(5)
- سناء أين هديل, لماذا لم تأتي معك؟!
- لأنها لا ترغب في تناول الإفطار.
رفع كلى حاجبيه إلى أعلى بحركة تنم عن الاستغراب, ومن ثم قال...
- لماذا؟!
رفعة كتفيها إلى أعلى و أردفت قائلة..
- لا أعلم يا أبي.
- ألم تسأليها؟
- كلا, فهي بالكاد نطقت قائلة لا أريد, فكيف تريدني أن أسألها عن سبب عدم رغبتها في تناول الإفطار.
تنهد و من ثم قال و الحزن بدأ ينتشر على قسمات وجهه...
- كيف كان حالها؟
- لا أعلم يا أبي.
- كيف لا تعلمين؟!
- لأنها لم تسمح لي بدخول إلى غرفتها , هذا السبب, أبي هل أنتها هذا التحقيق؟ فأنا جائعة و أريد أن أتناول الإفطار قبل ذهابي إلى المدرسة.
لاحظ أبو عمار الضيق الذي كان باديا على تعابير و نبرة صوت أبنته الصغيرة , لهذا قال...
- أنا ذاهب لرأيتها.
- وماذا سوف تقول لها يا أبو عمار؟
- طفح الكيل يا أم عمار, يجب أن ننهي هذا الأمر و اليوم, يجب أن تواجهه الحقيقة, حتى لو كانت الحقيقة تجرح.
- أرفق عليها يا أبو عمار.
- أنشاء الله .
قال قوله هذا و ندفع ناحية الدرج....
.......................................
يا عمار , يا حبي الوحيد, أين أنت , أين اختفيت عني, أين بت الآن؟ أرجوك عود أليه, فأنا تائهة من غيرك, ضائعة في هذه الغابة المظلمة, لا أستطيع الاستمرار بدونك , لا أستطيع أن أخطو بدونك, فأنت نور دربي الذي يدولني إلى الصواب.....
عمار لتك أنت الآن معي , لتك لم ترحل في ذلك اليوم المشئوم, ليتن لم أسمح لك بتخطي عتبة هذه الغرفة في ذلك اليوم .....
عمار أنهم يريدون أن يزوجون من شخص آخر, شخص باح بأنه يحبني, لا أستطيع أن أتخيل شخص آخر ينطق بهذه الكلمة غيرك, لا أتخيل شخص آخر يأخذ مكانك, لا , لا , لا ....
يدها اليمنى لم تعد قادرة على الإمساك بالقلم, فاستسلمت و انهارت, و سمحة للقلم بأن يتحرر من قيود يدها...
أخذ الدمع ينهمر من عينيها المحمرين......
صوت قرع الباب وصل إلى مسامعها, فقالت و هي تصارع في سبيل أن يخرج الصوت من فمها طبيعيا...
لا أريد أن أتناول الإفطار يا سناء, فأرجوك أتركوني لحالي, أرجوك.
- هذا أنا عمك يا هديل و لست سناء.
قالت و تعجب كان سيد الموقف حينها...
_ عمي ! ماذا هناك يا عمي؟!
- أريد أن أكلمك يا هديل.
- ليس عندي رغبة في الحديث الآن يا عمي, فأرجوك دعني الآن.( كانت في داخلها تعلم أنه سوف يفتح الموضوع إياه من جديد)
- هديل أسمع يجب أن نتحدث الآن, فالموضوع غير قابل لتأجيل, ففتحي أرجوك الباب.
- أنا أعلم الموضوع الذي تريد أن تحدثني به, لهذا سوف أوفر عليك الكلام و أقول لك يا عمي , لا و ألف لا لن أتزوج بأحمد أبدا.
تأفف أبو عمار و من ثم أردف قائلا بصوته تجلا فيه الضيق ....
- أفتحي الباب يا هديل و إلا كسرته.
صدمها ما سمعته من عمها , أو بالأحرى طريقة كلامه , نبرة صوته, فهو لم يرفع صوته عليها من قبل, فتلجم لسانها, و عجز جسدها عن الحركة من هول الصدمة...
- هديل, هديل أفتحي , يجب أن نتكلم , هيا , هديل... ( قالها بكل ما أوتي من قوة)
ضل ينادي و ينادي ....
وفي النهاية نال ثمرة صبره ...
فها هو الباب يفتح...
فتحة الباب و من ثم أعطته ظهرها , و توجهت إلى ناحية سريرها و جلسة عليه و هي موجهة بصرها إلى الجهة المعاكسة لأبي عمار...
كان جليا لأبي عمار معنى هذا التصرف...
أقترب منها و عندما غدا أمامها, توقف و وضع يده على ذقنها و من خلاله رفع رأسها, ومن ثم قال بصوت مشبع بالحرقة و الحزن و الألم...
- يا الله أنظري إلى حالك , كم تغيرت.
حررت ذقنها من قبضة يده و هربت بوجهها من عينيه ...
- هديل أهذا شكل امرأة في 24 ربيعا؟!
لا رد من قبل فمها , لكن الدمع تكفل بالمهمة كالعادة...
- حسنا, أنا سوف أجيب , بطبع لا , هذا شكل امرأة في الخمسين من عمرها, لماذا تفعلين بنفسك هكذا يا هديل , لماذا تقتلين نفسك ببطء؟ أهذا كله بسبب عمار, أذا كان هذا هو السبب فعمار قد مات, و ليس كلما مات أحدهم سوف نوقف مجرى حياتنا و لن نكمل الدرب و المضي في الحياة بدونهم, إذا كان كل إنسان فقد غاليا أوقف مجرى حياته, فما كان هناك أحد في هذا العالم قاطبة....
أخيرا جاء الرد, بصوت واهن ضعيف قالت:
- عمي أنت تتكلم و كأنك متأكد من موت عمار, في حين انه لا يوجد أثبات يثبت هذا الأمر, عمي أنت لا تعلم .... لا تعلم ما هو حاله, لا تعلم إذا كان حيا أو ميتا, لا تعلم إذا كان مخطوفا, أو حتى تائها, فأرجوك يا عمي لا تحكم عليه بالموت, أرجوك... أرجوك ( و انهارت باكية)
مسح وجهه بيده و من ثم أعقبها بتنهيدة ....
- هديل أتظنين هذا الأمر سهل عليه , أن أقول أن ابني الوحيد قد مات , لا , لا , أنه شيء يقطع قلبي, أنا مثلك لا أريد أن أصدق هذا الأمر , لكن لابد أن نصدقه , لأني أعلم من هو ابني, فأنا ربيته , لهذا من سابع المستحيلات ألا يتصل بنا لكي يطمئننا و يفلج صدورنا بخبر وجوده في هذا العالم, أما بخصوص الاختطاف, فكم مرة تطرقنا إلى هذا الأمر و ستنتجنا أنه من المستحيل أنه قد أختطف , و دليل أنه حتى الآن لم يتصل بنا أحد يطلب بفدية , ومن ثم نحن عائلة بسيطة , ليست بالثرية حتى يطمعوا فينا, لهذا يا بنيتي , أرجوك , أرجوك عودي لنا , أسعدينا, أدخلي الفرح إلى هذا البيت الذي خيم الحزن عليه منذ أمد بعيد, أرجوك أقبلي , أقبلي , لكي نسعد من جديد.
بوجهه اكتساه الحزن و جعل من الدمع رفيقا له, قالت..
- لا أستطيع يا عمي , لا أستطيع فالأمر............. فالأمر ليس بسهل.... ليس بسهل .... ( و أخذت تبكي بحرقة)
طوقها بكلى يديه و غرسها بين أحضانه الدافئة, و بصوت حاني قال:
أعلم يا بنيتي , أعلم ذلك , لكن يجب أن تحاول, أعلم أنه في البداية سوف تكون الأمور صعبة , لكن مع مرور الوقت سوف تتغير الأمور, عندي أحساس قوي بذلك, فحاول, حاول و لن تخسري شيئا.
- كيف لن أخسر شيئا يا عمي, أنا بهذا الزواج سوف أربط أسمي باسم شخص آخر, سوف يصبح له الحق في التصرف بي كما يشاء , سوف يكون مصيري بين يديه.
أبعدها من حضنه الدافئ , ومن ثم أغمض عينيه , في حين هديل أخذ تنظر إليه باستغراب من وراء ركام الدموع المتكدسة في عينيها...
أخيرا فتح عينيه بعد طول انتظار و من ثم قال..
- لقد و جدتها..
قوست حجبيها إلى الأعلى و من ثم أردفت...
- و جدت ماذا يا عمي؟!
- وجدت حلا سوف يرضي كلى الطرفين و يتم هذا الزواج.
- ما هو يا عمي؟
أمسك بكلى يديها و بحماس أخذ يقول...
- سوف تتزوجان , و بعد مضي عام و احد فقد , سوف نرى , إذا كلاكما أراد الاستمرار كان بها, و إذا لم يرغب أحد منك بأن يستمر في هذا الزواج , سوف ننهي الموضوع , هذا يعني سوف تنفصلان بود و بدون مشاكل, ما رأيك بهذا يا هديل؟
- لكن عمي.....
سد بأصبعه الإبهام على الكلمات الطريق , و أكمل قائلا...
- اسمعي بنيتي, لا تتخذي قرارا الآن فكري على مهلك , ثم أعطيني القرار , عندك حتى الساعة الثامنة مساءا حتى تتخذي هذا القرار, فعائلة أبو أحمد قادمون لسماعه, ففكري بروية.
بدأ الصراع بداخلها يشتد, و الحيرة مطوقة تفكيرها...
مشى أبو عمار ناحية الباب و ما إن غدا بقربه ألتفت ناحيتها و قال...
- بنيتي استخيري ربك, لكي يساعدك على اتخذا هذا القرار.
..................................................
أقبل عليه و الابتسامة على محياه...
- السلام عليكم يا عريس, كيف الهمة , أرجوا أن تكون جيدة.
كان منشغلا في ربط ربطة عنقه ....
أفففففففففففف, من ربطة العنق هذه, أنها لا تريد أن تنعقد.
- أووووووه يبدوا أن الهمة في الحضيض , اهدأ يا صاحبي, فالأمور سوف تكون بخير, و جعلني أتكفل بربطة العنق هذه.
بضيق واضح قال: خذ جرب بنفسك.
أقترب منه ماهر و أمسك بربطة العنق و أخذ يعمل عليها, و من ثم قال..
- بصفتي عشت هذا الموقف عندما كنت ذاهبا لسماع رد خلود, فيمكنك أن تسألني أي شيء بهذا الخصوص فأنا خبرة في هذا المجال.
- لا تقارني بحالك, فأنا ظروفي غير ظروفك.
بملامح وجهن كان شعاره التعجب, و صوت تجلى فيه الاستغراب قال متسائلا..
- ماذا تقصد؟!
بعينين تحملاني في طياتهما الحزن صوبهما ناحية عيني ماهر, الذي توقف عن ما كان يعمله , عندما رأى تلك العينين الموجهة إليه...
قال أحمد بأسى...
- أنت على الأقل كان عندك أمل في أن تقبلك خلود, أما أنا فمتأكد بأن الإجابة سوف تكون الرفض.
ماهر المتألم من كلام صاحبه ونظرة الحزن التي رمقه بها , وجد نفسه ولأول مرة عاجز , لا يجد الكلام المناسب ...
- أوه يا ماهر شكرا لك لقد حليت مشكلتي أخيرا مع ربطة العنق هذه. ( و خط ابتسامة باهتة على شفتيه)
أخيرا نطق ماهر..
- أحمد.
- نعم , ماذا هناك؟
- لا تفقد الأمل فالأمل لا يموت.
أخذ أحمد يبحلق في ماهر لبضع دقائق , ومن ثم لا إراديا و جد شفتيه تشكلان ابتسامة واسعة....
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــع