كاتب الموضوع :
النهى
المنتدى :
القصص المكتمله
ـ ديمي .. ماذا تفعلين هنا ..؟
ـ كنت انتظرك لقد ..
قاطعتها :
ـ تريدين القلم ..؟
ـ هل أنت جاد ... لا تكن سخيفا لقد قلقت عليك ، ماذا صنعت في الامتحان ..؟
ـ أظن الأمور على ما يرام ،
ـ ماذا ستفعل الآن ..؟
ـ سأعطى أوراق الامتحان للسكرتيرة ..
ـ و بعد ذلك ..؟
ـ سأذهب إلى البيت لاستريح ، ثم أذاكر لامتحان أخر لدى بعد غد ..
ـ هل لديك بعض الدقائق لنتحدث عن أشياء سبق وسألتك عنها ..؟
ـ لا .. لا أظن أني أستطيع ألان ..
تبادلنا النظرات ، ورأيت في عينيها رجاء ..
ـ آمل أن تتفهمي وضعي ..؟
لم ترد علي .. واستمرت تنظر إلى ، وفي يدها إصبع شوكولاته ، فمدته لي ، فقلت :
ـ شكرا لا أستطيع أن أكله ..
ـ لانه مني ..؟
ـ لا .. ولكنني صائم اليوم ... عفوا لابد أن أذهب الآن ..
وانصرفت .. و حينما سرت بضع خطوات نادتني قائلة :
ـ مصعب .. هل أستطيع أن أسألك سؤالا ..؟
التفت ، وكانت واقفة في مكانها .. تقلب إصبع الشوكولاته في يدها ، بشيء من القلق ..
قلت :
ـ ماذا ..؟
ـ هل حقا يهمك أمري .. أقصد هل يهمك أن أعرف الحقيقة عن الإسلام .. أو جزء من الحقيقة ..؟
فاجأني السؤال ، وشعرت بقلبي ينقبض من الألم . هل أنا أسأت التقدير في تعاملي معها ، وتوهمت أشياء لم تكن موجودة إلا في خيالي ..؟
لم يكن لدي وقت لأناقشها ، تقدمت نحوها ، وقلت :
ـ اليوم الاثنين ، وبعد غد الأربعاء لدي امتحان في المساء .. يوم الخميس سأكون حرا من أي ارتباط .
ـ حسنا .. نلتقي الخميس ، في نفس الوقت ، ونفس المكان ...
ـ أي مكان ، وأي وقت تقصدين ..؟
ـ الساعة السابعة مساء .. في (الكيف دوماسيه) ..
ـ لا بأس ..
ثم سحبت إصبع الشوكولاته من يدها ، وأضفت :
ـ سآخذ هذا وآكله .. حينما أفطر بعد مغيب الشمس ..
ما كدت أنهي كلامي ، حتى اكتسحت وجهها موجه من السعادة ، وانشق ثغرها عن ابتسامة رضا ، تدفقت من بين ثناياها ، مثل جدول ماء صغير ينساب من بين حصيات مرمر...
و لم تعلق بشيء ..
ـ مع السلامة ..
قلت لها .. ثم استدرت منصرفا ..
بعد أن صليت فجر يوم الخميس ، نمت إلى حدود الساعة العاشرة . منذ اشهر لم أنم إلى هذا الوقت ، بسبب ضغط الدراسة . قررت ايضا أن اطبخ لي فطورا ، وهو ما لم افعله طول الفترة الماضية ، إذ اكتفى بالمربيات ، و الأجبان ، والبيض المسلوق .
سأصنع فطورا له مذاق خاص ، (بيض شكشوكة) . هذا أول شيء تعلمته شقيقتي حصة ، وعلمتني إياه ، حينما عزمت على السفر للدراسة .
حصة تصغرني بعامين ، وقبل سنتين وبينما كنت في زيارة الأهل ، أشفقت على والدتي ، لما علمت أن كل أكلي تقريبا من المطاعم ، لأني لا أجد الوقت الكافي للطبخ . حصة اقترحت حلا للمشكلة ، أن أتزوج . ومضت خطوة إلى الأمام في هذا المشروع ، حينما تكفلت باختيار الفتاة المناسبة .
انشغلت بترتيب بيتي عامة النهار . لقد انقلب البيت رأسا على عقب ، بسبب حالة الطوارئ التي فرضتها الامتحانات . لقد بدأ الموعد مع ديمي يقترب ، و صرت أشعر بالتوتر . انطلقت بسيارتي ، و وصلت إلى مركز ((رينبو كلر مول)) ، قبل السابعة بقليل ، لأقابل ديمي صدفة عند مدخله 0 ركبنا المصعد إلى الدور الاول ، وحينما دخلنا (الكيف دو ماسيه) ، خيل إلى أني أدخله لأول مرة . في المرة الماضية لم ألاحظ فخامة الأثاث ، وتناسق الألوان . هناك أيضا موسيقى .. تدندن بصوت خافت . شعرت بانقباض ، المكان حالم جدا ، وهو أليق بتناجي العشاق ، منه بالدعوة إلى الله ، قلت بتوتر :
ـ المكان غير مناسب ..
ـ لماذا .. ؟
ـ موسيقى وأضواء خافته ، نحن لم نأت لنتحدث عن (روميو وجوليت) ..
شعرت بالحرج وقالت :
ـ ماذا تقترح ..؟
ـ نغير المكان ..
ـ هل كنت ترى أن نذهب إلى مكدونالدز ، وغيره من الأماكن المشابهة ، حيث يتجمع ذلك النوع من الشباب والبنات الذي تعرفه ..؟
لم أرد .. فأضافت :
ـ ما رأيك أن نذهب إلى منزلي ..؟
فقلت بسرعة :
ـ لا .. لا ..
قالت :
ـ منزلك ..
ـ غير مناسب ..
لقد أحرجتني جدا ولم تترك لي الخيار ، وبقيت لحظات مترددا ، ثم قلت :
ـ لا أريد الموسيقى ..
توجهت إلى مدير المحل ، وتحدثت معه قليلا ، ثم عادت وعلى وجهها ابتسامة ، وقالت :
ـ لن يكون هناك موسيقى ..
قادنا أحد العاملين في المقهى إلى ركن هادي ، وبدون موسيقى ..
ـ كيف .. ؟
.. سألتها ..
ـ انهم يتحكمون بالتوزيع الصوتي .
أخذنا أماكننا ، وتبادلنا الحديث بسرعة عن الامتحان ، حتى جاءت القهوة ، رشفت شيئا من قهوتي ، وسألتها :
ـ هل هناك شئ محدد تودين السؤال عنه ..؟
أصلحت من جلستها وقالت :
ـ لعلك تذكر أني سألتك من قبل عن شيئين ، أحدهما كان التسامح ، والآخر الحب .. وهو الذي لم تتح لنا الفرصة لنتحدث عنه .. أنا أعني كيف ينظر الإسلام إلى الحب ..؟
لم أدر بما أجيبها .. لكني أذكر أني بدأت هكذا :
ـ لم يعل الإسلام شيئا مثلما أعلى من شأن الحب ، حتى أنه ربطه بالرب سبحانه وتعالى وجعل الله عز وجل ، هو الغاية التي ينتهي إليها الحب ، أيا كان نوعه . الإسلام حينما فعل ذلك ، أراد أن يجرد الحب من كل رباط محسوس ، ومن كل رغبة ، أو شهوة بشرية آنية ، تتلاشى لحظة تحققها ، ليجعله متصلا بالله مباشرة . فالحب فيه سبحانه ، أسمى درجات الحب ، ولا يتحقق إيمان بشر ، إذا لم يحب الله والرسول صلى الله وعليه وسلم ، ولا يتحقق إيمانه .ز كاملا ، إذا لم يحب لأخيه المسلم ، ما يحب لنفسه .
لقد صار كل حب في الإسلام ، غايته الحب في الله . وحينما يؤكد الإسلام على هذا الجانب ، فإنه يهدف إلى تجاوز المادي إلى الروحاني .. و الأرضي إلى العلوي السماوي .
كيف ... قد تسألينني ..؟
إن المادي والأرضي ينتهيان إلى الفناء ، أما الروحاني والعلوي فمصيرهما الخلود . أليس الزواج بين رجل و امرأة هو نتيجة حب ، بشكل من الأشكال . تأملي كيف ينظر الإسلام لأنواع الحب التي تؤدي إلى نشوء علاقة بين رجل و امرأة ، تقود إلى الزواج . المال أولا ، ثم الجمال ، (أي ميزات الجسد ) ، ثم المكانة الاجتماعية . وأخيرا الدين .. بما يعني من تمثل لكافة القيم العليا ، التي جاء بها الإسلام ، وفي مقدمها ، حب الله سبحانه ، من خلال تنزيهه بالتوحيد ، وأن لا يشرك معه أحدا . الإسلام يثمن عاليا الحب الأخير ، لأن غايته الله سبحانه ،و ينعي على الفرد تطلعه للأنواع الأخرى . الأنواع الأخرى .. مادية .. زائلة .. مصيرها إلى الفناء : المال يفنى ، والجسد يبلى ، والمكانة الاجتماعية تزول .
لأن الحب طبيعته هكذا ، فإنه يقاوم عوامل الفناء ، بل هو يتجدد باستمرار .. إنه يستمد حياته من الذات العليا ، التي هي مصدر الخلود . إن من طبيعة المادي أنك حينما تمتلكه تزهد فيه ، لأنه يفتقد لخاصية التجدد والتسامي ، التي يملكها الروحاني . أضرب لك مثالا : ألسنا نشتهي الطعام اللذيذ ، وحينما نملكه .. نمله ونزهد فيه . السنا نعشق الجمال ، فإذا ما أدركناه تطلعنا لآخر غيره .
انظري .. حسن التعامل ، الأدب ، الأخلاق ، الرحمة ، التعاون . ألسنا إذا ما وجدناها في إنسان تعلقنا به ، و كلما أزداد تمثلا لهذه الخصال ، زاد تمسكنا به . الإسلام تعامل مع هذين النوعين .. المادي و الروحاني ، على أساس من قدرة كل نوع على منح السعادة ، لأكبر عدد ممكن من الناس ولأطول مدة ممكنة .
الجمال مثلا ، يمكن أن يمنح السعادة والمتعة لشخص واحد فقط ، هو ذلك الذي يباشر الجمال .. بطبيعته المحسوسة ، بشكل أولى ، ولمدة محدودة ، هي الفترة الزمنية التي يكون فيها محتويا على عنصر الحياة والحيوية ، قبل أن تأتي على نضارته عوامل الزمن . بل إن الطبيعة المادية المحسوسة له ، تجعل الاستمتاع به ، مرهون بلحظة المباشرة ، أو اللذة الآنية .
على الجانب الأخر ، خذي الأخلاق كمعادل لجمال الروح ، بما تحويه من رحمة ، وعطف ، وتعاون ، وأدب ، وغيرها من الخصال الحميدة . كم من الناس تمنحهم السعادة ، دون أن يكون لعامل الزمن أثر على امتدادها في عمق الزمان ، أو يمنع من شمولها و تمددها عائق المكان . الحب من هذا النوع يتجاوز الجسد .. ليعانق الروح في افقها السرمدي .
جمال الروح يمكن أن يوجد في الرجل ، وفي المرأة ، وفي الأبيض و الأسود ، والشيخ والطفل . أما الجمال المادي .. في الجسد ، المحسوس .. فلا . إنه امتياز خاص ، لفئة محدودة من الناس اختارها الله ، لحكمة يعلمها هو سبحانه . الحب على أساس من الروح يا ديمي ، يفتح المجال واسعا للترقي في مدارج الكمال ، فارتباط الروح بالذات العليا ، يمنحها القدرة على الإبداع والتسامي .. والزيادة . فنحن نستطيع أن نكون اكثر رحمة ، وأكثر عطفا ، وأكثر تسامحا ، مرة بعد مرة ، مدفوعين بالحب الأسمى .. حبه سبحانه وتعالى . لكننا لا نستطيع أن نكون أجمل ، و أجسامنا لن تكون اكثر نضارة ، و أنفاسنا لن تكون أطيب رائحة .. في كل مرة ، لأن الجسد مرتبط بالأرضي ، الفاني .
جدير بحب كهذا يا ديمي ... أن يؤول للزوال .
أظن أني قلت هذا الكلام ، وأشياء أخرى . المؤكد أن الذي كان يتكلم ليس لساني فقط ، بل جوارحي كلها 0 لا أدرى كم كوبا من القهوة شربت وأنا أتكلم . كنت أنظر في وجه ديمي ، بين وقت وآخر ، فأحس إنها معي بكل جوارحها . بل كانت نظراتها .. يخيل إلي ، أنها تحاول أن تنفذ إلى أعماقي . كنت شابكا كفي لبعضهما ، ويداي ممددتان على الطاولة أمامي حانيا رأسي ، حينما سمعتها ، تقول بصوت واهي النبرات :
ـ هذا أجمل شئ سمعته في حياتي ..
يتبــــــــــع,
|