كاتب الموضوع :
زارا
المنتدى :
الارشيف
يميل رأسها للأمام قليلا ببؤس ..
و ابتسامة ممزقة تستشهد على شفتيها المرتعشتين ..
فيما كفّها الصغيرة تعتصر الهاتف بين يديها ..
- صوّر العرس .. عرس الحريم و الرياييل .. أبا أشوف العرس كلّه ..
ليتدفق صوته العميق عبر الهاتف مطمئنا إليها بدفءٍ محب ..
- و لا يهمّج عمتيه .. بخليهم يسوون لج نسختين عن كل شريط .. و بطرش لج نسخة من شريط الحريم و نسخة من شريط الرياييل .. واضحة و كاملة .. كل شي بنصور لج اياه .. و كانج حضرتي العرس كلّه .. شرايج ..؟!
همست بابتسامة متألمة ..
- فديتك .. حلو و الله ..
لم يكن الامر سهلا عليها أبدا ..
ها هو أول أبناء إخوتها مقدم على الزواج .. أقربهم و أحبهم إلى قلبها ..
و الوحيد الذي التقت يوما ..
سيتزوج تلك الشابة التي دفعها للقائها يوما ..
ابنة أخيها الراحل ..
و لا يحق لها بأن تكون ضمن المدعوين .. و لا أن تشاركهم الفرحة ..
فقط ستجلس على كرسيها البارد بعجز .. تنتظر أشرطة الفيديو التي ستعرض الفرحة الماضية ببرود ..
تراقب الناس كيف يتفاعلون مع ذلك الحدث ..
و كيف تصلها سعادتهم متأخرة ..
متأخرة جدا ..
فهي تقف في آخر الصف ..
آخر إهتماماتهم ..
و حين يبلغها الدور .. تجد نفسها وحيدة في ذلك ..
فالكل قد قضى وقته ..
و رحل ..
لكنها لم تستطع أن تبوح بأحزانها الرمادية تلك و تفسد شيئا من فرحة غيث ..
فقط حاولت ادعاء المرح و هي تذكّره ..
- و صور بيتك .. أبا اشوفه ..
لكن المرح الكاذب لم يخدع غيث أبدا .. اذ كان رده هادئا و هو يقول ..
- و ليش أصور لج اياه .. بتشوفينه قريب ان شا الله .. و بتزوريناا فيه ..
هه ..
( و متى هذا الوعد ان كنتم صادقين ..؟! ) ***
شعرت بزيف كلماته تلك ..
هل يتهربون منها ..؟!
لم تكن لحوحة يوم و هي تعرف ظروف زوجة أبيها الصحية .. و صعوبة ظهورها على الساحة ..
لكن حتى متى ستقضي حياتها تحت الظل ..؟!
لا احد يعرف بوجودها .. لا أهل .. لا أصحاب ..!!
خرجت الكلمات مريرة من فمها .. و هي تتمتم بيأس ..
- هيه خير ان شا الله .. يا الله غيث .. ما بطول عليك فديتك ..
و كأنما شعر بتهربها .. قال بهدوء ..
- وين ..؟ رامسين ..
تنهدت دون أن تجيب ..
ليناديها ..
- ميعاد .. شي فخاطرج ..
ازدردت لعابها ..
الكثير يجول في خاطرها ..
الكثير من الأسئلة ..
- لا حبيبي .. سلامة راسك .. بس موعد ابرتيه .. خولة بتيي تعطينيه اياها الحين ..
و على ذكر اسم أختها خرجت آهته مستهزئة ..
- آهاا .. يا الله عيل .. بخليج أنا الحين .. فداعة الله ..
همست ببطء ..
- الله يحفظك ..
و انقطع الخط بينها و بينه .. معلنا انتهاء حبل الوصل الضئيل الذي يربطها بأهلها ..
.
.
.
.
و على إطار الباب يميل جسدها بنعومة و هي تستند عليه ..
عينيها المذهلتين تراقبان تعابير أختها البائسة .. فيما يضج قلبها بحقدٍ عميق خلّفه ذكرها لاسمه ..
ذاك الكره المتأصل الذي ليس سوى فشلها في التغلب على احساسها نحو رجل لم يجد سوى تحطيم قلبها ..
تكرهه ..؟!
حتى الىن لم تنجح في الوصول إلى هذه النقطة ..
لا زالت تتمزق حين تتذكر بأنه رماها مزدريا .. مفضلا فتاة أقل شئنا و جمالا منها ..
و لا زالت الليالي طويلة للغاية .. يمتد فيها التفكير به دون نهاية ..
حيث لا نوم .. مجرد تقلباتٍ مجنونة على فراشٍ كالجمر ..
و وجه واحد يسكن مخيلتها تجاهد لطرده ..
لكن حبّها ذاك تخلخله حقد عميق .. خلقه هو بقسوته ..
و امتزجت نعومة احساسها .. بجرح أنثى فقدت حقّها في الشعور نحو من تحت ..
لتكره ذكره في قمة توقها إليه ..
و تتلهف لرؤيته حين تشمئز من حضوره ..
نقيض غريب .. لم تستطع من خلاله سوى أن تبرز كراهيتها له أمام أختها ..
و يتفاقم حقدها اتجاهه ..
و هي تعلم أنه يستمر في حياته و كأنه لم يقترف شيئا بحقها ..
لم يدفعها للتعلق به .. ثم رميها كخرقة بالية .. اما أي ارتباط حقيقي قد يجمعهما ..!
لكن ذاك لا شيء أمام أكاذيبه لميعاد ..
دائما وعوده المراوغة التي لم يحقق منها شيئا ..
تلك الوردة الهشّة .. اخذت تبذل ببطء ..
يتساقط جفاف أوراقها تدريجيا ..
و يتسرب رونقها .. فلا تعكس مقلتها ألوانا للفرح ..!
و هذا ما دفع الفكرة المجنونة في داخلها للتضخم ..
ذاك الخاطر المتهور الذي يطال مخيلتها ..
راح ينتشر داخلها في يقينٍ مؤكد ..
ماذا لو فعلتها ..؟!
ماذا لو تجرّأت و أقدمت على ما تنوي ..؟!
سيغير ذلك الكثير من الأمور .. الكثير ..
أهمها سيكون ما يخص أختها ..
تراها تجرؤ ..؟!
* * * * *
في غرفتها الفسيحة التي أصبحت مجرد أكوامٍ من الفوضى .. حين توزّعت حقائب متعددة .. اكياس .. و صناديق شتّى ،،
فساتينٌ عدّة علّقت على الجدار .. حين لم تعد الخزانة تتسع لها ..
في مساحة ضئيلة خلت من أي تراكم لجهاز عرسها ..
جلست على ركبتيها و هي تضع اللمسات الأخيرة على وجه أختها بعناية ..
قناع كثيف من اللون الأبيض لم يترك فراغا سوى بقعتين حول عينيها الواسعتين .. و دائرة مستديرة حول فمها ..
فيما جمعت غرّتها الكثيفة إلى الخلف .. و ثبّتتها ببضع دبابيس ..
قبل أن ترفع حور رأسها بانتصار و تنظر لوجه أختها أخيرا ..
- يا الله خلّصت ..
التفتت نورة نحو دانة و عفرا اللتان تجلسان على يمينها بجمود و قد بدأ القناع على أوجههن يأخذ طريقه للجفاف ..
فيما لا يزال قناع المها نديّا .. و حور تتابع صبغ وجهها بذاك الخليط اللزج أمام المرآة ..
لا تدري لما واتتها رغبة مجنونة بالضحك .. لكنها تمالكتها بذعر ..
- حواري .. الحين لو ضحكت بيتيعد ويهي صدق ..؟!
أومأت حور و هي تتكلم بملامحٍ جامدة و شفتين متقلصتين .. تخرج الأحرف من بين أسنانها ..
- هيه .. لن الماسك لو جف ع ويهج و انتي تضحكين .. بتطلع خطوط الضحك ..
ردت دانة من بين أسنانها ..
- و ما بينفعج الا نكوي ويهج .. حور الله يغربلج .. أحس ويهي يابس ..! بسير أغسله ..
التفتت حور بوجه نصف مصبوغ بالخليط ..
- لا يا غبية .. يخترب .. لازم عشرين دقيقة .. بعدين صخن شويّه .. شفن مهاوي فديتاا .. كيف يالسة و ساكتة .. أحسن تأثير بيظهر عليها ..
رفعت عفرا عينيها من خلف القناع و هي تتساءل بصوتٍ خافت .. كأنما تخشى أن تفسد القناع ..
- ليش الحين الرمسة تخرب تأثير التغذية ..
أومأت حور لها .. لتردف عفرا بشك ..
- يالخرط ..!
تابعت حور صبغ وجهها .. دون اهتمام و دانة تدير عينيها في غرفة حور باشمئزاز ..
- حور .. حجرتج اتسد النفس الصراحة .. هب حجرة عروس .. شوه هالعفسة .. متى بترتبين ..
ألقت حور نظرة طويلة على الغرفة .. قبل أن تتنهد و تعود للمرآة ..
- يختي ما لقيت وقت .. من مراكض السوق .. و الصوالين .. و كل الخرابيط .. بعدين .. برقب أميه وديمة و أميه عذيجة و ودوم يرتبن ويايه .. أنا شوه درانيه بخرابيط ترتيب الزهبة .. المهم .. ابا منكن العون ..
لكن نورة سارعت بالرد ..
- خيبة .. اميه و خالتيه ،، و ودوم ما يسدن .. و عدج تبين العون .. لااا فديتج .. نحن بنفازع بو سيف .. حليله الريّال اليوم انتقل البيت .. يمكن يبا حد يعابل كناديره . و الا يرتب مكانه .. و الا يمشط شعره ..
رفعت حور حاجبا متجاهله القناع الذي يكاد أن يجف ..
- حلفي و الله ..!! بكفيج يا نوير في شعره ..
ضحكت دانة بخفة ..
- لااا حور انتي عروس .. شوه تبين بالقمل ..
قطبت حور بقوة .. و هي تلتقط مشطا من على طاولة الزينة و تقذفه بقوة نحو دانة ..
- أخييييييييه عليج .. و بعدين غيث ما فيه قمل .. الله يخسج ..
تفادت دانة المشط بسرعة و هي تقول بمكر ..
- شدراج انتي ..؟؟ لحقتي تفتشين شعره ..؟! هذا قبل العرس و تعرفين تفاصيله .. عقب العرس شوه بتسوين ..
احمر وجه حور بشدة تحت القناع .. و يدها تبحث عن شيء تقذفه عليها ..
- جب .. جب .. جب .. يا الطفسة .. عنبوه وين وصلتي عدج ياهل ع هالسوالف ..
- الله يا الدنيا ..!! الحين أنا ياهل و انتي العودة .. أحيد ما امبينا فرق يا حور .. تكبرتي يوم طلعن لج خدود و بتعرسين ..
لكن حور التي انتهت من صبغ وجهها تقدمت لتجلس بين عفرا و المها على الأرض .. متجاهله ملاحظة دانة .. و هي تتساءل بصدق ..
- أبا أعرف ليش ما تعايبن ع عفاري شراتيه .. ما قد شفتكن تعلقن عليها ..
ابتسمت نورة لعفرا التي راحت تلامس القنع الجاف باناملها الحذرة ..
- عفرا ما تستحي شراتج .. و انتي ما نييب طاري طرزان الا و تعصبين و الا ويهج يشب ضووو ..
نظرت حور لعفرا بمكر ..
- عيب عليكن .. شوه تقصدن .. ان عفاري قليلة أدب و ما تخيّل ..؟!
اتسعت عينا نورة بصدمة ..
- حور يا بنت اللذين .. لا تغدين فتانة شرا مزنووه ..
ضربتها حور بخفة ..
- لا تقولين مزنوه فتانة ..
لكن دانة هبت واقفة باصرار ..
- فتانة و نص و ثلاثة أرباع .. اول أمس هي لي خبرت يدي سيف اننا تعبثنا بالمكتب ماله .. عنلاتهاا .. و الله انيه قفطت من الخاطر يوم تم ايطالعنا كأنا يهّال ..!
قالت حور ببرود ..
- و انتن يهال .. و الا شوه لكن تحدرن المكتب .. ؟؟ يا الفضول لي فيكن ..!!
نظرت لها دانة شزرا ..
- لااا اظاهر وايد كبرتي حور في هالشهرين .. الله يستر باكر يوم بتعرسين و تييبين درزن يهال شوه بتقولين عنا .. المهم أنا بنزل ..
ضاقت عينا عفرا ..
- تنزلين وين يا الخبلة ..؟ طالعي ويهج و لا كاسبر ..
ابتسمت دانة غير مبالية بالخطوط المتشققة في القناع ..
- هذا المطلوب .. بسير أروع مزنة و هنودة و نايف .. يلعبون سوني تحت .. من ياب غيث هالسوني و هم ماخذينه عبادة أعوذ بالله .. بس براويج ..
حذرتها حور ..
- أخاف تروعين أميه نورة و تجلطينها يا بنية ..
.
.
.
.
التصقت بالجدار و عينيها تراقبان ظهور الثلاثة اللذين تعلّقت أعينهم بالتلفاز .. كان نايف ينهر مزنة التي لم تنجح في تعلّم اللعبة بعد كما تفوقت فيها هند .. مد يده يضغط زرا في الجهاز القابع بين يديها ..
- ما تفهمين انتي .. اضغطي اكس .. افف .. منوه لي يباج تلعبين .. آخر دور لج ..
لكن مزنة قالت بصوتٍ طفولي ..
- هب ع كيفك .. بلعب دور بعد عقب هذا ..
- أنا أمج لو لعبتي .. خلصي هالدور يا الله .. و عطي هند ..
لكن هند اجابت بهدوء ..
- لا .. خلها تلعب دور بعد .. عسب لا تغثنيه خلاف أونه دورها ..
لكن نايف صرخ فجأة ..
- لفيييي يا الحولاااا .. لا ادعمين الدكتور .. ما اتشوفين انتي ..؟!!!!
تحركت دانة بخطواتٍ بطيئة تجر قدميها نحوهم .. ابتسمت بمكر و هي تقف خلفهم تماما ..
يجلسون على أرضية الردهة الفارغة .. منشغلين باللعبة دون أن يشعروا بها ..
تعلم أن جدتها تجلس على - الدكة - الخارجية برفقة أمها الآن ..
لذلك لوت ملامحها بعنف و هي تشعر بالجفاف .. قبل أن تصرخ بقوة مطلقة عواءً مريعا ملأ الردهة الخالية ..
و انتفض الثلاثة برد فعلٍ بارد لم تتوقعه ليلتفتوا لها بجمود و هي تقول بضحكة شيطانية ..
- وااااااااااااااااا .. باااكلكوووووووم ..
رفع نايف حاجبا باردا .. و هو يعيد نظره للعبة دون اكتراث ..
- ما عند أمج سالفة ..
وضعت دانة يدها على خصرها .. و مزنة تنظر لها بحذر ..
- الحين بتقوليه انك ما تروعت ..
لم يرد عليها و هند تنظر لها باهتمام ..
- هذا روب ..؟!
- لا خلطة سرية .. نحط شوية من دم مزنة لي يمصونه مصاصي الدماء في الليل و هي راقدة ..
لكن مزنة ترفع رأسها بشمم ..
- ما يخوف .. أصلا مصاصين الدماء هب صدقيين ..
- عيل شوه .. كذبيين ..؟؟
- هيه .. بس أفلام .. و خريط .. أنا ما أخاف ..من الأفلام ..
و أدارت ظهرها ..
كانت ردة فعلهم محبطة للغاية و هي تدير ظهرها عائدة للدرج بغية غسل وجهها ..
- أقول ماالت عليكم بس .. مرررة ما فيكم براءة الطفولة ..!!
لكن عدة خطوات تلك التي تقدمتها قبل أن تشعر بثقل الأقدام التي تمشي خلفها لتلتفت بتلقائية نحو القادم ..
لا يفصلها عنه سوى خطوتين لتصدم بوجوده و تطلق صرخة مدويّة متفاجئة .. مع ارتفاع العصا التي يمسكها بيده هو الآخر بمفاجأة .. و عينيه المصدومتين تتسعان بارتياع و صوته يزأر ..
- أبوووك يا علي ..
تجمدت العصا في الهواء مع وضعها يدها على صدرها و هي تلهث بخوف و تقول باندفاع ..
- روعتنييييييه ..!!
ضاقت عينيه على وجهها حين ميّز من هي ليقول بصوته الذي لم تفقده السنوات قوّته ..
- شوه هالخياس لي حاطيتنه ع ويهج ..
تذكّرت فجأة كيف يبدو وجهها ..
لتضع يدها على فمها و تستدير راكضة نحو السلّم بسرعة ..
تاركة جدّها .. يتابع قفزاتها على عتبات الدرج بذهول ..
مجنونة ..!
أخافته بتلك الهيئة التي لم يتوقّعها ..
تذكر صدمته و رفعه لعصاه بخوف .. و صراخها المتفاجئ المبالغ فيه ..
قبل أن تلتوي شفتيه بابتسامة خفيّة و هو يهز رأسه متوجّها نحو للخارج ..
.
.
.
.
اقتحمت الغرفة بقوة .. لتصرخ حور بسرعة ..
- بطلييييي الباب شوي شوي ..
أغلقت دانة الباب بقوة .. متجاهلة صرخة حور و هي تضع يدها على صدرها لاهثة ..
- أويييييييييه .. عنلاااااااااتكن .. ابويه سيف شافنيه .. و روعته ..
ثم سكتت و هي تنظر لهن مصدومة ..
قبل أن تستوعب الموقف الذي حدث قبل قليل .
و تضحك بقوّة ..
لقد أخافت الرجل بحق ..!
هزت حور رأسها بيأس ..
- الله يفضحج .. فضحتيناا في الشيبة ما بيبات الليلة من الروعة ..! و الا هذا ويه آدمية ..!!
* * * * *
كان اعتراضهم مدويّا ..
و النقاش يحتد ..
تلويحاتٌ غاضبة لا تنتهي .. و تجهّم كسا ملامح الجميع
أصواتهم الغاضبة ترتد عن جدران مجلس بو علي .. و هم يتراشقون الكلمات بقسوة ..
كلٌّ لديه رأي يعتزم فرضه ..!
وحده يمد ساقيه الطويلتين بأريحيّة .. ابتسامة متهكّمة تتلوى على شفتيه .. و هو ينظر لهم بسخرية باردة ..
يده ترتاح على إحدى ركبتيه .. و بالأخرى يمسح لحيته ..
و كأن كل ما يجري لا يعنيه ..!
عاد عمّه سعيد للإعتراض بقوّة .. في وجه جدّه الذي استقر بملامح جامدة قربه ..
- تمليك ..!!! نحن عيالك .. مسوين شراكة امبيناا .. في المجموعة .. و انته تبا تملّك غيث الشركة اليديدة اروحه ..؟!!!! يا بويه شوه هالرمسه الله يهديك ..! ما يستوي .. الحلال واحد و نحن شراكه فيه .. ما ايوز تكتب لغيث الشركة ..
أيده أحمد بهدوء ..
- يا بويه خلنا نظم الشركة اليديدة للمجموعة .. و غيث يتم رئيس مجلس ادارتاا ما عدنا خلاف .. بس التمليك صعبة و الله .. - ثم التفت لأخيه الأكبر - و الا شوه الشور يا بو غيث ..؟؟
كان علي أكثر دقّة و هو يقول لأبيه ..
- لو بتكتب لغيث شركة .. اكتب لكل واحد من العيال شركة بعد .. لا تبدي غيث عليهم ..
لكن ملامح الرجل العجوز .. تصلّبت في تجاعيد قاسية .. و هو يزأر بصوته ..
- العيال ع قولتك .. ما قبضوا شركة من صغرها و كبّروها شرا ما سوى غيث .. غيث دافن عمره من ثلاث سنين في هالشركة .. و انتو لا هين بأشغالكم .. محد وصلها للي هي فيه غيره ..
اتسعت عينا سعيد ..
- حلال هله .. و هو لي بغى يستلمها .. ما سوى غير المطلوب ..
أعاد الجد ظهره للوراء .. و هو يلتفت لأصغر أبناءه .. مزمجرا ..
- هاا يا مطر .. ما عندك شي تقوله انته بعد ..
استدارت الأعين كلها اتجاه مطر الذي كان يعتكف السكون منذ بداية الجلسة .. قبل أن يهزّ الأخير رأسه بهدوء ..
- الحلال حلالك يا بوية .. و برايك .. سو لي تباه ..
تجاهل بو علي صيحات الإعتراض من أبناءه الكبار .. و هو يشخص ببصره نحو ابنه الأصغر برضا ..
- يعني تعرفون انه الحلال حلالي .. و أنا هالحلال بشل منه شويّه .. و بعطيه غيث .. لنه يستاهل .. و لي من العيال .. بيغدي ريّال شراته .. و قد الحمل .. يبشر بالخير .. و له لي يبا ..
.
.
بلا اكتراث ..
يراقب من خلف صمته الصد و الرد .. تبادل الكلمات .. و الإعتراضات ..
طرق مختلفة راح أعمامه و أبوه يتخذونها لإقناع جدّه بالمثول لرأيهم .. و العدول عن قراره المفاجئ في منح الشركة لغيث ..
غيث الذي كان باردا .. متباعدا .. و واثقا ..
بأن الشركة ستؤول إليه في النهاية ..
و لا يمكن لأي أحد أن يؤثر على قرار جدّه ..
تلك الأموال التي أنشأها حق مكتسب آن له أن يحصده الآن ..
و لا شيء اطلاقا سيوقفه عن ذلك ..
حتى و ان غيّر الجد رأيه ..
سيلوي ذراعه قليلا فقط .. و يحصل على مبتغاه ..
يعلم جيّدا ما الذي تعنيه له ابنة حمد ..
تلك الشابة و عائلتها نجحت في تعليق جدها بهم ..
ليس جدّها فقط ..
الشهرين اللذان أصرت على فرضهما ليفصلاه عنها قبل الزواج جعلته تواقا لرؤيتها من جديد ..
و بثّها كل تلك اللهفة المجنونة التي راحت تعربد في صدره ..
كم يبدو الأسبوعين طويلين للغاية ..
ممتدين بلا نهاية ..!
متى سيلتقيها من جديد .. ليروي عطشه الغريب لرؤيتها ..
كلما فكر بأنه قليل من الوقت فقط .. و ستصبح له ..
وحده ..
تنتشي الروح منه بقوّة ..
بحاجة لأن يشعر بأنها له ..
و سيمتلكها عمّا قريب ..
حينها سيعرف فقط ما الذي يجعله عاجز الإحساس أمامها ..
غير قادر على تفسير خلجات نبضه كلّما اقترب منها .. أو داعب مسامعه دفء أنفاسها ..
* * * * *
- أقولك سويت له ترتيب ع كيفك .. كل الديزاينات لي هو طالبنها كنسلتاا ..و بدَّعت فبيته ..
رفع هزّاع حاجبه و هو يستمع لصوت أحمد في الهاتف .. فيما عينيه معلقتين بأخويه اللذان تقاربت رؤوسهما في حديث هامس ..
- اممممفف عليك .. و منوه يباك ترتب ع كيفك ..؟! انته ذوقك خايس .. ما تعرف الأصفر من الأحمر ..
ضحك أحمد بثقة ..
- و الله تكذب عينك يا ولد سلامة .. بنتلاقى في العزيمة لي فبيت أبوية سيف الليلة .. و براويك اياه ..
تساءل هزاع ,،
- و غيث ما قد شافه ..؟!
- أمس شل قشاره من بيت أبويه علي و حطه فبيته .. خلاص باقي اسبوع و شوي من العرس .. و البيت خالص .. تباهم يزفونه من بيت ابوه لبيته شرا الحريم ..
ابتسم هزاع بمكر ..
- بتقوليه ان هذا لي مخلنه مستعيل ع الردة .. و الا الشوفه لي حارمينه منها شهرين زودت الحماس ..
- شكله و الله ..!
- و شوه قال عن البيت ..؟؟
- عيبه وايد .. حتى بغى يصكنيه طراق من الفرحة ..
- ههههههههههه و تقول عيبه ..
- لا انته ما تعرف غيث خوية .. كل شي عنده بالقوة .. يعني لو ينفخك ببكوس ع عينك اعرف انه يبا يقولك شكرا ..
ابتسم هزاع ببساطة ..
- الله لا ايملني عنده .. أخاف يكسر ضلوعيه لو سويت له خدمه ..! المهم .. لا تغير السالفة يا صبي .. انته حالك هب عايبنيه ..
تدفقت الحيرة مع صوت أحمد و هو يتساءل ..
- أي حال يا بو سلطان ..
أخفض هزّاع صوته و هو ينقل بصره لوجه أمه الت حرّكت برقعها بهدوء .. منشغلة بالأخبار التي تعرض أمامها في شاشة التلفاز ..
- تعرف عن أي حال أرمس .. يوم انك مخلص بيت خوك .. ليش المسايير لي مالها راس قدا بيت ابويه سيف ..؟!
هدوء عم لثانية قبل أن يعقبه أحمد بضحكة خفيفة ..
- الحين برّي في يدي و يدتيه ماله راس ..؟
التوت شفتي هزاع بمكر ..
- و هالبر ما طاح عليك الا يوم يو قوم عميه حمد ..!
- شوه قصدك ..؟!
- لا تسوي عمرك هب فاهم ..
لكن أحمد راوعه ..
- أقول أنا ببند الحينه .. عنديه خط ..
- خط منوه أنـ ....
قاطعه أحمد ..
- بنتلاقى في العزيمة .. و اهذر ع كيفك ..
و أنهى المكالمة دون انتظار الرد من هزاع الذي لوى ملامحه بضيق .. قبل أن يرفع رأسه لسيف الذي لا زال مستغرقا في حديثه الهامس لحارب ..
- حوووه يا مطوع .. ما تعرف انه ما ايوز يتناجى اثنين دون الثالث ..؟!
رفع سيف بصره اتجاه هزاع قبل أن يتساءل بابتسامة وقور .. و هو يمسح لحيته الطويلة ..
- و منوه الثالث .. انته و الا الوالدة ..
نظر هزاع لأمه المشغولة بالتلفاز ..
- لا الوالدة تتناجى ويا التلفزيون .. انا الثالث .. شعندكم ..؟!
تنهد حارب و هو يمد ساقيه الطويلتين .. مجيبا بهدوء ..
- عندنا الخير يا بو سلطان .. انا أبا اشتري موتر يديد ..
قطب هزّاع ..
- و اللكزس ..؟!
هز حارب كتفيه ..
- ما تمشي ويايه يا بويه .. هب مرتاح لها .. ابا أبدلها ..
رد سيف عليه بقوة ..
- و انا قلت لك انه هب لازم ترتاح فيها .. اتقوا الله من الاسراف لي انتم فيه .. الواحد منكم يبدل موتره مره في السنة .. و غيركم هب محصّل يركب تكسي ..
رفع هزاع حاجبيه ..
- الحين نحن عدنا الإسراف ..؟! شوه نقول و انته لي عندك جاكوار .. قيمتاا دبل موتر حارب ..
عقد سيف حاجبيه ..
- و الله انا هب شراتك لو أسرح دواميه ع سيكل .. ما عنديه خلاف .. و انته تعرف ان موتريه .. هديّة من ابويه سيف .. و مقزر به أربع سنين .. هب شراتكم ..
أومأ هزاع باحترام لأخيه الأكبر .. و يرتشف حارب قهوته بهدوء .. حين اخرج سيف هاتفه الذي صدح رنينه من جيبه ..
يطالع الشاشة باهتمام .. قبل أن تلمع عينيه بشكلٍ فاضح ..
و هو يهب واقفا ..
ليدرك هزّاع هويّة المتصل فورا .. و يغمز لحارب بخبث ..
- وين يا بو هناد .. ما خلصت المحاضرة .. أنا ببدل موتريه بعد ..
اعتلى الارتباك وجه سيف و هو يقطب بسرعة .. مشيرا بهاتفه ..
- برد ع المكالمة ..
و هرع ليخرج من الصالة ..
حين انفجر هزّاع ضاحكا .. و حارب يراقبه بهدوء .. و يهز رأسه ..
- و الله انك غثّة .. لازم تحرجه يعني ..
* * * * *
سواد ..
و نبض ساعةٍ يخترق ذاك السكون ..
يدوي مع كل ثانية تنزلق ماضية ..
معلنة تقلص قليل فقط .. من ذاك الليل ..
.
.
في رُكنٍ من عتمة ،،
بعيد عن متناول إكتراثهم أو أدنى ملاحظة ،،
تنزوي هي ..
و تلتهم ضميرها ..
في الظلمة التي تغرق جو غرفتها بعد أن انتصف الليل ..
نفس الظلمة التي تلف روحها الآن ..
تستعيد كل ما فعلت اليوم ..
كل كلمة .. و كل حركة .. و كل لحظة ضيّعتها في رفقتهم ..
لا تعلم لما هي منجرفة لكل ذلك ..
لما تنقاد لرغبتها الشاذة تلك ..؟!
لما تقطع عرقا حيّا يضج بقيمٍ تسكبها أرضا ..
و تطمس أصوات صاخبة كانت تعترض على ما تفعله ..
كانت ..!
أما الآن ..
ففد بدأت تخفت مع الوقت ..
يبتعد صراخ الضمير الذي أمعنت في خنقه ..
لم يعد منه سوى حشرجة باهتة .. تبلغها بعد عناء ..
لتشيح بأيامها بعيدا غير مكترثة لها ..
تنقاد لهن .. تفعلن ما يفعلن بطيب خاطر ..
مسرورة لعودتها إلى حالها المعتل الأسبق ..
كل ذاك التباهي بمظهرها ..
و بما هي عليه ..
كل ذاك التكبر الفارغ .. و التحدي ..
تستلذ لنظرات الإحتقار التي تنعكس في أعين الكثيرات ممن يرتدن الجامعة ..
و سعيدة بارتباطها القوي بذاك الحمدان ..
لكن لما ..؟!
إذا انطفئت الشمس كل مساء ..
و انزوت في غرفتها ..
تطالع جدرانها بذعر غير مفهوم ..يتعاظم في نفسها ..
لتتضخم الصور التي مرّت يها في يومها ..
فتصير نظرات الإحتقار تلك مُمَزِّقة ..
و تصرّفاتها مشينة و مقرفة ..
و تخاف ..
تخاف كثيرا حين تختلي بنفسها ..
فيبدأ ضميرها المحتضر بالعواء مؤنبا ..
.
.
تندس الآن تحت غطائها .. لتغرق في السواد أكثر و أكثر ..
و كأن العتمة تلك لا تكفيها لتختبئ من نفسها ..!
ما الذي تسعى إليه ..؟!
ما الذي تريد أن تثبته ..؟!
.
.
ستنقضي ليلتها هذه .. ككثيرٍ من ليالي تمر بها ..
عينيها الجاحظتين أرقا في الظلمة .. ستستقبل خيوط الفجر الأولى بوهن ..
فصخب الأصوات المتقاتلة في نفسها يمنعها من النوم ..
السهد الذي أصبح ملازما لها كثيرا .. تقضيه في نهش ذاتها ..
لا تنام ..!
لا يداعب جفنها نعاسا هانئا ..
فقط ذنب يتضخم كفجوة تتوسط روحها ..
يهوي فيها كل طيب تحتضنه داخلها ..
و ما أقل ما تحمل من ذاك ..؟!
تعيش منفصلة الآن .. وحدها ..
كل يلهث وراء دنياه ..
و تلهث هي وراء خرابها ..!
كل صبحٍ تنطلق لتشذّ عن الطريق الذي تفرضه عليها النفس ..
ليأتي الليل حاملا معه ملامة ما فعلت ..
فتقضيه ما بين ملامه .. و تأنيب ..
شعرت بأن العفن ينتشر في نفسها ..
و أنها وسخة جدا ..!
لا تدري لما تستمر في هذا ..؟!
و لما يزول الرضا بزوال النهار ..؟!
.
.
تكره نفسها ..
تكرهها ..
لا تريد أن تكون هي ..
كم تتمنى الإنسلاخ عن هذا الجسد الحقير .. و هذه النفس الآفنة ..!
تشعر بأنها ضائعة ..
ضائعة .. و تنزلق فيما لا تدري كنهه ..
أما من يدٍ تنتشلها من كل ذلك ..؟!
سئمت ضميرها المستميت همسا مذبوحا تتجاهله ..
و ضاقت ذرعا بالتفكير الذي لا تتوقف عنه ..
تريد راحة ..
القليل منها ..
.
.
متى سيسكت صوت ضميرها ذاك ..؟
و تتوقف عن التفكير المجنون الذي يرهق عقلها ..
و تستقر روحها ..
و تنام ..؟!
.
.
متى تنام ..؟!
متى ..؟!
* * * * *
راقبت حور حركتهن النشيطة في المطبخ ..
المها تقف في الزاوية مشغولة بتزيين الليمون .. و تقطيع أنصافه لنجوم ..
فيما راحت دانة تصف أوعية اللبن ..
و نورة و عفرا ينهين تقطيع السلطة بدل الأربعة خادمات اللواتي انشغلن بالغسيل ..
كانت تجل على مقعد مستقيم الظهر في المطبخ الفسيح .. و هي تقضم تفاحة بعد أن أصبحت ممنوعة من فعل أي شيء تحت مسمى - عروس - .. ابتسمت لهن بحبور و هي تردد عبارات التشجيع ..
- بعدي و الله .. حي ذا الشوف .. عاشن بنات حمد ..
التفتت دانة و هي تصف الصحون .. و تسألها ..
- فرحانة يا العروس .. شوه يابج المطبخ .. مسويه زحمة و الشارع فاضي .. لا بتساعدينا و لا شي .. بس بتغثينا بمنظرج و انتي مرتاحة و نحن نكرف ..
- أوففف .. الحين قص السلطة و صف الصحون كراف ..!! الله يرحم زمان أول .. يوم نطبخ الذبيحة كاملة في البيت .. و تذوبن من الحر .. و لا حد منكن تشتكي ..
ردت نورة ..
- تذوبن اونه .. شوه آيسكريم .. بعدين تعالي قصي السلطة و انتي واقفة .. عنبوه نملت ريليه .. و انا على حيليه ..
أشارت لها عفرا برأسها ..
- خلاص عيل يلسي .. أنا بخلص لي باقي ..
هرعت نورة تغسل يدها قبل أن تلقي بجسدها في الكرسي المجاور لحور ..
قبل أن تلتقط تفاحة من السلّة التي توسّطت الطاولة المستديرة ..
- و أنا أقول شوه نافخ ويهج .. ما تقولين غير بوتكس .. ثره التفاح .. أحيد وحدة من ربيعاتيه قالت ليه ان التفاح ينفخ الخدود ..!!
رفعت عفرا حاجبا ..
- معلومة يديدة ..
ضحكت دانة ..
- عفاري استلمي التفاح .. عندج شهرين الين العرس .. و بعدين خلاص .. من الليلة .. ينحرم الأخ حامد من شوفتج .. هيه بعد .. هب أحسن عن غيث ..
لم ترد عفرا و هي تتشاغل بما في يدها .. فيما حور تمد ساقيها من تحت الطاولة ..
- تدرن أحس انيه غديت كسولة شويّه .. دندن .. زقري المها ..
مدت دانة يدها تربت على كتف المها التي التفتت لها متسائلة قبل أن تشير الأولى لحور بيدها .. فتنظر المها لحور التي أشارت لها بجلب وعاء الليمون و هي ترفع صوتها باشارة تقطيع ..
- هاتييييه .. هااااااتيه .. تعااااالي .. بقص ويااااااااج .. هاتييييييييه .. هنييييييه ..
و ربتت على الكرسي الذي بجوارها و دانة تقول ..
- صدق كسولة .. الحين ما ترومين توقفين و تقصين وياها ..
لكن حور ردت و هي تبتسم للمها بحب .. فيما الأخيرة تقترب منها حاملة الليمون و السكاكين ..
- فديتاا عشانها بس .. شكلها تعبت من الوقفة ..
- يعني بتسوين عمرج طيبة .. و حنونة ..
رفعت حور حاجبا تأمرها ..
- غصبن عنج حنونة .. و اشتغلي و انتي ساكتة ..
التقطت إحدى قطع الليمون تقص أطرافها بزوايا مثلثة .. و هي تنظر للمها .. و تقاطع كل قطعة باشارة أو اثنتين .. تتحدثان بحركاتٍ متقطعة عن أحوال المدرسة التي لم تعد حور ترتادها مع المها بسبب انشغالها في التجهيز لزواجها ..
فيما استرخت نورة في مقعدها و هي تقول لعفرا ..
- عقب باكر فكرنا أنا ودندن نسوي عشا خفيف و نعزم رويض و عوشة من زمان عن روضاني ..
لكن عفرا هزت كتفيها ..
- و ليش عقب باكر .. خليها عقب اسبوع يوم تطلع النسبة ..
- لا أخاف انيه راسبة و الا نسبتيه خايسة .. و تخترب فرحتيه ..
اتسعت عينا عفرا و هي تنهي ما بيدها و تتوجه للمغسلة ..
- شوه شاكة بشي ..؟؟!!
هزت نورة كتفيها ..
- و لو .. أنا نوير بنت حمد أخت عفاري ثمانية و تسعين و تبينيه أرسب .. ؟! امبوسبول ..!
قاطعت دانة حديثهن و هي تستند على حافة الخزانة الرخامية التي تمتد على طول المطبخ و هي تتسائل ..
- الحين العزيمة هاي لمنوه ..؟؟!!
ثم تحرّكت نحو النافذة المطلّة على - حوش - البيت الشاسع .. و نورة ترد ..
- حد من معارف ابوية سيف ..
قطبت عفرا ..
- ريّال و كل هالذبايح .. اسراف و الله ..
ضحكت دانة ..
- لا تخافين .. ماشي بيروح الكشرة .. ما تعرفين الرياييل ياكلون الأخضر و اليابس .. حشى هب أوادم .. قوارض هاييلا ..
ابتسمت نورة موافقة ..
- هبي .. هباج الرب .. قولي ما شا الله لا اييهم تلبك معوي الليلة عقب العشا ..
لكن دانة صاحت بحماس و عيناها لازالت تتأمل الخارج عبر النافذة ..
- حي .. يووو العمالقة .. ما شا الله .. ما شا الله .. كلهم رياييل العايلة فيهم طول .. ليش ما ورثونا شي من الطول .. محد طلع ع ابويه الا الناقة ..
قطبت عفرا بتحفز و هي ترى دانة تجهز غطاءها لتلقيه على وجهها ..
و راح قلبها ينبض بقلق ..
- عمالقة منوه ..
نظرت دانة مرة أخرى للقادمين عبر النافذة ..
- أحمد و هزاع و حارب ..
ثم نبّهت حور بصوتٍ عالٍ ..
- بنااات .. اتغشن .. الشباب يايين ..
و لم تنه كلماتها تلك حتى أعقبها صوتٌ رجولي و هن يرفعن الأغطية بسرعة على أوجههن ..
- هووووووووووود .. هوووود ..
لتقف المها باشارة مع حور و نورة .. فيما ترد عفرا التي كانت الأقرب إلى الباب ..
- هدااااااا ..
دخل هزّاع يتبعه أحمد .. و حارب .. يسلّم كل واحد منهم وراء الآخر ..
قبل أن يقف الثلاثة في منتصف المطبخ الذي ضاق فجأة بحضورهم .. و هزّاع يقول بابتسامة ..
- شحالكن يا بنياات كلن بحاله ..
رددن عليه بصوتٍ موحّد .. ليعقبه أحمد الذي راح يحرّك غترته بشيء من التوتر ..
- شحالكن يا بنات حمد .. حي ذا العين لكن .. ما شا الله ..
و راح خافقه يرتجف .. و هو يستشعر وجودها بينهن ..!
رددن عليه معا أيضا .. قبل أن يبدأ حارب بسؤالهن عن الحال في هدوء مختلف .. واحدة تلو الأخرى ..
لم يكن يعرفهن تماما .. و لا يميزهن عن بعض .. لذلك اكتفى بالسؤال دون الاشارة باسم ..
لكن هزاع ضحك ..
- العروس شوه تسوين في المطبخ ..
ردّت حور باسمة من خلف غطائها ..
- أتفقد أحوال رعيّة ..
- لو ندري انج هنيه .. كان طرشنا بو سيف يشل السلطة و الخبز و اللبن ..
لم تجب حور .. و هي تشعر بالإحراج يحرق بشرتها .. و لم تنقذها سوى عطسة أحمد القويّة ..
عطس مرتين .. قبل أن يرفع رأسه للسقف .. و يعقبها بعطسة أخيرة .. صمّت آذانهن .. و هو يقول بارتياح ..
- الحمد لله ..
رد الجميع عليه ..
- يرحمك الله ..
مسح على أنفه بابتسامة ..
- يهديكم الله و يصلح بالكم ..
لكن صوتا أتى من آخر المطبخ .. و دانة تغالب ضحكتها ..
- كسرت قلاصاتنا يا بو شهاب ..
ضحك حارب و هزاع على أحمد الذي رد بابتسامة ..
- الحين عطستيه كسرت قلاااصاتكم .. عيل ما سمعتي عطسة عميه سعيد .. !!! عمي سعيد يعطس فبيتهم .. و يطير ستاير بيتنا .. تتحدين ..؟!
وجّه له حارب لكمة قوية في ظهره ..
- هب أخس عن عطسة أبوك ..
رد هزاع بمكر ..
- هيه و الله ..! نحن ما نخم ميلسنا .. بس نعزم عمي علي ع الغدا .. و نيلسه في راس الميلس .. و يعطس .. هاااتشووووه .. و تروح الكشرة قدام .. هاتشووو .. و تروح الكشرة قدام .. و ما يظهر الا و الميلس نظيف الله يطول بعمره ..
رفع أحمد حاجبا و هو يدفع هزاع نحو السلطة التي أنهت نورة و عفرا توزيعها أثناء حديثهم ..
- شل .. شل و انته ساكت .. وايد تسولف ..
ضحكن الفتيات على مرح الإثنين الذي اعتدن عليه مؤخرا من زياراتهم المتعددة .. فيما ابتسم حارب بهدوء و هو يساعدهم في نقل اللبن و الخبز ..
.
.
.
.
كان الليل قد قارب الانتصاف حين التقطت حور كوبها الممتلئ بالشاي ..
و توجّهت للداخل .. تاركة خلفها أخواتها اللواتي التففن حول الطاولة في أحاديث مطوّلة و هن يشربن الشاي بعد الانتهاء من ترتيب المطبخ..
إعتادت مؤخرا على النوم مبكرا للحفاظ على الرونق النضر الذي اكتسبته مؤخرا ..
و ألقت في طريقها للباب الخلفي للفيلا المنفصلة عن المطبخ و ملحقاته نظرة حذرة نحو المبنى الرابض بجانب البيت ..
و تلاعبت بشفتيها ابتسامة توق و هي تفكّر به ..
ما الذي يفعله الآن يا ترى ..؟!
دلفت البيت لتتقدم في الردهة .. تتبع صوت التلفاز الذي استلقى تحته نايف مشدوها .. و هو يعتصر بين قبضتيه جهاز التحكم في اللعبة ..
توجّهت مباشرة نحو قابس الكهرباء .. لتنتزعه بقوة ..
متجاهلة صرخة نايف المعترضة ..
- لاااااا حوووور .. حرام عليج .. وصلت الدور الأخير و الله ..
تضع يدها على خصرها فيما تتشبث الأخرى بكوب الشاي الساخن ..
- ما شاا الله ..!!! تعلمت السهر حبيبي .. نش يا الله رقاااد .. لا أخير و لا أول .. يوم بتنش الصبح بتلعب .. يا الله يسد لعب .. عنبوه من عند الرياييل سيده للعب ..!! يا الله سير بدل و رقد .. باكر ما بتنش لصلاة الفير الا بالموت ..!
و نظرت له بصرامة متجاهلة تذمره و هو يضع اللعبة جانبا و يتوجه لغرفته ..
تضع كوبها جانبا و تجمع أجزاء اللعبة قبل أن يتراجع نايف لها ..
- حور .. ترى غيث ويا أبويه سيف في المكتب ..
وضعت يدها على صدرها بارتياع ..
- عنلاااتك .. ليش ما ترمس ..
و تركت أجزاء اللعبة .. و التقطت كوبها .. لتهرع نحو الدرج بسرعة ..
لكن ما ان ارتقت على أول درجاته .. حتى تصلّبت مكانها ..
و عينها تستدير لباب المكتب المغلق ببطء ..
و ابتسامة مكرٍ تنبت على شفتيها بحلاوة ..
و تعود بها الخطوات ..
لمكانٍ آخر ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
و يمارس هو هروبه عبر نافذة ..
إحساس مختلف يلفّه الآن ..
عاد لدياره ..!
المكان الحقيقي الذي اعتبره يوما بيته ..
لم تكن الجدران أو الأسقف تعني شيئا كما يعني له ساكنيه ..
الأب و الأم الحقيقيان اللذان عرفهما في حياته ..
ها هما يفردان الأذرع لاستقباله مجددا ..
فيما جمع هو حاجياته ..
و ترك المكان الذي كان يفترض أن يكون له بيتا ..
و للمرة الثانية ..
يرحل عن بيت أبيه .. قاصدا بيت الكبير الذي يحتضنه روحا قبل الجسد ..
سعيد للغاية بعودته ..
يشعر بأن كل الأمور عادت برجوعه لنصابها ..
الكثير من الأمور على وشك أن تتخذ صفّه .. قرب ميعاد زواجه ..
و انتقال الملكيّة التي واجهت إعتراضاتٍ مجنونة من أعمامه ..
فكّر بما قد يقوله الآخرون حين يعلمون أن جده على استعداد بأن ينقل ملكيّة الشركة كاملة باسمه ..
كيف سيكون وقع الخبر عليهم يا ترى ..؟!
شد ظهره العريض و هو يستدير بملامحٍ غامضة نحو أبيه سيف الذي استقر خلف مكتبه في حالة تفكير عميق ..
هل أثرت إعتراضات أبناءه فيه ..؟!
تراه يؤثر التراجع و الإنسحاب من الإتفاقهم ..
لا .. لا يظن بأنه قد يخاطر بتحدي غيث .. الذي ربّاه بنفسه على القتال كي يحصل على ما يريد ..
يعلم جيدا أن قد يقترف أي شيء .. أي شيء في العالم ليحصد تعبه …!
ألم يندفع يوما لتتقدم إلى فتاةٍ لا يعرفها .. يربط نفسه بها مدى العمر ليضمن شقاءه ..؟!
رفع جدّه عينيه الحادتين لوجهه ..
ما الذي يدور في خلده ..؟!
التوت شفتي غيث بابتسامة باردة .. و هو يتساءل بصوتٍ عالٍ ..
- رب ما شر يا بو علي ..
حملق الجد فيه لثانية قبل أن يقول بصوتٍ هادئ ..
- و لا شر .. أفكر فسالفة الملكيّة و الرمسة لي قالوها عمامك ..
رفع غيث حاجبا .. كان محقا إذا ..!
هذا ما يقلقه ..
تقدم ببطء .. ليشرف جسده المديد على المكتب و هو يقترح بسخرية مبطنة ..
- ما يبالها تفكير بعد .. الأوراق كلها زاهبة .. يوم الخميس الياي بتشخط بتوقيعك .. و انتهت السالفة ..
تأمل العجوز وجه حفيده الأكبر .. الرجل الذي أنشأه بيده ..
قبل أن يقول بحذر ..
- وايد أشوفك واثق ..!!
و أعاد ظهره للخلف مسترخيا في مقعده ..
- يمكن انا أبا الشركة أتم باسميه ..
كان قد مر بهذا الموقف قبلا .. تفاصيل هذا الحوار تعاد عليه الآن بسخرية ..
لذلك تشدّق في وجه العجوز و هو يقول ..
- و يمكن انا ماباها بنت حمد ..! و أردها عليك ..
رفع العجوز حاجبه متحديا ..
- بتقوليه انك بتخلي بنت عمك و هو ما باقي الا اسبوع ع العرس ..
ماذا يبتزه ..؟!
لن ينجح في الأمر .. يعرف كيف يثير قلقه .. فلا يقدر حتى على المخاطرة ..
صحيح أنه لن يفعلها .. و لن يستطيع التخلي عنها إطلاقا ..
لكن جدّه لا يعلم بذلك ..!
يجهل كل تلك الأحاسيس المجهولة .. المجنونة التي تراوده ..
و ذاك التوق المضني الذي يعايشه في بعدها ..
هذا العجوز لا يعرف إلا شيئا واحدا .. رغبة غيث المجنونة في امتلاك ما أهلك نفسه في بناءه ..
لذلك كان صوته واثقا .. قويّا ..
- لو باقي يوم ع العرس .. و ما وراها حق .. بردّها عليك .. أنا ماليه حاية في العرس الحينه الا لنيه أبا حلاليه .. حلاليه لي تعبت عليه .. و لو ما وراها تعبيه عطيّه .. ماباها البنيّة ..
- يعني ..؟!
ابتسم غيث بخبثٍ .. و هو يكشف مراوغة جدّه الخفيّة .. يحاول أن يماطل الآن فيما وعده .. رغم أنه لم يتخلّف يوما عن عهد يقطعه ..
لكن غيث يفهمه جيّدا .. و لن يترك له ثغرة واحدة ليصيبه في نقطة ضعف ..
- يعني إتفاقنا على ما هو .. انته تبانيه آخذ بنت حمد .. و أنا أبا الشركة باسميه .. تنكتب باسميه يوم الخميس .. قبل اسبوع من العرس .. أضمن حقيه .. و تضمن حقّك .. و الا كانك غيّرت رايك ..! عدنا ع البر .. و ما استوى شي .. برد لك بنت ولدك .. قبل لا آخذها .. و الله يوفقها باللي فيه النصيب ..
خاطر مخيف تملّك العجوز الذي راح يحملق في الوجه الأسمر بملامحه الباردة ..
قسوة حقيقية برقت في عيني حفيده ..
أيعقل أن يقدم على هذا ..؟!
تراه يفوقه جنونا .. و يفعلها ..؟!
ليس هذا ما أقلقه ..
إنما شعوره بأنه ارتكب خطأ فادحا بتزويج غيث لتلك الشابة ..
خطأً لا يغتفر ..
ففي نفس هذا الرجل من القسوة ما لا قد تستطيع مجابهته ..
منذ البداية كان عرضه غير منصفٍ لها .. لقد ساومه مقابل طموحه .. ليدفعه للزواج بها ..
راح ذاك اليقين يحفر عميقا في داخله ..
أخطا .. أخطأ .. أخطأ ..
لكن الوقت تأخر للتراجع ..
و لن تكون العودة للخلف سوى انغماسا في ذاك الخطأ ..
هو يحب هذا الحفيد .. الأقرب إلى قلبه ..
و لا ينكر بأن عائلة ابنه الراحل قد استفحلت مواطنا في روحه ..
غيث قيادي .. صارم .. و يمكنه أن يلاحظ بأن تلك الشابة حنون و مطيعة ..
قليل من الحظ فقط يحتاجه ليعيشا بسلام ..
و لن يفسد الأمر هو هنا ..
لذلك .. كان صوته هادئا .. مستدركا لأي سوء تفاهم .. و هو يقول ببساطة ..
- خلاص اقطعها الرمسة .. مالها داعي .. عدنا ع اتفاقنا .. و الخمـ ......
.
.
.
.
.
و أسهب في تلك التفاصيل التي صمّت أذنيها عن سماعها ..
تسد بيدٍ مرتعشة فماً مفجوعا بما سمعت ..
و بكفٍ أخرى تعتصر كوبا تناثرت سخونة ما يحوي على يدها المرتجفة ..
و هي تتهاوى ببطءٍ على الأرض ..
جسدها الملتصق بالجدار يرتخي قرب النافذة التي تحدّثت عنها أختيها يوما بطيب نيّة ..
لم يعلمن أن الأقدار قد تسوقها كي تنصت لرجلين يسومانها بضاعة مبتذلة على مائدة أعمالهم ..
مخالب الوجع التي راحت تمزّق أحشائها وسط ذهولها بما تسمع ..
منعت صراخا ترتج له أركان روحها ..
و قدميها المرتجفتين لم تقويا على حملها .. و كلماتهما التي تبادلانها للتو ترتد في رأسها مراتٍ و مرات ..
لم تملك سوى دمعة واحدة مصدومة ..
تحجّرت في مقلتها ..
و هي تعجز حتى عن جر الأنفاس لصدرها ..
عن اختراق المكتب ذاك و الصياح بانحطاطهم أمامهم ..
لتلقي كل ما سمعت في وجهيهما ..
لم تستطع استيعاب الألم الفادح الذي راح يعتصر روحها ..
و هي تنتفض بقوة ..
عاجزة حتى عن ضم جسدها المرتعش ..
كان الأمر مريعا ..
مريعا بحق ..
كابوسا فاق كل ما عاشت في حياتها ..!!
.
.
.
.
يمكنها الآن وسط صدمتها هذه أن تصغي لقلبها الذي هوى أرضا بدويٍّ تردد داخلها ..
تراقب بعينين دامعتين تناثر شظاياه ..
و صراخ فرحة تخنق ..
تزهق ..
توئد ..
قبل ولادتها حتى ..!
* * * * *
* فدوى طوقان ،،
** سورة فصلت الآية رقم ( 34 )
*** سورة الملك آية رقم ( 29 )
|