لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-07-08, 02:35 PM   المشاركة رقم: 421
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

لاااااا خلااااااا ولااااا عدم..

مرحباا فيتس ملااااااااايييييييين.. هذااا الرد اللي مأذيتني فيه.. سبيت كثييير كثيير كثيير.. واخرت هالسب الكثير غبي وحماار.. عز الله مااسبيتي ياا خلووي..الا محترمه الرجاال واجد..هخهخهخه

اما عليتس تعليق على خوله وعمر.. هههههههههههههههههه.. تدرين خلووي الصرااحه انا اللي خاايفه منه.. ان انتقاام غيث من حوور بانه يرد خووله... وبعد ماا كان زواجه فيهاا بالسر بيصييير قداام كل النااس وعلى عينك ياا تاجر عشاان يقهر حوور. ..هذاا اللي اناا خاايفه منه.. غيررره والله ماا يهمني يسووي ابوو سيف اللي يبي بس انه يقهر حوور بحرمه وتكوون هالحرمه خووله. اتووقع اني باخذ على خااطري منه شووي .. بس شووي.. وهذيك السااعه لوو خذ خوله . الله يقوويتس ياا خلووووووي على التفجير.. وترى عندناا ارهاابيه اللي تتابع خطوات معنا بس مدري وينها هاليوومين.. المهم اذا بغيتي مسااعد ابدا علميني وانا ارسل لهاا والبنت تحبني وبتنفذ طلبااتي .. هخهخهخهخه


خلووووووووووي صح لساانتس ياا شيخه والله ان الابياات جبتيهاا على الجرح ياا بنت..

عااد والله بما ان الرد باايت.. فسووي على الرد القليل عليه لانتس اكبيييييد شفتي وش صاار بالخطووه اللي بعدهاا. بس تحملي مره ثاانيه تنسين ردوود بسكاات الجاامعه ... ترى والله امووتتتس..

خلووي تدرين احس ان هالرد البااايت اطوووووووول رد لتس على الخطوااااااااااااات..

الف شكر على هالرد الحلوو خلوووي.. وصرااحه ذكرتيني باحدااث الخطووه اللي تعبتني مرره..

الله لاا يخلي منتس ياا خلووي ماا قصرتي والله على هالرد الواافي ياا وافيه
..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 20-07-08, 03:11 AM   المشاركة رقم: 422
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

► الخطـــــــــــــــوة الرابعـــــــــــــــــــة و العشـــــــــــــــــــرون◄



║ خطوات عاصفة ،، ║

البياض حُبكَ فستانا من حُلم ،،
يسترسل عُمق خياله على غضاضة روحها ..
و تجر أطراف تفاصيله الناعمة على الأرض خلفها ..
كفّها الصغير نُقشت بلون الدم تعكس فتنة التناقض بين الصفاء و الثورة الحمراء ،،
و أناملها تحتضن نحول أغصان الورد النديّة التي تدلّت برقّة ،،
بحرٌ هي العينين بوسعهما المذهل .. أحاطتها الحلكة .. تعكس غموض خطوطها ..
يقبّل لون الورد وجنتيها الناعمتين ..
و حول خطاها المتأنية تناثرت أمنياتها .. ذكرياتها .. و شظايا إحساسٍ المحطم ،،
مقلتيّها تشق الطريق نحو الكرسي الذي يرتقب أن تعتليه فرحة ،،
لكنّ ما تحمله في جوفها لم يكن سوى حطام بهجة ،، و ركام انهدام حلمها ..
و جيوش من أدمعٍ لم تجد السبيل لمآقيها بعد ..
لذلك ارتدت ابتسامتها الباهتة ،، و دسّت أصابعها في قفّاز من ارتعاشة لهفة كاذبة ..
و كحّلت العينين بلمعانٍ غرر بهم .. يظنونه فرحة عروس .. و لم يكن إلا سطوع أحزان تتراقص هزلا ..
أمامها حشود من أناسٍ لا تعرفهم ..
احتشدوا لحضور عرس الدّم ..
ستزف جروحها معها .. و سيرقصون .. و يتغنون هم بآلامها ..
ستنهشها أوجاعها .. حين يحتفلون هم بمذبح القلب منها ..
سيضحكون .. و ستسقط في راحة الإستسلام هي دمعتين تعلن النهاية ..
أ يعلم أيٌ من كل هؤلاء أي بؤس يلم بها ..؟
أ يعقل أن تكون هناك روح واحدة ..
تتوقف للحظة فقط عن المرح .. و الانخراط في البهجة ..
لتستدير .. و تكشف أي أذيال مرارة تجرّ خلفها .. ؟!
أنغام الموسيقى التي أديرت لتزفّها ،، لم تخترق رأسها ..
هناك فقط ضجيج أمواجٍ من مشاعر صاخبة راحت تتطلام داخلها ..
صوت جنون اصطدامها .. و بعثرتها لبعضها البعض يصم أذنيها ..
و هي تدنو من الكرسي الذي يرتقبها ،،
كالميّتة ..
لم يعد ينقصها سوى نعشٍ من إنكسار .. لترخي كفّا أخيرة .. تقطع بها هذه المسرحيّة ..
ما الفرق بين بياض فستان عرس .. و كفن ..؟
هنا دمعة .. و هنا دمعة ..
هنا الفراق .. و هناك أيضا ..
في الحالتين تترك هي خلفها عمرا .. لتبدأ آخر ..
الفرق أن أحدهما تنسجه أحلام روحٍ هائمة .. و الآخر يقتلع الروح ذاتها ..
دمعة الأول سكّرية .. و الأخرى مرّة كالعلقم ..!
ها هي الآن تعتلي عرشا نُصب على جرحها الكبير ..
جرحها الذي فاق حجمه حدود كونها ..
عينيها الجافتين تديرها في الأوجه المبهمة المتحلّقة حولها ..
بعضها مألوف .. و البعض الآخر بدا ضبابيا .. بشعا ..
يديها كانت قطعتين متصلّبتين من الثلج .. و لم تعد تشعر بقدميها ..
شعرت بأنها معلّقة في الهواء .. الفراغ حولها .. يعزلها عن كل هؤلاء ..
البرد يلتهم جسدها الغض .. و لا تسيطر على رعشته.. فيما تدير عينين فارغتين لا تريان ..
تحاول إختراق جدار الضباب الذي يعزلها عن كل ذاك الصخب ..
لكن إرادتها لم يكن ما انتشلها .. يدين لطيفتين ترتاحان على كتفيها .. تشعر بدفئها يبثّها إحساسا عجيبا من الإمان .. فيما نعومة تدغدغ جبينها .. لتعلمها بأن قُبلة كالحلم طبعت عليها ..
و صوت حاني يرتفع أمام وجهها .. ليزيح ستارا من الأوجاع ..
أحرف تتكسر على أطراف تلك الشفاه ..
عرجاء ..
تخترق الهواء .. تجاهد للبلوغ وسط زخم الأصوات ..
لتبلغ أذنيها باستماتة ..
تداعب مسامعها كنفحة من هواء أدفأ روحها ..
- مـ .. مبوووك .. يااا .. هبييبه ..
مبارك يا حبيبة ..!
صبّت الكلمتين إحساسا في جوفها .. شعرت بقوّته .. و قلبها ينبض به بجنون .. يدفعه عبر شرايينها ..
يغذّي روحها الممزقة ..
لترفع عينين ملهوفتين ..
تلامس نظراتها .. الوجه الحبيب المطلّ من الأعلى .. العينين الناعستين .. و النظرة الشاردة للبعيد ..
تلك التي لا تفارق مآقيها منذ رحيل ذاك الكبير .. تشرفان عليها من خلف - البرقع - ..
لكنّها ابتلت الليلة بنقاء دموعها ..
و ابتلّت روحها هي أيضا .. حين شعرت بعبراتها تنزلق بسلاسة حارة على جدران قلبها .. و هي تحرر يدها من قبضة الورد ..
لتلتقط يد أمها و تقبّلها بحرارة ،، زرعت فيها شيئا من حيرتها .. و ضياعها ..
ليتك تحضنيني أمــاه ..
تحوين غربتي ..
ليتك تواريني في جوفك يا عظيمة .. تخفيني عن كل آلامي التي تلاحقني ..
افتحي أضلعك ..
هناك من الأحزان ما قد لا يتسع لها سوى قلب أم ..
قلب بحجم الدنيا ..
واحد أعلم أنه لن يضيق بي مطلقا ..
و أنني سأجد لي ثغرة لأندس فيه كلّما شعرت بالفزع ..
خائفــــــــة ..!
لا أعلم إلى أين تسوقني خطاي .. و قد أتعبني المسير ..
خبّئيني ..
هي الأحزان وحدها تتربص بي .. لا أريد أن تنال مني ..
و تحرق روحي .. و الحياة ..!
.
.
نفسٌ عميق ذاك الذي تستنشقه .. تناشد بروده أن تطفئ شيئا من هيجان مشاعرها ..
لكنها لا تجدي ..
ما اقتلعها لثانية من مشاعرها المحطّمة .. لم يكن سوى مرآهن ..!
أربع فتياتٍ يرفلن في فساتين بلون البحر ،،
ذات اللون .. و ذات التصميم .. يتقاربن - و يا للعجب - في الطول .. و هن يشقن طريقهن في مشية واحدة متوازية على المنصّة المرتفعة ..
لم تكن تثبت لحور الا أنها متعمّدة ..
دفق من الحنان المفاجئ إخترق غمام أحزانها .. و ابتسامة صغيرة تتسلل إلى شفتيها و هن يتوقفن أمامها .. يفصلنها عن الحضور ..
يشكلن حاجزا لحمايتها عن الأنظار ..
شعرت بقلبها يتضخّم فجأة و هو يمتلئ بمشاعر مختلفة تماما عن تلك البائسة التي تغزو روحها ..
أخواتها اللواتي لم تعرفهن يوما الا مساندات ..
لم تكن السنوات التي تفصلهن عن بعضهن البعض تعني شيئا ..!
مستوى التفكير واحد .. يبكين معا .. و يضحكهن الشيء ذاته ..
ثرثرتهن .. و مناكشاتهن اللذيذة .. اللعب بخلو البال الفريد ذاك ..
فتات الخبز الذي اقتسمنه دوما .. أفكارهن المجنونة التي يتبادلنها دوما .. ما بين معارضة و موافقة ..
كم حوت أحضانهن دموعها .. و ترنمت مسامعهن برنين ضحكاتها ..
و كأنهن شعرن بما يجتاحها .. و التففن سدا منيعا يحجب الألم و نظرات الفضول عنها ..
بابتسامة لم تكن سوى الأصدق في حياتها كلّها .. مررت عينيها تمسح ملامحهن الحبيبة .. واحدة تلو الأخرى ..
لتتوقف على وجه آخر واحدة منهن .. تلك الصامتة أبدا ..
تنحني بذات السكينة التي تبثّها في نفس أختها الكبرى .. لتطبع قبلة على خدّها الناعم .. و هي تقول بصوتها الرقيق .. و أحرف أمها المتعثّرة ..
- مبوووووك حووووو ..
لم تستطع أن ترد ..!
سدّت كتلة من الشوك حلقها و هي تبتلع دموعها التي تتمرد الآن بعنف ..
أعقبتها عفرا .. تقبّل ذات الخد .. و هي تقول بحب .. و بابتسامة مريحة ..
- مبروك فديت روحج .. ألف .. ألف مبروك ...
رمشت عينيها بجنون .. تطمس لمعة الدموع .. و صوتها يتحشرج مختنقا بالرد ..
- الله يبارك في حياتج .. عقبالج ..
تنحت عفرا كاشفة عن ابتسامة نورة العريضة ..
ابتسامة كانت الأقرب لضحكة أبرزت صف أسنانها و هي تقول ..
- أونها العروس .. اتسوي عمرها مأدبة و رزينة ..!!
بمرح تختلقه في جوفها .. تجبر نفسها على الشعور به .. لتنتشل روحها من هذا الضياع ..
راحت ترسم معالم الاستنكار على وجهها و هي ترد بصعوبة ..
- غصبن عنج رزينة .. شوه قالو لج ..؟ نورة ..؟
انحنت نورة بحب .. و بابتسامة مخلصة .. طبعت قبلة قويّة على رأسها ..
- و أحلى رزينة بعد .. بس عليج انج ختيه .. ماخذة الرزانة منيه يا أميه ..
و غمزت لها بخفّة .. قبل أن تدفعها دانة بسرعة ..
- خوزي .. هاتووووهاااااا .. تعالي .. يا حببتي .. تعالي لحضن أمك ..
و ربتت على صدرها بطريقة مضحكة .. قبل أن تتسع عينيها مصدومة على وجه حور .. و هي تشهق ..
- حوووووووووور .. شوه هااااااا ...!!!
اتسعت عينا حور بذعر و هي تنظر لها .. فيما تقدمت وجوههن نحوها و هن يمعنّ النظر بحثا عن معجزة ما ..
قبل أن تقول دانة ..
- أول مرة أعرف ان خشمج حايس شويه ع اليمين .. هههههههههههههههه ..
اغتاضت حور منها .. و قالت بغل ..
- بفرج بالباقة ..
ضحكت دانة ..
- يا الله و بيودها عسب أعرس وراج سيده .. واااااايه .. فديييييييتج حووور .. كبرتي .. و غديتي عروس ..
و خلاف أخواتها .. انحنت لتضمّ حور بقوة و هي تهمس في أذنها ..
- و الله .. و الله .. شكلج خباااااااااال .. بينصرع طرزان ..
ابتسمت حور بألم ثقب قلبها .. قبل أن تقول لتبعد عنها التفكير بالألم في حضورهن ..
- فديتكن و الله التطقيم طالع روعة .. لو ما كان عرسي كان طقمت وياكن ..
ضحكت نورة ..
- لو ما كان عرسج ما كان طقمنا .. بس شوه رايج في الحركة يوم طلعنا ويا بعض ..
ابتسمت حور ..
- أنا قلت هب من الله .. يالسات تستعرضن ..
ابتسمت دانة بثقة ..
- بس حلوة أشكالنا صح ..؟؟ انا بغيتهم ايحطون غنية زفة .. بس عفاري ما طاعت ..
هزت عفرا رأسها بأسف ..
- خبلة هاي .. ما تنعطى ويه !
ضحكت حور بخفّة رغما عنها ..
- يا حبّج للاستعراض ..
- معلوم بستعرض .. هب كل يوم انطول الناقة ..
و غمزت لحور تضحك .. بدت سعيدة لأختها للغاية .. حتى نورة و هي تقف جوار عفرا و تشير لقمم رؤوسهن فيما تقول الأخيرة بسخرية ..
- حليلهن .. فرحانات بالطول الاصطناعي ... خلي الليل يعدي .. و بيرد حصان سندريلا فار ..
رفعت نورة حاجبها ..
- شوه قصدج اننا فيران قدامج ..؟
سارعت دانة بالقول ..
- صدق ناقة ..!!
لا يتركن مناكشة بعضهن حتى هنا ..! و عفرا تميل قليلا بجسدها و هي تقول بغرور ..
- الطول هيبة و القصر خيبه ..
هزت دانة كتفها ..
- الطول طول الخشب .. و القصر قصر الذهب .. بعدين القصر أكثر انوثة .. الوحدة يوم اطول الريال شوه يبابها .. و الطويلة بسرعة اتعيّز .. ما سمعتي الشاعر لي يقول .. شوه يقول ..؟ شوه يقول ..؟ هيه .. طويلة هبيلة .. مربع مستطيلة ..
رفعت عفرا حاجبها ..
- خيبة ..! شوه هالحقد كله ..! ضغوط نفسية هاا ..!! الله يعينج على الاحساس بالنقص ..
.
.
- لا مطيهاا من كشتهاا .. و اسدحيها بطراق ..! لو سمحتن .. الشيخات .. ليكون تحرن عماركن مبسطات في صالة البيت .. تراه عرسي لو نسيتن يعني ..!
قالتها حور بمزاحٍ باهت ..
مزاح بلا لون .. و لا رائحة .. و لا ضحكة قد تُسمع ..
يدها التي لا تتوقف عن الارتعاش .. صوتها المهتز ..
و قلبها تتقاذفه أحاسيسها .. ما بين دفءٍ و برود .. !
لم يشعرن أخواتها بحزها المكبوت .. أو ربما شعرن و عزينه لتوتر العروس ..
نورة ترفع حاجبها باستنكار مصطنع ..
- شوفوا البنية كيف تقول عرسي .. الله أكبر عليهن بنات هالزمن مررررة ما يخيلن .. على أيامي كانت الحرمة لي لها سنين معرسة ما ترفع عينها من القاع .. و بنات اليوم الريّال يوخي مستحي .. و البنية تخزه بعين ..!
سحبتها عفرا من يدها و هي تهز رأسها ..
- خلاص يدوه .. راح وقتج .. يا الله بنات بننزل .. يدوه بتطلع .. و خوات غيث ..
نظرت لها نورة ..
- خوات غيث .. و الا خوات حامد .. بدت التفرقة العنصرية ..
أوقفتهن دانة ..
- لا تنزل يا غبياااااااااااات ..
التفتن لها معا .. باستثناء المها التي كانت مشغولة بمراقبة حشود الناس من علو المنصة المرتفعة ..
قبل أن تستطرد دانة بابتسامة ..
- بننزل رباعة .. شرا ما طلعنا .. و الله كشخة أشكالنا ..
تنهدت عفرا ..
- قسم بالله ما عندها سالفة ..
صفقت نورة و هي تتحرك نحو حور ..
- من يوم يابتها أمها ..
و طبعت قبلة حارة على خد أختها الكبرى و هي تهمس بحب ..
- فديت هالويه يا ربيه .. الله يوفقج ان شا الله .. تعرفين انه ودي انيه أرتز عندج الين ما ينزلونج .. لكن لازم أقردن كم عيوز .. ابا أعرس بعد ..!
ابتسامة موجوعة تلك التي تربعت على وجه حور .. و هي تشد على قبضة نورة بخفّة .. قبل أن تتركها .. لتستدير و تتهادى بفستانها الذي عكس عمق البحر بلونه ..
برقة تحمل دانة كفّها التي هُجرت للتو .. و ترفعها لوجهها .. تطبع في راحتها عمق قبلة طالت .. و امتدت لدهور داخلها ..
عينين لمعت إحدى زواياها بدمعةٍ حبيسة .. و هي تقول بصوتٍ مبحوح ..
- مبروك يا بعدهم .. مبروك .. الله يوفقج ان شا الله .. و يتمم لج ع خير .. بس لااا ينسيج طرزان تربيتنا لج ..
لم تستطع أن تبتسم ..!
لم تقوى حتى على ردع تلك الدمعة التي انفلتت من قيودها .. و دانة تستدير بدورها ..
لتمضي هي الأخرى ..
كمضيّ الدمعة التي شقّت سبل الرحيل في وجنتها النديّة ..
قبل ان تلتقطها نعومة اناملٍ حانية .. لترفع هي بصرا غائما .. ترتقب أحد وجوه أحبّتها ..
انعكاس النقاء لم يكن يوما بذاك الوضوح الذي برق في عيني أختها الصامتة التي أردفت براحتها على وجنة حور .. تخفي بقايا الدمعة الخائنة ..
شعرت في تلك اللحظة بأن سيولا مالحة تحتشد خلف جفونها..
و إنها قاب نفسٍ أو أدنى من اختناق ..
حين ابتسمت المها .. لم تبتسم لها بلطف .. أو بصمت ..
كانت بسمتها الحزينة تتحدث ..!
تقص حكاية أزليّة من الحنين ..
تترنم بملحمةٍ تشاكي فراقا حتمي .. ان لم يكن لهذه الليلة فهو دانٍ دون شك ..!
أصابع حور المرتعشة تقطف عبير وردة يانعة .. بغصنٍ مكسور من الباقة التي تحتضن بين يديها ..
ترفعها للوجه الحبيب الذي انحنى عليها .. لتدسّها خلف أذنها .. تزاحم نعومة خصلاتها المنسدلة ..
أ هناك أجمل من وردة تقبّل عبير وردة ..؟!
صفاء يخالط صفاء ..
و صمت يعانق صمت ..!
ذراعان بخفّة الهواء تلتف حول جسد الكبيرة المتنافض .. تضمّه لوهلة .. توقف أمامها دهرٌ من الأحزان ..
صوتها الرقيق يداعب أشجانها و هي تنفح بدفء ..
- هبييبي ..
قبل أن تبتعد تلك الصافية .. حاملةً في جوفها قطعة من قلب حور ..
لتمضي كما مضين من سبقنها ..
خطواتها تتعاقب على بعد المسافة ..
فيما ترتخي أنظار حور أمام لمسة عطوفة من عفرا تغفو على ذراعها و هي تسأل ..
- حواري .. تبين شي قبل لا أنزل ؟؟ .. شي فخاطرج غناتيه ..؟ تبين ماي ..؟؟ عصير ..؟؟
تهدج صوتها المبحوح و في تهز رأسها بحزن .. توشك عبارتها على إغراق القاعة و من فيها ..
- لاااا ..
عدّلت عفرا وضع أطراف الفستان منتشرة حولها برفق .. قبل أن تقبّلها برقّة ..
- أنا بشوف أمايه تبا شي .. لو تبين شي .. أشري بس .. بطالعج أنا ..
أومأت و إحساسها الدافئ يتضاءل بمضيّهن واحدة تلو الأخرى ..
فيما انعدام الأمان ينتشر في جوفها ..
يقتلها ببطء ..
و تتضخم الغصّة في صدرها .. و عفرا تدور حول نفسها لترحل ..
لكن يد حور الطليقة .. تمسك بكفّها بقوة .. قبل أن تتحرك ..
لتلتفت عفرا حولها بسرعة ..
- هاا حور .. تبين شي ..؟
أغمضت عينيها بقوة .. أطراف أهدابها الطويلة تفترش خدّها الندي .. و قد ابتلّت فجأة بفعل الدموع ..
تتسارع أنفاسها و هي تزم بشفتيها .. تحاول تمالك نفسها لا تريد أن تنفجر في نشيج يمزّقها في العلن ..
للبكاء زاوية معتمة ستتخذها لاحقا .. ستعقب ليلة الذل هذه ..!
بعيدا عن أعين المتطفلين ..
شعرت بروحها الهزيلة ترتعش في حدود جسدها المتجمّد ..
تختبئ خلف ظلمة أجفانها ..
صوتها يخرج من حنجرتها ممزقا .. و هي تهمس لقرب عفرا الذي شعرت به ينحني عليها ..
- عفـ .. عفراا .. عفراا ..
تهدّج صوتها .. تتكسر الدموع أمواجا مالحة على شطآن مآقيها ..
- عفراا .. ما وصيج .. ما وصيج عليهم .. الله .. الله .. عفرا عينج على خواتج .. لا يقصر عليهن شي .. و لا يستويعن من شي .. عفراا .. أمي ..
و انزلقت سخونة عبرة حارّة على جانب وجهها الصافي .. و هي ترفع عينيها لتغرق في عمق عيني أختها ..
- أمي .. مكسورة .. مالها في الدنيا عوين غيرنا .. و لو شفتيها ساكتة .. عدها ما نسيت عوقها من موت ابوية .. خلكم حولها يا عفرا .. لا تخولنها ..
كانت تنتفض بقوّة .. شعرت بيد عفرا تهتز بقوة بين يديها اثر اهتزازها هي ..
حتى و عفرا تجثو قربها الآن .. يفصلها عنها طبقات الفستان الهائلة الحجم ..
لكن خيطا من الوجع امتد ليربطهما .. و هي تقول لها بقوة ..
- اوووشش .. حواري .. فديتج .. ليش اتصيحين ..؟؟ هذا و نحن حالفات و لا وحدة منا تصيح الليلة .. لا تستهمين .. خوانيه في عيونيه .. و اميه في فواديه من داخل .. لا اتوصينيه عليهم .. و بعدين ليش الصياح ..؟؟ بلاج اتودعين كانج بتموتين ..؟ الحور .. اتعوذي من الشيطان .. الليلة ليلتج .. ليلة العمر ..
لا ..
ليست بليلتها ..
هي ليلته وحدة .. ليلة انتصاره ..
و سيسحقها ..!
- ششـ .. ششوفي البنات أذية .. تعرفينهن يحب يضاايقن مزوون و هي صيااحة .. لا تخلينها تبكي مزون .. لا تبكي .. عفراا .. المها خليج وياها ... أناا .. خبرتكن .. المرحلة .. هااي صعبة عليهن .. و نايـف .. نايـ ...
قاطعتها عفرا و هي تشد بيدٍ على قبضتها .. و باخرى تربت على خدها برقة .. لتنهي آثار دمعتين تلاحقتا متعجّلتين للفرار ..
- فديت روحج .. حور .. تراهن اسبوعين لي بتغيبين فيهن .. و داخل لبلاد .. كل ما بغينا شي .. بنتصل بج .. لا تستهمين .. و لا ترمسين كذيه .. حور دخيلج .. هميتينيه عليج و الله .. بس فديتج بيخترب الميكب .. لا تخافين .. و لا تفكرين .. توكلي على الله .. و الله بيسهل أمورج .. قولي يا رب سهلها ..
بصدق ..
من أعمق هوّة في روحها ..
انتزعتها .. لتطلقها نحو السماء ..
مرتعشة ..
- ياااا رب ..
- حبيبتي انتي .. بس لا تصيحين .. لا اتخربين الليلة .. ترى لو فتحتي المجال لنا و الله نفتح لج مناحة .. و نحن متماسكات عشانج بس .. ما نبا نخرب فرحتج ..
فرحتها ..؟!
تبا ..!
ألا يشعر أحدا بنزيفها الذي يتقاطر دمعا ..؟!
- حور غناتيه .. بس .. هاي يدوه مطلعتنها روضة .. لا اتخلينها اتشوفج و انتي تصيحين و اتكدرين خاطرها ..
ترفع حور عينيها لترسم في مآقيها صورة ذاك الجسد المتهالك الذي أعيته السنون .. يتكئ على ذراع روضة التي غاصت في عمق الزهر بلون فستانها .. و هي تتقدم ببطء ..
تجرّ معها حكايةً من دفءٍ كانت قد أنجبت ذاك الكبير ..
عينين حاكت سنواتٍ من شوقٍ معلّق ..
يا الله ..!
كم هو موجع ذاك الشوق ،،
يمزّقها الليلة كما يمزّق هذه العجوز ..
لن تسقط عينيها على جسده القوي الذي أحنته السنوات بجبروتها ..
و حفرت خطوطا من شقاءٍ في جبينه ..
لم يمسك بيديها الصغيرتين في راحتيه المتشققتين ..
و لن يطالعها بوجهه الكادح .. بذاك الجبين المقطب .. و بالنظرة الصارمة ..
لن يتضخّم قلبها فخرا لمرآه ..
و لن تختال بفستانها الأبيض و تتأبط منه ذراعا من حنان .. ليقودها نحو عريسها ..
يسلّمها اياه .. متوعّدا روحه بالهلاك ان آذاها ..
لن يستند ظهرها على جدار صلابته .. و لن يوصيها بأحرفه .. و صوته القوي ..
لن يمسح في غفلة عن حزمه وجهها بحنان .. و يطلب منها أن تكون سعيدة لأجله ..
لا ..!
لا يمكنها ان تسند رأسها على صدره الفسيح .. لتبكي فراقها اياه ..
أبي ..!
أين أنت ..
بحاجة لحضورك ..
لتوصياتك ..
لا يهمني ما سمعت عنك .. و ما كنت قبلا ..
أريد أبي ..
اريد الرجل الذي أنشئني بكفين من طيب ..
أنامله لفّت الحجاب تستر شعيراتي .. و يده مدّت لي سجادةً تعلمني احناء الجبين و السجود عليها ..
اريد رجلا نهرني لخطأي يوما .. و غمرني بحنانٍ في أوقاتٍ لن أنساها ..
أريدك أبي ..
ضعيفة بدونك ..
وحيدة ..
سيفترسونني ..
أتراني متسربلة بالضياء أبي ..؟
سأزف لرجلٍ حطّم قلبي ..
لستَ هنا لتحطّم وجهه .. و تعلّمه أن لا أحدا قد يجرؤ على إيذاء صغيرتك ..
أبي ..
أتراه الشوق الذي يلتهم حناياي ..
هو ذاته الذي قضم قلب هذه العجوز ..
و ألهب عينيها ..
نشتاقك هنا ..
و نحتاجك أكثر ..
.
.
وجدت أنها تقف عن كرسيّها الضخم .. تتقدم بضع خطواتٍ لتلتقي العجوز في منتصف الوجع ..
تجر أثقالا من إحساسٍ منتهٍ خلفها ..
و تبلغها ..
كف نحيلة مرتعشة تلك التي أمسكت بها .. و هي تنحني اثر طول كعب حذائها المرتفع على رأسها الحبيب لتقبّله ..
تلك الرائحة المميزة التي تستنشقها من رأسها دائما .. تعبق في أنفها الآن ..
لتوهمها لحظاتٍ كاذبة .. بأنها تستلقي آمنة في فراشها .. و كل ما تتخبط فيه من رؤيا مجرد حلم فارغ ستقتله أشعة الفجر دون شك ..
لكن ذاك الخاطر يُسرق منها عنوة مع ابتعاد الرائحة ..
ليعلمها بأنّها هنا ..
و أن هذا الكابوس مستمرٌ لا محاله ..!

* * * * *

شوق جارف تملّكه و هو يراقب ضحكة ذاك الذي انفرد بأخيه .. و راح يقهقه بارتياحٍ و كأن خلافهما الذي امتد اسبوعا لا يهمه ..
شعر بحنين قوي .. يشده .. و تمنى لو كان هو من يقف قربه الآن .. يتبادلان المزاح الثقيل ..
كان قد اتخذ قراره ..
اعتاد من أحمد أن يكون أول من يعيد المياه لمجاريها بعد أي خلافٍ بينهما .. و يتناسى قلبه الطيب أي مشكلة تحصل ..
لكنه أدرك بأنه هو من أخطأ هذه المرّة ..
هو من استهلك حقّه في أن يصالحه ..
لذلك عزم على مصالحته .. و الاعتذار له ..
مرارا استعاد كلماته الثقيلة تلك . .و تملّكه الغيظ ..
لم يعلم ما الذي أثاره أكثر ..
قلقه على أحمد . .أو أن يكون صديقه الحميم قادرا على اخفاء مشاعره عنه طوال تلك المدة ..
هي أنانية منه أن يعارض حقّه في الاختيار ..
و ان كان واثقا من مشاعره فليس عليه سوى أن يحترمها .. و يتجنب جرح روحه الطيبة ..
تقدّم بهدوء نحو حامد الذي راح يعدّل وضع - غترته - و العقال .. و أحمد الذي وقف بعيدا عن بخطواتٍ يراقب - اليولة - القائمة في - المنصة - المنصوبة بعيدا و التي لازالت في أوجها رغم تأخر الوقت ..
توقف جوار أحمد بهدوء .. و شعر بتصلّب جسد ابن عمه جواره ..
.
.
.
.
.
كان يعلم أنه هو ..
ليس عليه أن يستدير ليشعر بوجوده ..
يكفيه أن تكون جزءا من روحه قربه ليشعر بانشداد البقية نحوها ..
قاوم باستماتة رغبته في أن يقفز عليه و يحتضنه بشوق .. و استمر بالتحديق للأمام دون أن يرى الأسلحة التي تتطاير بحركاتٍ استعراضية ..
انشدّت مسامعه و راح ينصت لصوت هزاع الذي قال بهدوء .. و كأن شيئا مما جرى لم يكن بينهما ..
- تركي يسلم عليك .. و يتخبر عنك .. يقول من زمان ما شافك ..
رفع حاجبه ببطء ..
ماذا ..؟؟ أيحاول الاعتذار بطريقة غير مباشرة ..؟
أو التظاهر بأن شجارهما ذاك لم يكن ..؟
قال بنبرة باردة ..
- تركي لو يبانيه .. يعرف يدق عليّه .. عنده رقميه ..
صمت مطبق أعقب كلماته .. قبل أن يفلت هزّاع تنهيدة طويلة ..
- يمكن خايف انك مشغول ..؟ و الا ... آآآآ .. زعلااان ..؟!
كبح أحمد ابتسامة .. و تظاهر بالجمود مجددا ..
- حتى و لو .. يروم يتصل .. و ينشدنيه .. و الا من متى بينيه و بينه مراسيل .. و عتاب ..؟
- يعني انته هب زعلان ..؟
- على تركي ..؟؟ لااا .. ما سوى شي الريّال ..
تأفف هزاع و تحرك بتوتر ..
- و على غير تركي .. ؟؟
هز أحمد كتفيه ..
- يعتمد على الشخص ..
و أردف ببطء ..
- و شوه سوى ..!
التفت هزاع نحوه ..
- و اذا زعلان ..؟؟
- ما يرضينيه الا حب الخشوم ..
شعر أحمد بهزّاع يجذب رأسه بقوة .. و يقبل أنفه .. قبل أن يبعده بسرعة ..
- و هذا احنا حبينا خشمك .. و بعد ..؟
انفجر أحمد ضاحكا بقوة .. و هو يستدير لهزاع الذي قطب بضيق ..
- متحمس أشوفك .. حتى تفالك لصق فخشميه ..
لكمه هزاع على صدره .. و شعور عميق بالراحة ينتشر داخله .. و هو يشعر أنه يصالح أحمد دون عناء ..
كما كانا قبلا ..
دوما يجدا الطريق لتعود الأمور لنصابها ..
- اتخسي .. قالو لك ياهل أتفل ..
مسح أمحد أنفه باشمئزاز ..
- وععع .. تفال بنكهة السيريلاك ..
رفع هزاع حاجبا ..
- لا اتخلينيه ارفع خشمي بعد .. و أخليك تحبه غصب ..
- هذا اللي قاصر بعد .. أحب خشمك يا هزيع ..
أخفى هزاع ابتسامته و هو يبعد عينيه عن وجه أحمد البشوش ..
لتسقط على وجه ابن عمه الأكبر .. الذي تصلّبت ملامحه في تقطيبه و هو يتبادل حديثا جادا مع جده ..
- بتخبرك .. أخوك هذا حتى في عرسه ما يبتسم .. تراها صدقة للحاضرين و الله ..
ضحك أحمد من أعماقه .. شعر بان ثقلا قد أزيح عن كاهله .. و يستطيع الآن أن يتنفس براحة حقيقية ..
- هههههههههههه .. بتقوليه .. هذا ما حيدنيه قد شفتيه مرة يبتسم في حياتي .. ايقولك يوم يابته أمه .. قال لسسترات .. خوزن يا بنات اللذين بظهر اروحيه ..
- هههههههههههههه .. و أنا أقول هب من اليوم مكشر .. هذا لو ربيه رزقه بياهل .. بيقول الحين ياي ..؟؟ وينه من تسع أشهر .. شوه كان ايسوي فبطن أمه .. ؟؟! هههههههههههههههههههه .. الله يعينه الصراحة على عمره ..

* * * * *

على احدى الطاولات المنتشرة في وسع القاعة ..
إختارت مقعدا يجاور مقعد خالتها و ابنتيها ..
اتكأت على كفٍّ من فراغ .. و هي تجيل عينين جامدتين في وجوه الحاضرين ..
الليل الحالك ينسدل على جسدها الطويل ،،
و قد تدرّجت غرّتها على جبينها الأبيض ،، تناسق تدرّجات شعرها الذي غطّى جزءا من ظهرها العاري ..و ذراعٌ ممتلئة نحتت عليها نقوشٌ دامية دقيقة بالحناء ..
فتنة الأسود تعكس غموضا و أناقة حقيقية .. و هي تردف ساقا على ساق ..
تلوك الهدوء المميت الذي ملأ صدرها .. و رأسها ..
و فمها الذي راحت تزمّه ببرود ..
هذه هي حالة اللاشعور التي تغرقها منذ أيام ..!
شعرت بعيني خالتها تخترقان جانب رأسها المزيّن بعناية ..
و هي تريح عينيها الكبيرتين على أي منظرٍ لا يهمها ..
تخترقه .. لتسرح مطلقة روحها بعيدا ..!
أيامٌ قضتها في عهدة خالتها .. أيامٌ كالصقيع .. لا دفء من الذي التمسته وجدته فيها .. و لا تدري لذلك سببا ..
محاولات خالتها المستميتة لانتشالها مما هي فيه فشلت فشلا ذريعا .. و لا بد أن الأخيرة قد عزت بحزنها لزواج ابن عمّها الذي لطالما صرّحت بأنها تحبه بلا خجل ..!
شعور غريب بالخزي يسري في عروقها .. و هي تستعيد جرأتها تلك ..
ليست خجلة من الإفصاح عمّا في داخلها .. لطالما استعرضت أنانيتها و الغرور دون أن تكترث لأحد ..
لكن فكرة أنها أسهبت في التبجّح بمشاعر كاذبة .. كانت تعيشها وهما .. أخجلتها ..
ما الذي دفعها للبحث عن حب رجل لا يعني لها شيئا ..
رتّبت الأمر في ذهنها .. و اختارت أن تحبه ..
هكذا ..!
اختارت حبّه .. و راحت تمارس المشاعر بتملّك كاذب ..
أسهبت سنوات عمرها .. تلاحق رجلا .. لا يهتم لأمرها .. و يكاد لا يشعر بوجودها ..
فيما هي تلهث خلفه .. لاثبات شيءٍ تخلّت عنه أمام أول عقبه ..
كلمات خالتها ارتدت في ذهنها و هي تواسيها ..
.
.
.
- نفاده هو وياها .. لي خلقه .. خلق ألف غيره .. و انتي شيخة البنات و مليون واحد يتمنى ظفرج يا عوشة .. لا اتعقين عمرج ع ريال ما درابج .. و لا يباج .. خذ بنت حمد المنتفة لي ما فيها من الزين خاطر .. و خلاج انتي ..! شوه تبين به ..؟؟ طبيه .. باكر بييج لي يسواه و يسوى طوايفه .. و بعدين شوه حبه و خرابيطه ..!! بنت العرب ما تعرف الحب الا ويا ريلها .. و الا خبال قبل الزواج رمسة يهال ما عليج منها .. باكر بتنسين ..
لم ترد ..
التحفت السكون مفكّرة ..
حبّه ..؟!
الغريب هو البرود الذي جمد أوصالها و تركها عاجزة تماما عن الشعور ..
أيعقل أنها لم تحبه يوما ..؟!
هذه الفكرة تخيفها حد الموت ..
أن تكون قد اندفعت وراء رغباتها المريضة .. لمجرد أن تعيش جوا من العذاب في السعي وراء رجل لا يدرك مشاعرها ..!!
تقول أن المليون ينشدونها ..
لا تريد مليونا ..!!
المليون رجلٍ تلتهم نظراتهم جسدها و وجهها الفاتن كل صباح .. تشرّح تقاسيم حسنها .. بعيونٍ جائعة ..
تمزّقها .. لتعلمها أنها مجرد دمية للعرض ..
رخيصة .. ليس لهم أن يدفعوا أو يبذلوا شيئا لينالوها بنظراتهم .. و شهواتهم ..
لا تريد مليونا ..
تريد رجلا واحدا فقط ..
رجل يحترمها .. و يعلمها أن تحترم ذاتها أيضا ..
رجل يجرّها من دوامة الفراغ التي تغرقها ..!
رجل تلتقيه لمرة واحدة .. فيكره النظر اليها .. و لمفاتنها التي تستعرض ..!
لكن لا وجود لذلك الرجل ..!!
اذا كانوا أبناء عمّها ذواتهم يرونها على هذه الهيئة فلا يبالون .. حتى الرجل الذي مارست حبّه وهما كاذبا .. أجبر أخواته على التزام الستر .. و لم يعرها اهتماما ..
لم يبالي بها أحدهم يوما .. ليشير لها .. بأن أسدلي ستارا على حسنك .. ليست كل عينٍ تستحق أن تراه ..!
انتفضت اثر لمسة رقيقة داعبت كفّها .. لتشمخ بعينيها للخلف باحثة عن صاحب الأنامل ..
طالعها وجه ضاحك ألفت مصادفته مؤخرا في بيت جدّها ..
العينين الواسعتين اللامعتين .. و الابتسامة المرحة العريضة ..
و الغرّة المنسدلة على جبينها .. و هي تقول بمرح ..
- خاطريه أشوفج يوم .. منتبهة للعرب لي حولج .. انتي دومج سرحانة ..؟!
التصقت عيناها بوجه الفتاة دون أن تجد ردا على كلماتها ..
قبل أن ترد بشيء من البرود ..
- و شوه دراج انيه دوم سرحانه ..؟
غمزت بخفّة لها ..
- أراقبج ترانيه و الا شرايج ..؟
تفاجأت عوشة من تصريحها ذاك .. قبل أن تسأل بعدائية ..
- و ليش اتراقبين ..
- مهووسة بجمالج .. ما خبروج .. ههههههههههههههههه .. بعدين طاع ويهها .. انتي المفروض ما ترمسين .. عيل متعنين و عازمينج .. و اترديناا عسب اتسيرين دبي ..؟!
دّت عوشة بجفاء ..
- سيرة دبي أهم ..
هزت الفتاة كتفيها و هي تقول بابتسامة لم تختفي اثر جفاء ابنة عمها ..
- يمكن ..!! ترى دبي أكشخ من بيت يدج .. يا الله نشي ..
قطبت عوشة ..
- وين ..؟
- نشي و بتعرفين .. انتي ليش كذيه .. شكلج خايفة منا ..! ترا نباتيه ماكل لحوم البشر و الله ..!
لم تضحك الدعابة عوشة .. و هي تلتفت لخالتها و ابنتيها فتجدهما منخرطتين في الحديث مع احدى النساء و قد انتقلت لطاولتهن ..
ماذا ..؟؟ خايفة من مرافقة الفتاة ..؟!
لا ..
بالطبع لا ..! هذا سخيف للغاية ...
التقطت حقيبتها السوداء الدقيقة .. و هي تهب على قدميها .. كاشفة عن تقاسيم جسدٍ مذهل يحتضنه فستانها الأسود بنعومة .. لترفع حاجبها أمام تصفيرة دانة المرحة ..
- يا عيني ع الملكي .. طالعة خطيرة بالأسود ..
فاجأها الإطراء .. فوجدت يدها تعتصر حقيبتها دون أن ترد .. و هي تنبّه خالتها ..
- خالوه فديتج .. أنا بسير شويّه ويا دانة .. و رادة ..
طالعت خالتها بشك وجه دانة التي نظرت لها ببراءة مفرطة .. بدت مختلقة لثانية و هي تبتسم بلطف الأطفال ..
- برايج غناتيه .. بس لا تبطين .. يمكن نسري عقب نص ساعة .. خلينا نسلم عليج ..
- أوكيه ..
و تحرّكت تبتعد عن الطاولة بتمايل .. و هي ترفع رأسها ..
تقدمت دانة معها .. و هي تقول بهدوء ..
- تشابهين خالتج وااايد ..
ردت عوشة ببرود ..
- أخت أميه .. أكيد بطلع شراتا ..
صمتن بعد هذه الكلمتين .. و هن يتحركن متجاوزات بعض الطاولات بخفّة .. عوشة تجاهد لمحاكاة خطوات دانة السريعة ..
قبل أن ترفع رأسها .. لتصطدم بالمنصّة المرتفعة في آخر الطريق التي قسمت الطاولات بسجّادة ممتدة طويلة .. كانت العروس قد قطعتها منذ ربع ساعة فقط ..
توقفت فجأة و هي تنظر للبياض الذي اعتلى عرش المنصة و تسأل بشك ..
- وين سايرين ..؟
توقفت دانة بهدوء و هي تستدير نحوها بساطة ..
- ما تبين تسلمين على حور ..؟؟ البنات كلهن طلعن الا انتي ..
تيبّست أمام هذا التصريح .. قبل أن تنفلت كلماتها بحدة دون أن تتملكها ..
- و منوه قال انيه أبا أسلم ..
ارتفع حاجب دانة ببطء .. و هي ترد ..
- و ليش ما تسلمين ..؟؟ بنت عمج ..
تملّك عوشة شيء من الارتباك ..
لم تكن تَكِنُّ لأخوات حور شيء من انعدام الأحاسيس الذي تخصّه بها ..
كانت قد لهت يوما مع هذه الفتاة و أخواتها .. و لطالما تجاذبن اطراف الأحاديث الخفيفة ان زارت جدتها ..
ليس عليها أن تصرح بكراهيتها للقاء أختهن الكبرى .. دون سبب ..
سحبت نفسا عميقا قبل أن تقول بقوة ..
- أنا ماريد أطلع قدام العرب .. ع الكوشة .. برايها يوم بيزفونها بيت يدي بسلم عليها اهناك ..
كانت دانة لا تزال تحملق في وجه ابنة عمها بطريقة غريبة .. قبل أن توافقها بهدوء .. و ابتسامة صغيرة ..
- على راحتج .. انسير الحينه ..؟
قطبت عوشة دون أن تتحرك ..
- نسير وين ..؟
- صليتي العشا ..؟
كان السؤال مباغتا و غير متوقعا .. لذلك ردّت بعفوية ..
- لا .. بعدنيه ..
- خلاص .. بنسير المصلى لي اهناك البنات يرقبنا بنصلي فيها .. أنا قلت لهن يترين الين ما تسلمين ع حور .. و أييبج اهناك نصلي .. لن العرب بتتعشى الحينه و بتوقف الأغاني ..
و تحركت .. لتجد عوشة نفسها تدفع خطاها و تجاورها في المشي .. دون سببٍ تفهمه ..
- و ليش ما يصلن ..؟؟
- و نضيع أجر الجماعة ..؟؟! نحن دوم نصلي جماعة .. خلينا نشاركج الأجر هالمرة ..
لم تجد عوشة قولا ترد به ..
الحقيقة أنها لا تحرص على صلاتها كل الحرص ..
ان أتى وقتٌ صادف أن كانت خالية .. قضت فرضها .. و ان كانت مزدحمة و لا تجد وقتا فهي مهملة للغاية ..
كم من مرّة .. أضاعت صلواتها أثناء نومٍ أو عمل ..!
كانت قد قطعت مسافة لا بأس لها حين تكلّمت دانة مرة أخرى ..
- انتي ما تحبين حور ختيه ..!
تصلّب ظهر عوشة و هي تلتفت بصدمة لتجد دانة تطرق بابتسامة خفيفة .. و هي تواصل المشي .. و عوشة تجر خطواتها ..
كيف شعرت بذلك .. ؟ أ كراهيتها بارزة لذاك الحد ..؟!
- أحس .. تكونين غير ويانا .. و يوم تحدر المكان .. ما تاخذين راحتج .. و تغدين باردة .. حتى ما تندمجين وياها شرا ما تندمجين ويانا ..!!
دافعت عوشة عن نفسها بسرعة ..
- أنا ما أكرهها ..!
رفعت دانة عينيها بابتسامة ..
- بس ما تحبينها .. عادي .. الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف .. الحب هب غصب .. الحين أنا أحبج .. و يمكن انتي ما تحبينيه ..؟!
و ضحكت امام نظرة عوشة التي بهتت على وجه دانة .. و هي تقول بصوتٍ مبحوح .. و كأنها لا تصدق ذلك ..
- اتحبينيه ..؟!!!!
استمرت دانة بالضحك ..
- هههههههههههه .. أحبج .. هيه و الله .. تراج حليوة .. و تنحبين .. و الا ما عندج ثقة في نفسج ..؟!
لم تستطع عوشة بطبيعتها الحذرة تقبّل هذا الدفق من المشاعر الذي اجتاحها ..
أيعقل بان يكون هناك من يعبّر عن مشاعره بهذه السهولة و الأريحية ..
انقلب الحديث بغته ..
- انتي متوضيّة .. و الا نسير الحمامات أول ..؟
قطبت عوشة ..
- بيخترب الميك اب ..
لكن الندم خالجها لتعليقها ذاك و دانة تنظر لها بدهشة ..
- و الميك اب أهم عن صلاتج ..؟؟ ما ظنيه بيخوز .. الوان الصوالين ثابتة ..
لم تشعر في حياتها بمثل هذا الاحراج .. فتاة بنصف عمرها تعلّمها الحق من الباطل .. صوتها أتى متوترا و هي تقول ..
- الحمامات أي صوب ..
أشارت دانة بيدها .. رغم ثقتها بأن عوشة تعلم جيدا أين هي ..
- من هناك ..
.
.
.
.
.
.
.
.
- سنة ..؟؟؟ العرب بتتعشى و نحن ما صلينا .. بيردون حور البيت .. يا الله ..
داهمها تذمر نورة فور دخولهن للمصلى المجهز للنساء ..
تقدّمت ببطء .. و هي تراقب الدهشة التي اعتلت ملامح روضة .. و هي تقف مع عفرا بعيدا عن نورة .. و المها ..
رفعت حاجبها تلتقي دهشة روضة بتحدٍ .. قبل أن تلتفت لنورة التي مدّت يدها بعباءة لعوشة و هي تقول بعجل ..
- ما يبتي عباتج صح ..؟ هاي عباة حور .. و هاج الشيلة .. عفرا بتئمنا ..
التقطت بيدين مرتجفتين العباءة .. و غطاء الرأس .. فيما وقفن جميعا ينظرن إليها بانتظار أن تنهي التأمل الصامت .. و تبدأ بارتداء العباءة الواسعة ..
بيدٍ مرتعشتين بدأت بلف العباءة حول فستانها الذي كان يبرز مفاتنها بوضوح .. لتستر جسدها بالحشمة . .قبل أن تقف بين يدي ربّها ..
الغطاء تضعه بعناية حول رأسها ..
و رائحة تلك الغريمة تعبق في أنفها ..
عطرٌ خفيف من الزهور .. لفّها .. قبل أن تفاجئ بهرولة دانة و نورة معا نحو عفرا التي استوت نحو القبلة .. و نورة تقول لها مفسّرة ابتساماتهن و سباقهن الغريب ..
- نتسابق على اليمين ..!!
لم تفهم شيئا من عبارتها تلك .. و هي تقف بجوار دانة التي أشارت لها .. فيما وقف المها على يسار عفرا تليها روضة ..
قبل أن يستوين في صفٍّ واحدٍ منتظم .. و ترفع عفرا يديها إلى محاذاة أذنيها .. مطلقة تكبيرة الإحرام بصوتها الرخيم ..
- اللــــــــــــه أكبــــــــــــر ،،
و ارتعش فؤاد عوشة حين تغلغلت تلك الكلمتين في جوفها .. و هي ترفع يدها بدورها مكبّرة ..
و شعور غريب بألفة يلفّها ..
لم تفهمه ..!

* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 20-07-08, 03:14 AM   المشاركة رقم: 423
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

جدّه عن يمينه .. و عن الشمال أبيه ..
اصطف أعمامه في صفٍ طويل لاستقبال المهنئين ..
أفواجٌ من الحضور راحوا يتوافدون لتهنئته .. ليشاركوه فرحته ..
التوت شفتيه بابتسامة بطيئة .. ساخرة ..
و هو يجيل برود نظراته في من حوله ..
فرحته ..؟!
انه أبعد ما يكون عن الفرح ..!
متشفي ربما ..!
و غاضب .. غاضب جدّا ..
شعر بأصابعه تشتد في قبضةٍ قد يهوي بها على أي شيء أمامه ليحطمه ..
كلما يستعيد نفاق ذاك الوجه ذو البراءة الكاذبة .. تتقد نيرانا في صدره ..
و تستعر لهفته الأولية الساذجة .. لرغبةٍ قاهرة في قتلها ..
كل شيء كان ليغفره لها .. إلا تلاعبها به ..
للمرة الأولى تحيّره امرأة كما تفعل به هي ..
لكن تلك الحيرة تبخّرت .. لتكشف سواد الخداع من خلفها ..!
كان الحضور منخرطين في الاحتفال .. و الأهازيج الشعبية .. و الرقصات الاستعراضيّة الرجالية المختلفة ..
أنواع من الأسلحة تتطاير ..
صفّين متقابلين .. يتبادلون التغني بقصائد تكتب على الفور ..
خصصت كلماتها للاحتفاء بزواجه ..
انقضى العشاء ثقيلا للغاية .. و اللحظات حتى آخر الأمسية تمر بطيئة للغاية ..
تفصله عن لقاءها ..
فيما يفرك يده بين الفينة و الأخرى ليطالع ساعته مرتقبا اللحظة الحاسمة ..
كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل حين أشار جدّه له بيده و هو يقول بحزم ..
- سرينا يا بو سيف .. الحرمة قدها في البيت .. هبابك تشلّها و توصل دبي قبل الفير ..
انفلتت عقدة في صدره ..
و هو يسحب نفسا عميقا يصبّر به نفسه ..
هي ساعة لاستيفاء الحق آنت ..
آنـــــت
آنت ..!

* * * * *

- مستحيل .. لو مهما صار هالشي لا يمكن أسويه ..!
قالتها بقهر مكبوت ترددها مرة أخرى ..
ضاقت ذرعا بمكالمته هذه ..
ألا يكفيها الوجع الصارخ الذي تغالبه الليلة .. تتظاهر باللامبالاة في حين تتضخم عبرة في حلقها .. تسد سبيل الأنفاس فتخنقها ..
هذه الليلة ستزف له العذراء التي اختار لتشاركه حياته دونها ..!
الشابة التي لم تجد فيها ميزة واحدة حين التقتها ..
لم يتوانى عن تبديل جمالها بتلك البساطة ..!!
لما ..؟!
ما الذي رآه فيها ..؟ كيف استطاع أن ينقاد لها .. ؟
هذه الليلة راحت تشمخ بأنفها في كبرياءٍ زائف .. تخفي عمق الجرح الذي خلّفته كلماته الأخيرة لها ..
و بساطة الأمر الذي يتجلى لها يوما بعد يوم ..
هي لم تكن يوما سوى وسيلةٍ لتلبيه أحد احتياجاته .. سرعان ما رماها جانبا ما ان شعر بانه قد يتورط ..
لم يلتفت بعدها للخلف ..
و لو لمرة ..
و حين اصطدم بها في طرقه للمضي .. أوغل خنجرا من الكلمات مزّقت نياط فؤادها ..
لتعلمها أن لا شيء قد يلين تلك القساوة التي خلقت في قلبه ..
لا حبّها الأرعن .. و لا ارتمائها المذل عليه ..
الليلة شاركت ميعاد الكسيرة عشاءً بائسا .. اذ لم تكن أختها أفضل حالا و أبني أخوانها يتزوجون دون أن تحصل على دعوة للحضور ..
و أوغل الألم فيها ..
ربما ابتلعت ألمها .. و أثارت الصمت على أن تثير شفقة الغير ..
لكن ماذا عن ألم من تحب ..؟ لا أحد مطلقا يضاهي ميعاد في مكانتها ..
ميعاد .. الابنة التي تصغرها ببضع شتاءات ..
تلك التي قاست مرضها .. و الوجع ..
و شاركتها الأمل .. و الضحكة ..
الإحساس الأصدق في أيامها ..
ما الذي قد يكون بيدها لتفعله لتجنّبها الحزن المتواصل ..
هي تملك عائلة على الأقل .. العديد من الإخوة .. و أبناء إخوتها ..
فقدت الأم نعم .. بلا أب .. عاشت طوال حياتها و نهيّان و بو عمر يسدّون هذا الجانب فلا تشعر بنقص ..
لكن أن تعيش حبيسة جدرانٍ صامتة كجدران هذا البيت .. عاجزة عن الخروج ..
لها أقارب على قيد الحياة .. أب لا تكاد تراه .. و عائلة كاملة متكاملة تجهل وجودها ..
انه الموت البطيء بحد ذاته ..
لكن هذا لا يعني البتة أن توافق عمر رأيه المجنون هذا ..
مذ كان يمزح معها في مكالمته الأخيرة .. أصاب قلبها الوجل ..
ألا يزال ابن أخيها يلوم أختها على عنوستها ..؟؟ يحقد عليها لذلك ..؟؟
ماذا لو أراد إيذاء ميعاد ..؟؟ ينشد بها كسر جبروت ابن أخيها ..؟
لا .. كيف سيطالها .. لم يكن الأمر سوى مزحةٍ ثقيلة .. لكنها قذفت في قلبها الوجل من أن يقدم عمر على جنون كهذا ..
متهور .. و متعلق بها .. و لم يحب تلك التضحية التي قامت بها ..
لكن الأمر لن يصل لهذا الحد ..!
هذا سخيف ..! سخيف للغاية .. عليها أن تقتلع هذه الأفكار من داخلها ..
لكن ماذا تفعل بما يقوله الآن .. سترفض بالطبع ..!
لن تخضع لهذه الجنون ..!! حتى و صوته يلح عليه ..
- أعصابج انزين .. بسم الله ..! شوه قلت أنا غير الحق .. الحين خبرينيه .. انتي عايبنج حال اختج ..؟ اروحج قلتي ما تبات الليل .. دوم ضايقة .. و متعبتنها السالفة نفسيا .. كان اقتراح ..
ارتجفت من هول الفكرة و هي تقول ..
- اقتراح بايخ يا عمر .. و مستحيل أسويه .. تعرف شوه يعني أسوي هالشي .. ؟؟ هالشي يعني انيه أخسر ميعاد للأبد .. مستحيل تسامحنيه لو سويتهاا .. و بعدين فكر أنا لو سويت هالشي .. و الله ليذبحونيه عميه سيف و غيث ..
ردّ اعمر على الفور بكراهية ..
- يخسي الحيوان .. يذبحونج أونه ..! أصلا سيف بن علي ما بيسوي شي .. بيحشمج لنج بنت حرمته .. و هو بحسبة أبوج .. و مربية بنته .. و هالخايس ما بيطول شعره من راسج .. شوه اتحرين الدنيا رغيد .. بعدين وين سرنا نحن ..؟؟ هلج كلهم .. و خوانج.. الواحد عن قبيلة ..
تهدج صوتها لمجرد التفكير بأنها قد تقدم على ذلك ..
- المشكلة خوانيه .. أنا لو أسويها نهيّان ما بيرحمنيه ..
- انتي اتحرين نهيان راضي بالوضع ..؟؟ داسين اخته كنها فضيحة .. و محد يدريبها .. ليش .. شوه عيبها .. انها معاقة يعني ..
و راح يثير أحاسيس خولة التي تتأثر فورا بما قد يقال عن أختها ..
- و اذا معاقة .. الاعاقة هب عيب .. و هب ذنبها هالشي .. كل شي من رب العالمين .. خايفين يبتلون بها و يفرونـ ...........
قاطعته بحرارة ..
- لا .. لا .. انته ما تفهم .. فيه مشاكل استوت يوم عميه خذ أميه .. مشاكل واااايد عودة .. المشكلة في الوقت لي خذ فيه أمي .. و يابت ميعاد .. و توفت .. ما كان أبدا مناسب انه اييبها .. و الحين يوم كبرت .. هم خايفين على عيوزهم ..
- عيوزهم ما بها الا العافية .. و لا عليها شر .. بس هم ما يبون يتحملون المسؤولية .. تعرفين ليش ..؟؟ مرتاحين لن فيه خدامة موقفة حياتهاا عشان بنتهم ..
صرخت بمرارة ..
- أنا هب خدامة .. لا تقول هالرمسة يا عمر .. لا تخسس بنفعتيه لختيه ..
انفجر عمر في أذنها ..
- عيل شوه تسمين عمرج ..؟؟ اتعرفين هم ليش ما خلوها اتسير مصر ..؟؟ لنهم يعرفون انج ما بتسيرين بلاها .. ما يبون خدامة بنتهم اتروح .. و ترتغد اهناك .. ما يبونها عندهم .. بس ما يبونها تعيش حياتها .. ما يبون بنتهم .. فارينها عليج ..
سدت أذنها بيدها .. و هي تقول بثورة ..
- باااااااااااااس .. بسسسسسس .. خلااااص ماااريد أسمع شي ..
و أسقطت السماعة من يدها و هي تسد أذنيها بقوة .. عن وخزات عمر الخبيثة ..
كان صوته شيطانيا في تلك اللحظة ينخر روحها ..

* * * * *

- هوووووووووود ياااااااا حرييييييييييييم .. لي تتغشى .. تتغشى .. المعرس بيحدر ..
و هوى قلبها بثقلٍ بين قدميها ليتهشّم ..
الفزع .. هو ما تضج به عروقها ..
و يديها المرتجفتين على وشك اسقاط الورد الذي تحمله بينها ..
روحها الضئيلة ترتعش في حدود جسدها .. و هي تراقب جدّها الذي تجاوز باب المجلس الداخلي .. ليدلف للمكان ..
توقف أمام الباب ينظر البياض الذي انتصب على قدمين في أقصى المجلس أمامه .. يناقض السواد المنتثر حوله ..
التفت للخلف لحظة قبل أن يتقدّم و يده القويّة تمسك بيدٍ أخرى ..
هوى الدوار على رأس حور كالضربة و عينها تقع على ذاك الطول الفارع الذي ميّزته رغم الرؤية الضبابية ..
ترى الملامح السمراء الخشنة تتقدم منها ببطء ..
جدّها يرافقه .. و يتبعه نايف ..
و أعمامها الأربعة يدخلون دفعة واحدة ..
الوهن الذي تملّك أرجلها جعل الوقوف كفاحا حقيقيا .. و المسافة بينهما تتقلص ..
فيما صورة وجهه القاسي منذ لقائهما الأخير تغشى بصرها ..
أحكمت قبضتها الضعيفة على باقة الورد في يديها و كأنما تستمد تماسكها منها ..
و ببطءٍ وجدت أنه يقف أمامها مباشرة ..
عينيه القاسيتين تتعلقان بوجهها .. فيما ابتسامة ساخرة محتقرة تعلو شفتيه .. و بريق حاد بيرق في مآقيه .. ذكّرها بحسابٍ لم يصفى بعد ..!
شعور تملّكها فجأة .. بأنها قد ألقيت في هوّة سوداء ..
و ها هي تهوي ..
سقوط حر ..
لا شيء لتتشبث به .. و لا شيء قد يبطء سرعتها ..
مسافة الوصول للأرض تتضاءل ..
و حتمية الارتطام قادمة دون شك ..
لم يعد يملأ ذهنها سوى وجهه ذو الملامح السمراء الخشنة .. جسده الطويل يشرف عليها ..
و لا تستطيع هي تمالك رجفتها ..
هي شعرة تفصلها بين الوعي .. و اللاوعي ..
تكاد تنقطع ..
و هي تراه يرفع راحته الكبيرة ليريحها على رأسها ..
ما ان لامست قمّة رأسها حتى سرت النيران في جسدها تحرقها ..
تفحمها ..
و تذريها رمادا باهتا بين يديه ..
لترخي أهدابها ببطء .. مختبئة خلف ظلمات نفسها عن شفته التي راحت تتلو الدعاء ببطء ..
و برود دمعة مذلّة يقرص زاوية الجفن منها ..
المنافق ..
الحقير .. كم يجيد تأدية دوره ..!
.
.
.
.
(( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ))
يتمتم بالدعاء في همسٍ خافت ..
متجاهلا خافقه الذي راح يضج بعنف .. و راحته ترتاح على قمة رأسها المطرق ..
أهدابها تحتضن الخد الناعم بهدوء ..
وجهها المستدير الصافي ينبض ببساطة ساحرة ..
و ترتعش الباقة بين يديها بارتباك مطلق ..
صفاء تختلقه حولها بإتقانٍ أجادته ..
المخادعة .. كيف تجيد ارتعاشة الهدب هذه ..؟! و شفتها السفلى المضمومة بتوتر كاد يصدّقه ..
ماذا يفترض بأن يكون وجهها المتورد عليه ..؟ خجل ..؟ خوف ..؟
هه ..
أخفض يده الكبيرة ليقبض على ذقنها الصغير المرتجف بقوّة يتعمّدها ..
فتحت عينيها الواسعتين ببطء .. لتلتقي نظرته المحتقرة .. و ابتسامته المستهزئة ..
بريق الخوف الذي لمع في عينيها و هو يميل نحوها ببطء .. جعله يعتقد بأنه حقيقي ..
أ خائفة منه ..؟
عليها أن تخاف ان لم تكن كذلك ..
لأنه .. و ليساعده الرب .. يمسك زمام نفسه بجنون أمام براءة وجهها الكاذبة ..
لامس بشفتيه جبين الضياء الصافي ذاك ليختلس مرغما نفسين من عطرها تغلغلا في صدره الفسيح .. و هي تنتفض تحت يديه ..
ليرتفع خفقان قلبه كذلك دون سبب .. و هو يستشعر قربها لثانية .. قبل أن يفلتها فجأة و كأنما اشمئز من لمسها..
يستقيم في وقفته .. حين انحنى جدّها ليسلم عليها ..
و راح يراقب خلجات نفسها التي راحت تطفح على وجهها بوضوح ..
ألا يمكنهم اختصار كل هذا و السماح له بجرّها الآن و تلقينها درسا لتنسى كيفيّة تقمّص دفء الأحاسيس بهذه الطريقة ..؟
.
.
.
.
قسوة قبضته التي أمسكت بذقنها أنذرتها بالتهديد الدفين ..
حتى نعومة لمسته لم تخدعها ..
سرت ارتعاشة في جسدها .. و دوار يطيح بمشاعرها ..
الناس الموجودون حولها أصبحوا اوجه هلاميّة ..
و روحها تفرّ بعيدا عن الجسد الفارع المنتصب جوارها ..
حاولت أن لا تنظر اليه .. فلو فعلت لانهارت ..
و لو انهارت لعلم بمبلغ ضعفها ..
و ان علم .. فسيلتهمها دون رحمه ..
لن يتردد ثانية في تهشيمها حال أن يراها ضعيفة ..
ليس عليها أن تضعف أمامه الآن ..
ان كان لها أن تنكسر .. فلن يكون ذلك تحت ناظريه ..
ستندس خفية عن الأعين .. لتلعق جروحها بصبر ..
هول المواقف التي مرّت بها كانت أتعس من هذه ..
تحديها له .. مواجهته للمرة الأولى ..
زواجها منه ..
حتى ظروفها الأزليّة التي علّمتها قوّة الصبر .. و نحتت في داخلها تعاليم القوة الهادئة ..
موت أبيها .. و مواجهتها للحياة دون سند ..
ذاك كاد يقتلها يوما ..
لكنّها حيّة الآن .. لتتألم من شيءٍ آخر ..
ليس زواجها بهذا الانتهازي أشد وطأة من فقدها لأبيها ..
أبيها ..!!
وثبت نظراتها المتلهّفة تنبش الأوجه ..
تبحث عن انعكاسٍ لطيفه بينها ..
السواد الذي لفّ أخواتها و أمها ،، بحضور زوجها .. و أعمامها ..
الأجساد القويّة التي انتشرت أمامها ..
ترى عينيه في أحدها .. و لحيته في آخر .. و ابتسامته تواجهها هناك .. فيما يتسلل صوته القوي الحازم من هنا ..
لكن لا أثر لشقاءه ..!
رفعت عينيها لجدّها الذي أراح يده على كتفها ..
التقت عينيه العميقتين .. كان ينغمس في نظراتها علمت ذلك و هو يمعن في وسع مقلتيها المفزوعتين ..
و خلف سواد عينيه القويّتين .. و تقاسيم خشونة وجهه استطاعت أخيرا أن ترى جزءا آخر من أبيها ..
جزءا كان قد أذهلها منذ أول لقاءٍ لها به ..
قوّة حضوره ..
الجسد القوي الذي يقاوم تقدّم السنوات بكبر ..
عينيه الجافتان اللتان تضيقان عليها من الأعلى ..
و شموخ ذاك الأنف المتكبر ..
حتى التجاعيد ..و حكاية السر الذي يسكن صدره لدهور ..
ليسقط فريسة مكابرة فارغة .. ضيّعت سنواته ..
في تلك اللحظة لم يعد يهمّها أن هذا الرجل ساوم عليها .. و قد سمعته ..
لم تكترث للمشاعر الخبيثة التي انتشرت في صدرها .. تذكّرها بأنه أدار ظهره لأبيها ثم استغّلها ليجره نحوه من جديد ..
ابتلعت كل احساسٍ أسود كانت قد ادخرته لهذا العجوز .. و هي ترفع عينيها اليه بتوسّلٍ صامت ..
قبل أن تدفن بوجهها في صدره بحركة مفاجئة .. اهتز لها جسده .. بقوة ..
بدا مندهشا لبرهة .. عاجزا عن فعل أي شيء أمام تشبّثها المجنون به .. و أنفاسها تتهدج في حضنه ..
قبل أن يرفع ذراعيه ببساطة ليلفّها حولها بقوة .. و هو يحتضنها بشدّة ..
.
.
.
.
انفجر قلبه دفعة واحدة و هو يلتمس دفئها بين ذراعيه ..
هذا الإندفاع نحوه طرحه صريعا أمام زخم المشاعر الذي تفجّر فيه ..
ابنَة ابنِهِ .. الذي قضى سنواتٍ يبعده عنه .. حتى رحل إلى الأبد ..
روحها التي انشقت من صلبه ..
تعيدها الخطوات إليه ..
حاملة بين أضلعها شيئا من ذاك الحبيب الراحل ..
في تلك اللحظة فقط ..
شعر بأن حمد لا يزال هنا ..
حمد لم يمت ..
لا زال يبزغ كل فجرٍ في مآقي أبناءه ..
يشرق في ابتساماتهم الشقيّة ..
تعكس جدران البيت ضجيجه مع ارتداد أصواتهم ..
كل نفس يرتد في صدورهم يتنفسه حمد ..
قلوبهم الغضّة هي قطع حيّة منه ..
حمد في عيونهم ..
في أفواههم ..
في أكفهم المضجّرة بالأمل .. المترعة بالحب .. المخضّبة بالأحلام ..
أبناء حمد ..
أبناءه ..!
و اشتدت ذراعيه حول جسدها الضئيل يحتضن هالة من نور .. و هو يهمس بصوتٍ مثقل قرب رأسها ..
- الله يبارك لج يا بويه .. و يوفقج في حياتج .. الله الله بعمرج .. ما وصيج كانج محتايه شي و الا شياته .. لا يردج الا لسانج .. و لو ريلج غاثنج .. تعالي ليه ..
ارتعد قلبه أمام ردها الخافت .. الذي تسلل لأضلعه ..
- الله يطولي بعمرك يا بويه .. الله يخليك لنا ..
و سدّت العبرات المرّة حلقه و هو يرفع عينه يلتقط نظرة حفيدة الأكبر الجامدة ..
و يقول بحزم مرير ..
- ما وصيك ع الحور يا غيث .. حطها في عيونك .. و يا ويلك لو يتنيه اتشكى منك ..
أحنى غيث رأسه ببطء .. يخفي ابتسامته الساخرة و هو يكرر بصوتٍ غريب و لهجة ممطوطة ..
- في عيونيه ..
.
.
.
.
عمٌ تلو الآخر .. يبادلها السلام .. و عبارات التهنئة و التوصيات .. الغريب أن الجميع يوصيها على نفسها ..
لم يقل لها أحدهم .. اعتني بزوجكِ .. راقبيه .. احتويه .. أو شيئا من هذا ..
الجميع يطلب منها الحرص على نفسها .. و يحذر غيث من مضايقتها ..
و كأنهم يعلمون حقيقة هذا الحفل التعيس ..!
في غمرة أحاديثهم .. و دوامة الأوجه .. شعرت بغربة مخيفة ..
هؤلاء هم أهله ..
أعمامه الذي لم تعرفهم إلا من خمسة أشهر .. لكنه عاصرهم طوال حياته ..
هو ابنهم .. الذين يتفاخرون به .. هم من أنشئه ..
أما هي ..
فكانت غريبة بشكلٍ مر ..
ابنة حمد الذي مات و هو منفي عن العائلة ..
كان الأمر ممزقا بشكلٍ رهيب ..
برود يلف جسدها و هي تحاول تجميع شتات نفسها ..
و ...
- يا حريم .. أخوان العروس بيحدرون .. لي هب متغشية تتغشى ..
توقف خافقها عن النبض للحظة .. ترفع عينيها بعدم تصديق إلى الباب ..
أعمامها يبتعدون عن مجال الرؤية ببطء ..
نظراتها تثب ساعية لتلقي أول الأوجه التي ستقتحم الرؤية بعد قليل ..
ارتفع نبضها فجأة .. و سكينة غريبة تهبط عليها ..
أمام عينيها يبتعدن نساء العائلة من الباب ..
مع دخول الرجلين الطويلين ..
دفقٌ من الحب مازج الحنان الذي تفجّر به فؤادها .. وجدت أنها تبتسم رغما عنها لعبيد الذي يعدّل من وضع - الغترة - و العقال ..
و مايد الذي رفع رأسه يستقبل نظرتها المتلهّفة و يدها تمسك بالعصا الدقيقة بين أصابعه ..
يسلّمان بصوتٍ عالٍ و هما يقتربان منها ..
فيما ترصدهما نظراتها المحبّة الولهى ..
الفخر هو الذي اخترق روحها بصلابة .. ليتسّيد أحاسيسها في تلك اللحظة مع اقترابهم ..
إخوتها ..
انظروا اليهم ..
هؤلاء الرجال هم إخوتها .. سندٌ للظهر كانت قد غفلت عنه ..
رغما عنها تتقدم خطوتين لتتلقاهم ..
مع اتساع ابتسامة الاثنين ..
لم تتوقع أن يحضروا الى هنا أبدا ..
ظنت أنهم سينتظرون عودتها .. و سيكتفون بتهنئتهم التي تلقّتها أثناء زيارة الأمس ..
لكن أن يشاركوها ليلتها هذه ..
هذا ما لم تنتظره .. و قد فاجأها ..
مايد هو من التقاها أولا ليتلقفها بين ذراعيه في ضمّه خفيفة فيما تتشبث هي به .. قبل أن يطبع قبلة عميقة على رأسها ..
يقول بحب ..
- مبروك غناتيه .. ألف مبروك فديتج ..
لمعت عينيها بالدموع و هي ترفع رأسها له ..
- الله يبارك فيك يا الغالي .. الله يبارك في حياتك .. عقبالك ..
جرّها عبيد برقة من ذراعها يقول مازحا ..
- دوري عاد .. أوف .. منوه انتي .. وين حور أختي الخسفة ..؟؟
ضحكت وسط دموعها و هي تلكمه على صدره بعتاب .. قبل أن يضمها ضاحكا .. و يهمس قرب اذنها ..
- يخرب بيت المكياج كيف لعب بج .. بيتخبل رجل ناضج .. ههههههههههههههههههههههههه ..
احمر وجهه و هي تكتم ضحكتها ..
شعرت فجأة بأنها تحلّق ..
لم تعد تهتم لشيء .. لا لزوجها الجامد الواقف إلى جوارها .. و لا أحدا من الحضور ..
هذا ما كانت تحتاجه حقا ..
لمسة حقيقية حانية .. مختلفة ..
تعلمها بأن هناك من لا يزال خلف ظهرها .. يشد من أزرها في أحلك المواقف ..
ابتلت أهدابها ..
و هي تحتضن وجوههم بعمق الدموع الباسمة التي خضّبت مآقيها ..
يا الله ..!
كم تحبهم ..
لن يقدر غيث على تحطيم قلبها ما زال هناك خافق ينبض بوجودهم في حياتها ..
هذا اليقين الذي تملّكها .. و هي ترفع رأسها بشمم أمامه ..
تلتقط نظرته المحرقة .. دون أن تبالي بما ينتظرها ..

* * * * *

كان الإحتفال كريها .. و طويلا .. و مملا ..
هذا ما فكّرت به و هي ترمي نظرة ساخرة لانعكاس وجهها المصبوغ في المرآة ..
الفستان الذي اختارته روضة كان يحتضن جسدها برقّة كاذبة ..
فكّرت ساخرة بأن - حمدان - لو رأتها فلن تعرفها دون شك ..
بعد شهرين ستفقد ذوق روضة التي تتولى اختيار الملابس الملائمة لتنجح في عكس صورة مشرّفة لواجهة العائلة ..
عليها أن تجد شخصا لينوب عنها في هذه المهمة ..
هه .. ماذا عن زوجة حامد التي ستخلف غياب روضة بقدومها ..؟!
التوت شفتيها باستهزاءٍ مرير ..
و هي تنتزع سخافة الأساور التي التفت على معصمها و الجيد ..
كم تكره إحساس الليل هذا ..
صوت الضمير الذي يعلو إذا صمتت الأصوات الأخرى ..
ها هو أرق الليل قد بدأ ..
ينوح في داخلها معلنا ليلة طويلة ..
لن تجد لنوم سبيلا أثناءها..!

* * * * *

كانت الساعة تقارب الثالثة فجرا حين وصلت و اياه للفندق المنشود ..
منذ استقلّت سيارته الفارهة لم تنبس ببنت شفة ..
و لم يرتد في سيارته سوى صوت أنفاسه الساخنة ..
كان التماسك أمام أمها و أخوتها صراعا حقيقية .. رأت الوجع مرتسما على الأوجه رغم اصرارهم على أن لا يفسدوا ليلتها .. بوداع الدموع ..
الا أن ملامحهن كانت حطاما حقيقيا و هن يراقبن مضيّها ..
حتى مزنة التي تشبّثت بها باكية .. كسرت فؤادها ..
رغم ذلك لم تستطع ذرف الدموع التي كانت تقبضها بشدّة ..
لم تشأ أن تعلن انكسارها الليلة ..
لذلك ابتلعت حزنها الباذخ .. و خبّأته في أقاصي روحها ..
ستستعيده لاحقا لتفجّره .. لكن ليس تحت ناظري القسوة التي كانت ترصد خلجاتها بعناية ..!
لذلك التفت بعباءتها في صعوبة .. و هي تحشر انتفاخ فستانها في المقعد الأمامي ..
و رغم اتساع مقعد السيارة الفارهة ..
الا أنها تمنت لو وجدت الوقت لتبديل فستانها .. و الشعور بالراحة في الطريق الذي استغرق كل هذا الوقت ..
فالانقباض الذي لف قلبها طوال طريق .. و الثقل الذي راحت روحها ترزح تحتها ..
كان يخنقها دون أكوام الفستان الضخم ..
تمنت لو أنه ينطق بكلمة واحدة فقط .. كي تستعد قبل وصولهم للمنهج الذي ستتخذه في معاملته ..
لكن صمته المخيف كان هو سيّد الموقف منذ انطلاقهم حتى توقف السيارة أمام باب الفندق و ترجله منها دون أن يلقي نظرة واحدة لها .. و هي تحارب للخروج من المقعد ..
و جر فستانها معها ..
و المعاناة في محاولة فاشلة في اخفاء أطرافه ..!
تقدمت خلفه ببطء شديد .. تحاول مجاراة خطواته الواسعة .. و هو يتسلق السلّم نحو البوابة الزجاجية الضخمة للفندق .. و يقذف بمفتاحه نحو عامل البوابة الذي سارع لابعادها عن الطريق ..
جرّت قدميها .. لتقف على بعد خطواتٍ منه و هو يقف لثوانٍ أمام ركن الاستقبال .. يتحدث للموظف خلفه قبل أن يلتقط بطاقة حجزه بسرعة ..
و يتوجه نحو المصاعد في أقصى الردهة ..
فيما تلهث هي خلفه دون أن يلقي نظرة واحدة نحوها ..
صرت على أسنانها بغيظ شديد ..
و هي ترى تجاهله البارد لها و سعيها الحثيث للحاق به ..
و ظنت أنه قد يستقل المصعد دونها .. الا أنه مد قدمه على عتبة بابه يوقفه في انتظارها ..
كانت أنفاسها تتلاحق بجنون .. و هو تقف في المصعد الذي راح يرفعهم للأعلى طوابق عدّة ..
قبل أن يفتح أخيرا ..
تقدمها بسهولة كما فعل في الأسفل للتو ..
شعرت بكاحل ينبض ألما بفعل ارتفاع حذائها الشاهق ..
طالت المسافة قبل أن يتوقف أمام بابٍ مزدوج عريض .. أولج في ثقبه المستقيم بطاقة حرّكها للأسفل قبل أن تصدر تكة معلنة انفتاح الباب العريض .. ليدفعه بسهولة قبل أن يدلف متجاهلا وقوفها في الخارج ..
أيقنت أنه لن يبالي .. حتى و لو كانت لا تزال تتقافز وراءه محاولة اللحاق به ..
رفعت فستانها بثقل..
كان الإرهاق قد أوهن عزائمها بشكلٍ فضيع ..
لم تستطع أن تتبين ردة فعلٍ واحدة له .. تستطيع اتخاذ موقفٍ ثابت من خلالها ..
تحركت لتدخل الجناح الذي ستسكنه للاسبوعين القادمين ..
سطوع الإنارة المبهرة اخترق غطائها بقوة .. عاكسا التماع الجدران المذهّّبة بلون الشمس ..
و السقف العالي بثريّاته الضخمة المتدلّية ،،
الأثاث الفخم الثقيل .. بدا باذخا للغاية .. و ثقيلا على عينيها ..
الخشب المصقول البني ,, و المرتبات الوثيرة .. و الإكسسوارات المتوزعة ..
كانت الرؤية مزدحمة للغاية ..
تكاد عينيها لا تحتويان كل ما في صالون الجناح الفسيح .. و هي تحاول استيعاب زوايا المكان .. هناك باب واحد بخلاف الممر الذي انزوى بطريقٍ ملتوية لم تعلم إلى أين قد يقود ..
فيما تفرّعت جلسة دائرية حميمية عن الصالون الفاخر ..
و اتخذ أحد جدرانه الزجاج طابعا له .. و قد انسدلت عليه ثقل الستائر .. لتحجب الشرفة الضخمة الدائرية التي استطاعت تمييزها من مكانها ..
صفٌّ من الحقائق قد سبقهم ظهر اليوم .. كان يذكّرها بالراحة المنتظرة حال خلعها هذا الفستان ..
و ارتخت قدميها بوهنٍ كبير .. و هي تنشد الجلوس لترتاح قبل أن تنزع ثقل الفستان عنها ..
يقف هو أمامها مباشرة موليا اياها ظهره العريض .. و عيناه تجولان فيما حوله .. متفحصا المكان ..
الحقيقة أن لا شيء أثقل قلبها بالرعب كهدوءه القاتل هذا ..
لم يصب على مسامعها كلمة واحدة .. و هذا ما أخافها ..
كان هادئا .. متماسكا بشكلٍ مرعب ..
و لا تفصح قسوة ملامحه عن أي ردة فعل ..
سحبت نفسا عميقا و هي تتقدم للأمام متجاوزة طوله .. لتبلغ الباب المرتد امامها ..
ان استمرت في انتظاره فقد تبزغ الشمس و هو يقف بارتياح .. فيما قدميها تئنان من الألم الذي يلم بها اثر الوقفة الطويلة بهذا الكعب ..
حفيف فستانها الذي تجره على الأرض هو الصوت الوحيد الذي مزّق ستار الصمت القاتل ..
قبل أن تدفع الباب و تدخل الغرفة المضاءة ..
شعرت بأن الهواء الذي اندفع لرئتها دفعة واحدة يخنقها .. و صوت انغلاق الباب خلفها يعلمها بأنه ترك المكان ..
لم تعلم أعليها أن تشعر بالراحة أو ماذا ..
لكنّ ما كان يهمها الآن هو السعي للحريّة ..
عليها أن تجد قليلا من الراحة .. كي تستطيع مواجهة الأمور و التفكير قبل عودته .. علّقت عباءتها بعناية على الشماعة الحجريّة المركونة في أقصى الغرفة ..
و خلعت غطاء شعرها .. و غطاء الوجه الذي ارتخى على كتفيها ..
مدّت يدها لتحرر قدمها من رباط الحذاء الكريه ..
و رفعت فستان بقوة .. لتمشي حافية القدمين .. و تجر الحقيبة الصغيرة التي تضم أهم أشيائها التي ستحتاج هذه الليلة ..
استطاعت تحت أكوام الحرير و الدانتيل أن تجد البيجاما الحريرية الطويلة التي كانت قد خبّئتها .. و رفعتها بابتسامة نصرٍ .. و هي تفكر بأنها قد نجحت في تهريبها للحقيبة بعيدا عن عيني وديمة المنتقدتين ..
تحررت بسرعة من فستانها و استطاعت حشره في إحدى الخزائن ،، و تقدّمت من باب الحمام الذي كان ملحقا بالغرفة ..
وجدت صعوبة بالغة في ازالة المكياج الثقيل عن وجهها .. و شعرت بأن بشرتها المتيبسة قد لانت بعد أن مسحته تماما ..
بصبرٍ مميز .. راحت تنزع الدبابيس عن شعرها .. و هي تتنهد براحة .. كان رفض مثبت الشعر هو الحل الصائب .. فلو كان شعرها متيبسا الآن ..
لقضت وقتا طويلا في غسله مما يضيّع عليها الوقت بالتفكير ..
شعرها الداكن .. ينفلت بكثافة شيئا فشيئا .. ينشد الحريّة المطلقة ..
فيما يعمل ذهنها بجنون كالماكينة ..
أين هو ..؟ ما الذي يجب أن يعنيه تجاهله ..؟؟ أصمته ليس سوى تمهيدا لانفجارٍ قادم ..؟!
و ارتعدت أمام هذه الفكرة ..
تحركت تترك الحمام الواسع المترف .. متجاهله نداء حوض الاستحمام الضخم الذي راح يعدها بحمامٍ ساخن معطر يزيل أعباء هذا اليوم الطويل ..
ما ان فتحت باب الحمام حتى ارتفعت شهقتها المذعورة بعنف .. و هي تتراجع خطوة للخلف .. و يدها تثب لصدرها بجزع ..
كان يضع يديه على إطاري باب الحمام الجانبيين مستندا و رأسه يميل للأمام .. و كأنه قد قضى وقتا يرتقب خروجها ..
راح خافقها يتسارع بجنون .. فيما تنفلت الأنفاس بعيدا عن متناولها و هو يرفع عينيه ببطء عليها ..
نظراته تتسلقها .. من أخمص قدميها .. حتى قمّة الرأس ..
تتمهل عليها بنظرة متمعنة كسولة .. احمرّ وجهها لها ..
قبل أن تتمالك نفسها .. و هي تلف يدها لتجمع أطراف شعرها الثقيل إلى الخلف .. و تقول بقوة زائفة ..
- خوز شوي .. أبا أخطف ..
شدّت أناملها في قبضة واحدة .. و هي تشعر بأنه يراقب رجفتها .. قبل أن يتنحى قليلا بسخرية .. و هو يلوح بيده دون كلمة واحدة ..
رغم ضيق الفرجة إلا أنها لم تكن تنشد سوى الابتعاد عنه .. لذلك اخترقت المسافة كالصاروخ .. قبل أن تتنهد و هي تقف في وسط الغرفة بشيءٍ من الراحة .. استدارت للخلف لتجد أنه يتكئ على الجدار بظهره و يقف مائلا ..
يراقب تعابير وجهها .. و شفتيه تلتوي بقسوة ..
لم تستطع استيحاء شيءٍ من بروده و تصلّبه هذا ..
كان عليها أن تتصرف بسرعة .. و تتخذ تجاهله دافعا لما تريد ..
لذلك تقدّمت من السرير الفسيح الذي يترأس جدار الغرفة .. و قد امتلأ نصفه بوسائدٍ وثيرة مغرية ..
التقطت أحدها على عجل .. و قد تخلّت عن فكرة جر اللحاف الثقيل ..
تقدّمت و هي ترفع رأسها بتبجح و تقطع المسافة نحو الباب دون أن تنظر إليه ..
لكنّها توقفت على بعد خطواتٍ من الباب حين فرقع صوته الرجولي الغليظ في الصمت محدثا ضجيجا مفاجأ أرعبها ..
- وين ..؟
لم تلتفت له .. و هي تشد على الوسادة في حضنها لتستمد القوة منها ..
- بسير أرقد .. حدي تعبانة ..
أتاها صوته من حيث يقف .. بطيئا .. لاذعا ..
- ترقدين وين و الشبرية وراج ..؟
شعرت بأنها تحتاج أن تضع حدا واضحا .. ليفصل كل الأمور .. هذه التمثيلية السخيفة بلا معنى ..
و الحرب الصامتة بينهما لن تستمر للأبد ..
لذلك التفتت إليه ببطء .. و قد تصلّبت تعابير وجهها .. مع اصطدامها بشراسة عينيه ..
داهمها خاطر مرعب و هي تلتقي بنظراته ..
انها الآن معه هنا ..!
وحدها ..
سرت إرتعاشة على طول ظهرها .. و هي تستعيد تفاصيل ليلة لقائهما الأخير بضبابية ..
قبل أن تقول ببطءٍ يحجب توترها .. و يظهرها مظهر الواثقة ..
- لا تسويليه فيها معرس .. و مادري شوه .. انته تعرف شوه القصد من هالعرس كلّه .. أنا لي أباه خذته .. و الحين ابا اسير اريح عمريه ..
سؤاله التالي هبط ثقيلا كالحجر على روحها .. و عينيه تسترسلان على نعومة الحرير الذي احتضن جسدها ..
- و لــي أنـــا ابـــاه ..؟؟!
ارتجفت تحت وطأة نظرته ..
فيما راح الصراخ يدوي في جوفها ..
ما كنت تريده نلته أيها الانتهازي الوضيع ..
حطمت قلبي دون أن تكترث لتحصل على المال ..
لكن شيئا من تلك الفوضى لم يعلو ملامحها التي ارتدت الهدوء الكاذب .. و هي تدير ظهرها له .. لأنها ان نطقت الآن فسوف تنشر غبائها المحكم أمام نظراته المتشمّتة ..
و ستبكي ..
تقدّمت باصرار نحو الباب بغيّة ترك حجرة النوم التي بدأت تضيق الخناق عليها .. و توشك على كتم أنفاسها ..
لكن ما ان بلغت عتبة بابها .. حتى شعرت بقبضته القويّة التي التفت على ذراعها تجذبها للخلف بقوة .. و تديرها نحوه ..
وجهه الذي اسود بغضب راح ينذر بالشر .. ليرتعد قلبها خوفا .. فلم تقدر على منع ارتعاشة الفزع التي اعتلت جسدها ..
قبل أن تطوّق خصرها قوة ذراعه و هو يجرّها نحوه .. و يدفن أصابعه الطويلة في شعرها ليشدّه للأسفل بقوة .. يجبرها على رفع رأسها ..
انفلتت من شفتيها المطبقتين بقوة .. صرخة متألمة .. و شعرت بالدموع تندفع لمآقيها مع قوة شدّه لشعرها .. حتى شعرت بأنه على وشك اقتلاع فروة رأسها ..
أغمضت عينيها برعبٍ حقيقي .. تختبئ من نظرته المخيفة ..
و حاولت باستماتة الانفلات من قبضته المحكمة ..
لكن مقاومتها كانت بلا معنى أمام قوة رجولته ..
لم يستطع كبريائها منع دموعها الساخنة من الانزلاق .. و حرارة أنفاسه تلفح وجهها القريب ..
و صوته القوي يهمس في أذنها بوحشيّة مروّعة ..
- ليكون نسيتي انيه دافع فيج مليونين ..؟!

* * * * *

أحذية تبعثرت في المكان .. إحداهن قذفت عبائتها على ذراع الأريكة ..
و أخرى توسط غطاء رأسها السجادة العجمية الفاخرة .. تستلقي دانة على طول الأريكة الوثيرة في الردهة .. فيما تسند المها الجالسة على الأرض ظهرها إليها ..
نورة تجلس على الأريكة المقابلة بجلسة أشبه بالاستلقاء .. و قد رفعت قدميها على الطاولة التي وضع عليها ابريق عصيرٍ مثلّج .. بأكوابٍ زجاجية .. انتصف بعضها .. و البعض الآخر فارغ ..
عفرا تتربع على أريكة منفردة .. و هي تقدّم أطرف شعرها الطويل إلى حجرها و تتلاعب بها ..
كان الهدوء الذي أعقب صخب هذه الليلة الطويلة قاتلا .. ترك فارغا غريبا في أنفسهن ..
يتملكهن الارهاق .. و التعب .. رغم ذلك لازلن يجلسن في الردهة الخالية نصف المظلمة بفساتين العرس ..
صوت دانة المثقل يتردد ببطء .. يوهن أسماعهن .. و كل واحدةٍ منهن تسرح ببصرها نحو الفراغ ..
- كاااان ليااا فيوم حبييييييييب يا خسارة باعني .. بالغااالي اشتريتوو و بالرخيص باااعني .. و لااا انااا ندماااان علييييه .. و لاااا حبكي فيوووم عليييييه .. و انااااااااا .. و انااااااااااااااااااااااااااااااا ..
- مررررررض .. صميتي اذنيه انتي و هالصوت النشاز ..
قالتها نورة بتعب و هي لا تكاد ترفع ذقنها المطرق عن صدرها .. فيما تتجاهلها دانة .. و تصرخ بصوتٍ أشبه بمثقاب جدار ..
- أناااااا لااااا مسطوووول و لااااا بطوووح .. انااا جااااي أجاااامل و مروووح .. و أشووووف اللي باعني و سبني .. و خانني .. خلي ألبي .. بيتمطوح .. آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي .. سبااااااااااااالة عفرا ..
رفعت عفرا يدها و استوت في جلستها ببرود بعد أن قرصت قدم دانة لتسكتها ..
- تستحقين .. صدعتينا انتي و هالصوت ..
- بتقومين اتقرصين .. قسم بالله ما عندكم سالفة .. انا أستاهل لي أبا أطربكن في آخر الليل ..
رفعت نورة عينها باستماتة ..
- ارحمينا يرحم أبوج .. محد يبا طربج .. طيرتي السكن قبل الملائكة .. أعوذ بالله ..
نظرت لها دانة شزرا .. قبل أن تقول ..
- أقول نقطينا بسكوتج بس .. و صبيليه عصير .. ابا أبلل حنجرتيه الذهبيه .. نشفتها مواهبيه ..
نظرت نورة بعينٍ متعبة لإبريق العصير الزجاجي الذي بدا فجأة على بعد كيلومتراتٍ عدة .. حاولت تطويع اشاراتها العصبية كي تتحرك .. لكن النتيجة كانت نظرة كسلٍ فادحة .. ألقتها على العصير ببؤس .. و هي تقول ..
- تبين عصير صبي لعمرج .. أنا متعاااايزة ... ما روم أحرك صبوعيه ..
- حشى .. هذا و انتي فشبابج .. لو بيعيزين شوه بتقولين ..
- ما فيه أفكر حتى .. يوم بعيز بخبرج ..
صمتت دانة و هي تتنهد منصتة للهدوء حولها .. نظرت للمها .. و وجدتها تسند ذقنها لركبتيها و الشرود يجرّها بعيدا ..
عفرا بذات الفراغ في عينيها .. كانت تحدّق في الطاولة أمامها .. أما نورة فقد أرخت جفنيها ببطء .. قبل أن تهمس ..
- البيت هاااااااادي .. كانه صوت الموت ..
التفتت عفرا بعينين ضيقتين نحوها ..
- أعوذ بالله .. شوه هالتعبير لي شرا ويهج ..؟
زفرت دانة و هي ترفع عينيها للسقف ..
- صدقها البيت كانه خاااالي .. و مابه بشر ..
أسندت عفرا جبينها لقبضتيها .. و أغمضت عينيها بهدوءٍ قائلة ..
- لن حور محد ..
هزّت نورة رأسها موافقة .. و نبرة حزنٍ تنحفر في طيّات ملامحها ..
- لن حور راحت ..!
ابتلعت دانة غصّة تضخّمت في حلقها و هي تستوي جالسة .. ثم هبت واقفة و هي تشيح بوجهها ..
- الله يحفظها .. و يردها لنا سالمة .. و يوفقها في حياتها ..
رددن معا .. بخلاف المها الصامتة ..
- آمين ..
و أردفت نورة لظهر دانة ..
- وين بتسيرين ..؟؟ لو بتصيحين خلج هنيه .. بنسوي صياح جماعي ..
التفتت لها دانة بغرور ..
- لا صياحج انتي ينرفز .. و طبقتج غير عن طبقتيه .. أخاف اتخربين السمفونية لي بسويها .. أنا وحدة مييييييتة و هلكااااااااانه .. بسير أدور مخدتيه ..
انحنت بتعب لتلتقط غطاء شعرها .. و حذائها ذو الكعبين المرتفعتين في يدها .. ثم ترفع العباءة التي القيت على مسند الأريكة ..
- الحينه هاي عباة منوه ..؟؟ لحول .. غير ان عبينا كلها سادة .. مفصلينها نفس الخامة .. كيف بنفرق ..
ضحكت نورة ..
- بنخلي أمايا توسمها .. شرا ما كانت تسوي بكنادير المدرسة و الدلاااغاات ..
ضحكت دانة و هي تجر خطاها نحو السلم البعيد بقدمين حافيتين .. و تعود للأغنية المريعة التي كانت تغنيها للتو ..
- آآآآآه يمااااا آآآآآآآآه .. و آآآآآآآآآآه ياااابااااااا .. دي عييييييييييلة واااطية و نصاااابة ..

* * * * *

على الأرضيّة المتجمّدة للحمام .. جلست تضم ركبتيها لصدرها .. و تدفن رأسها بينهما ..
قبضتها تمسك صدر قميص البيجاما الحريرية بقوة ..
و هي تسند ظهرها للباب الذي أوصدته بإحكام ..
الإنكسار الذي كابرته طوال الإحتفال بعثرها الآن قطعا على الأرض ..
كل دمعة ادّخرتها تفجّرت من عينيها المحتقنتين .. و هي لا تسيطر على شهقاتها المرتفعة التي راحت تهز جسدها الضئيل بقوّة ..
كانت ترتجف .. و كل ذرّة في جسدها تنوح ممزقة ..
روحها أصبحت أشلاءً الآن .. فيما انشطر قلبها بقسوة ..
ذاك الألم الذي أحرقها . .راح يتصاعد في جوفها ..
يخنقها ..
و هي تنشج بقوة .. غير مكترثة ان كان سيسمع بكاءها أو لا ..
لن يكون الأمر أكثر إذلالا مما حدث ..
تصاعد الوجع فجأة مع ذكرى ما حدث لتطلق آه معذّبة مع انسكاب المزيد من الدموع ..
تخنقها شهقاتها المتعاقبة ..
داهمها شعور بأنها رخيصة .. رخيصة ..
اختنقت بهذه الكلمة ..
و هي تضم قبضتها لصدرها بقوة .. و تطلق ونينا متقطّعا من أعماقها ..
استطاع أن يحطّمها بسهولة .. أن يذلّها بشكلٍ لا يوصف ..
استطاع أن يهشّم ما تبقى من حبّها البريء له ..
و كرهته في تلك اللحظة ..
شعرت بقلبها يحتقن بكل حقد العالم .. و كراهيته ..
لمَ كان عليه أن يمزّقها هكذا ..
لمَ راح ينتزع مشاعرها الطيّبة شيئا فشيئا ..
ليتركها خاوية ..؟!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
صدره الأسمر القوي راح يرتفع و يهبط في تنفّس حاد يفضح ضيقه الشديد ..
تغلغل شعره الكث بأصابعه الطويلة و هو يعيده للوراء .. قبل أن يبعد عنه لحاف السرير المشعّث و يهب من مكانه باختناق ..
وضع يديه على خاصرته و هو يرفع رأسه للسقف لثانية يسحب نفسا عميقا و هو يغمض عينيه بقوّة ..
تقدّم ناحية باب الحمام المغلق ..
و اقترب منه بهدوء ..
يتوقّف أمامه منصتا .. لتبلغ مسامعه بعد هينهه صوت الشهقات الخافتة المعذّبة ..
شعرها بها تخترق صدره كالنصل لتمزّقه بقوّة ..
و صر على أسنانه بشدّة .. و هو يرخي ناظريه للأرض مع تهدّج بكاءها المسموع ..
رفع يده ليقرع الباب طالبا منها أن تفتحه ..
لكنّها تجمّدت في الهواء قبل أن تلامس الخشب .. و هو يشيح بوجهه عنها ..
هذا ما كانت تستحقّه .. و سترى أكثر ..
ان كانت تظن أن هذا مُحطَّما .. فهي لم ترى شيئا بعد ..
سيذيقها مر الذل الحقيقي .. و يعلّمها أن لا أحد قد يتلاعب به ..
وخزه الوجع مرة أخرى مع ارتفاع شهقة من داخل الحمام ..
واحدة اخترقت مسامعه و قلبه كالسّهم ..
شعر بالإختناق .. و هو يتحرّك مبتعدا عن الباب الذي اشتهى تحطيمه ليحتويها بين ذراعيه و يعتذر ..
ترك الغرفة متوجّها نحو الشرفة .. ليفتحها .. و يخرج نحو ليل الصيف الدافئ ..
كان الهواء يلفح ظهره العريض العاري .. الذي أولاه للشارع في الأسفل .. و رفع رأسه يجر أنفاسه باستماتة .. و يزفر ..
مقاوما ذاك اللهيب الذي راح يتّقد في جوفه ..
الغريب أنه لم يشعر بلذّة الإنتقام ..
شعر بأنه قد آذى روحه قبل أن يؤذيها ..
كان هذا الشعور اللعين كريها ..
كريها بحق ..!

* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 20-07-08, 03:22 AM   المشاركة رقم: 424
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 49281
المشاركات: 4,013
الجنس أنثى
معدل التقييم: بندقة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بندقة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

خخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ
اخييييييييييييييييييييييييييييير ا يا زوزو
و خلاص بكرة و لا الي بعدة تلاقين ردي يا قلبي
و بعدين و راى ما جيتي لمقلط يا حلوة

 
 

 

عرض البوم صور بندقة  
قديم 20-07-08, 04:53 AM   المشاركة رقم: 425
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2006
العضوية: 17013
المشاركات: 20
الجنس أنثى
معدل التقييم: soso2006 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
soso2006 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

خطوة رائعة جميلة ابداع
بين كبرياء رجل وشموخ امراءة
غيث وحور

سيتساقط الجليد بمرورالايام بين هذين القطبين


عفراء وحامد بداية قصة احترام فحب

دانة والمها ونوره بحق اخوات يفخر بهن

عمر وخولة يحفرون قبورهم من الان
احمد وهزاع صداقة لا تدمرها الايام وابناء عم

 
 

 

عرض البوم صور soso2006  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 11:19 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية