كاتب الموضوع :
saleee
المنتدى :
الارشيف
5-زوايا النسيان
عندما لامست الطائرة أرض مطار هيثرو تعظام توثرها و عندما إستقلت السيارة أحست بتوثرها يزداد و يتضاعف. ما من شك أن باتريك كان سيرسل سيارة، أو يحضر بنفسه لاستقبالها لو أعلمته بموعد وصولها. لكنها فضلت الوصول حسب إرادتها هي، و في الوقت المتاح لها. فهي لن تتخلى عن جزء صغر من حريتها و إستقلاليتها عندما تصبح زوجة.
لم يرحب بها الخادم الذي ابلغها أن ليزا كيندل في منزل إبنتها، و أن باتريك لم يصل بعد من مكتبه... على الاقل وجود ليزا خارج المنزل سيمكنها من التحدث إلى باتريك على حدة.
كان الطفل رائعا كالعادة، أمضت معه بعض الوقت...مذهولة بالتغيير الكبير الذي طرأ عليه خلال أسبوع واحد...و قد غرقت في مداعبته و ملاعبته حتى نسيت تغيير ملابسها للعشاء... لكن الخادم جاء ليقول:
-إتصل السيد كيندل منذ دقائق آنسة بيرنت، و كان ينوي قضاء ليلته في لندن. لكن عندما أبلغته بوصولك قال إنه سيعود في وقت ما هذا المساء... فاجتماع عمل قد يؤخره قليلا.
في الواقع، لم يتسن لهما اللقاء ليلتها، فبعد العشاء اللذيذ، جلست في غرفة الطفل بعض الوقت ثم إنتابها التعب فها قد بلغت العاشرة و باتريك لم يصل بعد... فدخلت غرفتها... و تهيأت للنوم الذي سرعان ما غلبها!
في الصباح التالي فوجئت بليزا كيندل في غرفة الطعام وحدها...فصاحت المرأة بها:
-ماذا تفعلين هنا؟
-كنت تعلمين أنني عائدة!
-اوه...أعلم. لكنني لا أفهم السبب؟ لماذا لا تتركين فيليب لنا و تتوقفي عن تقطيعه إلى نصفين؟ سيكرهك في النهاية لهذا السبب...أتعلمين هذا؟
ألا تعلم!...نه جزء من الاسباب التي دفعتها إلى إتخاد ذاك القرار، هذا عدا عما يجذبها إلى باتريك...
سألت لتغيير الموضوع:
-هل تناول باتريك فطوره بعد؟
-إنه ليس هنا... لم يعد ليلة أمس.
-إن الاجتماع أخره.
فسخرت ليزا بابتسامة خبيثة:
-إجتماع عمل؟ أهذا ما ذكره الخادم؟ حسنا...ما من شك في أن هذا ما أمره به باتريك...فهو لا يبقى في لندن للعمل...
فوقفت سابينا بعصبية:
-لو عذرتني...علي توضيب حقائبي.
-كم ستمكثين بيننا هذه المرة؟
-حتى الغد فقط.
-أعتقده سيعود قبل سفرك... و آمل عندها ألا نرى فردا آخر من عائلة بيرنت.
-لست أرغب في هذا النقاش.
فردت بمرارة:
-إبني أجابني بالرد ذاته خلال اسبوع كامل... و أعتقد أنه عندما سيكون مستعدا سيكلمني عما يقلقه.
قالت سابينا ساخرة:
-أنا واثقة من أنه سيفعل.
ثم ذهبت إلى غرفة فيليب حيث أمدت معه فترة الصباح كلها منتظرة عودة باتريك. فتلميحات والدته تشير إلى أنه كان مع إمرأة الليلة الماضية،لا في إجتماع عمل. أحست بالغيرة تنهشها... ما أسخف ما تشعر به! لا تحب الرجل حتى و مع ذلك تغار لانها ظنت أنه قضى ليلته مع إمرأة أخرى!
سمعت صوت سيارته تقف عند الباب بعد الظهر. أسرعت إلى النافذة فرأته ينزل منها...في تلك اللحظة أحست بشيء ما يحشا على الركض إليه و على رمي نفسها بين ذراعيه! لكنها لم تفعل!
إلتفتت عند سماع طرقة عالية على باب غرفتها، فأذنت للطارق بالدخول، لكن أنفاسها توقفت عندما شاهدت باتريك يدخل...أحست سابينا فجأة بالخجل، و هذا سخيف بالنسبة لفتاة في السادسة و العشرين من عمرها:
-كيف حالك؟ (سألته)
-أنا بخير...هل شاهدت فيليب؟
-أمضيت المساء و الصباح معه.
-لتتجنبي أمي؟
-نعم جزئيا...لكن رغبتي في البقاء معه كانت الدافع الاساسي.
-أعتذر من عدم مجيئي ليلة أمس. كنت في إجتماع عمل إستمر إلى ما بعد الحادية عشرة. و عندما إتصلت قال الخادم إنك نمت منذ ساعتين، فقررت البقاء و العودة اليوم.
-طبعا.
-هل أبلغك عن عدم عودتي؟
-كنت نائمة ليلة أمس كما قال لك الخادم... و أمك قالت هذا الصباح إنك لم تعد بعد.
فتنهد عميقا:
-حسنا... لننس هذا الآن. هل سنتكل الآن أم لاحقا؟
أربكها سؤاله المباشر، فنسيت كل ما حضرته من كلام حفظث عن ظهر قلب.
-أه...فيما بعد أظنك تفضل الراحة و الاستحمام الآن.
مرر يده على مؤخرة عنقه بتعب ظاهر.
-سأفعل... فقد مر علي وقت عصيب ليلة أمس. فأنا لم أذق نوما هنيئا في الفندق.
-فندق؟ هل أقمت في فندقليلة أمس؟
لم تكن تتوقع هذا... فهي إعتقدته نام في شقة تلك المرأة... إلا إذا...يا رباه...لقد خدعتها كلمات ليزا كيندل بسهولة!
-أجل... و لم آو إلى الفراش قبل الثانية...فثمة مڤهكلة في إحدى شركاتي...علم بها الاتحاد العمالي، لكنه يرفض الاصغاء إلى وجهة نظري.
بعد أن كانت حمقاء أصبحت الآن فضولية لمعرفة سبب تأخره الحقيقي ف لندن. فقالت له بهدوء:
لكنني سأصغي إلى وجهة نظرك... أرجوك أن تخبرني.
فهز كتفيه:
- العمال هناك قلقون على الشركة فعندما تتمسك الاتحادات بأمر ما مثل هذا...لا يتركونه أبدا... و كان علي السفر إلى الشمال، حيث الشركة، هذا الصباح لاطمئنهم... تبا للازعاج!
- و أنا ظننتك...لا عليك مما ظننت...نستطيع التحدث متى شئت.
- فيما بعد قد يناسبني...لكن أين ظننتني أمضيت ليلة أمس؟
- في لندن بالطبع.
- إنما لست وحدي...هه؟
عضت على شفتها:
- لا.
فارتفع رأسه بتعال و شموخ:
- لو امضيت ليلتي في لدندن مع إمرأة فلن أفعل هذا في السر...لكن الواقع أن لا عشيقة لدي...لا في لندن و لا في أي مكان أخر.
- آسفة.
-هل تريدين لائحة بعلاقاتي خلال السنوات الخمس الاخيرة؟
بدا غاضبا حقا لكنها لم تلمه.
-قلت آسفة باتريك...فالخادم قال إنك عائد.
لم ترغب في توريط أمه في الموضوع لذا أردفت:
-لا داعي إلى شرح عما إفترضته...أعتذر باتريك، و أتمنى أن نترك الموضوع على ما هو الان!
لن تخبره عما قالته أمه، إذ كان على تعقلها أن يمنعها من الاستماع إلى المرأة الحقود.
-حسنا...هذا ما سيكون. سأذهب لرؤية فيليب ثم أستحم...على أن نتحدث في مكتبي بعد العشاء.
كانت باردة، لكن مؤدبة مع المرأة العجوز خلال تناولهم العشاء...فقد إستنتجت من خلال نظرة ليزا كيندل المنتصرة أنها تعتبر نفسها قد سجلت نقطة إنتصار عليها هذا الصباح بزرعها بذرة الشك في عقلها... ربما نجحت مبدئيا... لكن سابينا في المستقبل ستعرف كيف تحذر من سم هذه المرأة.
لكنها أحست بعيني المرأة تخرجان من محجريهما من الفضول عندما شاهدتهما ينسحبان معا إلى المكتبة... دون أن يقدم أي منهما تفسيرا.
جلس باتريك خلف مكتبه، نظر إليها باهتمام:
-هل إنخرت قرارا؟
هذه المرة كانت مستعدة لكلامه المباشر، فردت بهدوء:
-أجل... إتخذته.
لمع شيء في عينيه ثم تلاشى... تنهد و هو يقول:
-أفهم من هذا أن ردك "لا" فأنت ترفضين الارتباط بعقد يدوم مدى العمر.
وقف ليذرع الغرفة:
-عقد سيكون خاليا من الحب....
فقاطعته بصوت ناعم:
-لكنني لن أقول "لا" باتريك.
إلتفت بحدة ليواجهها و عيناه ضيقتان:
-لن يقولي "لا"؟
-لا.
-و لماذا لا؟
فابتسمت من دهشته:
-يمكنني القول إنك لم تسر كثيرا بقبولي عرض الزواج.
|