقة.. بقلب متألم، تركت إيبرل الغرفة وخرجت إلى الحديقة.. حيث تنتمي.. لكن حتى الحديقة هي لها لوقت محدود.. بعد انتهاء الحفل في حزيران.. وبعد إتمام التزامها مع السيدة بوكستر، سوف تستقيل من عملها هنا وتذهب.. إلى مكان آخر. أي مكان، طالما أنها لن تتحمل أن تعيش يومياً مع ألم رؤية غرايغ يصبح لامرأة غيرها.
بخطوات بطيئة متثاقلة، مرت بحديقة الورد في طريقها إلى خميلة على بعد ياردات.. اليوم أواسط نيسان، تفتحت أول وردة فيها.. وردة مذهلة الجمال اسمها " ميراندي".. توقفت إيبرل لتمرر أطراف أصابعها فوق وجهها المخملي الأحمر، واشتمت عبيرها الحلو.. فجأة جاء من خلغها صوت غرايغ العميق: هذا ماأدعوه وردة جميلة.
اعتادت على بروز غرايغ في أوقات وأماكن لاتتوقعه فيها، فاستدارت ببطء وهدوء لترى قميصه الأبيض مشعاً وسط السواد حوله..وقالت بهدوء: أول وردة للصيف. أحنى رأسه الأسود الشعر ليتنشق رائحة الوردة، ثم قال: إنها مناقضة تماماً للوردة عند بائع الزهور التي تكون باردة ورائحتها سماوية وبتيلاتها لاتزال دافئة من دفء الشمس.. إنه الفارق بين الحياة والفن، أليس كذلك؟
ابتسمت إيبرل في الظلام، وأحس قلبها بخفة لكلماته.
_ مع ذلك فأنا أشكرك على وردة البائع.. كانت لطيفة جداً منك. أمسك ذراعيها فجأة بيديه، وهزها قليلاً : أوه إيبرل.. كنت أفضل أن أعطيك هذه الوردة متفتحة في الوقت المناسب.. ، ثم شعرت بدفء ذراعيه حولها.. طافت في رأسها أفكار لمقاومته.. تعرف أنها لن تحصل على أكثر من هذا ، وأن هذا بحد ذاته مسروق من صاحبته الحقيقية.. قبل أن يستطيع عناقه الذي لايقاوم أن يجري في دمها ؤيضعف إرادتها إلى ماهو أبعد من كل مقاومة، انتزعت نفسها منه مع أن الحركة مزقت قلبها.
في ظل نور القمر الشاحب وجهه الأسمر الغاضب، رأت إيبرل نظرة شوق في عينيه، وأدركت أنها كانت محقة في الابتعاد عنه.. أشاح بوجهه عنها ، وبصوت مخنوق قال: أنت محقة.. أنت محقة.. فهذه ليست الطريقة التي يجب أن تتم بها الأمور .
قالت بصوت عليل: ولن تتم غرايغ.. تعرف هذا كما أعرفه أنا.
نظر إليها بحيرة: لكن ..إيبرل.. اتفاقنا..ظننت..
_ أن نكون أصدقاء.. لاشيء أكثر.. أم أن تحديدك لمعنى الصداقة مختلف عن تحديدي لها ؟
طغى تعبير حانق لارحمة فيه على وجهه وتصلبت زوايا فمه. تقدم نحوها خطوة فتولاها خوف بارد.. قالت بصوت متألم مذعور: هناك أناس آخرون يجب أن نفكر بهم! ربما باستطاعتك أن تنسي.. لكن أنا لاأستطيع! اللعنة على هذا الرجل الذي يضطرها لحماية ريبيكا! وكأنما كلماتها كانت جردلاً من ماء بارد رمي في وجهه.. فوقف مسمراً في تقدمه نحوها.. كان وجهه مختلفاً كوجه غريب، وقال بصوت بارد: لقد كنت أحمقاً جداً ، وأملت أن تسامحيني.. أعطيتك وعداً أن لايحدث هذا مرة أخرى.. هل لي أن أعيدك إلى المنزل الآن؟
بقلب دامع، سمحت له أن يمسك مرفقها ويقودها نحو المنزل كما فعل في أول لقاء لهما .. آه.. لو أن ذلك اليوم لم يأتِ! لو أنها تستطيع أن تعود تلك الفتاة التي كانت.. دون أحد تحبه، وبقلب ليس محطماً إلى مليون قطعة. استأذنها غرايغ بانحناءة مهذبة في المدخل، ودون نظرة إلى الخلف غاب بين الجمع الضاحك الصاخب.. أخذت إيبرل نفساً عميقاً وبحثت حولها عن السيدة بوكستر .. ستجد مضيفتها، تشكرها، ثم تسأذن بالانصراف.. الوقت يقارب منتصف الليل على أي حال ولن يفتقد أحد صحبتها هنا.
