الفصل الخامس عشر:
استلقت على سريرها محتضنة الطفلة بحنان, نامت ودموع ترسم على خديها رسومات متعرجة...
خرج من سيارته, واضعا يديه بجيوب معطفه, نسمات هواء تحرك شعره القصير الناعم, استنشق كميات كبيرة من الهواء,وتنهد .................
"لآني لست أنا, ولدت بليلة خطف بها القمر,وكانت السماء غاضبة,ترعد وتبرق,لأني خرجت باكيا قاطعا صمت الليل بوسط طرقات حبات المطر على نوافذ مكسورة,بوسط روح تعارك من اجل البقاء,وصراخ ونحيب زعزع الجدران محطمة, بقيت وحيدا, لآني ليس لي ذنب, حكم علي بأن أحيا حياة شقاء وعناء,أدفيء نفسي من برودة قاسية ومن دفء لاذع, وزمهرير قاتل,اجمع قواي من جسدي المثقل, لاقف ثابتا حتى اثبت وجود إنسان أنكره المجتمع لأنه
......
صمت وتوقفت الرياح عن اللهو بأوراق الخريف,أنصتت العصافير لهمساته, نظر إلى السماء المبشرة بنزول المطر, انتقل بنظره إلى الأشجار الثابتة بكل شموخ,تمنى بداخله لو كان مثلها تعارك الرياح من اجل البقاء بكل اعتزاز...
أخذ يغني ببطء أغنية فيروز
"رجعت الشتوية
ضل افتكر فيّ
رجعت الشتوية
يا حبيبي الهوى مشاوير
وقصص الهوى متل العصافير
ماتحزن يا حبيبي
اذا طارت العصافير
وغنية منسية عَ دراج السهرية
رجعت الشتوية
يا حبيبي الهوى غلاب
عجل وتَعا
السنة ورا الباب
شتوية وضجر وليل
وانا عم بنطر على الباب
ولو فيي، بعيني
بخبيك بعينيّ
رجعت الشتوية
ضل افتكر فيّ
ضل افتكر فيّ
رجعت الشتوية"
خرقت كلمات قلب الزهور البرية المنتشرة بعشوائية,أخذ يحركها الرياح مستمتعا كأنه يتراقص معها..
توقف عن الغناء عائدا إلى سيارته...........
استيقظت بصعوبة, فتحت عيناها ببطء نظرت الى الطفلة التي تلهو بفرح, قبلتها, أخذت تبكي جوعا, نهضت محتضنة الطفلة متجه إلى المطبخ, أعدت لها الحليب, أخذت تتناوله بجوع جديد, نظرت إليها رحيق بكل حب,
بداخلها صممت ان تعوضها عن كل شيء, لن تشعرها بالوحدة القاسية التي مرت بها, لن تدع احد يؤذيها,
ستحميها من هذه الحياة المفترسة بكل قواها....
نامت بكل استسلام بأحضانها, وضعتها بسريرها,ونامت بجانبها منتظره يوم جديد مجهول بكل ما فيه...
أخذ الدخان الملوث يتصاعد بشقاوة منبعث من سيجارته, يقود سيارته مشوش الأفكار, يدخن واحده تلو الأخرى
وصل مكتبه فأطفأها ,وجد معاملات وصفقات بحاجة لدراسة, جلس يدرسها ربما تنسيه لو قليلا ما يدور حوله وتلك المقابلة اللعينة التي أخذت تقترب وتوتره أكثر,فرغ من أعماله, وقف أمام النافذة ينظر الى هذا وذاك, دولاب الحياة يسرع بهم, وكل شخص يدور خلف مصلحته,المباني الشاهقة تقف بكل ثبات, ابتعد عن النافذة, محدقا باللوحة التي اشتراها قبل أيام معدودة,شيء خفي شده إليها, لغز محير بها, ذاك القصر اللعين بشكله العجيب, وكآبته الغريبة, لكن هل هو حقيقة؟, فالرسام أكد لي وجوده,لكن السؤال أين هو..........؟
.............
بانتظار آرائكم..