الفصل الثامن
خائفة من شيء ما
بعد يومين أخبرتها جين أنها ستذهب مع اندريا في رحلة بحرية. نظرت دالاس الى أختها في قلق وقالت :
- في رحلة بحرية؟ وأنت في هذه الحالة؟
-أوه , لا تبدأي مجددا يا دالاس. ما الخطأ في الابحار في أي ظرف؟
- قارب اندريا مجرد زورق شراعي!
- أعلم. ولكنه نهار جميل ومثالي للابحار. قال لي اننا لن نبتعد كثيرا. فقط عبر القناة, بين هنا وفيرويوس
فيريوس كانت الجزيرة المجاورة حيث عاش والدا هيلين نيرولوس.
- بصراحة يا جين , اتمنى لو أنك لا تذهبين , أعني ماذا لو أنقلب الزورق؟
- ينقلب؟ في مثل هذا الطقس؟
- آه. حسنا لا أستطيع منعك اذا عقدت العزم
- هذا أكيد ، قالت جين في تحد ودخلت الى الشاليه كي تجمع حوائجها.
غادرت دالاس بعد قليل الى منزل بول ستافروس لاعطاء الدروس الى لويز واستيل , وعلى رغم ثرثرة الصبيتين لم تستطع أن ترتاح لدى تفكيرها في جين.
عندما عادت الى الشاليه , لم تكن جين قد عادت بعد, لكنها وجدت ورقة منها على الطاولة. قالت فيها :
(( أخذنا طعام الغداء معنا. لا تتوقعي عودتنا قبل الخامسة ))
نظرت نحو السماء ورأت لونها أصفر أرجواني عوضا من الأزرق العادي. ولابد أن الأمر ينذر بهبوب عاصفة. عاصفة! تسارعت دقات قلبها. اندريا وجين كان على الزورق في البحر!
نظرت الى ساعتها , كانت تقارب الثانية , بالتأكيد سيتجهان نحو المنزل عندما ينقلب الطقس. وما اذا لم يفعلا؟ ماذا لو لم تهب الريح؟ ماذا لو علقا في مكان ما في الخليج؟
أحضر يني طعام الغداء لكنها لم تستطع تناوله وقالت له :
- يني أين السيد ستافروس؟ السيد الكسندر ستافروس
- انه يتغدى في الفيلا , أتريدين أن تريه؟
كادت دالاس أن تقول ((نعم)) لكنها عدلت. كلا...عليها أن تذهب الى الفيلا بنفسها وتطلب التحدث اليه.
- شكرا لك يني , سأتدبر الأمر بنفسي
دخلت قاعة الفيلا مرتبكة وشعرت بانزعاج أكثر عندما جاءت السيدة ستافروس لتقابلها قائلة ببرود :
- نعم , هل أستطيع مساعدتك؟
- كلا , شكرا لك. أريد التكلم مع السيد ستافروس
- انه مشغول في الوقت الحاضر. بالتأكيد يمكنني المساعدة أيا كان الأمر
- أشك في أنك تستطيعين
قالتها دالاس بثبات. ولابد أن صوتها تناهى الى غرفة الطعام فقد برز الكسندر بعد لحظة. وضاقت عيناه عندما رأى دالاس فسألها بلهفة :
- ما الخطب؟ دالاس , ما المسألة؟
ارتاحت دالاس عندما رأته الى درجة أن صوتها كان ادفأ مما أرادت فقالت :
- اندريا أخذ جين معه على متن زورقه الشراعي وأنا...أنا أعتقد أن عاصفة على وشك أن تهب
- أجل , هناك عاصفة. يا للأحمقين! يا الهي, أماه هل فقد اندريا صوابه؟
بدت السيدة ستافروس متضجرة من القضية وقالت ببرود :
- في الواقع , أنا أقترحت الأمر على اندريا. أراد أن يذهب في نزهة بحرية وسألني اذا كان من المناسب أخذ جين معه فوافقت
- ماذا فعلت؟ اذا أصابهما مكروه , سألومك شخصيا .
لأول مرة رأت دالاس السيدة ستافروس منزعجة. ونظرة الأخيرة في انزعاج ناحية دالاس كأنما كان الأمر غلطتها هي وقالت لأبنها :
- لا تتكلم بهذه الطريقة يا اليكس , لن يحدث شيء!
نفض الكسندر ذراعها عنه , ثم ظهر نيكوس. لم تكن دالاس رأت نيكوس كثيرا منذ عودته وتساءلت ما اذا كانت السيدة ستافروس حذرته من الاقتراب منها. ابتسم نيكوس في حرارة لدالاس وقال :
- ما هذا؟ مؤتمر عائلي؟
تجاهله الكسندر وكان مقطبا يحاول تقدير أفضل طريقة للتصرف. ثم نظر الى دالاس وقال :
- سآخذ مركبي الشراعي. نيكوس أنت ستقوده. علينا التصرف وحدنا الا اذا أرادت هيلين أن تأتي أيضا
ثم نظر الى دالاس في حنان وقال لها :
- أتريدين المجيء؟
- هل أستطيع؟
كانت السيدة ستافروس جامدة وعلى وجهها قناع من عدم الرضى وهتفت :
- أعتقد انها عاصفة وهمية يا حبيبي اليكس , لم تنه وجبتك .
منتديات ليلاس
حدق فيها اليكس مطولا فأحنت رأسها. ثم استدار وسار نحو غرة الطعام وتبعته السيدة ستافروس ببطء , وتأبط نيكوس ذراع اليكس وسار بها الى خارج المنزل وسألها :
- ماذا يحدث؟ يبدو اليكس حانقا جدا!
فسرت اليكس الأمر في اقتضاب , ثم قالت بصعوبة :
- وأنت كيف حالك؟ لم أرك منذ فترة طويلة .
ابتسم نيكوس وأجاب :
- أنت تعلمين لماذا ؟
- أعلم؟
- طبعا , اذا دست على أصابع أخي الاكبر يقص أصابعي , وهكذا لا أفعل .
قطبت دالاس مندهشة وقالت :
- تعني اليكس؟
- لا تقولي بأنك لا تعلمين! في أي حال , لو أمضيت أسبوعين برفقته في الخارج وذقت طعم كلامه الجارح في أكثر من مناسة لأدركت عندها أن فتاة ما تشغله , سترين ما أعني .
- لست أنا تلك افتاة
- كلا؟ حسنا , لماذا طلب مني الأبتعاد اذا؟
- لست أدري
-أوه , حسنا. كما قلت فأنا أحب الحياة الهادئة ولكن صدقيني لم تكن فكرتي أنا .
- وكنت أظن انها فكرة أمك .
- هذا ما أعتقدت؟ حسنا , صدقيني يا عزيزتي , سمح اليكس لامرأة معينة بازعاجه وكان مزاجه سيئا جدا عندما عاد الى المنزل في الليلة التي سبقت سفرنا. وهو كان معك, أليس كذلك؟ وأمي علمت بذلك
ثم سمعا وقع خطوات خلفهما وظهر الكسندر وفي صحبته هيلين نيرولوس. كانت ترتدي ثيابا برتقالية اللون وبدت متأنقة ومصقولة. ابتسمت بتعالي لدالاس وقالت :
- اننا نلتقي مرة أخرى يا آنسة كولينز. يبدو أن حياتك سلسلة أزمات!
ابتسم نيكوس لدالاس فخفف بذلك من وقع كلمات هيلين. وردت دالاس له الابتسامة ثم ساروا الى الخارج نحو السيارة.
كان القارب ((اثينا)) طويلا وفخما , له شراعان ويتسع لأربعة أشخاص , وفيه مقصورتان ومطبخ , وحمام صغير. لم يستعمل اليكس الشراعين بل أدار المحركات وقاد المركب الى خارج الخليج.
كان البحر أخضر اللون وهائجا وشعرت دالاس بألم في معدتها. لم تكن تعلم رد فعلها في بحر هائج. وكان المركب صغيرا بالنسبة الى المراكب السياحية وشعرت دالاس بنفسها مشدودة الأعصاب وخائفة.
كانت كل القوارب والمراكب الشراعية تتجه نحو الشاطئ. وكان مركبهم الوحيد الذي يسير في الاتجاه المعاكس. استندت دالاس الى حائط المركب ونظرت نحو الأفق. سمعت أن هذا يخفف من دوار البحر. اتى نيكوس ووقف قربها مبتسما عندما رأى تقلص ملامحها :
- أسترخي لاشك أنها بخير. اني قلق عليك أنت .
ابتسمت دالاس وحارت والخوف باد على محياها عما عساها تفعل اذا اصيبت بدوار. كان أمرا مريعا أن تعرض نفسها لسخرية هيلين نيرولوس التي كانت تقف بسهول الى جانب الكسندر , وبدت معتادة على مختلف أحوال الطقس.
وبدا أن رحلتهما كانت عبثية فلم يظهر مركب اندريا وجين وبدا الكسندر قلقا بعض الشيء. كان نيكوس قد ترك دالاس كي يحضر بعض القهوة , فاقترب الكسندر منها وتأمل خديها الشاحبين وقال :
- انك متعبة , أليس كذلك؟
- أوه , لم أعلم اني سأشعر هكذا , فأنا لم أبحر في بحر هائج من قبل .
ابتسم واسند ظهره الى الحائط قربها ووضع مرفقيه على القضبان وقال :
- انك في مأمن تام , لن نغرق أو شيء من هذا القبيل
- هذا شيء عظيم ، همست دالاس في اقتضاب وهز كتفيه وسار بعيدا عنها.