منتديات ليلاس
بعد بحث في أرجاء المنزل، وجدت إيبرل السيدة بوكستر في مكتبة غرايغ تتكلم على الهاتف. حين رأت إيبرل واقفة بالباب، قالت:
_ أوه.. هاهي سيد مورهيد.. انتظر قليلاً. أخذت إيبرل السماعة بالخوف الذي تسببه عادة أي مخابرة في منتصف الليل.
_ مات.. ماالأمر؟ هل ليز بخير؟
_ أجل، إنها بخير تماماً .. لكن .. ستاتون عاد إلى البلدة، واتصل بي منذ دقائق.. قال إنه عاد ليأخذ ابنته التي"سرقها" القانون منه. شهقت إيبرل، فوسعت عيناها دون قصد عيني ماريان بوكستر التي كانت تقف قريباً منها وتستمع إلى كلامها باهتمام. فسألت بلهفة: _ ماالأمر عزيزتي؟
تابع مات يقول لإيبرل إن براد ستاتون لم يجد مكان ليز، ولن يستطيع على الأقل قبل الغد بعد أن تفتح مكاتب جمعية أصدقاء الطفولة.. صاحت إيبرل غير مصدقة: لكن بالتأكيد لن يخبره أحد عن مكانها؟ الجميع يعرف من هو! تمتمت السيدة بوكستر بقلق:سأستدعي غرايغ! وقبل أن تستطيع إيبرل إيقافها، أسرعت خارجة.
قال مات: إنهم مضطرون حسب القانون أن يسمحوا له برؤية ابنته.. وتعرفين هذا إيبرل.. وأكمل أن عليها أن لاتقلق، لأنه رتب أمر رؤية ستاتون لابنته في مكتب أصدقاء له، وليس في منزل العجوزين إيفنز. وهو واثق من أن القاضي سيوافق معه نظراً للظروف المحيطة بالقضية .. ولسوف يؤخر موعد المقابلة إلى أن يهدأ ستاتون قليلاً ويعود إلى رشده.
رفعت إيبرل صوتها إلى حد الصراخ : أوه.. ألايمكنك أن تنسى التزامك الثمين بالواجب ولو لمرة واحدة؟ وماذا عنك؟ أنت أيضاً في خطر! يجب أن تخرج من شقتك فوراً.. إذهب إلى فندق! رد بهدوء: وهل نسيت أن عنواني ليس في دليل الهاتف؟ ولهذا السبب بالذات، لن يستطيع إيجاد مكاني لاأنا ولاليز. لذا تريثي، فلاداعٍ للقلق أبداً .
برد الألم الصادق في صوت مات غضب إيبرل، فتنهدت: لا..مات.. لايجب أبداً أن تأسف بسببي. أعرف أنني تصرفت بسوء وأنا آسفة. بالطبع أنا شاكرة لأنك أعلمتني بالأمر. لكن ، لايمكن أن تفعل شيئاً لاأستطيع غفرانه لك.. كيف يمكنك التفكير هكذا، وأنت تعرف شعوري نحوك؟ سمعت إيبرل صوتاً خفيفاً ، فرفعت نظرها لترى غرايغ واقفاً في الباب وأمه خلفه.. فهل سمع مايكفي مما قالته ليعرف ماذا يجري؟ لو أنها تستطيع طلب مساعدة منه ، وقد أصبحت ليز الآن في خطر حقيقي.. لكنها كانت قد أقسمت أن لاتتطفل ثانية على حياة الخاصة.. بينما هذه الأفكار تدور في رأسها، كانت كذلك تصغي إلى مات عبر الهاتف.
كان يطلب منها أنل لا تقلق، أنه سيبقيها عى اطلاع، عليها قضاء يومها مع ليز كالعادة في الغد.. أجابت"لالن تفعل.. لكنه طالبها بتغيير رأيها من أجل الفتاة التي تنتظر يوم الأحد بشوق .. ثم قالت وداعاً وأقفلت الخط. مد غرايغ يده إلى وراء يقفل الباب:
_ هل لي أن أعرف ماالمشكلة؟ ردت:
_ إنها مسألة شخصية.. لاشيء تزعج نفسك به. قاطعتها السيدة بوكستر: أوه.. لكن إيبرل عزيزتي، لقد بدوت مذعورة فإذا كنت في مشكلة، أرجوك قولي لنا..
تعالى طرق عنيف على الباب، وسمعت إيبرل ريبيكا : غرايغ ..حبيبي؟ هل أنت هنا؟ استدار غرايغ، ونادى باختصار:
_ أنا مشغول ريبيكا.. اذهبي من هنا الآن .. سأكون معك بعد قليل. ثم التفت إلى إيبرل يكرر كلمات أمه: إذا كان بالإمكان أن نساعد بأية طريقة..قالت: شكراً جزيلاً لكما معاً .. أنتما لطيفان جداً .. لكن حقاً ، ليس في الأمر شيء.. مسألة شخصية فقط.. حقاً.
وبدأت تتجه نحو الباب.ضاقت عينا غرايغ متأملاً، ووقف في طريقها لينظر إليها:
_ هل نسيت أننا سنصطحب ليز إلى كولوما في الغد؟ قطبت:
_ ربما أجلنا الرحلة إلى يوم آخر.. لاأظنني أشعر برغبة فيها.. سأبقيها هنا معي.. قال بخشونة:هناك أناس آخرون يجب التفكير بهم إيبرل.. ربما يمكنك أن تنسي هذا لكنني لاأستطيع.
وكان هذا ترديداً لكلامها منذ دقائق في الحديقة.
_ ربما تحديدك لمعنى الصداقة يختلف عن تحديدي. لكنني وعدت صديقتي الصغيرة بنزهة، ولست أنوي أن أخيب أملها.. هكذا، هل ستبقين في المنزل أم تأتين معنا؟
ياله من متوحش! ياعذبها الآن من بين كل الأوقات وبشكل ظالم ! ومع أنها كانت تعي أنه يعاود ابتزازها عبر ليز ، إلا أنها أدركت كذلك أن ليز ستكون أكثر أماناً مع غرايغ ومعها في كولوما ، من أن تبقى مع العجوزين إيفنز في سماكرامنتو .
_ حسن جداً .. سأرافقكما غداً .. سأذهب أولاً لإحضار ليز في الصباح الباكر، وبإمكانك اصطحابنا من منزلي أية ساعة تشاء. وكأنه لم يسمع ما قالته، أمر غرايغ ببرود: أنت وأنا سنذهب لإحضار ليز في الصباح الباكر.. في سيارتي.. ثم سنتجه إلى كولوما من المدينة مباشرة.. كوني مستعدة في الساعة الثامنة.
كانت قلقة، متعبة، لاطاقة لها على المزيد من المجادلة، فوافقت.. نظرت إيبرل بابتسامة مطمئنة إلى السيدة بوكستر، ثم غادرت المنزل عبر باب المطبخ، لتجنب الحفلة التي كانت لاتزال في أوجها. حين وصلت إيبرل بصحبة غرايغ إلى منزل إيفنز صباح اليوم التالي ذهلت لرؤية أن ليز لم تكن تنتظر لوحدها متحمسة في غرفة الجلوس، بل ماكس كذلك مع صندوق عدته وفاين تمسك بحقيبتها السوداء . بعد أن استقرت المرأتان في المقعد الخلفي لسيارة اللينكولن الواسعة وليز في الوسط، همست فاين لإيبرل: اتصلت السيدة بوكستر في السابعة صباحاً ، لتسأل إذا كان بالإمكان أن تأتي ، أنا وماكس، لمساعدتها في تنظيف المنزل بعد حفلة الأمس..بدت .. لنا سيدة لطيفة جداً ، إيبرل .. أليس كذلك؟
كانت مذهولة، لذا لم تستطيع سوى أن تهز رأسها.. وما إن وصلت أسرة إيفنز إلى المزرعة ، وتعرفا على السيدة بوكستر والسيدة بوكستر والسيدة أغريبا وانطلق الثلاثة في نزهتهم، حتى سنحت الفرصة لإيبرل بأن تذكر الموضوع.. وبدأت: كنت مندهشة جداً حين عرفت أن الزوجين إيفنز قادمان إلى المزرعة هذا الصباح.
رد: أوه.. حقاً؟
_ أعتقد أنك أخبرت أمك عن لقائك بهما؟
_ هذا صحيح.
_ فهمت.. ظننت أن السيدة بوكستر كانت ستعلمني لو أنها خططت لاستئخار هما بين الحين ؤالآخر.
_ لاأعتقد أنها تحتاج إلى إذن منك.
احمر وجه إيبرل غضباً، وردت عليه ساخطة: بالطبع لا! وأنت تعرف أنني لم أعن هذا! إنه شيء فظ، أن تقول هذا!
نظر غرايغ إليها من فوق رأس ليز، ثم أدار اهتمامه إل الطريق:أنا آسف.. أنت على حق طبعاً .. كانت أمي ستذكر هذا لك، ماعدا أن المسألة حدثت فجأة .. بعد مغادرة الضيوف ليلة أمس، أدركت أن هناك تنظيفات أكثر بكثير من قدرتها وقدرة غوين ، فاقترحت أن تتصل بالعجوزين .. وتم كل شيءعلى مايرام.. وبالتأكيد أنت مسرورة لأن صديقيك سيقضيان يوماً هادئاً في الريف.
كانت إيبرل صامتة، تفكر بكلامه بحثاً عن معانٍ مخبأة، ولم تجد شيئاً .. ثم ابتسمت: أجل.. لاأستطيع التفكير لهما بشيء ألطف من قضاء يوم في الريف.
انطمأنت لأن ثلاثة من أحبائها سيمرحون ولو ليوم على الأقل، فأدارت اهتمامها إلى نزهة اليوم . وراحت تشينرإلى ليز كيف يتغير منظر الأراضي وهم يبتعدون عن ضواحي المدينة ، نحو السفوح الجميلة الريفية لجبال السييرا نيفادا المكللة بالثلوج..
قالت ليز: أذناي مسدوتان.
ردت إيبرل: إنه الارتفاع عزيزتي.. ابتلعي ريقك وستنفتحان. كانوا يتجهون نحو الأعلي بصحبة غابات السنديان والشربين و الأرز الذكي الرائحة، التي تقف هناك كما وقفت لآلاف السنين، على جانبي الطريق العام المتعرجة بين التلال الصخرية.. بوصولهم إلى كولوما، بدت وكأنها غابة قائمة بذاتها.. وكانت الأراضي المخصصة للنزهات والتخييم هادئة باردة تحت مظلة الأشجار الباسقة القديمة.
قالت ليز بحماس كبير: انظر غرايغ!لابد أن هذا هو مجرى النهر الذي وجد فيه الذهب!
رد غرايغ: هذا صحيح. أوقف السيارة في فسحة على أمتار من المنشرة القديمة . كان هناك مجموعة زوار متحلقين حولها يراقبون دولاباً كبيراً يعمل، ويصغون إلى حارس الغابة الوسيم، يعيد سرد قصة تلك الأيام العظيمة.. وانضم الثلاثة إلى الحلقة للإصغاء. أحست إيبرل بدفء يغمر قلبها وهم يعودون إلى السيارة ليتوجهوا إلى المتحف ،لدرجة آمنت أن هذا اليوم كان مقدراً له أن يدمر أعصابها من القلق والتوتر، سيتحول إلى يوم مرح سعيد.
في مكان الشرف، داخل الغرفة الرئيسية للمتحف، كان هناك عربة قديمة.. بدا وكأنها سلكت في أيامها الكثير من الرحلات.. كانت مصنوعة من الخشب وتنتصب فوق إطارات من حديد، ويبدو داخلها أصغر بكثير من معظم السيارات الحديثة، مع ذلك فقد كانت معدة لركوب ستة أشخاص، وطبعاً ، دونما ارتياح..قربها، وسط صندوق زجاجي، وفوق وسادة من المخمل الأحمر، رقاقة صغيرة لاشكل محدد لها من الذهب، كانت السبب في بدء المغامرات الكبيرة عام1849
بعد أن نقبت ليز كل زوايا المتحف، اصطحبها غرايغ إلى فندق "نيفاد هاوس" القديم الساحر للغداء. حيث بهرت ليز بالديكور العتيق، ورؤوس الثيران البرية الضخمة المعلقة على الجدار. كانت الجدران والسجاد بلون الشكوكولا البني، تزيد من من إبراز لون أغطية الطاولات الحمراء والأطباق البيضاء.. جلست إيبرل تسند ظهرها إلى الكرسي بسعادة تاركة حرية الطلبات لليز وغرايغ.بعد ساعة، كانت ليز تغط في نوم عميق داخل السيارة المريحة المكيفة.. وبدأ غرايغ مشغولاً بقيادة السيارة.. ومع كل ميل تتقدمه السيارة الكبيرة باتجاه المدينة، كانت معنويات إيبرل المرحة تتراجع..
ودون أن تعي، انطلقت منها تنهيدة ثقيلة مضطربة .أعادها الإحساس بيد غرايغ على يدها إلى ذاتها .. نظرت إليه متسائلة وهي
تسحب يدها منه بلطف .. حين استدار ليلتقي عينيها ،كان يبدو على وجهه شيء أنذرها بالمتاعب :
قال بلهجة رسمية :إيبرل .. هناك أمر يجب أن أخبرك به .. حين نصل المنزل ،لاشك أن أمي ستكون قد أخبرت الزوجين إيفنز
ما تعرفينه وما أعرفه وما يعرفه الجميع ،عدا ليز.صاحت بتعجب :ماذا ؟!
على الفور أسكتها غرايغ بإشارة من رأسه إلى الطفلة النائمة ،وسألته بصوت منخفض :لكن كيف عرفت ؟
_بدا الخجل على وجهه بشكل اعتيادي ،وهذا لوحده رمى إيبرل في حيرة أكبر .. تصوروا ما يلزم لجعل المتعجرف غرايغ
بوكستر يحس بالخجل !
قال مدافعاً عن نفسه :لقد استخدمت حريتي للاتصال بمات ليلة أمس بعد خروجك .
شهقت :لكنني قلت لك إن الأمر شخصي! كيف تجرؤ على التدخل ؟..
_أشار بيده قلقاً:لقد فكرت طويلاً قبل أن أتصل به ،لئلا يكون الأمر شخصياً بينكما .
لو لم تكن أمي واثقة أنه أكثر من هذا ،أؤكد لك أنني ما كنت تدخلت ..لكن كان لدي إحساس أن للأمر علاقة بليز..هكذا خاطرت
واتصلت ..وأخبرني مات بأمر ستاتون،ورأيت أن العجوزين هما صيد سهل فأخرجتهما من هناك بجعل أمي تتصل وتطلب مساعدتهما ..ولم أجرؤ على قول الحقيقة لهما خوفاً من ذعر فاين ..ولم أخبرك لأنني خشيت أن تكون ردة فعلك كما الآن.
لم تعرف إيبرل بما تفكر أو تشعر، فمن فضائله التي تعرفها عنه مسارعته في التدخل وتولي زمام الأمور . قالت : لست أدري كيف سأتمكن يوماً من شكرك غرايغ لكل ما فعلته اليوم.. سأكون مدينة لك إلى الأبد. نظر إليها من زاوية عينه، وقال: في الواقع.. هناك شيء تستطعين فعله لي.
قالت بحررة: قل لي ماهو.. وسأبذل جهدي لأرضيك.
_ أخبرني مات الكثير عن حالة ليز ليلة أمس .. وأنه لايمكن تبنيها إلى أن يعطي والدها الإذن بهذا.
ردت بمرارة: وهذا مالن يفعله.
_ أجل.. هذا ما قاله مات كذلك .. قال إن ستاتون يعتبر أن هذه هي الورق الوحيدة التي لايزال يملكها: اعتراض سبيل سعادتها
ومستقبلها .. حتى ولو لم يكن يريدها لنفسه.. لكنني أعتقد أن بالإمكان"إقناعه".. وإن استطعت أن أقنعه بالتخلي عنها، فستتمكنين، أنت إيبرل من تبنيها، وستصبح آمنة.
قفزت الدموع إلى عيني إيبرل، فقد تفوه غرايغ بالحلم الذي حلمت به ملايين المرات.. لكنه لايعرف مدى العوائق الكامنة في طريق تحقيق هذا الحلم.. قالت: أتخلى عن كل شيء أملكه الآن وفي المستقبل لو كان بالإمكان أن يحدث هذا غرايغ.. لكنني سأواجه أوقاتاً صعبة في إقناع المحكمة.. دون عمل ثابت..
تنهدت ثم تابعت بأسى:
_ لا.. لن يسمحوا لي بتبنيها.. لكن قد يستطيع شخص آخر.. هذا إن جعلت والدها يوقع على الأوراق اللازمة. أدارت عينين مشعتين أملاً ولوضئيلاً إلى غرايغ، وأكملت: سيكون رائعاً أن تستطيع.
سألها: وماذا لو كنت متزوجة؟
ترددت ثم قالت: لكنني لست متزوجة.
_ قلت إنك استفعلين ما بوسعك لإرضائي إيبرل.. وأنا أطلب منك الزواج.. فهل تقبلين؟
منتديات ليلاس