في ذلك الممر الضيق , المكتظ بأناس من مختلف الأجناس و الألوان و الأعمار, لم تتوقف أقدامهم عن الحركة , فمنهم الذي يتجه إلى اليمين ومنهم الذي يتجه إلى اليسار و منهم إلى الأمام و منهم إلى الخلف...
وقف أحمد و هديل والخوف قد هجرهم.... لكنه لازال يتربص بهم ...
قال أحمد الثائر ...
- يا لهم من أناس بلا أخلاق, أرئيت كيف فروا عندما أغمي على ليلى.
- ماذا تتوقع من أناس تهجموا على امرأة وحيدة, و كادوا أن يضربوها حتى, المهم أن الموضوع لم يكون خطيرا, و أنه مجرد أجهاد, لقد كدت أموت من الرعب عندما رأيتها مغمى عليها وبدون حراك.
- الحمد لله.
- أحمد...
- نعم.
- يمكنك الذهاب الآن, أنا سوف أقضي الليلة معها, أنت اذهب وارتاح, فلم يعد من الضروري بقائك.
- مستحيل أن أذهب, سوف أبقى, فمن يضمن لي بأنك لن تهربي مني؟
أخذت تحدق به , و هي متعجبة مما سمعت ....
لاحظ أحمد هذا الأمر....
ابتسم ....
ومن ثم قال:
- كنت أمزح فقط....
- ها ..... ( خطت ابتسامة لم تدم طويلا على شفاهها كرزية اللون) ... لقد ... لقد ...
قاطعها قائلا:
- هديل من المستحيل أن أترككما لوحدكما هنا, فا لربما عادا أولاك الأشخاص , ومن ثم ربما احتجتما لشيء..
- حتى لو أتيا أولائك الأشخاص , لن يستطيعوا فعل شيء , فنحن في المستشفى , و من ثم كل شيء متوفر هنا .. لهذا أذهب إلى المنزل و ارتاح....
تبسم ضاحكا ....
ومن ثم قال:
- لماذا لا تريدين أن تفهمي.... أنا لا أريد أن أبتعد عنك و لا ثانية واحدة.... فأنت الأكسجين الذي أتنفسه ... إذا ابتعدت عنك سوف أختنق...
أحمر خديها ...
و تلعثم لسانها ...
- ما .... لكن ... هو .... ( اختارت الصمت , فهو أنسب حل في هذه الحالة ) ...
و لجأت إلى الأرض ... فهو المفر الوحيد لإخفاء توترها.... و الحمرة التي كست خديها....
رفع رأسها ....
شبك عينيها بعينيه ...
ومن ثم قال:
- سوف اذهب إلى السيارة لأحظر هاتفي النقال, و سوف أخبر والديه بأنا سوف نبات الليلة في الفندق, لنكمل ما بدأناه.
وعادت البسمة لتعتلي شفاهه ....
ردت عليه بابتسامة ....
لتغطي على ما في داخلها من ارتباك.... و خجل فضحها ...
..........................
من وراء الباب وجدتها جالستا على ذلك السرير ذو اللون الأبيض النقي.... ومسحت الحزن قد صبغة على وجهها الطفولي .... وزخات من الدمع قد انهمرت من عينيها التين وجهتا ناحية الشخص الواقف عند الباب, ليسألا ما عجز اللسان عن قوله....
لاحظت هديل حالة الحزن المختلطة بالخوف الذي تعيشها ليلى في هذه اللحظة....
فخطت ابتسامة على شفاهها .... لكي تطري الأجواء .... و تشعر ليلى بأن الأمور سوف تصبح على خير ما يرام منذ هذه اللحظة....
اقتربت من ليلى, التي سمرت عينيها المتسعتان ناحية هذه المرأة الغريبة التي دخلت عليها بدون سابق إنذار....
أخيرا توقفت عن الحركة.... لقد غدت بالقرب من سرير ليلى....
زادت من حجم ابتسامتها ....
و نطقت قائلة ...
- الحمد لله على سلامتك ليلى, لقد أرعبتنا عندما سقطتي بلا حراك....
لم تسمع ليلى كلمتا مما قالت هديل....
فحالت التعجب و عدم الاستيعاب للذي يجري...... قد سيطرت على جل تفكيرها و تركيزها....
لهذا سألت قائلة:
- من أنتي ؟!
- أووووووه , اعذريني كان يجب أن أعرفك على نفسي في البدء...( رفعت يدها اليمنى و و ضعتها على صدرها و أكملت قائلة و البسمة لم تهجرها ) أنا هديل زوجة أحمد أخو ياسر...
خرجت تلك الكلمة من حنجرتها بلا وعي منها ....
- ماذا؟!!!!!!
فهي لم تتوقع حصل هذا لا في القريب و لا في البعيد.....
- لقد أخبرنا ياسر بكل شيء , عن زواجكم , و عن المحنة التي تمرين بها, لقد أخبرنا بكل شيء , و طلب منا أن نقف بجانبك و نأزرك...... ( مدت كلتا يديها ناحية يد ليلى الممددة على السرير, و أمسكت بها , و أكملت قائلة ) لم تعودي لوحدك الآن , فنحن معك ...
جمدت عينيها ناحية هديل .... و أخذت تحدق بها ...... بعينين حائرتان....... تائهتان.......... تسكبان المزيد من الدمع فهذا العمل الذي تجيدان القيام به في الفترة الأخيرة....
- أبكي مادام البكاء يريحك ...
انهارت أخيرا ......
حررت تلك الصرخة التي في صدرها....
و تلك الآهات على فقدان أمها ......
فانفجرت تلك السيول من الدمع ....
دخلت في دوامة من النحيب ....
رأيت ليلى في هذه الحال آلمها ....
أرادت أن تهدئها ....
لكنها لم تجد سوا أن تحيطها بيدها ...
و تضمها إلى حضنها ....
لتبعث الهدوء و الطمأنينة إلى صدر ليلى المثقل بالأحزان...
..............................................
بوجه مرتعد .... أخذ يقول :
- ماذا نفعل الآن يا أبي, ليلى لن تقبل بأن توقع, أرأيتها.... مستحيل أن توقع..... لقد ضاعت الفرصة الوحيدة بأن ننجو من الإفلاس ..... بعد بضعت أشهر سوف نصبح في الشارع .... ( غطى وجهه بكلى يديه)
- ماذا بك يا ولد ؟ أجلس و هدأ و لا تتصرف كالنساء .... أجلس.
- كيف أجلس , كيف؟ أبي لا أعلم من أين لك هذا البرود , أقول لك سوف نصبح على الحديدة وأنت جالس بهدوء كأن شيئا لم يحصل..
ببرود أعصاب قال:
- و لماذا أتعب نفسي في التفكير في شيء لن يحصل؟
رفع أحد حاجبيه , و تبعها قائلا :
- لن يحصل ! ماذا يدور في رأسك يا أبي؟
أسند رأسه على الكرسي الجالس عليه....
رسم تلك الابتسامة اللئيمة...
و أشار لأبنه بالجلوس بيده....
جلس سعد ....
و الفضول قد بدأ ينهش به ....
فأراح نفسه منه بسؤال أبيه :
- ما هي خطتك يا أبي؟
أمسك بعلبة معدنية كانت على المنضدة المجاورة له, فتح العلبة, أخرج منها سيجارة كوبية....
بسرعة أخرج سعد من جيب بنطاله قداحة , ومن ثم أشعلها ....
حنا أبو سعد برأسه ناحية القداحة ....
أخذ نفسا عميقا منها .......
و من ثم نفث دخانها من صدره ....
- لازالت لدينا ورقة ياسر.
أعتلة محياه قسمات التعجب...
- ياسر!!!!!! كيف يا أبي؟ ! أنه رجل عنيد , لن نستطيع أن نجعله يقنعها بتنازل.
دوت ضحكته في أرجاء الغرفة....
لتزيد من استغراب سعد, و تعجبه من كلام أبيه و تصرفه......
توقف عن الضحك ....
لكن الابتسامة الشيطانية لازالت ترتسم على شفاهه ....
- أنا لديه سبلي الخاصة في أقناعه , فقط أنت دع الأمر عليه و لا تتدخل .
................................
مدت يدها المحملة بكأس مملوء بالماء ناحيتها ....
- خذي أشربي .
تناولت كأس الماء...
رشفت منه رشفة ....
ومن ثم قالت :
- شكرا لك يا هديل, حقا وجودك جعلني أشعر بأني لم أعد وحيدة.
ابتسمت لها ...
ومن ثم قالت:
- لا داعي لشكر .......
قاطعها صوت رنين هاتفها النقال....
أمسكت بحقيبتها , و أخذت تبحث عن هاتفها ....
أمسكت به ....
أخرجته و تعينت الرقم الظاهر على شاشته ....
ومن ثم قالت :
- أنه أحمد ....
ضغطة زر الاستقبال...
- ألو أحمد ......
- أنا في غرفة ليلى ..., أين أنت ؟
- أمام باب الغرفة .... حسنا لما لا تدخل؟
- لحظة.... ليلى هل يمكن لأحمد أن يدخل؟
- بطبع دعيه يدخل ..... لكن لحظة سوف أرتدي حجابي...
- حسنا ...
- دعيه يدخل الآن ...
- أحمد يمكنك الدخول .... ( و ضغطة على زر الإغلاق)
ما هي سوى ثواني معدودة , وإذا بأحمد يخرج من وراء الباب , و هو حاني رأسه إلى الأسفل , و في يده كيس يتدلى....
- السلام عليكم ...
ردت كلاهما ...
- و عليكم السلام ...
- كيف حالك ... ليلى ؟
حنت هي الأخرى رأسها إلى الأسفل و قالت بصوت مخنوق ...
- الحمد لله ... أح.... أحسن ..
قال:
- الحمد لله..... هديل لقد أحضرة بعض الطعام ...... أضنه يكفي لكليكما ...
تناولت الكيس الذي في يده و قالت و قد سبقتها البسمة على شفتيها ....
- شكرا لك ..... ألان تأكل معنا .
هز رأسه بنفي و أردف قائلا :
- لقد أكلة في المطعم , فكولا أنتما .......أنا سوف أذهب إلى قاعة الانتظار لكي تأكلا على راحتكما.
- لازلت أعتقد أنه ليس من داع لكي تبقى معنا هذه الليلة .
- أنت لا تعلمين ما الذي سوف يجري , لربما احتجتما لشيء.
قالت ليلى :
- لكن أين سوف تبات الليلة ؟
- لا تشغلي بالك بي, سوف أتدبر أمري, عن إذنكما.
ليلى :
- إذنك معك .
قبل أن يخطو قدما ناحية الباب ....
جاءه صوتها ....
- لحظة أحمد ...
توقف ومن ثم ألتفت ناحيتها , قوس كلى حاجبيه ومن ثم قال :
- ماذا هناك هديل ؟
لم ترد عليه ...
بل ألتفتت ناحية ليلى...
و قالت :
- عن إذنك , سوف أذهب لبضع دقائق و سوف أعود .
- حسنا يا هديل .
مضت ناحية أحمد الواقف في مكانه ...
قالت :
- هيا بنا لنتمشى قليلا في الخارج .
- حسنا .
ما أن أصبحوا خارج تلك الغرفة .... حتى سئل أحمد مستفسرا...
- ماذا هناك يا هديل, أهناك خطب ما؟
- أكلمت ياسر؟
شكلت تعابير وجهه التعجب ...
- و لماذا أكلمه ؟!
- لكي تطمئنه على ليلى, و تخبره بأننا الآن نحن معها .
- لا داعي لذلك.
- كيف لا داعي لذلك ؟ بتأكيد أنه الآن خائف عليها , يجب أن تخبره بأننا سوف نعتني بها , لهذا اذهب إليه طمأنه عليها و طمأن ليلى عليه, أرجوك يا أحمد اذهب و طمأنه .... من أجلي ... أرجوك.
تأفف ...
ومن ثم مرر يده على خصلات شعره....
- حسنا ....... سوف أذهب ......... لكن يجب أن تعرفي بأنني أفعل هذا من أجل خاطرك فقط.
ابتسمت ...
تبعتها قائلة :
- شكرا ل...
حال أصبعه دون خروج ما تبقى من كلامها .....
- لا أريدك مرة أخرى أن تنطقي بكلمة شكرا, فنحن شخص واحد, لا يوجد بيننا لا شكر و لا اعتذار....
و ختم جملته بابتسامه...
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع