فتح عينيه على وقع صوتها و هي تناديه باسمه...
- أحمد ..... أحمد .......
- هديل ... ( أخذ يمسح وجهه)
رفعت كلى حاجبيها إلى أعلى و هي تسأله قائلة :
- أكنت نائم هنا طوال الليل؟!
- نعم كنت هنا , لكني لم أنم , فقط كنت أريح عينيه قليلا.
- لماذا لم تنم ....... أهناك خطب ما؟........ ( بعد تردد, و صراع داخلي , هل تنطقها أو لا , حزمت الأمر بأن ....) أهو بسبب الكابوس إياه؟ ( و ازدردت ريقها )
أخذ يحدق بها لبضع ثواني ....
ومن ثم ابعد أنظاره المذهولة عنها , و بعثرها على الأرض...
- كلا .... فقط .... فقط لم أستطع النوم ...
لم يخفى عليها ارتباكه....... يبدو أن ذلك الكابوس لازال يلاحقه ....
( ما سر ذلك الكابوس , و لماذا لا يريد أن يحدثني عنه ؟ ) .... أسئلة دارت في خلدها تلك اللحظة....
أعاد عينيه ناحيتها , ومن ثم قال :
- لماذا أنت هنا, أهناك خطب ما؟
- كلا, لا يوجد شيء, فقط كنت ذاهبة لكي أتناول طعام الإفطار, أتريد أن ترافقني ؟
رسم ابتسامة على ثغره .... لتترجم الفرحة التي يعيشها تلك اللحظة في داخله...... هذه أول مرة تدعوه لفعل شيء معا ..... أخيرا ...... أخيرا ....
- نعم, بطبع ...
...........................
أول ما وقعة عينيه عليه , تأفف و أخذ يقول بصوت ذو نبرة غضب :
- ألا تفهموا أنت و أبنك ؟ قلت لكم لن أساعدكم , فكفى , توقفوا عن الاستمرار في تكررا طلباتكم عليه , فأنا لن أرضخ لكم مهما فعلتم ...
لم يبادله بالمثل , بل ابتسم له....
ورد عليه بصوت هادئ...... خالي من أي انفعال:
- في البدء أسمع ما لدي ومن ثم انفجر عليه كما تشاء.
- وماذا سوف يكون لديك سوا نفس الأسطوانة التي أنت و أبنك تكررانها على مسمعي دائما .
تبسم ضاحكا أمام عينيه ....
التعجب احتل قسمات وجهه وهو يراه يضحك أمامه..... ليس من عادته هذا الهدوء ...... هدوئه يخيف أكثر من غضبه و صراخه....
- أتعلم يا ياسر انك تشبهني كثيرا.
قالها بضيق :
- مستحيل أن أشبه شخص مثلك, أناني طماع, لا يهتم إلا بمصلحتيه فقط, حتى لو كانت على حساب الآخرين.
أخذ يصفق , قام من مقعده , أخذ يقترب من ياسر الواقف قرب الباب ,و الابتسامة تزداد اتساعا على شفتيه ....
تصرفاته الغريبة , زادت من حيرت و تعجب ياسر ........
- أحسنت يا ياسر, أنا أحيك على إتقانك لدورك ( توقف عن التصفيق, وقف أمام ياسر, ومن ثم أكمل قائلا) لكن لا تحاول أن تمثل هذا الدور أمامي , فنحن من طينتن واحده , يمكنني أن أكتشف وجهك الحقيقي بسهوله..
- ما هذا الهراء الذي تقوله ؟
- ياسر أنت هدفك هو السيطرة على ثروت أخي, هذا الأمر واضح وضوح الشمس, بدأت كموظف صغير في شركة أخي , و في غضون عام واحد فقط , عام واحد فقط , ترقية لتصبح في أعلى المناصب فيها, فسرلي كيف حصل هذا ؟ .... ( أخذ يدور حول ياسر الواقف بلا حراك , و مسحة من الذهول تجلت على وجهه ) لا تقلي بعملك الجاد استطعت أن تترقى بهذه السرعة , لأن أي شخص لديه عقل لن يصدقك ... ( توقف عن الدوران , صوب عينيه ناحية عيني ياسر المذهولتان مما يسمع) .... كان هدفك هو الثروة.... لكن للأسف توفي أخي , فلخبط كل أوراقك , فلم تجد سوى أن تستميل عطف و قلب ابنة أخي الساذجة , لكي تحصل على كل شيء......... أرئيت نحن جميعا نطمح لنفس الشيء , و هو الحصول على ثروت ابنة أخي ...... لهذا أنا جئت اليوم لكي أخبرك بحل سوف يرضيك و يرضيني أنا أيضا...... و الحل هو بأني سوف أقوم بإسقاط تهمة الاختلاس التي لفقتها عليك, و فوق ذلك سوف أكون كريما و سوف أدفع لك المبلغ الذي تريده, لكن شريطة أن تجعلها توقع , وتتنازل لي بكل أملاكها, ما رأيك بهذا الحل ؟
بتعابير وجه جامدة , يصعب تحديد معناها قال:
- أتريد أن تسمع رأي ؟
- بطبع ....
حنا رأسه ناحيته .....
ومن ثم همس في أذنه قائلا:
- الأفضل أن تخرج من هنا, قبل أن أكسر لك عنقك.
و بتعد عنه ...
هبت رياح الغضب , لتقضي على الهدوء الذي كان يعيشه ....
- أتهددني أيه الحقير؟
- نعم , ماذا سوف تفعل لي , أسوف تلفق تهمة أخرى عليه , أفعل , فأنا لم أعد أكترث .
خل المكان من الأصوات , معدا صوت أسنان أبو سعد و هي تحتك مع بعضها البعض.....
رمق أبو سعد ياسر بنظرة تقدح شررا..... ومن ثم أقبل ناحية الباب....
............................
- ألان تحررني ؟
- من ماذا أحررك ؟!
- من عينيك , فأنا لا أحب أن يحدق بي أحد و أنا آكل .
- و أنا لم يعد يهنأ لي تناول الطعام إلا و أنا أنظر أليك .
و خط ابتسامة على شفاهه ...
- إذا يبدو بأنه لا يجوز أن نتناول الطعام معا..
أخذ يضحك ...
ومن ثم قال:
- إذا سوف أموت جوعا و السبب هو أنت.
تبسمت هيه الأخرى , ومن ثم قالت :
- فلتمت , من سوف يكترث؟
أحاطها بعينيه من جديد ...
- أنت سوف تكترثين .
أخذ يدقق في تعابير وجهها , ليستشف ردت فعلها ....
في حين أن البسمة قد رحلت عن شفاهها....
واجتاحتها رياح الخوف...
- من الأفضل أن أعود إلى ليلى, فبتأكيد أنها استيقظت الآن.
اندفعت ناحية الباب بسرعة, بدون أن تسمع رده, الذي تحشرج في حلقه...
.................................
بوجه مترقب لسماع ما يطيب له , قال:
- ها ما الأخبار يا أبي؟
بوجه لازال يرسم الغضب على ملامح وجهه, قال:
- سيئة , فذلك البغيض لم يقبل بعرضي , لا وفوق كل ذلك يقوم ذلك الحقير و يهددني , يهدنني أنا. ...
( رفع يده اليمنى , و أخذ يكورها ) سوف نرى من يكسر عنق الآخر يا ياسر...
بخيبة أمل انعكست على قسمات وجهه ,قال:
- ألم أقل لك يا أبي , أنه عنيد , لن يعطينا الذي نريده .
- لكني أنا أعند منه, و سوف أجعله ينفذ ما نطلبه منه, سوف ترى.
..................................
صدمه من رآه في تلك الغرفة قاتمة اللون ...
بذهول اعتلى وجهه, قال :
- أحمد ....
قام من الكرسي...
أدخل ما يقدر عليه من أكسجين إلى صدره , ومن ثم أخرجه....
أخذ يمس ذقنه بيده , و هو يقول:
- لقد جئت لكي أقول لك , بأنا سوف نعتني بليلى, هذا كل شيء. ( وندفع ناحية الباب بخطى واسعة )
قبل أن يقرع الباب , تسلل إلى طبلت أذنيه صوته و هو يقول :
- شكرا لك يا أخي, كنت أعلم أنك شخص طيب القلب, و سوف تساعدني.
التفت إلى ورائه, ومن ثم قال :
- فعلت هذا ليس من أجلك , بل من أجل هديل .
و ألتفت ناحية الباب....
لكنه من جديد قاطعه صوته عن قرع الباب ...
- أحمد ..... أنا لا أعلم .... ما .... ما سبب كرهك لي ........ ما الخطأ الذي ارتكبته في حقك ..... لكي .... لكي تكرهني لهذه الدرجة.............. لكن ...... لكن .... ( ابتلع ريقه, ومن ثم أكمل كلامه قائلا) لكن أنا أعتذر عنه, أعتذر عن هذا الخطأ الذي ارتكبته في حقك ... و جعلك تحقد عليه..... و .... و تكرهني ...... فأرجو أن تقبل اعتذاري....
لم يحرك ساكنا, ضل متسمرا مكانه لبضع ثواني, لكن ما لبثت أن دبت الحركة في جسده, و رفع يده, و أخذ يقرع الباب .....
أم ياسر, فقد ضل يلاحق أحمد بعينيه, و في داخله يتمنا بأن يلتفت له, و يقول له بأنه يقبل اعتذاره......
لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه, رحل أحمد, و بتعد عن أنظاره, ليخلف في داخل ياسر حرقة, و ألم....
...............................
- كان يجب أن تبقي بضعت أيام في المستشفى , حتى تستعيدي صحتك.
- سوف تعود لي صحتي في بيتي.
ابتسمت, ومن ثم قالت:
- يا لك من عنيدة يا ليلى.
ابتسمت هي الأخرى ..... لكن ابتسامتها هجرتها .... بمجرد أن تخطت عتبت باب منزلها.....
فها هي تعود إلى أرض الواقع المرير....
توقفت ..... لم تعد قدماها قادرتان على أن يمضيا إلى الأمام....
سقطت دمعة ن مقلتيها .... لتغسل نظرت الفرح ...... و تعيد نظرة الحزن و الألم إلى عينيها .....
وضعت يدها على كتف ليلى , و قالت :
- أنا أعلم بما تشعرين به الآن, فأنا قد خضت هذه التجربة من قبل, لقد خسرت والديه معا في لليلة واحده , أنه شعور صعب , أن تخسر أحبابك, و أن تصدم بفكرة أنك سوف تكمل طريقك في دروب الحياة بدونهم ..
وجهة عينيها ناحية هديل, التي غلبتها دموعها هي الأخرى, ونسلت من عينيها, على وقع ذكر المحبين.....
رمت بجسدها الهزيل بين أحضان هديل, التي طوقتها بيديها, وأخذت تضمها أكثر فأكثر إلى حضنها.....
كان هذا المشهد يحصل أمام ناظريه.....
فتحولت قسمات وجهه الجادة , لقسمات الحزن ........
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع