نظر اليها الكسندر ستافروس عمدا لبضع ثوان, ثم نظر بعيدا منتقلا الى الجهة الثانية من الغرفة وحضر لنفسه شرابا. وعندما عاد كان قد استعاد سيطرته على نفسه ثانية فقال:
- عليك أن تعلمي , لا أحب أحدا حتى ولو امرأة في اي شكل يجعلني لا استطيع الاستغناء عنها , هل هذا مفهوم؟ إن حيـاتي ملكي وأنـا حر في التصـرف فـيها
وابتسم في تهكم وتابع قائلا :
- لكن , كما تكونين قد لاحظت , لدي خبرة صغيرة في النساء وما أعرفه عنهن بالكاد يكون سارا
احمرت وجنتا دالاس وهي غير مرتاحة لما تسمع. لم تكن تستطيع النيل منه في أي نقاش, كانت طريقة هجومه مضنية تماما. أما بالنسبة الى ملاحظاته بأن لديه خبرة صغيرة في النساء فقد شكت في ان ما نسبه الى نفسه كان كافيا فعلا. فقد بدا انه يعلم الكثير عن الجنس الأخر.
- لماذا تقول لي كل هذه الأمور؟
سألته وهي تحول أن تظل هادئة.
- أنت بدأت الأمر
- فعلت بطريقة غير مباشرة. في أي حال, ما قلته كان صحيحا. اننا غير مرغوب بنا هنا, ولا زال أمامنا بضعة أشهر. سيكون الأمر هائلا!
احتسى الكسندر شرابه ثم نظر الى الكأس الفارغة بين يديه بشئ من السخرية ثم نظر اليها, وتسارع نبضها رغما عنها. فعيناه الداكنتان كانتا شديدتي الاختراق. قال :
- علي الاعتراف بأنك تثيرين اهتمامي كما لم تفعل امرأة منذ سنوات
وضعت دالاس يدا مضطربة على عنقها وابتسم متابعا :
- اعتقد أن سبب ذلك موقفك غير الواقعي من الأشياء. في أي حال لا بد أنك رأيت ما هي الامكانيات المتوافرة هنا ومع ذلك تريدين الرحيل. لا أستطيع أن أفهم الأمر تماما. ألا يهمك المال أبدا؟
مررت دالاس لسانها على شفتيها الجافتين وردت :
- أنا...أنا فقط أحتاج الى المال لأعيش , أما المال كوسيلة للثراء الفاحش واللهو فانه لا يستهويني
- أمر مذهل , لكن , لا يزال أمامك متسع من الوقت كي تبدلي رأيك. واجرؤ على القول بأن أختك هي أقل... لنقل...أقل سذاجة منك
هبت دالاس واقفة غير راغبة في متابعة الحديث لكنه قال :
- اجلسي , فأنا لم انته بعد. أريد أن أخبرك عن الوظيفة التي أمنتها لك لتملئي وقتك
حدقت دالاس فيه وصاحت :
- وظيفة , أوه!
- ألست مهتمة الآن؟
- بالطبع. انه مجرد اني...حسنا , قد نسيت
انهت جملتها في ضعف فبدا ساخرا , ثم استدار بعيدا ونظرت اليه دالاس ثم الى كأسها وتنهدت فقال :
- انك تظنين انني أشرب كثيرا , هيا قولي ذلك. أنا متأكد من أنك تريدين قول هذا
هزت دالاس رأسها نفيا وقالت :
- هذا أمر لا يهمني
- كل ا, انه لا يخصك ولكن متعة صحبتك هي المسؤولة يا دالاس
كانت هذه المرة الأولى تلك الليلة التي نطق فيها بأسمها واحبت طريقة لفظه اياه بلكنة اجنبية خفيفة.
- انك تهزأ بي ، قالت ثم أحنت رأسها لترشف كأسها. فقال هازا كتفيه :
- فقط لأنك نسيتي كيف تسترضين وتتمتعين بالحياة. لقد اصبحت...كيف أقولها, أكبر من سنك. الا تشعرين بذلك؟
تصلبت. كانت تلك الكلمات ذاتها التي استخدمتها جين تقريبا, وسماعها منه وهو لا يعرفها بمقدار معرفة جين لها جعلها تضطرب. هل كان الأمر واضحا الى تلك الدرجة؟ هل كانت تتصرف من دون وعي منها وكأنها والدة جين أكثر من كونها أخت لها؟ كانت مقارنة غير ممتعة. فأجابته :
- أعتقد أن حياتي كانت مسؤولة أكثر منك
-اتعتقدين ذلك؟ عندما أسيطر على حياة الاف عدة من الأشخاص؟
- لديك أناس تفوضهم القيام بمهامك
- اعترف أن لدي ذلك. لكن تفويض المسؤولية ليس خطيئة. فأنا أفضل أن اعرف قليلا بما يجري اذا كنت لا أجد من الضروري أن أدير العمل بنفسي كما تقولين. في أي حال, كفانا حديثا عن ذلك. اننا نستطرد. أن الوظيفة التي أفكر فيها من أجلك تناسبك جدا. فأخي بول المتزوج الذي يعيش على الساحل على مقربةمن هنا لديه طفلتان , لويز واستيل ويبلغ عمرهما ست سنوات , وهما في حاجة الى التعليم قبل أن تدخلا...ما قد تسمينه...مدرسة داخلية. هل أنا واضح فيما أقول؟
- تماما. هل هما فعلا في حاجة الى مدرسة؟
- نعم بالفعل , فزوجة بول منيرفا تطالب بمعلمة منذ عام تقريبا, لكن بول كان دائما يقول انهما لا تزالان صغيرتان. لابد بأنك استنتجت بأنهما توأمان, ومشاغبتان. وهما تتكلمان الانجليزية بالطبع. كل أفراد العائلة مثقفون الى درجة معقولة في هذا المعنى , ولكنهما الآن تحتاجان الى أكثر من مجرد اللهو. فهما بحاجة الى تعلم القراءة وبعض الرياضيات والكتابة. هل تستطيعين القيام بذلك؟
- بالطبع
ارتاحت دالاس قليلا. فبعد أن علمت صفا من أربعين تلميذا تبلغ أعمارهم ثماني سنوات لن تشكل طفلتان في السادسة من عمرهما أي مشكلة.
- حسنا اذا اتفقنا. غدا سآخذ لمقابلتهما. ويجب أن نفعل ذلك بعد الظهر, حيث أن لدي مهام في الصباح لا أستطيع الغائها
نهضت دالاس ثانية قائلة :
- هل هذا كل شئ؟ هل أستطيع الذهاب؟
هز كتفيه قائلا :
- اذا أردت
نظرت اليه دالاس في ارتباك وسألته :
- ماذا يفترض أن أفهم من هذه الملاحظة؟ هل أنا حرة في أن أذهب أم لا؟
- لست أدري. ربما أرتاح بالتحدث اليك. من المنعش أن أجد شخصا لا يتعلق بكل كلمة أقولها. فأنت لا تفعلين ذلك يا دالاس, أليس كذلك؟
كان صوته عميقا ومتهدجا قليلا, وشعرت دالاس برجفة في أطرافها. وبجهد متواصل سارت نحو الباب وقالت :
- لا , لا أفعل ذلك
ثم انسلت خارجا واغلقت الباب خلفها.
عندها فقط تنفست ذلك النفس العميق الذي بدا انها كانت تحبسه وقتا طويلا. شعرت بتعب جسدي وعقلي. قد يكون الجدال مع الكسندر ستافروس منشطا جدا لكن يمكن أن يكون مضنيا كذلك .
سارت في بطء عبر الممر الى القاعة ووصلت الى مقربة من بولا ستافروس وفيريا شارف. كانت تجلسان على صندوق تشربان بعض الشراب, ونهضت بولا عند أقتراب دالاس وقالت :
- مرحبا آنسة كولينز تبدين منهكة. هل كان يوما مرهقا؟ أم هل كان أخي يلقي بثقله عليك ثانية؟
كان على دالاس أن ترد الأبتسامة فقالت :
- أرجوك ادعيني دالاس , اذا سميت كلينا الآنسة كولينز فلن نعلم مع من تتحدثين
- حسنا يا دالاس , وبالطبع ستدعينني بولا أيضا, اعذرينا يا فيريا...أريد أن أخبر دالاس عن الرياضة هنا
اومأت فيريا برأسها في تهذيب وابتسمت أبتسامة لم تصل الى عينيها.
تأبطت بولا ذراع دالاس وأخذتها عبر القاعة الى المصطبة الخارجية التي تطل على حوض السباحة المضاء. قالت بولا تشير الى الحوض :
- أحيانا نسبح هنا , في الليل كنا نقيم حفلات سباحة بين وقت وآخر, لكننا لم نقم واحدة مؤخرا. هل تسبحين؟ أو تتزلجين على الماء؟
- أنا اسبح ولكنني لم أجرب التزلج على الماء, أهو ممتع؟
- ممتع جدا عليك أن تتعلميه. صديقي جورج خبير سيأتي الى هنا في نهاية الأسبوع وسيعلمك اذا طلبت منه. هل تودين ذلك؟
فكرت دالاس في طبيعتي أبنتي ستافروس المتناقضتين. ظهرت بولا هادئة وودودة بينما انت ناتاليا ثائرة وعاطفية. ايهما كانت اشبه بالكسندر؟ لديها شعور انه على رغم هدوءه الخارجي فهو مثل ناتاليا في الأغلب , فالنار في عينيه , وهي متأكدة انه ليس بالعاشق الذي لا يكترث. تورد وجهها وكانت مسرورة لأن بولا لا تستطيع قراءة أفكارها. وراحت تتخيل الكسندر ستافروس قريبا منها يعانقها....لكنها قطعت تخيلاتها وحدثت نفسها, أنا لست هكذا , أنا لا أهتم به , أكره أن أكون مجرد امرأة أخرى في حياته .
واستدارت بولا نحو دالاس وهي لم تكن تعرف شيئا عن معاناتها الداخلية وقالت في خفة :
- ما رأيك بنهار الغد بعد الأفطار؟
- غدا؟ بعد الافطار! اني آسفةكنت أحلم. ماذا أقترحت؟
ضحكت بولا وقالت :
- اعتقدت انه ربما تحبين أن تلقي نظرة حول المكان. المنزل والأرض المحيطة. قد نسبح اذا رغبت ذلك. ارتدي ثيابا بسيطة. لا أحد يرتدي زيا رسميا هنا خلال النهار في أي حال
- حسنا أود ذلك
اومأت دالاس مرحبة بأي شئ يطرد أفكارها المزعجة فقالت بولا :
- حسنا , سأمر عليك بعد الافطار. بالمناسبة الجميع يتناولون أفطارهم في غرفهم, ما عدا اليكس ربما. اذا سنجلب افطارنا الى الشاليه, اتوافقين؟
اومأت دالاس بالايجاب وردت بولا :
- يبدو الأمر رائعا
-اخبريني...أخوك يقول أن أولاد أخيك في حاجة الى معلمة هل الأمر كذلك؟
قطبت بولا :
- لويز واستيل؟ اعتقد انهما قد تحتاجان الى معلمة
- لقد...لقد فهمت من أخيك أن أمهما تبحث عن واحدة منذ فترة
- مينرفا؟ حقا! هل تفعل؟ لم أكن أعلم
ارتعشت دالاس فجأة :
- هل...هل تعتقدين انها فكرة صائبة اذا؟
هزت بولا كتفيها قائلة :
- لماذا؟ هل ستكونين أنت ذلك الشخص؟
- اذا...اذا وافق الجميع
-لا أرى سببا للممانعة. ان التوأمين لاهيان. لكن نحن أيضا كنا مثلهما في سنهما خصوصا اليكس. كان أكثرنا طيشا
احنت دالاس رأسها. لم تفهم لماذا يحاول الكسندر ستافروس جاهدا أن يجد لها وظيفة, عندما كان يعلم انه لم يكن لديها أي خيار بعد أن جاءت إلى الجزيرة سوى تقبل وضعها بلباقة. إلا إذا لم يكن من دون شعور كما اعتقدت هي, وتنهدت. وبما أن بولا اعتذرت ثانية لتذهب و تتحدث مع داليا شارف, فقد سارت دالاس حيث أضواء القوارب المتلألئة في الظلام الدامس. كانت ليلة لا قمر فيها ولكن الهواء ورائحة الجو كله تفوح رومنطقية. كان سهلا أن يشعر المرء بالاضطراب في مثل هذا الجو, حدثت دالاس نفسها محاولة أن تستوعب أفكارها. لكن عبثا وظلت تتصوره جالسا الى جانبها على كرسي في مكتبه وقميصه وربطة عنقه مرخيتان. وتمنت لو تظل جالسة بالقرب منه.