- بنيتي أصغي لزوجك, أنه محق بكلامه, عمك و أبنه لن يرحموك إذا تنازلت, الآن و أنت تملكين كل شيء لم يرحموك , كيف بعد أن تصبحي على الحديدة ؟
- أمي أنهم يريدون المال و الممتلكات فقط, ما حاجتهم بنا بعد أن يحصلوا عليهم؟
- أنا عايشتهم يا أبنتي , أنت لا تعرفينهم مثلي أنا , أنهم يكرهونا لأنا تحديناهم حين فسخت خطبتك بسعد و تزوجت ياسر رغما عنهم , ناهيك عن أحقادهم القديمة التي مع مرور الزمن تراكمت , فهم من وجهة نظرهم نحن لا ننتمي لهذه العائلة , و ليس لنا الحق في أن نرث منهم لأنني من جنسية أخرى .
- قلتيها باللسانك يا أمي, يعتقدون أن ليس لنا الحق في هذه الثروة , حسنا ها أنا ذا سوف أتنازل عن كل شيء, هذه الثروة هي الحبل الذي يربطني بهم , و بتخلصي منه سوف أقطع كل شيء يصلني بهم.
هزت رأسها بأسى , تبعتها قائلة ....
- لا أعتقد ذلك يا ليلى, أنهم يسعون لأكثر من ذلك, قلبي ليس مرتاح لهم, فهم يعيشون على الحقد و الكراهية و الثأر.
قوست حاجبيها إلى أعلى و هي تقول ...
- الثأر!!!!!! و لماذا الثأر؟ و ممن ؟
- هم يلوموني على عدم ترك أبيك لهم شيئا من الميراث, كأن أعمالهم لم يكن لها دخل في عدم ترك عصام لهم شيئا من أملاكه.
غطت وجهها بيديها, و من ثم أطلقت تنهيدة ...
وقالت بصوت ينذر بسيول قادمة من الدمع ...
- لا أعلم إذا كان الذي سوف أفعله صحيح أو لا يا أمي, لكن الشيء الوحيد الذي أنا متأكدة من فعله هو ياسر, يجب أن أخرجه من السجن, لقد ورطته في هذا الأمر, و هو ليس له ناقة و لا جمل فيه.
رفعت ذراعيها و هي تقول...
- تعالي يا حبيبتي , تعالي ....
رمت بجسدها الصغير بين أحضان أمها الجالسة على سريرها( الذي لم تفارقه في الفترة الأخيرة)
الدمع قد وجد طريقة إلى الخارج عيني ليلى الحزينتان ....
ضمتها إلى حضنها بكل ما أوتيت من قوه , لعلها تجد شيئا من الراحة و السكينة فيه ....
- بنيتي أعلم أن الأمر صعب , أعلم , و أنت في هذا السن الصغير واجهتي كل هذا , الأمر صعب ... صعب .., لكن أنا هنا يا صغيرة أنا معك..., و مهما كان قرارك فسوف أأيدك ...
................................................
- اجلس يا رجل, ذهابك و إيابك في أرجاء الغرفة لن يغير شيئا.
كل علامات القلق قد ارتسمت على قسمات وجهه...
- كيف اجلس يا علاء؟ .... لا أستطيع لا أستطيع, أرجو ألا تفعلها, إذا فعلتها سوف تصبح هي و أمها لقمة سائغة لهم .
بتعجب أعتلى محياه , و تجلى على نبرة صوته...
- ما هذا الكلام يا ياسر؟! و ماذا عنك أنت ؟ أنت سوف تكون بجانبهن , بعد أن تخرج , كما قالوا.
توقف عن الحركة , و فجأة ضحك بدون سابق إنذار...
أخذ علاء يرمقه بنظرة استغراب ...
و لم يستطع ألا أن يسأله...
- لماذا تضحك يا ياسر؟!!!
أخذت نوبة ضحكه تخف ...
- من كلامك , ههههههههه, أتظنهم سوف يخلون سبيلي, لا و ألف لا ( و أخذ يهز أصبعه, بإشارة معناه لا ) .. لن يتركوني , سوف يجعلوني أتعفن هنا , لأنهم يعلمون جيدا بأني لن أدعهم وشأنهم , سوف أشكل مصدر خطر عليهم.
- ما أدراك ؟ ربما أيضا يخلون سبيلك , فهذا وارد .
توجه إليه بخطى متثاقلة...
جلس بجواره ....
أتكئ برأسه على الجدار ذو اللون الرماد الباهت, و أخذ يحدق بالسقف الذي تجمعت فيه خيوط العناكب ...
- أخيه الذي هو من لحمه ودمه لم يرحمه, فكيف أنا الغريب, الذي تزوج بابنة أخيه رغما عنه و تحداه..., كيف سوف يتركني و شأني, كيف ؟
.....................................
صوت تحنحنه قطع عليها سلسلة أفكارها التي لا تنتهي....
أخيرا انتبهت لوجوده بجنبها, و عينيه اللتين تطاردانها...
رمقته بتلك النظرات الشاردة ...
- يبدو أنك لست هنا, أليس كذلك؟
ارتبكت و لم تجد كلمات تساعدها....
فكتفت بالصمت .... الذي أقترنا بها ....
- لا جواب, حسنا, أتعلمين هديل , ما رأيك أن نغير الجو , أقصد أن نخرج نتمشى , نتسلى , ما رأيك ؟ هذا أفضل من البقاء بين أربعة جدران.
أبعدت خصلة شعرها عن عينيها, رفعت رأسها لثانية, لمحة عينيه اللتين تحاصرانها, و اللتين لا تريدان أن تدعها وشأنها....
نثرت أنظارها بعيدا عن تلك العينين ....
وقالت بصوت بالكاد يسمع...
- أحمد.... هل ... هل ( ازدردت ريقها, و أكملت كلمها و هي تصارع في سبيل خرجها من حنجرتها)
هل .... يمكننا .... أن... أن نذهب إلى بيتكم..
- لماذا ؟ أرفقتي مملة لهذه الدرجة؟
أخذت تحني رأسها أكثر إلى أسفل ....
- كلا... لكن ...لكن ...
- لكن ماذا هديل؟..... ( أخذ نفسا عميقا, ومن ثم أخرج ما أدخله إلى رئتيه)....
كادت أن تمزق تنورتها بأظافرها , محاولة منها بأن تستمد القوة بإمساكها بها ...
- على العموم هذا أول طلب تطلبينه مني , لن أردك , سوف أذهب لأقوم بإجراءات الخروج.
لم تجرئ بأن ترفع رأسها , فهي تكاد تموت من الخجل....
حصلت على مساعدة منه ....
مرر أصبعه تحت ذقنها ...
رفع رأسها ...
لترى ابتسامة قد ارتسمت على شفاهه...
- لا داعي بأن تنزل رأسك , فأنت لم تفعلي شيئا خاطئا , فرفعي رأسك و لا تحرمني من رأيت هتين العينين العسليتان .
تشابكت عينيها بعينيه ...
فأخذت أنفاسها تهرب منها, و هي تصارع في السبيل اللحاق بها....
يجب أن تحرر نفسها...
هربت منهما ...
- حسنا , أنا ذاهب لأقوم بالإجراءات, أبدئي أنت بحزم الحقائب.
.................................................
- أتريد أن تشرب شيئا؟
ابتسم ....
- لا , فأنا لم أأتي لكي أشرب, أنا أتيت لهذا...
أخرج ورقتا من جيب بنطاله... و وضعها على الطاولة الواقعة أمامه...
أخرج قلما من جيب قميصه, و مده ناحيتها و بابتسامة لم تفارقه قال...
- تفضلي ليلي وقعي..
بقوت مصطنعة... تخفي ورائها خوف جارف ...
قالت...
- ووياسر...
- ماذا به ياسر؟!
- متى سوف يخرج من السجن؟
- قريبا, قريبا بمجرد أن توقعي على الورقة.
- لن أوقع حتى أراه خارج تلك القضبان.
اتسعت سعة ابتسامته ...
- ألا تصدقين يا ليلى؟
- من يصدق الثعلب .
أخذ يبحلق بها بضع ثواني...... ومن ثم أنفجر ضاحكا...
أخذت تحدق به بذهول ... و استغراب... فليس هناك شيء يستدعي الضحك...
توقف عن الضحك ... و ألقى عليها نظرة ...
هزت أوصالها .... و زادت من ارتباكها و خوفها .... وكادت تفقدها قناع القوة الذي تتسلح به....
- لقد تغيرت يا ليلى, في الماضي كنت سوف توقعين بدون تفكير, لكن الآن تساومين, و فوق ذلك تردين علي, لقد تغيرت كثيرا, لكن تعلمين تعجبني شخصيتك الجديدة , فهي أكثر قوه , و أكثر نضوجا و...و أكثر جمالا...
نظراته أخذت تزعجها ... و كلامه لا يريحها .... و يفجر بداخلها الشك ....
أخذت تستجمع قوتها المهتزة...
ازدرت ريقها ...
وقالت...
- هذا التغير بفضل ياسر .... زوجي... هو الذي علمني كيف أواجه العالم بدون خوف.
في داخله أنفجر بركان الغضب...
و أخذ يقول بسره ....
( من ذكر اسم هذا الكريه ؟ .... دائما يقف في طريقي.... دائما.... كم أكرهك ... كم أكرهك يا ياسر)
- سعد أنا لن أوقع حتى يخرج ياسر, هذا الكلام الأخير مني, لهذا الأفضل أن يخرج بأسرع وقت ممكن, حتى تحصل على الثروة بسرعة.
- و إذا لم يخرج, ماذا سوف تفعلين؟
سؤال لم تتوقعه....
- لن أوقع , و لن تحصلوا على ثروت أبي.
ابتسم ابتسامة صفراء...
ومن ثم قال...
- سوف نرى يا ليلى, سوف نرى.
أخذ الورقة التي على الطاولة , ثناها , و أعادها إلى جيبه...
- حسنا, أضن أن كلمنا قد انتهى لليوم, لكن له بقية...
تصرفاته .... نظراته .... كلامه ... يربكها ....
ما أن خرج , و أغلق الباب , حتى انهارت ...
فسقط قناع القوة الذي تخفي ورائه خوفها ... و قلقها ....
..............................
بفرحة انعكست على وجهها, قالت....
- أهلا بكم يا أولاد, كم أنا سعيدة بمجيئكم...
- أهلا بك أمي ..
قالت باستحياء...
- أهلا بك أم أحمد ...
- أهلا بك يا عروس.... ( و أخذتها بالأحضان )
- السلام عليكم يا عرسان...
أقبل و في محياه البسمة ...
- و عليكم السلام أبي.
- و عليكم السلام أبو أحمد .
- تفضلوا ... تفضلوا ... لما واقفون عند الباب.
و أخذ يشير لهم بدخول...
- سوف أنادي الخادمة, لك تساعدك في حمل الحقائب.
- لا داعي يا أمي, فهي حقائب صغيرة, يمكنني أن أحملها.., أمي هل الغرفة جاهزة؟
- بتأكيد بني.
- حسنا , هيا بنا هديل , سوف أريك غرفتك التي سوف تعيشين فيها.
هزت رأسها بحركة معناها نعم ...
- ألا تريدان أن تجلسان معنا قليلا ؟ فقد جهزت أمك بعض المعجنات لكم ..
- فيما بعد أبي , الآن سوف نذهب إلى الغرفة , لكي نضع أغراضنا , و أيضا لأري هديل الغرفة.
- على راحتكم إذا.
- عن إذنكما أبي ... أمي.
رد كلاهما...
- إذنك معك بني..
- عن إذنكما..
قال كلهما ...
- إذنك معك هديل..
فشرع أحمد و هديل في المضي إلى غرفتها ...
تاركان أبو أحمد و أم أحمد في حيرة و استغراب...
- ما الذي جرى لهما, لماذا عادا بهذه السرعة, ألم يقل أحمد أنهما سوف يقضيان ثلاثة أيام في الفندق؟!
- علمي علمك يا أبو أحمد , منذ أربع ساعات أتصل بي أحمد و قال أنهما قادما, و لم يعطني مجالا لأسأله عن سبب عودتهما بهذه السرعة .
- أتضنين أن هناك مشكلة بينهما ؟
- لا, مستحيل, فهم لم يقضوا سوى لليلة واحدة معا.
- لا أعلم , قلب ليس مرتاحا , و من ثم هديل هل رأيتها , لم تبعد عينيها عن الأرض .
- لا تضخم الأمر, ربما كانت تشعر بالخجل, هذا أمر طبيعي في حالتها, فهي عروس جديدة , و لأول مرة تطأ قدمها بيتنا بصفتها عروس.
- أرجو أن يكون كلامك صحيحا.
..............................
في غرفة كان صوتها هو الصمت, و لونها هو الظلام....
وجدت عينان ساهرتان لهما مكان فيها ....
كنتا مصوبتان ناحية شخص مستلقي على كنبة , لا يحس بهذين العينين التين حصرتاه , لأنه كان يغط في نوم عميق....
تساؤلات تردد صداها في عقلها ....
- ما الذي غير حالك من حال إلى حال؟ ما الذي جد و جعلك تتغير؟ فالبارحة كنت بالكاد تنظر إليه, و لم تنبس بأي كلمة, ووجهك... و وجهك كان متجهما, و ذهبت لتنام بمجرد ما دخلنا الغرفة.... لقد خلت بأنك لم تعد راغبا بهذا الزواج...
لكن اليوم .... اليوم عينيك لم تعتقاني, و لسانك لم يتوقف عن الحركة, ووجهك لم تفارقه الابتسامة....
ما الذي جد يا أحمد بين البارحة و اليوم , و قلب حالك ؟؟ ما الذي جرى؟
قطع سلسلة أفكارها و أسئلتها التي لا تنتهي, صوته و هو يصرخ قائلا...
- لا ...... لا تفعل ... أتركني... أتركني .... أنها لي ... لي فتركني .... لن أسمح لك بأن تأخذها مني...
تملكها الخوف ....
قامة من السرير و أخذ تقترب منه ببطء...
وجدته لازال نائما ...
كان يمسك بعنقه بكلى يديه ....
رفعت يدها, و أخذت تقربها منه... و في نيتها إيقاظه...
- لن أسمح لك بأن تأخذ هديل مني..
شلت يدها, و بقت معلقة بين السماء و الأرض....
فتحت عينيها أوسع ما يكون...
تسمرت في مكانها .......
فالذهول سيطر عليها......
- لا ......... لا... ( صرخة خرجت من حنجرته, هزت الغرفة بمن فيها, ألا هي, ضلت على حالها)...
أخيرا تحرر من ذلك الكابوس ...
أخذ يلتقط أنفاسه ...
كان الظمأ قد وجد طريقه أليه ... ألتفة ناحية الطاولة المجاورة للكنبة , لكي يتناول كأس الماء...
لكنه صدم بها .... و جدها متسمرة في مكانها ....
اتسعت حدقة عينيه ...
أخذ لسانه يتحرك بدون أن يحس به ....
- هديل!!! .... ماذا ....ماذا تفعلين هنا ؟!
- ماذا ؟ ... ماذا قلت ؟
- هديل؟ ما الذي تفعلينه هنا ؟ ....
كانت لا تزال تعيش جو الصدمة... لهذا خرجت من فمها كلمات مشتتة متناثرة....
- لقد .... لقد ... كنت في السرير. ... جئت أليك لأوقظك... لأوقظك ...لأنه كنت .... أنا .... أنت كنت ...أنت تصرخ ... ... بكلام .... تصرخ.... كنت نائما .... تحلم...
تسلل إلى قلبه الخوف...
- ماذا ؟؟ ... هل سمعتي الذي قلته ؟؟
هزت رأسها بالإيجاب...
أخذ الخوف يعتصر قلبه ...
- ما الذي كنت أقوله ؟
- أخذت تصرخ قائلا ... لا ... لا ....و من ثم قلت لن أسمح لك بأخذها ... لن أسمح لك بأخذها .... لن أسمح لك بأخذ هديل مني...
وجهة أنظارها التائهة ناحيته ... لترصد ردت فعله ....
- هل قلت شيئا آخر غير ذلك ؟
- كلا ..., أحمد من الذي لن تسمح له بأن يأخذني منك ؟
أخفى وجهه وراء يديه ...
- يا الله ....
- أحمد , ما الذي جرى لك ؟
أبعد يديه عن وجهه...
رفع رأسه ناحيتها ...
- أنه مجرد كابوس , فلا تعيري الأمر أهمية ...
بتردد أخذت تسأله ...
- أحمد ..., ما .... بماذا .... بماذا كنت تحلم ؟
هز رأسه ...و أردف قائلا ....
- لا شيء مهم .... قلت لك لا تعيري الأمر اهتماما, و ذهبي لتنامي, فغدا سوف يكون يوما حافلا.
- أحمد ...
قاطعها قائلا و الضيق له عنوان ....
- هديل أرجوك كفى حديثا عن هذا الكابوس, أنه مجرد كابوس...., الجميع يحلمون أحلاما مزعجة , وأنا لست أول و لا آخر إنسان يحدث له هذا الأمر.., لهذا أرجوك اذهبي و نامي , و أنا كذلك سوف أنام , فأنا مرهق ...
- حسنا ...
ذهبت إلى فراشها...
استلقت عليه و أغمضة عينيها ...
لكن عقلها أبا أن يتوقف عن طرح المزيد من الأسئلة....
التي للأسف لم تجد لها أجوبة....
تريحها ...
و تشبع جوعها...
في حين أن أحمد لم يكن أحسن حالا منها , فقد أخذ الخوف ينهش به , و يصور له الأسوأ...
بأن هديل ربما سمعة ما كان يخشى أن تسمعه....
- ( مستحيل , غير معقول, إذا كانت سمعة , لما كانت ............ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , كله بسببك يا عمار, أعتقني ... أعتقني أرجوك .... ).
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع