كاتب الموضوع :
بسمه جراح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
(25)
الجزء الخامس والعشرون
الفصل الأول
"مشـاعــــر..موجوعة"
هدوء.. يلف المكان..ولا يقطع سكونة سوى تلك الشهقات المنبعثة
ما بين فترة وأخرى..ظلام دامس..يلتف من حولي...
ولا يشق وشاحه..سوى خيوط رفيعة من ضياء..
دخلت خلسة من بين تلك الستائر...
ورغم برودة الغرفة....
إلا أن العرق يتصبب مني...
ليشارك..دماعاتي هبوطها...
ولساني يلهج..بدعاء الاستخارة..
" اللهم إني أسألك بعلمك واستقدرك بقدرتك..فأنت تعلم وأنا لا أعلم
وتقدر وأنا لا أقدر...اللهــــم أن كان بزواجي من ذاك الرجل الذي
يكبرني سنيناً عدة خير لي في ديني ودنياي..وأهلي ومالي وعاقبة
أمري وآجلة اللهم فيسرة لي ويسرني له ثم أرضني بعد ذلك..
اللهم وإن كان بزواجي منه شر لي في ديني ودنياي وأهلي ومالي
وعاقبة أمري وآجلة فاصرفه عني وأصرفني عنه ثم ارضني
بعد ذلك"
انتهيت من صلاتي ولكن لم أنهض..
بل سجدت منهارة...أدعوا ربي
" يـــــارب ...يـــا رب ...يا رحمن يا رحيم..ارحمني برحمتك
التي وسعت كل شيء...أرحني من ظلم زوجة أبي..
ومن حياة الشتات"
صمتت...صمتت..لأبتلع شهقات مـُـــرة
سدت حلقي...وخنقتني بأسى
وأكملت.." رباه...أنهي هذا اللقب الذي أحرق كياني...وأجعله
يرحل دون رجوع...رباه..إن كان ذاك الرجل سيكون أكثر وعياً
وحكمة فأرضني به..
وازرع حبي في قلبة منذ اليوم...رباه أرجوك..كم آلمتني كلمة لا
أحبها أسألك رباه لا تجعلها ترتد لمسامعي مرة أخرى...
ثم أكملت بهمس.." ربي أرجــــــوك.."
وبعدها..رفعت رأسي ثم أسندته على سجادة الصلاة..وتمددت أفكر..
أفكر بحالي...وأحلامي التي تحولت لسراب..
اتتوقعون أني لم أحلم بشاب صالح..يغدق علي بحبه بعطفه بكرمه
اتحسبون أني لا أحلم...لا آمل..
ولكن مهلاً...يبدوا أني اقتنعت بأن لا هناك سبيل للوصول..
لتلك الأحلام...كرهت الشباب...كرهتهم كلهم..
ولا أرغب أبداً بالزواج بشاب..يتنكف..يتدلل..يتأمر
هذا ما كنت أريده رجل مكتمل الرجولة..قد قطع طريقاً من العمر
ولا شك أن تقلبات الحياة قد أطعمته شيئاً من مرارتها..
عندها...قد يكون..أكثر تحكماً ..وروية
همم ما أعرفه عنه حتى الآن هو أنه رجل شهم..لا يحب الظلم
قوي الشخصية لدرجة كبيرة...حافظ لكتاب الله..
مميز من قبل الرجال فالكل يرغب بتزويجه من ابنته...
ولكن ما يجعلني اتردد..هو أن له أبناء..كيف سيقابلون فتاة في
19 من عمرها
أخذت منهم والدهم...آآه..حقاً محتارة...محتارة..أكاد انهار
ورأسي يكاد يتفجر من كثرة التفكير..
.
.
أيته الأحلام مهلاً..
هل استقيت..من غدر
البشر..
حتى ارتويتي
هل تدركين..هل تصغين
أم أن كلماتي..ترتد
على جبال رواسي..وأحجار
صلبة...
لتنعكس..ويتبدد..صدها
مجلجلاً..
وما يلبث أن يتلاشى
صــداهــا
في صحراء العمر
أنتي..أجل
أنتي..من داعبتي
عيناي عند النوم
هامسة..
"الفجر قريب صغيرتي!!"
وأنتي..
أنتي من صنعت من آمالي
بحيرة..
تحيط بها أطايب الشجر
ولكن..ما أن حثثت
المسير إليكِ
حتى أختفيتي
كسراب..يحسبه
الضمآن ماء
لا...لن أبكيكي
لا... لن أتوسل لك بالعودة
كي تزرعي أرضي..
وروداً..وأزهاراً
ولكن..سأتوسل
لربي
بأن يجعلك..
أمام عيني حقيقة
رغم عنكِ
.
.
.
نهضت ببطئ..سحبت طرف جلال الصلاة..وأزلته من حول أكتافي
ثم سرت بخطوات موجوعه نحو الشباك..آه..أنها الساعة الثانية بعد
منتصف الليل..خالد خرج من المغرب غاضب مما حصل رغم أنه
لم يحاول أن يوضح لهم.....
وزوجة أبي تتحرك بنشاط وكأنها لم تفعل شيئاً..
ما زل صوت أخي وحبيبي فيصل يرتد بأذني قبل يومين..
وهو يردد بفرح: هــآآي هــاآآي بنروح نسافر ..يما بنسبح؟
فتجيبه أمل بصوت خافت: إيه بس قصر صوتك لا تسمعنا..أختك
ليجيب ببراءة: ليه هم ما يروحون معنا
أمل بملل: إيه ..خلاص اسكت اوجعت راسي
فيصل: ليه ما يروحون
فتجيب عندها أمه بصراخ: ما لك دخل واسكت..ويا ويلك اشوفك
تتكلم معها
قد تكونوا غرقتم بدوامه من التشتت..ولكني سأوضح لكم الأمر
أترون معي هذا "الجيب" الذي يقبع هناك..في "قراج السيارات"
اترون تلك الحمولة التي عليه....هل ترون معي تلك الخادمة التي
تشق أرض الساحة الخارجية ذهاباً وأياباً..وهي لم تنم حتى الآن
استعداداً لتك الرحلة وهناك تقف أمل حاملة أخي عبدالعزيز الذي
يبلغ الآن 5 أشهر
وتنادي قائلة: خلاص ودي هذا وسكري السيارة وارقي نامي..
بكرى ما فيه قوم بدري..نامي لين ساعة 11 عشان بعدين في
سفر ما فيه تعبان..
الخادمة: أن شاء الله مدام...أوه فيسل..ليه شيل هذا
فيصل: لا أنا ابي أشي معك...أبي أشيل
أمل: تعال معي تنام عشان بكرى نسافر
هاهو يجري بمرح..ليعم الهدوء من جديــــد...
أغلقت الستائر...ثم اتجهت للسرير..جلست عليه ..ثم اتكأت على
الوسادة التي خلفي وضممت أرجلي..
ها نحن اتممنا الشهر وأسبوعين منذ ابتداء الاجازة ..
كنت سعيدة لأننا سنافر قريباً...آآ منذ مدة طويــــــلة لم أركب سيارة
أبي ..والآن نسافر معاً كسابق عهدنا...مر على آخر سفر معاًً سنتان..
أو أقل بقليل..
ولكن حدث شد وجذب..بين خالد وأبي..خالد لا يريد حضور صديق
أبي "عبد المحسن" لأنه لا يرتاح لنظراته..وكلماته البجيحة..
حتى وإن كان الرجل لا يفوت صلاة جماعة إلا أن هذا لا يعني أنه
لي بطويل العينين..
وأما أمل فهي تحب زوجه صديق أبي..ولهذا مصرة على أن يسافروا
معنا وما زاد أصرارها..هو كي تظهر لخالد بأن ليس له حق
بإصدار الأوامر..
