لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-04-08, 01:05 AM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

لاخلا ولاا عدم..
مرحباا ملااايين وماايسدن..

ياافرحتي والله اهم شي واللي بغيت اطييير من الفرحه لما قريته..

اقتباس :-  
غيييييييييييييييث......... ااااااااااه يا قلبي........ حبيته بس يضل فصولي نمبر ون خخخخخخخخخ

وهو انتس شاايله غيثااني من الحسبه.. وبالنسبه للوليد.. قلت انتي وحده ماا تفهمين زين بالمقلط في تحليلي لشخصيتس..خخخخ

لااخلاا .. تعليق اكثر من راائع.. وبالنسبه للفصحى صدقيني ببتعودين عليهاا.. انا شخصياا اشوف انها خلط رااقي جداا من قبل الكاتبه... وطبعاا ياا قلبي هذي وجهة نظرتس والاختلااف في الرأى لاايفسد للود قضيه
واهم شي المووضووع .. لان المووضووع رااائع باي لهجة انكتب وباي لغه.. اهم شي ان الجووده موجووده لاا وبعد من الجووده العاليه جدااا..
لاخلاا .. الله لااا يخليني منتس يااقلبي.. ومشكووره على هالحضووور الراائع.
ودي لكِ..

.

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 16-04-08, 10:35 AM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة الثالثــــــــــــــــــــة ◄



║خطوات مرتبكة ،،║

لهب الشمس يلسع الأرض حرارة كالسياط .. في منتصف الظهيرة ..
كانت الأنفاس لا تطاق ..!!
و سخونة تلهب الصدور ،،، تبخر قطرات العرق قبل أن تسيل ..
الصيف قادم ،، ليقلب الأرض قطعة من الجحيم .. ستذيب كل من عليها ..
.
.
و عند تلك البناية المهدمة ،، توقفت الشاحنة العملاقة و صوت أنين إطاراتها يعلو في الأجواء .. لينزل بما استطاع جسده المنهك من قوة ..
يمسح جبينه الذي اسودّ من فعل إحراق الشمس .. يمنع قطرات العرق من أن تقع على عينيه التي بدأت تخذله الرؤية بها الآن ..
لهث بتعب و هو يجلس تحت ظل الشاحنة الذي امتد بعيدا ..
فيما بدأ العمال بنقل الحجارة إليها ،،، ليقوم هو بإبعادها عن هذا المكان الذي سيعاد تعميره ..
كان الحر لا يطاق ،،، و جسده الساخن غارقٌ بعرقه .. نهض بضعف مرة أخرى ليقترب من مقصورة الشاحنة و يلتقط زجاجة مياه ،،،
لم تكن لتروي ظمأه بسخونة مياهها تلك ..!!
و لكنه كان عطشا .. شرب القليل منها ،، ثم نثر بعض قطراتها على وجهه ..
تدلت يده الممسكة بالقنينة يسندها لركبته ،، و هو يراقب العمّال ينقلون تلك الأكوام الهائلة من الحجارة التي أصبحت بلا نفعٍ الآن ..
فكر بأنه محظوظ .. فهو لم يضطر للعمل تحت حرِّ هذه الشمس التي بدا أنها تنوي على تجفيفهم ..
يكتفي بعمليات النقل من و إلى موقع العمل .. و بعد أن ينتهي وقت الهمل في الساعة الثالثة ظهرا ،،
يستقل سيارته الصغيرة العتيقة متوجها لمنزله بعد يوم استنزف فيه طاقته كلها ..
سيارته التي لا زال يدفع أقساطها حتى الآن ،، لن يتوانى أبدا أن يعمل جنبا إلى جنب مع هؤلاء العمّال ،، إذا اضطر إلى ذلك ..
أن يسمح لهذه الشمس بسلخه حيّا بحرارتها راضيا ،، فما زالت هناك أفواهٌ عليه إطعامها .. و حاجاتٌ يجب عليه أن يقضيها ..
خطر بباله أن يستغل فرصة نقل العمّال لهذه الأكوام ليتوجه لأقرب محل للخضار و يبتاع بطيخة كما اعتاد أن يفعل كل خميس ،،
سرعان ما تراجع عن الفكرة .. مدركا بأن سيصل بها إلى منزله و هي ساخنة بعد احتباسها في سيّارته حتى عودته .. لذلك فضل شراءها عند عودته ..
.
.
للحظات ناوشت شفته ابتسامة شفقة ،، هذه الأفكار التي يغرق نفسه بها ..
شعر أنه يسعى للهروب عمّا يفترض به حقا أن يفكر به ،، تلك المكالمة التي أتته صباح هذا اليوم ..
الحقيقة أنه مر وقت طويل لم يتحدث فيه معه ..
و لأوقات كثيرة شعر بالذنب الشديد و خاطر يمر بداخله و هو يشك في صحّة قراره حين أجبر ابنته على الزواج منه ..
أ ينكر أنه كان متلهفا لهم .. مشتاقا .. يريد أن يربطهم شيئا مرة أخرى .. أن يرى إخوته .. أن يضع يده بيدهم لمباركة ذاك الزواج ،،
كان متفائلا رغم تغيّب والده الذي كان قد سمع أنه هو من ربّى ذاك الرجل ،، كيف سمح له بالزواج من ابنة حمد ..؟؟؟
حمد ..
ابنه العاصي ..؟! ابنه الذي بفعلته الشنيعة استطاع أن يدفع أبيه للخزي من تصرفاته ..
استطاع أن يفعل ما لم يفعله أحد قبله .. لقد جعلها يندم على إنجاب ذاك الابن ..!
الآن و بعد انقضاء تلك الأيام ،، أصبحت الشك يراودنه .. لمَ تقدم لطلب يدها ..؟
كيف استطاع تجاوز صلاحيّات جده و التقرب من العم المنفي .. و العجوز يمنع أمه و إخوته من سنوات عنه ..!!
ماذا ..؟! هل هناك ألاعيب يخبئها في جعبته ..؟!
كان تواصله معه بعد شهور من زواجه من ابنته مريحا و مطمئنا بعض الشيء ،، ثم انقطعت أخباره تماما ..!!
لم يعد يسمع عنه شيئا سوى ما نقل في الجرائد و الأخبار عن افتتاح شركة جديدة في المجموعة عيّن فيها رئيس مجلس الإدارة ..!!
الآن و بعد أشهر عاد ببساطة ليتصل به .. و يطلب منه ذاك الطلب ..!!
.
.
شعر بأنه يغرق الآن .. في أفكاره ،، و حر شمس تشوي وجهه العاري ..
أخرج هاتفه بسرعة من جيبه متناسيا تلك الدوامة قيل أن يعود فيغرق فيها مجددا ..
هاتف قديم ،، لم يعد يميز من ملامح الأرقام على أزراره شيئا ،، و قد حال اللون عن غطاءه البلاستيكي ،،
سنوات مرّت منذ اقتناه و لازال يحتفظ به صالحا للاستعمال ،،
ضرب الرقم الذي يحفظه جيدا .. و انتظر للحظات أن يجاب على الخط ..
صوته المنهك يرفعه ليصل إلى الطرف الآخر ..
- ألووووه .. السلام عليج يا عذيجة ..
.
.
على الأقل يمكنه أن يجد حلا لما تمر به زوجته الآن ..

* * * * *

كانت الساحة المدرسية مزدحمة بشدة مع خروج جميع الطالبات في فرصة الغداء ..
و تفرقت الفتيات في مجموعات ضخمة انتشرت على وسعها .. فهناك من فضلت الجلوس .. و من أخذت تتمشى حول الساحة ..
و من راحت لتزاحم الأخريات للشراء من مقصف المدرسة ..
استندت هي على عامود الحديد و هي تضحك بقوة ..
- بمووووت .. آآآآه يا بطنيه .. أقول نوف .. انتي ما ينفع وياج الا اسلوب الهوش هذا .. شغلتج تمين واقفة فآخر الصف ريل مرفوعة وريل في القاع ..
عقدت نوف حاجبيها بضيق ..
- عنلاااتج داوونه يا السبالة .. لي يسمعج ما يقول كل يوم و انتي واقفة ويايه ..
رفعت دانة أنفها بغرور ..
- هيه بس اليوم أنا يالسة و انتي واقفة اروحج .. و بعدين أنا ما يوقفونيه عسب ناسية كتابيه و الا أهذر في الحصة .. بس على التأخير فديتنيه .. وييييييييو ..
مطت نوف شفتيها باحباط ..
- جب زين .. عليتي فواديه .. وين باقي هالمخبل مالهن شوف .. ؟؟
- سارن يتشرن هبة ريح .. تعالي بنحجز مكان نيلس فيه ..
أشارت نوف بيدها ..
- هذا مكانا .. تعالي بسرعة نيلس قبل لا حد يي و ييلس فيه ..
سارعن بالجلوس في المكان ذاك .. و ما إن استرخت دانة في مكانها حتى لفتها مرأى شقيقتيها يقفان سويا أمامها مباشرة ..
لتقول بسرعة و عيناها ملعقتان بهن ..
- نوف .. دقيقة بسير أشوف خواتيه و رادة ..
صاحت نوف معترضة ..
- مالت عليج خواتج تعرفينهن في البيت لا تودرينيه يالسة بروحيه شرات الخبلة ..
ابتسمت دانة متجاهله اعتراضاتها .. و تقدمت نحو شقيقاتها بسرعة ..
- مرحباا ..
التفتن لها معا لتقول نورة مستهزئة..
- هلا دندن ..
عقدت دانة حاجبيها ..
- مالت عليج .. ما تعرفين تدلعين .. - ثم وضعت ذراعيها بسرعة على كتف كل واحدة منهن و هي تقول بلهجة مؤامرة خافتة .. - هاا متى الهجوم الساعة كم ..؟!
دفعتها نورة مبتسمة ..
- بايخة ..
عقدت دانة ذراعيها .. و هي تنظر لعفرا التي تبعد خصلات غرتها عن عينها ..
- لا صدق شعندكن .. شكلكن من بعيد .. تتناقشن في السياسة .. تيك كير .. فيها جوانتانامو يا بنيّات ..
تنهدت عفرا باستعجال ..
- بنات علاية واقفة مساعة ترقبنيه .. نورة .. بتشلينها و الا لا ..
نورة تجيبها ..
- و انتي شوه بتاكلين ..؟
هزت عفرا كتفيها ..
- مالي خاطر في العيشة ..
التفتت دانة بسرعة لنورة ..
- شوه ناسية فلوسج ..؟
هزت نورة رأسها ..
- هيه .. غريبة و الله أول شي أنا أسويه أتأكد انها فمخبايه .. لن أهم شي في الحياه بطنيه .. بس مادري شوه استوا عليه اليوم و نسيتاا ..
قالت عفرا بسرعة و هي تخرج القطعتين النقديتين التي تتلقاهما يوميا من أبيها غداءا لها في المدرسة ..
- انزين خلي السوالف و فكينيه .. يا الله شليها ..
دفعت دانة يد عفرا .. و هي تخرج الدرهمين خاصتها من جيبها ..
- لا عفاري شلي فلوسج انتي أنا بعطيها ..
كانت نورة تتأمل المنظر و هي تحبس ضحكتها باستمامته .. و عفرا تقول ..
- لا حبيبتي .. شوه بتاكلين .. انا متعودة انيه ما اتشرا غير عصير لنيه أيمع الفلوس .. انتي كلي و أنا بعطيها ..
قالت دانة بحزم ..
- جب زين .. أونها .. حبيبتي .. ربيعاتيه اشترن ليه قبل لا أظهر من الحصة لنهن ظهرن بدري ..
و التفتت للخلف لتجدهن قد وصلن الى حيث جلست نوف ..
- اندوج .. يالسات يرقبنيه .. نورة شلي .. لا أشلج بطراق .. راحت السوالف و الفسحة علينا ..
التقطت نورة الدرهمين من كف أختهاا و هي تضحك بقوة ..
- ما قول غير مالت عليكن .. حسيت عمريه طرارة و انتن تتحالفن عليه منوه بيتصدق .. ههههههه ..
ضحكن سويه بقوة .. قبل أن تقوول دانه بسرعة ..
- يا الله عيل أنا سايرة ..
قالن معا ..
- برايج ..
ثم التفتت نورة لعفرا ..
- سيري لعلايه .. هاي منى ياية قداي ..
- أوكيه ..
و استدارت متوجهه نحو صديقتها التي كانت تقف على مقربه منهن ..
ابتسمت نورة بحب حقيقي .. و هي تراقبها تبتعد قبل أن تلتفت لدانة التي توسطت صديقاتها .. و هي تضحك بمرح .. ممسكة بيدها علبة عصير ..
.
.
شيء غريب اضطرم به صدرها ،، و هي تراقبهن بهدوء ..
واقفة في مكانها .. و تدفق الفتيات يفصل بينها و بينهن ..
قلبها يخفق بتواتر منتظم .. و هي تضم القطعتين النقديتين المحتجزتين في كفها لصدرها ..
هؤلاء هن أخواتي ..!

* * * * *

استرخى في مقعده و هو يرتشف جرعة كبيرة من القهوة التي في كوبه ،، يراقب ابن عمه الذي بدا غارقا في جهاز الحاسوب المحمول خاصته ،، ليسأله بفضول ..
- شوي لا تنطح الشاشة .. أحمدووه شوه هالشطارة لي طايحة عليك .. شعندك في الاب ..
رفع أحمد رأسه ببؤس و هو يضيق ما بين حاجبيه بضيق ..
- لا ترمس .. الله يغربل الهندسة .. لو مسوين للشيبان طاف و حادرين العسكرية و الا الشرطة شرا سيف خوك .. كان نحن فنعمة ..
هز هزاع كتفيه بابتسامة ..
- هانت ياخي .. ما بقى الا سنتين ..
تنهد أحمد بحسرة ..
- أخخ لا تذكرنيه .. أحس أيام عمريه الثمينة تضيع في هالخريط .. أنا ما رمت على الأوتوكات ،، ياخي .. و الله أحسنيه هب فاهم شي بالمرة ...!!!
وضع هزاع الكوب جانبا باهتمام..
- حتى أنا هب فاهم فيه شي ..!! بس شوه بنسوي .. يا نشوف الدكتور يعيد لنا ع السريع و الا يعقب .. و الا واحد من الشباب يفهمنا .. تعرف .. لو داخلين هندسة ميكانيكية و قاصين ع الشياب ..
غمز بعينه و هو يردف بابتسامة ..
- ع الأقل هاي شغلتناا ..
أحمد لا يرفع عينه عن الشاشة ،، و وجه يركز بقوة ..
- قاصين ع الشيبان أونه .. سوها لو بتروم عليها و أنا وياك ..
تراجع هزاع في مقعده ..
- بعدنيه ما تخبلت ..
لم يرد أحمد الذي بدا منخرطا في ما بين يديه ،، راح هزاع يجيل بصره في وجوه من حوله .. كان الكثير من الطلبة يملئون المكان .. مختلف الأشكال و الأعمار .. هذا الفرع من الجامعة يجمع تخصص الهندسة بالإدارة ..
اصطدمت عيناه بذاك الوجه و لم يستوقفه .. و لكنه عاد للحظة لينظر إليه مرة أخرى ..
يمعن في رؤيته و هو يضيق عينيه متسائلا ..
- أحمد ..
لا يترك التركيز ..
- هممم ..
- الريال لي واقف هناك .. شكله هب غريب عليه ..!!
أحمد لا يقتلع عينيه عمّا يدقق في رؤيته ..
- امنوه ..
اغتاظ هزاع و لكمه في كتفه بعنف ..
- خوز خشمك عن الاب شوي و بتشوف .. الريال لي لابس كندورة نيلية عند الباب ..
رفع أحمد عينه بضيق من تلك المضايقة ..
- الشباب كلهم لابسين كنادير نيلية ..
أشار هزاع بعينه ..
- راعي الغترة الحمرا لي واقف عند الباب ..
التقط أحمد ببصره وجه الشاب المقصود ،، أمعن فيه للحظات قبل أن يلتفت لهزاع بتردد ..
- هيه و الله .. ويهه مألوف ..!! بس ما عرفته ،،

