كاتب الموضوع :
ارادة الحياة
المنتدى :
القصص المكتمله
(( الفصل السابع والأربعون))
<<< بعد يومين
على مائدة الغداء ... تحلقوا جميعا حول الطاولة ... لمح مشعل شرود أنوار ... كانت تمسك بالملعقة ... لكنها في عالم آخر ... مشعل لم يكن راضيا عن طريقة معالجتهم لهذا الأمر ... لكنه ظل صامتا حتى الآن احتراما لرأي أمه :
_ ناصر أمس رجع من السفر ...
التفتت نحوه بسرعة ... وعرفت الدموع الطريق إلى عينيها بشكل أكثر سرعة ... تركت الملعقة ... وتركت المائدة كلها ... وانصرفت ... التفتت بدرية نحوه بحنق :
_ ليش تقول لها ؟
لكنه مشعل ظل صامتا ... علقت دلال :
_ مصيرها تعرف أنه رجع ...
قذفت بدرية الملعقة ... ونهضت غاضبة ... وظلت الأم صامتة ... وفي غرفتها ظلت أنوار حائرة ... " اتصل عليه ؟... لا ... بس قلبي يعورني ... ومو متحملة ... شفيك يا أنوار ... إذا هو هنتي عليه ... ليش هو ما يهون عليك ... يا ربي ... يا ربي من هالقلب ... ليش ما يطاوعني ... " ...
كان ممددا على سريره ... يحتضن وسادتها التي لطالما احتضنت عبير أنفاسها ... يتذكر هذه الأرجاء التي لطالما كانت تتراقص معها وحولها ... آلمه ألا يجدها تستقبله ... بكل تلك الكلمات التافهه ... بذلك الوجه الطفولي الذي يعشقه ... بكل تلك الحركات الغبية ... وتلك الابتسامة المشعة ... كان ناصر ينتحب :
يــا (رفيق العمر) ما أصدق ... نسيت ؟!
خابرك مهما تعذبني ... حنــــون !!
لا ذكرت أيامك الحلوة ... بكيـــت !!
ما تهون أيام ودك ... ما تهـــون !!
راحتي وياك لا منك ... صفــــيت !!
في ثواني كلها ... بـــوح وشـــجون !! <<< حبيبة عمري
رمى ناصر الجوال ... وأحس بأنه حتى قد فقد القدرة على البكاء ... اقتربت منه أمه بمهل :
_ يا يمه ... (وجلست بجانبه) ... لا تعذب نفسك ... (ووضعت يدا على صدره) ...
ابتلع غصته وحدق في السقف :
_ من أخذ أغراضها ؟
_ أمها وبدرية ...
وانتحب :
_ ليش ؟... ليش ؟... أنا للحين ما طلقتها ...
_ يا يمه خلاص ... أنت اللي قررت ما يصير تعلق البنت معاك ...
_ مو قادر يا يمه ... صدقيني مو قادر ... أحس إني قاعد أقطع قلبي ...
_ كلمها ... يمكن البنت لها رأي ثاني ...
لكن ناصر انقلب على جنبه ... وظل ينتحب بكل هدوء .
<<< بيت أحمد
طرقت باب غرفته :
_ تعالي حصة ...
ودخلت ... مدت يدا مرتجفة :
_ البندول ...
_ مشكــــورة ...
ومد يده يتناوله منها ... انتبه لشرخ كبير في ساعدها ... أمسك بيدها .. ونظر نحوها :
_ شنو هذا ؟
سحبت يدها بسرعة :
_ ولا شي ...
_ والجرح هذا ...
_ الخدامة اجرحتني بالسكين ... وهي ما تدري ...
تناول البندول ... وشرب بعده كأس ماء :
_ مرة ثانية ... انتبهي ...
هزت رأسها بالموافقة :
_ وين شوق ؟
_ جاء فهد وأخذاها ...
_ طيب ... (وتمدد على السرير) ... اطلعي برا وطفي النور معاك ...
ونفذت ما أمرها به بكل هدوء .
<<< بيت ماجد
_ يا الله حي من جانا ... شلونك يا عهود ؟
وجلست وبيدها صينية القهوة والحلويات ... وأجابت عهود الهادئة :
_ الحمد الله بخير ...
وسكبت فناجنا لعمتها شريفة :
_ شلونك عمة ؟... من زمان ما جيتي عندي ...
_ وش أسوي بعد ... هالدلوعة من سافرت بشاير وهي متأزمة ... اليوم غصبتها تجي عندك وتستانس ...
_ الله يرجعهم بالسلامة إن شاء الله ...
_ آآآمين ... إلا شلون حمودي ... ؟
_ أسنانه تبي تطلع ... ومأذيني بكي وسخونة وحالته حالة ...