أو ابداء الرأي...ورغم أن أبي يقتنع أحياناً بآراء خالد..إلا أنه مصر
على أن يسافر بصحبة صديقه هذا...
حاول خالد كثيراً أقناع والدي متجاهلاً اعتراض أمل..
ولكن حل سكون غريب بعدها...أستمر الصمت لمدة 4 أيام ونحن
لا ندري أي قرار هو الذي قد رسى..
ولكن في اليوم الخامس سألت خالد..ما الذي حدث هل سنسافر أم لا
ليجيبني..بضيق: معليه سديم..بنعوضها مرة ثانية ان شاء الله
سديم: وش تقصد
خالد: شكلهم ما يبون أننا نسافر معهم
قلت بدهشة: حتى أبوي
خالد: سديم...أبوي أكيد يبينا..بس هو رايح يرتاح ويتمشى..موب
رايح عشان تجيه المشاكل هناك..ولأني ما أبي نسافر مع
"عبد المحسن" صديق أبوي
قالي أبوي اليوم الفجر أنهم بيسافرون قبلنا..وبعد ما يرجع أبوي
من السفر باسبوع وإلا اسبوعين نسافر حنا
قلت بإحباط: وشلون يعني حنا ما راح نسافر
خالد: والله يا سديم أني ما تنازلت وقلت خلاص نروح معهم إلا
عشانك وإلا أنا ما أطيق أجلس مع "عبد المحسن" يقرفني بسواليفه
بس عاد ما تدرين وش الخيرة فيه
صمت عندها بألم..
ومرت الأيام..وهاهم قد حزموا حقائب سفرهم..
أتيت اليوم هنا كي اسلم على أبي...فأنا لم أأتي لمنزل والدي منذ
4 أيام مضت..
يجب أن اسعد....واسعد من داخل اعماق قلبي بأن أبي سيسافر
وسيستمتع بوقته...هذا كافي جداً بأن لا أحزن وان اضغط على
قلبي ...فأنا لست بطفله
كي أحزن لأنني لن أسافر...
قطع بحر افكاري صوت طرق على الباب..
سديم: مين؟
خالد: أنا
سديم: أدخل..
دخل فمددت قدماي كي لا يشعر بحزني من أجل جلستي تلك..
سار بخطواته..واتجهه للأناره
فهمست بضيق: لا ...لا تفتح النور
خالد: وش مقعدك بالظلام
قلت وأنا أشير للشباك: لا موب ظلام..النور يجي من الشباك
خالد: وتبيننا نقعد كذا بالضلام
قلت بابتسامة وأنا أستدير لزر الأبجورة "السهارية" : هذاي بفتح
نور الأبجورة
خالد: ولو ظلام
سديم: ههه طيب افتح الأبجورة الثانية...عجزانة أقوم
خالد..وهو يفتحها: وش عندك بهالظلام..ليه ما تفتحين النور
سديم: أحسن كذا جو شاعري
خالد بالستهزاء: إيه شاعري وإلا حزين
قلت بهمس: لا عادي
خالد: سديم...تذكري..لا تتضايقين..عشان أبوي
سديم: عادي أنا ما قلت شيء..أبوي من حقه أنه يرتاح
خالد: إذا رجعوا..حنا بنسافر
سديم بعجب: أنا وأنت بس؟!!
خالد: خخخ لا وين..أنتي صادقة أبوي مستحيل يخليك تسافرين
لحالك معي
سديم: طيب مع أمي يعني
خالد: لا أنتي تدرين أمي ما تقدر تسافر بدون أمي منيرة "جدتي"
قلت بضيق: أفففف يعني مع مين نسافر..
ثم أكملت مستهزءة: مع خالتي الجوهرة؟
خالد: سديم..وين مع خالتي الجوهرة..تبين نضيق عليهم..
وبعدين يمكن ما يسافرون
سديم: إلا بيسافرون
ثم قلت بحماس: الله تخيل نسافر معهم وناسة
خالد: هههه وين نسافر معهم..أقول بس أعقلي
سديم: ليه أنت ما تبيهم
خالد: هم قالوا تعالوا نسافر سوى وأنا قلت لا
قلت بتأكيد: بس حتى لو قالوا أنت ما نتب راضي صح
خالد: إيه عيب وش يودينا معهم
سديم: طيب ليه خوات مرة أبوي يسافرون سوى..وحنا لا
حتى البر..والاستراحات ما نروح سوى
خالد: هذا السؤال لا تسئليني إياه أنا ما لي دخل..
سديم: طيب مع مين بنسافر إذا رجع أبوي
خالد بتردد: مع أمل
حل صمت لبضع لحظات..
ثم قلت بعدها باستياء: يعني لازم معها..خلاص هي ما تبينا ليه
تروح معنا
خالد: بس أبوي مستحيل يخليك تسافرين لحالك..وحتى أنا مستحيل
أقطع خط وحنا لحالنا
قلت بضيق: يا سلام هي تسافر مرتين
خالد بابتسامة حاول مسكها مراراً: سديم بلا حركات أطفال
هههههه شعرت بالحرج عندها
ثم قلت باندفاع: أجل ما أبي أسافر
خالد وهو ينهض متجه للباب: بكيفك
ثم خرج وأغلق الباب من خلفه
قفزت بعدها...واتجت للباب..أقفلته..
ثم عدت بسرعة...للسرير..غمرت رأسي بالوسادة..اعتصر غصة
بحلقي تكاد تنفجر..
بقيت للحظة أفكر.." ماذا بعد هل سأبكي..وإن بكيت ماذا بعد..
ما النتيجة..ما الجديد"
رفعت رأسي بتحد لنفسي..
نهضت بسرعة كي لا أتراجع..أطفأت أنوار الأبجورة
ثم خرجت للصالة العلوية..وبيدي أحد الكتب..فتحت التلفاز على
قناة المجد وجلست على الأريكه ..وأنا التهم أحرف الكتاب الذي
بيدي هروباً من ركام الأحزان التي تجتاحني..
.
.
.
.
هاهو قد رحل والدي ... وأنا الآن بمنزل جدتي "منيرة" عند أمي
سأقضي عندها أسبوعان كاملان..
ممم كنت اتمنى أن تأتي خلود لتنام عندي ولكن لا أعرف...حقيقة
لست ادري... هناك حواجز عدة قد بنيت بيننا..
وما زاد الطين بلة هو انني قبلت بالجامعة بينما أكملت خلود دراستها
بأحد الجامعات الاهلية وبهذا نكون افترقنا حتى بدراستنا بعد أن
امضينا سنيناً عدة ندرس معاً..ابتدء ذاك المشوار منذ أن كنا
بالخامسة نربط شرائطنا البيضاء متجهين لصف التمهيدي..
وحتى أن ختم ذاك المشوار الدراسي بنهاية الصف الثالث ثانوي...
كنت اتمنى أن اخبرها عن هذا الخاطب " لا تنظروا لي هكذا"
أجل لم أخبرها...آآآه وهناك عدة أسباب..قد تكون اسباب واهية..
ولكنها بالفعل تدفعني لتراجع..كلما فكرت بأخبارها..
أولى تلك الأسباب هو أنها ستعترض بشـدة على هذا الزواج ...
وأنا لم أعد أحتمل .. يؤلمني ذاك اللقب بشدة... يحرقني.. يزلزل
أركاني فتاة في 19 ومطلقة ... آآه وكذلك أريد الهرب من مشاكل
وتقلبات زوجة أبي...ربما أيضاً من الاسباب التي تدفعني بشدة هو
فتور علاقتي مع أخوالي..الوحيد الذي شعر بحزني هو خالي
" مؤيد" أعرف كم هو قليل ذكري له.. ولكن بحق هو الذي كان
يلحظ تغيري... أنا لا أقول بأني أصبحت منطوية أو متشائمة جداً..
ولكن هناك جرح متقد..بالقلب..ربما أنه
لم يلحظه أحد من أخوال سوى خالي مؤيد..أو ربما أنهم لحظوه
ولكن تجاهلوا الأمر..
في وقت كنت أشعر بحاجة شديدة..
لأن أشعر بمحبتهم لي باحتضانهم..أهتمامهم..
أريدهم أن يمسكوا بيدي..يدفعوني للأمام..
لا أن يتهربوا مني...أو يتناسوا وجودي..
أريد أن يشبعوا شعور بداخلي بأن هناك من يحبني..يفتقدني..ليبددوا
ذاك الشعور الذي قد نمى مردداً بداخلي " أنتي لا شيء.. أنتي
غير مرغوبة"
حتى وإن كان ناصر يحمل من العيوب الكثير إلى أن كلمته " أجل
هي جميلة ولكني لا أحبها"..كلمة تحرقني...وتزلزل أركاني..
ولكن ما أراه الآن هو علاقة رسمية ..رسمية جداً
سؤال يتردد بداخلي بحرقة..
" لم ابتعدتي عني خلود... أنا وحيدة...أحتاج لدعمك أكثر من
السابق أحتـــاج لقربـــــك..."
.
.
.
سحبت..تلك الخصلة الشقية المنسابة..ورفعتها ببنسة كرستالية
صغيرة تناسب ملابسي..
حاولت أن اضبط أعصابي...وأخذت نفساً عميقاً...
اعدت النظر لتقاسيم وجهي..الذي لم أضع به سوى مرطب شفاه
وردي اللون..وعيناي اللتان كحلتهما..
آآه.. لا أعرف ما أقول...
أعرف أنكم ستندهشوا.. أو تتضايقوا مني..
ولكن سامحوني..سأقولها..أجل تمت الموافقة على الخاطب
ذو 36 من عمره
وها أنا أقف مقابل المرآه..التي بذاك الممر..المقابل..لغرفة استقبال
النساء... أتذكرونها..قبل سنة من الآن كنت أقف مقابلها..أتأكد من
شكلي قبل أن أدخل على ناصر... واليوم..ها أنا أقف هنا..ولكن مع
خاطب آخر..
بدأت نبضات قلبي تتابع..الآن سأتجه هناك..
آآ..إن عدت فقط خطوات للخلف فسيشعر بوجودي..وهنا يجب على
أن أكمل الطريق متجة لتلك الغرفة...
أخرجني من شتات مشاعري صوت أمل..تقف على باب المطبخ
وتقول بهمس: وش فيك..هاذي عاد ميب أول مرة..توكلي على الله
وأدخلي
أجبت بصوت مخنوق يكاد لا يسمع: طيب..الحين بروح
أخذت..نفساً عميقاً.. أخذت صينية العصير..
ثم أغمضت عيناي بشدة..
حينما وجدت نفسي..قد بدأت أتبع خطوات ذاك المشوار السابق..
بنفس مكانة كان يجلس ناصر...الفرق أن ناصر كان يرتدي
غترة "بيضاء"....بينما هذا الرجل يرتدي شماغ "أحمر"..
كنت ألمح طرفه..ولكن حتى الآن
لم أستطع رؤية ملامحة..
أسدلت نظراتي للأرض حينما شعرت به يلتفت باتجاهي..
ولم أرفع عيني حتى وقفت أمامه..بصينية العصير..
كنت أنظر لطرف ثوبه الأبيض..وأنفاسي تكاد تنقطع..
سعمته يقول بصوت واثق: شكراً..جزاك الله خير..
حركت شفاهي لأرد..ولكن لم أعرف ما أقول..أو لم حركت شفتاي
المهم هو أنني الآن أقف مقابل خالد..أخذ مني كأس العصير..
ثم جلست على نفس المكان الذي جلست به..حينما قابلت ناصر..
أمسكت بأطراف أصابعي..أضغط عليها..
وأنا حتى الآن لم أرفع عيني لأراه..
استمرينا على هذا الحال..لبضع دقائق...صمت مطبق يلتف من حولنا
رغم أنني حينما كنت متجهة لهم كنت أستمع لأصواتهم..وحديثهم
قطع هدوء المكان صوته الواثق بعد ان تنحنح..وقال: وش أخبارك
رددت وأنا لم أرفع عيناي: الحمد لله
صمت بعدها للحظات..ثم تكلم ثانية: انتي الحين رايحة للسنة
الثانية بالجامعة
أجبت وأنا أخفض رأسي: لا توي بالسنة الاولى رايحة للمستوى
الثاني
قاطعني خالد بهدوء: سديم ارفعي راسك
ثم قال موضحاً لأيمن: هي ما انقبلت إلا بالترم الثاني..فعشان كذا
ما تصير رايحة.. للسنة الثانية..لا تصير تدرس الترم الثاني من
السنة الأولى
أجاب أيمن: إيه الله يعينها يعني ما كملت السنة الاولى للحين
خالد: إيه..
في هذه الأثناء رفعت عيني خلسة لأراه..
وهالني ما رأيته...شتــان...شتان ما بين الأثنان..
كان يجلس بثقة بعكس ناصر الذي كان مظهراً الكبر والغرور
ليغطي على عدم ثقته بنفسه..
ورجولة...رجولة صاخبة تنبع من وجه..
حاجبان مرسومان بحدة..ممتزجة بين الكثافة والترتيب..
وعينان صغيرتان..تشع منهما رجولة مهيلة...
لا أعرف لم أشبهتها بنظرة الصقر..
أنف عادي..قائم..ولكن أرنبته عريضة قليلاً..لتوحي بشدة الملامح
ولحية ملتفة على وجهه..
ولكنها ليست بكثة كما كنت أتوقع..
اعاد نظرته الثاقبة لي..فارتعدت فرائصي..وأنزلت عيناي للأرض
وأنا متأكدة بأن أطياف حمرة الخجل قد ارتسمت على وجنتاي..
لا أعرف لم شعرت بأنه قد كان مبتسماً ..وبالفعل رأيت شبح ابتسامة
على وجهه وهو ينظر لكأس العصير الذي كان على وشك الأنتهاء
نهضت عندها متجهة للخارج..
.
.
.
قد تتسائلون.. ما الذي جرى وكيف تمت الموافقة..
ممم ... حينما أخبرني أخي عن أيمن..استخرت للمرة الاولى..
إلا اني لم أشعر بأي شيء... لا أقدام ... ولا نفور
ولكني كنت أبكي في تلك الايام انهيار أحلامي..
بعد أيام عدة كنت عائدة لمنزل والدي..
وسمعت نقاش حاد يدور بين أبي وأمل..
أمل: الحين فهمني ... ليش معصب وزعلان كل هذا عشان رجل
عمره فوق36 خطب بنتك... خلاص ما تبيه رده..
أبي: إيه... هذا مجتمعنا مجرد ما تطلق البنت يجي كل من هب ودب
يخطبها ... الحين ذا أبو لأربعة مدري خمسه وشو له جاي بقواة
عين يخطب بنت ما تعدت19
أمل بغضب: وشو قواة عين..هو ما غصبك..
وبعدين أنت عارف أكثر مني أنه ما شاء الله كل يتمنى يزوجه بنته
أنت صك على بنتك.. وقل لحد يخطبها كذا اريح لك
صعدت بعدها بسرعة لغرفتي كي لا اسمع المزيد من تلك المشاكل
التي تثار بسببي...حقاً كرهت نفسي... أي نقاش..أي مشكلة كبيرة..
غالباً ما أكون محور القضية..
بعد أيام سألت خالد عن موقف أبي ولكنه انكر اعتراض أبي على
الرجل من حيث رجولته..أخلاقه ودينه..وشهامته...ولكن ما آلم
أبي هو أنه كيف أتى رجل بعمره لخطبة فتاة في 19
سألت خالد عن رأيه فأجابني..
: سديم الرجال ما عليه كلام ..ونعم الرجل..لكن المشكلة متواجده
بعمره وعياله..إذا كنت تشوفين نفسك قد هالمسؤلية فأنا أقولك ونعم
الرجل..أما إذا كنتي تحسين نفسك موب قد هذا الشيء فمن الآن..
أقولك ارفضي ولا تقدمين أبداً على الموضوع..
بعدها بأسبوع استخرت للمرة الثانية كان هذا بالليلة التي تسبق
سفر والدي..
ربما أنكم تذكرون ذاك اليوم..
وبعد الاستخارة للمرة الثانية شعرت بشيء من الراحة..
ولكني استخرت للمرة الثالثة....في ساحة الحرم المكي..
وأمام كعبة الله..وبعدها ارتحت كثيراً
وحينما عدت للرياض تمت الموافقة..
كلمة حق أريد قولها..أبي كان من أشد المعارضين..
رفض...وغضب..وحاول أقناعي..
بأنني صغيرة وسيأتي من هو أفضل منه
ولكني...آآه..مم أنا من أصررت..
لا تقولوا غبية..ولكن بحق..لن أختلق الأعذار..
العذر الحقيقي..هو أنني أريد..أن أخرج من حياة النكد..
أريد منزلاً خاص بي...بعيداً عن ايذاء زوجة أبي
أياً كان الرجل الذي تزوجته
المهم أنه صالح ويخاف الله..وكبير..بحيث أنه لا يكون مراهق كناصر
موقف أخوالي..حقيقة لست أدري بالضبط ما هو موقفهم
ولكن بديهياً مؤكد أن الموضوع لم يعجبهم..
في هذا الزواج حرصت تماماً أن ابعد نفسي عن هذا الموضوع وأجعل
خالد وأبي هم من يتصرفون كي لا أقع بنفس المشاكل التي حدثت
حينما تزوجت ناصر... كنت أشعر بمعالم الأستياء على وجوههم
ولكني كنت أتجاهل...لا تنظنوا أحتقار لمشاعرهم..ولكني تعبت بحق
بالله عليكم..من أرضي..تعبت ..تعبت..مللت من تلك المشاحنات
التي ارهقت قلبي...
.
.
.
مشاعر موجوعة
وشتات لروح..
ملذوعه
أضلاع..تصتك
بألـــــم
تصرخ..
بجروح
وتهتز
بلوعه
متى...متى
ستعمرني الفرحة
متى..ستزهر
شفتاي..
بأحلى بسمه
.
.
.
تملكت على أيمن..
هل تدركون معي حقيقة الألم..الذي يحيط بقلبي..حينما امسك
بالقلم..لأخط للمرة الثانية..بالموافقة على عقد النكاح..
مشاعر مؤلـــــــــمة...لا توفيها الكلمات... ولن توضح قدرها الأحرف
وما زاد ألمي..هو حينما رن جهازي..برقم غريب
ترددت برفعه..ولكني تشجعت بالرد..لأني تذكرت أني الآن
متزوجة..وربما أن الأتصال سيكون من زوجي .." أيمن"
ضغطت على زر الرد...وأنا أدعوا ربي..بأن يأمن روعي
فقابلني صوت رجل غريب..مم لم يكن لحن الشباب يميزه
ولكن كانت رجولة غريبة تطغى على ذاك الصوت..
: السلام عليكم
صمتت لبرهه
فأعاد الرجل سلامه..ولكني لم أكن متأكدة من أنه أيمن
لذلك قلت بجفاء: نعم
.
.
.
نهاية الفصل الأول
من الجزء 25
|