كاتب الموضوع :
وداد التميمي
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الثامن..
لم تكن الأيام التالية سوى فوضى رائعة .كان "وولف" يقضي وقته إما داخل مكتب "بليندا" أو في أحاديث تليفونية معها .كانت الشابة مدركة أن معاونيها يظنون أنها أصيبت بمس من الجنون .
ولكنها لم تعد تهتم على الإطلاق بآراء الآخرين وهي عادة لم تكن تعير آراءهم أي انتباه.منتديات ليلاس
كان يحدث أحيانا أن تقضي ساعات على الخط مع "دميانة" أو "كريستين" في مناقشة ثوب الزفاف الذي ستعده مصممة الأزياء الشهيرة "كارين" خصيصا من أجلها .أدركت كم فاتها الكثير من التفاصيل الصغيرة الأنثوية خلال السنوات العشر الماضية من العمل الجاد.
كانت "ليديا" متحمسة بالفعل أمام توقعات حفل الزفاف وكثيرا ما كانت تحس باليأس من تصرفات "بليندا" غير المكترثة .وفي هذا الصباح قالت السكرتيرة شاكية :
- على الأقل يجب أن نلقي نظرة على قائمة الزواج صباح هذا اليوم الموعود. لماذا أشعر بالعصبية وأنت لا تشعرين بها ؟
رن جرس التليفون في تلك اللحظة .رفعت "بليندا" السماعة :
- آلو ؟ من؟ السائق الخاص بالزفاف ؟
دهشت الشابة قبل أن تناول السماعة للسكرتيرة , وقالت :
- شيء آخر نسي "وولف" أن يخبرني به !
رفعت "ليديا" عينيها إلى السماء وزفرت:
- آلو ؟ ماذا قلت إذن ؟ آه .. نعم .. هل يمكن أن تخبرني عن اسم مكتبك و الخدمات التي تقترحها من أجل الزفاف الخاص بالآنسة "برونسكي" ؟ أنتم شركة "ليموزين جوتام" ؟ حسنا لقد سجلت الاسم سنمر لنأخذ الآنسة "برونسكي" ...
أضافت "بليندا" :
- وكذلك السيدة "كينمور" والسيدة "لارابي" ...
همست "ليديا" :
- سأخبرهما بذلك ., ..نعم ..نعم أنا أسمعك يا سيدي العزيز ..متى يمكنك الحضور ؟
استدارت نحو رئيستها- بنظرة متسائلة- التي قالت :
- عند "كينمور" في الشارع الخامس حوالي الحادية عشرة صباح غد وأعتقد أننا سننتهي من بروفات ثوبي وقتها .
رددت "ليديا" التعليمات في الهاتف ثم وضعت السماعة ثم تنهدت :
- أعتقد أن كل شيء سيتم على ما يرام .
ردت "بليندا" وهي تضحك :
- كل شيء سيكون على ما يرام وسترقصين حتى الفجر .
قالت السكرتيرة مبهورة :
- إنني لم يسبق لي أن رأيتك في هذه الحالة .
- إن السعادة يمكن أن تغيرك تماما كما هو معروف!
بعد ذلك انهمكت "بليندا" في العمل ولكنها من وقت لآخر كانت تبتسم ابتسامتها المبهمة عندما تمر على ذهنها صورة "وولف" .
حدث في هذا المساء كما يحدث عادة منذ أن انتقلت إلى بيت "وولف" من أسبوع أن كان الخطيبان يجلسان متجاورين فوق الأريكة الكبيرة وهما يثرثران ويستمعان إلى الموسيقى – همس "وولف" في أذنها :
- غدا يا حبيبتي في مثل هذه الساعة سنكون في الطائرة متجهين إلى "باريس" .من الواضح طبعا أن "لوريث" لن تكون معنا ولكننا سنعثر على عشنا الصغير .
- أوه يا "وولف" إنني لا أستطيع أن أصدق أن تلك الفيلا أصبحت ملكنا .إن لها معنى كبيرا بالنسبة لنا .على أية حال لن أشعر بشوق شديد ل "لوريث".
ضحك "وولف" من أعماق قلبه.
قال "وولف" وهو يوقظها في الصباح هامسا :
- انهضي أيتها الكسول الصغيرة !أعتقد أن عندك بروفة .
تمطت "بليندا" ثم تكومت على نفسها في الجهة الأخرى من السرير . ثم أطلقت صيحة عندما رأت الساعة وقفزت من فوق السرير كالغزال وهي تحتج :
- ولكني سأتأخر .. لدي موعد مع "دميانة" و "كريستين" كان قلب "وولف" يدق بلا انتظام ومع ذلك لم يحس أبدا بمثل هذا الهدوء والسكينة من قبل .إن "بليندا" هي الوحيدة التي حققت هذا التضارب في حياته .
إنها تصيبه بالجنون والاطمئنان في آن واحد .وحتى لو عاد كابوس أن يفقدها مرة ثانية ليطارده فإن ذلك لن يكون إلا بطريقة متباعدة ومتقطعة .
انتبها إلى أن ساعة البروفة اقتربت فقال :
- سأتصل بمحال "كارين" لأطلب منهم أن يبدءوا عملية ضبط الثوب على "دميانة" أو "كريستين" وعودي بسرعة لأنني أريد أن أتزوجك.
نظرت في أعماق عينيه وقالت:
- أنا أحبك يا "وولف ويكفيلد" ولا أنتظر سوى شيء واحد في العالم .. أن أصبح زوجتك للأبد .
اختفت بسرعة وراء الباب ونهبت الدرج.صاح : "وولف" وراءها من أعلى الدرج :
- هذا ليس عدلا .. ليس من المعقول أن تتركني في منتصف الحديث المثير ثم تهربين بعد ذلك . وبهذه الطريقة التي يمكن أن تكسري بها ساقك فوق الدرج كان الحظ في ركاب "بليندا" حيث عثرت في الحال على سيارة أجرة ورغم الزحام أوصلتها إلى محلات "كارين" متأخرة عشرين دقيقة فقط عن موعدها .
استقبلتها "كارين" في مرح :
- آه هاهي الموعودة ! لما كنت أعرف السيد "ويكفيلد" جيدا فإنني أعلم أنه لم يكن يرغب في أن يتركك .إنه فريد .. أليس كذلك؟ لقد كان أكثر من ذلك بالنسبة للشابة.لقد أصبح "وولف" كل عالمها .تابعت مصممة الأزياء العالمية :
- على أية حال اعتبري نفسك سعيدة لأن رجلا مثله أحبك .إن معظم الرجال مثيرون للملل .
ردت على هذه الملحوظة ضحكات عالية صادرة من "دميانة" و "كريستين" من داخل ورشة البروفات .
قالت "كارين" ساخرة :
- اضحكا أيتها السعيدتان فلدى كل منكما زوج خارج المنافسة ,فليست كل النساء لهن حظكما .. هيا بنا فعلينا أن نعمل في الأثواب خاصة ثوب الزفاف . هناك بعض اللمسات ولكن ذلك لن يأخذ وقتا طويلا .
انتهت "كارين" أولا من "دميانة" و "كريستين" .
قالت كريستين :
- إلى اللقاء قريبا في الكنيسة .. يا إلهي ! كم أنا عصبية تماما مثلما كنت في زواجي .
قالت لها "دميانة" عاتبة:
- هل من الضروري أن تقولي ذلك؟ هيا من الأفضل أن نعد الأطفال .
ظلت "بليندا" مع "كارين" التي أخذت تديرها نحو اليمين و الشمال وللأمام والخلف لتدرس آخر التعديلات اللازمة ,أخيرا قالت المصممة المحترفة:
- غرزة هنا وغرزة هناك وكل شيء سيكون رائعا . وسأرسل الثوب إلى بيتك في بداية ما بعد الظهر.هل هذا يناسبك؟
- ممتاز .. وشكرا على كل شيء يا "كارين".
- العفو يا آنسة وافبلي أخلص تمنياتي القلبية .
سبحت "بليندا" فوق سحابة صغيرة وهي تغادر الشارع الخامس وقبل أن تستدعي سيارة أجرة وجدت أمامها سيارة "كاديلاك" سوداء وأشار سائقها من وراء الزجاج الفاميه. فكرت أنها لاشك من مكتب "ليموزين جوتام" وهي تتذكر الترتيبات التي تمت في الأمس بواسطة "ليديا" من الداخل أشار إليها السائق أن تركب.
قالت الشابة وهي تستقر على المقعد الخلفي للسيارة:
- أنها فكرة رائعة . إن محاولة العثور على سيارة أجرة في هذا المكان وهذه الساعة تعد مغامرة .
وافقها السائق بهز رأسه وهو يسير وسط الزحام الشديد .وتركت "بليندا" نفسها لأحلامها إنها ستصبح السيدة "ويكفيلد" خلال ساعات . أليس هذا رائعا ؟ هي التي انتظرت طويلا هذه اللحظة ترتعد أمام فكرة أن تأتي عقبة غير متوقعة بينها وبين سعادتها .ولكن لا ... إن ما تفكر فيه غباء مطبق .طردت الشابة أفكارها السوداء.
|