أخذت تفتح عينيها ببطء, فالأمل في داخلها لازال يعيش, بأن يكون كل الذي جرى في البارحة, مجرد حلم مزعج, بدأت تلمح بعض الأشياء التي لا توجد في غرفتها, حتى أنها لا توجد في بيت عمها.....
- إذا الذي جرى لم يكن مجرد حلم بل حقيقة مرة...
ناداها الأمل من جديد...
- لكني لا أراه ...
أخذت تلقي بنظرها في جميع الجهات....
- لا يوجد, لا أثر له... إذا.... إذا .... فهو حلم ...
بدأت الابتسامة تشق طريقها على شفتيها, لكنها للأسف لم تصل إلى بر الأمان....
فقد قطع طريقها صوت رجولي يقول....
- صباح الخير يا عروس...
ألتفتت إلى خلفها , لتصطدم بالواقع....
فها هو احمد مقبل عليها بابتسامة واسعة على محياه....
يبد أنه كان يستحم....
خيبت الأمل كانت جليتا على تعابير وجهها...
حنت رأسها إلى أسفل, لكي تهرب من الواقع...
- ها هل نمت جيدا البارحة؟
هزت رأسها بالإيجاب.
- يا لك من محضوضة, أنا لم أستطيع النوم, فقط نمت بضع ساعات..., يبدو أن هذه الكنبة مريحة, لهذا نمت جيدا, إذا أنا أحجزها الليلة, لا أقبل النقاش في هذا الأمر, لقد حجزتها قبلك, فلا تحاول.
رفعت رأسها, فوقعت عيناها في شباك عينيه للحظة....
لم تتحمل هذا الموقف , فهربت من جديد إلى الأسفل...
- الفطور جاهز , فهيا لنأكل, ربما قد برد الآن, فقد طلبته منذ مدة , كنت أريد أن أيقضك, لكنك بدوت كملاك و أنت نائمة, فلم أتجرأ على إيقاظك..... على العموم إذا أردتي سوف أطلب فطورا غيره..
بصوت بالكاد يسمع, قالت...
- لا داعي..
تبسم وهو يقول ...
- أخيرا نطقت, لوهلة ظننت أنك فقدت القدرة على النطق.... على العموم هيا بنا فلنأكل, فأنا ميت من الجوع, فلليلة البارحة لم أكل شيئا, و أعتقد أنك أنت كذلك.
قالتها دفعتا واحدة, و بسرعة فائقة...
- سوف أذهب لأغسل وجهي.
تعالت ضحكته في المكان ....
- حسنا, أنا سوف أنتظرك على المائدة..
بخطى متسارعت, أخذت تمشي ناحية الحمام...
ما إن دخلت الحمام, حتى أغلقت الباب بسرعة, و ألقت جسدها عليه, تلته برأسها, ومن ثم أغمضت عينيها, ومررت كلى يديها على وجهها, لتسحب معها دموعها....
أخذت تهوي بجسدها تدرجيا ناحية الأرض...
وهي تردد...
- لا أستطيع, لا أستطيع...
وراء هذا الباب , كان هو موجود ....
يسمع بكائها و كلماتها....
التي كانت مثل السكين, التي تغرس في قلبه......
أخذ نفسا عميقا, أعقبه بزفرة , تلها ....
- هديل .....
دخل صوته إلى أذنيها , ليفتح عينيها على مصراعيها....
- ..... هديل أريد أن أقول لك شيئا, أنا .... أنا صحيح .... زوجك, لكن.... لكن ..... ( تنهد ) لكن لن يحصل بيننا شيء.... حتى أنت توافقي عليه.... فلا داعي للقلق .... هديل.... هديل اعتبرني صديقك.... كالماضي... عندما كنا صغارا, أتذكرين.... لهذا إذا أردتي أن تبكي أو أن تفجري شيئا بداخلك يزعجك , ففعليه أمامي , فالأصدقاء... الأصدقاء لا يخفون شيئا عن بعضهم البعض...... هديل أنا أعدك بأن لا أبكي ألا أمامك و أن أخبرك بأي شيء يزعجني, فأنا ... أنا أعتبرك صديقتي, و أرجو ... و أرجو أنك تعتبريني صديقك .....
بعد طول انتظار, دام لدقائق...
دخل إلى مسامعه, صوت الباب وهو يفتح...
فخط ابتسامة على شفتيه ....
خرجت و عينيها قد اكتستا باللون الأحمر...
طأطأت رأسها , و بصوت مبحوح قالت...
- أحمد .... أنا ... أنا لا أستحقك .... لا أستحقك ., أنت لن تجد السعادة معي, لن أجلب لك سوى الهم و الغم, لهذا.... لهذا .... يجب ... يجب أن ننفص....
سد الطريق على الحروف المتبقية بيده ....
- لماذا تقولي ذلك , من قال أنك سوف تجلبين لي الهم و الغم , و لن أجد السعادة معك؟ من قال ؟ ... هديل... أنظري إلي... أنظري إلي...( رفع رأسها بيده ) أترين هذه الابتسامة التي على شفتي, لم تزرني منذ زمن, بوجودك فقط, عادت البسمة الصادقة إلي..., هديل أنا .... أنا لا أطلب منك سوى شيء واحد فقط.... أن نصبح أصدقاء كما كنا في السابق, هذا هو طلب الوحيد منك... فلا ترديني.
كالعادة , الهروب بأنظارها هو الحل الأمثل....
رفع رأسها , و قال...
- لا تهربي مني , وجاوبيني ....., هديل حاولي, فقط حاولي, أنا لا أطلب منك شيئا سوى الصداقة.
تشابكت عيناهما .....
أغمضت عينيها ....
- لا أعرف ماذا أفعل, لا أعلم ؟
ودفنت رأسها بين يديها...
أمسك بكلى يديها , و حرر وجهها منهما....
- أنا أعلم ماذا يجب أن تفعلي, بأن تقولي نعم , أنا موافقة على أن نصبح أصدقاء...
تسمرت عينيها عليه, فشرارة الماضي قد أصابتها...
فها هي ترى أمامها من أحبته , ينطق بنفس الكلمات, فهو دائما ما كان يساعدها على اتخاذ قرارها عندما تحتار...
- هديل........ هديل.....
صوت أطفئ تلك الشرارة .... لتعود للحاضر....
- هديل, هل أنت بخير؟
- نعم...
- إذا ما هو قرارك ؟
...................................
- ليلى أرجوك لا تخافي عليه , أنا بخير, أسمعي إذا أتى أولائك اللصوص مرة أخرى , فلا تدخليهم .
من بين دموعها, وجدت هذه الكلمات طريقها إلى الخارج...
- ياسر.... أنا .... أنا لا أريد المال, دعني أتنازل عنه...., المهم عندي هو أنت.
- إياك أن تتنازلي, تعلمين أنت جيدا عمك و أبنه , حتى لو تنازلتي , لن يدعونا وشئننا , لقد وضعونا في رأسهم , لهذا لن يدعونا حتى لو رضخنا لهم.
- ياسر هم يريدون ثروت أبي, فدعني أعطيهم , هم فقد همهم المال لا غير.
- أنهم يريدون المال و أنت, أتضنينني أحمقا, أعلم أن سعد يريدك.
- لا تكون مجنونا, سعد لا يحب سوى المال.
- أسمعي حبي, تبقى لي وقت قليل, لهذا دعينا من الكلام عن عمك و أبنه, أريدك أن تكلمين عنكم, كيف أحوالك أنت و أمك ؟
- ياسر..... ( العبرة قاطعتها )
- ليلى كفى أرجوك, لا تبكي....من اجلي كفى..
- ياسر أمي ... أمي تعبة جدا ....و أنا ........ أنا بحاجة لك ياسر...بحاجة لك , أريد أحدا أن يكون بجنبي في هذا الوقت..... أرجوك دعني أنهي الموضوع, دعني أتنازل عن ممتلكات و نرتاح.....
- ليلى .... حبي.... لا تستسلمي أنها مسألة وقت فقط ..., أنا سوف أخرج ...., في الأخير سوف أخرج من السجن ...و سوف نعيش معنا..
قاطعته بصراخها....
- متى يا ياسر , متى سوف تخرج ؟ أتظنهم سوف يعجزون عن تلفيق تهمة أخرى بك, أنه أمر سهل لديهم مثل شرب الماء......, ياسر أرجوك أنا لم أعد أحتمل.... سوف أتنازل.... و الذي يحصل يحصل , المهم أنك سوف تعود لي ..., هذا المهم لدي.
- لا ليلى , لا تفع.........
- ياسر... ياسر... ألو... ألو
قطب حاجبيه , و زمجر قائلا ....
- لماذا أغلقت الخط ؟
رفع يده ووجهها ناحية ياسر , و أشار إلى الساعة الموجودة في معصمه و هو يقول....
- أترى كم الساعة الآن, لقد انتهى وقتك, وكما ترى هناك الكثير لازالوا يريدون أن يستخدموا الهاتف.
لانت قسمات وجهه....
- سيد الشرطي أرجوك أريد أن أستخدم الهاتف لبضع دقائق لا غير, لن أطيل الكلام, فهناك مشكلة في البيت....
قاطعته ضحكته ....
- و هل سوف تحل المشكلة و أنت في السجن, كيف سوف يحصل هذا؟ ( عاد لموجة الضحك ) .... لقد أضحكتني و أنا لا أريد أن أضحك.... ( أخذ يدفع ياسر للمضي ) أذهب هيا أذهب....
ذهب بخطى متثاقلة, و هو في داخله يصرخ بأعلى صوته....
( لا تفعلي ذلك يا ليلى, لا تتنازلي)
كأنه يأمل أن يصلها صراخه .....
......................
- ماذا هناك يا سعد , ألا تعلم كم الساعة هنا , أنها متصف الليل.
كانت الفرحة جلية على نبرة صوته و هو يقول...
- اعذرني يا أبي, لكن الموضوع الذي أريد أن أكلمك لا يقبل التأجيل.
- وما هذا الموضوع الذي لا يقبل التأجيل؟
- أنها ليلى, لقد وافقت على التنازل عن ممتلكاتها.
طار عن جفنه النوم , فالفرح قد تملكه ....
- حقا بني.
- نعم أبي, لقد اتصلت بي منذ قليل, تخبرني بأنها مستعدة بأن تتنازل عن كل شيء.
- هذا رائع , ما الذي تنتظره , أذهب أليها حالا بالأوراق, هيا , و أخبرين عندما توقع , مفهوم.
- مفهوم يا أبي.
......................
- لماذا تنظرين أليه هكذا؟ أهناك شيء في وجهي؟
طأطأت رأسها , ومن ثم قالت بصوت خافت ....
- كلا.... كلا, أنا... أنا آسفة إذا أزعجتك.
وضع الشطيرة التي كانت بيده في الصحن....
وضع كوعيه على الطاولة , و بكلى يديه أسند رأسه....
رسم ابتسامة على شفاهه ...
- لما الاعتذار يا هديل ؟ كما أعلم أن الأصدقاء لا يكون بينهم اعتذار و لا شكر, يبدوا أنك قد نسيت بأننا أصبحنا أصدقاء...
- كلا .... لكن ....
- لكن ماذا هديل ؟ ... ومن ثم لماذا تطأطئين رأسك هكذا دائما , كأنك مرتكبة جريمة , هديل .... لا تخافي من شيء, و لا تخجلي من شيء, بوجود أنا لا تجعلي لهذين الشيئين مكان في حياتك.... هيا أرفعي رأسك ....
قام من مقعده , و أخذ يقترب منها ....
- هديل لماذا لازلت مطأطئة رأسك هكذا ؟ يبدو أنك اعتدت على أن أرفعه أنا...
مرر يده تحت ذقنها, و رفع رأسها... لتصطدم بعينيه ....
- يبدو أن مهمتي الجديدة هو أن أرفع رأسك, فكم سوف يكون أجري ؟
و ختم جملته بابتسامة ....
أخذ العجز ينتشر في جسدها كالمرض, لم تعد قادرة على الحراك و لا حتى على التفكير, فأمور كثيرة حدثت لها دفعة واحدة.... وهي ... وهي غير مستعدة .... غير مستعدة لها ...
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــع
-