(( دموع من دم ))
(1)
يلها من ظلمة تتجسد فيه , تصور لي العالم أجمع بلون واحد لا غير, لون يبعث الحزن و الألم و العذاب , أهكذا سوف تصبح حياتي القادمة , أهكذا سوف تكون الصفحة الجديدة, أهكذا سوف أعيش بلا عنوان في عالم جديد بنسبة لي, عالم ملئه الدموع و الأسى و الآهات. لا أظن أن لي مكاننا فيه لكن أنا مجبرة على أن أمضي في هذا العالم الحالك الظلام.......
- ما هذا الذي تكتبينه ؟
- ليس بشيء المهم .
- مادام ليس بالمهم , فلماذا تخفينه عني؟
- لأنه ليس من شأنك, كفاك أسئلة يا سناء.
- حسنا , حسنا لا داعي لصراخ , المهم أمي تريدك في الصالة.
- لماذا؟!!
- وما أدراني, أترين شخصا فضوليا ؟
- حسنا, أنا قادمة.
- ( يبدوا أن سناء تضايقت , فملامح وجهها ترسم على قسماتها الضيق )
......................................
- مساء الخير خالتي.
- مساء الخير هديل, تعالي أجلسي بجانبي.
- ( خيرا , أنها تشير بيدها لي بالجلوس بجوارها, ما الذي يجري؟!)
- (جلسة بجوارها منصاعة لطلبها, لكن الأمر موريب , فتصرفاتها الآن مناقضة لوجهها الحقيقي, ما الذي جرا لها؟!!)
- ماذا بك وجهك متجهم هكذا يا هديل؟!
- لا شيء خالتي, لا يوجد شيء.
- ما دام كذلك , دعين أقول لك ما لدي.
- تفضل.
- لقد تقدم لخطبك أحدهم.
- ( ما الذي تقوله, أهي تقول الصدق أم تمزح؟! بتأكيد أنها تمزح)
- أعلم أنك مصدومة, و لا تستوعبين الأمر, هذا أمر طبيعي خاصة في حالتك.
- خالتي , ما الذي قلته منذ قليل؟!
- اسمعي هديل, لقد مر وقت على الموضوع, لهذا يجب أن تتجاوزيه و تمضي قدما في حياتك.
- ( أمضي قدما في حياتي, كيف أفعل ذلك , كيف أمضي لوحد؟ بدون يدن تقودني لبر الأمان)
- ماذا بك يا هديل, أين ذهبت؟
- ماذا؟ آهههه, لا , لا ....
_ ماذا بك يا هديل؟ ماذا تقصدين بلا؟
_ خالتي ما الذي أنت تقولينه لي, كيف تعرضين علي هذا العرض و أنت أمه؟
- أعرض لك هذا العرض لأنك أنت أبنتي أيضا, و هو ..... و هو .....
العبرات على وشك أن تشق طريقها من جفنيها المحمرين, فهما لم يذوقا طعم الراحة منذ رحيله....
- خالتي!
- لقد رحل و أنت لازلت حية, فلك الحق في العيش و الاستمتاع بالحياة, ليس من الصحيح أن تقضي بقيت حياتك على ذكراه.
( كنت لا أقوى على سماع كلمة رحل, فهي تخنقني, تعيدن إلى الواقع المرير.)
_ حسنا ابنتي , خذي وقتك في التفكير , و علمي أنه لا أحد سوف يجبرك على شيء لا تريدينه, لكن يا هديل الرجل الذي تقدم لك رجل صالح و مقتدر سوف يسعدك , و هو متفهم لظروفك و ليس مستعجل , ففكري بروية يا بنيتي.
_ أهذا كل شيء خالتي؟
- نعم يا هديل.
- حسنا , استأذنك سوف أذهب لغرفتي.
- حسنا.
- ( يبدوا عليها الحزن, واضح أنها لن تقبل به, لكن يجب أن أقنعها , فهي إذا استمرت على هذا الحال فسوف نخسرها كما خسرناه)
أخيرا العبرة وجدت لها مفرا من مقلتيها.
........................
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أم عمار, كيف حالك؟
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته سيد كامل, الحمد لله أنا بخير, كيف حالك أنت و حال الأولاد؟
- الحمد لله بخير , ها ما الأخبار؟
- لا أعلم ماذا أقول لك.
بخيبة أمل واضحة تجلت في نبرة صوته..
- أرفضت .
- كلا, لكن يبدوا واضحا أنها ..
بنفاذ صبر..
_ أنها ماذا يا أم عمار؟
_ أنها لا تزال تعيش على ذكراه , و أنها لن تتخلى عنه بسهولة.
_ حاول أن تقنعيها يا أم عمار, فنحن نريدها لأبننا, أنت تعلمين مقدار حبه لها.
_ ونحن كذلك , لهذا أن سوف أبذل قصار جهدي من أجل أقناعها به.
_ بأذن الله توافقين.
_ بأذن الله .
- حسنا لن أطيل عليك, مع السلامة, بلغي سلامي لأبوعمار.
- أنشاء الله , و أنت أيضا بلغ سلامي لأم أحمد.
- أنشاء الله يصل , مع السلامة.
- مع السلامة.
.......................
- ما الذي سوف تفعلينه يا هديل؟
بوجه تجمعت فيه كل معالم الحزن و الألم ألتفتت ناحيتها...
_ لن أفرط به يا خلود.
- أفهم من كلامك أنك سوف تقبلين بالعريس؟
تنهيدة ساخنة تعكس النار التي في قلبها ,
تلها ..
_ لا يا خلود , أنا لن أفرط بعمار.
فرحة قتلت و هي في المهد....
_ يا هديل أخي مات, لقد رحل , لن يغير بقاؤك على هذا الحال شيئا.
انتفضت و قامة من مقعدها و الدمع سبق شفتيها..
- كفى , كفى أرجوك , لا تكرر هذه الكلمة مرة أخرى , لقد تعبت , تعبت من تكراركم لها.
تبعتها هي الأخرى فقامت من مقعدها و أمسكت بذراعيها و أخذت تصرخ قائلة......
- نعم يا هديل , سوف نكررها حتى تستيقظي من سباتك و تعي الذي جرى, عماد مات , مات , مات , رحل و إلى الأبد.
يديها حاولتا أن تسدان الطريق على الكلمات الجارحة من شق طريقها إلى أذنيها...
دخل شخص ثالث الغرفة و قطع موجة ثوران خلود و انهيار هديل ...
_ ما الذي يجري خلود, لماذا أصواتكم عالية هكذا ؟ ومن ثم لماذا تصرخين على هديل؟
_ أبي أنني أحاول أن أفهمها أن عماد رحل , لكنها لا تزال تعيش في عالم الأوهام و تأبى أن تتركه.
- دعيها و شأنها يا خلود , فالصراخ ليس الحل.
بعينين أطلقتا نظرت عطف و حنان إلى ناحيتها....
_ حبيبتي هديل , لن يجبرك أحد على فعل شيء لا تريدينه , أنت صاحبت القرار الأول و الأخير فهذه حياتك, لهذا أرجوك فكر جيدا قبل أن يمر الوقت و تندمي على ما فعلته بنفسك.
لم يستطع لسانها أن يعبر عما بداخلها , فجاء الرد من عينيها اللتان احتلاهما فوج الدموع الساخنة ......
...........................
الغضب كان شعار تعابير وجهه و هو يصرخ قائلا...
_ أبي لماذا ؟ لماذا فعلت هذا؟
بدهشة اصطبغت على قسمات وجهه ...
_ ما الذي فعلته؟
_ أصحيح أنك طلبت يد هديل لي؟
ارتخت عضلات وجهه لتسمح لتعابير الارتياح أن تحل...
_ أوووه , لقد أرعبتني , كيف عرفت بهذا الأمر؟
_ لقد سمعتك و أنت تكلم أمي منذ قليل, أجبني الآن أهذا الأمر صحيح؟
_ نعم صحيح.
_ لماذا ؟ لماذا فعلت ذلك؟
_ لأنك تحبها و تريدها .
_ أنا لا أريدها .
- أحمد ما هذا الكلام ؟!! حلت الدهشة من جديد..
- الذي سمعته أبي, أنا لا أريد هديل.
- لكن كيف ؟ ألم تكن مصرا عليها و تريدها , ألم تكون تقول أنك مستعد لفعل كل شيء في سبيل أن تتزوجها, ها هي الفرصة مؤتية لذلك, فلماذا امتناعك عنها الآن؟
- لأني لم أعد أريدها, لم أعد أحبها , لهذا أرجوك يا أبي أنهي الآن الموضوع.
- أنهي الآن الموضوع, أهي لعبة؟
- أنت الذي طلب يدها من غير استشارة, لهذا تحمل العواقب.
بصوت مشبع بالضيق و بوجه اكتساه اللون الأحمر الدامي...
- ما هذا الكلام يا ولد , أحترم نفسك فأنا أبوك.
- اسمع يا أبي أنا لن أتزوج بهذه الفتاة مهما كان, فأرح نفسك و أنهي كل شيء الآن قبل فوات الأوان.
ختم جملته بظهره و توجه إلى باب الغرفة تاركا أبو أحمد في أوج غضبه ....
- توقف يا ولد , لا تدر ظهرك و أنا لا أزال أكلمك , توقف.
لا جواب من قبله, بل أكمل طريقه بخطى ثابتة...
هز رأسه بأسى ...
_ لا حول و لا قوة بالله من هذا الولد الذي لا يريد أن يصطلح.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــع