كاتب الموضوع :
دموع يتيمة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء التاسع
رحيل خالد
دخلت غرفتي .. خلعت شالي و عباءتي ..ثم ألقيت نظرة على الحقيبة السوداء ..
اقتربت منها .. و جمعت السكاكين فيها و وضعتها في خزانتي ..ثم استلقيت على سريري .. خـالـد .. و مروان .. أنكما تحيراني ..سمعت طرقاً على الباب .. فهتفت :" أُدخل .. "
كان هو أخي عادل .. نهضت .. و اتجهت نحوه و خاطبته بعتاب :" أرأيت ما فعلته غيداء بخالد ؟!! "
هزَّ رأسه ايجابياً .. فصرخت :" و هل ذلك يعجبك ؟!! "
تنهد :" عزيزتي ذكرى .. إن لم يُعاقب خالد .. سوف يظن أن ما يقوم به هو الصواب "
صرخت :" و لكن ليس لدرجة أنكم تحبسونه في غرفة مغبرة .. "
" اتفقت مع مازن أنه يأخذ خالد ليعيش معه في بيته إلى أن تلد زوجته "
حملقت به بدهشة .. فأكمل :
" و هكذا خالد إذ لم يعتد على الأفراد و البيت لن يقوم بأي حماقات "
كانت فكرة معقولة .. فهززت رأسي موافقة .. رغم أني سأفترق عن خالد !!
---
و في وقت العصر .. ها هو عادل يقف معنا جميعاً أمام المخزن لفتح الباب .. و مازن جاء أيضاً لأخذ خالد لبيته .. فتح عادل الباب بالمفتاح بكل هدوء .. و ها نحن نطل برؤوسنا على الغرفة ..
كان خالد كما كان ..يرمي بجسده على تلك الحاجات المغبرة .. و مرهق لدرجة لا تتصور..كان مستيقظاً.. بل كان يرمق الجميع بنظرته تلك .. كان الأطفال في خوفٍ شديد .. وَجّه خالد نظرات كالسهام لأخيه وائل ..و غيداء القاسية تقف بجانبي دون أن يرأف قلبها بابنها .. و مازن لازال ينظر لخالد بنظرة طويلة .. و يهمس في أذني :
" لقد بالغتم في عقابه "
اقترب عادل من ابنه و خالد ينظر لأبيه بصمت ....بدت في نظرة عادل شيء من الندم عندما رأى آثار الضرب على جسد خالد الواضحة .. اقترب عادل أكثر من خالد ..ثم أمسك عادل بكتفي ابنه و قال :
" خالد .. ستعيش من الآن فصاعداً في بيت عمك مازن .. أفهمتَ ؟!! "
حملق خالد بمازن طويلاً .. ثم هزَّ رأسه مستسلماً ,. و خاضعاً للواقع ..نهض هو و أمسك بيده مازن .. و اتجها نحو سيارته خارجان من المنزل ..
بقي عادل يلقي نظراته الأخيرة على أبنه .. و غيداء أخذت تجر حقيبة ابنها .. ثم ناولتها مازن .. ليضعها في صندوق السيارة ..
نظرت أنا لخالد الجالس على الكرسي الأمامي و هو غارق في السرحان .. ترى .. فيم يفكر ؟!!
ها هو مازن يصعد مقعده و ينطلق بالسيارة .. أخذت أراقب تلك السيارة التي ترحل عنا حاملة معها طفلاً .. لم أكن أتوقع أني سأفارقه يوما ما .. و لكني أستطيع زيارته بين الحين و الآخر ..
عدت للبيت .. و ذهني منشغل بذا الذهن الشارد .. خــالـــد .. أتمنى أن تكون بخير هناك ...
جلست في الصالة مع الجميع .. حيث كان الأطفال ينجزون وظائفهم المدرسية ..
وضعت حاجاتي على إحدى الطاولات و بدأت في عملي .. حيث سألني إياد :
" و هل يجب عليكِ حل وظائفكِ أيضاً "
ابتسمت :" نعم "
و ها هو وائل يقهرني بقوله :" ياه .. ما أحلى الحياة بدون خالد "
ضحكت غيداء .. و هذا ما ثار غيظي .. صرخت بها :
" تضحكين ؟!! .. لأن خالد ابتعد عنك تضحكين ؟!! أنكِ لستِ أماً.. بل لا تملكين ذرة من مشاعر الأمومة .. "
حملقت هي بي باستغراب .. ثم نهضت غاضبة نحو غرفتها .. حيث خاطبني عادل بعتاب :
" ما بكِ ذكرى ؟!! ألا يحق لها أن تضحك لأنها أخيراً شعرت بالراحــة ؟!! "
صرخت :" الراحــة ؟!! الأم تفضل التعب لأجل أبناءها على أن ترتاح منهم "
أي قلوبٍ هي قلوبكم ؟!! لمَ هي قاسية على هذه الفئة المسكينة من الناس ؟!
---
في وقت المغرب .. أزعجنا رنين الجرس .. من الذي يقرع الجرس كالمجنون هكذا ؟!!
نهضت سمية و ركضت لتفتح الباب .. و ما إن فتحته ..حتى تدافع حشد كبير من الأطفال إلى الداخل ..ربــاه .. من هؤلاء ؟!! ها هي غيداء تخرج من غرفتها و الابتسامة مرتسمة على شفاها ..
أخذ الأطفال يركضون في أرجاء المنزل كالمجانين .. حتى دخلت امرأتان .. آه ..أظن أنهما شقيقتان غيداء .. و هذا الحشد الكبير هم أطفالهما ..
اقتربت غيداء من شقيقاتها .. و سلمت عليهما .. و الفرحة تغمرها :" مرحبا .. مرحبا .. تفضلا "
جلست الاثنتان في الصالة .. فسلمت أنا عليهما .. و جمعت حاجاتي متجهة نحو غرفتي..
و لكن ذلك الحشد من الأطفال يلاحقني .. التفت لهم باسمة :" مرحباً بكم .. "
و لكنهم أفزعوني بصرخاتهم :" أريد حلوى " ..، " مرحباً ... مرحباً " ..,, " أنا أسمي نهلة "
أشرت أنا بسبابتي إلى إياد :" أنظروا .. إياد يحمل حلوى "
و انطلق الأطفال نحوه و أنا فررت نحو غرفتي .. ربــاه .. أيوجد أطفال بهذا الشكل ؟!!
ربما اعتدت أنا على صمت و جمود خالد و لم أعتد بعد على مرح و إزعاج الأطفال ..
----
و بعد مرور عدة أيام .. شعرت بالحنين إلى خالد فقررت زيارته في منزل مازن ..خرجت من عملي تمام الساعة العاشرة صباحاً .. صعدت السيارة و قدتها بنفسي .. و مررت بمحل لبيع الساعات .. وددت لو أشتري ساعة لخالد هدية له .. و لكن .. هل يفضل لبس الساعات ؟!! أم ذلك يزعجه ؟!!
اخترت له ساعة كحلية اللون .. و تناسب بياض معصمه .. وضع البائع الساعة في صندوق فاخر .. ثم في كيس صغير .. يسع حجمها ..و ناولني إياه .. فحملته و ركبت السيارة مرة أخرى و قدتها متجهة نحو منزل مازن ..و هناك استقبلني مازن بحرارة كعادته ..
حيث خاطبته قبل أن أجلس في الصالة :" أين هي غرفة خالد ؟!! "
أشار هو إلى غرفةٍ في الطابق الثاني منعزلة عن بقية الغرف .. حيث انطلقت نحوها بكل سرعتي .. و أسرعت في فتح البـــــاب .. كانت هناك ريما تقف أمام خالد .. يا له من وجه رائع .. كم اشتقت إليه .. كان يحدق بريما.. و ريما تقف أمامه و يال دهشتي كانت تصرخ في وجهه :
" لمَ كل هذه الفوضى ؟!! كم شعرت بالندم لأني قبلت أن تأتي لتعيش معنا .. "
شدت قميصه بعنف :" انهض و رتب الغرفة و إن لم تفعل ذلك .. سأرميك في الشارع .. أفهمت ؟!! "
شعرت أنها ستخرج الآن من الغرفة .. فابتعدت عن الباب .. لا أريدها أن تراني ..
ها هي تخرج متجهة نحو زوجها :" مازن .. عليك أن تعيده إلى أهله .. فلم أعد أطيق وجوده "
يا لك من متوحشة ..!! و عنيفة .. كيف ستربين أبنائك إذ كنتِ قاسية هكذا ؟!!
دخلت أنا الغرفة بسرعة .. حيث كان مستلقٍ على سريره و هو يسند يديه خلف رأسه ....فركضت نحوه ، هتفت :" خــالــد .. اشتقت لك عزيزي "
حدق بي .. و كأنه لم يستوعب بعد حضوري ..ضممته إلى حجري :
" هل أنت بخير ؟!! هل أنت سعيد هنا ؟!! هل أنت مرتاح ؟!! "
حدق بي ثم همس :" أنا لا أريد البقاء .. خذيني معكِ ..!! "
كان ما قاله فطّر قلبي .. كنت سأقول له :" لو كنت تعلم كيف فرحت أسرتك لبعدك عنها "
ضممته إلى صدري .. مسحت شعره .. لم أدري ما الذي يمكنني أن أقوله له ..
كانت له نظرة مليئة بالعتاب لي .. ثم تنهد و همس :" تلك المرأة تضربني .."
صرخت :" أهي ريما ؟!! ماذا فعلت بك "
نكس رأسه ..فقدمت له ذلك الكيس الصغير .. و كأنني أقول له :" أعذرني .. "
تناوله من يدي .. و خاطبني :" ما هذا ؟!! "
ابتسمت في وجهه .. :" هديــة بسيـــطة ..!! "
بدا متردداً في رؤية ما في الكيس .. ربما لأول مرة يحظى على هدية ..
أخرجت أنا الصندوق من الكيس .. و فتحت الصندوق و نزعت الساعة الكحلية منه ..و ألبست خالد إياها .. و ضحكت بمرح :" ما رأيك فيها ؟!! "
حدّق بي .. ثم همس و هو ينظر إلى الساعة التي بيده :" أهي لي حقاً ؟!! "
ابتسمت :" طبعاً "
مسح هو الساعة و لأول مرة أراه فيها يبتسم .. لقد ابتسم ..
يا إلهي لا أصدق .. خــالــد ؟!! يبتسم ؟!! كان رائعاً بابتسامته تلك .. فرحت كثيراً ..
" رائعـة "
هذا ما قاله ..!!
فرحت كثيراً .. لا أصدق أن خالد .. و أخيراً ..يعجب بشيء .. لطالما كان ينزعج في أمور كثيرة ..أنه عمل أستحق عليه الثناء و الشكر ..أتمنى أن تدوم هذه الابتسامــة الرائعة ..!!
بعد ذلك عدت للمنزل بعد ذلك و كلي سعادة و فرح .. يا إلهي .. كم أنا سعيدة ..
رميت بنفسي على الأريكة و ها هو عادل يخرج من المطبخ يخاطبني :"ما بال الذكريات سعيدة هكذا ؟!! " ..
أنه يقصدني .. ابتسمت .. بل ضحكت :" اليوم زرت خــالـ.... .. "
صرخ بي غاضباً :" زرتِ خالد ؟!! ألم نتفق على أن لا نزوره ؟!! لماذا تخالفيني ؟!! "
حملقت به باستغراب .. قلت بارتباك :" عادل .. ما الذي تقوله ؟!! عن أي اتفاق تتحدث ؟!! "
اقترب مني و شد شعري .. رباه لأول مرة يفعلها عادل .. صرخ بي :
"نحن نخطط لتهذيب خالد و تأديبه و أنتِ تفسدين كل شيء بعطفكٍ و حنانكِ "
و صرخ :" إلى أن تلد زوجة مازن .. لا أريد منكِ زيارته .. أو حتى الاتصال به .. أفهمتِ ؟!! "
هززت رأسي بخوف .. فمشى هو نحو غرفتــه ..
رباه ..!! خلال تسعة أشهر لن أزور خالد و لن أتصل به ..؟!!
كيف لي تحمل ذلــــك ؟!!
|