كانت متأكدة انه سمع هتافها . لكنه لم يتوقف , بل اكمل سيره مسرعاً , وهو يعبر نفسالطريق الذي اجتازته هي بفرح كبير عند بزوغ الفجر ,وقفت عند الباب تراه يبتعد و الشمس توسطت السماء تلقي بشعاعها الذهبي على الجزر وتضفي عليها لوناً قرمزياً رائعاً .
مضت فترة الصباح كوميض البرق , وها هي ليزا تستعد الآن لمواجهة ما يتوجب عليها القيام به : موعدها مع سارة شيزهولم من أجل القياس الأول للرسوم التي وضعتها هي ونفذتها الخياطه اينا سكوت .
وأتت سارة في الموعد المحدد , وتمنت ليزا لو تغير سارة مرّة طبعاها ولا تأتي على ذكر رحلتها مع فرايزر لامون . لكن أملها خاب بالطبع , فلم يمض وقت طويل على مجئ سارة , حتى بدأت بسرد الأحداث مفصلة طوال جلسة القياس ولمدة ساعة كاملة. حاولت ليزا خلالها ان تتكلم في موضوع آخر , لكن سارة على مايبدو الحت على ذكر الرحلة المدهشة والجو المثير الذي امضته على المركب برفقة فرايزر .
واخيرا خلصت الثوب الآخير , وقالت وهي تتثائب كقطة :
- أهذا كل شئ لهذا اليوم ؟ حسناً ... يبقى لي بعض الوقت لاهرع الى المرفأ يجب ان اتأكد ان المركب مازال هناك .
واتجهت الى الباب بعدما اجرت بعض التعديلات على زينتها وقالت وهي في عجلة من امرها :
- كنت اتمنى ان اعبر البحر للمرة الثانيه .
- ظننت ان الملاحة لاتستهويكِ .
- صحيح . لكنني مستعدة لتحمّل اي شئ من اجل تمضية بعض الوقت برفقة فرايزر . لكنه هذه المرة رفض اصطحابي معه متذرعاً انه لا يحب رفقة النساء على المركب بل يفضل ان الاقيه في المرفأ وانا اشع نضارة وبكامل اناقتي . فوافقت بالطبع , لان استقبال المسافرين امر مثير للغاية فكيف لو كان المسافر فرايزر بالذات ؟
قالت ليزا بلؤم شديد دهشت له :
- من المؤسف حقاً انك لم تتمكني من استقباله ليلة امس عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .
اجابت سارة بدلال :
- يقع اللوم على فرايزر لانه اخبرني بانه سيصل بعد الظهر . في أي حال انا ذاهبة الآن لألقي عليه التحية تعويضاً عن مافاتني في الصباح .
وخرجت سارة وتبعها صمت ثقيل ساد بين ليزا واينا سكوت , وتذكرت ليزا بحزن بالغ كيف ركضت في الصباح الباكر لملاقاة فرايزر على المرفأ , لكنها افسدت هذا اللقاء واثارت بينها وبينه جواً من العدائية , هل هذه طريقة لاستقبال الابطال ؟
وقطعت اينا سكوت حبل تفكيرها قائلة :
- اهذه هي اذن سارة شيزهولم ؟ لايسعني القول انها اثارت فيّ الدهشة .
- انها عارضة ازياء ممتازة .
- بكل تأكيد ممتازة . لكنه تراءى لي انها بالغت في وصف رحلتها مع فرايزر على المركب الى البرتغال .
- اينا ! تعدينني بأنك لن ترددي ماسمعته اليوم من سارة . فالسيد فرايزر لامون يشكو مافيه الكفاية من الاشاعات التي تحاك حوله .
- اطمئني يا آنسة ليزا . لن اتفوه بكلمه . فليس من عادتي ان اردد الأقوال المبالغ فيها .
- اتظنين ان سارة لم تقل الينا الوقائع كما جرت بالضبط ؟
- آنسة ليزا .. لاتقعي ضحية سذاجتك , سارة شيزهولم تعمّدت التشديد على بعض التفاصيل لاثارة غيرتك , وهذا ماتفعله النساء عادة في وضع كهذا . لكن باعتقادي ان فرايزر لامون لم يعاملها بشكل خاص كما تدعي .
وفي طريق العودة , ابحرت ليزا في بحر هائج من الافكار كانت تتجاذبها وتتقاذفها كالأمواج . انهت جلسة عملها مع اينا سكوت واتجهت الى المنزل ورأسها ملئ الصور المتناقضة . هل اينا سكوت على حق ؟
هل تعمدت سارة فعلا اثارة غيرتها ؟ وادركت انها للمرة الأولى تمر بحالة كهذه .. ارهقتها هذه التحاليل .
ان كان في نية سارة حقاً اثارة غيرتها , فهي قد نجحت تماماً . الامر اغاظها بالفعل عندما عرفت ان سارة امضت وقتاً ممتعاً برفقة فرايزر على المركب . ولماذا تنوي سارة اشعال غيرتها , هي ليزا , الفتاة القوية الاكيدة من نفسها ؟ هل تلاقي سارة فيها خصماً ؟ ما الذي دفعها للتفكير على هذا النحو مع العلم انها لم تظهر لسارة يوماً اهتمامها بفرايزر لامون ؟ هل تشكل هي ليزا سميث خطراً على سارة شيزهولم ؟
ما الذي اوحى لسارة بهذه العداوة ؟ هل اكيده انه لم تظهر يوما اعجابها بشخص فرايزر ؟ وبينما هي سابحة في بحر من التفكير لاح لها في البعيد ظل شخصين , فعرفت منهما سارة من شعرها الاشقر ,
لاشك انها برفقة فرايزر , تزور مشغله الجديد .
ابطأت ليزا في سيرها واخذت تتأمل الأزهار اليانعة التي نبتت على حافة الطريق , وهي تحاول ضبط افكارها والسيطرة عليها .اصحيح ان لا شئ يربطها بفرايزر ؟ كيف تفسّر اذن هذا التيار الكهربائي الذي سرى في شرايينها يوم كانت ترافقه في سيارته الى منزل سارة ؟ وكيف تفسر قلقها عليه ليلة العاصفة واندفاعها نحوه عندما رأت المركب في المرفأ ؟ وكيف تفسر جوارها العدائي معه , ولهجته القاسية
معها ؟ اليست هذه طريقة بعض العشاق في الكلام وهي في الواقع تخفي حباً جارفاً ؟
لا!! غير صحيح ! انها ليست مولعة بفرايزر لامون , كيف تحب رجلا مثله ؟ الم ينكر امامها يوماً حبه لزوجته السابقة ؟ووعدت نفسها ان تصارع عواطفها هذه , لانها تدل على تصرف مراهق , غير جدير بشابة مثلها مستقلة وحرة .
وفي اليوم التالي , انهمكت بأمور كثيرة , فارتاحت لانشغالها طوال النهار و لم يسنح لها الوقت للعودة الى تحاليلها و الى طرح الاسئلة حول نفسها وحول علاقتها بفرايزر كما فعلت في الامس .
ها هي اليوم تواجه فجراً جديدا اذ وصلتها برقيه من والدها يخبرها فيها انه قادم الى اردمونت لتمضية فترة نهاية الاسبوع برفقتها .
علقت خالتها على وصول البرقية بطرافة :
- لم يتغير والدكِ ابداً , فهو كعادته يبلغ عن موعد قدومه في آخر لحظة . لهذا السبب يجب ان تغادري اردمونت نهار الجمعة مساء , لتكوني في المطار في الموعد المحدد , اطلبي من ايزابيل ان تحضر لتسهر معي اثناء غيابك .
- لن اتمكن من الذهاب نهار الجمعة مساء , فانا مرتبطة بموعد مع بيار وايت المصور الفوتوغرافي الذي يعمل مع سارة لمصلحة مجلات الموضة . وعدته بالمجئ مع اينا لحضور جلسة التصوير .
- اذا كان الطقس ممطراً فلن تتم جاسة التصوير هذه , في اي حال , ليتدبروا امرهم بانفسهم لمرة واحدة دون مساعدتكِ , لاحظت ان ساندي في المدة الاخيرة بالغ في الإتكال عليكِ .
- اتكاله علىّ لا يزعجني ابداً . تعاوني معه يريحني خاصةً انه يقدّر كثيراً ما اقوم به .
- حسناً .... ارجو الاّ يطمح ساندي من خلال تعاونكِ معه الى وضع أفضل ! .
فسالتها ليزا باستغراب شديد :
- ماذا تقصدين بوضع افضل ؟
- لربما اعتقد ساندي انكِ مغرمة به .
- بالطبع لا .... ما الذي اوحى اليكِ بذلك ؟
- تصرفك في المدة الاخيرة , فانتِ تذكرينني بوالدتكِ عندما التقت بفرانك والدكِ .
الملاحظة الاخيرة التي ابدتها السيدة مود روي اقلقت ليزا , وشعرت باضطراب غريب ينتابها فجأة , فاتجهت الى النافذة لتخفي ازعاجها حيث رأت فرايزر في ورشة العمل يعطي رشاداته للعمال ,
لدى رؤيته اشتعلت وجنتاها وشعرت بنارهما تلهب وجهها , فاخفته بيديها محاولة التخفيف من حرارته .
وتمتمت باستغراب :
- ما الذي بدر مني يشير الى تصرفي الغريب ؟
- ما فعلتهِ الآن بالضبط , قمتِ من مقعدكِ فجأة واتجهتِ الى النافذة دون سبب ظاهر . ثم خروجكِ من المنزل باكراً عند الساعة الخامسة صباحاً , لا تنكري انكِ فعلتِ ذلك . هذه الاشارات تدل على وضع غير طبيعي واحياناً تبدأين الكلام ولا تكملينه ... الا ترين معي ان هذه الدلائل ... هي دلائل الحب ؟
قالت ليزا بصوت خافت وهي تتطئ على النافذة :
- صحيح ان والدتي كانت تتصرف على هذا النحو ؟
- تماماً بالطريقة نفسها ... فانتِ ورثتِ عنها حبك للعطاء دون حدود أما انا فأختلف كثيراً عنكما ....
ارجو ألاّ يستغل ارجل الذي تحبينه هذه الناحية فيكِ .
لمحت ليزا في الخارج جوني يقترب من والده و يدعوه الى السير خارج ورشة العمل ثم ابتعدا على مهل و ليزا تراقبهما من نافذتها , فسألت خالتها بصوتٍ جاف :
- باعتقادكِ ان والدي استغل هذه الناحية في شخصية امي ؟
انها تحب والدها كثيراً ,,, وتربطها به علاقة مميزة ولا تحتمل ان يوجه احدهم النقد اليه ,
فأجابتها خالتها بلهجة لطيفة :
- لم اقصد اتهام والدكِ بأي شئ .... اردت فقط تحذيركِ من صنف الرجال الانانيين .
وفي اليوم التالي ابلغت ليزا ساندي اعتذارها عن حضور جلسة التصوير في منزل سارة شيزهولم ,
فوافق على الذهاب بدلاً عنها قائلاً :
- افعل اي شئ لأجلكِ , السنا شركاء ؟ ومن واجبي ان اتقاسم معكِ واجبات العمل .
- لكننا لم نصبح شركاء بعد .
- بالفعل ! غير انني اتمنى ان تاخذي قراراً في اقرب وقت , تعرفين ان تعاونكِ معي يريحني للغاية , لولا اندفاعكِ وحيويتكِ لما تجرأت على أخذِ المبادرات الشجاعة .
وابتسم ساندي بخجل موحياً لليزا بحاجته الماسة اليها , وشعرت انه يعاني من فقدان الثقة بنفسه ,
فتمنت لو باستطاعتها احياء الشجاعة فيه دائماً .
تابع ساندي حواره معها مشيراً بالحاح الى اهمية حضور ليزا الى جانبه فقال :
- قبل قدومكِ الى اردمونت يا آنسة ليزا , كنت اعيش في جو يائس ,,فقدت الامال بكل شئ بعد فشلي على الصعيد العاطفي و المهني . وانتِ احدثتً تغييراً هاماً جداً في حياتي .
- صحيح .
قالت ليزا بارتباك وهي تسأل نفسها كيف سينتهي حوارها مع ساندي ... وباية طريقة ؟ و كيف ستجد منفذاً للدخول الى موضوع آخر . وكأن السماء استجابت لطلبها فدخلت في هذه اللحظة الخياطة اينا سكوت بخطىً رشيقة وهي تحمل معها ثوباً من قماش التويد ,قالت وهي تعرض الثوب على ساندي و ليزا :
- هذا الثوب جاهز ,احببت ان اعرضه عليكما قبل الآخرين .
ونظرت اينا الى كل من ساندي وليزا نظراتٍ فضولية كأنها شعرت بتوتر الجوّ بينهما , فأجابت ليزا على الفور :
- رائع جداً , سيكون قطعة فنية نادرة على جسم سارة !
- اعدّ الثواني لأرى هذا الثوب على سارة , في اية ساعة علىّ ان اجهز نفسي غداً لموعد جلسة التصوير ؟
شرحت ليزا انها ستضطر للغياب غداً , لكن ساندي سيحل محلها ,ففرحت اينا لهذا الخبر وقالت بانشراح :
- شرف كبير لي ان يرافقني مدير مصنع اقمشة التويد في اردمونت في زيارتي الأولى الى آل شيزهولم , كم انا محظوظة بالفعل !
اغتنمت ليزا فرصة حضور اينا مع ساندي و تسللت خارج الغرفة , شاكرة حظها هي ايضاً لانسحابها في الوقت المناسب , فلقد وفرت عليها اينا حواراً خطيراً ودقيقاً كان قد باشره ساندي لويس .