المنتدى :
الارشيف
موضي حلم يموت تحت الاقدام للكاتب محمد الحضيف
السلام عليكم ..
هذه قصة من روائع القصص التي قرأتها ومن أوائلها أيضا ..
نقلتها إليكم آملة أن تحظى بإعجابكم ..
موضـــــــــــي حلم يموت تحت الأقدام ...
للكاتب السعودي الدكتور محمد الحضيف ..
( إلى حي بن يقظان 00 ) ( "الإنسان" الذي أشعل النار (المقدسة) في حروفي 00)
الساعة تقترب من الثامنة حينما استيقظت 00 - لقد تأخرت 000 قلتها 00 وأنا أصر أسناني غيظا ، من المنبه 00 الذي يخذلني في كل مرة 000 نفضت الشرشف عن جسمي ، وقفزت من فراشي 0 الربع ساعة التي أمضيها عادة في الاستعداد ، اختصرتها إلى خمس دقائق 0 ركبت السيارة وانطلقت 00 كل شيء اختصرته 00 إلا السرعة ، فإنها قد تضاعفت 0 يجب أن أصل ، ولو أدرك نصف الاجتماع 0 كان ذهني مشغولا بحساب عدد التقاطعات المتبقية ، حتى أصل إلى الطريق السريع ، عندما دوى ارتطام ، عنيف في الجانب الأيمن من مؤخرة سيارتي ، وعكس اتجاهها تماما 0 حينما استعدت توازني ، بعد مفاجأة الصدمة ، كانت (أشلاء) سيارتي متناثرة أمامي ، ولمحت من بعد ، السيارة التي صدمتني تلوذ بالفرار 00 قلت في نفسي : سيارة فخمة 00 لماذا يهرب صاحبها ، ورفرف من رفارفها يعادل قيمة سيارتي 00؟ لم أحتج لتفكير طويل ، لكي أقرر أن أطارده وأنسى الاجتماع 0 الصدمة قوية ، والتلفيات في سيارتـي كبيرة ، وأنا لا أستطيع أن أتحمل خسائر بهذا الحجم 00 الاجتماع يمكن أن يعوض 0 هكذا حدثت نفسي ، وأنا أنطلق وراءه بنصف سيارة تقريبا 0 كان مرتبكا ، لذلك لحقته بسرعة ، وبدأت مطاردة غير متكافئة بين سيارته الفارهة ، والـ (نصف) المتبقي من سيارتي 0 شعر أني مدركة 00 لا محالة 00 فأنا صاحب حق ، والوضع الذي آلت إليه سيارتي ، لم يبق لي شيئا أخسره 0 عند أحد المنعطفات خفض من سرعته كثيرا 0 لاحظت ذلك ، من نور الكوابح الذي ظل مضاء أطول من كل مرة 0 لقد استسلم 00 قلت لنفسي ، وبدأت آخذ وضع الاستعداد للوقوف 0
فجأة 00 رأيت باب الراكب الذي بجانبه يفتح ، ولاحظت أنه يميل ، ويدفع (شيئا) إلى الخارج 00 ثم أعقب ذلك صريخ عال لعجلات سيارته يصم الآذان ، وهو ينطلق بسرعة عاليه ، تاركا المكان ممتلئا برائحة احتراق الإطارات ، إثر احتكاكها الهائل بالأرض 0 حينما فتح الباب 00 وقذف بذلك (الشيء) ، كان أول ما سقط حقيبة 00 ثم شيئا ملتفا بقماش أسود 00 كأنه 00 - يا إلهي 00 امرأة 00 بل فتاة 00 هكذا صرخت ، وأنا أتقدم ببطء تجاه ذلك (الشيء) ، الذي قذف من السيارة 0 نهضت 00 وأخذت تنفض الغبار الذي علق بعباءتها ، وتتراجع ملتصقة بالجدار 0 حينما اقتربت منها ، أخذت تبكي ، وهي تلملم أطراف (مريولها) الذي تمزق ، إثر سقوطها من السيارة 0 - طالبه 00 قلتها ، وأنا أنظر إلى (مريولها) ، وأغراضها المدرسية التي تناثرت من حقيبتها 00 وقفت قريبا منها ، وصرت أسمع بكاءها ، وحشرجة صوتها وهي تقول : - أرجوك 00 أرجوك 00 أستر علي ، الله يخليك 00 لا تفضحني 00 لم أدر ماذا أصنع 0 شعرت بارتباك وحيرة شديدة 00 وتعطلت قدرتي على التفكير 0 الموقف يبعث على الريبة : أنا 00 وفتاة 00 على ناصية الشارع 0 ثوبها ممزق ، وأغراضها مبعثرة على الأرض 00 قلت لها 00 بعد تردد ، دون أن أحدد ما هي خطوتي التالية : - اركبي 00 سأوصلك إلى بيت أهلك 00
صاحت ، بهلع : - لا 00 لا أريد بيت أهلي 00 ستذبحني أمي 00 أرجوك 00
كان يجب أن أتصرف بسرعة ، خاصة وأن المشهد أصبح ملفتا للنظر 0 السيارات المارة ، صار أصحابها يحدقون بنا ، وكاد فضول بعضهم يدفعه للتوقف 0 - اركبي الآن 00 ونتفاهم فيما بعد 00 في المقعد الخلفي لو سمحت 00 شرعت أجمع أغراضها ، التي تناثرت من حقيبتها المدرسية 00 ثم عدت أدراجي إلى السيارة 00 لم تكن قد ركبت 00
- لماذا لا تركبين 00؟
- الباب لا ينفتح 00
- تعالي إلى هذا الباب 00 ألقيت نظرة إلى داخل السيارة ، كان حطام الزجاج يملأ المقاعد الخلفية 00
- أووف 00 لا باس 00 اركبي في المقعد الأمامي 00 ركبت ، وحينما استوت على المقعد ، أخذت تجمع عباءتها ، لتغطي بها (مريولها) الممزق، الذي أنشق عن ساقها إلى أعلى ركبتها بقليل 0 لمحت كفها 00 بيضاء صغيرة ، خمنت أنها لا تزيد عن الخامسة عشرة
- تدرسين 00؟
- نعم 00
- في أي صف ؟
- الثالث متوسط 00 كان ظني في محله 00 لون (مريولها) يشبه لون مريول شقيقتي ، التي تدرس في نفس المرحلة 0
- (وش) اسمك 00؟
- موضي 000 كنت أسير بالسيارة على غير هدى ، وطاف في رأسي كثير من الأفكار : أسلمها للهيئة 00 أرجعها إلى بيت أهلها 00 أعيدها للمدرسة 00 أنا قطعا لا أستطيع أن أبقيها معي 00 سألتها :
- موضي 00 من هذا الذي كنت معه 00؟ لم ترد على سؤالي 00 ولا أدري تحديدا لم سألتها 0 كنت أريد أن اختلق حوارا ، لأصنع جوا من الثقة ، يساعدني في فهم ملابسات أمرها 00 ويمهد الطريق إلى قلبها 00 القلـوب المغلقة مثل دهاليز الاستخبارات 00 مرتع خصب للخوف 00 والتوجس 00 والشك 00 والريبة 00 الساعة الآن تجاوزت التاسعة والنصف 00 الوقت يمضي ، وأمامي أعمال كثيرة يجب أن أؤديها 00
حين فشلت محاولتي لاستدراجها للكلام ، رأيت أن احسم الموضوع مباشرة 00 قلت لها : - موضي يجب أن تختاري بين أمرين 00 أسلمك للهيئة ، أو أوصلك لبيتكم 00 بقاؤك معي غير ممكن 00 كما أن أهلك لابد أن يعرفوا عن سلوكك 00 انفجرت باكية ، وبطريقة تنم عن سلوك طفولي حقيقي ، رفعت غطاء وجها ، وهي تتوسل إلي بعينين دامعتين ، أن لا أفعل 000
- أرجوك 000 اذبحني 00 لكن لا تسلمني للهيئة 00 لا (توديني) لبيتنا 00 والله هذي أول مرة أطلع فيها مع رجال 00 ضحكت علي البندري 000 أشفقت على ذلك الوجه الطفولي البريء 0 قلت لها ، وأنا أسحب يدي من يديها ، وهي تحاول أن تجرها لتقبلها ، رجاء أن لا أسلمها للهيئة ، أو لأهلها :
- طيب 00 طيب 00 خلاص 00 لن أسلمك لأحد 00 لكن ما العمل 00؟
- إذا جاء وقت طلوع الطالبات 00 أنزلني عند المدرسة 00
- متى 00؟
- الساعة الواحدة 00 بعد صلاة الظهر 00
- بقي أكثر من ثلاث ساعات 00 وأنا مشغول 00 أطرقت لحظات ، تعاقب خلالها على وجهها انفعالات من كل نوع 00 الرهبة 00 القلق 00 الخوف من المجهول 0 ثم نظرت إلي بعينين فارغتين تماما من أي بريق 00 وقالت : - نزلني عند المدرسة 00 - وبعدين 00؟ - أنتظر 00 وإذا طلعوا الطالبات 00 أروح لبيت أهلي 00 شعرت في أعماقي بحزن شديد لهذه البراءة الساذجة 0 هي بالتأكيد ليست من ذوات السلوك المنحرف المتمرسات 00 ولا تعي خطورة الذي تقوم به 00 ولا عاقبة تصرفاتها 00 - أنت صاحية 00 تقعدين في الشارع ثلاث ساعات 00؟ لم ترد بشيء ، لكن الفضول دفعني لأن أسألها عن مكان مدرستها ، لأستدل من ذلك على اسم الحي الذي يسكنه أهلها 000 - أين مدرستك يا موضي 00؟ - في حي الأمل 00
حي الأمل 00؟ شعرت بمثل المسمار يخترق قلبي 00 هذا من المضحكات المبكيات 0 ما أكثر ما نسمي الأشياء بغير حقيقتها 00 ما أكثر ما نزيف المعاني 00 والواقع 00 والأحلام 00 هذا أفقر أحياء الرياض 00 لو سموه (حي اليأس) 00 أو البؤس 00 أو التعاسة 0 الأمل 00؟ إن كان فيه للأمل بصيص 00 فوجود هذه (الزهرة) فيه 00 هذا الكائن الطفولي الذي تتعرض البراءة فيه للاغتيال 00 تداعت إلى ذهني الصور والمعلومات التي لدي عن حي (الأمل) ، وحاولت أن أفهم العلاقة بين تلك السيارة الفخمة وحي (الأمل) ، حيث تقيم موضي 0 لا يمكن أن يكون صاحب تلك السيارة يقيم في ذلك الحي 00 لسبب بسيط هو أن ثمنها يعادل قيمة خمسة من (جحور) ذلك الحي ، التي يطلق عليها مجازا 00 (منازل) 00 كما أن سيارته ستجد صعوبة في اختراق زواريب ذلك الحي ، الذي لا يتسع أحدها ، إلا لمرور سيارة واحدة صغيرة 00 ولأن سكان ذلك الحي كذلك 00 غالبا ما يتسببون بإغلاق الشوارع ، بإيقاف سياراتهم بطريقة خاطئة ، لا تتحملها هذه الطرق ، الضيقة أصلا 0 ماذا يكون 000؟ إنه 00 (أحدهم) 00 إنه فجور المترفين ، إذ يتربص بعوز المحرومين 00 وحرمـان البؤساء ، ليطلق غرائزه 00 تفتك بإنسانية البسطاء 00 وتفترس الشرف ، والكرامة 00 أعرف هذا الحي 0 جئته في أحد المساءات ، قبل عام تقريبا ، بصحبة صديق ملتزم ، من الناشطين في الأعمال الخيرية التطوعية 00 لتوزيع صدقات عينيه ومالية 0 لا أدري كيف أقنعنـي عبد الكريم أن آتي معه 0 فأنا رغم تعاطفي مع حالات البؤس الإنساني ، إلا أنني سلبي جدا في التعاطي معها 0 أحتاج إلى وقت طويل ، لأتفاعـل مع الحدث ، أو الحالة ، وأحتاج لوقت مثله ، لأترجم التفاعل إلى فعل 00 لم تكن المرة الأولى التي يعرض علي عبد الكريم فيها مرافقته ، للقيام بمهمات من هذا النوع ، وكنت في كل مرة ، أتذرع بحجة مختلفة 0 لكني أتذكر ، أنه في تلك المرة استفزني 00 وسخر من (الإنسان) البليد ، الجامد في داخلي ، كما قال :
- هل تريد أن ترى البؤس يمشي على قدميه 00 هل تريد أن تستعيد شيئا 00 شيئا فقط ، من إنسانيتك المهدرة ، بين كلام مجرد عن المثل والأخلاقيات ، التي لم تجد لها رحما تتخلق فيه 00 لتولد 00 وتشب 00 وتكبر 00 وتمنح الحياة ، لكائنات لم تعرف معنى للحياة منذ خلقت 00 وبين سلوك استهلاكي بشع ، حولتك الرأسمالية المتوحشة من خلاله ، إلى (آلية) من آليات السوق 00 أنت في قوائم التحليل الاقتصادي ، عند (آدم سميث) ، وتلامذته 00 رقما 00 آلية 00 قدرة شرائية 00 أنت باختصار 00 (لا إنسان) 00 دع عنك الهمهمة المعتادة : "الله لا يؤاخذنا صرفنا واجد اليوم" 00 اليوم 00 وكل يوم 00 أنت تفعل الشيء نفسه 00 تتقمص نفس الدور المسخ 00 (آلية) 00 كأني بك مسرورا ، وهم ينادونك : MR. MARKET MECHANISM اليوم 00 وكل يوم 00 أنت تمارس بسادية ، وأد الإنسان في داخلك 0 تعـال معي لتستعيد إنسانيتك ، حينما يفجرها الألم 00 لمشهد الحرمان 00 الـذي يصنعـه الفقر 00 تعال لترى الإنسان عند نقطة الصفر 00 كيف هو 00 أتعلم ماذا يكون الإنسان عند نقطة الصفر 00 ؟ تستلب الحياة من كل شيء فيه 00 إلا عينيه 00 أتعلم ماذا يكون الإنسان عند نقطة الصفر 00؟ الكلمات في قاموسه ليس لها أضداد 00 أنت تعرف السعادة 00 وربما سمعت عن الشقاء ، هو لا يعرف إلا الشقاء 0 أنت تعرف شيئا اسمه الحزن 00 والفرح ، هو لا يعرف إلا الحزن 00 أنت تعرف الشيء ونقيضه ، بدرجات متفاوتة 00 هو يعرف الكلمة وحدها 00 بمعناها السلبي فقط 00 بدون أضدادها ، وبأقصى درجاتها قسوة 00 البؤس 00 والعجز 00 والحرمان 00 والألم 00 والعري 00 والجوع 00
استفزني عبد الكريم بكلامه ، واستثار التحدي عندي ، فقررت أن أذهب معه 00 لأرى هذه (البيئة) التي سوف تعيد خلق الإنسان في داخلي ، كما يقول ، ولأتأكد إذا ما كان ذلك (الإنسان) الجامد البليد موجودا 00 كنت أتنقل مع عبد الكريم ، من بيت إلى بيت 00 كنت معه في سباق مع الألم 00 في كل مرة يغرس نصلا 00: - أترى هذا الطفل 00 لا يملك إلا ثوبا واحدا 00 إذا عاد من المدرسة خلعه 00 وخرج إلى الشارع ، يلعب بسروال فقط 00 أتدري لماذا ؟ 00 ليس لغزا 00 ولا رياضة ذهنية 00 إنه لا يملك غيره 00 ويجب أن يبقى نظيفا 00 حتى يستطيع أن يذهب به من الغد إلى المدرسة 0 لم ينتظر مني تعليقا 00 في بيت آخر 00 - أرأيت هذه الطفلة 00 تم سحبها من المدرسة بعد أن وصلت الصف الرابع 00 لا 00 أهلها ليسوا ضد تعليم البنات 00 لكنهم اضطروا لذلك ، لأن شقيقها وصل سن الدراسة 00 وليس لديهم القدرة على الصرف إلا على (دارس) واحد 00 فكان الولد 00 من منزل لآخر 00 حتى استغرقنا النصف الأول من الليل 00 كنت لا أسمع 00 إلا : أرأيت 00 أرأيت 00 كان عبد الكريم ، وهو يتجول بي من بيت لبيت 00 يفتح أمامي أبواب الحزن والبؤس 00 على مصاريعها 00 ويوقفني على مشاهد للحرمان 00 ويسكب في عيني ألما 00
- توصلني قريب من مدرستي 00 لو كلفت عليك 00؟ أتى رجاؤها مخنوقا 00 ممزوجا بالخوف ، ليقطع علي سلسلة الصور التي تداعت إلى ذهني عن حي الأمل ، وما بقى من آثار تجربه إعادة اكتشاف الإنسان البليد الجامد، المغموس بالتفاهات ، الموجود في داخلي 000
- لا 000 تبقين معي إلى وقت الخروج من المدرسة 00 ثم أوصلك 00 غمرها شعور بالسكينة 00 لاحظت ذلك وأنا أرى صدرها يهبط 00 ثم تطلق نفسا عميقا ، دفع غطـاء وجهها إلى الأمام 00 أخذت أقلب الأفكار فيما أفعله ، لأخرج من هذا المأزق الذي وقعت فيه 0 الواقع المزري لحي الأمل كان حاضرا ، وأنا أبحث عن حل يتجاوز 00 أن (أتخلص) أنا ، من (ورطة) موضي 00 كنت أريد حلا لها هي ، حتى لا تعود لنفس الطريق 0 من السهل أن (أرميها) ، كما تقول ، قرب مدرستهـا ، لتذهب لبيت أهلها ، وسوف تجد إجابة تقنع بها أمها ، عن سبب تمزق (مريولها) 0 أشعر أني غير قادر على الخروج بشيء ذي بال 00 في موضوعها 0 هل يملك (رجال الهيئة) حلا يعطي التجاوز فرصة ، ويوفر علاجا جذريا 00 لو أني لجأت إليهم 00؟ ماذا لو اتصلت عليهم لطلب الاستشارة فقط 00؟ مرت دقيقة أو أكثر ، والأفكار تطوح بي يمينا وشمالا ، قبل أن يقطع تفكيري صوت بكائها0 توهمت في البداية أنها سمعتني ، وأنا أحدث نفسي حول الاتصال بالهيئة 0 التفت إليها ، كانت قد وضعت وجهها بين كفيها وتنتحب
000 - ما بك يا موضي 00؟
قالت بصوت يقطعه البكاء 00 - كيف أشكرك 00 (وشلون) أشكرك 00؟ لم يكن بكاؤها عن سبب ، كانت تفرغ شحنة عاطفية مكبوتة 00 منذ الصباح ، وهي تراكم هما 00 وخوفا 00 وإحباطا 00 وعجزا 00 وقلقا 00 وتنتظر أملا 00 حين اقتربت من مقر عملي ، قلت لها : - موضي 00 سأنزل هنا 00 لدى أمور سأنجزها 00 قد يحتاج ذلك ساعة أو أقل 0 سأقف هنا 00 المكان آمن 00 سأترك مكيف السيارة مفتوحا 0 أبق الأبواب والزجاج مغلقة 00 لا تفتحي لأي إنسان ، مهما كانت الأسباب 00 ولا تغادري السيارة أبدا 0 سأترك جوالي معك 00 اتصلي على هذا الرقم عند أي طارئ 00 ولا تردي على أي اتصال 0
كنت أهم بالنزول ، عندما قالت : - خذ الجوال 00 أنا لا أعرف كيف استخدم الجوال 00 هذه أول مرة في حياتي 00 أرى فيها جوالا 000 توقفت للحظة ، قبل أن آخذ منها الجوال ، الذي بقى في يدها الممدودة 00 وشعرت بمثل حد السكين يحز في أعماقي 00 وتداعت إلى ذهني قصة (ولد البسام) 00 والصدى يجلجل في تلك المساحات الفارغة ، في قطعة اللحم التي تدعي مجازا (قلبا) : "هذه 00 أول مرة 00 في حياتي 00 أرى فيها 00 جوالا 000" 00 يا لبلادة المترفين 000 التقطت منها الجوال ، والمرارة 00 والشعور بالإحباط 00 وغياب (الإنسان) ، ترغم شفتي على الانفراج ، لتصنعا شيئا يسمونه (ابتسامة)
- ليه تضحك 00 ما أنت مصدقني 00؟
- مصدقك 00 والله يا عمري 00
- أجل ليه تضحك 00؟
- أضحـك على الإنســان البليد في داخلي 00 الرقم 00 العينة المسحية في أبحاث السوق 00
- ما فهمت 000
- تفهمين بعدين 000 أغلقت الباب ومضيت 0 حينما سرت بضع خطوات سمعت نقرا على الزجاج 00 التفت ، كانت تلوح بيدها 00 تناديني 00 رجعت ، ولما فتحت الباب ، قالت : - أبغى أطلب منك طلب 00 لكني خجلانه 00
- تفضلي 000
- أنا جايعة 00 من أمس الظهر 00 والله ما ذقت شيء 00 أصل أمس 000 خلص الزيت ، وما قدرت أمي تطبخ 00 وحنا 00 بعد 00 يعنى 000 لم تستطع أن تكمل عبارتها ، ولم تقدران تفصح عما كانت تريد قوله 00 كانت تفرك كفيها ببعضهما ، مطأطئة رأسها 00
حرت في مكاني لبضع ثواني 00 ها هو الإنسان البليد في داخلي ، يتلقى صفعة ثانية 00 - جائعة 00 وأنا رائحة الشواء ، الذي أتخمت منه البارحة ، حتى لم يبق مكانا لنسمـة هواء 00 ما زالت خياشيمي 00 هناك شيء نفعله حينما يبلغ بنا الشعور بالمرارة والمهانة أقصاه 000 نبصق على شيء 00 صورة المسئول في الجريدة 00 مثلا 00 أو على الأرض بجانبنا 00 وهو أقصى احتجاج نقدر عليه 00 كنت أريد أن أبصق على خيالي ، الذي يعكسه الزجاج 00 على (شكل) الإنسان الذي أدعي أنه موجود لدي 00 كنت أهم بأن أفعل ذلك ، لكني خشيت أن تفهم أنها هي المقصودة 00 رفعت رأسها ، وأنا مازلت واقفا 0 كانت عيناها تلمعان من خلف غطاء وجهها 0 قالت ، وهي ما تزال تفرك كفيها ، لكن بوتيرة أقل : - الظاهر أن طلبي ما كان في محله 000 أو (شكلي) أحرجتك 00
- لا 00 أبدا 00 نمشي الآن 000 كنت على وشك أن أغلق الباب حين لمحت بقعة دم على ثوبها ، قريبا من موضع الركبة 0 انقبض قلبي بشدة ، وداهمني خاطر سيء 00 وشعور بالغضب ، لم أستطع أن أواريه ، فقلت لها بلهجة جافة 00 لا تخلو من اتهام : - موضي 00 من وين الدم هذا 00؟
- انجرحت ركبتي 00 يوم طحت من السيارة 00 عيناها مازالتا تلمعان من خلف الغطاء 00 معلقتان بوجهي ، الذي ارتسمت عليه علامة استفهام كبيرة 00 أحست أن إجابتها لم تقنعني ، وأني لم أصدق كلامها ، فأزاحت عباءتها ، ورفعت ثوبها عن موضع الإصابة ، دون أن تتكلم ، أو ترفع رأسها 0 كان جرحا سطحيا ، تيبس الدم حوله 0 ليس عميقا ، لكنه بدا ، بلونه الداكن ، وتشققاته ، التي أبرزها إهابها الأبيض الرقيق ، مثيرا للألم والشفقة 0 أغلقت الباب ، وركبت من الناحية الأخرى 0 كانت ما تزال مطأطئة رأسها 00
أعرف أني جرحت كرامتها 00 كثيرا ما نوقع أذى بهذا الحجم وأكثر ، بالآخرين 00 وكثيرا ما يكون ذلك بدافع من الشعور بـ (طهرانية) مبالغ فيها لذواتنا 00 والشعور بـ (دنس) الآخر ، وقابليته للخطيئة ، التي تحتاج إلى (مخلص) مثلنا 00 لم يقف يوما في صف ، ويسمع 000 "من كان منكم بلا خطيئة 00 فليرمها بحجر 000" 00 وأحيانـا نمارس الأذى ، ونوقعه بقسوة 00 لا تعطي فرصة للتجاوز 00 على من نحب 00 بدعوى الحب 00 كيف يؤذي من يحب 000؟ حاولـت أن أغير الموضوع ، وألطف الموقف ، بسؤالها عن ماذا تريد أن تأكل ، لكنها لم ترد0 فكرت أن أشتري لها سندويتشات وعصير ، لكني لا أعرف محلا قريبا ، يقدم هذا النوع من الفطائر ، وعملية البحث ستأخذ مني وقتا 0 اتجهت إلى مطعم قريب ، يقدم وجبات سريعة 0 في الطريق إليه لمحت صيدلية 00 نزلت واشتريت شاشا ومعقما ولاصقا 0 وصلنا المطعم 00 قلت لها : - انزلي 000 - إلى أين 00؟ - إلى المطعم 00 لتفطري 000 نزلنا وفي قسم العائلات ، أخذنا إحدى المقصورات 0 كانت تتلفت 00 واضح أنها تدخل مطعما لأول مرة 00 قالت ببراءة : - آكل قدام الناس 000 ما يشوفوني الرجال 00؟ - لا 00 أنت لوحدك هنا 00 تيقنت أنها بريئة 00 ولم تتمرس على الانحراف 00 تستحي أن يراها الرجال كاشفة وجهها وهي تأكل 00 الحياء لا يتكلف ، ولا يصطنع 00 التظاهر في مثل هذه المواقف ، بغير الحقيقة ، يتطلب درجة عالية من الخبث ، والتمرس على المكر 00 لا يمكن أن تتقنه طفلة في هذا السن 00 وأوجعني قلبي مرة أخرى 00 أن ظننت بها ظن السوء 00
طلبت لها أكلا ، وسألتها إن كانت تريد عصيرا بعينه ، قالت : - أبغي (كوتيل) 00 - تقصدين كوكتيل 000؟ - ماالأكل،0 أسمع البنات يقولون ، عصير (الكوتيل) حلو 000 مرة أخرى يبرح بي الألم 00 تبدو لغة المحرومين 00 ساذجة 00 بريئة ، لكنها تدمي القلب 0 يحق لك أن تزهو 00 ابن الطبقة الوسطى ، أو فوقها بقليل 00 تعرف الكوكتيل 00 والسكالوب 00 والستيك 00 ها أنت أمام كائن يشاركك نفس الكوكب 00ونفس الوطن 00 بل على الطرف الثاني من المدينة 00 ربما لم يعرف سائلا غير الماء في حياته 00 أو معلبات الكولا ، التي تعمل عمل الأسيد في قنوات جهازه الهضمي 0 إنه (البرجوازي) البشع 00 يتربع في داخلك 00 كتمثـال من البرونز 00 منصوب في ميدان ، في عاصمة (رأسمالية) 00 يأتيه العمال ، والمهاجـرون المغتربون 00 المسحوقون 00 يتمسحون فيه 00 ويطوفون حوله 00 يلتقطون الصور التذكارية 00 ويصطنعون عنده (لقطات فرح) 00 انتزعوها من بقايا آدمية مطحونة 00 في قيعان المناجم 00 أو بين هدير آلات المصانع 00 يتفصدون دما 00 وعرقا ، يصنع منه طلاء 00 يحفظك من الصدأ 00 ويبقيك لامعا 00 متوهجا 00 ليؤموك مرة ، تلو أخرى 00 صرت (ربا) صنما 00 حولك 00 (يولد) فرح المسحوقين 00 ومن عصارة أجسادهم تبقي لامعا 00 لتسعدهم 00 أي فخر أعظم من هذا 000؟ جاء الأكل ، واستلمته من العامل ، ووضعته على الطاولة 00 وقلت لها : - أفطري 00 بعد عشر دقائق أرجع لك 00 - وين تروح 00؟
- أتركك 00 تأخذين راحتك 00
- لا 00 لا تتركني 00 أنا راحتي معك 00
يتبــــــع,,
( أقدار : هذه بداية المشوار .. عساه يرضيك يالغلا)
|