كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
الجزء الثالث( حق رجلٍ في الفتاة)
لم تكن إيبرل تعتزم العمل لدى السيد بوكستر ، ولكنها لم تفهم السبب الذي جعلها تهتم بالاحتفاظ برقم
هاتفه المسجل على آلة الرد بحيث لم تعد تفكر ، بعد أن أوصلت ليز ذلك المساء، سوى باسمه . كانت الرسالة على آلة الرد رسالةعملية.. مع ذلك، فقد شعرت بإحساس لذيذ
لدى سماعها صوته:"غرايغ بوكستر يتكلم : آنسة ساوندرز.. لدي مسالة هامة أريد بحثها معك.
سأكون في ساكر امنتو بعد ظهر اليوم .. وساسمح لنفسي بزيارتك على أمل أن أجدك .. إن أردتك الاتصال بي يمكن الوصول إلى في المزرعة"ثم أعطى رقم الهاتف .
مسألة هامة ..كيف يكون أمر إيجاد جنائني مسألة هامة لرجل مثله؟ رجل وسيم ناجح كما هو واضح، وفي الثلاثين من عمره مثل غرايغ بوكستر، لديه دون أدنى شك أشياء أخرى أكثر أهمية
بكثير. استخلصت إيبرل، أن الأهمية الملحة للأمر، ومن وجهة نظره، هي رغبته بالخلاص مما يعتبره
عملاً مزعجاً. أجل ..
هذا هو الجواب الواضح..إنه مثل أغلبية الرجال اعتاد الحصول على مايريد.. فبالنسبة إليه لا شك أنه أمر ملح له أن يتخلص من هذه المشكلة كي يتمكن من متابعة عمله.. حسناً، تتمنى له إيبرل الحظ في ذلك. من وجهة نظرها، حالة الأرض المزرية تتستدعي عملاً كثيراً.
واذالم تُرش بمبيد للأعشاب الضارة، فستنو وتتكاثر ولن يبقى أي سبيل لإنقادها سوى حرث الأرض و تسميد التراب ، قبل زراعة مرجة جديدة.. وتلك الورود المسكينة! بالرغم مما قال، فهو لن يشذبها وكانهاسياج أشواك على حافة الطريق.. هل يفعل؟
مرت الصورة مخيفة في خيال إيبرل فعقدت العزم على الاهتمام بالورود في الصباح التالي .. لكن، هذا فقط! إنها مصممة على عدم العمل لديهابالرغم من حاجته الملحة لجنائني.. كانت تدرك أنه قام بابتزازها للوصول إلى هذا القرار.. لكن فكرة الهلاك الذي ينتظر الورود أزعجتها كثيراً لدرجة أنستها خيبة أملها..
ترددت إيبرل قليلاً قبل أن تقوم بطلب الرقم.. أرادت أن تسمع صوته، أن تكون على صلة ما معه، ومع ذلك لاتريد.هكذا أحست بمزيج من الارتياح والخيبة، حين أعلمتها السيدة أغريبا أن السيد بوكستر غير موجود.
منتديات ليلاس
_ أوه.. هكذا إذن. وتسألت ما إذا كانت هذه فرصة لها لتنسى الأمر كله، وسألت السيدة أغريبا:
_ من المتكلم؟
_ أنا إيبرل ساوندرز.. قابلتك بالأمس.. قاطعتهاالمرأة ساخرة:
_ وكأنه يمكنني النسيان.. قال السيد بوكستر إنك إن اتصلت بخصوص الورود، فبإمكانك المجىء متى شئت.لاحظت إيبرل أنه كان واثقاً أنها ستتصل. وبطريقة مماثلة، باردة، ردت على المرأة.
_ شكراًلك، سأكون هناك بعد قليل. أقفلت الخط قبل أن تقوم المرأة بذلك قبلها.. من أين تعلمت هذه المرأة أن تتصرف بمثل هذه الطريقة الفظة شخص لم يسبب لها ضرراً ؟ وصلت إيبرل إلى المزرعة بعد أقل من ساعة .. قامت بارتداء قفاز عمل وجدته في صندوق أدواتها، وباشرت فوراً بعملها. كان الطقس ممتعاً أكثر من الأمس .. يوم وصافٍ ومشمس ومرتفع الحرارة قليلاً.
قاربت الساعة الحادية عشرة، فتوقفت إيبرل عن العمل بعد أن أنهت نصفه تقريباً لإحساسها بالجوع، وتناولت الغداء الذي أحضرته معها . فجأة اخترق سكون الريف صوت هدير محرك سيارة، ورفعت إيبرل رأسها لترى جاغوار بلون فضي تتقدم في الممر الداخلي الوعر، وتتوقف أمام المنزل.. لم تستطيع إيبرل أن ترى المرأة التي نزلت من الجانب الآخر بوضوح ودخلت المنزل دون قرع الجرس، لكن بدا واضحاً أنها شقراء، أنيقة الملبس .. من هي؟ لا بد أنها مقربة من غرايغ بوكستر لتدخل منزله وكأنها من العائلة .. ربما تكون كذلك؟ أحست إيبرل بالحرج لفضولها الغريب، ولتفكيرها العدائي الواضح ..
وقالت لنفسها: واجهي الواقع! رجل مثل غرايغ بوكستر لا بد أن تكون امرأة كهذه في حياته.. امرأة مقربة وكأنها من العائلة، أو ربما أكثر .. ثم هناك احتمال آخر .. لكن إيبرل رمت بالفكرة بعيداً وانكبت تتابع عملها .. فلاشيء يعنيها من أمور السيد بوكستر.
من المثير للقلق أن تستمر بالتفكير بذلك الرجل المثير للسخط والحيرة معاً .. عرفت إيبرل عدداً من الرجال في حياتها وأغرمت بالبعض منهم.. وهي حالياً معجبة بمات مورهيد المسئول الاجتماعي عن ليز .. لكن أفكارها ام تتجه بإلحاح نحو رجل، ولم تتجاوب من قبل للمسة منه أو لسماع صوته بمثل هذه الطربقةالمثيرة للخوف.. هذا أمر سخيف! لم تكن تعتقد بأنها من النساء اللواتي يفقدن عقولهن لأجل رجل.. ورجل أبعد بكثير من منالها.. ولم كل هذا.. إنها تتصرف كمراهقة! وفي الحقيقة، إنها ليست معجبة بطراز غرابغ العابث الذي لا يقيم وزناً للعلاقات الجدية.
كان الوقت ظهراً حين نظرت إيبرل برضى إلى كميات الأغصان المشذبة حول الورود، وعادت إلى سيارتها الصغيرة لتفتح لفافة طعامها.. أكلت سندويش الدجاج، وكانت تقضم تفاحة ندية حين لمحت من خلال زجاج سيارتها باب المنزل ينفتح لتخرج منه السيدة أغريبا متجهة نحوها ونظرة معاناة على وجهها.. قالت:
_ السيدة بوكسترتريد أن تراك. أحست إيبرل بقلبها يقع بين قدميها. جف حلقها بسبب الخيبة و الإحباط حتى إنها كادت تختنق.. كم كانت غبية لظنها أن عدم وجود خاتم زواج يعني شيئاً في هذه الأيام .. بالطبع هو متزوج.. وأجبرتها كرامتها على استعادة تماسكها أمام المرأة.. وتنحنحت لتسأل بخشونة: الآن؟ _ أجل .. الأن.
أعادت إيبرل التفاحة إلى صندوق الغداء وراحت تفكر بمظهرها المشعث والمتسخ بعد صباح عمل. أحست بالنظرة الخبيثة التي علت وجه السيدة إغريبا.. ثم تبعتها إلى داخل الردهة وهناك لاحظت وجود نباتات عليلة وكأنها تحتاج إلى غذاء. تقدمت السيدة أغريبا أمام إيبرل في الردهة نحو الحمام الذي استخدمته منذ أيام، ثم تخطته نحو مايبدو أنه جناح من الغرف المتصلة ببعضها ، وتوقفت عند باب مقفل لتقرعه ولدى سماعها كلمة "ادخل" دخلت تتبعها إيبرل على مضض.
وقعت عينا إيبرل فوراً على امراتين جالستين في مواجهة بعضهما البعض على مقعدين مزدوجين بيضاوي اللون وموضوعين على جانبي مدفأ مصنوعة من حجارة بيضاء، وبينهما طاولة وضعت عليها صينية بدت فيها بقايا غداء. كانت الشابة التي شاهدت إيبرل وصولها تجلس مسترخية على المفرش الناعم للأريكة.. كانت نظرة عينيها الزرقاوين حادة ومتفحصة..أما المرأة الأكبر سناً فقد كانت تجلس مستقيمة، مظهرها يدل على وقار واثق.. خصلتان من الشعر الأبيض مرتدتان إلى الخلف عن وجه وسيم قوي البنية، لتنتهيا خلف رأسها بتسريحة على الطراز الفرنسي .
لكن العجيب في الأمر أن النظرة الباردة للسيدة أغريبا انقلبت إلى أخرى ذات تقدير، وأصبحت لهجة صوتها عذبة وهي تقدمها بلباقة :آنسة ساوندرز..سيدتي.أربكها هذا التحول في تصرفات المرأة، وازداد حين مدت المرأة المسنة يدها لمصافحة إيبرل وابتسامة لطيفة تعلو وجهها: أنا سعيدة بلقائك، آنسة ساوندرز.. هذه ريبيكا ماونتن.
وأشارت إلى الشابة الأنيقة، التي أومات لإيبرل بهزة رأس كسولة .. وأكملت المرأة المسنة:
_سيدة أغريبا.. أعتقد أن الآنسة ساوندرز ستكون مسرورة إن قدمت لها شراباً ساخناً.. أتفضلين الشاي أم القهوة عزيزتي؟ ردت إيبرل وهي تحاول جاهدة استرجاع هدوئها:
_أوه!شكراً لك.. سأخذ فنجان قهوة.
_ وأنت ريبيكا؟
_ لا شيء لي ماريان.. يجب أن آكل وأسرع في الذهاب فأنا أتوقع زيارة غرايغ لشرب القهوة بعد الظهر.. ثم لدي بعض المهمات التي أنجزها في هذه الأثناء . شعرت إيبرل بارتياح كبير، فلابأس أن يكون غرايغ على علاقة حميمة مع هذه المراة طالما ليسا متزوجين .. مع أن الأمر لا يعنيها على أي حال. وقفت ريبيكا ماونتن برشاقة، وطبعت قبلة خفيفة على خد المسنة.. ثم استدارت نحو إيبرل بابتسامة خبيثة، وقالت بصوت أجش:
_ أمر ساحر أن ألتقي بأمرأة تقوم بأعمال جسدية.. لكن لكل امرىْ ميوله كما أعتقد. قالت السيدة أغريبا بإبتسامة نصر:
_ سأرافقك إلى الخارج. رفعت صينية الطعام ولحقت ريبيكا بمشيتها التي تشبهة مشية عارضات الأزياء، ثم أقفلت الباب وراءهما.
قالت السيدة بوكستر: اجلسي أرجوك، آنسة ساوندرز. وأشارت إلى أريكة التي كانت تحتلها ريبيكا.. أجالت إيبرل نظرها في الغرفة بحثاً عن كرسي خشبي لا يتسخ من ملابسها الملطخة، لكن السيدة بوكستر فهمت نيتها وقالت: لا تقلقي عزيزتي، ثيابك تبدو نظيفة..
منتديات ليلاس
على أي حال .. أغطية الأراك يمكن غسلها.. فأنا امرأة عملية، لن اختار هذا اللون الفاتح لو لم يكن من السهل غسله. جلست إيبرل بحذر شديد وهي تحاول أن تستخلص جاهدة السبب الذي استدعيت من أجله .. ربما سيتضح الأمر بعد إدخال السيدة أغريبا للقهوة.
قالت السيدة بوكستر بخفة: لهذااشك أنك لاحظت أن الأراضي الخارجية في حالة فوضى..
لقد اشترى ولدي هذا المنزل مؤخراً، وأنا وصلت إليه في نهاية الأسبوع الماضي .. كان لدى المالكين القدامى مشاكل كثيرة منعتهم من الاهتمام بأمور المنزل . وكانوا يعتبرونه مجرد منزل ريفي لهم .. لكنني أنوي وولدي أن نجعله منزلنا الرئيسي.. هكذا ،وكما ترين ، أمامنا عمل كثير ملزمان بإنهائه.
تمتمت إيبرل بأدب توافق على كلامها، ثم امتنعت عن التعليق مع دخول السيدة إغريبا التي وضعت الصينية فوق الطاولة الصغيرة وأحست إيبرل بأنها تتصرف نحو المرأة المسنة بولاء كبير. وابتسمت لها كذلك بانحناءة خفيفة وهي تخرج من الغرفة مجدداً.
قالت السيدة بوكستر تتابع الحديث، وهي تصب القهوة: سيصبح هذا المنزل مميزاً جداً كما أعتقد.. وأعرف أن على المرء أن يحب ويحترم المنزل العائلي.. لكن يجب أن أعترف أنني سعيدة لخلاصي من منزلي.. لقد عشت طويلاً في واحد من تلك البيوت القديمة الضخمة قرب " ما كنلي بارك".. أتعرفين المنطقة؟
ذهلت إيبرل للمصادفة وقالت: أوه بالتاكيد أعرفها.. لقد تربيت هناك.
_ حقاً! ستفهمين إذن كيف أن امرأة مسنة مثلي، تعيش بمفردها تفضل منزلاً ظريفاً دافئاً كهذا .. وأنا ممتنة جداً لغرايغ لإصراره على أن أسكن معه هنا.. فليس كل ابن أعزب يرغب بأن تكون أمه العجوز بين يديه.
اعترضت إيبرل على قول السيدة بوكستر بأنها امرأة عجوز.. لكنها وافقت في سرها على أن بقاء أم مع ابنها الأعزب، بغض النظر إن كانت عجوز أم لا، هو أمر قد لا يرحب به الكثير من العزاب.. وهذا أمر يظهر جانباً انسانياً من نفسية الرجل لم تقدره إيبرل أبداً.وتابعت المرأة : بالطبع ، أريد أن يفيده وجودي معه، فبسبب أعماله لديه مكان سكن في ساكرمنتو، وشقة في سان فرانسيسكو..
،
لكنه الآن وقد تجاوز الثلاثين، يبدو أنه شعر بالحاجة إلى بيت حقيقي، ألأتوافقينني الرأي؟ وإلى أن يتزوج ويكون له زوجة تصبح محور حياته،أتمنى أن أساعده قدر استطاعتي. قالت إيبرل : أفهم هذا.
ربما لهذه المرأة علاقة بتصميم ابنها الملح على إصلاح الأراضي.. وراودتها فكرة أن الحديقة منزل السيدة بوكستر السابق لا بد كانت مرتبة ومعتنى بها مثل حدائق الخالة مارغريت.. قد لا تعترض أمه على منزل ريفي بسيط لكنها لن تقبل العيش بالتاكيد وسط هذه البرية.. وبكل تأكيد، ريبيكا المتكبرة التي أحست إيبرل أنها المرشحة الأولى لمحور حياة غرايغ المستقبلية، ستتوقع محيطاً يناسب جمالها.. وعاد انتباه إيبرل إلى السيدة بوكستر وهي تسمعها تقول:
_ أرى ، حسب كتاب تعريفك، أن إيان هيوشو هو الذي دربك.. وفي ساكرمنتو، لا يستطيع أحد سوى التفاخر بشرف كهذا.
أحست إيبرل بالاعتزاز لمعرفة أن اسم إيان العزيز وشهرته يعيشان بعده، وسألت:أوه..أتعرفين إيان؟
_ أجل ..قد كانت حدائق مارغريت باون مثار حسد كل أهالي ساكرمنتو.. وعرض عليه كثيرون رواتب مغرية جداً للعمل لديهم ولكنه لم يقبل تركها.. وما من أحد فهم السبب، فهي لم تكن تقدره كما يجب وكان بإمكانه العمل لحساب غيرها وتحسين وضعه.
أحست إيبرل بالاحراج لما سمعته من السيدة بوكستر، ومع أن معظمه كان جديداً على مسمعها ومذهلاً، إلا أنها أحست أن عليها أن تتكلم فوراً قبل أن تتفوه العجوز عن الخالة مارغريت قد يجده كلامها محرجاً . أكملت السيدة بلهجة من يتذكر: أذكر حفلة أقامتها مارغريت في الحديقة.. قاطعتها إيبرل بسرعة:
_ مارغريت باون هي خالتي سيدة بوكستر .. لقد ربتني، وهكذا دربني إيان..بدت الصدمة على وجه المرأة :
_ أوه.. يافتاتي العزيزة .. ماذا فعلت! هل قلت شيئاً أساء إليك؟ سارعت إيبرل تطمئنها بصوت لطيف: بالطبع لا .. فأنا كذلك كنت أدرك أن خالتي لا تقدر إيان حق قدره.
لكن السيدة بوكستر بدت محرجة، ربما من الافكار التي روادتها بشأن السيدة مارغيت وكانت تهم بقولها ، لو لم تتدارك إيبرل الموقف . رق قلبها للمرأة المسنة التي بدت تائهة، فاختارت كلماتها بحذر في محاولة لتلطيف الجو، وكي لا تكون جاحدة لجميل خالتها. قالت للسيدة بوكستر بخفة وصوت مرح:
_ أتعرفين؟ .. لقد شرح إيان لخالتي عدة مرات أن قطع الورود يجب أن يتم من فوق خمسة عقد للبراعم.. لكنها كانت تصر على قطعها بشكل عشوائي حتى يتناسب طول سيقانها مع الفازة التي تفكر بها.. حتى أننا اضطررنا، هو وأنا ، إلى منعها من قطع الورود.
ارتاحت إيبرل لا سترخاء وجه السيدة بوكستر وضحكت وهي تعيد ملء فنجاني القهوة، أصبح تعبير وجه السيدة مفكراً:
_ إذن أنت هي ابنة الأخت الصغيرة التي ربتها مارغريت بعد وفاة أختها.
وكأنها رجعت إلى ماضٍ مليء بالذكريات الجميلة، رفعت رأسها مبتسمة بحياء. ورأت إيبرل ابتسامة غرايغ الفاتنة مرتسمة على وجه أمه، لا شك أنه ورثها عنها.
_أعتقد أننا التقينا من قبل، مع أنك كنت صغيرة جداً لتتذكري.لقد زرت مارغريت يوماً،وخلال الزيارة ذكرت أن صديقة لنا تحدثت بإعجاب عن الورود رائعة في حديقتها، وسألتها إن كان بإمكاني رؤيتها. فاصطحبتني إلى الحديقة.. وهناك وجدت إيان يعتني بالورود كالعادة، وفتاة صغيرة تلعب إلى جانبه.. وهناك وقفت السيدة مارغريت مرتبكة أمام مجموعات الورود المختلفة ، ولاحظتُ وقتها أنها لا تعرف أي من الأنواع هو ورد السلام الأبيض .. ثم مدت يدها إلى وردة بيضاء، فناداها إيان وتقدم نحونا بسرعة فائقة وهو يلهث، ثم ابتسم وانحنى أمامنا قائلاً إن الآنسة إيبرل ستكون مسرورة بأن تقطف لنا الورود التي نريدها، فأخبرتها مارغريت بأن السيدة بوكستر ترغب في وردة سلام .. ومع أنك لم تتجاوزي الثامنة يومها، فقد تناولت المقص من إيان، ودون أي تردد، تقدمت نحو الورود المطلوبة، وقطعت ثلاث زهور بدرجة متساوية من الطول.. هل تذكرين هذا؟
ابتسمت إيبرل والحنين يملأ قلبها.وقالت: لا ..أنا آسفة، لا أذكر هذه الحادثة بالذات، فقد كان هذا الأمر يحدث دائماً..
امتعنت إيبرل عن تناول فنجان قهوة آخر،وقالت:كان هذا لقاء ساراً جداً سيدة بوكستر.. لكنني يجب أن أنهي عمل.. هل تمانعيي الآن.
_ بالطبع.. لقد كنت أنانية.. امرأة عجوز ثرثارة. لكن قبل أن تذهبي.. أتساءل إن كان بإمكانك الإصغاء إلى قصتي المؤسفة، إيبرل .. هل تمانعين في أن أناديك باسمك؟
فقالت إيبرل : بالطبع لا . أرجوك.
_ شكراً لك عزيزتي.. الواقع أنني تسرعت ووعدت منظمي جمعية أنتمي إليها بأنهم يستطعيون استخدام هذه الحدائق لحفل خيري صيفي.. سيكون ذلك في حزيران (يونيو).. ولقد حاول غرايغ العزيز استخدام جنائني لمركز دائم.. لكن ، كما تعرفين..وبدأت عيناها تلمعان فأكملت .. لم ينجح. لطالما كان لغرايغ طبيعة متقلبة، لكن بجب أن أعترف أنني نادراً ما رأيته ضجراً ومحبطاً كهذه الأيام.. حين عودته بعد ظهر الأحد مباشرة، كان شديد الحيرة والتفكير.
قال إنه وجد جوهر بين النفايات.. لكنها رفضت العمل. وقال: لقد فعلت ما بوسعي .. والباقي عليك.. وحين سألته أكثر قال لي على مضض إن هذا حدث يوم جئت لمقابلته. أحست إيبرل بحرج رهيب لمعرفة السيدة بوكستر بتفاصيل ما حدث، وكم تمنت أن تعرف كيف شرح لأمه تصرفه الخشن معها. ولكنها حاولت ولأجل العجوز، أن تستخف بما حصل.
_ كان مجرد سوء تفاهم سخيف سيدة بوكستر .. أعتقد أنني كنت متوترة أكثر من اللازم.
_ ربما، وربما لا عزيزتي.. فغرايغ يميل إلى التصرف بحرية كبيرة في بعض الأحيان.. لكن المهم في الأمر أنني أخذت على عاتقي أن أجد جنائنياً لأنني أنا المستعجلة. لذلك سيكون موظفاً عندي ولا علاقة لغرايغ به فهل لهذا فرق في مسألة قبولك العمل أم لا؟
ترددت إيبرل تفكر.. كم ستؤثر عليها هذا التغيير؟ لا مجال للسؤال أنها بحاجة إلى العمل .. وبكل تأكيد ستكون سعيدة بالعمل مع امرأة تعرف فعلاً أن هناك قواعد وأوقات معينة يمكن قطع الورود خلالها.. وإذا لم تكن على اتصال مع ذلك الرجل .. قالت مبتسمة: أجل سيدة بوكستر أظن لهذا فارق كبير.
ابتسمت السيدة بارتياح: أوه..أنا مسرورة جدلً إيبرل. سنقضي أوقاتاً ممتعة لجعل هذا المكان كالجنة.. وأريدك أن تعلمي أنني أكن كل الإعجاب لخيارك العملي. أحنت إيبرل رأسها لتخفي دموع العرفان بالجميل التي لسعت عينيها ..فعدا عن إيان ، كانت السيدة بوكستر الوحيدة التي أعطتها التقدير لخيارها بأن تكون جنائنية.
تكلمت السيدة بصوت منخفض وكأنها تسر لها: ألست ممتنة لأنك شابة في زمن تستطيع الفتاة فيه أن تقوم بالعمل الذي يثير اهتمامها؟ أتعلمين، لو كنت فتاةشابة اليوم لرغبت في أن أمتهن قيادة الطائرات.
ضحكت إيبرل: أتمنى لو أن معظم الناس ينظرون إلى الأشياء كنظرتك سيدة بوكستر.
قالت السيدة : أوه .. تباً عزيزتي..إنهم تافهو العقول ودون إبداع، يخافون المغامرات وحياة المخاطرة .. يجب أن تتعلمي عدم الاهتمام بهم.
أحست إيبرل بالنشاط لكلام السيدة بوكستر، ووضعت الأخيرة معطفها فوق كتفيها استعداداً لأن تريها مكان نومها.. الراتب الذي اتفقتا عليه كان أكثرمن سخي، وسستتمكن الآن من مساعدة الزوجين إيفنز مادياً .. مرت المرأتان عبر غرفة الجلوس الكبيرة المواجهة للمدخل، وقالت السيدة بوكستر إن بإمكان إيبرل أن تهتم بالنباتات الداخلية الاستوائية، اتجهتا عبر الشرفة نحو المنزل التابع لبركة السباحةو قالت إيبرل للسيدة:
_ لدي قط سيدة بوكستر.. آمل أن لا يكون هناك إزعاج في هذا.
_لا بأس أبداً .. أنا مغرمة بالقطط.لا تبدو هذه السيدة كغيرها من العجائز! كانت تسير متمتعة بجو الريف النقي.
_ مااسم قطك؟
_ برنس.
أحست إيبرل بصحبة حميمة وبرغبة كبيرة في احتضان السيدة بوكستر.
_ لقد أسميته برنس، لأنه قوي المظهر ولطيف المعشر. وصلتا إلى المنزل ضاحكتين، ودفعت السيدة بوكستر الباب لينفتح، ثم أشارت إلى إيبرل بالدخول.. كان تصميمه أكثر دقة.. الغرفة الرئيسية كبيرة، بمدفئة من الحجر الأسود. النوافذ العريضة من الخشب الأبيض.
دعتها السيدة بوكستر:
_تعالي لتشاهدي المطبخ. كان المطبخ الأكثر جمالاً الذي رأته إيبرل في حياتها، مكتملاً بكل الأدوات التي تم اختراعها.سألت السيدة بوكستر: هل تحبين الطبخ؟ فقالت إيبرل:أجل ، وأنا بارعة فيه.. قالت المرأة المسنة بحماس: حقاً! ربما تقومين بدعوتي يوماً للغداء.
تممت إيبرل أنه يشرفها هذا، لكنها تساءلت عما إذا كانت ستجد صعوبة في المحافلظة على هذه العلاقة بين رب عمل وموظفه. محاولة تغيير الموضوع:
_ بما أن هذا المنزل تابع لبركة السباحة، ألن ينزعج ضيوفكم صيفاً؟
_ أوه..لا.. فغرف الضيوف في الجانب الآخر الأقرب إلى المنزل .. وماهو أهم، أرجو أن لا تنزعجي أنت من الضيوف! على أي حال،سنستقبل الناس في نهايات الأسابيع وأتوقع أن تكون لفتاة جميلة مثلك اهتمامات أخرى لقضاء أوقات فراغها الأسبوعية بدلآً من إمضائها في المنزل.
لمحت السيدة نظرة مترددة على وجه إيبرل فأكملت مضيفة: لكن لا يجب أبداً أن تشعري بأنك مضظرة لمغادرة بيتك إذا كنت لا تريدين.. وأتصور أنك سترغبين في استضافة أصدقاء لك من وقت لآخر.. أؤكدأن كل شيء سيكون على مايرام .. فعائلة بوكستر ليست اجتماعية جداً على أي حال .
بحثت إيبرل مع المرأة كافة التفاصيل المتعلقة بالسكن وموعد انتقالها إليه بالإضافة إلى مصاريف احتياجاتها المنزلية اليومية.ثم ودعت السيدة بوكستر بمصافحة قوية ، وعادت لتكمل عملها في الحديقة ..وهناك راحت تستعيد كل ما جرى معها في هذا اليوم المميز وأحست بأنه من أسعد الأيام التي مرت في حياتها خلال الأربع وعشرين سنة الماضية .. لقد حصلت على منطقة خاصة بها.. بما .. أن الأرض تعتبر ملكاً لمن يعمل فيها .. وهذا أقصى ما كانت تطمح بالحصول عليه حتى إن بقيت دون تأسيس عائلة خاصة ، فهي قانعة بما وصلت إليه. كانت الساعة تقارب الرابعة بعد الظهر والظلام يوشك على الهبوط، حين أنهت إيبرل وضع كل الأغصان المقلمة في أكياس بلاستيكية سوداء، ليقوم بأخذها عامل التنظيفات ..
جمعت إيبرل معداتها، وكانت تفتح الباب الخلفي لسيارتها حين أطلت البورش السوداء من حيث لا تدري، متهادية فوق الحفر في الممر الداخلي.. حفر يجب أن يتم إصلاحها قبل أي شيء آخر.. وتوقفت السيارة في مواجهة سيارتها مباشرة. وبما أنها كانت تشعر بالرضى والقناعة من عملها الجديد والمستقبل الهانئ الذي ينتظرها، فقد أحست بسعادة غامرة لرؤية غرايغ بوكستر .. لاشيء مما حدث في الماضي يمكن أن تكون له أهمية في هذه اللحظة ..ربما لن يدوم الأمر ، ولا يجب أن يدوم .. لكنها الآن مبتهجة لرؤيته نشيطاً، يمتلئ رجولية وقوة، وهو ينزل برشاقة من السيارة ويتقدم نحوها بابتسامته الساحرة التي لاتقاوم.
قال يحييها:تبدين مشرقة بعد نهار عمل بهذه الثياب والقفازات.. مع أنك كنت جميلة أيضاً مع الفم الليلكي! ضحكت إيبرل وقالت: لاتبدوعليك الدهشة لرؤيتي..قال :كنت أعرف أن أمي ستنجح في التحاور معك، فهي لم ترض يوماً سوى بالأفضل.. ولقد تعلمت هذا منها.
_لكن مالذي جعلك تظن أنني قادمة؟
_ أوه.. أنت مستعدة للسير في النار جهنم لأجل عملك. وعرفت أنك لو قابلت أمي .. فلن تألو جهداً لإقناعك بالبقاء . أحست بارتباك وأضافت: حسناً ..لاشك أن الأخبار تنتقل بسرعة . _ الأخبارالجيدة طبعاً .. لقد اتصلت بأمي لأستعلم إن سار كل شيء على مايرام ..لم أكن واثقاً من أنك ستخضعين حتى لسحر أمي .. ولو لمتفعلي.. فلم أكن على استعداد لمواجهة طباعك الغاضبة مجدداً .
ضحكت إيبرل: تجعلني أبدو وكأنني من برج العذراء!قال: لا..أبداً .. لكنك خصم يحسب له حساب. ساد بينهما صمت قصير، بدا خلاله لإيبرل أن بإمكانه قول مايحلو له الآن ولن تظن ذلك سخيفاً أومضحكاً. وردت ممازحة:الآن على الأقل لن أموت جوعاً.
وشاركها بأن رمى رأسه إلى الوراء وضحك بطريقة حركت مشاعرها وأثارت تسارع خفقات قلبها.. وظلت البسمة مرتسمة على وجهه وهو ينظر إليها متفرساً في العتمة المتزايدة.
تبدين لي كوردة حمراء ندية.. أتعرفين هذا؟ احمر وجهها وأدارته بعيداً فقال:لا..لاتنظربعيداً..أظن أنني سأدعوك"الحمراء"إن لم يكن لديك اعتراض.لم تعد تملك القوة للاعتراض،كل ما فعلته هو أنها وقفت مسمرة ونظرتها متشابكة بنظرته.
أخيراً قال بمرح:لا شك تذكرين أنك أعربت عن تفضيلك الموت جوعاً على العمل لدي، لكن بما أنك الآن تعملين بأمان مع أمي ..
هل لي أن أقول لك شيئاً؟أنا كذلك أفضل الموت جوعاً على أن تعملي لي.
فغرت إيبرل شفتيها دهشة لهذه الملاحظة المثيرة للسخط، لكن قبل أن تجمع شجاعتها لترد، خطفها كما يخطف الصقر فريسته ولف ذراعيه حولها بقوة لم تستطيع معها أية مقاومة. وزاد من ضغط عناقه لها حتى أحست بمشاعر دافئة تتسلل عبر جسدها،وتوقف دماغها عن التفكير. وسرعان ما لم يعد هناك في العالم شيء سواهما.
عادت فجأة إلى وعيها، فجذبت نفسها بعيداً عنه لترى السيدةأغريبا تقف أمام الباب المفتوح للمنزل.. كان الوقت قد أصبح شديد الظلمة لتميز تعابير وجهها، لكن هناك ما يكفي من ضوء لرؤية الرفض المصدوم في وقفتها.. الآن ستضيف هذه المرأة الرهيبة نقطة سوداء لإيبرل،وستزداد كراهيتها لها.
فجأة تعالى صوتها كنورس:
_ سيد بوكستر! هاتف مهم لك. هزت إيبرل نفسها كحمامة متعبة، واستدارت إليه وقالت: ماذا تعني بجرأتك هذه؟ ومن أعطاك الحق.. بأن تتصرف هكذا...
_ حق أي رجل في فتاة، ياوردتي الجميلة الحمراء.. أما بالنسبة لجرأتي، فإن لم يكن لديك ما يشغلك الليلة، فكري بها. وأنا واثق أن فتاة ذكية مثلك تستطيع فهمها. صاحت به وهو يستدير متجهاً نحو المنزل: حقير!
رده الوحيد كان أن استدار ولوح لها بغير اكتراث، قبل أن يركض ليرد على المخابرةالملحة.. ولم تكن بحاجة لكثير من التفكير كي تعرف من المتكلم! عضت إيبرل بشدة على شفتها السفلى لتوقف دموع الغضب التي كانت تغرق عينيها.. لسوف تموت قبل أن تسمح له باستغلالها مرةأخرى! "حق رجل في فتاة.." حقاً! وأحست بالحقد يعتمر في قلبها.
أدارت إيبرل سيارتها بعنف، وانطلقت بسرعة عبر الطريق الداخلية الوعرة، باتجاه منزلها الذي تخلت عنه لتوها وإلى بؤس لا تعرف مقداره سوى السماء وحدها!
بتبع الجــــــــــــــــــــــــزء الرابـــــــــــــــــــــــــــع
|