المنتدى :
التحقيقات
- كلود دي فال - اللص الشهم ...
كلود دي فال
اللص الشهم
رغم ذكاءه الشديد، لم يعتن والده بتعليمه ومن هنا آثر (كلود دي فال ) أن يعتمد علي نفسه، ويكسب
قوته من عمل يده وهو في سن الثالثة عشرة من عمره، فسافر إلي ( روان ) عاصمة (نورماندي ) حيث
اشتغل ببعض الأمور البسيطة، ولكن سرعان ما راودته فكرة السفر إلي انجلترا، وكان قد أصبح في
الثامنة عشرة من عمره حيث التحق بالعمل كرئيس للخدم عند أحد السادة الانجليز، وكان ذلك في عام
1660م. وهو الوقت الذي عاد فيه الملك شارل الثاني ملكا علي انجلترا، وكانت هناك الكثير من
الاحتفالات بهذه المناسبة، مما دفعه للمشاركة فيها عن طريق ارتياد بعض الحانات حيث تعرف علي بعض
المقامرين واللصوص الذين أعجبوا بذكائه، واقترحوا عليه أن يترك وظيفته ويشتغل قاطع طريق، فهذه
المهنة ستدر عليه الكثير من المال بلا تعب....
ووافق علي هذه الفكرة بلا تردد. فمهنة اللصوصية تحتاج إلي ذكاء وهو لا ينقصه الذكاء، وتحتاج إلي روح
المغامرة وهو لا تنقصه هذه الروح...
وكانت له بعض المغامرات التي تتسم بالطرافة ،فهو يحب الموسيقي والرقص، ويعجب بالجمال.
فقد علم أن أحد النبلاء الانجليز سوف يسافر مع زوجته الجميلة ومعه أربعمائة جنيها ذهبيا، ورسم الخطة
لمهاجمة هذا النبيل وزوجته وسرقة ما معهما من الأموال....
واصطحب معه خمسة من عصابته من الرجال الأقوياء وتربصوا بالعربة التي تحمل النبيل وزوجته، وما أن
وصلت العربة حتى أوقفوها وأحاطوا بها من جميع النواحي.
تماسكت زوجة النبيل الجميلة، وتظاهرت بأنها لا تخشي هؤلاء اللصوص، وأخرجت (الناي) وأخذت تعزف
عليه.....
وكان (دي فال) محبا للعزف علي هذه الآلة، بل أنه يحملها معه في كل مكان، وما كاد يسمع الموسيقي
المنبعثة من العربة، حتى أخرج هو الآخر (الناي) وأخذ يعزف عليه، ثم تقدم للعربة وقال للنبيل.
إن زوجتك تعزف علي الناي بمهارة، واعتقد أنها تجيد الرقص أيضا، فهلا سمحت لها بالترجل من العربة
ومنحي شرف الرقص معها. وافق النبيل خوفا من العصابة، ورقصت السيدة مع اللص تحت ضوء القمر.
وعندما انتهيا من أداء الرقصة، ذهبت السيدة إلي العربة، وأمسك اللص بذراع زوجها قائلا له.
لقد استمتعت بلا شك بالموسيقي وأرجو أن تدفع ثمن هذا الاستمتاع..
وافق الزوج وأعطاه مائة جنيه من الذهب ،وابتسم اللص الظريف وقال للنبيل:
لقد أنقذت بهذا المبلغ المال الذي معك، والذي تحتفظ به تحت مقعدك، وودعهما اللص بعد ذلك.
ويروي عنه أنه كان في انتظار العربات التي تمر بأحدي الطرق، وكان قد قسم عصابته إلي جماعات
تراقب الطريق، وجدت أن أحد هذه الجماعات استوقفت عربة، وكان بالعربة سيدة وطفلها الرضيع، وقد
أخذ زعيم العصابة (بزارة) الطفل ولم يأبه لصراخ الطفل وتوسلات الأم، وعندما علم بذلك (دي فال) تقدم
إلي الرجل وصفعه علي وجهه، وأخذ منه (البزازة) ووضعها في فم الطفل بحنان، واعتذر لأمه ، وما أكثر
الحكايات التي كان بطلها هذا اللص الظريف
مرت الأيام.. وإذا به يشاهد خادم الملك في غابة (وندسور) الذي يدعي (روبر).. وكان (روبر) هذا قريبا
من الملك شارل الثاني. ولكن (دي فال) قرر أن يسرق ما معه من نقود وأن يسرق ملابسه أيضا، مما
جعل القصر الملكي يهتم بهذه الحادثة، وصدر الأمر الملكي بالقبض علي هذا اللص بأية وسيلة، مما
جعل (دي فال) وقد وجد أن هذا الأمر في غاية الجدية، وأنه سوف يقبض عليه ويقدم للمحاكمة، وآثر
الهرب من انجلترا، إلي فرنسا وطنه الأصلي.
وفي فرنسا قرر أن يمارس النصب. وأن يبتعد عن ممارسة عمله كقاطع طريق، حيث أن هذا الأمر يبدو
صعبا في فرنسا.
وعلم أن أحد القساوسة الجزويت مقرب إلي ملك فرنسا، وله منزلة كبيرة عنده، ولا يرد له طلبا، كما علم
أن هذا القسيس شديد البخل، وأنه حريص علي جمع المال.. ومن هنا فقد أخذ (دي فال) يفكر في طريقة
يأخذ بها أموال هذا القسيس، وهداه تفكيره إلي أن يدعي بأنه درس علم الكيمياء، وباستطاعته تحويل
النحاس إلي ذهب ، بواسطة مسحوق لا يعرف سر تركيبه غيره، وأنه درس علم الكيمياء في روما
وفينيسيا.
وقال له القسيس: إن الملك في حاجة إلي هذا الاكتشاف بشرط أن يري بعينيه هذه التجربة ، ووافق
النصاب علي ذلك، بأن يحضر إلي منزل القس، ويقوم أمامه بالتجربة.
أحضر النصاب بوتقة ألقي فيها ببعض قطع من النحاس بعد أن فحصها القسيس جيدا، ووضعها علي النار،
وكان (دي فال) قد أحضر عصا طويلة مجوفة، ووضع بداخلها بعض القطع الذهبية، وأخذ يحرك النحاس
لإذابته بالعصا، ولشدة الحرارة ذاب الذهب الذي بالعصا، وسال منها علي البوتقة، وظل يحرك السائل
بعصاه، وبعد وقت انصهر النحاس فلم يبق منه إلا رواسب لا تكاد تذكر، بينما سال الذهب المخبأ في
العصا المجوفة إلي حبيبات ذهبية صغيرة تلمع في البوتقة....
كان سرور القس بنجاح التجربة لا يقدر، وأخذ يقبل (دي فال) ويحتضنه، فقد اقتنع الآن تماما بأنه قد
اكتشف السر الأعظم (تحويل المعادن الرخيصة إلي ذهب).. ولم يكن يسمح له بالغياب عن نظره لحظة
واحدة وأخذ في التودد إليه، والتقرب منه حتى أنه أطلعه علي جميع ما يحويه منزله من كنوز وأموال
وتحف وجواهر....
وتظاهر (دي فال) بالوفاء الشديد للقس، وكان في دخيلة نفسه يفكر في الطريقة التي يستولي بها
علي ماله ومجوهراته بعد أن نجح في خداعه.
وذات يوم نام القسيس بمعمل (دي فال)، وما أن استغرق في سباته حتى تقدم (دي فال) نحوه وكمم
فاه، وأوثق يديه، ولم يترك له فرصة للاستغاثة أو المقاومة، ثم استولي علي مفتاح خزانته حيث جمع ما
فيها من مال ومصوغات وفر هاربا من المنزل.
وبعد يومين استقل مركبا عاد بها إلي انجلترا، وكانت عودته إلي هذه البلاد من أكبر الأخطاء التي ارتكبها،
إذ أن البحث عنه كان لا يزال جاريا.. وقد امتلأت الجدران بأوصافه، وبالإعلان عن جائزة مالية لمن يرشد
عنه، فقبض عليه بعد شهر من وصوله إلي لندن في حانة (هول).. وحقق معه، وقدم للمحاكمة فقضت
بإعدامه، وأعدم في 21 من يناير سنة 1679....
|