في أحد زوايا تلك الزنزانة الباردة, كان ياسر المهموم و صاحبة علاء جالسين .....
ياسر:
- شكرا لك يا علاء لأنك أعطيتني دورك في استخدام الهاتف.
- لا شكر على واجب يا صاحبي, المهم هل قبل أخاك بالقدوم لرأيتك؟
خرجت من فمه تنهيده ...
تلها قائلا...
- حاول أن يتملص من الزيارة, لكني أصررت عليه بالقدوم.
- إذا سوف يأتي؟
- نعم.
- أتضن أنه سوف يقبل بطلبك ؟
- يجب أن يقبل به, فمن المستحيل أن أجعل ليلى وحيدة في هذا الوقت.....( كان يصارع في سبيل عدم خروجهن من مقلتيه ) ..... ليت بمقدوري أن أكون بجانبها الآن ..... ليت بقدوري.
وضع علاء يده على كتف صاحبه ....
فهو لا يقوى على فعل شيء سوى مواساته....
و التخفيف من آلامه ...
.........................................
( عمار ها أن ذا أكتب لك من بيتي الجديد , آآآآآآآآه يا عمار كم هو صعب الذي فعلته , كم كنت حمقا عندما ضننت أني قادرة على فعل هذا , أنا لا أستطيع أن أعيش مع رجل غيرك .......ماذا أفعل يا عمار ؟ أأكمل هذا الزواج حتى ينقضي هذا العام ؟ أم أنهيه الآن و أريح نفسي و أريح أحمد من هذا العذاب الذي نعيشه ؟ فهو يعلم أنك أنت الشخص الوحيد الذي يعيش في قلبي...... يا الله كم القرار صعب .... أين أنت الآن ؟ ليتك بجانبي لتساعدني في اتخاذ هذا القرار..... ( ضحكت في سرها ) إذا كنت أنت معي الآن لما اضطررت لآن أعيش هذا الموقف..... لكنا الآن في غرفتنا ....... نضحك و نمرح........ لا يكدر صفونا شيء ....... ( أنسلت دمعة من عينها ) .......( رمت بالقلم جانبا, فهي لم تعود تقوى على خط المزيد من آلامها )....( أخفت وجهها بكلى يديها, و أطلقت العنان لدموعها ).......
دخل في هذه اللحظة أحمد .......
وجدها جالسة على الكنبة, و كتيب صغير قابع أمامها على الطاولة....
لاحظت دخوله ...
فحاولت أن تتدارك الموقف ...
وتمسح دموعها من الوجود بكلى يديها .....
أحمد :
- مساء الخير هديل, أخيرا قد رأيتك... فاليوم كان حافلا .. ( وخط ابتسامة على شفاهه )
جاهدت في سبيل أن يكون صوتها طبيعي و هي تقول...
- نعم.
زالت تلك الابتسامة ...
أخذ يقترب منها ....
- هديل لماذا تشيحي بوجهك عني؟
- لا لشيء.
- أأنت بخير؟
- نعم في أفضل حال, فقط تعبت قليلا بسبب الوليمة.
- أهذا هو السبب ؟
- نعم , هذا هو السبب.
جلس بجوارها على الكنبة ....
- أكنت تكتبين شيئا ؟
- نعم .
- ما هو ؟
- ليس بالأمر المهم , أنها مجرد تفاهات .
و أمسكت بالكتيب و توجهت لدولابها, ووضعته في أحد الأدراج, و أقفلت عليه....
كل هذا كان يحصل تحت ناظري أحمد المتعجب من تصرفها ...
أحمد:
- واضح أنها مجرد تفاهات .
وقفت بضع ثواني أمام الدولاب, و هي معطية ظهرها لأحمد...
المترقب لرد منها ....
جاءه الرد أخيرا...
هديل:
- تصبح على خير.
واندفعت ناحية السرير, و ألقت بجسدها عليه, و من ثم غط نفسها بالغطاء....
لم يبدر منه أي تصرف ...
اكتفى بنظر أليها....
.....................
دوى صوت نداء الصلاة في أرجاء الغرفة ........
الله أكبر........ الله أكبر.....
استيقظت لكي تلبي هذا النداء.....
لكنها فوجئت به .....
جالسا في نفس المكان ......
يحيطها بأنظاره .....
- صباح الخير هديل.
- صباح..... النور... ألم .... ألم تنم لليلة البارحة؟
ابتسم ...
- نعم, فلم استطع أن أنم لليلة البارحة.
قوست حاجبيها إلى أعلى ...
- لما ؟!
زاد من سعت ابتسامته ......
- كنت أفكر بالسبب الذي جعلك تبكي لليلة البارحة.
صدمها الذي سمعته ....
فكتفت بصمت ...
- يجب أن أذهب للمسجد لأداء الصلاة, عن إذنك.
لم تلحظ خروجه إلا بعد بضع دقائق .....
......................
- ها ماذا تريد يا ياسر مني , و ما هذا الموضوع المهم , مسألة الحياة و الموت الذي تكلمت عنه ؟
- في البدء الناس تلقي السلام .
تأفف أحمد ...
ومن ثم قال:
السلام عليكم .
- و عليكم السلام يا أخي , كيف حالك ؟
- لا أضنك دعوتني لأجل أن تسألني عن حالي؟
- ماذا بك يا أحمد ؟
قطب حاجبيه , و أخذ يصرخ قائلا ...
- ماذا بي ؟ سوف أقول لك ماذا بي , أنت تؤخرني عن أعمالي.
- حسنا , حسنا يا أحمد , أهدأ لا داعي لصراخ.
- ادخل في الموضوع يا ياسر.
- في البدء ألف مبروك على الزواج , حقا أنني فرحة لك .
تأفف ...
ومن ثم قال...
- شكرا لك , هيا قل ماذا عندك ؟
- حسنا ...... حسنا الموضوع هو يخص ..... يخص.......( ازدرد ريقه ) أنه يخص ......... يخص...
بنفاذ صبر قال .....
- يخص من يا ياسر؟
- يخص زوجتي . ( قالها دفعة واحدة )
ومن ثم ازدرد ريقه ...
كان مرتبكا ...
و يتوقع ردت فعل قوية من أخيه......
فأخذ يترصد ردت فعل أحمد ....
أحمد الغير مستوعب للذي سمعه من أخيه...
قال:
- ماذا قلت ؟ أأنت تمزح مع , جعلتني أقود كل تلك المسافة , و ...و أأخر أشغالي... لكي تمزح معي يا ياسر؟
- أنا لا أمزح يا أحمد, أنا متزوج منذ سنة تقريبا بسر.
قال بأعلى طبقة من صوته ...
- ماذا ؟ متزوج ...كيف ؟ ومتى جرى هذا ؟!
- سوف أفهمك كل شيء فقط أنت اهدأ قليلا و أصغي لي جيدا , أنا متزوج من ليلى أبنت رئيس في الشركة, منذ عام تقريبا.
- و لماذا لم تخبرنا بهذا الأمر؟ !
- لأنه..... لأنه أبي لم يقبل بأن يزوجني بها, لأنها كانت مخطوبتا لأبن عمها حينها , وأيضا لأن أمها من جنسية أخر .
أخذ أحمد يضحك ....
في حين أن ياسر أخذ يحدق به باستغراب....
- لماذا تضحك يا أحمد ؟!!
- يبدو أن ابن أبي المثالي, قد أخطأ.
- تتشمت بي, أفعل لا يهمن, المهم الآن ليلى.
توقف عن الضحك ...
عاد إلى ملامح الجدية...
- وما دخلي أنا بهذا الموضوع؟
- أحمد أخي .... أريدك أن تقف بجانبها فهي قد فقدت أمها بالأمس....... أنها منهارة .... وحيدة ليس معها أحد يواسيها .... لهذا أرجوك .... أرجوك أن تذهب أليها و تكون بجانبها .
صرخ بأعلى صوته قائلا..
- ماذا ؟ لا مستحيل ... مستحيل, أنا لن أورط نفسي بمشاكلك.
ياسر برجاء...
- أحمد أرجوك نفذ لي هذا الطلب.... أنا في حياتي لم أطلب منك شيئا .......
وقف ومن ثم أخذ يقول...
- لا و ألف لا, أنا لست مستعدا لأورط نفسي بمشاكلك, فالذي عندي يكفيني, فأبي إذا علم بأن لي صلت بهذا الأمر, فسوف يقيم الدنيا عليه و يقعدها.
- أحمد أرجوك .... ليلى ما ذنبها .... أنها فتاة مسكينة بحاجة لأحد بأن يكون بجانبها ....فأرجوك أنسى خلافاتنا و ساعدني.
- كلا ...
( و اندفع ناحية الباب, و أخذ ينادي على الحارس)
وقف ياسر من مقعده و أخذ يحاول أن يقنع أخيه....
- أحمد أنا دائما كنت أساعدك بدون أن أطلب منك أي شيء....لم أتأخر ولا مرة في تلبية طلبك للمساعدة .... فأرجوك قف بجانبي كما كنت أقف بجانبك.
ألتفت ناحية ياسر...
كان مقطبا حاجبيه ....
و عيناه تنذر بالشر....
ومن ثم أخرج الغل الذي في صدره ...
- أتعلم لماذا كنت تساعدني؟ لأنك كنت تريد بأن تظهر بمظهر البطل أمام والدي , بأنك الولد المثالي , العاقل ... في حين أنني أنا الابن العاق, الذي لا يأتي إلا بالمشاكل و المصائب لعائلته..
وقف ياسر مذهولا مما سمع ....
و أخذ يقول في سره ...
- ( كل هذا الكره كنت تحمله في صدرك يا أحمد علي !!)
خرج أحمد من الغرفة و هو في أوج غضبه......
................................
- ( ماذا بها تحدق بي هكذا ؟! ليس من عادتها فعل هذا )
- هديل هل هناك خطب ما بي؟
بارتباك قالت ...
- ماذا ؟ كلا .
- إذا لماذا تحدقين بي هكذا؟
ابتلعت ريقها ...
أخذت تستجمع قواها .....
أحمد المستغرب مما يرى قال...
- ماذا بك يا هديل؟
أدخلت ما تستطيع من الهواء إلى رئتيها , و من ثم أخرجته مصحوبا بكلماتها ...
- أريد أن .......أن أذهب .....إلى العمل في الغد....إذا أمكن.
قام من الكنبة بسرعة...
زمجر قائلا ....
- ماذا ... ماذا قلتي يا هديل... تذهبي إلى العمل في الغد... لماذا ها ؟ أنسيتي أنك متزوجة منذ بضعة أيام , ماذا سوف يقول الناس , ماذا سوف يقول والدي.... أنهم يشكون بأن بيننا مشكلة .... ماذا سوف يقولون الآن .... ( أخذ نفسا ومن ثم أخرجه , مشى إلى ناحيتها ,حيث كانت جالسة على السرير, جثا على ركبتيه أمامها مباشرة , أمسك بكلى يديها , وأكمل قائلا بنبرة صوت أقل حدت ) هديل أأنا ممل لهذه الدرجة, أرفقتي تزعجك لهذه الدرجة ؟ قل لي ..
كانت عينيها مفتوحتان على مصراعيهما.... فردت فعله هذه لم تكن تتوقعها ....
ردت فعله هذه ألجمت لسانها....
لم يجد ردا منها ........
فحرر أحد يديها ....
ووضع يده على خدها ....
وقال:
- هديل هل أنا إنسان لا أطاق ؟ أجبيني أرجوك.
هزت رأسها بنفي....
ترك يدها و خدها و شأنهما ....
حنا رأسه ناحية الأسفل ....
طوق رأسه بيديه ....
أخذت هديل المصدومة تحدق به بذهول و عدم تصديق .......
و الخوف يحيط بقلبها ....
ضل على هذه الحال بضع ثواني....
ثم ثار البركان من جديد....
- إذا لماذا تريدين أن تعودي إلى العمل, لماذا ؟ لماذا لا تحاولي يا هديل, تحاولي أن تتأقلمي مع حياتك الجديدة ؟ لماذا تريدي أن تهربي مني و تعود لذكرى عمار , لمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاذا , لمـــــــــــــــــــــاذا؟
تسارعت نبضات قلبها في تلك اللحظة ....
و أخذت الرعشة تنتشر في أجزاء جسدها ......
يا لهو من شعور, لم تشعر به من قبل.... أنه الشعور بالخوف لدرجة الموت....
صرخ قائلا ....
- سحقا ...
و ندفع ناحية الباب...
و أغلق الباب بكل ما أوتي من قوة ...
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــع