(6)
كان الجو مشبع بالتوتر, ورياح الخوف تهب بين الفنية و الأخرى....
- أهلا بك يا أبو أحمد , أهلا بك يا صديق الدرب , كيف الأحوال؟
- بخير الحمد لله, كيف حالك أنت و الأهل ؟
- في أحسن حال, أهلا بك أحمد , و أنت ماهر, كيف الأحوال؟
كلهما ردا...
- الحمد لله.
- تفضلوا كلوا شيئا من هذه الحلويات...
و أشار بيده ناحية طاولة مكتظة بكل ما لذ و طاب....
- أنت تعلم يا أبا عمار أنا لم نأتي لكي نأكل, بل أتينا لسماع رد هديل.
- أعلم ذلك يا أبو أحمد , لكن أنا مثلكم لا أعلم ما هو ردها حتى الآن.
بردت فعل تدل على الذهول....
- حقا!!!
- نعم يا صديقي, لا أعلم, لكن الآن أنا سوف أذهب لأسمع ردها, فعذروني, لكن عندما أعود أريد أن أجد كل هذه الأطباق فارغة..( و أشار بأصبعه ناحية الطاولة)
ابتسم أبو أحمد, و أردف قائلا....
- أمرك سيد الضابط, لازلت كالأيام الخوالي , لك هيبة يا رجل.
بادله أبو عمار الابتسامة و من ثم قال...
- هذا الأسلوب الوحيد الذي تنصاعون له, و تنفذونه بدون تفكير, حسنا يجب أن أذهب الآن لأسمع رد هديل.
قال قوله هذا و شرع بالمشي إلى ناحية الباب, لكن شيئا ردعه عن المضي قدما ...
- أبو خلود, أيمكنني أن أطلب منك طلبا؟
ألتفت إلى خلفيه ليجد أحمد واقفا و في عينيه الرجاء واضحا...
- بطبع يا بني , تفضل قل ما لديك.
بارتباك غلف كلماته التي خرجت من فمه..
- أعلم أنه ليس من ألائق الذي سوف أطلبه , لكنني يجب أن أفعل هذا , يجب.
- وما هو هذا الشيء الذي يجب أن تفعله يا بني؟ تكلم.
- أيمكنني أن أسمع أنا رد هديل و.....( ابتلع ريقه) و ....و لوحدنا.
قام أبو أحمد من مكانه و العصبية كانت على قسمات وجهه, و بصارخ هز من في المجلس...
- ما هذا الكلام يا أحمد , أهذا طلب يطلب, أصمت و جلس مكانك ( ألتفت ناحية أبي عمار)
أعذرني يا أبو عمار , أنا آسف من تصرفات هذا الولد......
بتر أحمد جملة أبيه...
_ أبو خلود أضن أنه من حقي أن أسمع ردها بنفسي, أنا حقا أريد أن أسمع و أرى ردها.
أبو عمار المتعجب ....
- ترى ماذا يا بني؟!
أخذ أحمد نفسا عميقا ,و أردفه بزفرة ساخنة...
- أبو خلود اللسان ينطق بالذي يأمره به العقل, لكن العين تبوح بمكنون الصدور. ( ووجهه أصبعه ناحية قلبه)
أبو أحمد الثائر...
- أحمد كفى سخافات....
قطع للمرة الثانية , لكن هذه المرة من قبل أبو عمار...
- لا بأس يا أبو أحمد, فأحمد لم يقول شيئا خاطئا.
أخذ يقترب من أحمد , و عندما غدا أمامه مباشرة , أسند يده على كتفه و قال, و الابتسامة على شفتيه ارتسمت..
- هذا حقك يا بني, فلا تخجل, الآن سوف أذهب لأخبرها بالأمر.
أبتسم أحمد هو الآخر, و من ثم قال...
- شكرا لك يا أبو خلود , شكرا.
خرج أبو عمار من جهة , و أنهال أبو أحمد على أحمد بالعتاب من جهة أخرى...
- ما هذا الطلب السخيف الذي طلبته يا أحمد, ألا تخجل من نفسك, أبدا لا تريد أن تتعلم, تفهم.
- أبي أنا لم أخطأ , أنه من حقي, حتى أبو خلود قال ذلك.
- أبو خلود!!! ما حكاية أبو خلود هذه أيضا, الرجل يدعى أبو عمار, و ليس أبو خلود , كل تصرفاتك خاطئة.
ماهر المنقذ...
- أهدأ يا أبا أحمد, فلربما عند أحمد مغزى من تصرفه هذا.
- أي مغزى هذا من طلب أن يقابل الفتاة لوحدهما.
- مغزى لن و لن تفهمه أبدا يا أبي.
هنا زادت عصبيته و تأججت , كأن أحمد زادها و قودا بجملته الأخيرة...
- ما الذي أفهمه من كلامك , بأني غبي لا أفهم , ها تكلم , تكلم يا ولد.
ماهر من جديد, يحاول أن يهدأ النفوس...
- يا أبو أحمد أهدا أرجوك, لا تنسى أننا في بيت أبو عمار, و ليس من اللائق أن يسمعوا صوت صراخكما في بيتهم.
تأفف أبو أحمد , ومن ثم مسح وجهه بكفه , و هوا بجسده على الكنبة...
- هو كالعادة يخرجني من طوري, بتصرفاته الغبية و الغير مسئولة.
أحمد بعصبية تخرج على شكل كلمات من فمه, و تقدح من عينيه ...
- بطبع أنا تصرفاتي كلها خطأ, في حين أن تصرفات ياسر كلها صائبة, أليس كذلك يا أبي؟
هنا اكتفى أبو أحمد بإلقاء نظرة ذهول على أحمد....
في حين أن ماهر , حاول و للمرة الثالثة أن يخفف من حدت الموقف...
- أحمد هل جننت, لماذا تذكر اسم ياسر الآن , أتراه وقتا مناسبا؟ !
- هو الذي دفعني لذلك.
- حسنا, الآن فليهدأ الجميع, فلا المكان و لا الوقت مناسبان لتصفية الحسابات, فهدؤوا أرجوكم , من أجلي.
عم الصمت في المجلس بعد جملت ماهر الأخيرة, لكن الصدور لازالت تحمل في داخلها الكثير من الكلام...
..................
كان الاستغراب سيد الموقف في تلك اللحظة...
- ماذا تقول يا عمي؟!!
- أحمد يريد أن يسمع ردك و لوحدكما.
هديل التي اجتاحها الذهول قالت...
- لكن لما....لماذا؟!!
ابتسم ومن ثم أخذ يقترب منها , و ما أن وجد نفسه أمامها مباشرة , أمسك بيدها اليمنى و أحطها بكلى يديه و من ثم قال...
- سوف تعلمين عندما تقابلينه.
..................
كان الهدوء مخيما في المجلس....
أخيرا جاء أحد يقتل هذا الهدوء , هذا الصمت المطبق...
- السلام عليكم يا جماعة, اعذروني على التأخر.
قال ماهر ...
- لا عليك يا عمي, ها ما الأخبار؟!
أما أحمد فعيناه تكفلتا بترجمة ما في داخله من خوف و قلق و توتر....
- لقد وافقت على مقابلتك.
خرجت من فمه زفرة ارتياح و سأل من فوره. ..
- أين هي؟
خط ابتسامة و من ثم قال...
- تعال يا بني, سوف أدلك على الطريق..( و أخذ يومأ بيده لأحمد بالقدوم إليه)
.........................
صراع في داخلها , وسؤال أخذ يصول و يموج في عقلها...
- أصحيح الذي فعلته؟آه آهههههههه...
قاطعها صوت قرع الباب ومن بعده صوت عمها و هو ينادي....
- هديل هذا أنا و أحمد , أيمكننا الدخول؟
- لحظة عمي.
أخذت ترتب غطاء رأسها ...
بتردد , و صراع في سبيل خروجها من فمها...
_ ت.......تفضلوا...
فتح الباب ليأذن بدنو ساعة تحديد المصير...
أشار بيده إلى ناحية الغرفة و أكمل محفزا...
- تفضل يا بني.
دخل بخطى صغيرة, و رأسه منحني إلى أسفل...
- حسنا سوف أدعكما لوحدكما.
قال جملته هذه, و من ثم خرج ساحبا معه الباب...
- (أخيرا أصبحنا لوحدنا , أخيرا حانت اللحظة الحاسمة , لحظة مفترق الطرق, يا أما أن تختاري الطريق الذي سوف يؤدي إلى حياة يكون فيها مكان لي في حياتك , أم أني سوف أكمال المشوار بدون قلبن ينبض في ضلوعي...)
أخذ العرق بتصبب من جبينه, و جسده ياهتز كورقة خريف على و شك السقوط....
_ ( لماذا لا تتكلم , لماذا لا ترد , تنطق بالجواب؟! لم أعد استحمل)
هي الأخرى لم تكن أحسن حالا, فصراع بداخلها و صل إلى أوجه , قدمها لم يعودان قادرتان على حملها أكثر من ذلك , فهوة بجسدها على سريرها , و غاصة برأسها بيديها....
سمع أحمد صوت التطام جسدها بسريرها , فرفع رأسه ليتفقد الذي يجري....
بصوت اقرب منه إلى الهمس...
- هديل, هل أنت بخير؟
رفعت رأسها من بين يدها , و قالت بصوت مهتز...
- ّأنت تريد أن تسمع قراري, أليس كذلك يا أحمد؟
- بلا .
و ضعت كلى يديها على السرير لكي يساعدانها على الوقوف, وما أن استطاعة الوقف, ألتفتت ناحيته وهي مصممة على أخباره بقرارها, لكن لسانها خذلها, حاولت أن تحركه , لكنه أبا ألا الركود مكانه....
بعينين متعطشتان للإجابة , قال....
- ما هو قرارك يا هديل؟
تشابكت عينيها التين فضحتها , بعينيه المترقبتان لجواب يطفئ نار الانتظار...
تمعن بتلك العينين , ليجد الإجابة الصادقة , التي كان منذ البدء يعرفها...
فقرر أن ينهي هذا الأمر, و ألا يطيل في عذابها...
بشق الأنفس أستطاع أن يشكل ابتسامة على شفتيه....
- لا عليك, لا داع لأن تقولي شيئا, فقد عرفة الإجابة, منذ زمن و أنا أعرفها ,و لكنني افترضت , أو بالأحرى منية نفسي بأن توافقي, لكن ....., على العموم أنسي الذي جرى كله, أنسي بأني تقدمة لك, أنسي.............أنسي كل شيء, أنا آسف , أنا....... آسف إذا كنت أخطأت بشيء معك .........أعذرني, عن.......عن أذنك.
وشرع بالمضي إلى ناحية الباب, و هو يجر أذيال الهزيمة, و الحزن , و بقايا قلبه المهشم.....
- توقف ....
كلمة ردعته عن المضي إلى الأمام...
ألتفت ببطء , كان خائفا من أن الصوت الذي تخلل طبلة أذنه لم يكون إلا مجرد وهم نسجه خياله....
فجاء صوتها من جديد يهز طبلة أذنه, ليقتل الشك باليقين....
بتردد و ارتباك واضحين , اعتليا وجهها , و غلفا كلماتها التي تخرج من فمها...
- أنت لم تسمع قراري بعد.
هز رأسه بأسى , و أردف قائلا...
- عينيك أخبراني بردك.
- ربما كنت مخطئا في قراءتهما.
- لا أبدا , أنا أخطئ بكل شيء إلا لغة العيون.
- لم أكن أعلم أنك تجيدها.
- في الحقيقة أنا لا أجيدها , لكن مع الأشخاص الذين لهم مكانة في قلبي أكون خبيرا فيها.
هنا أزداد ارتباكها, و أخذت تبعثر أنظارها بعيدا عنه ...
- ها هديل, أخبرين بردك, لأعرف أذا كنت أجيد لغة العيون أو لا.
شبكة يديها ببعضهما , و أخذت تقوي قبضتهما أكثر فأكثر, لتترجما مقدار خوفها و ارتباكها وترددها...
- هديل....
بترت جملته بردها الذي ألقته دفعة واحدة....
- أنا موافقة..
ولا إراديا وضعت يدها على فمها , كأنها تحاول أن تردع خروج هذا الرد من فمها, لكنها جاءت للأسف متأخرة....
تسمرت عيناهما على بعضهما....
عم السكون لبضع دقائق....
فالكل لا يعي الذي جرى منذ قليل....
و العقل يحاول أن يدرك و يستوعب الذي قيل منذ قليل.....
أخيرا دوى صوت أنسي في المكان, و كان مصدره....
- أنا لم أخطئ في قراءة عينيك, فمن الواضح أنك تقولين ما يأمرك به عقلك و ليس قلبك, لكن أتعرفين هذا لا يهمن, أتعلمين لماذا, لأنني سوف أحتل قلبك , و أجعله هو و عقلك يناديان و بصوت واحد, بأنك تريدينني.
و ختم جملته هذه بابتسامة واسعة أعتلة محياه...
ذهلها كلامه , و ثقته التي كانت واضحة وضوح الشمس على نبرة صوته, و في نفس الوقت على تعابير وجهه.
خرج من غرفتها و لازلت الابتسامة مرسومة على شفتيه...
في حين أن هديل , دخلت في متاهة من المشاعر المتضاربة التي لا تعرف كيف تخرج منها.....
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع