كاتب الموضوع :
الناظر
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
9- المكتوب...هو المكتوب
تطايرت الالعاب النارية وانفجرت ثم امطرت وابلا من الاضواء الملونة على الوجوه المشرئبة دهشة وكان الشواء محملا في اسياخ تتقلب فوق فحم متأجج بالنار. وكان الاطفال يمرحون وهم ممسكون بالبالونات بينما اخذ بائع متجول يعرض على الجماهير الحلى الصغيرة وقام اخر ببيع الدمى المكسوة بالثياب في حين وقف غراب اسود على كتف غجري وراح يلتقط اوراق الكوتشينة من رف صغير وحينما قرأ الغجري المستقبل لاثنين من الفتيات انفجرتا بالضحك .منتديات ليلاس
وانهمكت رافينا في التطلع الى كل شئ حتى كادت تنسى الم كاحلها كانت ترتدي ثوبا تقليديا جعلها تشعر بأنها مثل هؤلاء الفتيات الضاحكات وكانت ذراع الرجل السردي تحيط بوسطها فانتابها الاضطراب ازاءبالسعادة التي تشبثت بها كما يتشبث هؤلاء الاطفال ببالوناتهم الملونة التي قد تتعرض لشرارة فتنفجر.
سألها مارك:
"هل تأخذين حلية صغيرة او دمية او ترغبين في معرفة المستقبل يمكنك ان تنالي الثلاثة اذا شئت "
قالت مبتسمة:
" الحلى الصغيرة لا تناسبني وعرفت مستقبلي ولكنني اظن انني اريد دمية"
اومأ مارك للبائع للمجئ لأن رافينا سوف تضطر الى ان تمر وسط الجماهير لتصل اليه وعندما وصل اليهما البائع اختارت دمية ترتدي ثوبا قرمزي اللون الصدر مطرز والتنورة مكشكشة وشريط زينة رفيع الثنية.
قال مارك:
" اعطني الدمية ذات الرداء الوردي ايضا "
والتقطها وناولها لرافينا ثم اردف يقول:
" هذه الدية للطفلة الصغيرة ذات العينين الكبيرتين ربما نراها ثانية بمحض الصدفة "
شعرت رافينا بالسعادة لان تجد مارك يتذكر صديقتها الصغيرة التي كانت تجلس معها في العربة. ةاخذت تتأمل الدمى بينما كان مارك يدفع ثمنها.
سألها مارك:
" قلت انك عرفت مستقبلك من اخبرك بحظك؟ "
قالت:
" انها امرأة تعيش في القرية تدعى فيرتيويللا "
" تقولين فيرتيويللا ! آه تلك المرأة التي هجرها ابنها ماركو راعي الغنم ابن الثمانية عشر ربيعا الذي ضجر من حياته وانضم الى عصابة قطاع الطرق بغية رغد العيش "
" الا تستطيع فعل شئ لمساعدته ؟ ان امه امرأة طيبة تعمل بجد وقلقة على ابنها "
" يجب ان يترك ماركو العصابة قبل ان يمد المرء يده لمساعدته ويتكفل بأمره. ان المشكلة يا رافينا تكمن في اننا نجد الناس غير مستعدين دائما للعطاء عندما نطلب منهم بذل جهودهم. حاولت في اليوم الاخر ان اشرح السبب....ولكن....انظري....هاهي ذي الطفلة الصغيرة ذات الشريط المعقود في شعرها "
كانت الطفلة تجلس مع عدد كبير من الاطفال امام مسرح العرائس تحدق
باهتمام فيما تؤديه الدمى.
تمتم مارك قائلا:
" الاطفال يحبون مشاهدة مسرح العرائس "
واحست رافينا بالحزن يشوب صوته وحدست انه كان يقف هنا مع ابنه منذ سنتين وكان يضحك مثل هؤلاء الاطفال الضاحكين وعيناه تتألقان بمثل الصدق والسعادة اللتين تنبعثان من عيون الاطفال .
قال مارك:
" اعطها الدمية "
واشاح بوجهه الذي اضاءته شعلة من عود الثقاب الذي اشعل به سكارته وارخى الدخان ستاره فوق التغيير الذي بدا في عينيه وهما يبارحان سويا بعيدا عن صوت ضحكات الصغار.
اقبل الليل...وبعد الانتهاء من مشاهدة الالعاب النارية جلس الناس جماعات والتفت كل جماعة حول النار التي اضرمت في الهواء الطلق وراحوا يتناولون شرائح اللحم المشوي وقطع الخبز واديرت اكواب الشراب بينما راح المنشدون ينشدون اغاني سردينيا القديمة على الات الماندولين.
كان مذاق الطعام طيبا وكان كتف الرجل مكانا مريحا كي تريح رأسها بينما تلاعبت السنة اللهب فألقت ظلالها على الوجوه التي بدت عليها القوة والجمال والوقار. عكس شعر رافينا تألق النار وتلألأت عيناها بخضرتهما
وهي تستمع الى اغنية سردينيا تروي قصة حب راعي غنم وسرها ان تدرك معنى الكلمات التي تتردد بالهجة المحلية وكانت تقول: الحياة تجعلني اصرخ..واضحك..واتنهد. احبها كلها..اما انت فأحبك اكثر من اي شئ اخر!
ودفعها شئ مبهم الى التطلع لمارك. بينما كانت الموسيقى والكلمات تخفت تدريجيا وظنت انها ترى ومضة حنان في عينيه وسرعان ما ادركت السبب اذ دخل فجأة قوام نحيل الى دائرة ضوء القمر لها شعر اسود, حافية القدمين تمسك بيدها دفا صغيرا. انها فتاة المطعم التي راحت تبتسم وهي تدور بين الناس ثم خطت خطوات سريعة حتى تطايرت تنورتها الحمراء في الهواء وتوقفت امام مارك وزوجته وشوهدت ابتسامة على شفتيها يشوبها اليأس ثم قالت:
" بادرون؟ ! "
كانت كلماتها تحمل نبرة التوسل وتشبثت نظراته بعينيها ثم بدأت من جديد ترقص رقصة الدف. توترت رافينا وهي جالسة الى جوار مارك خلال
الرقصة وودت ان تلوذ بالفرار ولكن كيف لها السبيل وكاحلها يعوقها عن السير وسوف تبدو كبرياؤها مهانة اذا هي فرت من فتاة ترقص لزوجها وحده.
رأت رافينا ان الرقصة لن تنتهي واصبح فوق احتمالهل ان تجلس هكذا الى جوار مارك وشعرها يحك ذقنه ودفء كتفه ينفذ خلال بلوزتها الحريرية.
وكانت رعشة الدفء وظلال الفتاة تطوف بكل مكان في دائرة ضوء النار واخيرا غربت الفتاة ولكن ظلها بقي في المكان فأشاع سحابة من الكآبة على رافينا ولم تستطع الفكاك من اسرها.
بدأ الناس يتثائبون واخذوا يسعون للنوم اما في خيامهم او في عرباتهم وتبادلوا القبلات وهم يرددون التهنأة بالعيد السعيد. شعرت رافينا بيد مارك فوق كتفها ونظرت اليه بوحشية عندما جذبها الى صدره ولكنها سحبت نفسها دون ان تبادله قبلته.
قال بنبرة باردة:
" انها عادة ان يتبادل الناس القبلات في العيد الم يدخل المهرجان السعادة الى قلبك؟ "
قالت:
" انا...انا امضيت وقتا طيبا "
ابتسم ساخرا وقال:
" وقت طيب؟ متى تتعلمين ان تكوني منا وتشعرين بالعاطفة نحو شئ ما؟ تبدو عليك القسوة حتى يباغ بك الامر ان تنتزعي الاقراط من اذنيك. هل تدعين فتاة اخرى تسرق منك حبيبك؟ "
قالت ببرود:
" انا لا اضع اقراطا في اذني ومرحبا بالفتاة التي تستطيع ان تسرقك "
وحاولت ان تفلت منه ولكن الم كاحلها افسد عليها المحاولة وكادت ان تتهاوى ولم تجد امامها الا ان تستعين بساعدة مارك في التوجه الى خيمتهما. كانت ليلة مخملية يتألق فيها ضوء النجوم وكانت رافينا قد اعتادت في رحلاتها المدرسية ان تنام في المخيمات التي تقام في الهواء الطلق اما الليلة فان الامر مختلف تماما انها تسمع صوت الريح تشدو اناشيدها عبر الاشجار التي تكسو الجبال وعندما تخلد الى النوم فنها سوف تشارك مارك التدفئة ببطانية من جلد الغنم لتواجه برودة هواء الجبل.
قال مارك:
" الرباط يجب ان يخفف قليلا حول كاحلك. اجلسي على هذه الشجرة المتهاوية وسأفعل ذلك بنفسي "
وكان مستحيلا على رافينا مناقشة مارك وامتثلت لطلبه وشعرت بقوة لمسة اصابعه وهو يحل الرباط الحريري ويعيد تثبيته خفيفا حول كاحلها حتى لا تشعر بالخدر اثناء نومها .
" هل الرباط مريح؟ "
" اجل شكرا لك "
وقف ثم استدار بظهره الى شجرة وقال:
" قلت شيئا قبل اصابة كاحلك ولكنني نسيته حتى الان. لقد اشرت الى فتاة..."
قالت:
" ليس الوقت او المكان مناسبين لمناقشة الموضوع انا متعبة جدا ويوجد هناك اناس بالقرب منا "
" بالطبع ولكن اجيبي فقط على سؤالي يا رافينا هل تظنين انني على علاقة بامرأة اخرى؟ "
وقع عليها السؤال واقعا مفاجئا قاسيا فقالت:
" اذا كنت تبغي امرأة اخرى فمن الخير ان تدعني ارحل "
ووقفت على قدميها لمواجهته واردفت تقول:
" لا تحتفظ بي معك يا مارك. انت تعلم بانتفاء السعادة بيننا وحياتنا تسير هكذا "
منتديات ليلاس
واستدارت لتبتعد عنه وترقد فوق السجادة وودت لو تخلد للنوم قبل ان يلحق بها ولكنها سمعت وقع اقدامه تقترب منها وتوتر جسمها عندما نام الى جوارها وانتظرت الى ان يلف ذراعه حولها كعادته الا انه رقد بعيدا عنها .
استيقظا مبكرين في الصباح وطويا فراشهما وغادرا المكان متجهين الى منزل السرو وبدت لهما الجبال خالية من الناس ولم يبق احد سواهما وخيل لهما ان هذا الحدث لن يتكرر ثانية وحدثت نفسها قائلة : انني لا اشعر انني انبض بالحياة او انني امرأة بصحبة رجل كما اشعر الان. مارك...اوه لو استطيع ان اعرف حقيقة قلبك...كما اعرف شكل وجهك .
وصلا البيت قبل الظهر وكانت رافينا سعيدة ان تدخل غرفتها وتغسل جسمها وترتدي ثيابا خفيفة فضفاضة وتناولت الطعام وحدها وامظت فترة بعد الظهر وحيدة وشعرت ان مارك نأى بعيدا عنها لأن لديه شيئا على
جانب من الاهمية يخص مستقبلها يريد ان يفضي به اليها. واستبدلت ثوبا حريريا بثوبها وهبطت درجات السلم لتنتظر مارك في غرفة الاستقبال حيث كانت تلتمس الهدوء لقلبها....وعقلها !. اخيرا جاء مارك وبدا لها رجلا مختلفا وهو في بدلته الرمادية. كان صارما طويلا متحفظا وليس في صورة السردي الذي حملها فوق جواده لمشاهدة الاحتفال بالعيد. واستقرت عيناه على قدميها التين استراحتا على مقعد مستدير صغير وقال:
" كيف حال كاحلك؟ "
" يؤلمني. ولكنني سأعيش. الا تجلس يا مارك..انت تثيريني بقوامك الفارع وهو يطل علي "
غاص مارك في احد المقاعد الوثيرة وراح يبحث عن صندوق لفائفه وسألها:
" هل يمكنني التدخين؟ "
قالت:
" طبعا يمكنك التدخين انت تعرف انني احب رائحة الدخان "
قال
" رافينا..."
ردد اسمها وشعرت ان ما سيقوله مارك سوف يحدد مصير مستقبلها وحتى هذه اللحظة كان قلبه لا يلين امام اي شئ كان صارما عندما قال لها ستتزوجينني وستتعلمين كيف تعيشين مع وجهي هذا .
استقرت عيناها على وجهه وكان غريبا ان تشعر بأن ندوبه لم تعد تثيرها كثيرا. الأنه لم يتعود ان يطأطئ رأسه ليخفيها عن الناس واحست انها توارت عن بصرها واصبح ما يعنيها منه قوته وسحر عينيه.
سألته:
" ما الامر يا مارك؟ "
وتقلصت يدها وفكرت في الكلمات التي تفوهت بها وهما فوق الجبل حينما قالت له ان السعادة الحقيقية لن تعرف مكانها بينهما .
قال بصوت حاسم المخارج قاطع النبرات :
" سأغيب عن البيت اسبوعا لن اخبرك بالسبب او المكان الذي سأتوجه اليه ولكن عندما اعود ستكون لدينا امور يجب مناقشتها وحقائق يجب ان نواجهها "
برزت عيناها وسألته:
" الا نستطيع مناقشتها الان...هل يجب علي الانتظار اسبوعا اخر؟ "
نهض مارك واقفا على قدميه وقال:
" اجل...لقد طلبت منك الشئ الكثير يا رافينا والان اطلب منك الصبر "
" تطلب مني الصبر يا مارك؟ ان امضي اسبوعا كله انتظار وتساؤل بينما تذهب انت اينما تشاء هل هي رحلة عمل ايضا؟ "
قال مترددا:
" ليس تماما "
" هل لها علاقة بتلك الفتاة صاحبة الشعر الاسود التي رقصت لك ليلة امس؟"
توهجت عيناها لتلتقيا بعينيها وقال:
" رقصت لي؟ هل تظنين.... ؟ "
شعرت رافينا بالبرود يكتنفها واستجمعت شجاعتها وقالت له:
" انني اعرف انك تورطت في علاقتك مع هذه الفتاة ومن اجلها تتغيب كثيرا عن البيت. اسمعني يا مارك ليس من المحتم ان انتظر اسبوعا اخر نناقش فيه امر مستقبنا يمكننا مناقشته الان. اذا اصررت على الذهاب فلا تتوقع ان تجدني هنا حينما تعود "
بدا التجهم على وجهه وتقدم نحوها وقال:
" بل يجب ان تكوني هنا. انني اصر ان تعديني بالبقاء حتى اعود "
وارتجف صوتها وسألته:
" لماذا تصر على وعدي؟ دونا جوكاستا تستطيع ان تحتجزني في غرفتي "
برزت الندوب جلية في وجهه وهو يقول:
" لا تكوني طفلة. كل ما اطلبه هو ثقتك لمدة اسبوع واحد فقط. هل يمكنك ان تمنحيني اياها على الاقل؟ "
قالت مترددة:
" على الاقل؟ ظننت اني اعطيتك كل شئ طلبته مني...اني اسفه...كل شئ تراه يعد قليلا في نظرك في الوقت الذي يعني عندي المزيد من الالم. انني اعاني من الشقاء وانا بعيدة عن وطني وانت تأتي بي الى هنا الى بيت الاشباح والذكريات. هل تظن انني امضيت يوما سعيدا هنا؟ هل تظن انني اكترث كثيرا في ان تفضي الي الان او بعد اسبوع بأن لعبة التأثر انتهت ؟ "
نهضت واقفة وراحت تجيل طرفها فيه فلم تأبه لقوته اذا ما قورنت بنحالة اقدامها فقال لها:
" اجل ان لعبة التأثير انتهت. هناك بعض الكلمات التي لم تقل بعد ولكن بحق الشيطان لن اتفوه بها الان. لا اظن انني لا استطيع ان اقولها "
وتنحى جانبا فبدت صورته الجانبية باردة متكبره ثم قال:
" كم اود ان اجعل تفهمين بأن هذه الحالة هامة وغير هامة في الوقت نفسه وعلي ان اذهب لانني وعدت بالذهاب...الا يمكنك ان تعديني ؟ "
قالت ببرود:
" لا...لا يا مارك "
هز كتفيه العريضين باستخفاف وقال:
" المكتوب هو المكتوب "
حملقت رافينا فيه وهو يغادر غرفة الجلوس وقد تجمدت كلماته (المكتوب هو المكتوب) على شفتيها واحست ان الرباط الضاغط الملفوف حول كاحلها قيودا تغل حركتها ان المكتوب هو المكتوب ولن تستطيع ان تفعل شيئا لتغيير مجرى الاحداث. ووقفت مكبلة بالكبرياء والدموع تنهمر على وجنتيها وتركته يذهب الى الفتاة الاخرى .
* * * * * *
لانونا لابد ان تكون راودها الشك في حدوث صدع في علاقة حفيدها بزوجته ولكنها لم تشر الى رحيله المفاجئ من المنزل عندما التقت بها في صالونها هذا المساء وانما تحدثت عن تلك الايام التي امضتها في الجزيرة وتفحصت رافينا ببصرها مليا وهي جالسة على السجادة بجوار المدفأة وقالت لها:
" يمكنك ان تعتبري نفسك امرأة يوم ان تفهمي السردي. انت تجلسين تماما كما جلست في تلك الليلة الاولى التي اتيت فيها كنت طفلة ورحت اتطلع الى شعرك في ضوء النار وقلت لنفسي: أه...هذه الفتاة ذات الشعر الاحمر والعينين الخضراوين ستتسبب في اثارة متاعب كثيرة.
قالت رافينا:
" كنت تريدين فتاة مطيعة سهلة الانقياد! "
قالت الجده:
" اريد السعادة فقط لماركوس بعد طول الحزن بعد ظننت ان الحزن سوف يقضي عليه او سيقوده الى الجنون...اخبريني يا رافينا متى تفضين له بوجود جنين في احشائك؟ "
نظرت رافينا اليها وودت ان تنكر ما حدسته لانونا ولكنها اصدمت بالامنية الدفينة التي تتراقص في عينيها فوجدت انه من الحماقة الانكار فقد رأت لانونا الكثير من هذه النيا وتشعر بما يتمناه مارك. نزلت الدموع فجأة من عيني رافينا وقالت:
" وماذا يهم في الامر؟ كنت محقة من البداية يا لانونا قلت لابد للانسان ان يتزوج من قريته...وانا راحلة "
قالت وهي مصدومة:
" لا تستطيعين هناك طفل...ربما يكون ابنا لماركوس "
" لا يهمني...انني ماجئت الى هنا لاقدم الى مارك ما يريد مني دون اي اعتبار لمشاعري ان احاسيسي لم تعد تعنيني فهو واقع في غرام فتاة اخرى"
اقتربت لانونا من رافينا ولمست دموعها التي انحدرت على وجنتيها وكأنها اعتادت ان تؤمن بما تشعر به. قالت:
" ما هذا الذي تقولينه؟ كيف تكون فتاة اخرى؟ ماركوس تزوجك انت "
اطلقت رافينا ضحكة مريرة وقالت:
" ولكنه يأسف الان على هذا الزواج. زواجنا انتهى يا لانونا وانا راحلة "
قالت الجدة:
" هنا بيتك. كل اطفال دي كورزيو ولدوا في منزل السرد وهنا سيولد طفلك"
قالت:
" سيولد طفلي في رافنهول "
ووقفت على قدميها واستطردت تقول:
" الا تعلمين ان مرك يمضي هذه الليلة بصحبة امرأة اخرى؟ انها من بنات الجزيرة لها شعر اسود مثل دوناتا ربما يجد لديها كل ما فقده "
" انه طفل...كوني عاقلة "
" كنت عاقلة اكثر من اي انسان اخر ولكنني لا استطيع ان اتمسك بالتعقل تجاه علاقة مارك بفتاة "
وبدت لانونا فجأة امرأة عجوز طاعنة في السن بالغة الاعياء وقالت:
" لا توجد اي علاقة على الاطلاق. زوجك يا طفلتي ذهب للبحث عن
ماركو كريستي. وهذا معناه ان يذهب الى الجبل حيث يختفي قطاع الطرق. لم يرغب مارك في ان تعرفي بالامر وانما افضى به الي وطلب مني ان اكتم السر. انهم رجال خارجون عن القانون وقد توسلت له الفتاة ان يبحث عن فتاها. وقال انه سيسرك اذا استطاع ان يقنع ابن فيرتيويللا بالعودة الى امه ويسلك حياة شريفة "
شيئا.. فشيئا.. اخذت الكلمات تخترق قلب رافينا وسألت:
" لماذا لم يخبرني؟ لماذا احتفظ بالسر؟ "
قالت الجدة:
" ربما ظن انك ستقلقين عليه او ربما خشي ان لا تسمحين له بالذهاب "
واخذت يدها تهتز واومأت لرافينا قائلة:
" الا تسكبين لي كأسا من الشراب يا طفلتي؟ اشعر في انني بحاجة اليه. ومن طلعة وجهك ارى انك يجب ان تشاركيني باحتساء كأس سوف يساعدك على النوم " .
وبعد مضي يومين سمعت طرقة على باب غرفة نومها ففتحته ورأت رينزو امامها ومعه رسالة لها وصلت لتوها وشاهدت طوابع انجليزية على ركن الظرف وبدا عليه خط رودري في غير تناسق.
سألها رينزو وعلى وجهه علامات قلق واضح:
" هل تريد سيدتي فنجانمن القهوة؟ "
" اجل احضره لي في غرفة الجلوس سأقرأ الرسالة هناك "
وقفت في غرفة الجلوس فترة طويلة تحاول فض الرسالة ولكن اصابعها لم تطاوعها على فتحها وكانت تخشى ان تحوي في طياتها انباء سيئة. ولكنها تحاملت على نفسها في النهاية وفتحت الرسالة بأصابع باردة ومتوترة.
كتب رودري لها يخبرها بعودته الى استراليا واقنع اباه بالذهاب معه وانهم سيستقلون الباخرة واخبره الطبيب بأن الرحلة البحرية سوف تفيد جاردي وحيث ان رافينا تزوجت واستقر بها المقام فيسردينيا فلا يوجد اي مبرر للابقاء على رافنهول فأعلنوا عن بيعه.
جلست رافينا على مقعد لانها شعرت بوهن يسري في اوصالها .
انها لا تصدق ان جاردي يبيع رافنهول وسوف يذهب مع رودري الى نيوساوث ويلز انه مكان بعيد يصعب عليها بلوغه وشعرت ان اقرب الناس هجروها.
وتذكرت طفلها! قالت منذ ليال قليلة مضت انه سيولد في رافنهول لكن البيت الذيامضت فيه طفولتها سيصبح ملكا لانسان غريب واحست برغبة
في البكاء فلم يعد هناك اي شئ تتعلق به لا جاردي ولا بيت ولا احد يمكن ان تركن اليه وعندئذ سمعت اقدام تقترب منها وتقول:
" ان فنجان من القهوة افضل من لا شئ "
وتطلعت ببصرها لتأخذ الفنجان فوجدت انسان طويلا يقف عند الباب وبدا عليه الاجهاد وفي نظراته علامات الفضول فصرخت قائلة:
" مارك!!!"
فقال مبتسما :
" ظننت انك رحلت "
قالت:
" لانونا اخبرتني بسبب ذهابك للجبل "
عقد مارك ما بين حاجبيه وكسا التراب حذاءه ورأت مزقا في قميصه.
قال:
" لا تقولي انك كنت قلقة علي؟ "
سألته وهي تمزق رسالة رودري قطعا صغيرة:
" هل وجدت ابن فيرتيويللا؟ هل تحدثت معه؟ "
" اجل كان في حاجة الى من يقو له [ انت فتى احمق] وان امه وفتاته في انتظار عودته الى البيت ليمنحاه حبهما هذا الحب الذي لا يستطيع ان يطلبه او يستدينه او يسرقه. انني احسده "
ورفعت رافينا عينيها عن الرسالة الممزقة وتطلعت الى مارك وقالت:
" الا من الفتاة التي تحبه؟ "
" اجل على الرغم من الاذى الذي اصابها منه فانها تحبه....انت تمزقين هذه الرسالة يا رافينا"
نظرت الى قطع الرسالة في دهشة وقالت:
" انها رسالة من رودري "
انتصب مارك واقفا وقال:
" برينين؟ وتمزقين رسالته؟ لماذا؟ "
" انا...انا لم الحظ ابدا انه سيذهب الى استراليا مرة اخرى وبصحبته جاردي...لقد باعوا رافنهول "
" اذن لن يكون امامك اي مكان تهربين اليه؟ "
" اوه مارك"
ووضعت وجهها بين يديها لانه لا يشعر بما تشعر وتمنت...ولكن تمنت ماذا؟ وسرت رعشة في اوصالها عندما خطا نحوها ولمست يداه كتفيها. سألها:
هل تريدين الذهاب الى استراليا ؟"
شعرت بقربه الى جوارها وادركت تماما ماذا تريد..انها تريده هو...هو فقط.
هزت انفاسه شعرها وسألها:
" رافينا هل تريدين ان احررك مني؟ "
تطلعت اليه وادركت انها لن تتحرر منه ولن تهرب من الحب اذا نبض القلب به. وفي هذه اللحظة شعرت انها لا تستطيع ان تختار حريتها كما انها لم تعد تقوى على العيش معه دون حبه. سألته:
" هل ستدعني ارحل؟ "
" لن ادفعك الى البقاء. هذا اذا لم تكوني راغبة في ذلك "
ولاول مرة رفع مارك يده ليغطي وجنته المشوهة وقد بدت سحب الالم في عينيه واستطرد يقول:
" كيف لي ان اسألك ان تحبيني كيف لي ان اطمع في قدرتك على الاحتمال؟ انني لا املك حديقة ورد اقدمها لك. وكل ما املكه منزل اشباح وذكريات "
واستعد ليغادر الغرفة عندما استوعبت فجأة كل ما قاله لها فقفزت واقفة على قدميها وصرخت تنادي اسمه:
" مارك..مارك..لا تذهب حبيبي! "
فوقف ساكنا تماما رأسه شامخ بالكبرياء ولم يستطع ان يلتفت ليتطلع اليها فأسرعت وشخصت ببصرها اليه وقالت برقة:
" انني لا اكره قبلاتك او ندوبك "
واشرأبت بجسمها وجذبت رأسه اليها وكانت شفتاها ناعمتان وهي تطبع قبلة على وجنته التي تكسوها الندوب واردفت تقول:
" ان الحب اعمق من الندوب الغائرة يا مارك "
سألها والشك في نظراته:
" كم يطول هذا الحب؟ "
اشارت باصابعها الى المزق في قميصه وقالت:
" لا اعلم...ولكنني كنت دائما اشعر انني احبك "
" كنت تكنين لي الكراهية "
امسك بيدها وشعرت بنبض قلبه واردف يقول:
" انت تزوجتني وانت تعرفين بأنني لن اقوى على الحاق الاذى بصديقك الغالي رودري انك توجهت الى مقابلته يوم زفافنا
قاطعته قائله:
" جاردي كان مريضا وكنت خائفة من نتيجة ما سيحدث لو ان رودري افضى له بحادث السيارة. كان رودري يريد ان يعترف لابيه واستغرق الامر مني فترة لكي يعدل عن اصراره على الاقرار بجريمته "
" كان اعترافه سيحررك من اي التزام نحوي الم تراودك الرغبة في ان تكوني حرة؟ "
جذبها وهو يتحدث اليها فوضعت ذراعيها حول عنقه ونظرت الى عينيه و في خجل ضغطت وجهها على صدره وقالت:
" لم اكن اعرف حقا ما اريد حينئذ ولكنني الان اعرف ما اريد. انني اريد ان اسعدك يا مارك سعادة تفوق ما قدمته لك دوناتا "
التفت يداها حول وسطها وندت زفره من فمه وقال:
" تزوجت دوناتا لارضي اسرتي ولكني تزوجتك لارضي نفسي. كنت على استعداد لان ازيح من الوجود اي انسان يعترض طريقي باستطاعتك القول انه الحب من اول نظرة. كنت اطالبك بدفع الثمن للطريقة التي فقدت بها ابني درستي اما الان فلا اتصور انك تقدمين لي حبي "
وقفت رافينا على اطراف اصابع قدميها وهمست في اذنه بسر معين ومضى وقت طويل قبل ان يعود كل واحد منهما الى الحديث.
وسرعان ما غابت الظلال من منزل السرو وترددت ضحكات طفل في ارجائه وراحت رافينا تراقب بحب زوجها وهو يرفع ابنهما الى كتفه وينظر اليها بعينين تتألقان حبا ولسان حالهما يردد:
" المكتوب...هو المكتوب "
***تمت بحمد الله***
|