الفصل الثالث عشر:
فتحت عيناها ببط, وجدت نفسها بمكان غريب , رائحة المعقم يفوح بأرجاء الغرفة,ومن حولها لا احد, ترددت على مسامعها تلك الكلمات التي كانت تسمعها بصوتها العجيب,تذكرت ما حدث بالأمس, نهضت بسرعة من سريرها
باحثة عن منال, جاءت الممرضة لها حالا...
ـ: سيدتي عودي إلى فراشك أنتِ بحاجة للراحة...
ـ: لا لن أعود دعيني اذهب إلى منال..
ـ: لا يمكنك..
صرخت ـ: لماذا...؟, وأكملت بإلحاح.. أريد رؤيتها...؟
ـ: لأنها انتقلت إلى رحمة الله...
ـ: ماذا ...وصرخت بـــ لا وغابت عن الوعي مجددا...
تجمهر من حولها الأطباء والممرضات لمعالجتها, دخلت الإبرة بخفة بمعصمها ونامت بهدوء لا يقطعه شيء...
يجلس على الأريكة مغلقا عينيه يفكر, بهذه الحياة التي يعيشها, حياة خطر وهروب وابتعاد, محاولات قتله عديدة,
ماضي يطغى على حاضره, يؤرقه كثيرا, يخنقه بشدة, يطعنه طعنات متتالية بلا رحمة, يسخر منه ومن عدم تناسيه
كل شيء,صعب جدا أن تحيى بحاضر ملطخ بدماء الماضي, صعب جدا ان تكون وحيدا بحياة موحشة, صعب جدا
أن تثبت للجميع قوتك وهناك ماضي يضعفك....
همس أخيرا....
تبا لهذا الماضي الذي لا يكاد يفارقني, ألا يكفي جميع من يحاولون قتلي, ألا يكفي أنهم يحاولون تحطيمي بأي طريقة
وذاك الموعد اللعين الذي سأقابلهم فيه بعيدا عن أعين الناس حتى نتوصل لحل, ولا يريدون مني إحضار أي حراسه وإلا قتلت,صعب جدا أن تذهب إلى موعد موتك بنفسك, لم احصل على ثروتي وأملاكي الكثيرة إلا بجهدي وتعبي,
والآن لأني أقف عقبة بطريقهم يريدون إبعادي إنهم حتما يحلمون حلما مستحيلا...
نهض متجها نحو الخارج بخطوات متناسقة وواثقة,رافعا رأسه بنظرة ثاقبة, أغلق الباب خلفه بهدوء, انطلق بسيارته
قاطعا الشوارع بكل خفة وسرعة,يديه على المقود متمكنة , ينظر إلى هنا وهناك بلا اكتراث,يبتسم بسخرية على عجلة الحياة المسرعة دائما, تذكر بأنه لم يقرأ اليوم الصحف وأخبار المدينة, توقف بمكان قريب, وعاد بعد دقائق ممسكا بجريدته, أراد تقليب صفحات لكن استوقفه خبر...بعنوان " حادثة مفجعة"
حدث حريق مفجع في مصنع رحيق للمرأة العصرية في يوم أمس..وأدى إلى إصابة السيدة رحيق... وفقدانها الوعي جراء استنشاقها كميات كبيرة من الدخان..نتمنى لها الشفاء العاجل....توقيع الجريدة..
طوى الجريدة ووضعها جانبا,أخذ يفكر بهذا الحريق الغريب, حتما بأنه مقصود لتدميرها, إنهم بشر حاقدون, أمثال أولئك الذين يلاحقونه دائما لتخلص منه بأي طريقة كانت................
أكمل سيره بغموضه العجيب يحاول إيجاد خيوط الحياة ربما يجمعها يوما ويستطيع فهم ألغازها وأسرارها المعقدة...
نهضت رحيق مجددا, فتحت عيناها ببطء تذكرت كل الذي حدث انهمرت دموعها البلورية, مسحتها برقه بكفيها الناعم, نهضت من سريرها, واتجهت إلى الحمام, اغتسلت وجهها ونظرت الى نفسها بالمرآة وجدت وجهها شاحب,
ابتعدت خارجة وجدت الممرضة تنتظرها..
نظرت إليها من ثم تفوهت..ـ: أريد رؤية الطبيب لأنني سأخرج الآن..
ـ: لا لن تخرجي الآن... لأنك لم تتعافي بعد ستبقين لأيام معدودة هنا..
ـ: لا..لن أبقى..ابلغي الطبيب بأنني أريد رؤيته...
ذهبت الممرضة لتستدعي الطبيب وجلست رحيق تنتظر الطبيب..حضر الطبيب بابتسامة بشوشة ..
ـ: كيف حال مريضتنا اليوم..؟
ـ: بخير..أريد الخروج من هنا..
ـ: أنت بحاجة للراحة والعناية وخروجك سيضعفك أكثر الأفضل أن تبقي هنا..
ـ: لا استطيع سأخرج على مسؤوليتي ..
ـ: إذن سنقوم بفحص نهائي حتى نطمئن عليك وبعدها ستخرجين..
ـ: حسنا أنا موافقة..
خرجت من المشفى وجدت أن سيارتها مركونة بالخارج كما طلبت, صعدتها مبتعدة عن كل شيء, وبذهنها هدف واحد هو احتواء الطفلة وتربيتها وتعويضها عن والدتها التي تركتها لهذه الحياة الموحشة لوحدها..
........................................
بانتظار آرائكم..
تحيتي..