كاتب الموضوع :
ارادة الحياة
المنتدى :
القصص المكتمله
(( الفصل الأربعون ))
<<< بعد شهر
لم تعد تحتمل الألم ... صرخت وكأنها ستموت :
_ عمــــــــــــــة ... يا مبـــــــارك ...
وجاءت العمة وخلفها يركض مبارك :
_ شفيك ؟
_ بطني ... آآآآآه ... بطني يا عمة ...
التفتت العمة نحو مبارك المرتبك :
_ بسرعة ... روح شغل السيارة ...
<<< في المشفى
خرجت الطبيبة من غرفة الطوارئ ... اقتربت منها العمة شريفة بخوف :
_ بشري يا دكتورة ...
التفتت نحو مبارك :
_ انت زوجها ؟
ردت العمة :
_ لا أخوها ... زوجها مو موجود ...
_ آسف ... بس حالة منال جدا صعبة ... في احتمال أنها تولد طبيعي ... بس إذا اضطرينا راح نلجأ للعملية القيصرية ...
_ والحين شلونها يا دكتورة ؟
_ الله يكون بعونها ... ولادتها جدا راح تكون عسرة ... ولازم تشوفون زوجها وين ؟... علشان إذا احتجناه ...
وانصرفت الطبيبة ... جلست العمة بإنهاك على المقعد ... تضع رأسها بين يديها ... سأل مبارك :
_ عمة ... يعني شنو كلام الدكتورة ...؟
_ اتصل على نايف ... وعلى عمك عبدالله ... خلهم يجون بسرعة ...
<<< غرفة أحمد
خرج من الحمام بعد نوبة استفراغ قوية ... ونوبة السعال لا تفارقه ... ارتمى بجسده على السرير وظلت رجلاه على الأرض ... حدق في السقف وهو يفكر في هذه الغرفة ... كم اشتاق لها ؟؟؟... بين جدرانها تتراقص ذكريات طفولته ... مراهقته ... طيش شبابه ... قبل أن يعرف الحياة وتعطيه الصفعة تلو الأخرى ... لا يعرف منذ متى وهو على هذه الحال ... حرارة مرتفعة ... وخمول شديد في جسده ... وذكريات المأساة المؤلمة تقتله ... أغمض عينيه وهو يتنهد ويضع يدا فوق رأسه عله يخفف من هذا الصداع الحاد .
اقترب العجوز المهيب من غرفته ... دخل واتجه ليجلس بجانبه ... كم يؤلمه حال هذا الابن ... وكم يتقطع قلبه على فلذة كبده التي تعاني ... تأمل جسده الناحل ... ووجهه الذي يعلوه شحوب مميت ... هو يملك كل أسباب الحياة ... لكن راحة البال تفارقه ... وراء ابن تائه ... وابن مهاجر ... وآخر رحل دون عودة :
_ شلونك يبه ؟
آلمته نبرة القلق في صوت والده ... دمعت عيناه حتى غرقتا بالدمع ... أجاب بوهن وهو ينتحب :
_ تعبــــــــان ... آآآآآآآآآه ... تعبـــــــــــان يا يبه ...
وضع يدا مجعدة على صدر ابنه العزيز ... عله يطرد هذا الشتات بعيدا :
_ سلامتك يا أبوي ... انت اللي متعب نفسك ... تعوذ من الشيطان يا أحمد ...
لكن نوبة بكاءه زادت ... نهض يحاول أن يكتم شهقاته ... مسح وجهه وشعره بيديه ... ثم التفت نحو أبيه بعيون ذابلة :
_ أبي أسافر ...
_ وين ؟
_ أي مكان ... ما أبي أقعد هنا ...
_ وتخليني ... عزيز سافر قبل أسبوع ... وانت الحين تسافر وتخليني ...
_ يبـــه ... (وابتلع غصة عنيفة) ... ما أقدر أبقى هنا ... أحس إني مخنوق ... و ...
_ خلاص ... مثل ما تبي ... أنا أخلي نايف يحجز لك ...
عاد إلى سريره وتساقط بعجز ... حتى تمدد على بطنه :
_ يبــــه ... (واقترب الاب يمسد ظهره) ... ليش صلاح وماجد ؟... كانوا صغار ... و ...
_ أسغفر ربك يا ولدي ... هذي مشيئة الله ...
_ يا ليت أنا اللي مت ...
_ لا يا أحمد ... لا ...
واحتضن الاب ابنه باكيا .
كان يرتدي ملابسه ... يستعد للخروج ... لكنه يبحث عن شيء ما ... دخلت الغرفة وفي يدها صحنا مليئا بالأندومي :
_ وش تدور ؟
_ مفتاحي ... ما شفتيه ؟
هز كتفيها واتجهت إلى الكوميدينو ... تسندت عليه وظلت تأكل من صحنها :
_ يا ربي ... انا حاطه عالطاولة ... وين راح ... لا حول الله ... أكيد نسيته ... ولا ...
وانتبه لطيف ابتسامة يتراقص على شفتي زوجته ... تأملها بحذر ... جحظت عيناها :
_ والله مو عندي ...
كتف ذراعيه يهددها :
_ أنوار ...
استسلمت ... وضعت الصحن على الكوميدينو خلفها ... واتجهت نحوه ... اقتربت حتى لمست أزارير ثوبه :
_ مو ملاحظ إنك صاير ما تقعد معاي ...
_ عندي شغل ...
_ وش شغله ؟!... تقعد بالاستراحة للصبح ... وترجع بالليل تحط رأسك وتنام ...
تأمل عيناها بأسى ... لقد اشتاق لها كثيرا خلال هذا الشهر ... رن الجوال :
_ آلووو ... هلا فيصل ... لا إن شاء الله جاي ... وش يبي ؟... خلاص أنا أجيب معاي ... مسافة الطريق ... مع السلامة ...
ووضع الجوال بجيبه :
_ ليش تواعد الرجال وانت ما راح تروح ...
_ لأني ... (أمسك ذراعيها وطواهما نحو الخلف) ... راح أروح ... (وأخرج المفتاح من جيب جنزها الخلفي) ... خبيه عدل ثاني مرة ...
وخرج بهدوء ... صرخت بعده متمللة :
_ ناصـــــــــــر !! ... أوففف ... حتى اليوم بعد ملل ...
<<< المشفى بعد الساعة 12 ليلا
خرجت الطبيبة ... اتجه نايف والعمة شريفة نحوها بسرعة ... بادرتهما مسرعة :
_ مبـــــــروك ... جابت ولد ...
ارتاحت شريفة على المقعد بجانب أبو ماجد ... سألها نايف :
_ ومنال ؟
_ الطفل بحالة ممتازة ... بس منال العملية كانت صعبة عليها ... الحمد الله عدت على خير ... راح تبقى بالعناية الفائقة اليوم ...
_ مشكورة ما قصرتي ...
_ العفو أخوي ... (وانصرفت الطبيبة) ...
التفت وهو يقترب من عمه :
_ مبروك يا عمي ... يتربى بعزك إن شاء الله ...
شريفة من بين دموعها :
_ مبروك يا أبو ماجد ... الله عوضك خير ...
لكن أبو ماجد ظل يحدق في الفراغ :
مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات ...
ومقصوصة كجناح أبيك هي المفردات ...
فكيف يغني المغني ؟!
وقد ملأ الدمع كل دواة ...
وماذا سأكتب يا ابني ؟!
وموتك ألغى جميع اللغات ...
أواجه موتك وحدي ...
وأجمع كل ثيابك وحدي ...
وألثم قمصانك العاطرات ...
ورسمك فوق جواز السفر ...
وأصرخ مثل المجانين وحدي ...
وكل الوجوه أمامي نحاس ...
وكل العيون أمامي حجر ...
فكيف أقاوم سيف الزمان ؟!
وسيفي انكسر ...
سأخبركم عن أميري الجميل ...
عن الكان مثل المرايا نقاء ... ومثل السنابل طولا ...
ومثل النخيل ...
وكان صديق الخراف الصغيرة ... كان صديق العصافير ...
كان صديق الهديل ...
كان كيوسف حسنا ... وكنت أخاف عليه من الذئب ...
وأمس أتوا يحملون قميص حبيبي ...
وقد صبغته دماء الأصيل ...
فما حيلتي يا قصيدة عمري ؟!
إذا كنت أنت جميلا ...
وحظي قليل ...
أيا بني ...
لو كان للموت طفل ... لأدرك ما هو موت البنين ...
ولو كان للموت عقل ...
سألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين ...
ولو كان للموت قلب ... تردد في ذبح أولادنا الطيبين ...
فيا قرة العين ... كيف وجدت الحياة هناك ؟
فهل ستفكر فينا قليلا ؟
وترجع في آخر الصيف حتى نراك ...
أيا بني ...
إني جبان أمام رثائك ...
فارحم أباك ...
(( رائعة نزار قباني ))
--------------------------------------------------------------------------------
(( الفصل الواحد والأربعون ))
<<< بعد شهر
جلستا في الحديقة الخلفية ... وضعت أنوار صينية مليئة بالعصائر والمأكولات الخفيفة :
_ أخيرا قررت مدام بشاير تزورني ...
_ وش أسوي ... (وتناولت كوب العصير من يد انوار) ... بيتكم يضيق الخلق ...
_ عشتوا ... وليش بالله ؟
_ موحش ... كبير ... وما فيه غيرك وغير عمتي أم ناصر ... أبي أعرف شلون تستانسين فيه ؟
ابتسم بخبث وهي ترتشف كوبها :
_ إذا ناصر موجود ... لا تذوقين الوناسة اللي تصير ... يمممممممي ...
_ هههههههههههههههه ... عسى ما أحد يذوق وناسته غيرك ....
رفعت يديها بصدق نحو ربها :
_ آآآآآآآآآآآآآآآآمين ... إلا صدق ... كلمك هتلر ؟
هزت كتفيها :
_ لا ...
_ يعني إذا اتصل عليك تردين ... ولا تهزئنه ...
_ هههههههههه ... صج إنك بزر ... الله يعين ناصر عليك ...
كسا الأسى وجه أنوار :
_ اسكتي بس ...
_ آفااااا ... وش صاير ؟
_ ناصر ... (أرادت منها بشاير تفسيرا أكثر) ... متغير ...
_ شلون يعني متغير ؟
هزت كتفيها :
_ أحسه صاير ما يحبني ...
_ وش هالخرابيط ؟!... طيب وش اللي أوحى لك بهالشي ؟
_ تصرفاته ... صاير ما يقعد بالبيت ... وإذا رجع على طول ينام ... وحتى إذا جلس معاي ولا مع عمتي ... يكون مهموم وضايق خلقه ...
_ طيب ... يمكن عنده مشكلة ؟
_ سألته ... قال ما في شي ... اللي أستغربه ... أنه قبل ما يرتاح إلا يتحرش فيني ... أو انا أتحرش فيه ... الحين صاير هادي مرررة وكله زعلان ...
واستمرت جلسة الفتاتان ... شد وارخاء ... حل وربط ... لمشاكل الحياة وتعقيداتها التي لا تنتهي .
<<< منزل ابو بدر
_ يالله يمه ... (واحتضن أمه) ... دير بالك على نفسك ... (وقبل رأسها) ...
_ مع السلامة يمه ...
احتضن بدرية بقوة :
_ دير بالك على أمي يا بدرية ...
_ لا توصي يا أخوي ... دير بالك على نفسك ...
صرخ بقوة :
_ مشـــــــــــعل !
ونزل مشعل ... يحمل طفله بين ذراعيه ... وخلفه دلال :
_ زين ... زين ... جايين ... صرقعتنا ... هاك ...
وناوله الطفل ... احتضن الطفل بقوة وهو يقبله ... ثم التفت على مشعل وضمه دون تحفظ :
_ دير بالك على أمي يا مشعل ...
_ لا توصي ...
_ مع السلامة يا دلال ...
_ توصل بالسلامة يا سعود ...
صرخ فهد بنفاذ صبر :
_ يالله يا سعود ... تبي تمر على بيت بدر بعد ... وتبي تسلم على انوار ... يالله يمدينا نلحق طيارتك ...
وسلم على الجميع ثم انصرف ... علق مشعل :
_ فهــــد ... شوي شوي عالطريق ...
_ إن شاء الله ... (وخرجا) ...
جلست أم بدر على الأريكة :
_ ما أدري ليه قلبي يعورني ...
جلست بدرية وبجانبها دلال ... وجلس مشعل :
_ يمه الله يهداك ... سعود كل صيفية يقضيها في مكة ... وش الجديد يعني ...
وكما قال ... بعد ساعة انطلقت رحلة الطائرة إلى الديار المقدسة .
<<< مجلس ناصر
دخل ناصر بعد أن اوصل سعود وفهد إلى سيارتهما :
_ يا حليله سعود ... ما يخلي هالعادة ...
_ الله يديمها عليه نعمة ...
_ آآآآمين ... لا تشوف أنوار فكتها مناحة ...
_ ههههههههه ... حريم ... ما تأخذ منهم إلا البكي والدلع ...
وعادا لقهوتهما :
_ إلا صج ... عمتي وينها ؟... غريبة ما جت تسلم علي ...
_ أمي راحت لبيت خالي أبو مطلق ويمكن تنام عندهم الليلة ...
ابتسم بخبث :
_ بل ... ما دريت إني صاير عذول ...
_ هههههههههههه ... أي عذول الله يهداك ... تدري من عند انوار ؟
_ منو ؟
_ حرمك المصون ... مدامتك نمبر 2 ...
حرك فنجانه ببطء :
_ بشاير ... (هز رأسه بالايجاب) ... ههههه ... تراهني إذا ما كنت أنا وياك محور حديثهم ...
_ أراهنك على أنوار ... مستحيل تجيب سيرتي غير بالزين ...
رفع نايف حاجبا :
_ لا يا واثق ...
_ أحسن منك ... أجل المسكينة للحين ما دخلت عليها ... وريتها الضيم ... أنا لو منها ... أكل سم وأموت ولا أخليك أتهنا فيني ...
_ آفااااا ... هذا وانت أخوي وذراعي اليمين ...
_ الحق حق ... إلا صدق يا أبو فلاح ... أنت ما تلاحظ أنك للحين ما عطيتني سبب مقنع لزواجك ... أول مرة تسويها معاي ...
تنهد بقهر :
_ لحاجة في نفسي ...
_ آهااا ... طيب ممكن أعرفها ...
_ لا ...
_ مرات أشك أنك نايف اللي أعرفه ...
_ تصدق ... شوقتني على الزواج ...
_ تتزوج الحين ؟
_ وش المانع ... بدون عرس ... حفلة بسيطة كافي ... وبعدين هذي على قولتك نمبر 2 ...
_ أموت وأعرف وش اللي بينك وبين البنت يخليك تدور اللي يقهرها ...
_ هههههههه ... وليش تفكيرك سوداوي من ناحيتي ...
_ لأني أعرفك ... ولا ناسي ...
_ على طاري ... أعرفك وتعرفني ... وش صار على موضوعنا ؟
<<< الساعة 3 فجرا
لم يزر النوم جفنيها ... تمددت على سريرها بهدوء ... تفكر وتفكر ... حتى أحست بالتعب من هذا التفكير الذي لا يجد حلا ... رن جوالها ... انتبهت للرقم فابتسمت :
_ آلوووو ...
_ مساء الخير ...
_ مساء النور ...
_ سهرانة ؟... ولا صحيتك ؟
_ لا عادي ... متعودة أنا متأخر ...
_ حلو ... اتفقنا على نقطة ... اثنينا نحب السهر ...
ظلت صامتة ... بادرها :
_ أنا كلمت أبوي ... وقررت أن العرس يكون بعد شهر ... وش رأيك ؟
أحست بغصة عنيفة :
_ يعني إذا قلت لك لا راح تسمعني ... (ظل صامتا) ... سو اللي تبيه يا نايف ...
_ طيب ... أنا حطيت المهر بحسابك ... والcard بكرا أعطيه راشد ... وإذا احتجتي شي كلميني ...
_ إن شاء الله ...
_ تبين شي بعد ؟
_ وتعطيني ...
_ تبشرين ...
_ ما أبي أدخل بيتك على مريم وعيالها ...
_ بس هذا بيت أبوي ... وأنا مستحيل أطلع عن أبوي ...
_ وهو بيت مريم قبلي ... نايف الله يخليك ... لا تصعب الموضوع أكثر مما هو صعب ... أبي منك هالخدمة وبس ...
_ تبشرين ... شي ثاني ؟
_ سلامتك ... تصبح على خير ..
_ تلاقين الخير ...
كان جالسا على مكتبه ... تأمل الجوال بتمعن ... " تبين بيت لحالك يا بشاير ... وش عليه ؟... نشوف لك بيت لحالك ... علشان نتحاسب عدل يا بنت عمي " ...
|