كاتب الموضوع :
mo-mo
المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أسمحوا لي ان اتم القصه
ورفع الورقة فقرأ التالي :
" غداً .. وفي منتصف الليل تحديداً سأسترد حريتي فأستعيد بذلك نعمة الاختلاط بالناس على أني أرى لزاماً علي- قبل أن أغادر غرفتي هذه فأبصر ضياء الشمس-أن أخبرك بشئ:
أعلن وأنا بكامل قواي العقلية وبضمير واعٍ مرتاح-تحت رقابة من لاتنام عينه جل وعلا-بأنني أمقت الحياة والحرية وكل ماتنعته كتبك قاطبة .. بنعيم الوجود!
لقد دأبت ولخمس عشرة سنة خلت على دراسة حياة الانسان على هذه الأرض.. صحيح أنى مارأيت أرضَاً ولا بشراً..
لكني .. في كتبك أبحرت إلى عوالم من خيال ... أثملني فيها رحيق الزهور وشدو الطيور .. رددّت روحي أعذب الأنغام وتوغلت في مجاهل الغابات فاصطدت الظباء والغزلان البرية.. ورأيت النساء.. نساء فاتنات كسحب الأثير أبدعتها قرائح عباقرة الشعراء... فتيات كن إذا أويت إلى فراشي يزرنني فيسكبن في مسمعي أروع الحكايا فانتشي لوقعها ويثمل فؤادي للحظات عفيفات ..
عبر كتبك-سيدي-امتطيت قمم الجبال الشاهقة لـ"البروز"و"مونت بلنك".. واكتحات عيناي في ذراها بمرأى الشمس يتفتق عنها صدر الأرض..هناك في آخر العالم.. فتسكب أبان غروبها صبابة الذهب تطلي بها السماء والمحيط ورؤوس الجبال..سمعت هناك في الأعالي دوي الرعد.. ورأيت ومض البرق يقدّ الفؤاد الغيوم كسيف عنترة بن شداد .. رأيت غابات خضر وبيادر وحقولاً وجداول وأنهاراً ومدناً...ومست يداي أطراف أجنحة النوارس المبحرة في خضم السماء .. في كتبك-سيدي-سبرت غور بحار لجّيّة ... صنعت المعجزات أحرقت مدناً عن بكرة أبيها وحررت أقطاراً !
لقد منحتني كتبك الحكمة كل الحكمة ... إن عبقرية الإنسان وحصاد فكره الفذّ قد أختزل الآن في جمجمتي.. وأنا على يقين الآن بأني أفوقكم طرّاً علماً وثقافة وذكاء وحكمة ...
على أني الآن أحتقر كل كتبك ..أمقت النعيم الدنيوي وحكمة الإنسان ..فقد أدركت أن كل شيء ماخلا الله باطل ... وأن كل مابنا من نِعَم ومالدينا من متع.. ماهو إلاسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً... أيقنت-سيدي-بأنك مهما كنت جميلاً غنياً حكيماً..فإن يد الموت لاشك ستمتد إليك لتمحوك عن وجه البسيطة..فتتساوى بذلك مع الجرذان النافقة تحت الأرض ... عندها لن ينفعك مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم..
تعساً لكم بني آدم ... تحسبون الزيف حقيقة .. وتخالون القبح جمالاً و... تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ...
كم أحتقرنا ماتمجّدون وخير دليل على ذلك .. هو إنني سأتنازل طائعاً مختاراً عن مبلغ الرهان المتفق عليه ..ذاك الذي طالما حلمت بأنه المفتاح إلى عوالم السعادة والنعيم ..ذالك الذي أمقته الآن في لايساوي في نظري شيئاً .. أجل سأحرم نفسيمن حق الحصول عليه إذ أني سأغادر هذا المكان قبيل الموعد المضروب بخمس دقائق ... فأكون بذلك قد خالفت بنود الأتفاقية ويصبح المصرفي في حلُّ ساعتها من دفع المتفق عليه لي ..
عندما أنهى المصرفي قراءة ذلك وضع الورقة بهدوء على المنضدة ثم أنحنى فقبّل في حنان رأس الرجل الغريب وانخرط في بكاء عميق قبل أن يغادر الجناح ..
ماأحس في أي وقت مضى بأزدراء ذاتي كذلك الذي أحس به آنذاك مطلقاً ...حتى يوم مُنيَ بخسارة فادحة في سوق البورصة .. وماأن دخل بيته حتى أستلقى على سريره لكن العذاب واالدموع والألم لم يسلمه للنوم إلا بعد مضي وقت طويل ...
في صبيحة اليوم التالي جاءه الحارس المسكين يعدو .. وأخبره بأنهم قد بصروا السجين يتسلل من النافذة إلى الحديقة التي لفظته بعد أن عبر بوابتها ..
وهرع المصرفي من فوره مع حارسه إلى غرفة السجين فكتب تقريراً بذلك ولتلافي ماقد ينتشر من إشاعات أخذ ورقة التنازل الخطي للسجين من على المنضدة وأبان عودته أقفل عليها باب خزانته ..
أنتهت بحمد الله ,,
|