_ ههههههههه ... الله يعينه ويعينك ...
_ إلا صج مبارك وين راح ؟
_ الظاهر شاف عهود واستحى ... شغل سيارته وراح ...
التفتت عهود نحو عمتها :
_ شفتي يا عمة قلت لك ... أحرجنا الولد ...
ضحكت منال :
_ ههههههههههه ... لا أحرجتيه ولا شي ... خليه يرتاح ويريح عيونه كله مقابل هالكمبيوتر ...
سألت العمة بحيادية :
_ إلا صج ... ما لك نية ترجعين بيت أبوك ...
_ وليش أرجع بيت أبوي ؟
وضعت العمة فنجانها على الطاولة ... وتكلمت بحزم :
_ اسمعيني منولة ... الحق حق ... والأصول أصول ... قعدتك بهالبيت لحالك ما لها لزمة ...
_ بس أنا مو قاعدة لحالي ... مبارك جاء وسكن عندي ...
_ منال ... ترى أبوك ساكت على وضعك ... علشان نفسيتك بس ...
ارتعبت من كلامها :
_ ليش أبوي قال لك شي ؟
_ ما قال ... بس لا تنطرين لما يقول لك ... لأنه راح يقول لك كلام يضايقك ...
حاولت تغيير الموضوع :
_ أروح أشوف الخدامة وش تسوي ...
<<< مزرعة نايف
خرج نايف منذ الصباح لا تعلم إلى أين ... اتجهت نحو المكتبة التي أصبحت مقرها الدائم ... وظلت ساعات طويلة تقرأ في هذه الكتب المشوقة ... لفت نظرها كتاب غريب ... (البحث عن الحقيقة الكبرى) ... قلبت محتوياته ... " غريبة ... نايف ما يقرأ كتب جدلية ... وش دراني أنا "... انتبهت لشيء سقط من الكتاب وحط على الأرض ... كانت صورة ... قلبتها فدهشت ... صورة شابة ... شقراء ... ذات عينان متدفقتان بالحب ... وصاحبة ابتسامة رائعة ... مكتوب على ظهرها بخط فاتن :
حاولت أسأل : ما الأنوثة ؟
ثم عدت عن السؤال ...
فأهم شيء في الأنوثة ...
أنها ... ليست تقال ...
إلى حبيبتي <<< وموقعة بالحرف N
استغربت بشاير ... " معقولة ... نايف يحب ؟.. ليش كل يوم اكتشف فيه شي جديد ... "...
<<< غرفة فهد
كانت بدرية تعمل جاهدة لترتيب غرفة هذا الشاب الفوضوي ... اتجهت نحو طاولة المكتب وهي تتأفف ... ينتظرها عمل كثير :
_ عمـــــــــــــــــــــة ... (واستنجدت شوق التي كانت تحمل علبة كبيرة لترفعها عن الارض) ...
اتجهت نحوها بدرية :
_ لا تشلين هذا ... اذا تبين تساعديني ... جمعي كل الورق اللي في الأرض وارميه في الزبالة ....
_ زين ... (وعملت الطفلة جاهدة) ... عمــــة ... انام هنا اليوم ؟
_ لا ... روحي نامي في بيتكم ... بابا ما يرضى ...
_ بابا مو حلو ...
وضعت بدرية يدا على خصرها :
_ لا يا الخايسة ... الحين كل هالغلا والدلال وبالأخير بابا مو حلو ...
_ حرام ... حصة تبكي ... (وأشارت لسقوط الدموع بأسى) ...
استغربت بدرية ... تقدمت ونزلت لمستوى الطفلة :
_ حصة تبكي ؟... ليش ؟... (هزت الطفلة كتفيها) ... بابا يهاوشها ؟ ... (وهزت رأسها بالنفي) ... يضربها ؟... (هزت رأسها بالنفي أيضا) ... ليش تبكي أجل ؟
_ ما أدري ... كل يوم بالغرفة تبكي ...
_ وبابا شنو يقول ؟
ضحكت بسخرية :
_ بابا ما يروح غرفة حصة ...
دهشت بدرية :
_ ليش بابا وين ينام ؟
_ بالغرفة ...
_ ومنو ينام عنده ؟
_ أنا ...
_ وحصة ؟
ملت من عمتها ونهضت ... متأففة ... وخرجت من الغرفة كلها ... ظلت بدرية تفكر باستغراب ... " معقولة اللي تقوله شوق ؟.. بدر !... مستحيل ... بدر ما يتعامل بهالطريقة ... على الأقل قدام شوق ... لا حول الله ... يمكن علشان كذا حصة متغيرة ... أنا لازم أشوف الموضوع ... بدر ما يتعامل كذا من فراغ "...
<<< مزرعة نايف
خرجت من المكتبة ... انتبهت إلى أنه يصعد السلم قادما من القبو ... وتعلو وجهه ابتسامة :
_ قــــوة ... (وقبل خدها) ...
_ هلا ... متى جيت ؟
وضع يدا على خصرها ... وسارا معا :
_ قبل شوي ... ليش اشتقت لي ؟
_ ههههههههههههه ... واثق ...
_ هههههههههههههههه ... يحق لي ... إلا صج ... تعشيتي ولا بعد ؟
هزت كتفيها :
_ مو مشتهية ...
_ هههههههههههه ... وشو اللي مو مشتهية ؟... تبين ترجعين لأمك وتقول لي موتها جوع يا نايف ... امشي امشي بس ... العني ابليس الرشاقة وخلينا نتعشى ...
<<< الاستراحة
_ الســـــــــــلام عليكم ... (وجلس منهكا على الاريكة وهو يعيد رأسه إلى الوراء ويغمض عينيه) ...
راقبه أحمد وهو جالس بتعب على الأريكة الأخرى :
_ وعليكم السلام ... ترى إذا جاي ترجعني الرياض مو راجع ...
أجاب وهو لا يزال يغمض عيناه :
_ لا تخاف ... حتى أنا اليوم أبي اتمطح عندك ...
ضحك أحمد بسخرية وهو يرتشف زجاجته :
_ ههههههههههههههههه ... وش عندك ؟
_ آآآآآآآآآآآآآآآآآآخ ... ضايقة فيني الوسيعة يا احمد ...
ونظر نحو أحمد :
_ ليش ؟... متهاوش انت وأنوار ؟
_ يا ليت ... يا ليتها مكفختني ... ويا ليت ... يا ليت ...
_ أجل وش صاير ؟
_ أبي أعرف ...الهموم هذي متى نرتاح منها ...؟
_ لما نموت ...
التفت ناصر نحوه وكأنه يدرك وجوده لتوه :
_ صج انت متى رجعت من السفر ؟
_ قبل أسبوع ...
_ وليش ما رجعت البيت ... عمي على باله إنك للحين ما رجعت ...
_ ما لي خلق ...
_ والله تصدق يا احمد ... مرات ما ألومك ...
_ هههههههههههههههههه ... ناصر شفيك ؟... انت اليوم خربوطة واجد ...
_ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ... والله ما أدري يا احمد ... الدنيا خربطتنا ولا حنا مخربطين ...
<<< على طاولة العشاء
تأملها وهو يبتسم :
_ شفيك ؟
أخفضت رأسها نحو صحنها :
_ ولا شي ...
_ طيب ليش تقزيني كذا ؟.. لا يكون معجبة ؟
_ تبي الصراحة ... مستغربة ...!
_ امممم ... ومن ماذا ؟
_ منك ..
_ ههههههههههههههههه ... شفيك علي ؟.. لهدرجة كنت شيطان بالرياض ...؟
_ أقولك وما تزعل ...
_ هههههههههههه ... قولي ...
_ أنوار ... تسميك هتلر ...
_ هههههههههههههههههههه ... حتى هذي الخبلة لها عين تتكلم علي ...
_ أنوار مو خبلة ...
_ الا خبلة ... ومرموشة ... بس جبانة موووت ... وحنونة بعد ...
استغربت تحليله الصائب :
_ من قال لك ... ناصر ؟
_ لا ... أنا والحمد الله عندي فراسة التعرف ... يعني أقدر أحلل الشخص نفسيا ... الظاهر عشرة ناصر أثرت علي ...
_ طيب ... حلل ... علشان أشوف مقدار فراستك ؟
_ من تبين نبدأ فيه ؟.. (والتهم لقمته) ...
_ امممممممممم ... ناصر !
_ أبو فواز ... حبيب قلبي ... شوفي ناصر شخصية جدا سلسة ... وعشرته سهلة ... حنون وقلبه طيب ... ومحبوب الكل ... بس عيبه الوحيد ... انه قلبه هو اللي يسير قراراته ...
_ مثل تحليلي ... طيب ... راشد أخوي ...
_ وبدون زعل ...
_ ما راح أزعل ...
_ راشد ... لو ما كان ولد عمي ... كان ما تقبلت أقعد معاه في مكان واحد ... شوفي ... هو طيب وقلبه أبيض ... بس عيبه ... مهزوز وقراراته يبنيها على الماء ... يعني ما له أساس ولا استمرار ...
_ يمكن علشان تربى مع بنات ؟!
_ انتي أقوى منه ...
ابتسمت لتعليقه ... لأنها تعلم بأن ذلك صحيح :
_ طيب ... أنا !!
_ امممممممممممممم ... (ابتسم ووضع الصحن جانبا ووضع ذراعيه على الطاولة) ... وبدون زعل ...
_ قلت لك والله ما أزعل ...
_ انتي أكثر شخصية اعجبتني في حياتي كلها ...
أحست بالنشوة ... بالفخر ... من نبرة الصدق والثقة التي تتدفق من صوته :
_ والسبب ؟؟؟؟!
_ ما أدري ... أحس كل ما أشوفك أشوف فيك تحدي جديد ... انتي الوحيدة اللي ألزم نفسي إني ما أتهور معاك ... وانتي الوحيدة اللي تقدرين ترفعين ضغطي للميتين ... وانتي الوحيدة اللي أحس بالانكسار إذا ما نفذتي إلا أبيه ...
استغربت حماسه في الكلام ... صراحته التي لم تتوقعها :
_ يعني داخل معاي معارك ...
_ ههههههههههههههههههههههه ... على قولة ناصر ... حرب شوارع ... افهميها مثل ما تبين ... انتي طلبتي رأيي وجاوبتك بصراحة ... (نهض وهو يمسح يديه) ... إذا خلصتي ... (وغمز بعينه) ... تلقيني بالغرفة ...
وانصرف ... تاركا إياها ... مع الحيرة والشرود المرتاب .
<<< بيت بدر
دخلت بدرية تحمل شوق على كتفها ... ويسير بدر خلفها :
_ هـــ ... هلا ... بدرية ...
وهبت حصة واقفة تبادلها السلام ... ونظرات الدهشة والحيرة تتوجه منها نحو بدر :
_ هلا حصة ... شلونك ؟
_ الحمد الله بخير ... انتي شلونك ؟... وعمتي وأنوار ودلال ... كلكم شلونكم ؟
_ بخير ... ويسلمون عليك ... عاد اعذريني ... قلت اليوم أجي أشوفك وأنام عندكم ... من سكن بدر بيته ما جيت نمت فيه ... خليه يتبارك فيني شوي ...
_ ههههههههههه ... حياك الله ... عطيني شوق ...
أخذت شوق واتجهت تصعد السلم :
_ عن إذنك بدرية ... (ولحق بدر بها) ...
وضعت شوق على سرير والدها ... ووضعت الغطاء فوقها ... تقدم بدر وأغلق الباب خلفها ... التفتت نحوه برعب :
_ منو قال لها تجي تنام عندنا ؟
_ ما أدري ... وبعدين هذي أختي متى ما تبي تجي تجي .. البيت بيتها ... (أخفضت رأسها من تأنيبه) ... اسمعي اليوم تعالي نامي هنا ... وأنا راح أنام على الكنبة ... و ... والغرفة حقتك قفليها ... لا تشوف أغراضك فيها ... وخلي بدرية تنام بغرفة شوق ...
هزت رأسها بتفهم ... وانصرفت بهدوء .
<<< غرفة نايف الساعة 4 صباحا
_ اوفففففف ... (وظلت تتقلب) ...
التفت نحوها وهو يجلس :
_ شفيك ؟
جلست بهدوء :
_ ما في شي ... قلقتك ؟
_ عادي ... أصلا ما جاني نوم ...
_ ولا أنا ...
ابتسم من شكلها ... كان وجهها الأسمر فاتنا ... وشعرها البني الطويل مبعثرا حوله بعشوائية ... ونظرة الهرة تقفز من عينيها :
_ أكرهها ... وأشتهي وصلها ... وأحب هذا اللؤم في عينها ... (اقترب وهو يمسك وجهها) ... يا كم تمنيت ؟!... إذا طوقتها قتلها ... (وقبل عنقها بقوة) ...
أبعدته عنها :
_ يعني أنا هرة نزار قباني ؟!
_ لا ... (وابتسم) ... انتي هرتي أنا ... حاكني بأقوى تعابير الكلام ... للهنا بأسلوب تكفى دلني ... (قبل يدها) ... وضمني بأدفى مراسيل الغرام ... ومن شتات الوقت يمك لمني ...
ابتسمت وهي تضع الوسادة الصغيرة في حضنها وتلعب في أهدابها .. نظرت نحوه بشك :
_ حبيبي هذي دروب الحب والحب سلطان ... يأمر عليك وكأنك أصغر اخوانه ...
ضحك من سخريتها :
_ هههههههههههههههههههه ... (اقترب حتى زرع أصابعه في شعرها) ... أحلى مقادير الزمن جلسة اثنين ... يقضونها بين الدلع والمودة ... هذاك يلعب في شعر كامل الزين ... والزين يلعب في خيوط المخدة ... ما أحد(ن) درى عن شرقة الشمس من وين ؟... أشواقهم مع بعضهم مستبدة ... (ولم تجد جوابا) ...
|