المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
الجنة الضائعة ....ابو القاسم الشابي
كم من مباهج عذبة في عدوةاوادي النضير
فضية الاسحار مذهبة الاصائل والبكور
كانت ارق من الزهور ومن اغاريد الطيور
والذ من سحر الصبا في بسمة الطفل الغرير
قضيتها ومعي الحبيبة لارقيب ولانذير
الا الطفولة حولنا تلهو مع الحب الصغير
ايام كانت للحياة حلاوة الروض المطير
وطهارة الموج الجميل وسحر شاطئه المنير
ووداعة العصفور بين جداول الماء النمير
ايام لم نعرف من الدنيا سوى مرح السرور
وتتبع النحل الانيق وقطف تيجان الزهور
وتسلق الجبل المكلل بالصنوبر والصخور
وبناء اكواخ الطفولة تحت اعشاش الطيور
مسقوفة بالورد والعشاب والورق النضير
نبني فتهدمها الرياح فلانضج ولانثور
ونعود نضحك للمروج وللزنابق والغدير
ونخاطب الاصداء وهي ترف في الوادي المنير
ونعيد اغنية السواقي وهي تلغو بالخرير
ونظل نركض خلف اسراب الفراش المستطير
ونمر مابين المروج الخضر في سكر الشعور
نشدو ونرقص كالبلابل للحياة وللحبور
ونظل ننثر للفضاء الرحب والنهر الكبير
مافي فؤادينا من الاحلام او حلو الغرور
ونشيد في الافق المخضب من امانينا قصور
ازهى من الشفق الجميل ورونق المرج الخضير
واجل من هذا الوجود وكل امجاد الدهور
ابدا تدللنا الحياة بكل انواع السرور
وتبث فينا من مراح الكون ما يغوي الوقور
فنسير ننشدلهونا المعبود في كل الامور
ونظل نعبث بالجليل من الوجود وبالحقير:
بالسائل الاعمى وبالمعتوه وبالكبير
بالقطة البيضاء,بالشاة الوديعة,بالحمير
بالعشب,بالفنن المنور,بالسنابل,بالسفير
بالرمل,بالصخر المحطم,بالجداول,بالغدير
واللهو والعبث البريء الحلو مطمحنا الاخير
ونظل نقفز او نثرثر او نغني او ندور
لا نسأم اللهو الجميل وليس يدركنا الفتور
فكأننا نحيا بأعصاب من المرح المثير
وكأننا نمشي باقدام مجنحة تطير
ايام كنا لب هذا الكون والباقي قشور
ايام تفرش سبلنا الدنيا باوراق الزهور
وتمر ايام الحياة بنا كاسراب الطيور
بيضاء لاعبة مغردة مجنحة بنور
وترفرف الافواج فوق رؤوسنا انى نسير
آه توارى فجري القدسي في ليل الدهور
وفنى كما يفنى النشيد الحلو في صمت الاثير
اواه قد ضاعت علي سعادةالقلب الغرير
وبقيت في وادي الحياة الجهم ادأب في المسير
وادوس اشواك الحياة بقلبي الدامي الكسير
وارى الاباطيل الكثيرة والمآتم والشرور
وتصادم الاهواء بالاهواءفي كل الامور
زمذلة الحق الضعيف وعزة الظلم القدير
وارى ابن ادم سائرا في رحلة العمر القصير
مابين أهوال الوجود وتحت اعباء الضمير
متسلقا جبل الحياة الوعر كالشيخ الضرير
دامي الاكف ممزق الاقدام مغبر الشعور
مترنح الخطوات مابين المزالق والصخور
هالته اشباح الظلام وراعه صوت القبور
ودوي اعصار الاسى والموت في تلك الوعور
ماذا جنيت من الحياة ومن تجاريب الدهور
غير الندامة والاسى واليأس والدمع الغزير
هذا حصادي من حقول العالم الرحب الخطير
هذا حصادي كله في يقظة العهد الاخير
قد كنت في زمن الطفولة والسذاجة والطهور
احيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور
لانحفل الدنيا تدور باهلها او لاتدور
واليوم احيا مرهق الاعصاب مشبوب الشعور
متأجج الاحساس احفل بالعظيم وبالحقير
وتمشي علي قلبي الحياة ويزحف الكون الكبير
هذا مصيري يا بني الدنيا فما اشقى المصير
|