كان الهدوء يعم المكان, كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة, فقد كانت تنتظر الشرارة التي سوف تحررها...
و كان لها ما أرادت....
دخل و هو منهك القوى ...
ليفاجأ بأبيه أمامه مباشرة , كان وجهه قد اكتسى باللون الأحمر, و أنفاسه ساخنة تكاد تحرق وجهه, و عيناه تقدح شررا ...
- أخيرا شرفتنا يا أحمد بحضورك, ألا تعلم أن عندنا موعد مع الناس منذ أكثر من نصف ساعة.
- أنا آسف, لم أقصد حقا التأخر, فقد تعطلت عليه السيارة, لهذا استغرقت وقتا في الحضور, حتى أني اضطررت إلى القدوم في سيارة أجرة.
- يبدوا أنك لازلت تمارس ألاعيبك السخيفة, من أجل أن تتملص من هذا الزواج.
هنا فقد أحمد أعصابه, و لم يعد قادرا على تمالكها أكثر من ذلك, فانفجر عليه...
- أبي يبدوا أنك أنت الذي تريد أن تخلق مشكلة من لا شيء, أنت تعلم جيدا بأني أكثر واحد يريد أن يتم هذا الزواج.
- حقا, غريب فأنا لا أرى ذلك....
بترت جملته قائلة...
- كفى أرجوكم , شجار من لا شيء , أبو أحمد أحمد قال بأنه تعرض لمشكلة مع سيارته , لهذا هو تأخر, إذا لا داعي لهذا الشجار, و هيا بنا لقد تأخرنا بما فيه الكفاية على عائلة أبي عمار, هيا.
اكتفى الاثنين بإلقاء نظرات على بعضهما البعض...
_ أنا ذاهب لأغير ملابسي, فهي متسخة بسبب السيارة كما ترون.
قال قوله هذا و ندفع ناحية غرفته ....
قالت معاتبة...
- أبو أحمد ماذا بك, لماذا انفجرت على الولد و هو قد برر لك سبب تأخره؟!
- أنت تعرفين جيدا أحمد, هو دائما جهزا بأعذاره, فما أدراك إذا كان صادقا أم كذابا؟ و من ثم ما أدراك إذا لم يكون عند تلك الأجنبية, و قد قبل بهديل فقد لكي يسكتنا, و يموه علينا الموضوع, فأنت تعلمين كم أن أبنك ماهر في هذه الأمور.
- لا ألآله ألا الله, من أين لك هذه الأفكار, لماذا تجعل للموضوع أرجلا و أذرع؟
- لأنني أعرف أبنك جيدا, و أعلم أنه لن يتغير في لليلة وضحها.
- أتعلم يا أبو أحمد ما مشكلتك, أنك لازلت تعيش جو الشرطة, و تحقيقات, وخلافه, و الآن و بعد أن تقاعدت, لم تجد أمامك سوى أحمد حتى تطبق عليه هذا الأمر, الولد ميت في حب هديل , و الجميع يشهد بذلك, لهذا لا تحاول أن تختلق أشياء تخالف هذا الأمر.
.............................................
- أهلا بصديقي العزيز ياسر , كم تسعدني رأيتك ..
الضيق ارتسم على وجهه, و تجلى على نبرة صوته ....
- هذا أنت! ماذا جاء بك إلى هنا؟ ومن ثم أنا لست صديقا لشخص خسيس مثلك.
بابتسامة شيطانية لم تغب عن شفتيه منذ رأيته لياسر, قال...
- خسيس... مقبولة منك , فأنا أعلم أن جو السجن يتعب الأعصاب, و يغير النفوس, ها أخبرين كيف كانت أقامتك في السجن خلال هذا الشهر؟
- كانت رائعة , كأنني في فندق سبع نجوم.
دوت ضحكته في أرجاء الغرفة, تبعها قائلا...
- دائما أنت خفيف الظل, حتى في أحلك الأوقات.
- سعد, كفى تضيعا للوقت في كلام ليس له معنى, و قل لي ما هو سبب زيارتك هذه؟
- حسنا سوف أقول لك سبب زيارتي, لقد جئت لأكرر عليك الخيارين الذين رفضتهما من قبل, قلت ربما بعد أن تقضي فترة من الزمن في السجن, سوف يلين رأسك, و تعي أنك لا تستطيع أن تواجهنا, لهذا يا صديقي العزيز ياسر (رفع يده اليمنى , حتى غدت مواجهة لكليهما ومن ثم نصب أصبعه السبابة و هوا بالبقية) ... الخيار الأول هو أن تجعلها تتنازل عن كل ممتلكاتها لنا...( و رفع الأصبع الآخر, ليجاور صاحبه)... أو تطلقها ... فما هو قرارك يا صاحبي؟
أدخل ما يقدر عليه من أوكسجين إلى رئتيه, ومن ثم أخرج ثاني أكسيد الكربون...
خط ابتسامة واسعة على شفتيه....
و رمقه بتلك النظرة, ليمهد للقادم....
رفع يده اليمنى , ووجهها ناحية يد سعد اليمنى, و من ثم أمسك بها, و هوى بالأصبعين المنتصبين...
- هذا هو قراري, بأن تغرب عن وجهي و حالا, قبل أن أهشم وجهك الجميل هذا. ( وأخذ يشد قبضة يده على يد سعد المتألم)
سحب يده أخيرا من قبضة يد ياسر بعد عدة محاولات فاشلة...
ومن ثم قال و الغضب قد أعتلى وجهه...
- أيه الأحمق, تعفن في هذا المكان إذا, لن تخرج من هنا أبدا, إذا لم تنصاع لنا.
- أفضل أن أتعفن هنا, على أن أنصاع لأوامر لصوص مثلكم, مخادعون, يريدون أن ينهبوا مال تلك اليتيمة بطرقهم الملتوية.
- حسنا يا ياسر, حسنا, سوف نرى ماذا سوف تقول بعد أن تقضي عدت شهور أخرى في هذا المكان, سوف نرى.
ومن ثم توجه ناحية الباب و أخذ ينادي على الشرطي, الذي من فوره قدم, و فتح الباب, و قبل أن يتخطى عتبت الباب, وصل إلى مسامعه صوت ياسر و هو يقول...
- سوف تجد الابتسامة على شفاهي يا سعد, و رأسي أصلب من قبل.
لم يرد عليه, بل أندفع إلى الخارج, و في داخله يتوعد بأن ينتصر على ياسر و يذله و يكسر كبريائه...
.....................................................
- أعتذر مجددا على تأخرنا, حقا أنا محرج مما حصل.
- لا عليك يا أبو أحمد لم يحصل شيء, ومن ثم كان عندكم عذر وجيه, المهم الآن أنكم وصلتم.
- هذا صحيح, على العموم فلنبدأ الحديث عن موعد الزواج, و المهر و خلافه.
- تعلم يا أبو أحمد أنه لا يوجد بيننا مهر, فنحن أهل.
- هذا صحيح نحن أهل, لكن هذا حقكم, فما هي طلباتكم؟
- في الحقيقة هناك ثلاث شروط , وإذا قبلت بها سوف يتم هذا الزواج.
- وما هي هذه الشروط؟
- الشرط الأول وهو الأهم, و أرجوا أن تتفهموا هذا الشرط و تعوا أنه هو سبب قبول هديل بأمر الزواج, الشرط هو أن يتم الزواج لمدة عام كامل, وعندما ينقضي العام سوف نرى إذا كانوا في أمكانهم الاستمرار أم لا.
رفع أحمد كلى حاجبيه إلى أعلى و هو يسأل مستفسرا...
- ماذا تقصد يا أبو خلود ؟ لم أفهم هذا الشرط.
- بنيه أحمد , الذي أقصده إذا كان أحد منكما غير راغب في الاستمرار في هذا الزواج, بإمكانه الحصول على الطلاق بدون مشاكل .
أخذ يرمي ببصره ترتو ناحية أبيه و ترتو ناحية أبو عمار و هو لا يستوعب الذي سمعه...
- بني أنا أفهم أنه أمر غريب, و لم يحصل من قبل, لكن هذا الشرط الوحيد الذي جعل هديل تقبل, و إذا.... و إذا لم..لم تقبلوه, ففي هذه الحالة سوف لن يتم الزواج.
- في الحقيقة يا أبوعمار هذا الطلب...
بتر جملة أبيه و هو يقول بثقة , تجلت في نبرة صوته و لمعان عينيه...
- أنا موافق.
- أحمد يمكنك التفكير, فنحن لسنا في عجلتن من أمرنا.
- لا أحتاج لوقت لأفكر, فأنا متأكد من قراري, أنا موافق يا أبو خلود, فأخبرني بالشرط الثاني.
- الشرط الثاني هو أن يكون الزواج بسيطا مقتصرا على العائلة.
- في الحقيقة يا أبو عمار نحن كذالك كنا نفكر بنفس الشيء, فلا ظروفكم و لا ظروفنا الراهنة تسمح بحفل كبير, يتخلله الأهازيج و الموسيقى.
- هذا جيد يا أبو احمد, إذا لم يبقى سوى الشرط الأخير, هديل لا تريد أن يكون هناك شهر عسل.
زارته الدهشة من جديد...
- لكن كيف هذا يا أبو خلود؟! ألا يكفي أننا سوف نتزوج في حفل بسيط, بلا فرح و لا أهازيج كالبقية, أيضا لا يوجد شهر عسل.
- بني قدر حالها, فهي من الصعب عليها أن تخطوا هذه الخطوة, فلا تضغط عليها أكثر, فأرجوك أن تتفهم الذي تمر به.
تنهد و من ثم تبعها بابتسامة خطها على شفتيه ...
- أنت محق يا أبو خلود, يجب أن أتفهم وضعها, المهم الآن أنها قبلة الزواج مني , و هذا هو المهم , و هذه الأمور التافهة لا تستحق أن نفكر بها, أنا موافق على كل هذه الشروط يا أبو خلود , فمتى سوف يكون موعد الزواج؟
................................................
رفعت يدها اليمنى , و ما لبثت أن هوت بها على الطاولة , لتمسك بورقة , أممتزجة حروفها بدمع....
- عمار بهذه الورقة أنفصل أسمي عن أسمك, بهذه الورقة لم أعد ملكا لك, بهذه الورقة أصبحت طليقتك, بهذه الورقة أنهيت حياة زواج لم يدم سوى عام واحد....... ليت . ... ليت بمقدوري أستطيع أن أتخلص منها و أعود ملكا لك و حدك... نعم سوف أفعل.... سوف أمزقها أربا أربا...( رفعة يدها الأخر, مسكت بطرفي الورقة بكلى يديها , و أخذت تستعد لتنهي حياة هذه الورقة)...... ما الفائدة؟..........ما الفائدة ( صرخة بأعلى طبقة من صوتها).... لن يغير تمزيقي هذه الورقة الحقيقة.... بأني... بأني لم أعد زوجت...زوجتك.... ( و غرقت في بحر من الدموع الساخنة)
..............................................
مر يوم يليه يوم, ليشكلوا شهرا يليه شهر..... حتى أتى اليوم الموعود...
دخل و الذهول ارتسم على محياه....
- هديل بنيتي, أصحيح الذي تقوله خلود, بأنك تريدين إلغاء الزواج؟!!
من ورائي ركام الدمع المتكدس في عينيها و الذي يهدد بأي لحضت بأن يتدفق ليشكل سيولا من الدموع....
- نعم....نعم ... فأنا ... أنا لا أستطيع العي...العيش مع أحمد... لا أستطيع. ( و نفجر السيل الجارف من عينيها)
أقترب منها, و أحطها بكلى يديه, و سحبها ناحية حضنه, و بصوت حاني قال...
- اهدئي بنيتي... اهدئي, أنا أعلم أن الأمر ليس سهلا عليك, خصتا أنه سوف يصبح بعد بضع دقائق واقعا ملموسا, لكن هديل يجب أن تتحلي بالشجاعة ... أنت تخطيتي شوطا كبيرا بموافقتك عليه, و لا يفصلك سوا عتبة هذا الباب عن المضي قدما في تحقيقه.
قالت و هي تشهق من كثرة البكاء...
- عمي... لا .... لا أستطيع.... الأمر.... الأمر صعب... صعب..
أخذ يغرسها ناحية حضنه أكثر فأكثر, و هو يقول...
- صحيح أنه صعب, لكن إذا فعلته سوف يكون الباقي سهلا( أبعدها عن حضنه, و غلف وجهها بكلى يديه)
هديل هذه الخطوة كفيلة بأن تعيدك ألينا, و أن تعيد الفرح إلى هذا المنزل, لهذا يا حبيبتي لا تجعلي لحظة ضعف واحدة تدمر حياتك القادمة.
............................
أبعد يديه عن وجهه, ليكشف عن ملامح الدهشة و عدم التصديق.......
- أتعي ما تقوله يا أحمد؟
- نعم ..... نعم.
- أجننت , لماذا .... لماذا تريد أن تلغي الزواج؟!! لماذا؟!!
- لأنه.... لأنه..........( جلس على الكرسي , ومن ثم غطى وجهه بكلى يديه)
- لأنه ماذا يا أحمد ؟ تكلم.
حنا رأسه إلى أسفل, و أخذ يسحب يديه حتى و صلتا إلى شعره.........
- لا أستطيع أن أخبرك يا ماهر , لا أستطيع....
أخذ نفسا قويا ومن ثم تبعه بزفرة قويه....
- كيف لا تستطيع, كيف لا تستطيع ؟! أنت تريد أن تلغي الزواج, الزواج ليس لعبه.
قام من كرسيه بسرعة , لدرجة أن الكرسي أنهار على الأرض..... و قال بصوت تردد صداه في أرجاء الغرفة....
- أتضنن أللعب؟ ........ ألا ترى كم هذا الأمر يؤلمني , بأن أتخلى عن الزواج بالمرأة التي احتلت قلبي..
أنا لا أللعب, لا أللعب, لكن ... لكن هناك شيء ... شيء يمنعني ... يمنعني من الزواج منها ( و ضرب بقبضة يده الجدار).
تجمد ماهر في مكانه, لم يعد قادرا على الحركة, لقد أفقدته رأيت تلك الدموع التي نزلت من عيني صاحبه قدرته على الحركة و حتى عن التفكير.....
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــع