- ها أنتم هنا, هيا فلنذهب فقد تأخرنا بما فيه الكفاية.
- ماذا بكم متسمرون هكذا في أمكنتكم ؟! هيا تحركوا.
- لن نذهب لأي مكان أبي.
الذهول كان صاحبه تلك اللحظة...
- ما الذي قلته؟!!!
أخذ نفسا عميقا....
ومرر يده على وجهه, لتمسح كل ما تواجه من دمع...
و ألتفت ناحية جهة أبيه , و هو قد تصنع القوة ...
- قلت لن نذهب إلى بيت أبو خلود.
قال و لازال هو على حاله...
- و الزواج؟!!
بالكاد استطاع أن يزدرد ريقه ...
- لن... لن... لن يتم.
خرجت من فمه لا إراديا...
- ماذا؟
- الذي سمعته أبي, لن أتزوج من هديل.
- ما هذا الكلام, هل جننت ؟ كيف الآن تتراجع , و لماذا؟ تكلم.
طال ترقبه للإجابة....
لا إجابة من قبله, و لا حتى بادرت تشير بذالك....
- لماذا لا تتكلم, لماذا لا تجب ؟.........
لا جواب ... الصمت أصبح رفيقه....
أخذ يتقدم أليه بخطى واسعة.....
توقف أمامه مباشرة, ونار كانت تقدح من عينيه...
- لماذا لا تجيبني, لماذا تراجعت عن الزواج بهديل؟ أهذا بسبب تلك الأجنبية ؟ تكلم, أنطق.
- كلا ... لقد انتهى كل شيء بين و بنها.
- إذا ما السبب, أكنت تتسلى , أكنت تريد أن تجعلني أخسر أعز أصدقائي ؟
- كلا..... كلا... كلا....
- إذا ما السبب ؟ تكلم .
- لا... لا أستطيع أن أقول لك... لا أستطيع.
- كيف لا تستطيع , كيف؟ أتضن هذا الأمر سهل, هكذا بكل بساطة تلغي الزفاف , كلا يا أحمد , الأمر ليس سهلا, ألم تفكر بتلك المسكينة, ألم تفكر بماذا سوف يقول عنها الناس, بسبب فعلتك .
- أبي...أبي أنا أعلم أنه ... أنه ...
- أنه ماذا يا أحمد, أنه أمر مخزي, سوف تكون ضحيته تلك المسكينة, التي وافقت عليك, رغم ألمها , رغم معاناتها, و ها أنت تزيد عليها معاناتها, كانوا يريدون منك أن تعينها , و تداوي جرحها, و للأسف الشديد , سوف يكتشفون أنك نذل , لا يأتمن عليك.
- أرجوك يا أبي يكفي , يكفى ...توقف أرجوك... ( و هرب بوجهه خلف ستار يديه المرتجفتان)
- أنت توقف, توقف عن تصرفات المراهقين هذه , أنت 27 من عمرك, الذين مثلك فتحوا بيوتا, و اعتنوا بعائلات, فكبر , أكبر يا أحمد...... الآن هيا أمامي , لقد سكت عنك كثيرا, هيا أمامي, سوف يتم هذا الزواج شأت أم أبيت, لن أسمح لك أن تجرح تلك المسكينة و تشوه سمعتها بتصرفاتك الحمقاء هذه....
- ماذا بك متسمر في مكانك هكذا؟ تحرك يا أحمد.. هيا....
رد عليه بهز رأسه بالنفي...
- طفح الكيل منك يا ولد , سوف...
ندائه بترت جملته...
- أبو أحمد أرجوك أذهب, وأنا سوف أقنعه بذهاب.
فتح الستار , ليكشف عن وجه كله تصميم....
- لا أحد سوف يقنعني بالردوع عن قراري, فلا تتعبوا أنفسكم.
اندفعت يد أبيه بسرعة ناحيته, لتصطدم بخده الأيمن, لتخلف ورائها احمرارا...
- بما أن الكلام لم ينفع معك, فأنا مستعد لأستخدم القوى, فلا تحاول أن تتحداني يا أحمد...
أخذ يتحسس خده الأيمن, و عيناه التين خرجتا من حجرهما متسمرتان ناحية أبيه, الذي تغيرت قسمات وجهه ,لتشكل وجها جديدا , لم يره من قبل...
.....................................
- ألف مبروك بنيتي.
- شكرا.... خالتي.
- لما الدموع هديل؟.... أرجوا أن تكون دموع فرح و ليست دموع حزن.
خنتها الكلمات, فالعبرات قد تولت الموقف...
فضمتها إلى حضنها...
- هديل حبيبتي, هي البداية فقط, فلا تستسلمي....( أبعدتها عن حضنها, و رسمت ابتسامة واسعة على محياها) هيا فلنذهب فزوجك ينتظرك.
فهزت رأسها بالإيجاب...
...................................
- هيا هديل فلتجلسي بجوار زوجك.
قالت بصوت أقرب منه إلى الهمس..
- عمي....
- نعم هديل.
- أريد أن أجلس في الخلف.
رفع كلى حاجبيه , بحركة تنم عن الاستغراب...
- لكن ... هديل...
- أرجوك عمي... أرجوك...
- حسنا... حسنا.
ففتح أبو عمار الباب الخلفي لسيارة, أمام ناظري جميع الحضور, الذين أجتاحهم الذهول, و الاستغراب...
إلا شخصا واحدا , لم يستغرب مما جرى, أو بالأحرى لم يكن يدري بالذي جرى... فالتفكير بالذي جرى هذه الليلة قد تملك عقله , و أبعده عن هذا العالم...
طبع قبلة على جبينها , و من ثم قال....
- أرجوا أن تسعدي في حياتك القادمة.
فردت عليه بابتسامة, شوهتها الدموع المندفعة من عينيها ...
خطى خطوتين ناحية الشباك المطلة على أحمد و من ثم قال...
- مبروك يا عريس, يمكنك الآن أن تأخذ عروسك...
لم يرده رد من قبل أحمد... فهو ليس معهم.... ذهنيا...
- أحمد.... أحمد أأنت بخير...
أخيرا عاد إلى الواقع...
- ماذا؟.... أنا ....أنا بخير..
ابتسم ...
- حسنا بني, يمكنكما الذهاب الآن.
هز رأسه بالإيجاب...
ومن ثم أنطلق...
كان الصمت رفيقهم طوال الطريق....
حتى عندما أصبحوا في غرفة واحدة.... و أغلقت عليهم الأبواب....
.....................................
نغص عليه نومه صوت قرع الباب, فاستيقظ, و أول ما فعله هو تفقد الساعة , ليجد أنها الساعة 3:30 صباحا....
فرفع أحد حاجبيه ....
- من يقرع الباب في مثل هذا الوقت؟!
توقف القرع ...
- أفففف....
ألتفت إلى يمينه , ليجد بجواره هديل , فأخذ يتمعن فيها , فوجد شفاهه تتحرك لا إراديا , لتشكل ابتسامة...
عاد من جديد قرع الباب, ليقطع لحظة تأمله لهديل ....
كان القرع هذه المرة أقوى من قبل... فوقف و توجه ناحية الباب ...
فتح الباب, ليجد آخر شيء كان يتوقع أن يراه خلف هذا الباب....
جحظت عيناه...
و تجمد جسده في مكانه ....
من هول ما رأى....
- ماذا بك أحمد مندهش هكذا ؟ أكنت تظني سوف أسمح لك بأن تأخذ هديل مني؟
- مستحيل, مستحيل, أنت ... أنت...
- أنا هنا أحمد, و سوف أستعيد زوجتي. ( ووجه نظره ناحية هديل, التي كانت نائمة بعمق )
وجه أحمد هو الآخر بصره ناحيتها....
عاد صوته إلى مسامعه....
- و لكي أستعيدها يجب أن أتخلص منك.
أعاد بصره ناحيته, ليجد يديه تتجه ناحيته, لتطوق عنقه, و تأخذ منه حياته....
فأخذ يصرخ...
- كفى عمار, كفى.... مستحيل... مستحيل ...
وأخذ يدافع عن روحه....
لكن بلا فائدة....
فقبضة عمار على عنقه تشتد أكثر فأكثر... لتضيق عليه الخناق...
أغمض عينيه ...
فقواه قد خانته...
فتح عينيه , و هو مستعد لنهايته...
لكن فوجئ بنفسه جالسا على سريره ...
أخذ يتحسس عنقه... لم يجد شيئا...
أخذت أنفاسه المتسارعة ترجع إلى حالتها الطبيعية...
زفر زفرة ارتياح....
- أنه مجرد حلم , الحمد لله...
ألتفت إلى يمينه ...
ليفاجأ بأنه قد هجر...
عاد الخوف يتملكه من جديد...
أتسعة حدقت عينيه....
وأخذ يتلفت يمنتا و يسارا , بحثا عنها...
لا أثر لها...
أخذ الخوف يعتصر قلبه أكثر فأكثر...
قام عن السرير, و أخذ يركض في أرجاء الغرفة...
لا أثر لها...
كانت الكلمات في طريقها للخرج من حنجرته, لكنه لمحها... نعم رآها....
أخذ يقترب منها شيئا فشيئا....
حتى أصبح بجوارها ....
كانت نائمة على الكنبة ....
جثا على ركبتيه ....
و أخذ يتأملها, يدقق النظر فيها....
كانت نائمة كطفل صغير....
رفع يده اليمنى, ثنا أصابعه , و أخذ يمرر ظهر أصابعه على خدها بكل سلاسة....
شيئا فشيئا أخذت الابتسامة تنمو على شفتيه....
- أنك لست حلما, أو من نسج خيالي, أنت واقع, لقد أصبحت أخيرا لي, لي وحدي, و لن أتخلى عنك مهما كان ... الثمن ...
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــع