لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-04-08, 11:31 AM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

dew مرحباا ملااااييييييييييين واهلاا وسهلاا بكاتبتناا المبدعه..

والله الحين فعلاا بديت احس ان القصه صاار لها جمهوور.. صدقيني dew مااراح تندمين لانتس تاابعتيهاا ولاا 1%

وانتي الحين في العلالي عند زارا.. لانتس وحده تقدر الاموور . وخصووصاا بالاشخااص اللي تمت مصاادرتهم.. ومنهم غيثااااااني.خخخخ

dew اشكر لتس مررورتس.. واتمنى المرره الجاايه يكوون فيه رد مفصل..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 18-04-08, 11:35 AM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

TOPAZ مرحباا والله ..وحيااتس ربي هنااا في الخطواات وفي القسم كله..
TOPAZ راائعه كلمتس فللصمت مع الجماال معنى اخر...
حيااتس الله بس فعلاا فعلاا.. اتمنى ان المقووله تتغير..خخخ

استنااتس برد تفصيلي..
شكراا لمروورتس الهاادي.. اللي اتمنى يكوون المره الجاايه اكثر ضخباا..خخخ

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 18-04-08, 11:39 AM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة الخامســــــــــــــــــــة ◄


║خطوات تغفو ،،║


صوت محرك السيارة المزوّد كان يعلو على ضحكته المجنونة و يصيح بابن عمه الواقف بعيدا عن الباحة الخلفية الخالية ،، التي يفترض بأنها خاصة بالإسطبلات القديمة ،،
- هاااا بو سلطااااان ..
أشار هزاع بيده في حركة دائرية للأعلى متحمسا ..
- عيدهاااا .. عيدهاااا ...........
مرة الأخرى ينطلق صوت المحرك المزعج مختلطا بصرير الإطارات الفظ ،، و أحمد يدير السيارة في حركات استعراضية مجنونة ..
يضحك هزاع بنشوة و هو يصفق تارة و يطلق الصفير تارة أخرى ،، أطلقت الإطارات صريرا عاليا كالصراخ بعد توقفها أخيرا ،، ليركنها أحمد في الموقف البعيد قبل أن يترجل صافقا بابها و هو يحث الخطى نحو هزاع بحماس .. عاد هزاع يصفق له بحرارة و هو يراه مقبلا نحوه ..
- وووووووووووووووووو .. عاااااش بو شهاب .. يا ريال لو تدخل الموتر هذا السباق و الله ليحطمهم ..
وصل إليه أحمد بخطوات سريعة ليضع هزاع ذراعه على كتقه و هما يتوجهان للجانب الآخر من المزرعة الضخمة .. كان أحمد يلهث من الحماس ..
- أخخخ يا بو شهاب لو طايح عليه قبل الريس لي طاف كانيه لول الحين و كاتبين عنيه بدالك ..
قهقه هزاع بقوة و هو يشد على كتفه متبجحا ..
- أونه بدالك .. أقول ابويه خلهم يدخلونك السباق أول .. ناسي إنك احتياطي ..
لكزه أحمد بضيق في خاصرته ..
- و انا هب قاهرنيه غير الاحتياطي .. لو يخلونيه أسابق مرة بس .. بيحلفون عليّه ان محد يسابق عنهم غيري ..
- هههههههه انزين يوم بيخلونك تسابق .. يصير خير .. عاد هذاك اليوم أنا بنسحب و بعتزل .. ما روم لك ،،
رفع أحمد حاجبا و هو ينظر له شزرا ..
- تطنز هاا ..
ضحك هزاع بقوة ..
- شرايك بعد .. أكيد أطنز .. ياخي خلاص .. انته ما يأست .. انته ما عندك أي فرصة دامنيه موجود ع الساحة ..
دفعه أحمد و هو يخفي ابتسامة و ينظر لهزاع الذي نفخ صدره متظاهرا بالفخر ...
- خقيت أشوف يا هزاع .. ناسي ان أول من علمك التقحيص عمك أحمد ..
أشار لصدره بقوة .. ابتسم هزاع ..
- حشى ما نسيت انيه التلميذ لي غلب معلمه ..
هز أحمد كتفيه بخفة ..
- أقول يا خي غير اسالفة .. أشوفك تسدح الاهانات واحدة ورا الثانية ..
الابتسامة لا تفارق شفتي هزاع ..
- نغيرها .. ما خبرتك .. مصبح اتصلبيه ..
- شوماخر ..؟؟
- هيه ..
- قاص على عمره ..
- أدري .. ما نشدتنيه شوه يبابي ..
نظر له أحمد بفضول
- شوه يبا بك ..
رفع هزاع بصره لأعلى ..
- اممم .. يبانيه أودر كنجز و أحول لا تهاب و ياهم يا ريال ..
لمعت عينا أحمد ..
- في ذمتك ؟؟؟
هز رأسه بثقة ..
- هيه .. شرايك ..؟؟
نظر له أحمد بشك ..
- بتخلي كنجز ؟؟
هز هزاع كتفيه ..
- ليش لا ..؟؟
اتسعت عينا أحمد ..
- هــزاع ..!!
ابتسم هزاع مطمئنا ..
- لا تخاف .. ذليته شوي .. خلاف كنسلت السالفة ..
لكمه أحمد في كتفه و سيارة هزاع تلوح أمامهما بجانب البوابة الحديدية العملاقة ..
- و ليش ما قلت لا من البداية ..؟؟
ضحك هزاع ..
- لقيتاا فرصة ألعب بأعصابه شوي .. تعرفينيه ما أدانيه هالريال .. و تعرف إنهم بعد ما يحبونيه .. بس هالحركة منهم وراها شي ..!
فتح باب السائق ليستقل السيارة الفاخرة و يجلس أحمد بجانبه ..
- حد يدري اننا يايين هنيه ..؟؟
هز هزاع رأسه نفيا ..
- قلت لسيف إننا مواعدين شباب .. ليكون حامد يدري .. عادي يخبر غيث خوك ..!
- لا لا .. مايدري ... الحين خلنا نسير البيت العود سيده .. أبوية قال بيتعشون هناك الليلة ..
أدار هزاع المحرك و انطلق بسرعة جنونية مخلفا وراءه سحابة ضخمة من الغبار ..
.
.
و سرا .. لا يعلمان متى قد يُكشف النقاب عنه ..!!

* * * * *


كانت الشمس تميل للرقاد على حدود السماء الغربية ..
أشعتها الواهية تتسلل باستماتة لتصل إلى تلك الصالة الصغيرة ،،
يضحكن بصوتٍ عالٍ و الأولى تصفق يد الثانية بمرح .. فيما تنظر الاثنتين إليهن بحقد .. زفرت هي بضيق ..
- مالت عاليكن .. ما شي يضحك ..
و لكنهن استمررن بالضحك دون مبالاة .. عقدت الأخرى جبينها ..
- يا الله عااد .. عيدن التوزيع .. دورج فطوم ..
توقفت فاطمة عن الضحك .. و هي تنظر لنورة التي لا زالت تضحك ..
- لا هب دوري ..!! دور حور ..
لا زالت حور تنظر لهن بغيظ ..
- عفاري منوه وزع قبلج ..؟؟
أجابت عفرا بسرعة ..
- انتي ..
رفعت حور حاجبها ..
- يا الله فاطمة خانوو .. وزعي حبيبتي ..
أمسكت فاطمة بالأوراق ترتبها بسرعة و هي تبتسم لسخرية نورة ..
- متأكدات ما بتنسحبن .. عنبووووه .. غسلناكن غسال ههههه ,, طالعي ويه حور كيف غادي من القهر ..
نفخت حور مجددا ..
- جب ..
نظرت لها فاطمة بضحكة مكتومة ..
- تيكت ايزي حواري .. ليش زعلانه .. هاي هند .. ربح و خسارة ..
عقدت عفرا جبينها و هي تنظر لهن بتشكيك ..
- و الله انكن تغشن أنا متأكدة .. و الا من يلسنا و انتن تربحن ..
فاطمة توزع الأوراق بسرعة ..
- مس ناقة .. ان بعض الظن اثم .. عيب هالرمسة .. نحن لعبنا لعب شريف .. صح نوري..؟؟
لا زال الضيق من الخسارة ينفث من حور ..
- وزعي و انتي ساكته ..
ضحكت فاطمة بأريحية ..
- ههههه .. حور بلاج محترقة ..
لوحت بيدها بانزعاج ،،
- ما يخصج .. افففف .. وينها هاي دانوووه .. حشى هب نسكافيه .. ذبيحه .. - رفعت صوتها ليصل للمطبخ القريب - دااندااااان ..
أتاها الرد الفوري من المطبخ و صوت دانة يصيح بعصبية ..
- دندن فعينج .. و الله ما ييب النسكافيه ..
اتسعت عينا عفرا بارتياع ..
- حوووه حور .. شوه دندن انتي بعد .. آخر هالمذلة ما بتييب شي ..
عقدت جبينها و هي تجيب ،،
- هب ع كيفها بتييب .. - صاحت بقوة في وجه فاطمة - ايييييه انتي وياها .. شفتكن ..شفتكن .. رديها .. ردي الورقة ..
رمت نورة أوراقها مع رؤيتها لدانة تحمل صحنا صفت عليه أكواب القهوة و صحن بسكويت .. و هبت واقفة لتجلس بجانب المها التي كانت تجلس بهدوء لا تنصت لضجيجهن .. و كتاب ضخم استقر بين يديها ..
صاحت فاطمة بها ..
- بلاج شردتي .. دانة ما تبى تلعب ..!
لوحت بيدها و هي تلتقط كوبا من الصحن الذي وضع أمامها ..
- يختي ملينا .. خلاص بنات يسدنا لعب خلنا نسولف ..
رحن يلتقطن أكواب القهوة على التوالي .. و سألت فاطمة بفضول ..
- وين نايف و مزوون و هندووه .. مالهم شوف اليوم ..
أجابتها عفرا و هي تقضم قطعة بسكويت ..
- ساروا ويا أمايا أبويه موديهم قدا خالوووه ..
ضحكت فاطمة و هي تقول بمكر ..
- و أنا أقول لعب ورقة في الصالة و أصواتكن شاله البقعة ..
سألتها دانة و هي تضيّق عينيها على عنوان الكتاب الذي بين يدي أختها ..
- أقول فطوم .. من وين تييبين هالكتب ..
- من عند عمتيه .. هي مديرة مدرسة و وايد تحب تقرا .. و الكتب لي ما تباها أنا يبتها للمها عسب تقرا فيها و تتثقف اروحها ..
رفعت حور حاجبا و هي تقول بتشكيك ..
- الصراحة أنا أخاف على ختيه .. تخيلي تكون لعمتج هاي معتقدات غريبة و تقرأ فيها و انتي تفرين كتبها ع المها و تلوثين تفكيرها ..
- ههههههه .. جب زين .. معتقدات أونه .. عفاري متى حفلة التخرج ..؟؟؟
نظرت عفرا للأعلى مفكرة ..
- آمممم .. ثلاث أسابيع تقريبا ..
قالت حور بحماس ..
- يبالنا نسوي بروفا للميك أب قبل الحفلة ..
سألت فاطمة ..
- منوه لي بيعدلها ..
أجابت دانة بسرعة ..
- حور ..
نظرت لها نورة باستفسار ..
- فطوم متى بتداومين في التوطين ؟؟
- شهر 9 ان شا الله .. أنا و حور لو غيرت رايها ..
و نظرت لها بأمل .. لكن حور هزت رأسها رفضا ..
- انتي ما تيأسين ..
.
.
تجاذبهن لأطراف توافه الأمور في الحديث ..
و تلك المزاحات الخفيفة ..
و هدوء تلك الجلسة الخالية من التعقيد ..
.
.
بساطة في الذاكرة لن تزول ..!

* * * * *

يشعر بالتوتر الشديد و ذاك يسلط نظرته المتمعنة عليه .. كانا قد اتخذا زاوية في المكان يجلسان فيها .. فيما انخرط الجميع في الأحاديث متفرقين في وسع مجلس بيت الجد الكبير ،، قال بصوت هادئ يخالف ما يعتمر داخله ..
- و الله يا غيث .. أنا قلت أرمسك أول تشاورها .. قبل لا أخبر أبويه .. و يخبر أبوك ،، لو هي ما تبانيه نبند الموضوع بهدوء .. و لا تستوي امبينا حساسيات .. تعرف انه لو ابويه و عمي اتفقوا ما بيردون الشور لنا ..
توقف عن الحديث بعد أن شعر بانه أطال التبرير .. لا يزال غيث ينظر له بتلك النظرة الثاقبة .. شيء يزعزع هدوء النفس حين تكون في حضرة شخصية بقوة شخصيته ..و حدتها .. لن يعلم قط ما الذي يدور في ذهنه .. سرعان ما انفرجت عن شفتيه ابتسامة هادئة و هو يربت على كتفه بهدوء ،،
- خلاص يا سيف .. فالك طيب .. ازهل السالفة .. أنا بشاورها و برد عليك ،، روضة ما بتلقى أحسن عنك ..
كاد يتهاوى تحت تلك الراحة التي سرت في عروقه و هو يرى الرضا يشع في عينيه .. كان يجد الأمر صعبا عليه حقيقةً ،، فهو رغم ثقته الكبيرة بنفسه .. و طبعه الهادئ الذي يجعله دائما مسيطرا على نفسه .. إلا أن التوتر يتملكه كلما فكّر بهذا الموضوع الذي أخذ يؤرقه ..
ماذا لو أنها أجابت بالرفض ..؟؟ تنهد بقوة نافثا تلك الأفكار مع أنفاسه .. ليس له سوى الصبر ،،
سيأتي أخاها قريبا باليقين ..
.
.
بدا الشرود على وجهه ..و هو يتخلخل لحيته الوقور بأصابعه .. ابتسم هو في نفسه.. مر وقت طويل لم يرى سيف بهذا التوتر .. رغم أنه يصغره بستة سنوات .. إلا أنه كان الأقرب لغيث من أبناء عمّه .. دفء غريب يشع في عروقه كلما وجد نفسه جالسا معه .. شيء من السكينة يغرق روحه و هو يستمع لصوته الهادئ الرتيب الذي لا يحمل إلا الصدق ،، كان سعيدا باختياره لروضه .. لن تجد روضة أفضل منه ..
تمنى بصدق و هو يرى جبين سيف ينعقد بتفكير .. أن توافق روضة بهدوء ..
.
.
لأنها إن لم تفعل سيجبرها على ذلك ..!

* * * * *

حين انبلج ضوء ذاك الفجر الجديد ..
بدا كعادته .. مشعا .. مفعما بالأمل ..
و لكنه كان يحمل في طياته شيئا مختلفا أيضا ..!
.
.
.
.
.
صفقت باب السيارة بمجرد أن استقلتها .. لتلتفت إلى جوارها و هي تقول بكسل ..
- هاي ..
لم ترفع روضة رأسها عن الأوراق التي بيدها ..
- أهلين ..
انطلق السائق فورا نحو الجامعة و روضة تأمره بصوتها الناعم ..
- حطونيه في الجامعة أول ..
سألتها أختها بصوتها الخشن ..
- ع شوه مستعيلة ..
تقلب روضة الأوراق ..
- عنديه امتحان .. أبا أوصل بدري ..
لكزت شيخة الخادمة التي استقرت في المقعد الأول بيدها ..
- صحيبه .. هاتي كلينكس ..
تناولها الخادمة علبة المحارم .. و هي تسأل بسخرية ..
- وينها بنت عمج مالها شوف هالايام .. أحيدها ما تفارق بيتنا وبيت يدي ..
رفعت روضة بصرها بعتب ..
- وداها عمي عند خالتااا ..
- أحسن ..
هزت روضة رأسها بعدم رضا ..
- مادري بلاج عليها .. و هب حلوة حركاتج يوم تيلسين تتحرشين ابها ..هاي أكبر عنا ..
شخرت شيخة باستهزاء ..
- هيه بس عقل ما شي ..و الا عايبتنج حركاتاا يوم تلاحق غيث ..
رفعت حور حور حاجبها ..
- شوه بتحامين عن غيث ..؟؟
لوحت أختها بيدها و هي تلوي فمها ..
- هه .. ما يحتاي .. يعرف كيف يتصرف ويا هالأشكال ..
نظرت لها روضة بحزم ..
- خلاص عيل لا تدخلين ..
نفخت شيخة بقهر .. لا تريد أن تتشاجر مع روضة في بداية هذا اليوم .. لذلك قالت بضيق ..
- الحق ما تبين تسمعينه ..! عوشوه ما قامت تحشم حد .. عنبوه تتلصق في الريال عيني عينك ..
صفقت روضة بيدها على الأوراق ..
- شيخاني .. سدي السالفة بليز .. هب فاضية عسب أناقشج .. هي حرة تسوي لي تباه أبوها و موجود .. شوه تبين تربينها انتي ..؟؟ طبيها .. تأكليناا لحمها ع الصبح ..
لوحت شيخة بيدها بحركة لا مبالاة عصبية .. و هي تنظر عبر النافذة للخارج ..
الحقيقة أنها لا تدرك سبب مقتها الشديد لقريبتها هذه ..! أ لأنها دوما تسخر منها ..؟
من لباسها و طريقة حديثها .. و تصرفاتها .. لا تحب أن تسخر منها رغم أنها لا تبالي بها ..
ففراغ رأس تلك الدمية الملونة .. لن ينم عنه سوى تفاهات تُعرف بها ..
.
.
ارتفع صوت هاتف روضة المتحرك يشق سكون السيارة .. التفتت لها بتلقائية لتراها تنظر لشاشته بجبين معقود .. رفعت عينها لشيخة و هي تهمس ..
- غيث .....!!

* * * * *

لم يكن يفصل بينهن و بين فرصة الغداء إلا بضع دقائق .. شعرت بها تلكزها في خاصرتها بالقلم .. فهمست بجبين معقود ..
- آآآآي .. عورتينيه يا الدفشة ..!!
أشارت صديقتها للأمام .. لتنظر هي أيضا فتقع عينها بعين المعلمة التي نظرت لها بعتب .. و هي ترفع صوتها ..
- نورة .. انتبهي ويانا ..
شعرت بوجهها يحمر .. هذه هي المرة الرابعة تقريبا التي تجدها المعلمة شاردة الذهن في هذه الحصة ،، المشكلة أنها تجد هذه المادة مملة جدا .. التقطت قلما تتظاهر بتتبع الدرس معهم على الكتاب .. رفعت عينها لتجد منى تكتم ضحكتها و هي تهمس ..
- هاا .. ارتفعت و الا نزلت ؟؟
عقدت جبينها بعدم فهم ..
- شوه هي ..؟؟
انفرجت شفتيها عن ابتسامة و هي تخفض رأسها كي لا تراها المعلمة و هي تتحدث ..
- أسهم شركاتج لي تفكرين بها ..
ابتسمت نورة بهدوء ما عندج سالفة .. انتـ ...
بترت عبارتها مع وقوع ورقة صفراء صغيرة على طاولتها .. التقطتها بسرعة و هي ترى أحد صديقاتها في الطرف الأقصى تشير بيدها ..
فتحتها لتلتهم الكلمات بسرعة قبل أن تهمس ..
- شما تقول تسأل لو بنحضر التخرج .. عسب تييب لنا بطايق الدخول ..
نظرت منى للأعلى مفكرة و هي تسأل بخفوت ..
- انتي بتحضرين ..؟؟
صمتت نورة لبرهة و هي تفكر ساخرة بأنها لن تجد شيئا لائقا لترتديه رغم أنه حفل تخرج شقيقتها أيضا .. لكنها فضلت قضاء ذاك اليوم في النوم .. قالت بحزم ..
- لا ما بحضر ..
بدا الإحباط فورا على وجه صديقتها و هي تقول ..
- مالت عليج عيل أنا بعد ما بحضر ..
ابتسمت نورة و عينها لا تفارق خطوات المعلمة تخشى أن تراها و هي تتحدث .. راحت تخط الرد بالنفي في نفس الورقة الصفراء لتعطيها الفتاة التي أمامها .. ليتناقلن الورقة .. ألقت نظرة على ساعة الحائط .. لازالت تفصلهم دقائق عن انتهاء الحصة ،، تنهدت و هي تسند فكّها بضجر .. تدريجيا بدأت تغرق مجددا في التفكير ،، ابتعدت كثيرا عن هذه البقعة من الأرض قبل أن تشعر بمنى تلكزها مجددا .. انتفضت و نظرت بارتياع للمعلمة .. هل انتبهت لشرودها مجددا .. و لكنها كانت تدير لها ظهرها و هي تكتب على السبورة .. نظرت لمنى بغيظ ..
- هاااا ..؟؟؟؟!
كانت منى تكتم ضحكة و هي تهمش مشيرة للباب ..
- شوفي الاستهبال بس ..
نظرت للباب .. لترى عبر نافذته فتاة قامت بوضع قناع مطاطي لوجه بشع .. بدا شكلها مضحكا و هي تلصق وجهها بزجاج نافذة الباب ..و تبعده مرة أخرى .. لحظات و نورة مبتسمة لهذا المنظر و الفتاة مستمرة في حركاتها ثم فجأة اصطدم وجهها بالزجاج .. إذ يبدو أن أحدا ما قام بدفعه إلى الأمام على غفلة .. انفجرت نورة و منى و بضع فتيات أخريات كن يراقبن الأمر بابتسامة .. لتلتفت المعلمة مع هروب فتاة القناع .. و هي تقول بضيق ..
- خير .. يالسة أنكت أنا ..؟؟
التزمن الفتيات الصمت باستثناء نورة التي لم تستوعب سوى منظر الفتاة و رأسها يدفع ليلتصق بالنافذة .. كانت تضحك بأريحية غير منتبه لوجود المدرسة التي ركزت الملعمة نظرها عليها ..
- هههههههههههههههههههههههههههههههه ..
قرصتها منى بخوف ..
- نورووه .. بس المعلمة تطالعج ..
رفعت نورة عينها بسرعة و هي تخنق الضحكة باستماتة .. كانت المعلمة تقترب من مقعدها و هي تعقد ذراعيها و نظرة صارمة تعلو وجهها الحاد ..
- هاا نورة .. ضحكينا وياج ..؟؟؟
التفتن الطالبات إلى نورة التي وقفت في مكانها ينتظرن الإجابة .. شعرت نورة بإحراج شديد و هي تكذب قائلة ..
- ما شي معلمة .. بس تذكرت سالفة و ضحكتنيه ..
كان صوت المعلمة قاسيا ..
- لا و الله .. و هالسالفة ما تذكرتيها الا فحصتيه ..؟؟ ما تعرفين ان الضحك من دون سبب .. قلة أدب ..
قالت نورة بلهجة مرتدة قوية ..
- أنا هب قليلة أدب ..
وضعت المعلمة يدها على الطاولة و هي تقرب وجهها من نورة بلهجة قاسية ..
- عيل لا تضحكين من دون سبب .. و انتبهي .. الغدا لاحقة عليه و ع التفكير فيه ..
وجدت نورة تعليقها سخيفا مع بضع ضحكات انطلقت في أرجاء الفصل .. أشاحت بوجهها و هي ترفع أنفها بشموخ .. عادت المعلمة لمكانها و نورة تجلس مجددا .. لم تكد المعلمة تبدأ بمواصلة درسها الممل حتى ارتفع الجرس خارج الممر معلنا انتهاء الحصة .. ابتسمت نورة ابتسامة كبيرة و كأنما أفرج عنها .. راحت المعلمة تجمع أغراضها و هي تنظر لارتياح نورة شزرا ..
- الشيخة نورة المرة الياية لو بتسترجعين ذكرياتج استرجعيها برا .. ما فيه داعي تضيعين على غيرج الحصة ..
التزمت نورة الصمت و هي تنظر لها بغل ،، قالت بحقد لمنى و هي تراقب المعلمة تخرج من الصف ..
- عنبوه ما ترزا هالضحكة ..
ضحكت منى و هي تدس كتبها في درج الطاولة ..
- لا انتي ما تسمعين ضحكتج كيف لنج متعودة .. ضحكتج بروحها نكته .. ما تشوفين البنات يضحكن كل ما ضحكتي حتى لو ما يعرفن السالفة ...
هبت نورة واقفة و خرجت من الفصل ترافقها منى .. ما أن وصلت عند الحمامات الواقعة في أقصى الممر .. و دخلتها حتى ظهر فجأة ذاك الوجه المريع .. لتجفل خائفة .. رأته منذ لحظات و لكنه بدا مروعا عن قرب .. ضحكت منى على منظرها و هي مذعورة .. و أزالت الفتاة القناع ليطالعها ذاك الوجه من خلف فتشهق بغيظ و هي تضربها على كتفها ..
- داااااااااااانوه يا السبالة روعتينيه ..
فركت دانة كتفها ..
- آآه .. يا الدفشة .. مايكل تايسون هب نورة .. ايدج ثقيلة ..
سألتها منى بلهفة ..
- انتي لي كنتي توايقين من دريشة الباب ؟؟
ضحكت دانة بقوة و شاركنها صديقاتها اللواتي كان يمتلئ بهن المكان .. و انشغلن في الإصلاح من هندامهن ..
- هههههههههههههههههه .. عيبتكن الحركة .. ما دريت وين نورة يالسة عقب ما غيرت مكانها بس شفتج ..
- ههههههههههه منوه لي ظرب راسج فالدريشة ..
نظرت لإحدى صديقاتها بحقد ..
- هاي شمشون ..
قالت نورة بضيق ..
- انتي كيف ظهرتي و الحصة الرابعة ؟؟
هزت دانة كتفيها و هي تنظر لنوف التي انشغلت بتمشيط غرتها بتركيز ..
- عدناا فراغ .. صع نوف ..؟؟
قدمت نوف وجهها حتى كاد يصطدم بالمرآة و هي تهز رأسها موافقة .. تابعت منى استفسارها ..
- و من وين يبتن القناع ..
وضعت دان قطعة لبان في فمها و هي تمد قطع أخرى لأختها و صديقتها ..
- هاي سارونة صارقتنه من النادي الترفيهي ..
اتسعت عينا نورة و هي تشهق ..
- يا قواة عينها ..!!!!
قالت احدى صديقات دانة التي لا تعرف نورة لها اسما ..
- عادي أصلا محد يشرف عليه هالنادي ..
لوحت دانة بيدها و هي تلقي نظرة على المرآة تعدل فيها من وضع ..
- صدق .. عادي .. بس تدرن انتن أحسن عن عفاري سيده انتبهتن .. عفرا تميت ساعة عند الباب و الصق ويهي كل بنات الصف و المعلمة و الصف لي عدالهم انتبه و هاييك مبهتة في الصبورة و تنسخ .. !!

* * * * *

الشمس تتصدر قلب السماء .. تنفث أشعتها لهبا .. حارقة ..
تتوقف سيارته العتيقة بأنين معذَّب أمام باب البيت الصغير .. يفتح سيارته ببطء شديد ..
يتساند بيده و هو يضع مفتاحها في جيبه مصدرا عند حركته المرهقة صوت اصطدامه بهاتفه القديم ..
بدأ يدفع خطاه نحو الباب .. حرارة كتلة النار التي أبدع الخالق بها نورا .. تكوي مؤخرة عنقه الأسمر ..
يقطع المسافة القصيرة بين الرصيف و باب بيته القريب بجهد بالغ .. و هو يحرك - غترته - إلى الخلف قليلا ..
يشعر بثيابه .. بأنفاسه .. بخطاه .. ثقيله ،،
ثقيله للغاية .. قطرة من العرق تسيل على جبينه لتستقر بجرأة على جفنه المجعد .. ليمسحها بتعب ..
.
.
ما بالها هذه المسافة لا تتقلص ..
شعر بأنه متعب ..
متعب جدا ،، أحنى رأسه ليعبر الباب القصير .. مدخل المجلس الصغيرة أمامه ..جلس على درجتيه الصغيرتين يسند ظهره للجدار المجاور ..
شعر بجسده ضعيفا للغاية .. لا يملك القوة ليواصل طريقه للداخل ..
سيرتاح لثوانٍ هنا ،، ثم سيتابع طريقه ..
أسند جسده للأرضية الإسمنتية الساخنة .. تلذعه حرارتها ..
لكنه لم يبالي .. فها هي الشمس أكثر قسوة .. تلسع وجهه و جسده بحرارة أشعتها التي تسلطها عليه ..
فيما يجلس هنا مستسلما ..
الحرارة تخنقه .. و جسده المضني لم يعد فيه من القوة ما يملك ليتزعزع من مكانه ..
تتسرب الأنفاس منه الآن .. و هو يسدل جفنيه بتعب ..
لم يعد يقوى الاستمرار تحت لهيب هذه الأرض .. أَ يمكنه أن يغفو للحظات عند هذه العتبة ..؟!
سينشد الراحة للحظات قليلة فقط ..
يريد السلام الذي يسكن خلف تلك الظلمات .. سيصلها بهذه الغفوة ..
الشمس لا زالت تطلق سهامها نارا عليه .. و جفاف في حلقه يؤرقه ..
هو ظامئ ،، جسدا .. و روحا ..
قواه تخور ببطء .. و عمامته أصبحت تنزلق ..
تنزلق ..!
و وجه قديم ينبثق من العدم في هذا السواد ..
هذه التجاعيد .. و هذه العينين .. و هذا الحنان البعيد .. هذا العبق الذي ملأ الجو الساخن ..
راحتيها يريد أن ينحني ليقبلها .. يريد أن يمسك بها .. يستنشقها .. و يتنفس رائحتها مجددا للحظة أبدية ..
و لكن الصورة كانت تختفي .. تتبدد في تلك الظلمة المريحة ..
.
.
أنفاس ..
و لم تعد شمس الصيف الحارقة تؤذيه الآن ..!

* * * * *

وضع في فمه لقمة ضخمة و هو يشير بيده المتسخة إلى زجاجة الماء .. ابتسم هو بهدوء و هو يفتحها له و يدنيها منه .. ابتلع اللقمة ليعقبها بجرعة مياه كبيرة و يتنهد بشبع ..
- الحمدالله ..
لا زال هو يبتسم بهدوء ..
- يعل فوقه العافية ..
ربت الأول برضا على بطنه و هو يقول ..
- يا خي ما شا الله على أمك طبخاا فنان .. بو هناد يوزنيه وحدة من خواتك أبا أناسبكم ..
ضحك سيف من قلبه ..
- هههههههههه أفاا يا عبدالعزيز .. تناسبنيه عسب طباخ أميه .. الحمد الله ان ما عنديه خوات ..
ارتسمت على وجه عبدالعزيز ابتسامة طفوليه ..
- و الله يا سيف ان قربكم ينشرى بفلوس .. بس طباخ أمك بعد ما فيه حيله .. بس تدري شوه ..؟؟
بدا الإحباط عليه و هو يهوي براحة يده على بطنه الكبير الذي شد بفعل حزام لباسه الرسمي للشرطة ..
- دوم تخرب عليه الريجيم بهالعزايم ..
ضحك سيف هو الآخر و هو ينهض من مكانه ..
- أي ريجيم يا خي .. انتي تمشي عليه خمس دقايق و باقي الوقت ع كيفك ..
عقد عبدالعزيز جبينه ..
- ياخي لا تحبطنيه أول شي يخرب وصفات الريجيم هي الرمسة المثبطة للعزيمة .. و رمستك مع احترامي الشديد تبط أبوو العزيمة ..
- خلها تثبط العزيمة عسب لا تاكل شي فيها ..
- هه بايخة .. أنا بسير أغسل ايديه عسب نكمل الدورية ..
هز سيف رأسه و هو يخرج هاتفه و يتصل بأمه ليبلغها بان ترسل أحدا لأخذ الطعام ..
و جلس عن المدخل يرتدي حذائه .. استرعى انتباهه دخول أخوه الأصغر حاملا كتبه بيده .. سلم بإرهاق حال دخوله ..
- السلام عليكم و رحمة الله ..
عقد سيف جبينه ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. مرحبا حارب .. عنبوه الساعة ثلاث و نص ..
سلّم حارب باحترام و هو يتنهد ..
- شوه بتقول يا سيف .. الحين يدبلونهن الساعات علينا دراسة و امتحانات .. المدارس الخاصة تبا ترفع مستواها عسب تصديق الوزارة ..
ابتسم له سيف مشجعا و هو يشد على كتفه ..
- ما عليه شد حيلك .. هاي ثنوية عامة .. انته قدها ..
تأمل حارب لباسه الرسمي الخاص بالشرطة و بادله الابتسامة ..
- ادعليه بس .. شوه عندك دورية ..
قبل أن يرد سيف أقبل عبدالعزيز من خلفه ..
- السلام عليكم و رحمة الله ..
ابتسم حارب باحترام و هو يسلم ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. يا الله حييه بو سعود ..
- يحييك .. شحالك يا حارب ..
- بخير و سهالة .. شحالك انته .. ربك بخير ..
- يسرك الحال .. الحمد الله .. علوم دراستك ..
- طيبة .. هاا ظاهرين ..؟؟
نظر عبدالعزيز لسيف الذي هز رأسه موافقا ..
- هيه باقي لنا 3 ساعات ع الدورية .. يا الله حدر انته .. نحن سايرين .. و لا ترقد ما بقى شي ع صلاة العصر ..
قال حارب بإحباط ..
- الحين صيف يا سيف ..
ضحك عبد العزيز ..
- حلو السجع.. صيف و سيف ..
قال سيف بحزم رقيق ..
- ماشي باقي ع الصلاة غير نص ساعة .. تغدى و افتح لك كتاب .. لو رقدت بتطوفك صلاة العصر ..
بدا الخنوع المحبط على وجه حارب و ابتسم عبدالعزيز ابتسامة كبيرة و هو يتوجه خارجا حيث أوقفا سيارة الدورية ،،

* * * * *

- ما كأنه ابويه تأخر ..؟!
قالتها مزنة و هي تنتزع قطعة المصاص الملوِّنة من فمها الأزرق بفعلها .. انكمش أنف هند باشمئزاز .. و بدا على وجه حور تعبير مشابه ..
- عادي هب أول مرة يتأخر .. و بعدين سيري فري هالخياس لي يالسة تاكلينه و اغسلي ثمج قبل لا يي و يشوفج و يغسل شراعج ..
هزت مزنة رأسهة رفضا و راحت تقضم الحلوى كي لا ترميها .. اتسعت عينا المها و هي تراها تخرجها من فمها و قد التهمت أجزاءٍ منها .. فيما قالت هند و هي ترفع حاجبها..
- خيبة .. هب ظروس عليها .. هاون .. طالعي كيف كلت الحلاوة ..
تجاهلتهن حور حين ارتفع صوت الأذان مناديا لصلاة العصر لتنظر لنايف الذي جلس في زاوية الصالة يستذكر دروسه قبل أن يأتي أباه ..
- نايف حبيبي .. صلاة ..
هز رأسه بطاعة و عيناه لا تفارقان الكتاب الذي يخط بقلمه فيه ..
- ان شا الله ..
أشارت للمها ترفع يدها بقرب أذنها في حركة تكبير .. لتهب المها من مكانها لتصلي .. توجهت لغرفتهن .. لتفتح الباب فيقع ناظرها على عفرا التي توسطت ضيق الحجرة بين كتبها و نورة التي كانت تنبش شيئا في خزانة ملابسها .. فيما استلقت دانة على فراشها و هي تضحك حين قالت عفرا بحيرة ..
- غريبة ..! ما شفتكن ..
دانة تقهقه بقوة ..
- انتي لو شفتي ويهج بس بتموتين من الضحك .. عيونج بتاكل الصبورة ما تقولين غير الكلمات لي عليها بتشرد .. هههههههه .. صدق ويه علمي ..
قاطعتها حور بهدوء ..
- صلاة ما سمتعن أذان العصر ..؟؟
تقلبت دانة على الفراش و عفرا تضع كتبها جانبا ..
- ان شا الله ..
أغلقت حور الباب متوجهه نحو غرفة أمها حين استوقفها صراخ نايف و هو يركض داخلا للصالة ..
- حوووووووور ..
اجفلت بقوة و هي تلتفت إليه فزعة ..
- بسم الله .. شفيك ..؟؟
كان يلهث بقوة عند الباب حين ظهرت عفرا من باب الغرفة المجاورة تطالع أمر الصراخ .. بدا الكرب على وجه نايف و هو يقول بخوف ..
- أبويه راقد عند باب الميلس .. و أوعيه للصلاة ما طاع ينش ..!!!
اتعست عينا حور بصدمة ..
- عند باب الميلس ..؟؟!
هز نايف رأسه حين ركضت حور و راح يركض ورائها نحو المجلس .. عفرا تتبعها بسرعة .. و صياح دانة المتسائل يتردد في الجو بلا مجيب ..
- بلااااااااااكم ..؟؟
وصلت حور بسرعة و شهقت فور رؤيتها جسد أبيها الراقد على الأرض بحركة غير مريحة و قد ألقى رأسه على إحدى عتبات مد خل المجلس .. هرع له بسرعة و ركعت بجانب رأسه .. جسده الطويل كان مائلا بطريقة أثارت ذعرها .. أطلقت عفرا صيحة فور رؤيتها له و اقتربت هي الأخرى لتجلس بجانب حور .. نايف كان يقف بعيدا عنهن و الخوف يلجمه.. ابتلعت حور ريقها بتوتر .. و هي تهز كتفه تنبهه بهدوء ..
- أبويه .. أبويه .. أبويه أذن العصر .. أبويه ..؟؟!!
كانت الكلمات ترتد عن هدوء صلب يغشى ملامح والدها .. تشد على كتفه بقوة أكبر ..
- أبويه ... أبويه ..!!
و تواصل النداء بلا كلل .. و لكن أباها لا يجيب .. لحظات و الرعب يضطرم في صدرها .. عفرا بدأت تبكي بصوت منخفض .. و نايف يترجم مخاوفهن بصوت مذعور ..
- عور شفيه أبويه ما يتحرك ..
التفتت له حور بخوف عصيب ..
- مادري .. انته حصلته كذيه .؟..!!
هز رأسه دون أن يتكلم .. و عيناه ابتدأتا بذرف الدموع .. هزت حور رأسها و صوتها يرتجف ..
- لازم نوديه المستشفى ..
صوت عفرا البايك يوتر احساسها ..
- منوه بيوديه ..؟؟
دست يدها في جيب أبيها تخرج هاتفه القديم .. راحت تضرب الرقم الذي تحفظه عن ظهر قلب .. لحظات فقط و يتدفق صوته الرجولي عبر خطوط الاتصال ..
- ألوووو .. مرحباا ..
كان صوتها غير ثابت و هي تهتف بذعر .. شعرت بأن دموعها تهدد بالهطول ..
- مااااااايد .. أنا حووور ..
- بلاج حووور ..؟؟؟ رب ما شر ..؟؟
بكت الآن و هي تقول ..
- مايد تعال البيت بنودي أبويه المستشفى .. ابويه ما يتحرك ما طاع ينش ..
لحظات صمت قبل أن يقول بصوتٍ هادئ ..
- لا تروعين .. الحين ياي أنا و عبيد ..
و أنهى المكالمة بسرعة .. لم تفارق عينها وجه أبيها .. و هي تعيد الهاتف لجيبه بهدوء .. ابتلعت ريقها و هي تكافح لمنع نفسها من التداعي الآن .. نظرت لعفرا و هي تأمرها ..
- سيري هاتي عباتيه و غشوتيه بسرعاااه ..
قفزت عفرا من مكانها و ركضت مجددا للداخل ..
تنظر هي لوجه أبيها المغضن .. و الأخاديد التي خطت على وجهه الكالح .. سحنته الحبيبة و هو يعقد جبينه و كأنما تضايق من رقاده بهذا الشكل ..
التقتت لنايف الذي التصق بالجدار و عيناه المرعوبتين لا تفارق وجه أبيهم .. لحظات و اندفعت عفرا تتبعها دانة و نورة و المها .. ناولت عفرا حور العباءة و ما تحمل .. وضعت نورة يدها على فمها ..
- بلاه أبويه ..؟؟
راحت حور ترتدي عباءتها بسرعة ..
- لقيناه طايح .. بنوديه المستشفى ..
عادت المها أدراجها راكضة .. لتظهر بعد دقيقة و وهي تمسك بعباءتها الأخرى .. عيناها الحازمتين أنبأت حور بأنه لا داعٍ لمنعها .. تنهدت حور و هي تعيد النظر لوجه أبيها .. دانة و عفرا يبكين بصوت مسموع خوفا مما قد يحدث لأبيهن .. المها تامع مخاوفها في أفق عينيها الواسعتين و هي تعض شفتها السفلى بقلق شديد .. نورة تجلس بجانب حور و عيناها تمتلآن بالدموع .. و هي تهمس ..
- حور هو يتنفس ..؟؟؟
همست حور و هي تشيح بوجهها .. لا تريد أن تبكي .. خائفة .. خائفة ..
- ما أدري ..!
سمعوا صوت بوق سيارة عند الباب و ركضت عفرا التي كانت بلا غطاء للداخل .. فيما غطت المها باشارة من أخواتها و و دانة و نورة وجوههن ..
خرج نايف لاستقبالهم .. و في ثوانٍ فقط كان عبيد و مايد .. قد دخلا .. لم يلتفتا لأي أحد منهم حتى حور التي كانت قد قضت ما يقارب الشهر دون أن ترا عبيد .. بسرعة إقترب مايد منه و حور تهتف بذعر ..
- ما يتحرك .. و ما يرد علينا .. بسرعة يا مايد .. خلنا نلحق عليه ..
راحت ترتدي عباءتها في حين قام مايد يساعده عبيد في نقل بو نايف للمقعد الخلفي لسيارتهم .. لحقت بهم حور و المها .. و تقدم نايف أيضا .. و لكن حور أمسكته من كتفه و هي تقول بصوت مرتجف ..
- خلك في البيت محد بيتم هنيه .. نحن بنرد بسرعة لا تخاف ..
لم يرد نايف فقط هز رأسه بطاعة و هو يكبح لمعة الدموع في عينيه .. نظرت حور لدانة و نورة و هي تقول آمرة ..
- لا تقولن لأمايا أي شي و لا تروعنها .. خلونا نتصل لابكن كان بيرخصونه و الا شوه السالفة ..
و ركبت السيارة في المكان الصيق الذي حشر فيه جسد والدها مغلقة الباب خلفها لينطلق مايد بسرعة نحو المستشفى .. وضعت قدمي أبيها في حجرها .. فيما كان رأسه يغفو على صدر المها التي كانت تتشبث به بقوة .. لم تعرف ما الذي كان يخالجها في تلك اللحظات .. خوف .. قلق .. و شيء من عدم التصديق .. تشعر بان كل ما يحدث غير حقيقي ..! لا تدري سببا لهذا الشعور ..!
دموعٌ حمقاء تدفقت فجأة من عينيها و هي تناظر وجه أبيها الراقد بلا حراك .. إلهي .. إلهي ..!
ما خطبه ..!
لما هو مسجى هكذا بلا حراك ..؟؟
كان صوت عبيد و هو يتصل بالطوارئ ليستعدوا لإستقبالهم .. ينتشلها مما هي تغرق فيه .. من مشاعر متخبطة .. قلبها يخفق بجنون و هي تنظر للمها التي أخفت وجهها خلف الغطاء ..
ما الذي يخالجها يا ترى ..؟؟!
- اتصلت بابويه ؟؟
رد عبيد و هو يلتفت إلى الوراء نحوهن ..
- يقول بيلاقينا في الطواري .. حور ؟؟
رفعت حور وجهها نحوه و هي تحاول ابتلاع دموعها .. لم تشا أن تكون بهذا الضعف .. و لكن ،،
قال بحنان كبير و يمد يده الطويلة و يقرص خدها ..
- لا تخافين .. ان شا الله ما فيه إلا العافية ..
ارتجفت دمعة أخرى تتبع الشابقات و هي تهز رأسها غير واثقة ،،
لا تعلم لما تشعر بهذا الخوف الشديد .. شعور بدنو نهاية ما يرعبها ..!
.
.
.
كانوا ثكلة من الممرضين و الأطباء عند باب الطوارئ في انتظارهم اضافة لأبو مايد الذي بدا أنه سبقهم إلى هنا ..في الحال وضع بو نايف على سرير نقال ليختفى به في إحدى غرف الفحص .. مرت ما يقارب الربع ساعة و هم يجلسون هناك بتوتر .. بو مايد يقف قرب باب مدخل قسم غرف الفحص الخاصة بالاسعاف المستعجل .. و عبيد يقطع الممر على قدميه ذهابا و إيابا .. مايد جلس مسترخيا بجاور حور التي كانت تعتصر قبضتيها بخوف .. تسمع المها تتمتم بشيء ما خمنت أنها أدعية .. كان الجو ثقيلا على النفس .. لا تريد أن تجلس هنا في انتظار ان يخرج أحدهم ليخبرهم ما يحدث خلف هذه الأبواب المغلقة .. يفترض بهم أن يكونوا في الداخل .. بجوار ابيها ..
راحت تناجي ربها في صمت أن يكون الأمر غير ذي بال .. و أن يكون والدها بخير .. في غمرة ازدحام حواسها و أفكارها طرأ على بالها أمرٌ ما .. همست لمايد بصوت مرتجف ..
- مااايد ..
التفت لها بسرعة ..
- لبيه ..
ابتلعت ريقها ..
- لبيت في منى .. أبا أصلي العصر ..
هز رأسه موافقا ..
- ان شا الله .. شوفي المها بتسير وياج ..؟؟
رفضت المها التحرك بعد أن قضت صلاتها في البيت قبل الجميع .. و فضلت الجلوس هنا في انتظار خبر عن أبيها ..اختفت حور و مايد الذي راح يدلها على مكان مصلى النساء .. و ثوانٍ قبل أن يظهر مجددا ليجلس بعيدا عنها بخطوات ..
.
.
أفكار مجنونة كانت تقلبها في ذهنها و هي تجلس في مكانها بهدوء .. تدعوا ربها بقوة ..
خيالات فظيعة راودتها و هي تستعيد صورة أبيها و هو مسجى على الأرض بلا حراك ..
وجهه المتعب الذي أشقته أيام العمر المضنية و هي تحتضنه باستمامته .. أرادت أن تبث وجهه الجامد شيئا من الحياة ،، رمق من أدنى أثر لشعوره بمن حوله ..
كان الرعب القاتل يسري في عروقها مع طول انتظارهم .. و تأخر أحدٍ ما في المجيء ..
أغمضت عينيها للحظات تنفي كل فكرة سوداء قد تغرقها .. و تسحبها بيأس إلى الأسفل ..
فتحت عينيها و أدارت وجهها نحو الباب .. خفق قلبها بقوة حين رأت رجلا يرتدي معطفه الطبي كان يقف مع عمها بو مايد يبتعد عنهم نحو ذاك الباب مجددا .. و أبو مايد يضم طرف - غترته - لعينيه ..
كان على ما يبدو أنه يكلم ابنه الأكبر الذي كان يهز رأسه المنخفض بطاعة .. و عبيد يجلس على كرسي قرب الباب و قد أراح رأسه بين كفيه ..
كان المشهد بليغا للغاية .. هناك سوء ما قد أصاب والدها .. متأكدة من ذلك .. هبت على قدميها المرتعشتين .. و عبرة خائفة تقف على أعتاب مقلتها .. تأبى النزول من عليائها .. و كأنما يعني سقوطها .. أوان النهاية ..
تقترب من عبيد الذي بدا أقربهم في تلك اللحظات .. تجر قدميها جرا نحوه ..
لما بدت لها خطواتها تقودها نحو الحتف القريب ..؟!
لماذا راودتها رغبة مخيفة في العودة لمكانها .. و التشبث بذلك المقعد ..
هل عليها أن تهرع لما تحمله تلك الوجوه من وجع منتظر ..؟؟!!
شعر عبيد بوقوفها عند رأسه .. رفع وجهه المحمر نحوها .. عينيه المغرقتان بالدموع .. وجه المبتل ..
.
.
رباه .. هذه العبرات ..!
أيقنت بأن الأمر تجاوز حدود هذا الرجل بالمكابرة .. تجاوز حدود الهدوء ..
حدود التحمل ..
حدود الحياة نفسها ..!
هــل ..؟؟
رفعت يدها لحنجرتها تتحسسها .. تريد التأكد من أن صوتها الذي لا تسمعه ستخطى شفاهها .. و هي تقول له بنبرة غريبة ..
- أباااه مااات ..؟؟
بدت الصدمة جلية على وجهه .. و لم يجبها .. فعادت تسأله بإصرار ..
- أباااه مااات ..؟؟
ازدادت عبراته في التتابع .. و هو يومئ برأسها بايجاب ..
فجأة وصلتها الإجابة ..لقد فارق والدها الحياة .. رفعت عينها بذهول .. كان وقع الخبر أكبر من إدراكها ..
أدارت بصرها في وجوه من حولها .. مايد الذي كان ممسكا بالهاتف يتحدث فيه و هو يبكي .. بو مايد يقف مستندا على الجدار و جسده المسن يهتز بأسى ..
إنهم يبكونه ..!
يبكون فقيدهم .. أباها ..
أباها .. لقد رحل .. تركهم .. لقد أخذوه الأطباء إلى الداخل .. و لن يستطيعوا الآن استرجاعه ..
راحت تنظر للباب البعيد الذي أدخلوه عبره .. و خرج الطبيب منه حاملا خبر رحيله ..
تري ان تصله .. تقتحمه .. تعيد أباها مجددا .. تريد أن ....
في غمرة تلك المشاعر التي بدأت تخنقها .. نسيت قدرتها على التنفس ..
أصبح الهواء لا يصل رئتها حين بدأت تعجز عن الوقوف على قدميها ..!!
.
.
.
.
.
.
.
يلامس جبينها الأرض بخشوع .. تمسك بأطراف الدموع بعيدا عن متناول الهطول .. ليس وقت الضعف الآن ،، حتما سيكون أباها بخير ،، و لا هذا الأمل ارتجفت شفتيها و هي ساجدة .. على وشك البكاء ..
تتوسل الرب من قلبها أن يحفظه لهم .. رباه ليس لنا سواه ..! .. كيف سنواصل العيش إذا أصابه مكروه ما ..!!
كيف لعائلتهن البسيطة أن تتدبر أمورها دونه ..؟! كان هو السند الوحيد لهم ..
ترفع نفسها لتستوي جالسة قبل أن تنهي صلاتها .. توجهت نحو الحمام التابع للمصلى النسائي .. وقفت أمام المرآة العملاقة و هي تضع غطاء وجهها جانبا .. بهدوء .. تدير الصنبور لتتدفق المياه بقوة .. فتجمعها هي بهدوء بين راحتيها ثم تنثرها على وجهها ..
تريد أن تبرد شيئا من حر فؤادها قبل وجهها الذي أحرقته الدموع ..
لا تعرف كيف تخنق خفقان قلبها الخائف .. الأمر كان مرعبا للغاية .. لم يحدث هذا لأبيها من قبل ..!
اتجهت نحو الردهة الواقعة قرب مدخل غرف الفحص حيث تركت البقية ،، ما إن اقتربت من مكانها حتى عقدت جبينها .. لم يكن أحدهم هناك ..!!
مهلا .. هذا بو مايد يقف في الطرف الأقصى .. شعرت بتفاؤل غريب يجتاحها .. لا بد أن أباها استيقظ الآن و البقية يجلسون عنده .. اقتربت من بو مايد الذي كان يدير لها ظهره.. بلهفة و هي تكاد تركض نحوه .. وصلت اليه بسرعة ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
رأت ظهره يتصلب وهو يرفع رأسه دون أن يلتفت إليها .. رد سلامها بصوت ضعيف .. قبل أن يلتفت إليها ..
- و عليكم السلام و رحمة ..
أدار وجهه بعيدا عنها و هو ينظر حيث الاستقبال .. تلك النظرة المتألمة لم تخفى عن حور التي وضعت يدها على صدرها بارتياع و كل إحساس جميل راودها للتو ذهب أدراج مخاوفها ..
- عمي سلطان بلاك ..؟؟؟ أبويه فيه شي ..؟؟؟
هز رأسه نفيا بسرعة .. دون أن يجيب .. تهدج صوتها و هي تشعر بأنها على شفير البكاء ..
- دخيلك لا تكذب عليه .. ابويه شفيه ..
.
.
نظر لها و هو يوأد أي إحساس قد يطفو على وجهه .. لن يستطيع تحمل ردة فعلها عند علمها بخبر أبيها .. عبيد ذهب لإعلام أمه و إصطحابها لبيت خالته .. ستقوم هي بابلاغ من في البيت .. مايد في الخارج ينتظر إخوة المرحوم الذين سيكونون على وصول بعد دقائق .. الحقيقة أنه لا زال هو نفسه مهزوزا من هذه الفاجعة التي أصابتهم في ذاك العزيز على حين غرّة .. لا يجد في نفسه القدرة أن يخبر هذه الشابة بذاك النبأ .. فضّل اللجوء للمناورة حتى يأتي مايد .. سيقوم هو بإخبارها .. و امتصاص ردة فعلها و مواساتها .. أَ وَ ليس أخوها .. و الأقرب لها ..؟!
ابتلع كتلة شائكة سدت حلقه بمرارة و هو يتنهد قائلا بهدوء خادع أخفى وراءه صرخات مجنونة لا تسمع ..!
- ما شي بس تروعت ع ختج .. مادري بلاها طاحت علينا مرة وحدة ..
كانت تلك نصف الحقيقة فقط .. و لكن الفزع في صوتها أربكه ..
- المهــــــا ..!!!! بلاها ..؟؟ شوه استوى عليها ..؟؟ وينها الحين ؟؟
- داخت و صك راسها في القاع .. ما ياها غير الكدمة و تقول الدختورة انها بتم ساعة و إلا زود راقدة ..
هزت رأسها بعدم فهم ..
- مايد و عبيد وينهم ..؟؟
تابع كذبته التي بدأت تتمادى الآن ..
- ساروا يشوفون أبوج شوه استوى عليه .. ما تبين تسيرين تشوفين ختج ؟؟ تعالي بوديج غرفتاا ..
تقدمها بهدوء و هي تتبعه نحو غرفة الملاحظة التي وضعت فيها المها تُمَدُّ بمغذٍ و ترتاح إثر صدمتها التي أدت لسقوطها على الأرض الصلبة .. أشار من عند الباب الذي لم يكن يبعد كثيرا عن المدخل ..
- هاي حجرتاا ..
.
.
.
هزت حور رأسها بامتنان و أطرافها ترتجف .. ماذا الآن أباها .. و المها ..!! أخطأت حين وافقت على إحضارها لم تشكْ قط بأنها مرهفة لهذه الدرجة .. أ سيطر الخوف عليها حتى أفقدها الوعي ..؟؟!
ارتعبت حور من الفكرة و دفعت الباب لتدلف بسرعة مغلقة إياه خلفها .. كانت المها تتمدد بهدوء على ذاك الفراش الأبيض الذي التفت حوله ستارة انزاح طرفها لتتبين من خلفها.. حجابها لا زال محكما على رأسها فيما أُلقي غطاء رأسها على الطاولة المجاورة .. و أنبوب طويل راح يمدها عبر الوريد بالسائل المغذي .. فيما هي تسكن عالما غير عالمهم هذا ..
دنت من فراشها بسرعة .. وضعت يدها على جبين المها .. كانوا قد وضعوا شريطين لاصقين أخفا طرفها الحجاب . هناك من فك الحجاب و أعاد لفّه بطريقه محكمة .. بدا وجهها الجميل غارقا في ما تجهل هي .. سحبت كرسيا تقربه من السرير لتجلس عليه .. تمنت أن يأتي عبيد و مايد بأخبار طيبة .. و أنا تستيقظ المها بسرعة .. مضي الوقت هنا أخذ يشعرها بالتوتر .. كانت الثواني تمر ثقيلة للغاية .. مر وقتٌ طويل لم يأتها أحد بخبر .. عليها أن تخرج لترى ما خطبهم .. هل نسوا وجدهن هنا ..؟؟ أم أن ...
تجاهلت أي أفكار سخيفة قد تراودها و هي تسحب الستارة حول سرير المها و تعيد الغطاء على وجهها .. توجهت نحو الباب لتفتحه .. ما إن خرجت من الغرفة ليقع عينها على هذا المظهر الغريب ..!! تراجعت بارتباك للخلف و لكن حركتها كانت قد استرعت انتباه الموجودين .. التفتوا أولئك الرجال الغرباء نحوها فور خروجها .. لتعود إلى الغرفة مجددا .. قلبها يخفق بعنف .. يا إلهي .. أين عمها سلطان و أبناءه ..!!
.
.
.
كانوا موجودين بين الرجال الذين لاحظوا وجودها في تلك البرهة القصيرة دون أن يعرفوها .. تبادل بوسلطان و ابنه مايد نظرة متفهمة .. و هو يقول له بصوت هامس حزين..
- أنا ما خبرتاا .. سير خبرهاا الحين و شوف لو تروم تردها هي و ختها البيت قبل لا يمزرون هلهم المستشفى ..
هز مايد رأسه بسرعة و هو يمسح وجه .. نظر للرجال الذي وقفوا حوله .. بحضورهم المهيب .. بملابسهم الفاخرة .. بالثراء الذي أخذ يلوح ببساطة على كل حركة .. حتى الحزن الذي ارتسم على ملامحهم لم يُزل كبرياء فطرية نُحتت على وجوه بدت له مألوفه ،، ألم يكن ذاك الراحل يملك هذه الملامح ..؟؟ هذا الطول .. و هذه الصلابة .. شعر بالغصة تخنقه و هو يشيح البصر عن أخوان بو نايف الأربعة و ابنهم الأكبر الذي تعرفه مايد ببساطة بما أنه مالك الشركة التي يعمل بها .. و شاب آخر لم يعرفه .. و لكنه تأكد أنه فردٌ من العائلة ..
لم يأتي أبو حمد ..!! لم يُقدم على المجيء معهم ..
توجه بهدوء نحو الغرفة التي رقدت فيها المها .. كيف سيعلم حور ..؟؟ كيف سيحطمها بما يحمل ..
كانت الأنظار تتأمله و هو يقف أمام الباب بعجز .. لا يقوى الدخول .. شعر بأنه أطال الوقوف هنا رفع يده ببؤس يغالب الدمع الذي تدافع لعينيه مجددا .. عليه أن يكون قويا من أجلها ..
دق الباب بخفة عدة مرات قبل أن يدفعه ليجدها واقفة في منتصف الغرفة و قد أسدلت الغطاء على وجهها و أغلقت الستار حول فراش المها .. ما إن تعرفته حتى أزالت غطاءها بسرعة و هي تقترب منه بلهفة ..
- مايد وينك ..؟؟ أبطيت عليّه ؟؟ شوه قالو لكم ..؟؟؟ أبويه شفيه ؟؟
كان مايد قد أخقض رأسه .. هذه اللهفة .. الأمل الذي مسه في كلماتها .. كيف يحرق قلبها ..؟؟ كيف ..؟؟
أي ثقل ألقي على كاهله .. !! أي وجع يفترض به أن يصيبها به ..!!
نظرت له بحيرة .. لماذا يبدو هذا الإنكسار عليهم .. عمها سلطان و الآن مايد ..!! همست بصوت مرتعش حين بدأ الذعر يدب في قلبها ..
- مايد .. بلاك .. أبويه شفيه ..؟؟
رفع رأسه المغرق بالدموع .. و صوته الرجولي بدا ضعيفا و هو يرمي تلك القنبلة مسلما الأمر ..
- أبـــــوج عطاج عمره ..!
لم تفهم ما قال .. تلك الكلمات أبى عقلها الخائف أن يترجمها ..
- هاه ..؟؟ كيف يعني عطانيه عمره ..؟؟
لم يجبها و هو يشيح بوجهه مخفيا تدفق الدموع الذي ازداد مع سؤالها .. عاد صوتها المرتعش يتوسله ..
- مايد ارمس دخيلك .. ابويه شفيه ..؟
التفت لها و هو يقول بألم ..
- حور أبوج متوفي من أربع ساعات ..!!
بدا و كأن مايد لا يتكلم العربية في تلك اللحظات و هي تعقد جبينها دون أن تستوعب ما قال ..
- متوفــــــي ..؟؟!!!
هز رأسه بألم و هي تتلفت حولها بحيرة .. تدور في الغرفة ..
- منوه لي متوفي ..؟؟ أبوية ..
توقفت في مكانها لتلتفت له بصدمة و عيناها تتسعان .. و هي تصيح فجأة بجنون خلع قلب مايد ..
- كذااااااااااااااااااب ..

.
.
.
.
كان يقف مسندا جسده المديد على الجدار يراقب من حوله بصمت .. الألم و الحزن اللذان رآهما في عين أبوه و أعمامه الثلاثة لم يكن يضاهي الوجع الذي لاح على وجه بو مايد و لا على ابنه .. لقد كانوا هم العائلة الوحيدة لحمد منذ سنوات ..! شعر بصعوبة في التعاطف مع أبوه و أعمامه .. و ذاك الشرود الذي بدا على وجه حامد .. ما كان يسحق فؤاده حقا هو ردة فعل جدته .. كيف له أن يبلغها بخبر كهذا .. لم يخبروا أباه سيف حتى الآن .. أتوا إلى هنا على عجل .. كان والده يعيد رأسه للوراء و هو شارد .. نظرة كسيرة تسكن عينيه ..
كبح شعورا ساخرا في غير وقته .. هل شعر والده الآن بالندم لابتعاده عن أخيه كل تلك السنوات ..؟؟ اعمامه هؤلاء .. أي إحساس يسكنهم بفقد أخٍ قد هجروه لسنوات .. و ها هي الأيام تعيدهم للقاءه بعد رحيله ..
سخرية حقّه .. لا يمكن للأمر أن يكون أكثر تعقيدا من هذه الصورة ..
يجلسون هنا في انتظار أن يسمح لهم الطبيب برؤيته .. تحرك من مكانه ليقترب من بو مايد الذي كان واقفا في الطرف البعيد .. و قال بهدوء حالما وصل إليه ..
- كيف مات ..؟؟
بدا السؤال قاسيا .. و لم تبدو المراعاة على وجه غيث الصلب .. الحقيقة أنه لم يكن يشعر بأي رثاء سوى على حال أبناءه .. شعر بالشفقة لمصيرهم بعده .. أين سيؤول بهم الحال يا ترى ؟؟
قال بو سلطان بتعاسة ..
- لقوه عياله راقد عند باب الميلس و ما طاع ينش لهم .. و اتصلت - تردد لبرهة و كأنما لا يريد نطق اسم الفتاة أمام هذا الغريب .. رغم علمه بأنه زوجها !!- آآ حور بمايد و شله هو و عبيد المستشفى .. و .......
بتر كلماته و رأسه يلتفت بقوة مع استدارت الجميع نحو الصيحة التي انطلقت من الغرفة القريبة ..! كانت صرخة الفتاة واضحة ..
- كذااااااااااااااااااااب ..
بدأ الجميع يلتفتون لبعضهم توترا .. أما غيث فقد لمع في رأسه شيء و هو يسأل بحزم ..
- حد من بناته هنيه ..؟؟
هز بو سلطان رأسه و قد شحب وجهه بشدة .. و هو يهمس ..
- هاي حور .. أكيد مايد قال لها عن أبوها ..!
نظر له غيث و هو يعقد حاجبه لوهلة قبل أن يرفع طرفه بكبر .. مايد ؟؟! و ما شانه بها ليخبرها بذلك .. استدار متوجها للغرفة التي خرج منها الصوت .. شيء من الضيق اضطرم في صدره .. على كل حال هذه الفتاة زوجته .. و لا يحبذ وجود رجل غريب لمواساتها في لحظاتها هذه .. طرق الباب ثلاث مرات بخفة قبل أن يدفعه دون انتظار الأذن .. كان مايد يقف قربها .. عرفها .. هي نفسها حور .. عقد جبينه .. مايد الذي التفت له بنظرة أليمة بدا أنه الوحيد الذي شعر بدخوله .. فيما استمرت حور بالنظر لوجه الأخير بشيء من الذهول .. كان وجهها مكشوفا و حجابها قد تراجع للخلف قليلا كاشفا خصلاتٍ انزلقت من تحته على جانب وجهها .. التعبير على وجهها يشبه الصدمة و هي تتوسل بصوت ضعيف ..
- مايد .. حرام عليك .. ليش تتبلى على أبويه .. نحن يبناه هنيه .. سير شوفه .. وين ودوووه .. ؟؟
نظر مايد لغيث بحزن .. و لكن وجه غيث كان قاسيا و هو يشير بيده آمرا أن يخرج .. اتسعت عينا مايد ..
ماذا ..؟؟ أيترك أخته مع هذا الزوج الذي لم تعترف به يوما .. أيتخلى عنها الآن تاركا مهمة تماسكها على عاتق هذا الرجل .. لم يكن لديه الخيار .. كان غيث ينظر له بصلابة منتظرا خروجه .. غيث الذي كان بودّه أن يهشم أنف هذا الشاب الذي يقف متأملا زوجته .. وجهها .. شعرها .. في حين لا تدرك هي ما يجري حقا ..!!
و يقف مترددا في إخلاء الغرفة لهما .. قال ببرود قاتل ..
- تفضل برا .. أنا بتصرف وياها ..
ارتخت كتفا مايد و هو يخرج .. عينا حور تتبعه بحيرة .. مشاعرها متخبطة .. لا تفهم ما قال مايد للتو .. لماذا خرج و تركها .. ؟؟
من هذا ..؟؟ نظرت له .. لا تزال الصدمة على وجهها مما قال أخيها للتو .. تشعر بالضياع .. الأمر ضخم للغاية .. لا تستطيع مشاعرها تفسير ما يقال ..!
.
.
هذا الوجه رأته في مكان ما ،، و لكنها لا تهتم الآن .. بدأت بالتحرك في مكانها .. اقتربت من الستارة التي تقبع المها خلفها .. و لكنها توقفت لتتراجع .. ماذا تريد ..؟؟ والدها هناك في الخارج ؟؟ التفتت مجددا نحو الباب ..
نعم هو هناك ستخرج لتراه جالسا .. لا بد أنه متعب .. متعب كثيرا .. و الا لما سقط هناك .. ستخبره بأن المها هنا مسجاة .. و أنها فقدت الوعي .. ستشكو مايد إليه .. لقد كان يمزح بثقل .. لقد قال أنه ميت .. الأبله .. لا يعلم شيئا ..
لا يمكن لوالدها أن يموت .. تحث الخطى نحو الباب .. أبي في الخارج .. حتما سأجده ..
سرعان ما التفت قبضة قوية على ذراعها تمنعها من الوصول للباب .. التفتت بعينين لا تريان لصاحب اليد الذي سأل بصوت قوي ..
- وين سايرة ..؟؟
بدت تسحب ذراعها .. عقلها المشتت لا يدرك من هذا الرجل الذي يقف هنا .. رأت وجهه في مكان ما .. لا يهم .. تريد الخروج ..
- بسير لأبويه .. بنرد البيت .. بيعصب .. غداه برد .. محد وعاه لصلاة العصر .. ممـ ..
بدت الكلمات تتقطع .. و هي تسحب ذراعها من تلك القبضة المحكمة .. لم تكن ترى شيئا .. ذهنها لم يعد يعي سوى أن عليها الخروج .. ستجد أباها حتما خلف هذا الباب ..
- خوز .. أبا أظهر .. انت .. ما تعرف .. المها طاحت .. كانت خايفة .. ولـ .....
.
.
كانت تهذي .. تجر ذراعها من قبضته .. غير واعية .. لا تزال مصدومة و إلا لما أرادت الخروج بلا غطاء و شعرها ينسدل .. نظرتها الضائعة .. شفقة قوية اجتاحته و هو يرى حيرتها البالغة .. لم تبكي حتى ..!
بدت تجر يدها الآن و صوتها يرتفع ..
- ودرنيه .. أبا أظهر .. ابويه يرقبنا .. يا ويليه لو أبطيت ..
تحاول الإفلات فيما يحكم يده حولها و يمسك ذراعها الأخرى بيده .. و هو ينبهها بهدوء ..
- حور .. حور ..
شعر باسمها غريبا على لسانه ..
لكنها لم تكن تسمع .. تشد نفسها .. تريد أن يتركها .. و صوتها يردد بجنون ..
- بطل ايديه .. بطل ايديه .. ابا أظهر .. هناك .. هناك ..
كان صوتها يرتفع بهستيرية .. بدت على وشك الإصابه بالجنون .. و عينيها المتسعتين تكاد تخرج من محجرها بذهول ..
- أبااااااااااااا .. أظهاااااااااار .. ودرنيييييييييييه ..
كان عليه أن يوقظها مما هي فيه .. أن يعيدها للواقع .. لا يجب أن تصاب بانهيار الآن .. هزها بشيء من العنف و صوته القوي يقول بصرامة ..
- حووور .. بس .. أبوج مات .. ترحمي عليه .. و لا تسوين بعمرج كذيه ..
ما إن ذكر الموت حتى ازداد جنونها و هي تدفعه من صدره بيديها ..
- خوز .. يا الكذاااااااب .. منوه لي مااااااااات .. ودرنيييييييه ..
بدت تضربه الآن بقوة .. قبضاتها تصطدم بصدره القوي .. لم تؤثر تلك الضربات فيه و لم تزعزع ثباته .. شدها فجأة بين ذراعيه متجاهلا صيحاتها الهستيرية و هو يدفن وجهها في صدره .. يخنق صيحاتها في حضنه .. و هو يقول بصوتٍ واضح .. قوي ّ..
ذبحها ..!
- أبوج مات ... مات .. تسمعين .. ؟؟ مات أبوج .. ترحمي عليه ..
تهز رأسها فيما يشد زراعيه حولها ..
- لأ .. لأ .. لااااااااااااااااااااا .. لاااااااااااااااااا ..
بدت تصيح و هي تضربه تحاول الهروب .. لا تريد أن تسمع شيئا من هذه الكلمات و هي تصيح بصوتٍ عالٍ ..
- لاااااااااااااااا .. أبوووووووووووويه مااااااااااااا مااااااااااات .. كذااااااااابين ..
صوتها ينخفض الآن و أنفاسها تتقطع .. ذهنها الذاهل أخذ يرسم الصورة جاهدا .. لقد أتوا بوالدها إلى هنا .. لكنها ستعود دونه ..!
- لااااااااا .. أبوووووووووويااااااه .. أبووووووووووياااااااااه .. لاااااااااا ..
بدت مقاومتها تخمد و هي تتشبث بصدر ثوبه باكيا .. تنتحب بصوت عالٍ كالطفلة .. بدت ذراعيه تلين بعطف .. و هو يربت على ظهرها مواسيا ثم يمسح على شعرها بأسىً على حالها .. صوتها المبحوح إثر صياحها .. يخرج متقطعا من بين شهقاتها المتتابعة ..
- أبووووووووووويااااااااااه ...
غريب كيف أدناه الموت من هذه الغريبة ..!
يشاركها أحزانها و يواسيها ،،
بدت تنزلق جالسة على الأرض و تسقط على ركبتيها .. شعر بالرحمة تسري في عروقه .. و هو يرى وجع قلب هذه الشابة .. لم يفقد أحدا من أحبته .. و لا يتخيل هول ما تشعر به .. لقد أدركت للتو أنها أصبحت بلا أب ..
.
.
يا بوي وينك ..؟؟
صرخة ضاعت بين ونات المواجع ،،
يا بوي وينك ..؟؟
هذي صيحة ما سمعت لها مجيب ..
راح صوتي ..
وين انته يا الحبيب ..؟؟
غاب صوتي عن شعورك ..؟ و إلا سامع ..؟؟
شوف لي عبرة تكابر .. ما تطاوع ..
شوف حالي يوم سمعته هالخبر .. كله كئيب ..
شوف لي شوقٍ ذبحني ..
يرجي حنانك .. قسوتك ..
يرجي ملامح بسمتك ،،
ينتظر منك وجودٍ .. يطفي وسطه هاللهيب ..
ليه عزمت الموادع ..
صار بَعدكْ كل هذا الكون يسعى للمغيب ..
هذي دنيا يغشى ضيّها لون السوادي ،،
هذا يوم أصبح لحاله رمادي ..
وين ألوان الشوارع ..؟!
ليه تغرق عيني عبرة .. يا تكابر ..
أو على خدي سكيب ..؟؟
من يكفكف هالمدامع ..؟؟
وين راعي هالأصابع ..؟
ليه كني بعد يومه .. منحبس و الا غريب ..!!
.
.
لم يدرك غيث جزءا بسيطا مما تشعر به حور في تلك اللحظة .. تجثو على ركبتيها على الأرض .. و تستند بإحدى راحتيها .. و هي تضع يدها الأخرى على صدرها .. ترى إخماد ذاك الوجع .. ذاك الألم الرهيب الذي يمزق فؤادها الآن ..
تنشج باكية بصوتٍ مخيف .. تناديه ..
تردد اسمه ..
أين هو .. ؟؟ كيف له أن يتركهم لوحدهم .. من لهم بعد الآن ؟؟
كانت الدموع تطفح أنهارا .. مع إدراكها لحقيقة هذه الفاجعة .. لن ينتظروه بعد الآن .. لن يأتي متأخرا ليراقبوه و هو يتغدى مصدرا الأوامر ..
لن يجمع لهم الحطب حين يقترب الشتاء ليشعل نارا تدفئهم .. لن يلقي تلك العمامة طالبا منها أن تغسلها ..
أن تضيّع عرقه الذي تحتضنه بحب ..
صورة وجهه الحبيب ترتسم أمام عينيها و هي تصيح بمرارة ..
هذا الأمل رهيب .. رهيب للغاية ..
يمزقها .. يخنقها ..
و جزء من روحها .. لا يريد أن يصدق بعد هذه الحقيقة ..!!
يأبى أن يدرك ..
أنها أصبحت يتيمة ..!!
.
.
راحة ايدٍ تمسح على راسي بحنان ..
صوت حرمة تبكي على حالي الأليمة ..
صوتها شتت كياني ..
تقول مسكينه بنته .. منهو لها بعده .. يتيمة ..!!
كلمة شلّت شعوري ..
يتيمة ..!
لا .. لا ..
ماني يتيمة ..
ولا غريبة و لا وحيدة ..
ماني شريدة ..!
لا ثيابٍ ترتديها .. لا مساكن تحتويها ؟!
لا عيون ترتجيها .. غير قاع ما تبيها ..
أنا بنته .. بنت أبوي ..
بنت رجل لا انتخوا به ما يخيّب من نخاه ..
بنت شيخ ما ملكْ من مال شي و لا له جاه ..
بنت واحد شفته في عيني كبير ..
واحدٍ يسوى فحياتي كل شي .. يسوى كثير ..
ماني يتيمة ..
صيحة تحرق فوادي .. من يبرِّد هالسعير ..؟؟!
ليتني على جنح طير .. ليت أوجاعي بخير ..
ليت حزنٍ يغسله بعد الفجر باقي الندى ..
ليت به من يسمع صرختي و يرد بعدي هالصدى ،،
ليت حلم ما يضيع .. ما يتوه .. ما يروح في بُعد ذاك المدى ..
.
.
رحـــل ،،
لم يعد لهم في هذه الدنيا سوى الأوجاع .. أخواتها .. نايف .. أمها و الطفل المنتظر ،،
روح ستنبلج للدنيا بلا أب ..
ماذا .. هل أضناه التعب .. هل طفح به الكيل من شقاء هذه الدنيا ..
هل أسلم أمره .. و لم يعد في قدرته المواصلة ..؟! أ فضّل المضي إلى ربّه ..
ستريحه أحضان الثرى .. بعيدا عن المواجع .. عن التعب .. عن الركض خلف لقمة العيش تحت قسوة ظروفهم ..!
سيغفو أبدا ..
تاركا خلفه أرواحا لا تزال ظمأه .. بحاجة له .. لوجوده ..
و قوته .. بدا أن هذا الحزن أبدي .. يتملك روحها يلوّعها ..
و هي تبحث باستماتة عن بصيص أمل .. بعودته ..
أي وهم قد يخمد هذه النيران التي تستعر في جوفها .. محرقة كل فرحة ..
تهدم كل ما هو باسم و سعيد ..
لم يعد هناك مأوى إلا للوجع ..!
.
.
ليت ألوان الشوارع ثاني تعود ،،
ليت ضيّ غاب عني يرجع و مرة يسود ..
ليت ضحكة صار مسكنها تراب ..
تنرحم من حر نارٍ تلتهب .. تنشد ذنوب ..
ليت فردوس ندية تحتضن وجهه سعود ..
.
.
شعرت بالحزن يحطمها .. يفتتها .. و انعدام بالشعور بالمكان و الزمان .. لازالت تجثو .. و أنينها يختلط بشهقاتٍ تهز جسدها بقوة ..
و هي تردد اسمه بلا كلل ..
أصبحوا الآن بلا سند .. بلا أمل ..!!
.
.
ابتدت لحظة شقيّة .. و أخنق الدمعة خفيّة ..
ماني ببنته بعد هاليوم العسير ..
أنا يتيمة ..
و أنتفض بردٍ و جوع ..
أغرق الأفراح فيني من بحر تلك الدموع ..
لا لي عون و لا لي عزوة و لا كبير ..
هذا ظهري أصبح الليلة كسير ..
من يداوي خاطري بعده تحطم .. و لا جبير ..
آه لو لا الخوف من ربي ..
قلت ليت لي نفس المصير ..
ليتني جنبه دفينه .. ما أقوى أيامي الحزينة ..
.
.
يقف عند رأسها متأملا .. لم يجد في يده شيئا قد يفعله .. رغم أن منظرها هذا أثر به ..
انحنى بهدوء يساعدها على الوقوف ..
- حور نشي ..
لكنها لم تجبه ..
لم تسمعه أصلا .. لم يعد في أنيها سوى طنين ذاك الوجع ..!
كانت هذه هي المرة الأول في حياتها التي ترى فيها الحزن و تقابله ..
وجها لوجه ..!
.
.
علميني يا سنيني ،، ذكريني يا ترى ..؟!
هي راحت أفراحي و حنيني ..؟؟!
هو ما بقى غير الكرى ..؟ *

* * * * *

كانت الإضاءة الخفيفة الصفراء .. مصدرها تلك المصابيح الخافتة التي عُلّقت في سقف المكان .. تصلب ظهره .. لم يكن يشعر بالارتياح أبدا .. شيء من البرود لا علاقة له بجو المكان الجليدي .. سرى في جسده و هو يقف عند الباب .. رائحة المطهرات القوية تعبق في المكان .. تتطفل على الأنفاس ..
إحساس الرحيل يلف هذا الهواء الذي يخترق رئته بنفس الهدوء البطيء الذي يستشعره هنا ..!
صمت يجتاحه روحه .. شيء من الإحترام شعر بأن عليه أن يلتزمه .. و هو واقف .. يشعر بأن لمحراب الموت هذا قدسية السكون ..
عينه ترتكز على ظهر الشخص الوحيد هنا .. الرجل الذي وقف دون حراك عند أحد الأسرّة الموزعة على وسع القاعة ..
ظهره المتصلب لا يبدي أدنى إنفعال قد يظهره وجهه الذي يخفيه ..
أدار هو ظهره له .. رغم أنه أصرّ على اصطحابه إلى هنا .. إلا أن شعوره بأنه تطفل على خصوصية ما له ..
منعه من القيام بأدنى حركة ،،
سوى الإنتظار ..!
.
.
.
كانت يده التي تجعد جلدها بقوة تلتف بقبضة قوية حول يد ابنه المسجى ،، لا يعلم حقا أي رغبه تعتريه .. أ ينحني ليطبع قبلة وحيدة و يودعه مديرا ظهره ليخرج من هذا المكان ..؟؟ أيدفن وجهه في صدره و يستنشق رائحته العزيزة للمرة الأخيرة ..؟؟
رغبة وحيدة ملحة أدرك أنها الأقرب لقلبه الآن ..
أراد أن يبكي بصوتٍ عالٍ كطفل صغير .. أراد أن يجد مخرجا لكل هذا الألم الذي يخنقه الآن ..
أراد أن يبرد شيئا من حرّةٍ لفحت قلبه بقسوة ..
أراد أن يستلقي في ذاك الفراش القريب .. و يطلب منهم أن يساق بدلا عنه للحفرة التي هي في انتظاره ..
لكن شيئا من ذاك لم يستطع القيام به .. بدا أن دموعه تعصيه .. تأبى النزول .. و كأنما تحرقه عقابا ..
مر وقتٌ طويل مذ رآه آخر مرة ..!
وقت طويل للغاية .. فمن يراه هنا الآن كان مختلفا تماما عن ذاك الشاب الفتي الذي قام بطرده من البيت ..!
راحت عينه تمسح وجهه بوجع ،، بشرته المسمرة إثر لفح نسائم السموم لها في عز الظهيرة .. وجهه الكالح .. يديه الخشنتين .. و همٌّ لا زال ينعقد على جبينه ..
لا يشبه طفلا بُشَّر ذات يوم بعيد بقدومه لهذه الدنيا .. لا يشبه فتىً لازم نشوءه .. لا يشبه شابا ضاع في غمرة الحياة ..
هذا رجل أضنته معارك الدنيا و كفاحها .. ملَّ قتالا فارغا .. أسقطه ..
هذا رجل غريب تماما هيئة عنه ..
لا يعرفه .. لو كان التقاه في مكان آخر لما قتله هذا الألم ..!
هذا ابنه ..
لكن بينهم سنوات .. بينهم كِبرٌ زائف .. بينهم وقت ضيّعاه .. بينهم قدر أقسم على أن لا يلتقيا إلا أمام رب العباد ..
بينهم برزخ .. إجتازه ذاك راحلا ..
و بقي هو هنا بحسرته .. متندما .. متأخرا ..
أرخى جفنيه الثقيلتين بإحساس معذب .. إنه حتى لم يسترضه ..! قضى وقته في استدراجه عبر ابنته ليحثه على القدوم مجددا .. يلتمس قربه ..
ماذا كان سيضره إن ذهب ببساطة له و مد يده داعيا اياه أن يعود لكنفه ..
لماذا بدا الزمن جائرا في هذه اللحظة .. ألا يمكن له ان يعود للحظات فقط..؟؟
هناك مئات الأخطاء التي هو بحاجة لأن يصلها .. ثغرات يبغي سدّها ..
خطوات أراد أن يعيدها لطرقات يعرفها .. لا تلك المسالك التي غرّبت ابنه لسنوات ..
ينظر لوجه الحبيب .. لازال ذاك العناد يستوطن ملامحه حتى بعد رحيله ..
ابتسامة مرّة غالبت دمعة حارة سالت بطيئة على وجنته المجعدة ..
لقد كان متأخرا .. متأخرا للغاية ..
الآن يفصل بينهما عمر ..
لا يمكن تجاهله ..
قبضته التي تتشبث بيد ابنه الثلجية .. تعتصرها بقوة ..
للمرة الأخيرة .. يقف هنا .. يواجهه ..
للمرة الأخيرة تحتضن عيناه وجهه الذي كان بلا حياه ..!
.
.
للمرة الأخيرة هو راضٍ عنه ،، راضٍ عليه ..
يسامحه ..
ينحني ببطء ليطبع قبله عميقه على جبينه البارد .. أطلقت عبرات تساقطت على وجهه ..
.
.
للمرة الأخيرة يدعو من الله أن يرقد هذا الإبن بسلام ..
مرّ كالدموع طعم الرحيل ..
حين لا تعلم ما كان يحمل ذاك الراحل في قلبه قبل المضي ..!

* * * * *

لم تكن تلك اليلة كغيرها من الليالي ..!
وقع الخبر على عائلة حمد كان مروعا ،، عادت المها و حور للبيت ليجدن أن الحزن قد سبقهن إلى هناك
..
في اللحظة التي دلفن فيه البيت .. حور تسند المها التي كانت تتعثر في مشيتها و صوت شهقاتها يختلط ببكاء حور الخافت ..
عرفت أن الجميع قد علم بالمصيبة تلك .. ازدادت وتيرة بكائها دون أن تستطيع السيطرة عليها ..
أخواتها الصغار و دانة و نورة كانن في حجرة أمهن .. الإنهيار على الوجوه .. و صوت البكاء العالي كان يصم الأذان .. فيما تحاول الخالة عذيجة الموجوعة مواساتهن ... لم يكن أحد ما أكثر تماسكا من أمها ..
أمها التي خافت عليها جدا نظرا لحالتها الصحيّة المتدهورة .. خشيت ما قد يفعله هذا الخبر بها .. و لكنها كانت تبكي بدون صوت جالسة في فرائها و هند و دانة يدفنّ رؤسهن في حجرها باكيات في ما انزوت نورة في طرف الغرفة .. و ضمت عذيجة ابنتة أختها الصغرى إلى صدرها تهدئها ..
كانت الصورة فضيعه للغاية .. شيء يعيد صدى الخبر و كأنها تسمعه للمرة الأولى ..
لم ترى عفرا و لا نايف .. اندفعت تحتضن أمها باكية تتبعها المها .. بدا أن قدومهن فجّر بقية التماسك في أخواتهن ،،
قادت حور المها بهدوء لغرفتهن كي تستلقي في فراشها .. ما إن دلفت الغرفة المظلمة حتى راعها الصوت الأنين الخافت ..
التفتت لفراش عفرا التي استلقت عليه .. دون غطاء و هي متكومة على نفسها ..كانت تنشج ببكاء يمزق نياط القلب .. ساعدت حور المها على الإستلقاء في فراشها .. قبل أن تسحب تلك اللحاف مغطية جسدها و رأسها كاملا ..
ملتفة بأحزانها ..
استدارت نحو عفرا و جلست على طرف فراشها .. تعض شفتيها .. و هي تشعر بالوهن يدب في روحها .. لم تستطع ايقاف سيل دموعها و هي تكتم شهقاتها التي أهلكتها .. تمد يدها لتمسح على شعر عفرا بهدوء .. و تمسح دموعها بقوة .. تنظر حالهم ..
بلا أب ..
انهيارهن جميعا .. خروج نايف الذي لا تعلم أين هو الآن .. أمها المريضة ،،
إلى أين سيؤول بهم الحال ..؟!
كم هو مخيف هذا الشعور بأن الأيام القادمة ستكون خاليــــــة ..!
لا شيء فيها ..
مجهولة ..
شيء يتملكها و هي تواصل مسح شعر أختها بلا شعور .. و عبراتها الحارقة تنزل تباعا على وجنتها ..
لا تستطيع تفسير ما يتملكها بأن هذه هي النهاية ..! و أن عقارب الساعة لم تعد تدور ..
.
.
- حور ..؟
الصوت الهامس المرتجف .. انتشلها من ذاك التيه الذي تخبطت فيه للحظات .. و عفرا ترفع وجهها المنتفخ من البكاء و هي تقول بصوت متهدج ..
- شوه بنسوي عقبه يا حور .. ابويه راااح .. راااح و خلاناا ..
ضمتها حور و هي تبكي ..فلفت عفرا ذراعيها تتشبث بها بقوة .. و بكاءها يرتفع شيئا فشيئا .. كانت حور تشعر بأن ثقلا ما ألقي على كاهلها .. الآن و الجميع قد تداعى تحت وطأة هذا الخبر ..
هذه الفاجعة التي هبطت عليهم فجأة ،، كيف لهم أن يتجاوزوها ..؟؟!
شعرت بأنه يجب أن يكون هناك من هو متعقل منهم .. من هو مستعد للملمة حطامهم ..
من يقع على عاتقه واجب مواساتهم ..
و من غيرها قد يكون الملزوم بهذا .. أ و ليست هي الكبيرة ..؟؟ بعد أمها الضعيفة ..؟
إحساس قاتل راح يسري داخلها و هي تدرك بأن عليها أن تداوي أوجاعهم بصبر .. متجاهلة أوجاعها ..!
عليها أن تصبر .. ان تتماسكْ .. أن تبتلع ألمها .. و إلا من المسؤول عن آلام إخوتها ..؟؟
كان هذا الإدراك يهبط على روحها ثقيلا .. ثقيلا للغاية ..
لا تطيقه النفس ..
رغم ذلك .. تلك الكلمات المواسية تنفلت بقوة من بين شفتيها و هي تمسح دموعها باستماته ..
- ادعيله بالرحمه .. ادعيله ان الله يوسع قبره ..
و راح صوتها يغيب بين شهقاتها ..
يصعب حقا ادِّعاء القوة حين نكون محطمين ..!
.
.
.
كانت الساعة تشير للواحدة و النصف .. الهدوء يغشى البيت التي بدا أن جدرانهم تشاركهم الحداد على فقيدهم ..!
تجلس هي على درجات مدخل المجلس .. المكان الذي غفا فيه أبوها غفوته الأخيرة و لم يستيقظ بعدها ..
تنتظر أن يعود نايف الذي كان قد خرج قبل المغرب و لم يعد إلى الآن .. لم تعرف كيف عليها أن تتصرف .. و ماذا يجب أن تفعل .. تشعر بأنها بطيئة في فعل أي شيء و كأنام تحمل أثقالا من الدموع على ظهرها ..!
أجفلت و هبت واقفة بلهفة مع صوت الخطوات الذي اقترب من باب البيت الموارب .. ما ان دفع القادم الباب حتى بدا الإحباط على وجهها المحمر من فرط البكاء و شفتيها المرتجفتين و هي تكبت شهقة معذبة ..
نظر لها عبيد الذي كان يحمل كتبه و عددا من الملابس بتعاطف ..
- بلاج حور ..؟؟
ارتجف صوتها الهامس .. تجاهد أن لا تبكي ..
- أرقب نايف .. ظهر يوم .. آآ - لم تستطع التفوه بالكلمة - ... ما رد الين الحين .. الساعة وحدة ..
دلف عبيد الذي كان قد تقرر أنه سيقضي بضعة ليالٍ هنا المجلس و علّق ثيابه و وضع كتبه جانبا .. قبل أن يخرج مجددا و هو يقول بثقة ..
- لا تخافين ما بيسير مكان .. أكيد هنيه في الحارة .. منوه ربعه خبرينيه أنا ظاهر أدور عليه عندهم ..
مسحت دمعة خائفة انزلقت على خدّها ..
- لا عبيد ايلس بنرقبه شويه بعد .. أكيد بيرد الحين ..
نظر لها مترددا قبل أن يطيعها و يجلس إلى جوارها .. لحظات صمت و هما ينظران إلى الأرض قبل أن تسأله بصوت مرتجف ..
- دفنتوه ..؟؟
رفع نظرها لها بدهشة .. و لكنها لم تلتفت إليه .. أصبحت روحها كومة من الفتات لا تريده أن يراها .. صوته الحزين يتدفق قربها ..
- لا بنصلي عليه باكر عقب الظهر و بندفنه في مقبرة العوهة ..
ابتلعت ريقها بحزن فظيع ..
- و العزا ..؟؟
صمت مطولا .. لا يدري حقا إذا كان هذا هو الوقت الملائم ..؟! و لكنها ستعرف إذا على كل حال .. الأفضل أن تكون مستعدة من الآن .. كان صوته حذرا و هو يقول ..
- العزا في بيت يدج العود ..
نظرتها المصدومة و الكلمة التي انفلت برعب من بين شفتيها ..
- شووووووه ..؟؟؟؟؟؟؟
هز رأسه بأسى .. هبت هي واقفة من مكانها ..
كيف ..!!
كيف تجرءوا على فعل هذا ..؟!
شعرت بالحقد يمتزج بالألم في صدرها .. يعتصر روحها ..
الأوغاد لم يورا أحدا منهم طوال حياة والدها .. لم يكن أحدهم يشاركهم الأحزان أو الأفراح ..
لم يعرفوهم قط ..!!
و الآن بعد رحيله يأتون لينتزعوا حق الرحمه ،، المواساة التي يفترض بان تكون لأبناء المرحوم ..؟
يغتصبون حقهم في تقبل تعازي أبيهم ..
شعرت بالدموع الساخنة تغسل وجهها مجدداو هي تبكي ..
- هب ع كيفهم .. يحطون العزا فبيتهم .. نحن عياله و العزا لنا ..
أحاط عبيد كتفها بحنان ..
- لا تضيقين صدرج يا الغالية .. هاييل معروفين و بيونهم العرب من كل بقعة .. و المكان هنيه ما بيسدهم .. و بعدين أبوه يبا عزا ولده يكون فبيته .. و بعدين يدتج ما تروم تتحرك من مكانها ..
لم يفهم ..!
لم يفهم ..!
صاحت بمرارة ..
- ما يهمنيه عزا الرياييل وين يكون .. بس عزا الحريم لازم يكون فبيتناا .. أمايا في العدة .. شووووه ما تبانا نحضر عزا أبويه ..
كان عبيد يقول كلمات و لكنها لم تكن تسمع ..
حتى هذا الحق الضيئل حُرِموا منه ببساطة ،، لم يكونوا هم بحاجة للتعزية ..
فهم لم يتذوقوا المصاب مثلهم ..
لقد تخلوا عن هذا الحق منذ سنوات .. كيف يعودون الآن بعد فوات الآن مطالبين به ..
.
.
كانت كراهية شديدة لهم تمتزج بلوعة غريبة و رثاء بالنفس ..
جعلت حور في ضياع .. لا تدري إلى متى سيستمر هذا الألم ..!
حتما سيقتلها قبل أن يتوقف .. تشعر بذراع عبيد تحيط بها مواسية .. و لكن لا شيء يخمد هذا اللهيب الذي يحرقها ..
صوته و هو يهتف باسم جعلها تنتفض في مكانها ..
- نايـــــــف ..!!!
كان أخوها قد دلف للتو من الباب .. وجهه المنتفخ و عيناه الحمراوين و هو يقف عند الباب ..
ركضت نحوه و هي تنسى كل شيء قبل أن تحتضنه بلهفة باكية ..
- وين كنت ..؟؟. وين روحت يا خويه .. روعتنا عليك ..!
لكن نايف لم يجبها .. بل إنخرط في نشاج عالٍ جعله أقرب للأطفال ..
- أبوووووووووووويه ماااااااااااااات .. ماااااااااااااااات ..
كانت الكلمات تنغرس كالحراب في قلبها و لكنها ضمته أكثر و هي تبكي معه ..
دموعهما تختلط ..
و جسده الصغير يرتعش بين ذراعيها كورقة ذاوية في مهب الأوجاع ..
.
.
ينتحب بقوة .. و هي تشاركه البكاء ..
تبكي مصيرهم المشترك ..
الألم .. الفقد .. اليتم ..
تبكي الخوف الذي راح يغلف كل إحساس فيها ..
مجهول مصير الأيام القادمة ،، لا يعلمون ما تحمل في طياتها ..!

* * * * *

مرر أنامله برقة على وجنتها المجعدة .. ثم إلتقط كفّها الحبيب ليطبع قبلة عميقة قبل أن يعيده برفق إلى جانب جسدها الراقد على ذاك الفراش الضخم الوثير ..
لم يكن ينير الغرفة سوى ضوء مصباح النوم الذي وضع جانب سريرها .. و أضواء تسللت عبر النافذة التي أزاح ستارها للتو .. تلقي بظلٍ خافت في الغرفة ..
استند هو على حافة النافذة العملاقة .. يشيح ببصره في الحديقة الممتدة ..
كان لليوم مذاقا غريبا .. صور تداخلت في ذهنه راحت تدور مرارا و تكرار ..
فيما يقف هو هنا عاجزا عن النوم قبل أن يطمئن إلى أنها بخير ..
لم تتقبل الخبر بصلابة جده .. إنهارت فور علمها بوفاة إبنها ..
أسدل أهدابه و حاجبيه الأسودين ينعقدان بضيق ..
صورتها بذاك الشكل مزقت فؤاده .. ذات الهياج و البكاء و الصرخات .. قبل سقوطها إثر ارتفاع السكّر في دمها .. أوجعه ذاك الألم الذي تجرعته بعد فقدها لإبنها ..
صورتها أمام عينيه تتداخل مع صورة تلكْ التي سقطت راكعة على أرض المستشفى .. وجهها الذي أخفاه شعرها المنزلق من تحت الحجاب .. دموعها التي أغرقت وجهها الصافي ..
شيء غريب و هو يتذكر تلك الصورة .. جعله يحس بأنها تتجرع الألم للمرة الأولى ..!
شتان بين شعوره .. لم يراوده غير الشفقة و الأسى على حالها .. بينما شعر بألم رهيب يعتمر صدره حين أفجعه منظر جدته ..
ربما لأن تلك قضت عمرها كلها معه .. بينما مضت سنوات جدته الأخيرة و هي تتقلب بين الشوق الذي لا يخمد لرؤية ابنها ..!
أجفل فجأة .. و التفت إلى الخلف بقوة . حين ارتفع من الجانب الآخر صوت بكاء منخفض .. علم أنها استيقظت .. اقترب بسرعة من فراشها ليجد جسدها الضئيل متكورا بوهن و هي تبكي ..
لم يفزعه سوى صوت بكاءها الذي بدا كالعويل .. أو كأنين لبوة جريحة .. شيئا جعل قشعريرة من الخوف عليها تسري على ظهره ..
التقط رأسها بين يديه الكبيرتين و هو يجلس على فراشها ليريحه المخدة .. و صوته الحنون يلامس أذنيها ..
- امااااه .. فديتج .. تسمعينيه .. تعوذي من ابليس .. حرام لي يالسه تسوينه .. ترحمي عليه الحين و ادعيله ترا الصياح بيتعبج و لا بينفعه .. ادعيله هو هب محتاي غير لدعواتج .. ادعيله ،،
.
.
لكن الألم كان كبيرا .. فضيعا ..
كان أكبر من حدود قدرتها على الصبر ..
كان يقتلها ببطء و إمعان ..!
تشعر به يخنقها ..
يعذبها ..
هذا البكاء و هذا العويل لا يخرج شيئا مما يختلج حقا في أعماقها ..
كيف لهم أن يفهموا ..؟؟! سنوات كانت تعيش صابرة .. محتسبة .. لمْ تشتكِ قط ..
تبتلع كل ليلة دموعها و حنين مؤلم يجرها لرؤية ابنها .. فلذة كبدها ..
لا يعلمون أي حرقة تسكنها لفراق ولدها منذ سنوات .. و لكنها كانت صابرة ..
يكفيها أنه يسكن أراضٍ قريبة .. ممتنة لأنه لازال قريبا .. تحتضن مخدتها غير الدموع حلما ..
بأنه يوما ما سيدنو منها .. ستعيده خطاه إلى هذه الأراضي مجددا ..
و ستلتقيه ..
كان أمل تحتويه بين أضلعها الواهنة .. يدفعها لمواصلة أيامها ..
و يتفاقم الشوق ..
.
.
و لكن الآن ماذا ..؟؟!
ما هذا الوجع الرهيب الذي يحرق قلبها ..
لم يعد ابنها هنا .. لم يعد يسكن هذه البقاع .. لم يعد يتنفس هواء قد يكون عانق وجهها ذات يوم ..!
لن تعيده الخطوات يوما إلى هنا ..
لن تراه و لن تلتقيه ..
كم هو قاتل إقتلاع الأمل بقسوة الأقدار من أرواحنا ..
فراغ يجتاح الروح الخالية .. شعور قاتل بالاستسلام ..
لن يفهموا الآن معنى أنه رحل دون أن تراه ..
حاملا معه خيوطا كاذبة من الأمل البعيد .. من التفاؤل ..
لن يفهموا ..
كم عذّبها فراقه منذ سنوات ..
ليعود فيفجعها مجددا .. و كأن الموت هو ما تتجرعه ..!
.
.
علِّ روحي ..
و أوجعني حزن هذه الأم ..!

* * * * *
* يا بوي وينك / من بوح قلمي ،،

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 18-04-08, 11:46 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة السادســــــــــــــــــــة ◄

║.. خطوات متوجِّعة ،، تواصل .. ║


و أخيرا كانت خيوط ضوء الفجر قد أقبلت باستحياء .. مترددة .. تلامس زوايا بعيدة من أطراف ذاك - الحوش - الضيق ،، و كأنما لا تجد عذرا من أنه يومٌ جديد رغما عن أحزانهم .. و أن الحياة لا تتوقف لمجرد أن رب هذه الجدران العتيقة التي تلوحها بجرأة قد شد الرحيل ،، إلى البعيد ..!
رفعت رأسها الذي كانت تسنده لركبتيها و هي تضمهما لصدرها ،، شعرها الذي تناثر حول وجهها بدا تعيسا هو أيضا و قد فقد شيئا من رونقه .. و هي تجلس على عتبة مدخل الصالة تراقب انبلاج الفجر البعيد ..
لم يغمض لها جفن منذ ليلة البارحة .. شعرت بان لا مخلوقا على وجه الأرض قد يكون مثقلا بالهموم مثلها ،، لا أحد يضاهيها في ذاك الوجع الذي يسكن روحها .. تعلم أن هناك أعينٌ غيرها تجرعت السهاد البارحة ،، واضح من وجوههم حين أيقظتهم لصلاة الفجر أن منهم من أهلكه البكاء ليسقط صريع رحمة النوم ،، و هناك من تجرع دموعه كؤوسا مرّة الليلة الماضية ..
تنهدت بتعب ،، طوال ليلتها الكئيبة .. وجدت أن الأمر عسير على الفهم .. من المستحيل أن يواصلوا حياتهم دون أبيهم ..! كيف لذلك حقا أن يحدث ..؟؟
لا إجابة ترتد صدى لأفكارها ،، سوى صوت إقامة صلاة الفجر دون أن تتردد صوت الطرقات على حجرتهن منبهه للصلاة .. لا يزال حقد عميق يكتنف صدرها لمجرد التفكير بأمر التعازي التي ستقدم في بيت جدّها ..
أنانيون .. انتهازيون ،، اغتصبوا حقّهم في المواساة ..
سنوات لم يروا لهم وجها ..و الآن لم يجدوا وقتا أفضل من هذا للظهور .. لم يكونوا بحاجة للتعزية ..
و ليس لهم حق فيها ..
نهضت من مكانها ببطء متوجه بخطوات متثاقلة للمطبخ عليها أن تحضر الإفطار فهناك من يجب أن يُرغم على تناول الطعام .. أمها تحتاج لتغذية .. إخوتها الصغار ..
يداها تتحرك بآلية لا تشعر بها .. تلهي روحها الممزقة عمّا يسكنها من أحزان ..!
.
.
بعد فطور لم يمس .. انطلق مايد و عبيد مصطحبان نايف للعزاء المقام في بيت الجد ،، و بدأن نساء الجيران و قريبات أمهن يتوافدن للبيت .. فاطمة و أمها كانوا أول الحضور للبيت .. لن تنسى حور كيف احتضنتها فاطمة بشدة و هي تبكي و كأنما فقد أبا هي الأخرى ،، توقفها عن البكاء و كلماتها التي وزعتها عليهن واحدة تلو الأخرى .. مواساتها لهن .. وقفة أمها مع خالتها .. و استقبالهن لنساء الحي و الأقارب ..
كان هناك دعم قوي .. شي من السلوى بثها وجودهن ..
حتى بدأن أخواتها يتمالكن نفسهن ببطء .. توقف النواح .. الصراخ .. و بدأ ذكر الله يلف المكان .. دموع صامتة .. تغرق الوجوه كانت هي الحداد على روح ذاك الراحل ..
وقفت هي تراقب الوضع بهدوء .. و كأنما أسلمن أمرهن .. و رضين بما حملته الأقدار ..
شعرت لوهلة بأن حطامها بالأمس قد جمع .. لا ليجبر .. بل ليتكوم في زاوية من الروح .. بعيدة عن أنظار الآخرين ..
كان وجه أمها المتماسك .. جلدها .. و الصبر الذي لاح على وجهها ،، هي القوة .. و السكينة التي تهبط عليهن .. هدوءها يدفعهن للتماسك .. هي أيضا متألمة ..
و لكنها صامدة .. لأجلهم ..!

* * * * *

المجلس الفسيح المتسع ،، سقفه العالي الذي تدلت منه ثريات ضخمه .. الحضور الذين ازدحموا في المكان ،، و الرجال الذين وقف هو وسطهم .. يرفع رأسه يتمعن في هذه الوجوه الغريبة .. شيء فيها يذكره بأبيه ..
أباه ..!
و ارتجفت شفتيه و هو يمسك دموعه بصعوبة .. آخر ما يرده هو الانفجار بالبكاء في هذه المكان المجهول .. تلفت حوله بذعر .. يبحث جاهدا بين هذه الأجساد الكبيرة .. عيناه المتلهفتين تنبش المكان بحثا عن وجه مألوف ،، أين عمّه سلطان و مايد ..؟؟ أين عبيد الذي أتى برفقته إلى هنا ..
افترقوا عند دخولهم ليتسلمه هؤلاء الغرباء الذين عرف بأنهم أعمامه .. و منذ تلك اللحظة و هو يجلس بينهم يقف ليسلم على طوفان لا ينقطع من المعزين ..
مع مضي الوقت دون أن يظهر في زخم هذه الأوجه أحدٌ يعرفه .. بدا الذعر و الوحدة يدبان في قلبه .. شعر بأنه ممزق .. و تائه ..
أصبح الجو خانقا للغاية حوله .. و عيناه تدوران حوله بجنون ،، يبحث عن طوق نجاة .. عن ملامح لا يجهلها .. عن شيء يتمسك به .. يغيثه ..
أصبحت دموعه تنحدر على وجهه الآن دون أن يشعر ..
.
.
إنه لا يعرف هؤلاء الغرباء .. لا يعرفهم ..
لا يريد أن يكون هنا ..
إنه ضائع ..
يريد أن يعود للبيت حيث أمه و أخواته .. يريد أن يجلس منتظرا عودتهن من مدرسة ليصيح مطالبا للغداء ..
يريد أن يعود أباه لينهره حين يراه جالسا وسطهن ..
يريد أن يعود ليجد أن كل هذا مجرد مزحة كبيرة .. أو خيال ..
يريد أن يكون هذا كابوس .. و أنه ليس هنا حقا ..
ليس واقفا ليمد يده متقبلا كلمات التعاطف من هذه الوجوه المختلفة .. المجهولة ..
شعر بأن المكان يلفه الضباب و أن الصرخات تنطلق من كل مكان ..
أبوه ملقي على عتبات المدخل .. راقدا بهدوء ..
حور تصرخ .. و دانة تبكي ..
أمه لا تتكلم ..
أبوه يخرج من المنزل محمولا بين يدي عبيد و مايد ..
عبيد و مايد اللذان أحضراه إلى هنا .. و لا يجدهما الآن ..
عادا دون أبيه ..!
أيعزمان على الرحيل دونه الآن ..
تبا ..
من هم هؤلاء الناس .. لماذا يحتشدون ..
أين دموع أخواته .. مواساتهن عنه ..
أين حضن أمه .. أين جدران بيتهم المتشققة،،
الدافئة .. المألوفة ..
الأصوات ترتفع حوله .. و يرتفع بكاءه دون مقاومة ..
يصم أذنيه بيديه .. و هو يندفع راكضا .. لم يكترث بمن نظر له متفاجئا أو مشفقا ..
.
.
نظر له بهدوء و هو يتجاوز الباب للخارج .. كان يسترخي في جلسته و هو يسند فكه بيده .. رفع عينه على الفور لوجه جده ليرى الإستياء و الحزن المتكبر يلمع في عينيه و هو يلقي نظرة عتب على ابنه الأكبر علي ،، و كأنما يلومه على ما أصاب الطفل .. عاد ينظر للباب الذي انطلق منه نايف للتو .. شعر برثاء غريب لحاله ..
كيف يجد طفل لم يتجاوز الثالثة عشر من العمر أن يجد نفسه فجأة بين هذا الكم الهائل من الغرباء ،،
رأى حامد الذي كان قد خرج خلف نايف عائدا للمجلس فأشار له بصرامة .. ليتقدم إليه ..
- وينـــــه ؟؟
أجاب حامد بهدوء ..
- شفته و را البيت ،، خله شوي ييلس بروحه .. الصبي متروع من كل شي ..
هز غيث رأسه موافقا .. و هو يسترخي مجددا ،،
.
.
كان الرجل الذي بجانبه انخرط في مناقشة عميقه معه .. و ذهنه المشغول لم يعد يلتقط من كلماته شيئا .. كان يتأمل الباب الذي خرج منه نايف للتو .. و هو يهز رأسه بتركيز محاولا أن يكون لبقا .. شعر بالأسى على حال الطفل .. و عينه تعود لترتكز على ذاك الذي استرخى في جلسته بجانب جده .. تدفقت الكراهية كالعادة في عروقه فور رؤيته له .. كم يكره هذه الملامح المتعجرفة المتبجحة .. كم يكره هذه الثقة و هذه السلطة التي تمنح له دونهم .. ما الذي يميزه عن البقية ..؟؟ أ لأنه أكبرهم فقط ؟؟! لم يكن هذا معيارا للكفاءة .. !
و كأنما شعر به يسلط النظرات عليه .. ارتفعت شفته العليا بشبه ابتسامة ساخرة و هو يتقدم في مقعده للأمام .. قبل أن يدير جانب رأسه نحوه .. و يغشى عينيه الإحتقار العميق ..
شعر فهد بالحقد ينخر قلبه نحو هذا الوجه المتعالي المغرور .. و هو يتوعده في داخله كالعادة ..!
هاتفه الصامت الذي اهتز في جيبه قطع سيل المشاعر السيئة ليلتقطه بحركة سريعة مجيبا بصوت مثقل ..
- مرحب ..
كان صوته أبوه يأتيه آمرا عبر الهاتف و هو يقول بحزم ..
- اظهروا شوفوا الغدا و رتبووه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
كانا يبحثان عنه مذ شاهدوه يخرج من المجلس راكضا .. تقدم الأول بهدوء و هو يراه قد لف ذراعاه حول ركبتيه و هو يدفن وجهه فيها ..
كان منظره موجعا .. يفطر القلب ..
طفل أضاع طريقه .. لم يعد يدرك إلى أين تسوقه أقداره ..!
.
.
منظر صعيب ويقسم القلـب قسميـن
................لا قـام يمسـح دمعـة بكـف يـده

يمش ولا يدري طريقة علـى ويـن
...............لين التعب من كثـر مـا تـاه هـده

اثقل حـروف يشيلهـا فيـة حرفيـن
...............لا أب يـدريـبـة ولا أم تـــرده
.
.
بينما كسا التعاطف وجه الآخر .. اقتربا منه بهدوء فرفع رأسه حين شعر بوقوفهما فوق رأسه .. نظر لهما و وجه المغرق بالعبرات ينظر لهما متسائلا .. جثا الاثنين قربه قبل أن يقول أحمد بهدوء ..
- افاا يا بو حمد .. الرياييل ما يصيحون ..
تدفقت عبراتٌ جديدة على وجه ..يسهل عليه قول هذا .. تبادل الاثنان نظرة شفقة .. قبل أن يمد هزاع يده و يلتقط كف نايف .. و هو يقول بهدوء ..
- انته ما تعرفنا ..؟؟ نحن نعرفك ..!
هز نايف رأسه نفيا .. لا يعرفهم و لا يعرف ما يريدون ،، و لا يهمه هذا في غمرة وجعه ..!
.
.
في خطوته رحلـة ودمعـة وسكيـن
................وحـظ توسـد بالمراسـي مـخـده

جيت اسألـة بالله قللـي ولـد ميـن
...............وبغى يجاوب وختنـق صـوت رده

أنـا يتيـم ومـا لدربـي عنـاويـن
...............وجزر الحزن فينـي يسـاوي لمـده

وطعم الطفولة ما عرفته لهـا لحيـن
.............وثوب السعادة صـرت مانيـب قـده

ابكي إلى من شفت غيـري سعيديـن
................ليـن البكـا فينـي يوصـل لحـده
.
.
و لكن أحمد تبرع بتعريفه على أنفسهم ..
- أنا أحمد ولد عمّك علي ..
و ابتسم له ببساطة .. نظر له نايف من بين دموعه .. كان وجه أحمد مريحا للغاية .. رغم ذلك توجس منه نايف و لم يرد أن يقدم على حركة ..
استمر أحمد في الابتسام و هو يرى نظرات نايف المتمعنة .. ارتاح لأنه انشغل عن البكاء قبل أن يشير لهزاع ..
- هذا هزاع بطيخة ولد عمّك سعيد ..
امتقع وجه هزّاع و هو يسدد لكمه لصدر أحمد الذي قهقه بقوة و هو يتابع لنايف الذي بدأ ينشغل بهم ..
- ههههههه .. الحين يوم بيخوز الغترة شوف كبر راسه .. و بتعرف ليش يقاله بطيخة .. هههه ..
توقف عن الضحك و هو يرى دموع نايف تتدفق مجددا .. شعر بفظاظة و هو يضحك بهذه الطريقة أمامه .. اعتصر كتفه بحنان و هو يعتذر ..
- و الله كلنا زعلانين على عميه الله يرحمه .. بس شوه بنقول .. انته فكر انه الحين مرتاح عن الله .. بيدخل الجنة .. و بيودر الحر و الشغل و التعب ..
شعر بأنه يتلفظ بكلمات بلا معنى .. نظر لهزاع مستنجدا .. فحول ذاك عينه لوجه نايف بقوة و هو يقول بعمق ..
- الحزن في القلب .. هب عيب انك تصيح .. بس هذا ربك كاتبنه .. الحين انت ريّال و لازم تفهم ان خواتك و أمك محتايينك .. لو انته صحت و حطيت ايدك ع خدك امنوه لي بيوقف وياهن .. امنوه بيداريهن هاا ..؟؟
بكى نايف بشدة .. و تبين حقا أمام عينيهما كم هو طفل ..
و ضائع ..!
كان صوته يخرج مخنوقا من بين شهقاته ..
- أنا مـ .. مادري شوه أسوي .. أناا .. أبـ .. أبا أبويه .. ما با تم بروحيه في البيت .. أبا أبوية يرد ..
نظر له الاثنين بتعاطف شديد شعر هزّاع بقلبه يعتصر حزنا عليه .. التفت لأحمد بأسى .. ليصدم بقوة ،،
.
.
كانت دمعة صافية تنحدر على جانب وجهه الأسمر و هو يمسح شعر ذاك الطفل اليتيم بحزنٍ غريب ..!

* * * * *

كان المكان مزدحما للغاية .. الكثير من نظرات الحزن و التعاطف المبالغ فيها .. و تربيتات حنونة .. حقا كان يمكنها أن تترك كل هذه المهزلة و تمكث في بيت خالتها .. بدلا من أن ينتشلها أبوها بحجة القيام بالواجب ..
هه .. أي واجب ..؟؟ إنها لا تعرف المتوفى حتى .. !!
لا تعرف اسم العم و لا يهمها .. رغم شعور خبيث بالشماتة .. راودها لا تدري لما استلذت الحزن الذي أصاب تلك العائلة .. متأكدة بأن تلك الزوجة المهملة قد مزقها الأسى الآن ،،
لن يجد غيث الوقت لمواساتها و المحاباة ..!
تضع ساقا على ساق و هي تنفخ بضجر .. شعرت بأن شيخة تنظر إليها .. فالتفتت لها لترى انعكاس الاحتقار في عينيها .. لتقول بنبرة لاذعة ..
- خير الشيخ ..؟؟ فيه شي ..؟؟
نظرت لها شيخة بتكبر دون أن ترد .. ربتت عوشة على خدّها بأظافرها الطويلة ..
- شوه معجب ..؟؟
تجاهلتها أيضا و أشاحت بوجهها مشمئزة .. لا تريد أن تنحدر الآن لشجار معها كما اعتادتا .. أدارت عينها في المكان .. النساء من مختلف الأشكال و الأنساب و الأعمار يملأن الردهة و المجالس الداخلية .. حقا لا مجال لافتعال شجار هنا .. ابتسمت مفكرة بأن العزاء هذا على الأقل أفسد عطلة عوشة التي بدا الضيق بيّنا على عينيها المثقلتين بالكحل .. وجدت الأمر غريبا أن تتلقى التعازي و المواساة على رجل غريب لم تره في حياتها .. لا تنكر أن قلبها انفطر حال رؤيتها لجدتها .. و لكن شعورها نحو موته لم يختلف .. لا تعرف هذا الرجل البتة .. و لم تره أو تقابله في حياتها .. تعلم أن لها عما .. أ و ليست ابنته الكبرى هي زوجة غيث ..!؟
رغم هذا لم تسمع عنه شيئا لا أحاديث عنه .. لا ذكريات .. و لا حتى قصص قد يرويها أبوها .. أعمامها جميعا لم يذكروا اسمه قط .. و كانت المفاجأة كالقنبلة حين أفصح غيث عن عزمه في التقدم لخطبة ابنته الكبرى ..
من أين يعرفها ..؟؟ كيف علم أنه له ابنه في سن الزواج ..؟؟ كيف استطاع تجاوز خلاف الجد الذي لطالما أرعب ابناءه من ذكر اسم ذاك العم البعيد حتى ..؟! لم يبد في تلك الفترة أن أدنى خلاف قد نشب بينهما .. فآمنت بأن الجد قد استسلم لرغبة غيث الغريبة رغم أنه لم يحضر عقد القران تلك الليلة ..!! لم يذهب أحدٌ منهم سوى أبوها و إخوتها .. و عمّها سعيد و ابناءه ،، رفض عمّها أحمد و ابنه فهد الذهاب استرضاءً لجدها .. عمّها مطر كان مسافرا .. و منعت هي و روضة من الحضور .. لم تذهب أحد من النساء سوى أمها و زوجة عمّها سعيد .. طوال سنوات عمرها لم تشعر بالفضول نحو أولئك الأغراب .. و لم تهتم لأمرهم قط .. و اليوم هي هنا مجبرة على المكوث لمدة ثلاثة أيام تتقبل مواساة هي في غنى عنها .. كان يمكنها أن تشغل وقتها فيما هو مفيد لها حقا ..
تنهدت ببؤس و هي تفكر فيما هو مفيد حقا ..! كان يجدر بها أن تحاول الاتصال براية مئة مرة بدل الجلوس بلا فائدة هنا ..!
و على هذا التفكير أخرجت هاتفها بلهفة .. لن يمنعها الجلوس هنا من محاولة استرضاءها .. راحت تطقطق بأصابعها على أزرار الهاتف بسرعة ،، و كلمات الرسالة النصية تتزاحم على الشاشة الصغير ،،
.
.
( رايــــه يا حبي ،، دخيل قلبج ردي عليّه .. و الله ان حالتيه هب حاله ..عطينيه فرصة أرمسج بس .. حتى لو كانت المرة الأخيرة .. دخيلج راية .. و الله أحبج .. أحبج .. ماروم أعيش من دونج )..
.
.
أرسلتها و هي تتنهد بأمل .. لا تريد أن يكون مصير هذه الرسالة كاللواتي سبقنها .. ترجو بقوة أن تجيب رايه عليها ..
راحت تجيل نظرها فيمن حولها مجددا .. وقعت عينها على روضة التي كانت تجلس في زاوية بعيدة .. وجهها شاحب .. و أنفها محمر .. شعرت شيخة بالحنان .. هذه هي روضة .. لم تعرف ذاك العم يوما .. و لكنها انفجر بالبكاء حال سماعهم للخبر و سارعت لبيت جدها معلنة الحداد عليه .. دوما هي مندفعة بهذا الشكل .. ابتسامة خفيفة اعتلت شفتها قبل أن تتداركها بسرعة .. ليس المكان و لا الظرف مناسبا للابتسام ..

* * * * *

دلفت السيارة الفارهة ذاك الحي المتواضع ،، تقطع شوارعه الضيقة ببطء و أشعة الشمس تنعكس عن سطحها اللماع و نوافذها الداكنه .. لتتوقف أمام ذاك البيت العتيق ..
شدت هي يدها على مقبض حقيبتها و قلبها ينعصر .. طار الاسترخاء في تلك اللحظة و هي تتململ في جلستها .. شيء من التعاسة خالطت الخوف في قلبها و هي تنظر لجدران البيت بالية .. و تمنت لو أنها أصرت على شيخة أكثر بان تأتي برفقتها .. لا تعلم حقا كيف ستتصرف الآن ..
لا زالت نظرتها الكئيبة تنصب على الباب الوحيد للبيت الصغير .. لا شيء يدل على أن العزاء يقامن هنا أيضا .. شتان ما بين هذا الخلو و الإزدحام الفضيع في بيت جدها الكبير ..!
لا شيء يدل على حداد هؤلاء سوى تعاسة تلوح على واجهة البيت العتيق .. و بابه الذي انحلّّ طلاءه .. نظرت مجددا لمرآت السائق الخلفية لتجده ينتظر نزولها .. شدت الغطاء أكثر حول رأسها .. و هي تضم حقيبتها السوداء لتفتح الباب مترجلة من سيارتها .. و هي تقول بصوت مضطرب ..
- خلدون .. سير يوم أخلص بسويلك تييني ..
هز السائق رأسه بطاعة و هي تغلق الباب خلفها بهدوء .. اجتذب نظرها عدة أطفال ارتدوا ملابس بسيطة يقفون معا بأقدامهم الحافية و قد أمسك أحدهم كرة قدم بين يديه .. يتأملون السيارة بعيون مشدوهة .. يبدو أن قدومها قد قاطع لعبهم .. راحت تعب من الهواء بتوتر .. و كتلة من الشوك تسد حلقها .. حزن رهيب جثم على صدرها حتى كاد يخنقها .. و هي تتقدم من البيت كان بابه مفتوحا .. و أحنت رأسها لكي لا تصطدم بقمته المنخفضة .. شعورها المر سببه هذا المكان ..!
كان الذهول يلجم عواطفها .. أيعقل أن يسكن عمّها و أبناءه في هذا البيت بينما يستحلون هم تلك القصور ؟؟ وجدت نفسها أمام مجلسٍ ضيق و قد امتد على يمينها طريق قصير قطعته في خطوتين لتعبر الفرجة في آخره .. فتجد نفسها في باحة ضيّقة للغاية و قد صبّت بالاسمنت القاسي .. أمامها مباشرة كان مدخل للبيت و قد تباينت نساء يجلسن أرضا أمامها و قد لفتهن دخولها ..
لم يعد هناك مجالٌ للتراجع ..!
راحت تدفع خطاها ببطء و يدها المرتعشتين تتقبض كقلبها الذي راح يخفق بجنون .. القدوم إلى هنا مغامرة كبيرة ..! ما الذي يدفعها للاعتقاد بأنهم على استعدادٍ لاستقبالها و أهلها قد أنكروهم لدهور ؟؟!
وصلت للمدخل تخلع حذائها الثمين بجانب الأحذية الملقاة أمام الباب .. و العيون تتحلق حولها .. تقدمت خطوة .. و هي تجلي حنجرتها قبل أن تسلم بصوتٍ مرتعش ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
هبن النساء جميعا واقفات في أماكنهن .. لم تجد فرصة للنظر حولها باحثة عمّن قد تكون احدى بنات عمها .. بدأت بالسلام عليهن إمرأة تلو الأخرى .. و ذعرها يتعاظم .. لمن ستقدم تعزيتها و هي لا تعرف أحدا هنا ..؟؟
وصلت فجأة لتجدن نفسها أمام فتاتين متقاربتين من العمر بدا عليهن الشبه .. و قد أبلى الدمع مآقيهن الحزينة .. تأكدت من أنهن بنات عمّها .. شعرت بالدمع يلسع مؤخرة عينها ..
بنات عمّها ..!! مدت ذراعيها لتحتضن الفتاة الأولى بعاطفة شديدة .. لم تكن لتتمنى أن تلتقيهن في هذه الظروف التعيسة .. تهدج صوتها و هي تشعر بحرارة الدموع تتدفق على وجنتيها ..
- أحسن الله عزاكم ..
بكت الفتاة بين ذراعيها دون أن تعترض على هذه الموساة من تلك الغريبة ..
- البقا لله .. أحسنتي ..
رفعت روضة رأسها لتضم الأخرى بحنان و هي تردد عبارات التعزية .. ثم التقت إمرأة بدا عليها التقدم في السن لتسلم عليها بدفء .. المرأة التي كان صوتها حنونا و هي ترى وجه روضة الجميل قد أغرقه الدمع الذاهل .. الحقيقة أنها صدمت للغاية لسوء حالة عمها و أبناءه .. لم تتخيل قط بأن تكون بهذا السوء ..! شدت يد المرأة بحزن ذاهل و المرأة تقول بحنان حين رأت عيناها الحائرتين ..
- مرحبا ينتيه .. قربي يعلنيه فداج .. هاي أم نايف ..
و أشارت لإمرأة تجلس على الأرض نحيلة .. تلبس - البرقع - و ثوبا من القطن .. و قد جلست طفلة على يمينها و فتاة على أعتاب المراهقة من يسارها .. نظرت لوهلة مرّة إليها .. المرأة هذه تعرفها بزوجة عمّها .. علمت إذا أنها لا تعرف أحدا هنا .. لا تعرف أحدا في بيت عمّها ..!!
عجبا ..!
كيف ألقت الأقدار كلٌ منهم في طريق .. حتى التقوا أغرابا ..!
انحنت و دموعها تتدفق و هي تسلم على الطفلة بحنان قبل أن تسلم على أم نايف و تقبل رأسها بأسى .. شدت على يدها و هي تقول بصوت خافت ..
- شحالج خالووه ؟؟ أحسن الله عزاكم ،،
ابتسمت المرأة المسنة قبل أن تقول بصوت هادئ حين انتظرت روضة من المرأة ردا لم يأتها ..
- ما تسمعج فديتج ..
ارتجفت روضة .. حمقاء ..! كيف نسيت ..مدت يدها الناعمة لتشد على قبضت أم نايف الضئيلة و هي تربت عليها .. لم تعرف كيف توصل إليها تعازيها ..!!
سعد أن سلمت على الفتاة المراهقة و النساء المتبقيات .. أوسعت لها المرأة المسنة مكانا بجانبها و هي تشير لها أن تجلس هنا .. جلست روضة دون أدنى ضيق قد يخالجها و هي تجلس في هذا المكان المغاير لطبيعتها .. كانت المرأة عن يسارها و إحدى بنات عمّها اللواتي لا تعرف لهن اسما عن يمينها .. قربت منها إحدى النساء التي بدا أنها وافدة فنجانا من القهوة .. و هي تقول ..
- سمي حبيبتي ..
التقطت روضة الفنجان تشكرها قبل أن تنظر لها المرأة بهدوء ..
- حيا الله من يا ،، شحالج بنتيه .. ربج بخير ..
هزت روضة رأسها و هي تنظر للفنجان .. حقا لن تستطيع ابتلاع شيء .. فغصة كبيرة تسد مجرى الهواء وسطها ..!
- يحييج خالوه - و ارتعش صوته و هي تقول بتعاطف - الحمد الله ع كل حال ،،
هزت المرأة رأسها موافقة ،،
- الحمدالله ع كل حال .. سمحيليه فديتج ما عرفتج .. بنت منوه انتي ؟؟
آن الأوان الآن لتعرف عن نفسها شعرت بالوجوه تنتظر منها تعريف نفسها .. الحقيقة أنها ودّت لو أنها تحتفظ بالاجابة لنفسها .. لا تريد أن يعلم أحد أنها ابنة عائلة لفظت المرحوم خارج حدودها .! ارتعش صوتها و هي تخفض بصرها بألم ،،
- أنا روضة بنت علي بن سيف .. و المرحوم الله يغفر له كان عمّي ..!
بدت الصدمة جلية على وجه العجوز الذي لم تفارقه عيني روضة .. تخشى أن تنظر لأوجه بنات عمها فتجد شيء لا يسرها .. سرعان ما اكتسى وجه المرأة ابتسامة مرحبة و هي تقول بهدوء ..
- مرحبا بج و الله .. حياج يا بنيتي .. أنا عمّتج عذيجة .. يقال لي أم مايد خت حرمة عمّج - و أشارت بيدها للمرأة التي عرّفت عنها مسبقا - هاي عمّتج وديمة .. و هاي بنتاا هند و هاي مزنة ..
نظرت لها الطفلة بعينين متسعتين لا معتين وجهها الحلوة كان حذرا و أهدابها ترف مرارا .. التفتت للخلف نحو الفتيات اللواتي كانت تشير لهن أم مايد ،،
- هاي نورة .. و هاي دانة .. بنات عمّج الله يرحمه ..
لم تكن نورة تنظر إليها بينما قابلتها دانة بنظرة متوجسة و هي ترفع رأسها قليلا .. رغم الحزن الذي يغشى ملامحها إلا أن شيئا غريبا كان ينعكس على وجهها أيضا ..!
نظرت عذيجة لدانة تأمرها بهدوء ..
- سيري ازقري خواتج يسلمن على بنت عمّج ..
أومأت دانه مطيعة و هبت من مكانها لتنفذ ما طلبته خالتها متوجهه الى المطبخ الذي كان بابه يصل للصالة عبر مدخل ضيّق .. دلفت المطبخ لتجد حور و فاطمة يقفن قرب الموقد و المها مشغولة بترتيب شيء ما في الخزانة .. بينما جلست عفرا على أرضية المطبخ بصمت و هي ترتشف كوبا من الشاي الساخن .. الصمت هنا كان لذيذا .. شيئا يغرق الإنسان أحزانه فيه .. قالت بحذر يخالط البؤس الألم في وجهها و هي تجيل بنظرها فيهن حين التفتن اليها فور دخولها ..
- خالوه تزقركن .. تباكن تسلمن على بنت عميه علي ..
وضعت عفرا الكوب أرضا و هي تنظر لها بذهول امتزج بالحزن الذي يسكن ملامحها ،،
- منــــــــــــوه؟
غالبت حور الصدمة قبل أن تعلو وجهها نظرة غضب شديد .. و هي تشد على القفاز الاسفنجي بغضب . فيما التزمت فاطمة الصمت احتراما لنقاشهن .. عادت دانة تقول بهدوء و هي تنظر لحور بإمعان ..
- روضه بنت عمي علي ..
وخرجت لتتركهن متخبطات في صدمتهن ..التفتت عفرا الى حور والمها التي لم تفهم شيئا مما قالته دانه قاطبه جبينها وتهز راسها تسالهن وهي تشير بيدها مستفسرة ... استدارت حور للمغسله لتغسل الصحون التي لم تكن بحاجة لذلك ونظرة الغضب لم تفارقها .. الحقد والغضب يتعاظم في داخلها اتجاه هذه العائله التي سلبتهم ابسط حقوقهم في المرحوم ..وسدت حلقها غصه كبيره حين تذكرت والدها ..في حين راحت عفرا تشرح للمها الأمر بسرعة قبل أن تقول بصوتها المتهدج ..
- يله حور .. خلينا نظهر نسلم عليها ..
تستحثها لترى رده فعلها ..ردت حور دون أن تنظر اليها وهي تشغل نفسها بالغسيل ،،
- سيرن سلمن عليها مابظهر ..
لم تلح عفرا عليها و هي تتبادل نظرة متيقنة مع فاطمة التي قالت بهدوء ..
- أنا بسير وياكن ..
خرجن بهدوء ليصلن إلى الصالة الضيقة .. قبل أن تقع أعينهن على فتاة توسطت أم مايد و دانة .. شابة أنيقة طغت على ملامحها الجميلة علامات الحزن وآثار الدموع ...لفت ذراعيها على عفرا بحنان والدموع تلمع في عينيها و أم مايد تعرفها بهن .. صوتها الهادئ كان مطمئنا ..
-أحسن الله عزاكم ...
ردت عفرا بحيره من هذا التدفق لمشاعر ابنه عمها .. بدت لها الأمر غريبا .. هذه الفتاة حزينة على رجل لم تعرفه يوما ..!
- يزاج الله خير ..أحسنتي
وسلمت على المها وفاطمه التي تشبثبت بها بنفس الطريقه والدموع تسيل على خدها ...تكلمت خالتها لتسالهن
- وينها حور؟
اكتست ملامح روضه الصدمه وهي تنظر الى الفتاه التي لا تشبه الفتيات متسائلة عن هويتها ..!
ردت عفرا وهي تنظر الى خالتها وتشعر باحراج بالغ من النظر الى روضه ،،
- في المطبخ ..
قالت خالتهن بعفويه..
- زقريها تسلم على روضه..
توترت عفرا وهي تنظر الى لفاطمة ..
- تقول مشغوله..
كان الأمر واضحا للغاية و عفرا تجلس في الطرف البعيد مع المها و فاطمة ..فهمت روضه الرسالة و أنها لاترغب بلقاءها ،، لكن ذلك لم يؤثر في عزيمتها .. لقد وصلت إلى هنا .. لا لترتد عند أول محاولة لرفضها .. قالت بابتسامة شاحبة ..
- ما عليه عموووه بسير لها المطبخ ،،
توجهت روضه الى الباب الذي خرجن منه الفتيات منذ برهة .. وطرقته بخفه .. لم تنتظر ردا و هي تدفع الباب للداخل .. دلفت بهدوء و منظر المطبخ الضيق النظيف البسيط يملأعينيها .. فتاة تعطيها ظهرها و هي تقف أمام المغسلة .. غطاء رأسها المنزلق يكشف شعرا أسود ناعم جمع بشكل فوضوي و قد انفلتت بعض الخصلات المتمردة .. ابتلعت ريقها بهدوء .. و صوتها المرتعش يرتد بين جدران المطبخ ..
- السلام عليكم والرحمه....
تصلب ظهر حور دون أن تلتفت .. هذا الصوت الناعم الذي انساب برقة لم تسمعه من قبل .. ما يعني أن .......
استدارت ببطء و هي تمسح يداها في منشفة نظيفة .. و عيناها تستقران على وجه زائرتها الجميل .. اتسعت حدقتا روضة باهتمام .. الحقيقة أن رؤية حور كانت تهمها جدا .. ذهلت بشدّة حين رأتها .. تأملت وجهها الصافي و عينيها المتسعتين ببرود و هي ترد السلام بصوت هادئ لا يكشف شيئا من البراكين التي راحت تغلي في داخلها .. بدت أصغر سنّا مما إعتقدت ..!
- و عليكم السلام و رحمة الله ..
تقدمت روضة خطوتين منها .. تريد أن تسلّم عليها .. لكن وجه حور الجامد كان يصدّها .. و يقلقها .. مدت يديها بتردد قبل أن تضمّها ..
- أحسن الله عزاكم
ذهلت حور لحركتها تلك ،، شعرت بالارتباك لوهلة .. لم تتخيل أن تفضل هذه الغريبة التي بدت عليها معالم الثراء و الأناقة القوم للمطبخ و تقديم التعزية لها بهذه البساطة ..
و كأنها تعرفها مسبقا .. أو كأن مصابهن واحد .. شعرت بأن دموعها توشك على الانهمار مجددا .. فكل مواساة تجدها تذكرها برحيله .. و لكنها أبت أن تبكي هنا ..
لقد شهدوا من حطامها ما يكفيهم .. ألم يشأ ذاك أن يلقاها في ظروف أقل مرارة ..! سحبت نفسا عميقا تصد دموعها ..
- يزاج الله خير ...
كانت روضه تجيل النظر متمعنة في ملامح حور التي يطغى عليها الحزن بشده رغم أنها ليست بذاك الجمال الذي قد يقارن بأخيها .. إلا أن وجهها كان حلوا للغاية .. ذكرتها عيناها بعيني أختها الصغرى التي كانت تنظر لها بحذر .. لن تلومهم .. غريبة هي هنا ..!...
أحست بالم كبير يعتصر قلبها و هذه الفكرة تتردد داخلها .. غرباء يلتقون .. لا يعرف أحدهم الآخر .. رغم رابط الدم الذي بينهم .. هذه الفتاة هي زوجة أخيها و لكنها تراها للمرة الأولى .. رثاء بالغ تملكها و هي تشعر بحرارة الدمعة تدفئ وجنتها .. صوتها يضطرب ..
- سمحوليه كان وديه انيه أيي البارحة لكن يدوه كانت تعبانة و العرب يايين هناك عسب يعزون ..
بدا الفتور جليا في عينيها حالما ذكرت روضة العزاء .. و لكنها لم تغفل عن شعور خائن بدأ يتحرك في داخلها نحو هذه الشابة .. لا تعلم كم عدد أقربائها .. و لكن هذه هي الوحيدة التي فكرت بزيارتهم ..!

* * * * *

- الحين كلهن حريم و البيت ما فيه ريّال ..
ساد الصمت الرهيب في المجلس الذي خلا في تلك الساعة المتأخرة من الليل بعد مغادرة جميع المعزّين .. تبادل هزّاع و أحمد النظرات بحذر و هما ينظران لغيث الجالس بجانب جدّهم باسترخاء مبتسما لسيف المنفعل بعد أن ألقى كلماته تلك فيما بدا أن لصداها دوى الإنفجار فوق رؤوس الموجودين ،، حقا هذا جانب لم يطرأ ببالهم ..!
كان الجد يلتزم الصمت و شموخ بارد يعلو ملامحه ،، فهد ينقل بصره بين أوجه أعمامه و أبيه ينتظر ردا على ما قيل للتو .. و حامد يجلس و قد عقد ذراعيه و كأن الأمر لا يعنيه البتة ..
قال عمهم مطر أصغر أبناء الجد سنّا بهدوء و هو ينظر لسيف الذي بدا متضايقا للغاية ،،
- أخوالهم عندهم ،،
اتسعت حدقتا سيف بذهول من هذا البرود ،، قبل أن يزم شفتيه و هو يقول بغضب مكتوم ..
- أخوالهم هب ملزومين بهم .. نحن هلهم و نحن أولياهم .. باكر لو يا حد يخطب وحدة من بنات عميه حمد .. تبون لي يناسبكم يخطب عند من ..؟؟ خوالهم و الا انتو ..؟؟
هز بو غيث رأسه بموافقة ..
- سيف ما ياب الا الحق ،، الرمسة هاي المفروض انفكر ابها أول ما توفى حمد الله يرحمه .. - ثم رفع عينه لوالده الذي يكتنف الصمت - شوه الشور يا بويه ؟؟
برهه ثقيلة من السكون قبل أن يرفع الجد عينه لغيث الجالس بجانبه .. فأقام ظهره و هو يستوي في الجلسة قبل أن يقول بصوته الرجولي العميق الذي تردد في المجلس الكبير ..
- الشور إنّا نييب بنات عميه حمد و حرمته عدنا .. نرعاهم و يكونون تحت عينّا .. أمايا نورة تقول تبا عياله عندها .. - ثم التفت لعمّه مطر بشيء من القسوة الباردة - هاييلا عرضنا .. و ملزومين بهن .. بس حاليا ما بيدنا نسوي شي .. حرمة عميه حمد في العدّة ما نروم نييبها هي و عيالها هنيه الين ما تقضي احتجابها ..
ثم ارتفعت شفته العليا لسبب غير معروف بهزل ،،
- يعني أربعة شهور لازم ايتمون هناك ،، و عقبها بنييبهم هنيه البيت العود ،، و في هالمدة من وقت لوقت .. حد يمر عليهم و يشوفهم شوه محتايين و شوه يبون ..
استدارت الأعين للجد متوقعين إعتراضا أو شيئا من هذا القبيل .. و لكن الجد التزم الصمت .. عاد فهد ينظر لغيث مفكرا و هو يقول بخبث ،،
- و تبونهم ايتمون اروحهم في هالاربعة أشهر ؟؟ - ثم قال بنبرة هازئة و عينه ترتكز على غيث - هاييلا عرضنا .. و ملزومين بهن ،،
لكن ابتسامة غيث الهازلة لم تختف عن شفتيه رغم أنها لم تصل لعينيه القاسيتين و هو يقول بلهجة ناعمة خطرة ..
- و شوه تقترح ؟؟
رفع عينيه ممثلا التفكير في حركة ساخرة قبل أن يعود ليقول بنبرة متحمسة مصطنعة لم تقنع الجميع ،،
- و ليش محد منا ييلس عندهم الين ما تقضي حرمة عميه شهور العدّة ؟؟
ساد الصمّت في المكان لبرهه و الفكرة تستقر في رؤوس الجميع قبل أن يقول بو سيف بصوت هادئ ..
- و شوه الفرق بتّم الحرمة في العدّة و محتجبة و أي واحد هناك يمكن يخرق إحتجابها ..
لكن ابتسامة فهد الواثقة لم تفارق وجهه ،،
- هيه هذا لو لي بييلس وياهم واحد منّا .. بس لو كان هالشخص محرم .. ما ظنتيه فيها شي .. و الا شوه الشور ..؟
كان سيف حازما و هو يقاطعه ..
- فهد شوه قصدك ..؟؟
نظر فهد لغيث بلؤم و هو يقول بلهجة مباشرة ،،
- قصديه إن لي بييلس وياهم لازم يكون محرم لها .. و محد محرم لها إلا غيث .. هب ريل بنتها ..؟؟
اتعست الأعين و هي تتسلط بنظرات دهشة على غيث الذي لا يزال مسترخيا في جلسته و هو يقول بلهجة هادئة ،، خطرة ..
- عيل اظهر منها انته .. و خلها علينا .. - ثم ابتسم ببرود - مثل ما قلت .. بنات عميه و أمهن في بيتهن و الدار أمان ما عليهن خوف .. أربعة أشهر و بنييبهن هنيه ،،
ثم استدار لأخيه حامد متجاهلا الجميع يقول بنبرة آمرة و هو يقف ..
- حامد نش ويايه ..
نهض حامد بسرعة يتبعه للخارج .. فيما صر فهد أسنانه بغيض ،، يبدو أن ابعاد غيث مستحيل تقريبا ..
سار غيث و حامد لخارج المجلس متوجهين للبيت الكبير و غيث يملي تعليماته بسلطة ،،
- باكر عقب العزا تخطف ع الجمعية و خذ يواني عيش و طحين و سكر .. و كراتين خضرة .. كثّر من هالسوالف و لا تخلي شي .. ودها بيت عميه حمد .. و تخبرهم كان محتايين شي .. مانبا القصور يي منّا ،،

* * * * *


نظرت لها بحنان مؤلم .. و هي ترى وجهها الصغير قد قفز عّة سنوات و خطوط الهم تغفو بين ثنيات ملامحها .. كانت الوقت يقارب منتصف الليل .. جلست بجانبها بهدوء .. لتلتفت تلك لها فترتسم ابتسامة مهمومة صغيرة .. ذابلة على وجهها .. لتردها تلك بواحدة متوجعة على حالها ..
- حور غناتيه .. ما بتنشين توطين راسج ..؟؟ عنبوه من البارحة ما غمضت لج عين ..
بدت ابتسامتها مثيرة للشفقة وسط وجهها الشاحب .. و هي تقول بمرارة ..
- لاحقين ع الرقاد يا وديمة ..
كان الظلام الدامس يغرق الدنيا و أعمدة النور في الشارع تلقي بشيء من الأضواء داخل الحوش الضيق .. رائحة الهواء المحملة بالرطوبة تبشر بيوم ضبابي .. سكون تام .. لا يقطعه سوى صوت أنفاس حور الثقيلة بعد أن أنهكتها الدموع .. و بوق سيارة قادم من الشارع العام البعيد .. تشعر بمآقيها ساخنة .. و مؤخرة عينها تلسعها .. لم تعد تذرف الدموع ،،
هل استنزفت طاقتها على البكاء يا ترى ؟؟
مدت و ديمة راحة يدها تمسح على شعر حور المنفلت من عقدته .. منسدلا بفوضوية على طول ظهرها .. سألتها وديمة بحنان ..
- تقول أمايا ان بنت عمكم علي يت اليوم هنيه ..
هزت تلك رأسها ببطء .. فقالت وديمة بهدوء ..
- أخت ريلج ..؟
انعقد جبينها بضيق لبرهة .. تسند ذقنها لركبتيها المضمومتين قبل أن تهمس ،،
- هيه ..
نظرت لها وديمة بحذر ،،
- حليلها .. فيها الخير .. احسن عن غيرها ..
صمتت حور دون أن تجيبها .. و هي تستعيد في داخلها ردة فعلها الأولية حين علمت بوجودها ..
- أول ما دريت انها هنيه بغيت أظهر لها و أطردها من البيت ..
ذهلت وديمة ،،
- ليش ..؟؟؟؟؟؟؟!!
نفخت حور بحقد ..
- ما يسد لي سووه أهلها فينا ..؟!
اتسعت عينا أختها بالرضاعه بحيرة
- و شوه سوو - و ضغطت على الأحرف - أهلج ؟؟
التفتت لها حور بقسوة و هي تنكر ..
- هاييلا هب هليه .. ما يسدج العزا لي مسوينه في بيتهم و هم يدرون ان امايا في العدة و انها ما تروم تظهر .. من يابتنيه أميه ما شفت حد منهم ياي بيتنا و الا مسير و الا ذاكرنا بتيلفون .. العيد لي هو عيد ما نعرفهم فيه .. الحين عقب - و تهدج صوتها و هي تكبح دموعها - عين ابويه .. تذكروه .. و يسوون عزا محد من عياله بيحظره .. و ........
بترت عبارتها و هي تتوقف عن الكلام و دموعها تهدد بالهطول .. مدت ظاهر كفّها تمسح عبرة انزلق على خدّها .. شعرت وديمة بالألم يمزّقها .. و لكن الحقد الذي لمسته في صوت حور لم تعرفه فيها قط .. لذلك كان صوتها هادئا ..
- يا حور الانسان ما يحس بقيمة خوه الا لو فقده .. ما فكرتي ان لي تحسين به من حرّة و منقهر يمكن يحسونبه .. عقب ما ضيعوا عمرهم و عمر خوهم في القطاعة .. و بعدين ع العزا انتي ما تحتايين الغرب لي بييونهم من عربهم عسب يعزونهم .. أهم شي أحبابج لي حولج .. و لا تنسين ان أمه ما فيها حيل تظهر من البيت .. العزا حاطينه هناك عشانها ...
بدا أن حور لا تستسيغ ما يقال و هي تشيح بوجهها و تدفق الدموع يزداد .. فيما تابعت وديمة ..
- و حتى لو لي قلتيه كان صح .. بنت عمج ما يخصها .. الله يقول : [ و لا تزر وازرة وزر أخرى ] .. لا تاخذينها بذنب أهلها .. أنا أشوف ان فيها الخير لي ياية الين هنيه و العزا فبيتهم .. مطنشة لي هناك و ساعية للغرب لي هم انتو ...
بدا صوتها قويا و هي تقول بعمق ..
- حور .. الواحد ما يستسلم للوساوس و الشيطان .. كرهج للغير ما بيفيدج بشي .. لكن التسامح بيجنبج المشاعر الخبيثة لي يمكن تحسينبها .. ع العموم أنا ما ضايقنيه غير ردة فعلج ع البنية ..
قالت حور بضعف وسط دموعها .. تشعر بأنها واهنة .. لا تقوى هذا التدفق من الكلمات ..
- لا يا وديمة .. أنا ما أذيت و لا عقيت عليها رمسة ،، رغم كل شي يلست ويانا أربع ساعات حاشمينها و محترمينها .. و قبل لا تظهر اترخصت تيينا مرة ثانية .. و رحبنا بها ،، حتى رقميه عطيتاا اياه يوم طلبتنيه ..
.
.
شعور بالتعب .. بالارهاق ..
انطباع غريبة بأنها تقف على شفير هوّة مظلمة .. تريد أن ترمي بروحها في قعرها ..
أخذ يغزوها .. و الدموع تأخذ طريقها لوجهها من جديد ..
كم سيستمر هذا الوجع يا ترى ..؟؟

* * * * *

كن يجلسن في ردهة المنزل الفسيحة .. و ترفع هي قدميها على طاولة القهوة .. و يداها تعبثان بأزرار هاتفها دون توقف .. حتى حانت منها التفاتة لأختها ..تنصب نظراتها على وجهها الشارد .. بدت من نظرتها للفراغ بأنها ليست على أرضهم هذه .. تبعد عنهم أميال .. لم يكن هذا ما لفتها .. بل نظرة منكسرة في عينها حيّرتها .. أما تزال حزينة على ذاك العم ..؟؟ أم أن هناك سبب آخر ..؟؟
جزء منها كان واثقا بأن الأمر يتعلق بزيارتها لبيت عمّها اليوم .. نادتها بصوت واضح ،،
- روضاني ؟؟
أجفلت روضة و هي تلتفت بعينٍ غائمة لأختها و بريق دمعة بعيدة في أفق العين لا يخبو ..
- هااا ..
عقدت جبينها و صوتها الخشن ينخفض قليلا ..
- بلاج ؟؟
هزت رأسها بحيرة ..
- ما شي ..!
رفعت تلك حاجبها بانكار ..
- مساعة يالسة عندج و انتي هب داريه عنيه .. سرحانة .. شفيج ..
أخفضت تلك بصرها و هي تهمس بصوت ضعيف ..
- أفكر ..!
- فشوه ؟؟!
رفعت نظرها تتأملها لبرهة .. قبل أن تسأل سؤال لا علاقة له بالاجابة المنتظرة ..
- ليش ما ييتي ويايه اليوم يوم قلت لج انيه بسير قدا قوم عميه حمد الله يرحمه ..؟
هزت شيخة كتفيها ..
- مادري بس ما حبيت أسير عند عرب غرب .. ما أعرفهم .. و ثاني يوم في العزا ..!! يعني يا الله يا الله يتعبلون بعمارهم .. هب ناقصيناا نفر عمارنا عليهم في هالمحنة ..
لوحت روضة بيدها بعدم موافقة ..
- عذر غريب الصراحة .. دوري غيره ..!
رفعت شيخة حاجبها ..
- و شوهالغريب فيه أخت روضة ؟؟ - ثم نظرت لها باستفسار - شوه سويتي هناك ؟؟
هزت روضة كتفيها و هي تتنهد بعمق ..
- ما شي .. يلست عندهم ثلاث ساعات .. و عقب صلاة العصر رديت البيت ..
بدأ الفضول يدب داخل شيخة و هي تسأل ..
- شفتي بناتهم ..؟؟
- هيه ..
- كم عددهن ..؟؟
- سبع ..
شهقت شيخة بقوة ..
- أوووووف شبع .. يخرب بيته هالعم ما عنده وقت ..
عقدت روضة جبينها بقوة و هي تقول باشمئزاز منها ..
- صدق انج ما تخيلين .. الريال متوفي .. استحي ع ويهج ..
وضعت يدها على فمها ..
- أوبس .. سوري .. صدق خبرينيه .. كم عمارهن شوه أساميهن .. شفتي حرمة غيث ..؟؟ حلوة ..؟؟ كيف شكلها ؟؟
نظرت لها روضة بحاجب مرفوع ..
- خيييييييييبة شوي شوي علينا .. و بعدين يوم انج مهتمة هالكثر ليش ما خاويتينيه يوم شرت قداهم ..؟؟
- الحين خلينا من هالرمسة .. و ردي عليّه ..
رفعت روضة عينها متذكرة ..
- آممممم .. العودة حور هي حرمة غيث .. عمرها يمكن 23 أو 24 مادري و الله .. بس شكلها يبين أصغر عن كذيه ..!
نفخت شيخة بضيق ..
- وايد صغيرة ع غيث .. أصغر عن العلة عوشوه ..
- لا اله الا الله .. انتي ما تيوزين ..
لوحت شيخة بعدم اهتمام ..
- لا تسوين لنا فيها .. كملي ..
نظرت لها روضة شزرا قبل أن تتابع ..
- تيي عقبها المها .. هاي الصمخة .. بس شوه أقولج .. سبحان الله .. شيخاني أحلى وحدة فخواتاا .. وايد حلوة و نعومة .. مادري كيف حتى ابتسامتاا غير .. خاطريه كان أرمس وياها و الا آخذ و أعطي .. بس ما أعرف كيف أرمسها بالاشارة ..! عمرها حول 19 سنة .. لن خالتهن تقول ان بينها و بين حور 4 سنين .. و الباقيات متّابعات .. يعني عقب المها تيي عفرا .. في الثنوية العامة و عقبها نورة ثاني ثنوي .. خلاف دانة هاي أول ثنوي .. و هند في الاعدادية بس ما أدري أي صف .. و نايف خوهن هذا ما شفته .. بس أكبر من مزنة بـ 3 سنوات .. يعني تقولين عمره 13 سنة .. و آخر العنقود مزنة عشر سنين .. و هاي كافة التفاصيل .. عيبج التقرير أخت شيخة ؟؟
هزت شيخة رأسها بذهول ..
- ما أصدق .. ع قلة فلوسه الا ان عنده 8 عيال .. ما شا الله .. الله و أكبر عليهم .. نحن أكبر عايلة عدنا عايلتنا و بس خمسة نفر .. هاييل وين البيت لي يسدهم ..
انقشعت الراحة المؤقته عن وجه روضة فور تلفظ شيخة بتلك الكلمات .. و كسى ملامحها الجميلة الألم الشديد ..
- يا الله يا شيخة .. لو تشوفين بيتهم تحمدين ربج ألف مرة .. نحن متبطرين ع النعمة و كل يوم تغيير أثاث و ديكور .. و العيشة نفر دبل أكلنا في الكشرة .. و مواتر و طلعات .. و أسواق غير الفلوس لي ما ندري وين نحطها .. و عميه و عياله هب محصلين غير بيت مقسوم .. بثلاث حجر ة مطبخ و حمام .. تخيلي .. انا خطفت على حجرة أول ما حدرت بيتهم تحريتاا ستور .. طلعت ميلس الرياييل و وراها حمام ..!! تخيلي عميه و حرمته و عياله الثمانيه يتشاركون هالحمام .. لو تشوفين صبغ اليدار كيف رايح .. صح البيت نظيف .. بس الفقر في كل مكان .. مادري كيف عميه كان يسد لقمتهم .. مادري كيف بيدبرون عمارهم الحين ..!!
و تهدج صوتها و ألماسة متألقة تنحدر من عينها اليسرة و هي تقول ..
- تمنيت انيه ما دريت ان عنديه عم و لا ييت بيته .. عسب ما أشوف هالشي .. حسيت بالذنب .. كأنيه ظالمتنهم .. مصروفيه في الشهر يي دبل ميزانيتهم أربع مرّات ..
دفنت وجهها بين كفيها و هي لا تقدر على منع دموعها من التسرب ..
- و الله انهم قطعوا فواديه .. كيف بنساعدهم .. كيف ؟؟؟!

* * * * *


كان هذا هو يوم العزاء الأخير و الوقت يقارب العشاء ،، حين توقفت سيارة فارهة لم يعتد هذا الشارع على وجود أمثالها بعد .. و توقفت وراءها شاحنة فان صغيرة ..
ترجل الرجل من سيارته و هو يجيل نظره في الحي .. لم يأتِ إلى هنا مسبقا سوى مرّة واحدة .. و لكنه لا يتذكر أن هذا المكان كان بهذا البؤس ..
وصل للباب المنشود .. قبل أن يطرقه بقوّة .. ثم تنحى منتظرا أن يأتي أحد .. كان يستنشق الهواء مشغولا بالعديد من الأفكار حين وصله صوت حاد خشن ..
- السلام عليكم ..
التفت نحو صاحب الصوت لتقع عينه على ابن عمه الصغير الذي فغر فاهه بعد أن تعرف عليه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
سلّم نايف عليه رغم أنه كان قد رآها صباحا في ذاك القصر و هو يحاول مراجعة اسمه في ذهنه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ،، حييه بو حمد ..
قال نايف بشيء من الخجل ..
- الله يحييك ..
ابتسم الرجل بهدوء و هو يقول ..
- أنا حامد ..
أجاب نايف بسرعة منكرا جهله ..
- أدري ..
- شحالك .. و شحال هلك .. ربكم بخير ..
- يسرك الحال .. الحمد الله .. اقرب
لمع الاعجاب في عيني حامد ..
- قريب .. بس مستعيل و الله .. سير شف ختك العودة قولها انيه هنيه .. برقبكم ..
عقد نايف جبينه ..
- منوه ..؟؟ حور ؟؟ شوه تبابها ..
اتسعت ابتسامة حامد ..
- ريلها مطرشنيه عليها ..
كان الشك يكسو ملامح نايف لبرهة و هو يستعيد في ذهنه صورة - ريلها - قبل أن يقول ..
- لحظة بس ..
و اختفى في الداخل .. و عاد حامد يستند على الجدار .. شعر باختلاف كبير بينهم و بين بيت عمهم هذا .. لم يكن في صغره يعلم ما يعلمه هذا الصبي .. لا بد أن ملازمته لأباه بيد أنه ابنه الوحيد قد أثرت عليه كثيرا .. دقائق طويلة مرت قبل أن يتناهى لمسمعه صوت الأقدام القادمة نحو هذا الباب ابتعد عن الجدار مترقبا القادم .. فجأة وجد نفسه يخفض بصره حال ظهور شابة ترتدي عباءة سوداء و ترد الغطاء على وجهها .. قال بهدوء ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
كان صوتها مبحوحا و منخفضا .. جليديا ..
- و عليكم السلام ..
- شحالج يا بنت العم ..
كان برودها مربكا ..
- بخير ..
شعر بتوتر .. لا يدري لما راوده احساس بأنه غير مرحب به هنا ..!
- الله يسلمج هاي شوي أغراض يايبينها للبيت .. و بغيت أشوف كان محتايين شي و الا فخاطركم شي ..
صمت مطبق كان الرد على كلماته .. قبل أن يأتيه صوت الفتاة قويا .. آمرا .. و قاسيا ..
- أغراضك شلها وياك .. نحن هب في حاية شي منك و لا من أهلك .. توكل من هنيه و مرة ثانية هالباب لا تعتبه .. الله يحفظك ..
فغر فاهه مصدوما مما قيل للتو و الباب الحديدي الصغير يرتد بقوة منغلقا في وجهه مصدرا صوتا قويا ..
شعر بالاهانة .. و هو يضم قبضته بغضب .. يكبح رغبة تحثه على تحطيم الباب على رأسها ..

* * * * *

مرت ثلاثة أسابيع بطيئة للغاية عاد الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي .. و كأن شيئا لم يحدث .. و كأنما يؤكدون بان ارتحال رحٍ الى بارئها لا يعني نهاية العالم ،، جميعنا لنا نفس المصير ذات يوم .. فلماذا نقضي ما تبقى من الوقت في الرثاء على شخص قضى نحبه ،، و لن تعيده الأحزان و ذرف الدموع ..
كان ذاك يقين قاسٍ .. و مؤلم .. و غير مراعٍ لمشاعر الغير التي لا تزال معلنة الحداد على فقدها ..
و لكنها تظل حقيقة .. و لن يجعلها التهوين مختلفة بأي شكل ..
مضت الأيام لتعود الأمور إلى نصابها بالنسبة للجميع ،، باستثناء بيت المرحوم .. بو نايف ... لا زالت تلك الجدران تحتضن مرارة اليتم .. تحوي داخل حدودها من الأنين ما لن يسمع و لا يتجاوز الصدور .. تستر تحت جنح الظلام تلك الدموع الخفيّة ،، حين يسعى كل ساكن في ذاك البيت لإخفاء أوجاعه عن الأعين .. التظاهر بالقوة .. و تجرع حرّ ما يؤلم لوحده ..
بدت الحياة في الأيام الماضية تمشي برتابة بائسة .. عاد أبناء بو نايف لمدارسهم .. يكافح كلٌ منهم أن شيئا لم يحدث و أن الحياة حتما ستعود لطبيعتها بعد بعض الوقت ..
كان مؤلما إدراك بأن الحياة تواصل المسير دون والدهم ..!
.
.
.
.
.
.
- يا غيث هاي خامس مرة تروغنيه من البيت ..
خرجت العبارة من فمه بضيق و هو يدور في مكتب غيث الواسع .. و الأخير يعيد كرسيّه للوراء بابتسامه هادئة أخفت تحتها غضب مكبوت ..
الحقيقة أنه يصارع رغبة في ترك مكتبه هذا و التوجه لبيت عمّه ليدق عنق تلك الطفلة السخيفة ..إلى ما ترمي برفض كل المعونات التي يحاولون تقديمها و إدعائها بأنهم لا يريدون صلة بهم .. لديه ما يشغله و لا يريد تضييع وقته بألاعيب سخيفة .. كان صوته متحكما و هو يقول بسلطة ،،
- ما عليه يا حامد .. سير لهم بعد هالمرة نحن ملزومين ابهم .. ع الأقل الين ما ألقى وقت و أتصرف أنا في الموضوع ..
كان بامكانه أن ينهي الموضوع ببساطة عبر الهاتف لو لم يكن يرد عليه بمغلق طوال الوقت ..
عقد حامد جبينه بضيق ..
- أقولك رايغتنيه خمس مرّات .. و تقول لو ييتهم المرة الياية بتتصل بالشرطة .. - ثم فتح عينه باستهجان - الشرطة أونه .. بنات عمّك ما فيهن مذهب ..
كان رد فعل غيث فوريا و هو ينهره بصوت مرتفع محذر ..
- حامد ..
احمر وجه حامد فورا وو هو يعض شفته السفلى .. سرت رعشة على طول ظهره .. يبدو أنه أثار أخاه الأكبر .. زلة أخرى و لن يجد ملجأ في مرابع الغفران ..!!
ابتلع ريقه و صوت غيث يتدفق بقسوة ..
- عيدها و ما تلوم الا نفسك .. ثمن رمستك قبل لا تعقها ..
هز حامد رأسه بطاعة .. كان عليه أن يحذر فهو بذلك يمس زوجته أيضا ..! قال بهدوء ..
- اسمحليه يا خويه .. بس و الله من لي فينيه .. شوف كم مرة ساير لهم .. و كل ما ييت تطلع بنتهم و تروغنيه .. ما تقول غير ياي أشحت منهم ..!!
فكرة غريبة راودته و هو يسترخي - بنتهم - و ليست - حرمتك - ،، هه .. لا يشعر احد منهم بذاك الارتباط ..!
حامد يقف بيأس منتظرا ردا على ما قال منذ برهه .. تابع يقول ..
- أنا ما عنديه خلاف مستعد انيه أوصل لهم لي يبونه .. و حتى بنتبادل أنا و أحمد و هزاع .. لكن تفاهم وياهم أول .. ما نبا فضايح يا غيث .. و هاييلا شكلهم ما يدانونا ..
كان وجه جامدا لا يفصح عن شيء ،، و هو يركز بصره على وجه حامد المترقب .. عليه ان ينهي هذه التفاهة بشكل ما .. لا يجب أن يشغل ذهنه بهذه الأمور أكثر من ذلك ..
كان صوته باردا و هو يلوح بيده ..
- أنا ساير البيت لهم الليلة و برتب الموضوع ..
ثم تصلبت عيناه بغضب .. و هو يضمر تأديبها في نفسه ..

* * * * *

تجلس على أرضية الساحة المدرسية و هي تحرك العصير في زجاجته .. و صوت صديقتها يتدفق بهدوء و هي تقلب وريقات في حجرها ..
- يعني الحين ما بنمتحن انجليزي في المدرسة .. بيكون هو و امتحان السيبا واحد و بنمتحن في الجامعة ..
ارتشفت عفرا جرعة من العصير و هي تعقول بتفكير ..
- انزين علايا .. يعني معدل السبا داخل في مجموع الثانوية ..!
- هيه ..
هزت عفرا رأسها بهدوء ..
- أهاا الله يعين عيل .. كان ما بترتفع نسبة الرسوب من التخبيص ..!
نظرت لها عليا بحنان .. تعغيرت كثيرا .. أصبحت أكثر جدية ..
أكثر هدوء ،،،
و حزنا ..
الحقيقة أنها قالت تلك الكلمات بآلية دون أن تشعر .. أفكارها كانت تأخذ منحنا آخر تماما ..
الآن و بعد تغيب اسبوع لما طرأ من ظروف .. شعرت بعرة تسد حلقها .. تخنقها و هي تفكر بالظروف ..!
عادت للمدرسة و متابعة الدراسة هي و أخواتها .. مؤلم أن تنتشل نفسك من أحزانك لتدفع بها في غما رالحياة مجددا فتكتشف بأن شيئا لم يتغير .. و أن الدنيا لا تقف على حدود وجعك ،،
سحبت نفسا عميقا .. ها هي تعود للاجتهدا في الدراسة .. و لكن إلى أين ..؟؟
هذه هي السنة الأخيرة لها في الثانوية .. السنة القادمة ستنتقل للجامعة لمتابعة الدراسة ..؟؟ و لكن لا تظن ..!
منذ بعض الوقت علمت أن لا مستقبل لها في الجامعة ..؟؟ و خصوصا بعد اختلاف الظروف ..
الآن إذا تقدمت للدراسة هناك .. ألن يلزمها الكثير من الملابس .. مصروف ..و أشياء لا تجد الطالبة الجامعية غنى عنها ..!
من أين لها هذا ..؟؟!
يستحيل أن يغطي معاش الشؤون الذي يصرف لوالدتها و التعويض الذي يصرف لأبيها الراحل شيئا ..
بالكاد تكافح حور لسدِّ حاجاتهم .. شيء كدخولها للجامعة لن يفعل سوى نسف مزانيتهم ..
لن تستطيع فعل ذلك بهم .. أبدا ..
ستنجح هذه السنة متأكدة و بتفوق .. و لكنها لن تستطيع المتابعة بعدها ..
عليها أن توئد تلك الأحلام السخيفة .. فرغبتها في العيش .. و سد رغبات إخوتها الذين أكثر احتياجا منها أهم من تلك التفاهات ..
.
.
تودع هذا الهاجس الذي اجتاحها ذات يوم ..
ستكفيها شهادتها الثانوية .. ليست بحاجة لأخرى كي تثبت جدراتها ..
شعرت بدمعة قد أقبلت .. تنشد الحرية .. فكبحت جماحها داخل عينها التي أرخت هدبها بهدوء .. تأسرها مجددا و هي تعيدها لمكانها ..
لا يجب أن يعلم أحدا كم الأوجاع تتكوم هنا ..
ألما على ألم ..
فقط عليها أن تصمد .. حتما سيكون هناك فرج قريب ..
و إلى ذاك الحين لن يضيرها أن تزهق من الأحلام ما تعلم أنه صعب المنال ..!

* * * * *


تمشي في الحرم الجامعي و هي تحمل على ظهرها حقيبة الظهر الرياضية التي امتلأت بكتبها .. علقت على كتفها الآخر حقيبة جهاز حاسوبها المتنقل .. كانت هدى تتكلم دون توقف بسرعة .. فيما لم يخترق ذهنها المشغول شيئا من هذا الحديث .. بدا أن هدى مصرة على ازعاجها .. و اضجارها .. لذلك قاطعتها بملل ..
- هدوي لو سمحتي صخي دقيقة بس .. عنبوه هب لسان عليج رادوو ..
اتسعت عينا هدى بقوة قبل أن تضيقهما بعتب ..
- أخخ .. طاح ويهي ..!! سبالوه اصلا انتي ما تسمعين شوه كنت أقول و الا ما سكتينيه ..
نظرت لها شيخة بنفاذ صبر ..
- لا ما أسمعج شوه كنتي تقولين ..؟
نظرت لها صديقتها شزرا و هي تقول ساخرة ..
- و ليش أقول ؟؟ خلينيه صاخة دقيقة أخيرليه ..
- اففففف .. بتقولين قولي ما بتقولين برايج ..
رفعت هدى حاجبها ..
- أقولج البارحة شفت بنت عمج .. هاييك الغاوية لي دوم أشوفها فبيتكم ..
شخرت شيخة باستهزاء ..
- هه .. منوه .. عوشوه ؟؟ صدق ما عندج سالفة .. وينها هاي و الغوى وين ؟؟
- خافي ربج و الله انها تخبّل .. المهم ما سألتينيه وين شفتاا و ويا منوه ..؟!
- وين شفتيها ؟؟
قالت هدى ببساطة ..
- في المول .. وياها خوها ..
توقفت شيخة عن المشي .. و توقفت هدى هي أيضا .. أخاها ؟؟!اجتاحتها موجة من احساس غريب لم تدري كنهه .. لم ينجب عمّها مطر قبل وفاة زوجته غير عوشة .. أي أخٍ هذا ..
شعرت بذعر خفيف مفكرة بأشياء تفسر هذا .. تبا لذلك .. لا .. لا يمكن أن تكون عوشة من ذاك النوع .. مدللة .. بل مفسدة بالدلال .. تافهة بأفكار سطحية .. و لكنها ليست منحطة .. انتبهت لهدى التي بدأت تنظر لها بغرابة ..
- بلاج ؟؟؟؟
هزت رأسها عاجزة عن الكلام و هي تواصل سيرها بصمت .. هدأت هدى لفترة .. قبل أن تهمس بها بحدّة مشيرة ..
- شيخان .. شوفي راية ..
خفق قلبها بعنف مع سماعها لاسمها .. ترفع عينيها المتلهفتين للبحث عنها .. لتقع عليها واقفة في مسافة ليست ببعيدة عنها .. تحيط بها صديقتين ..انتزعت حقيبة الحاسوب و هي تلقيها على هدى ..
- يودي أنا بزخعها الحين و غصبن عنها برمسها ..
كانت تشعر بقلبها يضرب بسرعة .. و أنفاسها المشتاقة تتسارع .. خطاها تتسابق الى حيث وقفت تلك الفتاة بهيئتها المميزة .. الآن .. أو أبدا ..!
حال وصولها لمكانهن رفعت عينيها لها ثم اتسعتا بصدمة ..
- هاي ..
ردن الفتيات معا و هن ينقلن أبصارهن بين راية وشيخة ..
- أهلين ..
سلّطت هي نظرتها على تلك الجالسة بتوتر و هي تلتف يمنة و يسره .. لا تدري ملا بدت لها خائفة في تلك اللحظة .. كان صوتها حازما و هي تقول ..
- راية لو سمحتي .. أبا أرمسج يمكن خمس دقايق ..؟؟
تجنبت راية النظر لها بتردد .. قبل أن تنهض و هي تقول بصوت منخفض ..
- يمكن ،،
سارت شيخة لمنعزل قريب تتبعها راية إلى هناك .. ما إن اختفين عن أعين الآخرين .. حتى استدارت شيخة بشوق و لهفة و هي تقول ..
- راية حبي .. و الله العظيم انه ما يخصنيه في منى لي شفتيه فهمتيه غلط .. بس كنت أربط خيط تنورتها من ورا .. أدريبها دوم تغايظج و انتي تغارين .. بس و الله انتي بس حبيبتي و روحي و حياتي .. رايه حرام عليج شهرين و انتي ما تردين ع تيلفوناتيه .. أحبج .. ماروم أعيش من دونج .. لا تحرمينيه منج دخيلج و الله انتي ظالمتنيه ..
كانت شيخة تقول هذه الكلمات بسرعة وسط دموعها التي سرعان ما انهمرت ،، دموع وجدت الطريق هنا ،،
.
.
تذهلني قذارة هذه العبرات ،،
لم تكن لتهطل حين آن الرثاء على روح راحلٍ فقدت الحق في بكاءه ..!
.
.
التقطت كف راية و هي تدنو منها أكثر ..
- حبيبتي .. و الله توبة .. ما بتشوفينيه ويا هاللوث منى مرة ثانية .. بس انتي رديليه .. أحس بالموت و انتي بعيدة عنيه ..
ذهلت حين انتزعت راية يدها و هي تضمها الى صدرها .. لاح الخوف على وجهها و هي تقول بصوت مهتز ..
- أنا هب زعلانة عسب منى و الا غيرها .. هالأشكال ما تهمنيه ..
بدا الضياع على وجه شيخة و هي تهمس بوله ..
- عيل ليش ..؟؟ ليش هاجرتنيه من شهرين .. دون سبب ..!!
نظرت لها راية و هي تتظاهر بالثبات .. الحقيقة أنها كانت خائفة من ردة فعلها .. فما الذي يمكن أن تفعله بعد أن تحطمها ..!! كان صوتها ضعيفا و هي تقول بقلق و تراقب وجه شيخة ..
- أبا أقطع علاقتي فيج .. أباج تنسينيه .. أنساج ..
بدت الصدمة جلية على وجه شيخة و هي تقول باستنكار ..
- شوووووه ؟؟ تخبلتي انتي ..؟؟
ارتجفت راية و هي تقول ..
- أنا بعرس ..

* * * * *

الله أكبر الله أكبر ،،
الله أكبر الله أكبر ،،
.
.
كانت أبواب السماء تُشرّع بذاك النداء على اتساعها ،، بعد أن غفت الشمس خلف حدود الأفق منذ ساعتين ..
التقطت دانة بعض أوعية العشاء و هي تقول لهند التي استلقت بجانب نايف و مزنة تحت التلفاز ..
- هند نشي شلي ويايه الصحون عسب نغسلها ..
نظرت لها هند بضجر و هي ترفض ..
- البارحة انا و نورة غسلنا ما يخصنيه خلي عفاري و الا مزنه يساعدونج ..
نظرت لها دانة بغضب ..
- عفاري تخم الخوش .. مزنوووه نشي شلي وياية و ساعدينيه ..
نظرت لها مزنة بعينين متسعتين ..
- أنا ما عرف أغسل .. و اذا شليت الصحون بيتكسرن ..!!
نفخت دانة بغل و هي تقول ..
- بيتكسرن هاا ..؟؟ ما عليه يا مزين .. انا بداويج ..
بدا الخوف على وجه مزنة و هي تشيح به .. قبل أن يفتح باب غرفة أمهم و تطل حور برأسها تنظر لنايف الذي لا يزال مستلقي تحت التلفاز ..
- نايف .. نش صل العشا .. عسب ترد و ترقد .. باكر دوام ..
عقد نايف جبينه بضيق و هو يزيد من غلظة صوته ..
- بصلي و بخطف ع حمّود ،،
نظرتله حور بحزم و هي تأمره ..
- لاحق عليه حمود باكر بتشوفه في المدرسة .. سير صل و رد بسرعة ..
أشاح بوجهه معترضا ..
- هب ع كيفج ..
اتسعت عيناها بذهول قبل أن تنفجر به غاضبة ..
- ولـــــــد .. تأدب .. عين خير و نش صل و رد البيت .. يا ويلك لو دريت انك سرت يمين و الا يسار ..
كانت لا تزال تقف بباب أمها و هي تضع يدها على خاصرتها .. قام نايف من مكانه طوعا .. و هو يتذمر .. تتبعه عيناها .. لا تدري لما يلجأ للتمرد هذه الأيام .. ما الذي جرى له يا ترى ..؟؟!
أصبح كثير الضجر و الاعتراض و المعاندة .. رغم هذا عليها أن تعالج الأمر بحكمة و صبر لا أن تنفجر في وجهه في كل مرّة ..
رأت نورة تحمل ثيابا مكوية لتختفي في الغرفة قبل أن تعود فتخرج بسرعة .. رأت حور لا تزال تقف في مكانها و الشرود يسكن ملامحها .. فلوحت بيدها أمام عينيها ..
- حووووه وين وصلنا ..
هز حور رأسها ..
- و لا مكان ..
- وينها المها ..
- تمسد أمايا ..تقدمت نورة لتجر مخدة فتسند رأسها عليها و هي تقول بتسلط ..
- مزنة نشي قولي لدانة تسوي جاهي ..
هزت مزنة رأسها و هي تنظر لحور باطمئنان ..
- ما يخصنيه .. هاذوه المطبخ سيري انتي قوليلها ..
نظرت لها نورة قبل أن تقول ..
- لا و الله .. أشوفج مستقوية الشيخة مزنة .. أقول نشي الحين لا تييج رفسة تكسر عظامج ..
نظرت لها حور ..
- ها لي قاصر بعد ..
زفرت نورة بحقد ..
- ما عليه يا بشكارتنا دواج عنديه يوم بستفرد بج .. و الله لداويج ..
ثم صاحت بصوتٍ عالٍ ..
- دانوووووووه .. سوي جاهي بنيلس في الحوش ..
صاحت دانة موافقة .. قبل أن تنظر نورة لحور ..
- بلاج واقفة ..
- بسير أصلي عسب نيلس رباعة .. مزنة .. هند .. صلن و أشوفكن في حجرة أمايا رقود .. تسمعن ..؟؟
تجاهلت أصوات التذمر الصادرة منهن و هي تدلف غرفتهن لتصلي بها ..
.
.
.
كانت دانة تسكب الشاي في الأكواب حين جلسن في - الحوش - بعد أن أوت مزنة و هند للفراش و لم يعد نايف من الصلاة بعد.. و هي تقول بهدوء ،،
- علومها فطوم .. مالها شوف هالأيام ..
أجابت حور التي كانت تمسح على شعر عفرا التي استلقت فوق بطانية و ضعتها تحتها و هي تسند رأسها على ركبة حور ..
- فريت على درشتهم حصى و قالت ان أمها ميهوده ..
هزت دانة رأسها ..و هي تناول المها كوبا من الشاي ..
- الله يعينها ..
سألت نورة دون مناسبة و هي تضم كوب الشاي الذي تصاعدت منه الأبخرة ..
- تعالي حور نسيتأسألج .. تعرفين وحدة اسمها .. حمدة حليمة صالح ..؟؟
عقدت حور جبينها مفكرة ..
- حليمة صالح ..؟؟؟! حليمة .. حليمة .. هب غريـ .... - ثم صاحت متذكرة - أوووووه حليمة صالح .. هيه هيه .. تذكرتاا .. كانت فدفعتيه .. ليش ..؟؟
هزت نورة كتفيها ..
- تشتغل عدنا سكرتيرة .. شافتنيه في الادارة مودية أوراق و يودتنيه .. تسألينيه اذا أقرب لج .. قلت ختيه ما تشوفين نفس الشيفة ..
ابتسمت حور ..
- عنلاتج .. انتي وين و أنا وين ..
قالت عفرا بخبث و هي تدير كوبها على الأرض ..
- شياب الثرا للثريا ..
عقدت نورة جبينها ..
- جب زين .. أن أحلى عن حور حمدي ربج انيه شبهتج بعمريه و الا انتي أصلا مستقبلج ضايع .. زين لي لقوا واحد يلصقونج فيه .. مسكين حاله هالولد العم ..
ضحكت دانة هي و نورة و عفرا .. فيما تقلب المها نظرها بينهن بهدوء ،،
لم تسمع ما يقال .. و لكن هذه الضحكات عنت شيء واحد ..
.. ها هم يعودون لسابق عهدهم ببطء ،،
قالت حور بغل ..
- جب زين .. يلصقونيه أونه .. يحمد ربّه و الا وين يطول ظفريه ؟؟!
لوحت نورة بيدها ساخرة ..
- هيه وين يطوله .. المهم ترانيه حذرتاا .. و قلت لو حصلتي كائنين بشريين في المدرسة نفس الديزاين لا تروعين هاييلا خواتيه بعد .. و........
بترت كلماتها و هي ترى نايف يدلف من الباب مسرعا .. وقع ناظره على أخواته اللوتي يجلسن في الحوش .. اقترب بسرعة قبل أن ينظر لحور باهتمام ..
- حور ..
- هاا حبيبي ..؟؟
ألقى بكلماته بسرعة ..
- ريلج يباج ..
فغرت فاهها و هي تنظر له دون أن تفهم ..
- شوه ..؟؟
أشار بيده بلهفة ..
- غيث ولد عميه علي .. في الميلس عدنا .. لقيته في المسيد ياي صوبنا و قربته .. قاليه سير ازقر حور ..
كانت حور مذهولة عاجزة عن الكلام و هي تحدق بوجه أخواتها .. دانة تحتضن وجهها بكفيّها بصدمة .. و عفرا اعتدلت جالسة فورا تنظر لوجه حور .. فيما ضحكت نورة بقوة .. المها تنقل بصرها جاهدة لفهم ما حمل نايف للتو .. كانت نورة تهتز بقوة ..
- ههههههههههههههه .. طريت الأقط قاي ينط .. لو طارين مليون ..
تجاهلتها حور و هي تشعر باللون يهرب من وجهها .. و عينيها الجاحظتين تتسعان بتوتر ..
- هذا شوه يايبنه .. شوه يبا ..؟؟!!
عفرا تضع أناملها على شفتيها و هي ترد بتفكير ..
- أكيد عسب سالفة أخوه لي كل يوم و الثاني و انتي رايغتنيه ..
وضعت حور يدها على صدرها بجزع .. لا تدري لما دب القلق في روحها .. لماذا تتوتر .. هل هي خائفة منه ..؟؟ هل تشعر بأنها تمادت في صد محاولاتهم لتقديم المساعدة .. أم كل هذا لأنها كانت قد اصطدمت بقسوته ذات صدفة ..!
نفضت كل هذا من ذهنها .. و هي تشد من عزيمتها تنظر لعيون اخوتها المتعلقة بوجهها و هي ترفع رأسها بكبرياء .. لن يخيفها هذا الرجل .. و سترد عليه كما ردّت على أخيه مسبقا .. لا حق لهم أبدا في التدخل أو ادعاء القربى . اكتفوا من هجرهم طوال تلك السنوات .. نهضت من مكانها و هي تشعر بارتجاف قدميها لتختفي بالداخل لدقائق قبل أن تخرج و هي تحمل غطاء رأسها .. أمرت نايف بحزم ..
- أنا بظهر له .. سير ارقد باكر دوام ..
شعرت بانها تريد أن تتظاهر بأنها لا تخشى شيئا .. و أنها تسيطر على الأمور .. نظرن لها أخواتها بحذر قبل أن تقول دانة بحذر ..
- تبينيه أيي وياج ..
ابتلعت حور ريقها و هي تقول ..
- ما يحتاي .. أنا بدبره .. دقايق و برد ..
و توجهت نحو المجلس .. شعرت بالمسافة قريبة جدا .. توقفت لبرهة عند الباب و هي تلف غطاء رأسها بإحكام .. فكرت بأن ترده على وجهها كما اعتادت .. لكنها شعرت بسخافة الفكرة .. سيسخر منها حتما أو سيقدم على حركة كريهه كما فعل مسبقا .. سحبت نفسا عميقا و تبعد ذكرى تلك المواجهه .. الحقيقة انها لا تذكر لقاءهما في ذاك اليوم المشؤوم .. كل شيء استحال في ذهنها إلى ضباب لا ينقشع ..
شدت قبضتيها و هي تحاول خنق نبضات قلبها المذعورة .. راحت تدفع قدميها دفعا للدخول الى المجلس .. حال وقوفها بالباب كافحت بشدّة رغبة تدفعها للهرب للداخل .. و هي تراه يجلس أمامها مسترخيا و جسده الطويل يقابلها مشغول بشيء ما في يده .. شعرت بأن الكلمات لا تخرج من حلقها و هي ترفع يدها لتطرق الباب .. و صوتها الهامس بالكاد يسمع ..
- السلام عليكم ..
غبية .. حمقاء .. لماذا ارتعش صوتها هكذا
هل لاحظ كم بدت ضعيفة و متوترة يا ترى ؟؟..
رفع وجهه اليها و عينيه تضيقان بحدة و هو يسلط نظرة متمهلة عليها .. بدا و كأنه يقيّمها ببطء و ابتسامه غريبة تناوش شفتيه و هو يقول يرد ببرود ..
- و عليكم السلام ..
سرت رعشة على طول ظهرها و هي ترى انعكاس الصقيع في عينيه .. لم ترد أن تهزّها هذه النظرة فظلت تقف داخل المجلس قرب الباب .. و هي ترفع أنفها بعنفوان تخفي رعشة يديها و تعقدهما على صدرها .. لا تدري لما هابها مرآه هكذا .. ابتلعت ريقها و و ي تحاول أن تخرج صوتها قويا غير مهتز ..
- نعم ..؟؟.. خير ان شا الله ..؟؟
.
.
يمعن النظر إليها و عيناه المتكاسلتين تجولان على وجهها .. لن يغفل رجفة يديها و لا اضطراب أنفاسها .. لماذا تتظاهر بالقوة في حين ترتعد خوفا ..
أشار برأسه آمرا ..
- يلسي ..
رفت أهدابها بتوتر .. قبل أن تقول بسرعة ..
- ما يحتاي انته ما بتطول .. قول لي عندك و اظهر ..
شعر بظهره بتصلب بقوة .. و عيناه تقسوان و هما ترتكزان على وجهها ..
حسنا حسنا .. ها هي القطة الصغيرة تبرز مخالبها .. فليفسح لها مجالا لمحاولة خدشه قبل تقليم أناملها اللطيفة ..
لم تخبو ابتسامته الجليدية و هو يقول بصوت متسلط ..
- ليش رديتي الأغراض لي مطرشينها لكم .. ؟؟
كان ردّها فوريا و كأنما رددت الكلام مرارا و تكرارا و حفظته عن ظهر قلب ..
- لنا ما نبا شي منكم .. الله يغنينا .. نحن هب في حايتكم .. لو عندك غير هالسالفة قولاه .. و الا توكل على الله ..
احساس بأنها تدوس على لغم سيطر على شعورها و هي ترى وجهه يشتد قسوة .. نفضت الخوف عنها و هي تراه ينهض ببطء من مكانه .. أرعبها مرآه بهذا القرب و جسده الطويل المديد يقترب ببطء .. بدا أن حضوره يملأ المكان .. فبدا المجلس ضيقا كما لم يكن قبلا .. كان يشرف عليها و هي تقاوم كي لا تفر من المكان .. لا زالت تشمخ بأنفها و قلبها يخفق في عنقها بعنف ..
تبا .. لماذا يبدو مخيفا هكذا ..!!!!!
كان صوته هادئا خطرا و هو يسألها بنعومة خطرة ..
- شوه ؟؟! تروغينيه ..!
ارتجفت حور و هي تشد يديها المقودتين .. تحاول أن لا تشيح بوجهها .. ارتجف صوتها رغما عنها و هي تقول ..
- اسمع .. أنا قلت لي عنديه .. نحن ما نبا شي منكم .. و ما نبا علاقة بكم ..- ابتلعت ريقها قبل أن تندفع و تقول بسرعة و صوتها يرتفع - نحن ما شفنا حد منكم طول حياتنا .. الحين بس تذكرتوا .. خلوكم ناسين الين ما نموت ما شي بيظركم .. أصـ ..
بترت كلماتها و هي تشهق بقوة حين مد يده فجأة ليقبض على مؤخرة عنقها ..ارتعشت و هي ترى عيناه تضيقان بقسوة .. بدت مخيفتين في تلك اللحظة و هي تحاول تحريك رأسها يمنة و يسرة لتنفلت من قبضته .. أحنى رأسه و هو يقول بصوت منخفض أخافها ..
- لا .. لا .. وين الأدب .. يوم بترمسين ويايه ما ترفعين حسج تسمعين ..؟!
ابتلعت ريقها دون أن تجيب تحاول جاهدة الاحتفاظ ببقايا قوتها قبل أن تنهار تحت ضغط يده بارتياع .. مد يده الأخرى بتسلط و هو يسحب غطاء رأسها و هي تتشبث به بقوة تحاول التمسك ببقايا شيء من درعها هذا .. و هي تغمض عينيها رغما عنها .. و ترفض بصوت مرتفع ..
- لااا ..
و لكنه كان قد انتزع غطاء شعرها و هو يلف في يده و ينتصب في وقفته ..
- و شعرج مرة ثانية لا تغطينه عنديه ..
رفعت يدها تغطي شعرها بيدها و كأنما تسعى لستره و خصلات خائنة تنزلق على جبينها و جانب وجهها.. شعرت بألم يوخز روحها .. لا تدري لما راودها احساس بأنها جرّدت من كرامتها بهذا الشكل المهين ..
أخفضت بصرها حين شعرت بدموع مذلة تملأ مقلتها .. و صوته الرجولي الغليظ يتدفق لمسمعها ..
- باكر بطرش السامان مرة ثانية و لو رديتيه ما بتلومين الا نفسج .. من اليوم و رايح أي شي ييكم من صوبنا تشلينه .. و بنفتح لكم حساب و بتييج البطاقة عسب لو قصر عليكم شي يكون عندكم لي يسد حايتكم ..
لم يكن يطلب رأيها و لم يكن يطلب منها .. كان يأمرها ..!!
عاد يقول بشيء من البرود ..
- هالشي بتم الين ما تخلص أمج العدة عقب أربع شهور .. خلاف بتنتقلون البيت العود .. و بتسكنون هناك ..
همست دون ادراك ..
- البيت العود ..؟
رفع حاجبه بتحدي ..
- بيت ابويه سيف ..
تدلى فكّها بصدمة و عيناها تتسعان .. لا .. لا يمكن أن تصل الأمور إلى هذا .. شدت قبضتها لصدرها .. و هي تقول بغيظ ..
- و منوه قال لك اننا نبا نعيش وياكم ..
ابتسم بسخرية .. ما بال هذه الطفلة الغبية لا تنفك تصارعه على ما لا حيلة لها فيه ..!
- و منوه قال لج انيه أخيرج ..؟؟
شمخت برأسها و هي تستجمع ما تبقى من قوة في نفسها و تقول ..
- نحن ما بنسير مكان و ما بنشبر من بيتنا .. هذا بيت ابويه الله يرحمه .. ما بنودره ..
نظر لها و كأنما لا يجد معنى لما تقول ..
- لا يا حلوة بتودرونه ..
تمنت لو أنها تحمل حجرا لقذفتها على رأسه المتعجرف .. صاحت بانفعال ..
- هب ع كيفج ..
التفت لها بهدوء أخافها ..
- أنا ما قلت لج لا ترفعين حسج ..؟!
ارتاعت من نبرته و هي تعود خطوة للوراء .. و لكنه أمسك بذراعها بقوة .. و هو يسأل بصوتٍ منخفض ..
- اذا هب ع كيفيه . ع كيف منوه عيل ..؟؟ نسيتي انيه ريلج .. أروم الحين أشلج بيتي و انتي ساكته و محد بيقوليه شي .. شوه بتسوين عقب .. منوه بيتم ويا خوانج و أمج ..؟؟
كان هذا تهديدا سافرا .. الحقير .. جرت ذراعها من قبضته .. لماذا يجد حرية في لمسها هذا الكريه .. لا حق له في رؤيتها ..
لا حق ..!!
رغم كل هذا راحت تكابد رعبا اجتاحها .. و هي تقول بصوت خائف ..
- ما تروم ..
مال برأسه ببرود ..
- جربيني ..
ابتلعت ريقها .. تشعر بأنها محاصرة .. يائسة ..
و مذعورة ..
- نحن ما نريد نعيش وياكم ..
نظر لها بهدوء ..
- بس بتعيشون ويانا ..
نظرت له بتحدي و هي تكشف الورقة الأخيرة ..
- أمايا ما بتخلص العدة عقب أربع شهور .. أميه حامل عدتاا الين ما تربي يعني تقريبا 7 شهور ..
الآن تشعر بانتصار خفيف و الدهشة تغزو محياه لبرهة قبل أن يقسو من جديد و هو يسأل ..
- حامل ..؟؟!!
- هيه ..
نظر لها متمعنا للحظات قبل أن يقول بابتسامة غريبة ..
- و شوه عليه .. نرقبها تخلص العدة عقب 7 شهور..
شعرت بضيق يكتنف صدرها .. و اختناق شديد .. راحت تبلع عبرتها بتخاذل و هو يقول بتعالي ..
- المهم .. أنا ييت و لي عنديه قلته .. مابا عيدها الرمسة لي ياج لا تردينه .. تسمعين ..
ماذا تقول ..؟؟!
عاد يسأل بقسوة و صوته يرتفع ..
- تعسمعين و الا لا ..
همست بصوتٍ ضعيف ..
- أسمع ..
مد يده الكبيرة ليلتقط خصلة من شعرها انفلتت بين أصابعه الطويلة .. لتبعد رأسها بسرعة قبل أن يشدها دون اكتراث .. فتأوهت متألمة .. قبل أن يبتسم برضا و هو يقول ..
- و تيلفونج بطليه .. ماريد أتصل و ألقاه مبند ..
.
.
خرج تاركا اياها واقفة للحظات قبل أن تجلس على الأرض .. حين لم تعد قدماها تقويان الوقوف ..
قلبها يخفق بعنف و دموعها تتزاحم على شفير المقلة بيأس ،، شعرت بالأنفاس لا تصل لرئتها و وحزن رهيب يكتسحها ..
.
.
رباه ..
ماذا كان هذا ..؟!!
ما الذي حدث للتو ..!

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 18-04-08, 11:49 AM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

استنى ردووود ... روووعه.. واحلى رد بارسله للكاتبه بالخااص.. هااه .. من هي اللي بيكوون لها السبق في هالمساابقه..خخخخخ

هااه بعد وش تبوون مسويه لكم حواافز..خخخخخخخ

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:33 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية