(4)
في مثل هذا التاريخ وفي مثل هذه الساعة و في مثل هذه الدقيقة منذ خمسة أعوام مضت خرجت من هذا الباب و أنت تعدني بأن تأخذ أجازة طويلة من عملك و تتفرغ لي و حدي, لكن يبدوا أنك لم تأخذ أجازة فقط من العمل بل أخذت أجازة طويلة عني , فمتى سوف تنتهي هذه الأجازة و تعود لي , متى سوف أراك يا من تربع على عرش قلبي , يا من ملك روحي و عقلي و كياني, متى , متى , متى سوف تعود إلى عالمي يا زوجي العزيز....
كانت دموعها على وشكل الخروج إلى الحياة,لكن آل بنهون و بين رأيتهن النور صوت قرع الباب...
ألتفت ناحية الباب و من ثم قالت سائلة :
- من الطارق؟
- هذا أنا عمك يا بنيتي.
- آه عمي, حسن لحظة.
أغلقت الدفتر ومن ثم و ضعته في أحد أدراج المكتب, ومن ثم ...
- تفضل عمي .
دخل و وجهه يحمل في طياته ملامح لم تعتد عليها هديل من قبل...
- مساء الخير بنيتي.
- مرحبا عمي.
- هل عندك وقت لكي أكلمك في موضوع ؟
وقفت هديل ومن ثم قالت...
- نعم, خيرا عمي؟ ( كان قلبها ينبض بسرعة, كأنه ينبها لمشكلة تلوح في الأفق)
- خيرا , خيرا أنشاء الله.
أغلق الباب ومن ثم خطا بضع خطوات حتى وصل الى أحد الكراسي القابعة في غرفة هديل, جلس فيه ومن ثم قال:
- أجلسي هديل.
جلست هديل والخوف قد تملكها...
- خيرا عمي, ما هو الموضوع الذي تريد أن تكلمني عنه؟
أول ما خرج من فمه هو تنهيدة تلها قائلا...
- بنيتي في الحقيقة لا أعرف كيف أبدأ...
قاطعته ....
- خيرا عمي, لقد بدأت أشعر بالخوف.
- خيرا بنيتي, هو الموضوع يخص موضوع زواجك بأحمد...
بترت جملته مرة أخرى, و قالت و الذهول قد أعتلى وجهها....
- أحمد!!!
- نعم أحمد ماذا بك هكذا متفاجأة كأنك لأول مرة تسمعي هذا الموضوع؟!
- ماذا ...., بالفعل أنا أسمع هذا الأمر للمرة الأولى.
- لكن الذي فهمته أن خالتك أخبرتك بالموضوع الزواج.
- نعم..., لكن لم تخبرني بأنه أحمد.
- بنيتي هل هذا الأمر سوف يؤثر على قرارك؟
- كلا عمي, أنا لازلت على قراري.
- بنيتي, اسمعي أنا مقدر موقفك لكن انتظارك ليس الحل.....( قام من مقعده و أقبل عليها و عندما أصبح بالقرب منها , أسند يده على كتفها و قال بصوت دافئ و حنون) .... بنيتي عمار إذا كان حيا لعاد إلينا, ما كان سوف ينتظر خمس سنوات حتى يعود, بنيتي يجب أن ...., أن نقنع أنفسنا بأنه قد .......قد ...( أخذ نفسا عميقا و ما أن أخرج ما في صدره, أكمل قائلا) ... مات. .... لهذا بنيتي يجب أن تكملي حياتك, يجب أن تبدئي حياة جديدة مع شخص جديد يحبك ويعشقك كعمار وربما أكثر.
دائما عندما تعجز عن التعبيري بلسانها عن مكنون صدرها, تتكفل دموعها بذلك, لتبوح بكل ما في قلبها من آهات و آلام و أحزان على ذكر جملة موت الحبيب...
مسح بيده سيل الدموع المتدافعة من عينيها الحزينتان... ومن ثم حضنها بكل حنان... و أردف قائلا..
- أبكي يا بنيتي , أبكي فالبكاء يغسل الأحزان.
في أوج بكائها أخذت تقول ..
- عمي.... عمار.... لا....
...............................
دخل إلى الغرفة و الباب قد سبقه إلى جهة الجدار ليصفعه بشدة, كان وجهه ينبأ بالشر, قام من سريره و الذهول كان صاحبه تلك اللحظة...
بصوت مشحون بالعصبية...
أسمع يا ولد أنت سوف تتزوج بهديل و هذا أمر لا رجعة فيه, فإياك أن تتحامق و تحاول أن تعاندني و تتزوج بتلك الأجنبية, هل سمعة.
بردت فعل لم يتوقعها أبو أحمد ...
خط أحمد ابتسامة على شفتيه و من ثم قال:
- أفعل ما تشاء يا أبي.
خمد الغضب بواسطة الذهول الذي تجل على تعابير وجهه و هو يقول:
- أأفهم أنك موافق على الزواج بهديل؟!
- نعم أبي, متى سوف نذهب لسماع ردها؟
هنا ارتخت عضلات وجهه و بدأت تشكل تعابير الفرح ...
- في الحقيقة لقد اتصلت بأبي عمار منذ قليل و قلة له أن غدا سوف نزورهم لكي نسمع رد هديل.
- غدا.
- نعم, غدا.
- إذا غدا سوف أسمع ردها. ( ومن ثم أخذ نفسا عميقا)
.........................
_ هل أخبرتها بأن عائلة أبو أحمد قادمة غدا لسماع قرارها.
- كلا, لكن حاولت أن أقنعها بأمر الزواج و بأن عمار قد رحل.
بصوت مشبع بالأحزان ...
- آههههههههه يا عمار, لماذا فعلة بنا هكذا ؟ أبقيتن معلقين بين موتك أو حياتك... ( ومن ثم أجهشت بالبكاء)
جلس على السرير بالقرب منها و وضع يده على يدها و قال...
- اهدأ يا أم عمار, يجب أن نسلم بأمر موته, فطوال تلك السنين و نحن نبحث و لم نجد له أثر, لقد رحل , لقد رحل.
- لكن ربما هو لازال حيا لكنه محجوز أو مخطوفا من يدري.
- كم مرة تكلمنا في هذا الأمر, إذا كان مخطوفا لكن الذي خطفه طلب فدية, اسمعي يا أم عمار يجب أن تتحلي بالقوة, فالمسكينة إذا رأتك بهذه الحالة سوف لن تقبل بالاستمرار بدون عمار.
- أ،ت محق يجب أن أتمالك نفسي, فهي قد تحملت الكثير ومن حقها أن تعيش.
- هذا الذي أريد أن أسمعه.
..............................
كانت تخفي دمعها و حزنها باللون الأسود الذي خيم على غرفتها, فدمع لم يجافيها منذ رحيل أبو عمار عنها, و الحزن في قلبها منذ ذكر كلمة موت الحبيب من فم عمها....
أخيرا نورا طعن تلك الظلمة, كان مصدره الهاتف النقال....
تناولته بعد مدة من الرنين....
بصوت مبحوح من كثرة البكاء...
- ألو..
- ........... ألو هديل, هذا أنا أحمد ......أنا .......... أنا آسف على ...... اتصال بك في مثل هذا الوقت...... و لأنني ....... أكلمك من خلال هاتفك النقال.......... لكن.......( أزدرد ريقه ) ....لكن كان يجب أن أقول لك شيء قبل أن تتخذي قرارك .....هذا الشيء هو ...........هو ..........هو أني .....( أخذ صوت أنفاسه تتسارع ) أنني أح...ب..ك .(ومن ثم أغلق سماعة الهاتف)
في حين أن هديل ارتخت قبضة يدها مما أدى إلى أن يسقط الهاتف من يدها إلى الأرض و يتبعه جسدها وثم دموعها المرة.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع