كاتب الموضوع :
دموع يتيمة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء الثالث و العشرين
زواجـي من خالد
صعد خالد المقعد الأمامي و جلست أنا في الخلف ,, و ها هو عادل ينطلق بالسيارة و يبدأ بمخاطبة خالد:
" أخبرني أيها العريس .. ما هو رأيك بالفتاة ؟!! "
اتجهت أنظاره للنافذة كالعادة .. ثم قال بصوتٍ أشبه بالهمس :" لا أعلم .. "
دُهشت أنا .. و قال عادل باستغراب :" لا تعلم ؟!! ألم تقابلها منذ قليل ؟!! ألم تتحدث معها ؟!! "
" هي صامتة طوال الوقت .. "
" و ما رأيك بجمالها .. أظنها تحمل ملامح بريئة جداً "
" للأسف لم أرى وجهها إلا لثوان .. تنكس رأسها طوال الوقت .. "
بادلني عادل النظرات مستغرباً .. ثم عاد ليخاطب ابنه :" حسناً .. ما رأيك بها و هي صامتة و منكسة رأسها "
أشار برأسه نفياً :" لا أستطيع الحُكم عليها سوى أني أقول عنها .. أنها خجولة جداً ..جداً .. "
تنهد عادل باستسلام .. و أكمل مسيره ..
توقفت السيارة بقرب منزلنا .. فقال خالد مستغرباً موجهاً حديثه لأبيه :" ألن توصلني إلى شقتي ؟!! "
ابتسم أبيه و أمسك بيد ابنه و قال :" عزيزي .. تعال جالسنا قليلاً .. "
هنا سحب خالد يده من قبضة أبيه .. و قال بجمود :" أبي .. أريد الذهاب لشقتي لأرتاح .. "
" و بيتي ألا يريحك ..؟!! عمتك مشتاقة لرؤيتك .."
ألقى خالد نظرة على المنزل بقلق و تردد .. فقال والده مشجعاً :" هيا ..! "
و بعد إلحاح كبير .. وافق خالد على دخول المنزل .. و لكن على شرط أن يلقي التحية على أختي ذكرى فقط ..
دخل عادل المنزل و من ورائه خالد و أنا ورائهما .. و قبل دخول خالد سمعنا صوت وائل الذي أثار خالد ..:
" آه أبي .. تعال و أنظر لأختك هذه .. "
انقبض قلب خالد ..و تراجع للخلف خطوتين .. نظر لي و عيناه تكاد تخرجان من مخرجيهما .. عضّ شفتيه قهراً .. و ها هي أنفاسه الباردة تحتر و تتحول إلى أنفاس حارة ملتهبة .. كاد أن يحطم مقبض الباب بقبضته تلك .. ألازال لا يطيق أخيه ؟!!
ها هو عادل يبتعد قليلاً ليعطي أبنه وائل فرصة لرؤية أخيه ( خالد ) ,, و الآن التقت أنظارهما .. رباه ..
ارتسمت على شفتي وائل ابتسامة شبه ساخرة و هو ينظر إلى خالد ..:" آه خالد .. كيف حالك أيها .......؟!!"
ثم نكس رأسه قبل أن ينطق بالكلمة الأخيرة ضاحكاً .. و نهض و اقترب من أخيه و تعمد الاصطدام به ..
أنا بصراحة لا أطيق هذا الشاب .. و لكن ليس لحد خالد ..رفع وائل يديه يدّعي الاستسلام و قال بنبرة ساخرة :
" أوه .. المعذرة .. لم أقصد "
و خرج من المنزل بضحكات سخيفة ..
أخرج خالد من جيبه منديلاً و أخذ يمسح قطرات العرق البارزة على جبينه .. يكاد ينصهر غيظاً ..و وجهه احمر احمرار غير طبيعياً .. حيث اقترب من الردهة .. و أشار إلى المكيف قائلاً :" الجو حار "
بل نيران جوفك هي الحارة ..أسرعت أختي ذكرى بتشغيل المكيف و اقتربت من خالد و أخذت تسأل عن أحواله ..و عادت و جلست على مقعدها .. جلس خالد بقرب أبيه .. مسنداً رأسه للخلف و تيارات المكيف الباردة تلفح وجهه علها تخفف احمراره الشديد ..
و بقيت ذكرى تسأل عن المقابلة التي جرت بين خالد و سارة .. فأخبرها عادل بأن العروس كانت تنكس رأسها دوماً و تصمت دوماً .. و لم يعرف خالد شخصيتها أبداً ..
و ها هو عادل يوجه حديثه لخالد :" بني ! ألن تباشر في العمل في شركتي ؟!! "
أشار بوجهه نفياً :" لا ليس الآن .. "
" لماذا ؟!! أنت تقدمت لخطبة فتاة و يجب أن تكون مستعداً .. لكي تقبلك الفتاة و تفخر بك زوجك لها .. كما أني أرى أن غداً يوم مناسب لشراء سيارة جديدة لك .. "
عادل يبدِ اهتماماً كبيراً لأبنه الأكبر خالد .. أولاً لأنه الأكبر .. ثانياً لأنه يستحق الإعجاب حقاً ..بقينا نتحدث عن أمور شتى .. و مضيت ساعات طوال دون أن ندري ..أنا شعرت أن غيداء تقف خلف باب المطبخ و تصغي إلينا .. أو بالتحديد .. تصغي لماَ يقوله أبنها ..
ها هو باب المنزل الرئيسي يُفتح .. يدخل وائل متجهاً نحو السلم .. ثم يلتفت لنا .. ارتسمت على وجهه ملامح الذهول و هو ينظر إلى أخيه .. اقترب قليلاً بابتسامة ساخرة .. :" آه .. خالد .. ألازلت هنا ؟!! "
ابتسم خالد قائلاً :" ألا يعجبك وجودي يـا .... " و أكمل قوله بعد برهة :" أخي "
و كأن كلمة "أخي" ثقيلة على لسانه ..
" وجود مجرم قاتل .. في منزلنا شيء مكروه جداً .. "
يبتسم وائل بعدما قذف تلك الكلمات الجارحة كالقنابل على رأس خالد .. لا تسألوني عن خالد .. لقد انصهر ..
كنت متأكد أن الأمر لن يمر بسهولة .. خرجت غيداء من المطبخ راكضة نحو ابنها وائل .. صرخت به :
" أسكت .. لا تحادث أخاك هكذا .. ! "
ابتسم وائل ابتسامة ساخرة و هو يوجه نظرات ساخرة نحو خالد .. :
" أني لا أتشرف أن هذا .. هو أخي "
نهض خالد ..و اقترب من الباب الرئيسي للمنزل و وجهه شديد الاحمرار ..التفت لوائل و قال بغيظ :
" إذ كنت أنت لا تتشرف بي .. فأنا لا أتشرف أن أدوس أرضاً .. أنت تدوسها "
و أمسك بمقبض الباب و قبل خروجه همس وائل :" إلى الجحيم "
رمق خالد أخيه نظرات مخيفة جداً .. أيمكن أنه سمعه .. قال بنظرة مخيفة جداً .. :
" بل أنا من سأقذفك إلى الجحيم .. "
و رفع قبضة يده :" بيدي هذه !! "
و خرج من المنزل ..
=
تكررت أصداء جملته الأخيرة لتضيف جواً مخيفاً ..:
( بل أنا من سأقذفك إلى الجحيم .. بيدي هذه )
ما الذي يقصده خالد ؟!! أيريد تجديد جرائمه ؟!!
أنه كان مقهوراً و جاداً في حديثه ..
خرجت من المنزل لإيصال خالد لشقته .. رأيته واقفاً بقرب السيارة .. و رغم أن الظلام حالكاً .. لاحظت أنه غاضب جداً .. صعدنا السيارة بصمت ..أخذت أقود السيارة و خالد بجانبي صامت ..
توقفت بقرب المبنى الذي فيه شقة خالد ..أمسك خالد الباب راغباً بفتحه و لكني استوقفته :" خالد "
التفت لي و وجهه شديد الاحمرار .. قلت :" أرجوك خالد لا تحقد على أخيك.. أرجوك لا تفكر أن وائل يكرهك ..لا تهتم لما يفعله.. ما هو إلا شاب عابث "
أطال النظر إلي .. ثم أسند رأسه للخلف .. أغمض عينيه و تنهد بألم .. همس بألم :
" ليتني قتلته بدلاً من تلك الطفلة الرضيعة ..
ليتني لم أعش حياتي و مت قبل تلدني أمي ..
ليتني كنت ابناً لأبى سامر و لم أكن أبنكم ..
ليتني لا أملك أخاً أسمه وائل ..
ليته مات ..
ليته مات .. "
كان يصعقني بكل كلمة يقولها .. أيتمنى موت أخيه ؟!!
لم أرَ في حياتي شخصاً كخالد ..
عاد و مد يده للباب و فتحه و خرج من السيارة .. فاستوقفته :
" خالد .. لا أستطيع تركك هذه الليلة وحدك .. دعني أبيت الليلة في شقتك "
أشار بوجهه نفياً و بصوت مخنوق خاطبني :
" لا .. لا داعي "
أخذ يمشي نحو ذلك المبنى .. كئيب جداً ..
استوقفته صارخاً :" خـالـد ! "
استدار لي .. فصرخت بكل ما لدي من قوة :
" لا تفقد أملك في الحياة ..
أرجوك ..! "
همس بصوت حزين خافت و لا أدري كيف سمعته :
" فقدته و انتهى الأمـر "
=
البارحة كنت مصراً على المبيت مع خالد .. أنه ليس في حالته الطبيعية ..و لكنه كان يصر أكثر على البقاء وحده .. صباح هذا اليوم جئت مسرعاً للاطمئنان عليه ..قرعت جرس الشقة بقوة ..و بعد فترة يفتح خالد لي الباب و يبتعد نحو أحد المقاعد و يجلس عليه بتعب شديد .. تظهر هالات سوداء تحت عينيه لتؤكد لي أنه لم ينم البارحة ..اقتربت منه و جلست بقربه :" ألم تنم البارحة ؟!! "
أشار بوجهه نفياً :" لم أستطع .. "
ثم أخرج من جيبه أقراص و قال بتعب ملحوظ :" لم تعد تنفع هذه المسكنات في شيء "
مسكنات ؟!! قلت مستغرباً :" لمَ تتناول المسكنات ؟!! أتعاني من شيء ؟!! "
وضعها هو على الطاولة و أسند رأسه للخلف و أمسك به .. و قال و هو يغمض عينيه :
" آلام الرأس الحادة لا تفارقني .. "
قلت مواسياً :" أعانك الله "
=
رغم أن خالد مر بحالة غير طبيعية من الحزن الشديد .. إلا أنه باشر في العمل في شركة أبيه .. و تدرب قيادة السيارة و اشترى له سيارة أفخم و أضخم من سيارتي بكثير .. كل ذلك لأجل " سارة "
ها هو الآن يقضي المقابلة الثانية معها ..و نحن ( أنا و عادل ) نجالس أباها و نتحدث معه ..
=
كنت جالسة على نفس المقعد الذي جلست عليه في المقابلة الفائتة .. و كذلك هو ..
في هذه المقابلة .. تمكنت أخيراً من الإصغاء لحديثه و عرفت أنه يخاف علي كثيراً .. و هذا أسعدني..
حيث كان يقول بصوته الجاف ( الجامد ) و الرائع :
" و سوف نتبع خطة لألا تواتيك هذه التشنجات .. أولاً علينا الاتصال بالطبيب المشرف على علاجك بين الفينة و الأخرى .. و ثانياً .. عليك تناول الدواء بدون تذمر ..لأن الدواء من صالحك .. و إن لم تواظبي على تناوله سوف تتأزم حالتك كثيراً .. و سوف أطّر لعرضك على طبيب آخر "
قلت بانفعال :" لا.. لا .. "
و لكني نكست رأسي خجلاً و خفضت صوتي :" لا داعي .. سوف أعمل تحت أمرتك .. "
استمر الحديث و أنا أصغي له بكل اهتمام .. أنه أعظم من أستاذ يعلمني .. أنه أعظم من طبيب يعالجني .. أنه أعظم من أب ينصحني .. شعرت بشعور رائع و أنا أصغي له .. و لكني أبقى أخجل منه قليلاً ..
حتى انتهت المقابلة ..ينهض هو و يوصيني بتناول الدواء جيداً و الاعتناء بنفسي .. و ها هو يغادر ..
وقفت في شرفة غرفتي أراقبه و هو يصعد السيارة مع أبيه و عمه .. أنه أطول منهما .. يا للغرابة ..!!
بقيت أتأمل القمر لبرهة .. و ها هي منى تمنعني من اللحظات السعيدة بصرختها :
" أوه سارة .. ماذا تفعلين هناك ؟!! "
التفت لها .. و تنهدت بابتسامة .. أشرت للقمر :" أراقب القمر .. "
اقتربت هي مني و وقفت بجانبي فقلت أنا :" أنا موافقة ! "
التفت لي و الاستغراب مرسوم على وجهها :" علامَ ؟!! "
نكست رأسي بخجل :
" على زواجي من خالد "
=
منذ أن وصلنا خبر موافقة سارة على الزواج .. تحسنت نفسية خالد كثيراً ..و بدا يهتم بأمر زواجه كثيراً .. حيث يحادث سارة عن الأمور التي يجب أن تجري بعد الزفاف .. حتى المدعوة " زينة " فرحت كثيراً لخالد و تمنت له حياة رائعة مع زوجته ..و كذلك غيداء فرحت لهذا الأمر كثيراً .. و أختي ذكرى و عادل ..
باختصار .. هذا الزفاف شغل العائلة كلها .. و قد قام الجميع على تحضيره .. لا تسألوني عن خالد .. يبدو فرحاً و متحمساً ..
حتى أقام الحفل هذه الليلة .. كان حفلاً رائعاً .. و خالد .. كان رائعاً جداً ..
سأختصر لكم ما حدث .. جرت حفلة رائعة .. حضرتها أمه .. و عمته .. و خالاته .. و بناتهن ..
و لأن خالد هو من طلب عدم خلط الإناث و الذكور في صالة واحدة .. حضرت أنا الصالة الخاصة للرجال ..
انتهى الحفل و لم تنتهي السعادة .. في أمل رؤية أبناء خالد .. مؤكد أنهم سيكونون رائعون ..!
و لكن لا أظن خالد سينجب أطفالاً .. فسارة ضعيفة جداً .. لا تستطيع حمل أي شيء ثقيل .. فما بالكم بجنين في بطنها ؟!!
لم أتمكن من التسليم على العريسان بسبب الازدحام الشديد على سيارتهما .. و ها هي تنطلق نحو الشقة الواسعة الرائعة التي أجّرها خالد ليعيشان فيها إلى أن يشتري له و لزوجته بيتاً ..
كانت ليلة مميزة .. !
=
كنت أجلس في المقعد المجاور لمقعده .. أشعر بغبطة و سرور .. فأنا أرتدي فستان الزفاف التي تتمناه جميع الفتيات .. ألقي عليه نظرة سريعة .. فأجده يقود السيارة بيده اليمنى و بيده اليسرى يمسح عرق جبينه المتصبب .. الجو ليس حاراً لهذه الدرجة .. و لكنه دائماً هكذا .. ملتهب ! منصهر ! مشتعل !
و أعود لمراقبة الطريق و أنا في قمة الخجل .. فيزداد خجلي عندما يهتف باسمي :
" سارة ! "
و لأني فرحة جداً انتابني رغبة بالضحك و الضحك .. طريقته بنطق اسمي مميزة .. وجدت نفسي أنفجر ضاحكة ..فيلتفت لي في استغراب .. أنه يستغرب كثيراً .. من أمور كثيرة .. أيستغرب تصرفاً مجنوناً مني و أنا الطفلة المدللة سارة ؟!!
" هل قلت ما يضحك ؟!! "
رغم أنه يحادثني بكل جدية .. استمرت في الضحك و الضحك .. بطريقة جنونية .. و يبدو أنه ظن أني جننت حقاً ..التزم هو الصمت و هو ينظر للطريق و يلقي علي نظرات استغراب بين الفينة و الأخرى علي و أنا أحاول التحكم بأعصابي ..أحاول كتم ضحكاتي القوية .. فلازلت أضحك بدون داعي ..
إلى أن هدأت قليلاً و نكست رأسي بخجل .. فعاد يقول بصوته الجاف :
" هل انتهيت ؟!! "
و هكذا انفجرت ضاحكة مرة أخرى .. لا ! أنا لست سخيفة لأضحك بلا سبب و داعي .. و لكني لا أعلم ماذا جرى لي .. المسكين فقد ثقته بنفسه الزائدة و ألقى نظرة على المرآة المعلقة أمامه .. و كأنه يبحث في وجهه عن شيء يدعوني للضحك .. و لكن لم يجد شيئاً .. فعاد يلتزم الصمت و أنا أضحك بلا توقف ..
بعدها هدأت قليلاً .. و هو لم ينطق بأي كلمة و لم يرمقني بأي نظرة لكي لا أعود للضحك ..ألقيت نظرة خاطفة علي .. فصعقت ! توقفت لبرهة أركز فيه .. بدا لي مجرماً .. هيئته .. صوته .. نظراته ..طريقة جلسته .. هالاته السوداء .. كلها تدل أنه مجرم حقيقي .. ترى ! هل يريد قتل طفلة أخرى ؟!!
أظن ذلك .. و لكنها طفلة كبيرة .. و هي أنا ..!!
=
تصلبت أنظاري .. أحدق به .. أنه بلا شك .. قاتلي !!
توقفت السيارة .. الظلام حالك .. نزل هو من السيارة و دار نصف دورة حول السيارة لكي يفتح صندوق السيارة و يحمل حقيبتي و حقيبته .. و ها أنا أراه يقف بقرب باب السيارة لجهة مقعدي .. توترت .. أيريد مني الهبوط ؟!
لا .. أريد والدي و والدتي و منى و أروى .. لا أستطيع البقاء مع هذا المجرم .. لا ! لا ! أنقذوني ..
فتح هو الباب و همس :" أنزلي "
و لأنه جامد لدرجة لا تطاق .. مشى أمامي مباشرة يجر الحقيبتين دون الاكتراث بي .. و لكني متأكدة أن هذه آخر ليلة في حياتي .. سوف أموت .. و قاتلي هذا المتعطش للدماء ..رباه ..
رأيته يستدير لي و يقول بجمود :" ماذا تنتظرين ؟!!"
يبدو أنه مستعجل على شرب دمي ..رباه..سأنزل و سأكون قصة الفتاة البريئة التي قتلها زوجها في ليلة زفافها ..
نزلت من السيارة و أغلقت من ورائي الباب .. و ها هو يكمل سيره دون الاكتراث بي ..
مشيت ببطء أتبعه .. صعدت السلالم و كلي خوف .., فتح هو باب الشقة و دخلها .. رمى بالحقيبتين على المقاعد ..و أسرع بإشعال المكيف .. و جلس على أحد المقاعد و التيارات الباردة تلفح وجهه ..
ما هذا ؟!! دائماً يشعر بالحرارة تحرق جسده .. قد يكون خُلق من نار ..
يجب على الزوجة الآن تحضير لزوجها كوب عصير بارد ليطفئ نيرانه الملتهبة .. و لكني لا أملك القدرة على ذلك .. أني خائفة .. حملت حقيبتي بهدوء و دخلت غرفة النوم التي من المفترض أن نتشارك أنا و هذا الملتهب في النوم فيها .. و لكني سأقفل الباب و لن أدعه يدخلها و لن أسمح له أن يفعل ما يريد ..
" سارة "
رباه .. أخذ قلبي يقرع كطبل أفريقي مجنون .. أنه يناديني .. بصوته الجاف .. لم أستدر له و أغمضت عيني بوجل .. فسمعته يقول :" هل ستنامين الآن ؟!! "
أظن أنني لن أنام هذه الليلة .. لأني معك .. ستقتلني أيها المتوحش .. إذ أجبته بـ ( نعم ) .. سوف يأتي للنوم معي .. و أنا لا أريد منه الاقتراب مني حتى .. ترى بأي أداة سوف يقتلني ؟!! لا يوجد سكاكين ..
أظنه سيخنقني بربطة عنقه .. علي منعه .. صرخت :".. دعني أنام وحدي .. "
و ركضت و دخلت الغرفة و أغلقتها بإحكام ..
ارتميت على السرير بخوف .. بكيت .. ! نعم بكيت في ليلة زفافي .. و هي ليلة موحشة مرعبة ..
نظرت إلى نفسي .. فستاني الأبيض .. سوف تلطخ بالدماء قريباً .. لا.. لا أريد الموت ..أريد أبي و أمي و أختاي.. أريد العودة للمنزل .. أريد النوم في أحضان والدتي .. ألجأ لها كلما شعرت بالخوف ..
الآن .. إلى من ألجأ و أنا في قمة الخوف .. ؟!!
استبدلت فستاني بملابس للنوم .. لا أريده أن يلطخ بدمي ...مرت ساعة .. و ساعتان ..و أنا أدعو ربي .. أتمنى ألا يكون يريد قتلي حقاً .. كنت خائفة جداً .. أتوهم أصوات و صور .. أشاهد كوابيس و أنا مستيقظة .. أكاد أجــــن !!
أخيراً .. قررت أن أطل عليه .. فتحت الباب بهدوء .. و طللت على الخارج .. رأيته .. مستلقٍ على الأريكة ..بدون أن يبدل ملابسه هذه .. اقتربت منه .. و جلست على المقعد المجاور له .. تأملته جيداً .. قد يكون مجرماً في السابق .. و لكن هذا لا يعني أنه لازال هكذا ..
حاولت أنا النوم على المقعد .. فإن بقيت وحدي في تلك الغرفة ..سوف أجن ..
أغمضت عيني .. و نمت أخيراً ..
=
لم أنم كثيراً .. فإذا بصوت مزعج يخترق أذني .. فتحت عيني ..منبه هاتف خالد المحمول يرن بصوت مزعج ..ألقيت نظرة سريعة على الساعة .. الخامسة صباحاً ؟!! لماذا يريد الاستيقاظ في هذا الوقت ؟!!
خالد كما هو .. نائم بعمق .. و ها هو يفتح عينيه ببطء .. فأغمضت أنا عيني و تكومت على نفسي أدّعي النوم .. ها هو يوقف صوت هاتفه المزعج .. و أظنه ابتعد ..ألم ينتبه لوجودي ؟!!
أظنه يعبث بحقيبته .. و ها هو يقترب لي .. يضع شيئاً على الطاولة و يبتعد .. ألقيت نظرة على هذا الشيء ..
أحزروا ما هو ؟!!
الأقراص التي أتناولها أنا كعلاج لي ..
تذكرت ! أمي توقظني أحياناً في هذا الوقت لتناول الدواء و أقيم حفلة من البكاء حينها ..
هل يا ترى سأفعل الشيء نفسه الآن ؟!! لا أظن ..
أغمضت عيني بسرعة للحظة شعوري أن خالد اقترب من جديد .. انحنى لالتقاط الأقراص من على الطاولة .. و بيده الأخرى يحمل كأس ماء .. و ها هو يبتعد متجهاً نحو غرفة النوم .. يظن أني نائمة هناك .. يا لك من عديم الانتباه يا خالد .. ألم تنتبه لي ؟؟
هتفت :" خالد "
و عدت أخبأ رأسي لألا يراني .. ألقيت عليه نظرة من تحت ذراعي .. استدار بسرعة مقطباً حاجباه ..أخذ يدير عينيه على الصالة بأكملها .. و هو في حيرة من أمره .. و لأنه لم يجد شيئاً .. فتح باب غرفة النوم و طل على الداخل .. و همس :" سارة "
بالطبع لم يجد شيئاً .. رأيت على وجهه صدمة كبرى .. اقتربت منه بهدوء دون أن يشعر بي ..
وقفت خلفه حيث كان مصدوماً لرؤيته السرير خالياً ..
همست :" خالد "
استدار لي .. تنهد بارتياح .. و قال :" أوه سارة .. ماذا تفعلين هنا ؟!! ألم تنامي ؟!! "
أشرت برأسي بالنفي ..و أنا أبتسم ..
و ها هو يتجه نحو أحد المقاعد لتداعب نسائم المكيف وجهه .. نظر لي و أشار إلى الكأس و الأقراص التي بيده .. و قال بكل جمود :
" سارة .. تعالي تناولي الدواء "
اقتربت منه و جلست بقربه .. ناولني الكأس .. و أحد الأقراص .. فابتلعته .. و خالد يراقبني باهتمام ..ثم قدم لي القرص الآخر لابتلعه على الفور ..
نهض هو أشار إلى غرفة النوم و قال و الإرهاق بادٍ على وجهه ..بجمود يخاطبني:" و الآن .. إلى النوم "
نهضت و اتجهت نحو تلك الغرفة بخجل ممزوج بفرح كبير .. قبل دخولي استدرت لخالد الذي حمل الكأس و الأقراص و اتجه نحو المطبخ .. المسكين سوف ينام على هذه الأريكة التي لا تبعث لجسده الراحة ..
دخلت الغرفة .. و أبقيت الباب مفتوحاً لألا أشعر بالوحدة و الخوف .. فخالد البطل بجانبي ..
|