دخلت عليه غرفته , لتجدها قد احتلت من قبل الظلام, ليأخذ الحيز الأكبر منها, إلا أن هناك بصيص من الضوء, ناضل في سبيل أن يخترق هذه الظلمة المطوقة به, كان مصدره تلك الأبجورة القابعة بالقرب منه, أما هو فقد كان جالسا في أحد الكراسي المتواجدة في غرفته , ساندا رأسه بيديه المعقودتان, وكوعيه مسنودتان على فخذيه , كان ساكنا, لا يصدر منه لا صوت و لا حركة, بدا كأنه تمثال.....
حاولت أن تكسر حاجز الصمت هذا بقولها:
- لقد نامت أخيرا ليلى, يا لهى من مسكينة, منذ بضعت أيام خسرت أمها, و ها هي ذا تخسر زوجها, الله يكون في عونها.
لم يأتها منه سوى الصمت ..... و سكون....
فقررت أن تقترب منه , لتتعين حاله ...
وبالفعل ....
أخذت تمشي قدما ناحيته ...
توقفت ....
سحبت كرسيا .....
و جلست أمامه مباشرة....
حدقت به لبضع ثواني......
لم تجد حالا سوى أن تفتتح هي الحوار....
- أحمد .....
بتر جملتها بقوله :
- لقد اعتذر مني ....... لم يفعل شيئا لي لكي يعتذر مني , أيعتذر مني لأنني أنا المخطأ.....
هديل التائهة بين كلمات أحمد , قالت :
- عن ماذا تتكلم يا أحمد؟!
- أيعتذر مني لأنه كان هو الشخص الصائب , وأنا المخطأ........ أم لأنه كان يساعدني ........أم .....
( أخذ نفسا عميقا , ليليه بزفرة) .......... يجب أن أعترف .... لا فائدة من الهرب من الحقيقة أكثر من ذلك ..... لقد حاولت أن أتحاشى قولها منذ زمن ....... لأن الاعتراف بها صعب ........ صعب...., لهذا فضلة أن أبني الكره عليه , من أن أقف و أنظر إلى نفسي , و أكتشف الحقيقة المرة..... فظلة أن أحول أعماله الجيدة إلى أخطاء..... حاولت أن أحاول مساعدته لي إلى الإيقاع بي.... كان هذا أسهل ..... أسهل بكثير من قول الحقيقة ... الاعتراف بها..... أنا الذي كان يجب أن يعتذر منه ليس هو , فأنا دائما ...........دائما ........ ( كم ثقل لسانه في تلك اللحظة...... لحظة الاعتراف بالحقيقة المرة ...... التي طالما هرب منها ) ......دائما المخطأ .......وهم الصح ....... ( توقف ...... لم يزيد شيئا ..... ليعود الصمت سيدا للموقف من جديد).......
أخذت يديه الشامختان ترتعشان .......
فمدتهما بالأمان ....... بإمساكها ليديه......
رفع رأسه ...
ليظهر رأسه من وراء يديه ........
ولينكشف لها وجهه المبتل بدمع .....
وعينيه الحمراوات....
و شفتيه المرتعشتان....
في الداخل اهتز كيانها لرأيته بهذه الحال.....
وأثار تعجبها ....
لكن في الخارج...
أظهرت وجه القوة ...
ورباطة الجأش ....
لأنها إذا انهارت ......
فسوف ينهار جميع من في البيت...
يجب أن يكون هناك أحد صامد..... يمد من انكسروا .... بشجاعة لتجاوز هذه المحنة ....
حررت يديه من يديها, و قالت :
- أحمد أنت....
قاطعها قائلا:
- أنا شخص مريض ..... لا يفعل هذا الشيء سوى شخص مريض..... أنا مريض ......( أخذت طبقة صوته ترتفع وهو يقول... وفي نفس الوقت يضرب بكلى يديه رأسه) أنا مرض.......أنا مريض......مريض.....
أمسكت بيديه ........ لتردعها عن الذي تفعله.... و أخذت تصرخ قائلة.......
- كفى ... كفى لا تقص على نفسك أكثر من ذلك.....
توقف عن الضرب .........
و أخذ يحدق بها بعينيه المحمرتان......
و فعلت هي الأخرى المثل.....
نطق أخيرا, ليضع لهذا الصمت حدا...
- هديل أترضين أن تعيشي مع شخص مريض مثلي ؟
فوجئت ........ ذهلت....... بسؤاله .....
اتسعت حدقت عينيها.....
رفعت كلى حاجبيها إلى أعلى .... لتترجم الذي داخلها من ذهول .......
أمسك بكلى يديه ....و نحنا ناحيتها ....
و كرر سؤاله :
- هديل أترضين أن تعيشي مع شخص مريض مثلي؟
أخذت نفسا ....... و من ثم طأطأت رأسها ....
أثاره صدمته صمتها....
ارتخت قبضت يديه على يديها...
وقال بصوت يقطر أسا ....
- ومن يعيش مع شخص مثلي ........ مريض ......تاءه .....
- أحمد أرجوك يكفي....
- هديل أنا لا أستحقك......... ربما في يوم من الأيام أنقلب عليك كما فعلت بياسر... و من أحببتهم... , في الواقع أنا لا أستحق أحدا في العالم قاطبة ......لأني شخص مريض.... هديل أنت لا تعرقين شيئا عني... عن حقيقتي ...... سوف تكرهينني إذا علمت... ليتن أنا كنت الذي مات و ليس ياسر....... لأنني أنا الشخص الوحيد في هذا العالم الذي يستحق الموت ...... الموت ....... الموت ....
وضعت يدها على شفتيه, و صحبتها بكلماتها التالي:
- أرجوك كفى, لا تقسوا على نفسك أكثر من ذلك, أرجوك.
أمسك بيدها , و أبعدها عن شفتيه , و قال:
- إذا كنت أنت ,أكثر شخص في العالم أحبه , لا تريدين أن تعيش معي, فلماذا أعيش , لماذا أستمر؟
حاولت أن تمسك دموعها المتربصة .....
رفعت رأسها إلى أعلى .....
أخذت نفسا عميق , ومن ثم أخرجته من صدرها ....
أنزلت رأسها ...
صوبت عينيها ناحيته ...
و قالت:
- ومن.... قال أنني ..... أنني ....... لا أريد أن.... أن أعيش معك ؟
من بين تلك الأحزان التي كست وجهه .....
وجدت ابتسامة مكانا لها على شفتيه .....
هوا عليها ...
و طوقها بكلى يديه ...
و جعلها تزور حضنه...
وبنبرة صوت مشبعة بالفرح قال:
- أأفهم من كلامك بأنك لن تتركيني ؟
أغمضت عينيها بشده ....
فتحت فمها لكي تجبه على سؤاله.... لكن لسانها خذلها ...... لم يتحرك لينطق بردها ......
أبعدها من حضنه ...
وبوجه مرتعد.... و بنبرة صوت تميل إلى الخوف قال:
- هديل أجيبيني, أرجوك.
أخذت تحدق به...
رأت حاله السيئة...... و التي تنذر بالخطر..... إذا قالت الجواب الخاطئ...
فضغطت على نفسها ...... و أجبرت لسانها على نطقها ...
- بطبع لن أتركك.
عادت البسمة لتشرق على شفتيه .....
وعادت كلتا يديه لتطوقانها....
وقال و الفرحة تشع في عينيه, و تغلف صوته...
- كم أحبك يا هديل ...
في حين أنها كان الألم يعتصر قلبها.....
ضنت أنه هذا نهاية تعذيبه لها.....
لكنه في الواقع كان مقدمة لعذاب أكبر......
هاهي شفتيه تتحرك..... لتنتق بما لم ترد أن تسمعه منه....
- عديني بأنك لن تتركيني ...... عديني......
فتحت عينيها أوسع ما يكونان ....
لقد كان وقع كلامه كسوط الذي بنهال عليه بضرب ...
( أعدك ....... كيف ....... كيف أعد بشيء كهذا ....... لماذا تعذبني يا أحمد لماذا؟) صرخة دوت في داخلها...
- عديني يا حبي, أرجوك, فأنا لا أستطيع أن أعيش بدونك...... لا أستطيع ...
- أحمد ...
بحماس قال:
- نعم حبي...
أخذت تصارع .... تجاهد في سبيل أخراجها من حنجرتها .......
عضت على شفتيها .....
فكلمة لا تريد أن تهجر حنجرتها....
بحروف متناثر نطقتها ...... بعد صراع مرير...
- أ .... ع...دك.
وهوت دموعها من مقلتيها ......
تهلل وجهه بالفرح ........ و أخذ يضمها أكثر فأكثر ناحية صدره .......
و يقول و البسمة على محياه:
- و أنا كذلك حبي , أعدك بألا أتركك ..... مهما كان .......... كم أحبك يا هديل.......
أخذت نفسا ...... رفعت يدها ...... و مسحت دمعها .... و تماسكت ...... وحاولت أن تجعل صوتها طبيعيا ..... كأن شيئا لم يحصل.....
- هذا......... أمر....... جي....د
دوت صرخة في أرجاء المكان ........ تبعها صوت شيء يكسر.....
فابتعدت من حضنه ... و لتفتت إلى ناحية الباب....... ثم عادت أليه و قالت .... و ذعر قد أحتل قسمات وجهها :
- ليلى ......
فركض كليهما ناحية غرفة ليلى ..... و ذعر و الخوف قد تملك قلبيهما ....
فتحت هديل باب غرفة ليلى ........ لتصدم بالمنظر الذي رأته خلف هذا الباب.....
فالغرفة تغيرت ملامحها ...
فلفوضى تعم المكان...
وبقايا الأبجوره قد تناثر على الأرض ..... و بالقرب منها غطاء السرير ........
رفعت رأسها لتجد ليلى جالست في أحد زوايا الغرفة...... مغطية رأسها بركبتيها ...... و يديها يحيطان بركبتيها .... و تكرر قائلة بلا كلل أو ملل ........ بصوت ملئه الحرقة و الألم :
- أنا قتلته ...... أنا قتلته ...... أنا قتلته ......
ألتفتت إلى خلفها..... لتنظر إلى أحمد لتجده مثلها ........ يتألم لرأيت ليلى بهذه الحال......
أعادت بصرها ناحية ليلى..... أخذت تتقدم إليها ببطء....
توقفت أمامها مباشرة....... ومن ثم جثت على ركبتيها ....
رفعت يدها المترددة .... و وضعتها على كتف ليلى ........ التي رفعت رأسها من وراء ركبتيها ..... لتصدم هديل برؤية وجهه ليلى ...... الذي غطى شعرها المتناثر بعشوائية نصف وجهها ..... و دمع ينسكب من عينيها ..... الحزينتين ....... المتألمتين ......
قالت بصوت باكي:
- أنا قتلته يا هديل.... بعنادي ........ لو وافقتهم على طلبهم, لما دخل السجن ........ و لما قت...............ل ...... ( و انفجرت باكية , ورمت بجسدها لأحضان هديل , التي استقبلتها ........ و أحاطتها بكلى يديها ).
رفعت أحد يديها , و أخذت تمسح بها رأس ليلى , و هي تقول:
- ليس خطأك , الخطأ هو خطأ عمك و ابنه ...... أنت لم تفعل شيء يا عزيزتي....... سوا أنك وافقت على طلب ياسر, هو الذي لم يردك أن تتنازلي عن حقك.... لهذا لا تلومي نفسك على شيء لم تفعله يا عزيزتي....
وعادت ليلى لتسكب المزيد من الدموع .....و من بين شهقاتها و دموعها المنسكبة قالت:
- لا أعلم كيف سوف أعيش بدونه ..... لا أعلم .........
غرستها إلى ناحية حضنها أكثر...... وقالت :
- نحن سوف نساعدك على ذلك عزيزتي....
أما أحمد فقد اكتفى بصمت, ومتابعة الذي يجري........ فهو نفسه منهار ...... ليس بيده حيلة لكي يخفف على ليلى ......
.................................
بصوت مشبع بالحرقة , قال:
- مرحبا هديل..
- أهلا أحمد , ما الأخبار؟
- كيف سوف تكون الأخبار, بتأكيد سيئة ( أخذ نفسا عميقا, تبعه بزفرة و أكمل قائلا) لقد أخبرتهم منذ قليل بوفاة ابنهم , فكيف سوف تكون حالهم سوا سيئة .
بنبرة صوت حزينة قالت:
- كيف حالهما؟
- أمي قد انهارت ......... أما أبي فبرغم من تماسكه إلا أنه واضح أنه في داخله مصدوم و غير مصدق ....
- الله يكون في عونهما....
- عزيزتي ........ لقد أخبرتهم بخصوص ليلى ...... وطلب أبي أن تحظر ..... لهذا جهزا نفسيكما فأنا قادم لأقلكما .......
- حسن أحمد .
- إلى اللقاء.
- إلى اللقاء.
................................
- هل أنت السيد عمر رمزي ؟
بوجه اكتساه التعجب , لرأيت الشرطي واقف أمام عتبت باب بيته , و سؤاله عن أبيه, قال:
- لا , أنا أبنه , خيرا ؟!
- إذا أنت سعد عمر؟
أزدرد ريقه بصعوبة, و رد عليه قائلا:
- نعم , أنا هو , خير أيه الشرطي , ماذا هناك ؟
- أنت و أبيك متهما بجريمة قتل ياسر كمال.
................................
بصوت ثائر ......... وحانق ...... و حاجبين مقطبان قال:
- ذلك الأحمق فريد ...... كيف يقتله ........ نحن طلبنا منه أن يضايقه حتي ينصاع لأوامرنا ........ لا أن يقتله ... يا لهو من أحمق ...... أنا المخطأ لأني تعاملت مع مجرم مثله ...... أنا المخطأ....( وضرب بقبضة يده في راحت يده الأخرى )
- أبي لا فائدة من هذا الكلام الآن , لقد أصبحنا الآن في السجن , و فريد قال بأننا نحن من طلب منه أن يقتل ياسر....... لقد انتهينا ........ سوف نشنق ........ سوف نشنق......... ( و أخذ يبكي)
- ماذا بك جالسا هكذا تبكي كالنساء, تصرف كرجل مرة في حياتك.....
- ماذا تريدني أن أفعل .........ها ؟ لقد انتهى أمرنا ...........سوف نموت ...... أنا لا أريد أن أموت ..... لا أري........د ( و عاد لموجة البكاء من جديد)
أنحنى إلى مستواه ........
أمسك بقبة قميصه.....
و أخذ يهزه بقوة ...
ويصرخ عليه بصوت مشحون بالضيق:
- كفى ........ قلت لك كفى ........
جاءهم صوت الشرطي ليقطع موجة غضب أبو سعد .....
- أنتما كفى صراخا ........ من دخلتم هنا و لم نهنئ بيوم واحد دون أن تزعجونا بصراخكم ... فصمتوا ....... و أنت يا عمر تعال عندك زيارة ....
رفع أحد حاجبيه , و أشار بأصبعه ناحيته و هو يقول :
- أنا ؟!!
- نعم.......... هيا أسرع ....
.................................
- ليلى هل أنت متأكدة بأنك تريدين أن تكلميه ؟
أخذت نفسا عميقا ومن ثم أخرجته من صدرها , و هزت رأسها بالإيجاب , تبعتها قائلة :
- نعم أحمد أنا متأكدة , يجب أن أكلمه ....... أن أكلم قاتل زوجي ........ لأصفي عنده بعض الأمور العالقة....
- حسنا ....... سوف أنتظرك هنا...
- هيا
سيدتي ....... يمكنك رأيته الآن....
...............................
بوجه صبغ بالصدمة ....... وذهول لما وقعت عيناه على زائره ...
جلست بكل هدوء ...... و ببرود أعصاب قالت:
- مساء الخير يا عمي ......... أم الأفضل أن أناديك بالقاتل ؟ قل.....
مرر لسانه على شفته العلي , و قال بارتباك :
- أسمعي يا صغيرتي........ أنا......... أنا ليس لي دخل بهذا الأمر ........ أنه يتبلا عليه ..... أقسم لك ..........
- كفى أرجوك أكاذيب ....... أنت في السجن الآن و لازلت تكذب .....
- أنا لا أكذب ......... إذا أردتي سوف أقسم على روح أبيك حتى تصديق ....
بسرعة البرق قامت من مقعدها ........ لدرجة أن الكرسي أختل توازنه و هوا على الأرض .......
رحل عنها الهدوء و برودة الأعصاب التي لبست قناعيهما ...... و خرجت مشاعرها الحقيقية التي تعتصر قلبها , من ضيق ....... غضب و......... حرقة ....
- لا تذكر أبي مرة أخرى على لسانك ....... يا لك من شخص دنيء منحط .... لا يهمك سوى نفسك أنت و أبنك ....كلاكما وجهان لعملة واحدة......... أنا أقسم لك بأنه لن يهنأ لي بال حتى أرى حبل المشنقة يحيط بعنك أنت و أبنك ...... أقسم لك ......
ورحلت عنه ..... ودمع قد وجد طريقه إلى خارج مقلتيها .......
في حين أنه ذهل مما رآه ....... و سمعه منها ....... ففي حياته كلها لم يرها بهذه الحال قط .......
.....................................
- مازلت مصممة على رأيك أبنتي؟
- نعم عمتي , يجب أن أسافر ........ فلم يعد لي مكان هنا .........
- ما هذا الكلام بنيتي , وماذا عنا ..... لقد أعتدنا على وجودك خلال الخمس أشهر الأخير ...... لقد أصبحت بمثابة أبنتنا ...
- و أنتم كذلك عمي أصبحتم بمثابة والدي, لكن أنا أريد أن أبتعد قليلا , منها أكمل دراستي ....... ومنها أغير الجو......
قالت هديل:
- دعوها على راحتها , فهذا أفضل لها , بأن تشغل نفسها بدراسة ...... و تكسر الروتين الذي تعيشه ....... وهي وعدتني بأنها في كل أجازه تصادفها سوف تزورنا....... أليس كذلك ليلى؟ ( وجهة بصرها ناحية ليلى , و قد رسمت بسمة على شفاهها )
بادلتها بابتسامة هي الأخرى وقالت :
- بطبع , فأنتم الذين بقوى لي في هذا العالم .
أخذ نفسا , ومن ثم قال أبو أحمد :
- حسنا بنيتي , على راحتك ..... لن نضغط عليك أكثر من ذلك ......
قالت أم أحمد:
- كما تشائين بنيتي , مادام هذا في مصلحتك , فلن نمنعك ......
زادت من سعت ابتسامتها و قالت بفرح:
- شكرا لكم عمي و عمتي ...
قال أبو أحمد: بنيتي لا تشغل بالك بالشركة ..... فأنا سوف أتدبر شؤونها ...
- بطبع عمي ... فأنها في أيدي أمينه ..
قال:
- أشكورك على ثقتك بي....
قالت هديل:
- أسمعتم هذا ...... بتأكيد هذا صوت زمور أحمد يريدك أن تخرجي له ...... لكي يقلك للمطار.....
- حسنا , حان وقت الوداع ....مع السلامة .....
.........................................
( من يصدق هذا ........ فغدا سوف يمضي عام كامل ....... على خرجي من بيتنا ......... و دخولي بيت عائلة أبو أحمد ...........وزواجي من.............من شخص غيرك ......... لقد حدث أمور كثيرة خلال هذا العام ........ لأمور أجبرتني على التغير........ لكن لا تخف........ فلازلت أكن لك مشاعر الحب ...... ( سرحت قليلا ...... ومن ثم تبسمت ضاحكة ......و قبل أن ينساب حبر قلمها على ورقها من جديد....... جاءها صوت مذعور من وراء الباب و هو ينادي باسمها )
- سيدة هديل......سيدة هديل......
أصيبت بالهلع عندما سمعت صوت الخادمة المذعور.... فركضت ناحية الباب...... و فتحته بسرعة .... وقالت :
- ماذا هناك أمل؟
- سيدتي أم أحمد, و جدتهما ممددة على الأرض بلا أي حراك في غرفتها......
زاد خوفها و هلعها....و قالت:
- يا الله .......
وركضت هي والخادمة بأقصى سرعتيهما ناحية غرفة أم أحمد ...
تاركة كتيب أسرارها ......... فريستا سهلة لكل فضولي....
..........................................
قالت هديل معاتبة:
- أنا المخطأة كان يجب ألا أوافقك على طلبك بأن تقوم بتناول دوائك لوحدك, كانت أعلم بأنك سوف تنسي كالعادة....
ابتسمت أم أحمد , و قالت:
- الناس جميعا ينسون هذا أمر طبيعي ...
بحزن تجلى على محياها , و غلف نبرة صوتها قالت:
- لكن في حالتك أنت , نسيانك كان سوف يكلفك حياتك, لقد مت من الخوف عندما رأيتك ممددة على الأرض بلا حراك ....
فتحت أم أحمد حضنها لها ...... فاستجابت لدعوتها هديل ...... و اندفعت ناحيته....
- أنا آسفة بنيتي , أعدك بأنني لن أكررها.......
قالت هديل:
- ومن قال لك بأني سوف أسمح لك بأنك سوف تكررينها, أنا من اليوم سوف أعطيك أدويتك.... وهذا أمر لا يقبل النقاش...
ابتسمت أم أحمد وقالت:
- أمرك سيدتي.....
وانفجرت كلاهما ضاحكتان ....
.............................
دخلت غرفتها الذي كان بابها مفتوحا على مصراعيه ...... فوجئت به واقفا أمام السرير ..... و ظهر موجها ناحيتها ....
تعينت ساعتها ومن ثم قالت و الابتسامة خطت على شفاهها ...
- أحمد لقد عدت من العمل , يال المفاجأة ....
بصوت بالكاد يسمع قال:
- أنت التي فاجأتني .......
- ماذا قلت ؟
ألتفت ناحيتها و في نفس الوقت أخذ يصرخ بصوت يشوبه الضيق قائلا:
- أنت التي فاجأتني .....
ورما ناحيتها شيئا ....
سقط ذلك الشيء أمامها........
نظرة ناحيته ......... لتكتشف أنه كتيب أسرارها ......
أخذت الابتسامة تتلاشى شيئا فشيئا من شفتيها ....
وحل محلها الذهول, ممزوجا بالضيق:
- كيف ....... كيف تقرأه بدون إذني ؟
قطب حاجبيه وزمجر قائلا:
- بعد الكلام الذي كتبته , بكل وقاحة تصرخي في وجهي ( كور كلتا يديه ...... ليشكل قبضة ....... لكي يمتص الغضب الذي يسري في عروقه ) ........... لقد..... لقد لقد ضننت بأنك بدأت تملين إليه..... كلماتك .... نظراتك .......كل شيء تفعليه كان يدل على أنك بدأت تحبني.... لكن ....... لكن يبدو بأني كنت أعمى .... انغشية بالظاهر ....... و لم أرى ما بداخلك..........( رفع رأسه ناحية الصقف , غطى وجهه بيديه المرتعشتان ) ........
هدأ ثورانها ..... و أخذت تقترب منه ....... بدأت عينها تهدد بفوج من الدمع مقبل ...... وقفت أمامه ...... مسك بيديه .... و أبعدتهما عن وجهه...... الذي يعتصره الألم .....وقالت :
- أنت فهمت الأمر خطأ يا أحمد .....فأ.....
بتر جملتها بنبرة صوت حاد:
- فهمت خطئا ......... كيف فهمتك الأمر خطئا, لقد كتبت في كتيبك ذاك بأنك لازلت تحبيه ( و قد أشار على الكتيب الملاقى على الأرض)..............
أمسكها من كلى ذراعيها , و أخذ يهزها بقوة وهو يصرخ في وجهها بجنون قائلا:
- لماذا لازلت تحبينه .......... لماذا لازلت تتمسكين بشخص ميت........... نعم عمار مات ..........مات منذ خمس سنوات...........و أصبح في تراب ........... أتريدين دليلا ..... أنا أكبر دليل على ذلك .... أتعلم لماذا ؟؟؟؟؟؟ لأني ( في لحظة غاب العقل فيها .......... و سيطر الغضب ..... ليعمي عن بصيرته ........ ما هو مقدم على قوله .......... فنطق لسانه ما جاهد سنينا في إخفائه ودفنه بين ضلوعه..... فنطق لسانه بشيء الذي أرقه ........ و أزعج مضجعه ....... فنطق لسانه بنقطة سوداء في حياته ... ) لأني أنا قتلته ........
فتحت عينيها على مصراعيهما ...... و كذلك فمها ......
أخذت تحدق به في ذهول.......
و أنفاسها بدأت تهرب منها ......
و قلبها يركض بين ضلوعها ....
و جسدها أخذ يرتعش .....
و قدماها لم يعودا قادرتان على حملها.....
أخير تفطن لما قله ......... و وعى لصاعقة التي خرجت حنجرته ......... حرر ذراعيها من قبضت يده ........ و وضعهما على وجهه .....و أخذ يقول بذهول :
- ماذا فعلت ........ماذا فعلت .......
دخل إلى طبلت أذنه صوت شيء يسقط.....
فأبعد يديه عن وجهه , ففوجئ بهديل ممددة على الأرض , بلا حراك ........
...............................................
أخذت تفتح عينيها ببطء........... فوجدت نفسها في مكان آخر......... غير غرفتها .......
رفعت أحد حاجبيها إلى أعلى , وأخذت تقول بصوت واهي:
- أين أنا ؟!
جاءها صوته :
- حبيبتي..... لقد استيقظت ........ الحمد لله .......
ألتفتت إلى يمينها ..... حيث كان مصدر الصوت قادما ....
لتصدم به ....... جالسا بالقرب من السرير ...... و ممسكان بيدها اليمنى بكلى يديه.....
أخذت أنفاسها الثائرة تلفح وجهه ....
سحبت يدها من يديه .....
وبمسحة من الذهول مصحوبة بالغضب ...... قالت بأعلى طبقة من صوتها :
- كيف تجرئ وتريني وجهك مرة أخرى....... أخرج ..........أخرج.....لا أريد أن أراك مرة أخرى في حياة ........ أخرج........
بوجه حزين ........ و بصوت راجي , أخذ يقول:
- أرجوك يا هديل أسمعيني ......... أعطين فرصة أفهمك الذي حصل..........
بنفس حدة صوت أخذت تقول:
- أتريد أن تسمعني المزيد من الأكاذيب ......لا ......... لا لقد اكتفيت ......... أخرج ...... أغرب عن وجهي حالا.......
بإصرار و تصميم ......قال متحديا :
- لن أخرج ....... لن أخرج حتي تسمعي ما جرى .........
بترت جملته قائلة:
- لا أريد أن أسمع شيئا ........ فتركني ........ أتركني.....
- بل سوف تسمعين .......... لقد تعطلت سيارتي في الطريق الصحراوي بين مدينتنا و المدينة المنارة .... كنت عائدا إلى مدينتنا ......
عادت لتقاطعه بصراخها ......
- قلت لك لا أريد أن أسمع شيئا ....لا أريد ....... ( و وضعت يديها على أذنيها )
صرخ هو الآخر قائلا :
- بل سوف تسمعين و حتى النهاية ......( و أمسك بكلى يديها و بصعوبة أخذ يبعدهما عن أذنيها, في حين أنها قاومت في سبيل أن تسد الطريق عن كلمات للمضي داخل أذنيها , لكنه هو كان الفائز .......... أبعد كلى يديها ....... و ضل ممسكا بهما , و أخذ يسرد قصته )
- لقط تعطلت .... اتصلت بصديق ..... لكي يأتي و يقلني ........ وجلست أنتظره ........ مرة سيارة بالقرب مني ........ ومن ثم عادت أليه .......وترجل منها رجل ......... ( أبتلع ريقه و من ثم قال) كان هو ....... عمار........ ألقى عليه السلام ... فرديت عليه السلام ........ أقترب مني ومن ثم قال:
- يبدوا أن سيارتك تشكو من شيء.....
- نعم ...... لكن صديقي سوف يأتي و يقلني.....
- ولماذا تنتظر حتى يأتي صديقك ........ أنا سوف أقلك ....
- لا شكرا ........ فأنا طريق غير طريقك......
- لا عليك يا صاحبي ....... سوف أذهب بك إلى أقرب محل لتصليح السيارات ....... فهو لا يبعد سوى بضعت أمتار من هنا ...... هيا يا أحمد فلنذهب ....... فالجو حار هنا ........ و شمس حارقة .....
بنبرة صوت مشبعة بالضيق:
- قلت لك لا أريد أن أذهب معك .......... ألا تفهم .......
قوس عمار حاجبيه إلى أعلى و هو يقول:
- ماذا بك يا أحمد ........ لماذا تتكلم معي بهذه الطريقة ....
بنفس طبقة الصوت أخذ يقول:
- وكيف تريدني أن أكلمك ....... ها ؟ لقد أخذتها مني ....... أخذتها مني ........
زاد تعجبه و حيرته من كلام أحمد المملوء بطلاسم :
- أخذت ماذا منك؟
صرخ بأعلى صوته :
- هديل ........... في حياتك لم تحبها .......... لقد أخبرتني بأنك تعتبرها أختا لك لا غير...... فلماذا تزوجتها ......... لماذا .....أللآن أبوك طلبا منك ذلك....... لماذا لم تخبرهما بأنك لا تحبها ......... لماذا أخذتها مني......
قطب عمار حاجبيه , و ثار هو الآخر :
- ما هذا الكلام يا أحمد . هل جننت ؟
- نعم ........ نعم أنا مجنون ....... مجنون بحبها........ أنا الأحق بها ........ فأنا الذي يحبها ......
- كلا ....... أنا الذي أحبها ......... وهي تحبني ........فكفى أوهاما يا أحمد ..... لا أصدق ما أسمع و أرى منك الآن...... ( و أخذ يهز رأسه بأسى ) ( و أعطاه ظهره, و ذهب إلى سيارته )
ركض ناحيته , أمسك بيد و أجبره على الالتفاف ناحيته .....
و بأعلى طبقة من صوته قال:
- تحبها ....... أهذه كذبة أخرى ؟
سحب عمار يده من قبضة يد أحمد , و قال بنفاذ صبر:
- نعم أحبها ....... خلال هذه السنة التي أنقضت ..... نما حبها في قلبي........ لقد جعلتني أكسر حاجز الأخوة الذي بيننا .......و أن أصبح أحبها ....... و أعشقها ........ فأيان و إياك أن تقترب من هديل مرة أخرى .... ( و رفع أصبعه متوعدا ..... ومن ثم ألتفت من جديد ليكمل طريقه ) ...
تاركا أحمد........ تثور ثائرته ......... و يتجسد في جسده شخص آخر....... لا يرى سوا أمامه سوى شيء واحد ........ بأن ينقض على من سرق حبه منه ...... فركض بأقصى سرعته ....... و نقض على عمار......أمسك برأسه...... وأخذ يهوي به على باب السيارة ....... و هو يصرخ قائلا :
- أتهددني .....ها ........... لا تريدني أن أراها ...........حسنا يا عمار........ و أنا أيضا لا أريدك بأن تراها .........
و أخذ يدفع برأس عمار ناحية الباب المعدني الذي يجاهد في سبيل أن يمنع أحمد ........ لكن بلا فائدة .....
كل هذه الأحداث مرة أمام ناظريه كشريط فيديو .......
- لم أستيقظ ألا بعد أن لطخت يديه بدم ....... و أصبح ..........عمار كخلقة بين يديه .......... لا أعلم ما جرى لي في تلك اللحظة ........و الله لا أعلم .......كيف حدث ذلك ......لا ......أعلم ( وجهش بالبكاء )
أخذت تحدق به ..... بذهول......... بعدم تصديق ...........بعدم استيعاب....... أنسلت دموعها بدون أن تشعر .........
بصوت مهزوز ....و بشفتين يرتعشان قالت :
- و أين هو الآن ؟
رفع رأسها ناحيتها ...... أخذ نفسا ومن ثم قال:
- لقد ..........دفنته ........هناك..... في الصحراء.....
حررت يديها من يديه .....
ودفنت بهما رأسها .......
و أخذت تبكي بحرقة .......
- أرجوك هديل.........أرجوك ......... سامحيني ......... سامحيني........ و الله لم أقصد أن يحصل ذلك ...... حدث ذلك رغم..........
جاءت يدها على خده ........ لتبتر جملته .......
أخذ يحدق بها بعينيها المتسعتان .....
- أغرب عن وجهي حالا ......... فأنا أكرهك ......... أنقتك .......... لم أعد أطيق رأيت وجهك أيه القاتل.......( قالتها بأعلى صوتها)
عض على شفته السفلى ......
و أغمض عينيها بقوة ....
أخد نفسا عميقا ....... تلاه بزفرة قويه .....
فتح عينيه ....
وقام من مقعده .......
وبانكسار .........
خرج من غرفتها ......
تاركا إياها تسبح في بحر الأحزان من جديد ....
..................................................
برجلين متثاقلتان أخذ يمشي في شوارع المدينة....بلا هداية ........و لا وجهتين معينه ........ فالحزن أصحب صاحبه ........ و الدمع بات لا يفارق عينيه ......
وعينين حائرتان لا يعلمان أين يذهبان ......
لمحت عينيه هاتفا عموميا .......
قفزت إلى ذهنه فكرة ......
فهرول ناحية الهاتف العمومي ...
بسرعة البرق وضع العملة المعدنية ....... و أخذت أصابعه تقفز بين الأرقام .......
تسلل إلى مسمعه صوت الهاتف يرن ....
جاءه صوتها المكبل بالأحزان, و هو يقول:
- ألو......... ألو ........... ألو ...... ( لا من مجيب )
أغمض عينيه وقال دفعتا واحدة :
- سوف أسلم نفسي لشرطة ......... فقط سامحيني...... أرجوك ......
جاءها صوته ...... ليصبها بصدمه ........
- هذا أنت ؟ ............. أحمد أنت مهما فعلة لن تغير صورة القاتل التي أراك بها ......و لن تغسل دماء عمار الملطخة بها يديك ....... الحمد لله لأني لم أكمل ذلك السطر...... و لم أكتب بأني لازلت أحبك لكن كأخ .....لأني لو أكملته لما اكتشفت حقيقتك ........ أيه القاتل.......... أحمد مقدار الحب الذي كنت أكونه لك الآن أكرهك ............ أكرهك ...............أكرهك ............. ( أخذت تكرهها بأعلى صوتها ) ........
هوت السماعة من يده التي لم تعد قادرة على حملها ......... تبعها هو بجسده ......فجثا على ركبتيه ....... و صدمة قد ارتسمت على قسمات وجهها........ و بشفتين مرتعشتان أخذ يقول:
- تحبني........ لقد أحبتني..........هديل أحبتني ........... وأنا ........... وأنا أفسدت كل شيء......... أفسدت كل شيء.......( أخذ يضرب رأسه براحة يديه) لماذا لماذا ......... لماذا فعلة ذلك؟ .......... ( دوت صرخته في أرجاء الشارع ...... لتهزه )
النهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاية