كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
6_ مجرد خدمة أخرى
مع أوائل آذار شهر(مارس)، كانت إيبرل قد انطلقت لإعادة الأراضي إلى مايجب أن تكون عليه، مع أن الكثير لازال بحاجة إلى الجهد.. أزيلت الأعشاب الضارة من المرجة الأمامية، ورشت بمبيد لمنعها من النمو مجدداً.كانت دغلة الورود تزدان بالأوراق الحمراء الجديدة في نموها الجديد..
منتديات ليلاس
هذا بالإضافة إلى الأعشاب المعطرة، التي زرعت إلى جانب باب المطبخ، وأشجار التوت البري عند إحدى الشرفات خلف المنزل، وقد أصبحت مليئة بالثمر الأخضر الفج.لم تشاهد غرايغ كثيراً منذ يوم زيارة الحصن.. وكان يجب أن تكون مسرورة لهذا، فشرطها أن لاتحتك به، لكن بالرغم من رغبتها هذه، فقد أحزنتها رؤيته يدخل ويخرج دون كلام معها سوى تلويحة يد من بعيد.
في إحدى الأمسيات المنعشة،وبعد أن أخذت إيبرل دوشاً، بعد يوم من العمل المرهق في إزالة الأعشاب الضارة والأغصان الميتة .. وقفت أمام المرآة تمشط شعرها الكثيف ولاحظت أن شمس الربيع بدأت تلون بشرتها بلون العسل . استجابة إلى رقة الأمسية الربيعية الهاد ئة، اختارت إيبرل من خزانتها بيجاما من الحرير اللافندري اللون..من النوع المثير الذي يلفت النظر ، لكنها كانت مريحة بقدر ما هي مغرية.
في طريقها إلى المطبخ، فتحت بابها الأمامي ، فمن الأفضل لها التمتع بالروائح المعطرة المحملة مع هواء المساء.. أضافت إلى لحم الحمل المسلوق فنجاناًمن اللوبيا الطازجة، المقطوفة من مسكبة خضارها الصفيرة خلف المنزل، حركته ووضعته مجدداً فوق النار.. لم يعد ينقصها سوى سلطة خضراء من أوراق الخس، والفجل، والبصل الأخضر، وهي كذلك من حديقتها الصغيرة، بالإضافة إلى الخبز والزبدة، وهكذا تكتمل وجبتها.
دخلت غرفة جلوسها لتضع شريطاً موسيقياً في جهاز الستيريو ومع أول انسياب ألحان البيانو سمعت صوتاً اشتاقت إليه كثيراً، يقول من أمام الباب: لقد تبعت أنفي، وانظري إلى أين أوصلني.تسارعت دقات قلبها وهي تستدير لترى غرايغ يستند على الباب الحاجب للحشرات، والآبتسامة تعلو وجهه الأسمر.. وقفت جامدة في مكانها تحدق به متسعة العينين.. فأكمل :
_ هل لي أن أدخل؟ أم أنني أقاطعك عن عشائك؟ عادت إلى الحياة، وتذكرت أخلاقها الحسنة: أوه..لا.. أدخل..
على أي حال ، يُعد هذا الرجل الثاني بعد ربة عملها .. وربما لديه رسالة من أمه.. لكن لا..لايبدو عليه هذا، فقد دخل إلى وسط الغرفة بطريقته الواثقة، ونظر إليها بتكاسل من الرأس حتى القدمين، دون أن يفوته أي من التفاصيل.. أحست إيبرل بقشعريرة تجتاج جسدها وشكرت الصدف التي جعلتها مرتدية لأول مرة شيئاً غير ثياب العمل.. إنها لاتريد أبداً أن تجذبه ، لكن مامن امرأة تحب أن تبدو دائماً مشعثة .قال بلهجة تساؤل:
_ أعدك أن لاأطيل البقاء.. فأناواثق أن السيد مورهيد لن تعجبه رؤيتي هنا حين يصل.
_ أوه.. لن يمانع. ثم تذكرت أنها قادت غرايغ إلى الاعتقاد أن علاقتها بمات ستدفعه فعلاً إلى الممانعة، فأكملت،: أعني أنه لن يعرف.. فهو لن يأتي.. لكن هذا أسوأ بكثير! إذ ظهرت نظرة خبث في عينيه! ولكي تصرف أفكارها المشوشة بعيداً وتشغل نفسها عن نظرات غرايغ المتفحصة، انحنت لتلتقط برنس وترفعه بين يديها. قال: إذن أنت لوحدك الليلة.
ثم بابتسامة ماكرة، سرد شعراً :"كثير من الزهور يحترق احمراراً، دون أن يراها أحد.. ويضيع عطرها الجميل في الهواء الصحراء" ماعدا إيبرل ساوندرز، لو استطعت أن أمنع هذا.. والواقع، إنني لم أتناول عشائي بعد.
ياله من جريء! فكرت بإعجاب .. وبماذا يمكن لفتاة محترمة أم ترد على مثل هذه الدعوة سوى: أرحب ببقائك ..كما أعتقد . إذاكنت لا تمانع في تناول"حواضر البيت".
قال بابتسامة رضى لنجاحه في مناورتها:
_ مع هذه الرائحة الشهية، أعتقد أن أياًكان يمكنه الإحساس بالأمان مع"حواضر بيتك" قالت بجفاء:الأفضل أن تؤجل إطراءك إلى أن تأكل ..مع أنها تعرف أن طهوها جيد وتفتخر به، لكنها لاتزعج نفسهابالطهو كل ليلة لنفسهافقط. طهوها الآن مثله مثل بيجامتها، مجرد صدفة.. كان بالإمكان أن تقرر تناول عشاء مؤلف من علبة"تونا" أو أن تكون مرتدية روب الحمام القديم الباهت.لكن الوضع اختلف اليوم.. حتى أن هناك كمية من معجنات الجبن الدسمة المليئة بالزبدة في البراد قدمتها لغرايغ مع القهوة بعد العشاء.. بعد أن التهم آخر قطعة، ابتسم لها، مع نظرة تقييم في عينيه
_ أنت بالفعل امرأة متعددة الأدوار. ألست هكذا؟ مامن أحد يستطيع أن يقول عنك إنك مجرد وجه جميل.
رفعت عينيها متعجبة لهذا المديح.. هل هناك في كلامه مقارنة خفية مع ريبيكا؟ إذا كان صحيحاً.. فمن وجهة نظر من؟ ليس وجهة نظره بالتأكيد، ولاوجهة نظر أغريبا! ربما السيدة بوكستر؟ أجل.. لابد هذا.. أو الأكثر احتمالاً..ليس هناك أي مقارنة أبداً.. فلاشيء مثل الأماني تستخلص المعاني التي تكون في الأصل سراباً!
انتقلا بعد العشاء إلى غرفة الجلوس، وأحست إيبرل بالاسترخاء لوجوده.. وسألها ما إذا كان يستطيع إشعال نار صغيرة لكسر حدة برد أمسية الربيع هذه. وهو يقوم بهذا، اختارت تسجيلاً لموسيقى ناعمة ووضعته في الستيريو. جلست على الأريكة تراقبه وهو ينحني ليرتب الحطب في الموقد.. سمعت صوتاً صغيراً محذراً، يهمس في أذنها، محذراً أنها قد تضع نفسها في ورطة لاتحمد نتائجها.
في الحقيقة، إيبرل فتاة محافظة ، وتنوي البقاء هكذا..كل ما تتذكره، هو أن مشاعر هذا الرجل أنانية عابثة.. وكيف يمكن أن تنسى؟ إذن، أين يكمن الخطر؟ إنها قادرة بالتأكيد على الاستمتاع بأمسية لطيفة مع رجل جذاب دون التفكير بأنها ستقع في فخ الغواية.
وتستطيع قول "لا"الآن لهذا الرجل في الوقت المناسب.. لكن الفتاة المحتشمةفي داخلها تتوسلها: على الأقل اتركي الأريكة واجلسي على كرسي!
نهضت لتستبدل جلستها على مقعد آخر بمواجهة الأريكة، في الوقت نفسه الذي كان فيه غرايغ ينهض من ركوعه ويستدير ليواجهها مبتسماً: الآن ، وقد تكرمت علي بعشاء رائع.. أريد أن أطلب منك معروفاً آخر.
ردت مجفلة: أوه!
_سأسافر إلى المكسيك غداً من أجل تقديم عرض لمشروع بناء سد. إنه مشروع ضخم وسيؤمن الكهرباء إلى منطقة واسعة لم تنعم بها مسبقاً.. والرجل المفترض به أن يكون مسؤولاًعن هذا في شركتنا مريض الآن ، وفي المستشفى.
_ فهمت. لكنها في الواقع لم تفهم أبداً ما دخلها في كل هذا.
_ وبما أنني سأغيب أسبوعاًأوأكثر، فسأشعر بارتياح أكبر إذا لم تبق أمي والسيدة أغريبا وحيدتين في المنزل.. فهل بإمكانك السكن معهما أثناء غيبتي؟
لم تتردد إيبرل ، بل كانت مسرورة جداً بأن تقيم مع السيدة بوكستر، والتي أصبحت مولعة بها خلال الأسابيع التي عملت لديها.
_ بالطبع.. إذا كان هذا يرضيها.. ابتسم: بالنسبة لها، لقد قررت أن تدعوك لتناول وجبات المساء معها لمجرد التمتع بصحبتك. إنها تحبك كثيراً.. لكن سيكون الأمر أكثر إفادة.. لو.. أنك انتقلت للإقامة معها.
منتديات ليلاس
احتارت إيبرل:لكن يمكن أن أبرر انتقالي للسكن هناك؟
_ إنها لاتعلم أنني سأطلب منك السكن معها للأمان، إلا أنها تعتقد أن هذا غير ضروري.. وسيكون من الأفضل عدم مناقشة هذا الأمر
هزت رأسها مبتسمة: فهمت.. أدركت إيبرل أن السيدة بوكستر تحتاج إلى الرعاية، فأضافت قائلة: سأقوم بإقناعها بالأمر.
ضحك غرايغ: سيلزمك أسابيع لتقنعيها..لا.. لقد ابتززتها لهذا. قلت إذا لم يحصل ماأريد فلن أقوم بالرحلة، وسأدع الفرصة أمام المنافسين ليحصلو على المشروع.
دهشت إيبرل لعجرفته.. وقالت مرة أخرى: فهمت!
بدا التعبير على وجهه كأنه يشير إلى تخلصه بكفاءة من مهمة صعبة أخرى.. وبهدوء تناول منديلاً من جيبه الخلفي، وقام بمسح الرماد عن يديه ثم أعاده إلى مكانه.. تقدم أربع خطوات نحو إيبرل.. وبحركة سريعة لاتسمح بأية مقاومة، انحنى واضعاً يديه تحت مرفقيها ورفعها بخفة بالغة.
قبل أن تستطيع التصرف، ضمها بين ذراعيه بطريقةلن تنساها أبداً منذ أول عناق له.. وأحست بصاعقة تجتاحها.. وتصاعدت رائحة التبغ، والعطر، وشيء آخر حميم لتملأ أنفها.. تمتم بكلمات لم تفهمها، لكنها استجابت لها بضعف وشوق.. من مكان بعيد، من مسافة واسعة، من عالم آخر ، سمعت طقطقة النار، وآهات الكمان للأوركسترا التي تعزف ألحانها الناعمة.
فجأة..أبعدها عنه، وأحست أنه أبعدها عنه بنفس القوة التي عانقها بها. تمتمت بحدة: غرايغ؟ ما الأمر؟ أخذ غرايغ بضع أنفاس عميقة، وقال بصوت منخفض مخنوق: سامحيني إيبرل.. أنت امرأة جميلة، ونبيلة.. لكن هناك حدود للخدمات التي يمكنني طلبها منك.
لفح وجه إيبرل احمرار مؤلم وكأنما تعرضت لحروق مفاجئة.. أهكذا ينظر إلى الأمر؟ مجرد خدمة أخرى؟ انفجرت الفتاة المتزمتة داخل رأس إيبرل بالدموع الخائفة، وصاحت: أرأيت؟ ألم أحذرك؟ أنت الآن تختلفين عن أي امرأة أخرى قدمت له خدماتها! لكن إيبرل ، العصرية فكرت بسخرية: وماهو الجديد في الأمر؟ بالطبع لم يكن هذا كله يعني شيئاً له!ألم تذكر نفسها لتوها أن مشاعر هذا الرجل ليست سوى عادة"دون جوانية"؟ أو لم تتفاخر بأنها تستطيع التعامل معه؟ حسن إذن، لمَ هذا الإحساس السخيف بأنه غرّر بها؟
لإنقاذ ما تبقى من كرامتها المشتتة، ابتسمت إيبرل ساخرة وقالت بلهجة الواثق المتفهم: لاداعي للاعتذار غرايغ، دعنا لانعطي الحدث أكثر من قيمته. عناق عفوي، سببه عشاء جيد، نار دافئة، وأمسية ربيع عطرة إضافة إلى أصوات الكمان المنبعثة من الستيريو، وكما وصفت الأمر منذ أسابيع، إنه حق رجل في فتاة.. أرجوك، لاتفكر بما حدث مرة أخرى.. فأنا بكل تأكيد لن أفعل.
تغير التعبير على وجه غرايغ لكلامها الهادىء، وتحول وجهه المفكر إلى التصلب. ابتسامتة المتكسرة لم تصل إلى عينيه، وهو يقول بجفاء: كم أنت محقة إيبرل.. ماكنت لأقول أفضل من هذا.
غادرها بوداع بارد وخلا المكان لإيبرل لتذرف بضع دموع ساخنة ذلك المساء، لكن بحلول اليوم التالي تلاشت كل آثار لقائهما المذل من عقلها .. أحست أنها أنقذت ماء وجهها بما قالته له.. في الواقع الكثير مما قالته صحيح .. في المستقبل، ستكون أكثر حذراً في الوجود على مسافة قريبة منه... يمكنها أن تكون متأثرة من معاملته اللطيفة لليز في الحصن..
وأن تكون ممتنة لأنه طلب منها العناية بأمه، بدلاً من أن يطلب ذلك من ريبيكا، المرأة التي من الطبيعي أن يطلب العون منها.. أما ما تبقى من مشاعرها نحوه، فقد قررت وضعها بعيداً عن التفكير والمضي في حياتها. في حوالي الرابعة من بعد الظهر، هبت عاصفة وبدأ هطول المطر..فتوقفت إيبرل عن العمل وعادت إلى منزلها.
استبدلت ملابسها وارتدت بنطلوناً أحمر داكناً، وكنزة بيضاء. ثم وضبت حقيبة صغيرة وضعت فيها ملابس لليلة واحدة، وبضعة أشياء قد تحتاجها لقضاء ليلتها في المنزل الكبير. وضعت الماء والطعام لبرنس ونظرت إلى المطر الذي ينهمر بغزارة والريح المشتدة.
وضعت معطفها الواقي من المطر فوق رأسها، وركضت نحو مطبخ المنزل الكبير .. لاشك أن السيدة أغريبا كانت تراقبها، فما إن وصلت حتى انفتح الباب ثم أقفل وراءها. وتمتمت السيدة أغريبا متذمرة، تستقبلها: أكره هذا الطقس.. انزعي هذا الشيء المبتل عنك قبل أن تبللي مطبخي كله.
وضعت إيبرل حقيبتها من يدها، وعلقت معطفها في الخزانة الصغيرة في الغسيل خلف المطبخ، ثم عادت لترى ماإذا كانت تستطيع مساعدة السيدة أغريبا.. قالت المرأة بلهجة ألطف من العادة: أعتقد أنك ترغبين في شيء ساخن.
_ إذا كان هذا لايزعجك.
_ لا.. لقد أعددت لتوي قهوة طازجة.. وبإمكاني إراحة قدمي قليلاً. صبت فنجانين من القهوة الساخنة، وأضافت: ومن الأفضل أن أنزع قشور البازيللا من أجل تحضير العشاء، وأنا جالسة.
تناولت قصعة البازيللاء من البراد وجلست متنهدة. لاحظت إيبرل أن تعابير المرأة مختلفة هذا اليوم.. صحيح أن العبوس لازال ظاهراً لكنه لم يكن شديداً. كان يحيط بها جو من الإثارة المكبوتة وكأن شيئاً رائعاً على وشك الحدوث. هذا التغيير المفاجئ للمرأة حمل إيبرل على الحذر أكثر. سادت لحظات صمت، وإيبرل تفكر متعجبة بحذاقة أصابع المرأة في تقشير البازيللاء.. تكلمت المرأة فجأة: أرجو أن يتغير الطقس غداً.
ردت بحذر، فإن كان هناك تلميح بهدنة فيجب أن تشارك: أجل .. وأنا كذلك.. لازال هناك الكثير من العمل في الحديقة.
_ لدينا زائرة صغيرة غداً، ولن أحب أن تحبس في المنزل طوال اليوم.. يكفيها حبسها في الشقة التي تعيش فيها. سألت إيبرل:
_ أوه؟ من القادم؟
_ أجمل فتاة صغيرة في العالم.. ببساطة.
_ أهي حفيدتك؟ ضحكت المرأة بصوت أجش، ورفعت رأسها برشاقة: تقريباً! لقد اعتنيت بريبيكا منذ ولادتها.. وحين ولدت تانيا اعتنيت بها كذلك.. فأنا.. مقربة لأسرة ماونتين. رددت إيبرل بضعف: ماونتين؟ ريبيكا لديها فتاة صغيرة؟
_ بالتأكيد.. وهي صورة عن أمها كذلك. مالت إلى الأمام وكأنها تفضي إليها بسر: ليس من طبعي التكلم بسوء عن الأموات، لكن، على أي حال، نعمة من السماء أن الطفلة لم ترث عن أبيها شيئاً من هيئته.
_ أوه؟ هزت السيدة أغريبا رأسها بشدة:
_ كان أحد الغرباء.. داكن البشرة، وقصيراً.. رأيت مرة صورة له وهو شاب، وحتى في ذلك السن لم يكن جميلاً ، إن سألتني رأيي.
_ وهو ميت الآن، كما قلت؟
_ مات منذ ثماني سنوات قبل أن تولد الطفلة، ومات سعيداً.. أكثر الفتيات لاينظرن إلى رجل مثله مرتين، فما بالك بالزواج منه، والسهر على مرضه.. تلك الفتاة قديسة. وهزت رأسها بعجب. قالت إيبرل مفكرة: فهمت.. وأرجو أن يكون قد ترك لها مايكفيها.
أشارت السيدة أغريبا بيدها دلالة عدم الاكتراث: مال لايعد.. وهذا أمر عادل، نظراًللإخلاص الذي أظهرته الفتاة له. وهي لاتحب أن تسمعني أقول هذا، فهي كالملاك. صمتت قليلاً، ثم أكملت برضى: إذا تأملت الصغيرة، فلن تحسبي أبداً أنها ابنة رجل غريب. تنفست إيبرل ودماغها يقلب هذه الصورة الجديدة عن ريبيكا، وتمتمت السيدة أغريبا بمحبة: الحبيبة تانيا.. سوف تبقى عندي أسبوعاًكاملاً.. بينما تكون ريبيكا في المكسيك .
كررت إيبرل مصعوقة: المكسيك؟ ريبيكا ذهبت إلى المكسيك؟ نظرت المرأة إلى إيبرل نظرة انتصار: هذا صحيح.. بصحبة السيد غرايغ.. ولن يدهشني إن عادا متزوجين. ثم صمتت مترقبة، وكأنما لتترك قنبلتها الأخير تستقر في رأس إيبرل.وهذا ماحصل.. وكأنها وابل من الرصاص.. فكون ريبيكا أرملة ولها طفلة في عمر ليز، أمر قادرة على استيعابه في جلسة واحدة..
لكن أنها ذهبت إلى المكسيك مع غرايغ! مع اندفاع هذه المعلومات إلى دماغ إيبرل، أحست بصداع يتصاعد، والأسوأ من هذا كان تهديد الدموع.. كانت سخرية إيبرل من نفسها عظيمة لتذكرها كيف أنها اغترت بنفسها، لأن غرايغ اختارها هي بدلاً من ريبيكا للاعتناء بأمه.. ولم يخطر ببالها قط أن يكون السبب ذهاب ريبيكا معه إلى المكسيك.. ياللسماء! كم هي غبية بلهاء!
وذلك الغزل.. الذي حدث بعد حصوله على موافقتها لمساعدته، وكما كان الأمر في أول عناق لهما بعد أن ترك أمه تقنعها بالعمل.
كل شيء متناسب مع الخطة التي وضعها منذ اليوم الأول للقائهما، أن يتركها تظن ماتشاء، طالما الأمر مناسب لغاياته.. وأن يدوس بقسوة على مشاعرها طالما يحصل على مايريد.. ىلآن لم تعد تصدق أن مشاعره نحو ليز حقيقية.. بل مجرد وسيلة شريرة ليسيطر على إيبرل.. ولن تسامحه أبداً لاستغلاله ليز.
وقفت إيبرل:
_ الواقع أنني لن أندهش كذلك إن تزوجا.. بل هذا ماأرجوه. نظرت المرأة إليها بارتياب: حقاً؟
_ أجل.. أظنهما مناسبين جداً لعبضهما.. إنهما يستحقان بعضهما. قالت المرأة بحماس: أنت محقة تماماً ، كانا مقربين منذ طفولتهما، كان والداهما شريكين.. وكان يجب أن يتزوجا منذ زمن بعيد، لولا ذلك الغريب..
تلاشى صوتها، ثم نظرت إلى الفراغ وأكملت بلهجة آملة: سنعود عائلة من جديد حين يتزوجان. وستعود الأشياء كما كانت..
تدخلت إيبرل بلطف في حلم يقظة المرأة، لتسأل: هل أريتني أي غرفة سأستخدم سيدة أغريبا؟ أود أن أرتاح قليلاً فبل موعد العشاء.. إذا كنت لاتمانعين. كان يوجد علبة أسبرين في حمام الغرفة التي ستسخدمها إيبرل.. ولاشك أن قرصين منها ساعداها فعلاًكي تغوص في نوم قلق متململ.. فقد كانت الساعة تقارب السابعة حين استفاقت على صوت المطر والرياح الهوجاء خارجاً.. غسلت وجهها بتكاسل ووضعت عليه بعض الزينة، ثم مشطت شعرها قبل أن تترك غرفتها لتناول العشاء مع والدة غرايغ، كما وعدت.
كانت السيدة بوكستر تجلس في مقعد وثير قرب النار. وشهقت مع دخول إيبرل الغرفة.
_ ياابنتي العزيزة ! هل أنت مريضة؟ تبدين بحالة فظيعة! أجبرت إيبرل ابتسامة على شفتيها: إنه زكام كما أعتقد.
_ بعدالعشاء، اذهبي رأساً إلى الفراش.. أم تفضلين الذهاب الآن وتناول العشاء في غرفتك؟ لم تستسلم السيدة بوكستر، إلا بعد إصرار إيبرل على أنها تفضل تناول العشاء معها .. لكنها طيلة فترة الطعام كانت تراقبها بعين الصقر، وهي تحادثها بمواضيع شتى.. استعلمت خلالها عن كل ما تم إنجازه في الأراضي، ساد بعده صمت قصير، وغلب البؤس إيبرل لدرجة أنها أحست معه بسقم.
بعد أن أحضرت لهما السيدة أغريبا طبق الدجاج، ورجعت إلى المطبخ.. سألت السيدة بوكستر:
_ هل قالت لك أغريبا إن ابنة ريبيكا الصغيرة قادمة لتبقى معنا لبضعة أيام؟
_ أجل. بينما أمها في المكسيك. تنهدت السيدة بوكستر:كان الأمر مفاجئاً .. لطالما كانت ريبيكا فتاة متهورة.. لقد رتبت أمر هذه الرحلة في وقت قصير بحيث لم يكن هناك وقت لاستخدام مربية مناسبة.
_ تبدو السيدة أغريبا مبتجهة للأمر.
_ أوه.. أ جل.. إنها تحب تانيا. صمت قليلاً وكأنما تقرر ماذا ستقول، ثم:
_ إيبرل .. أريدك أن تكوني حرة التصرف في المجيء إلي إذا أزعجت الصغيرة عملك، أوتدخلت فيه.. إنها طفلة لطيفة.. لكنها مدللة نوعاً ما وقد ترتكب حماقات أو ما شابه. ابتسمت إيبرل:الأطفال ليسوا بغرباء عنى.. أعرف أنهم مزعجون بين وقت وآخر.. لكنني واثقة أنني لن أتذمر منها.
ردت السيدة بوكستر بابتسامة قلقة:،
_ لاتكوني واثقة جداً.. ! ثم تنهدت مرة أخرى: على الأقل، سيكون تغييراً مفيداً للمسكينة أغريبا.. إنها ليست سعيدة معنا هنا، وتدركين هذا.. إنها معتادة أن تعيش وسط عائلة اجتماعية دائمة المشاغل.. ونحن مملون جداً لذوقها.
_ ولماذا لاتجد لنفسها عملاً أكثر ملاءمة إذن؟ ترددت السيدة بوكستر، ثم في لهجة لطيفة شرحت: حسناً.. أغريبا جاءت للعمل عند أسرة ماونتين وهي صغيرة جداً.. كانت خارجة لتوها من المدرسة .. وبقيت معهم خمس سنوات قبل أن تتزوج.. بعد أشهر قليلة قتل زوجها في حادث.. ولم يكن لديها أولاد.
كانت أسرة ماونتين عائلتها الوحيدة، وهم الآن أموات جمعياً باستثناء ريبيكا وتانيا. ليونيل، والد ريبيكا، مات منذ سنوات.. ومؤخراً تزوجت أمها ورحلت إلى بالم سبرنغ. ريبيكا تعيش في شقة.. وتشعرأن لا مكان لأغريبا معها. صمتت السيدة وكأنها تتفحص كلماتها التالية.. ثم أكملت:
_ إيبرل.. قد لايكون فاتك ملاحظة أن أغريبا ليست.. حسناً.. ليست شخصاً من السهل التعامل معه.. إيجاد عمل جديد لم يكن سهلاًعليها.. هكذا، لم يكن لديها مكان تذهب إليه.جعلت النظرة المضطربة على وجه السيدة بوكستر اللطيف إيبرل تتمنى لو أنها لم تسأل ذلك السؤال القاسي.
حين عادت السيدة بوكستر إلى الكلام كان صوتها مشرقاً:
_ ثم اشترى غرايغ هذا المكان.. وعرضت أغريبا أن تساعدنا.. إلى أن: إما أن تتزوج ريبيكا مرة أخرى ويصبح لديها مكان لها ، أو إلى أن نستقر ونجد لنا مدبرة منزل دائمة. وأظننا جميعاً استفدنا من هذا الوضع المؤقت.
كان بإمكان إيبرل أن تقسم بأن السيدة بوكستر لن ترفع إصبعاً يدل على رغبة في استبدال السيدة أغريبا، إلى أن تعبر الأخيرة بنفسها عن رغبتها في الرحيل.. وأصبح واضحاً تماماً لإيبرل، لم تنظر إليها السيدة أغريبا كتهديد لأمنها ومستقبلها.. حسناً.. كل شيء أصبح واضحاً الآن.. وهي سعيدة لمعرفة القصة مهما كانت محزنة.. لأنها الآن وقد فهمت دوافع السيدة أغريبا، ستتمكن من تهدئة مخاوفها.
وستكون شريرة فعلاً كي تشتبك بحرب باردة مع امرأة وحيدة مثلها.. فإيبرل تعرف جيداً ماذا يعني أن يكون المرء وحيداً لاجذور له في العالم.. الآن فهمت هذا أكثر من يوم مضى، لأن الحلم الذي تجرأت أن تحلمه،عاش قليلاً ثم ذبح بقساوة.منتديات ليلاس
يتبع الجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزء الســـــــــــــــــــــــــــــابع
|