* * * * *


- الحمد لله ..
تمتم جده بتلك الكلمات و هو ينهض عن السفرة التي عمرت بكل ما لذ و طاب من أطعمة ،،
شيء يفوق مقدرة الثلاثة أشخاص الذين جلسوا عليها ..!!
راقبه و هو يختفي في المغاسل القريبة المجاورة لغرفة الطعام ،، التفت إلى جدته الجالسة قربه بهدوء .. ليقع ناظره عليها و هي تقضم خبزه جافة بصمت و عيناها الضيقتان غارقتان في شيء خلف الصحن الذي وضع أمامها ..!
ابتسم بحنان و هو ينبهها ..
- أمااه ..
انتفضت قبل أن ترفع عينها له .. سارعت بالتقاط الملعقة ..
- تبا عيش فديتك ..؟؟
مد يده الكبيرة يمسك معصمها النحيل لتترك الملعقة ..
- أبا أرمسج ..
عيناها تتعلقان بعينيه بتساؤل .. قبل أن يقول بابتسامة صغيرة ..
- باكر الصبح بتييج هنيه ..
لا زالت نظرت الاستفسار تعلو وجهها الذي تزاحمت فيه التجاعيد .. لم تفهم ما يقصد ،،
- منوه ..؟
يعلم أي فرحة ستستبد بقلبها بعد ثوانٍ ..!
- حرمتيــــــــــه ..!
كاد يضحك و هو يقولها .. زوجته ..! إنه لا يعرف حتى كيف تبدو ..
و لكن السعادة كست وجه جدته و هي تقول بهمس مفعم بفرح ..
- حـــور ..!!!
الآن يشعر بالاسم غريبا للغاية .. يعلم أن هذا اسمها منذ أشار له جده بالزواج منها .. و لكنه اعتاد على تلك الألفاظ التي تطلق عليها ممن يجهلونها .. ابنة عمه .. زوجته .. ابنة حمد كما اعتاد جده أن يقول ..!!
و لكن جدته قالتها ببساطة الآن .. الغريب أنه نسي أن لتلك الفتاة اسمٌ يطلق عليها .. بخلاف ما قد يتعلق به ..!!
لا يهتم لكل ذلك .. ما يهمه حقا هو تغير وجه أمه الذي شعّ حبورا الآن و هي تترك قطعة الخبز .. تتلفت حولها للحظات ..
بدت كالضائعة .. !
غير مصدقة .. و نمت عن شفتيها الصغيرتين ابتسامة حب غير متوقعة ..!
لما كل هذه السعادة ..؟؟ هي لم تعرف تلك الفتاة يوما .. و لم تلتقيها قط ..
هل كل ما يتعلق بحمد .. سيروي شوقها ..؟!
أمتلهفة للقاء من هي قطعة منه .. هل تنتظر رؤية ابنها في عيني تلك الغريبة القادمة في الغد ..؟؟
الآن ساوره قلق .. بدت جدته مندفعة قليلا في مشاعرها .. متأثرة بابنها البعيد ..
قد يجعلها ذاك قابلة للأذى .. هو لا يعرف الفتاة أبدا .. و لا يعرف ما الذي قد تكنه لتلك العائلة التي تخلّت عن أباها ..
قد تكون حاقدة عليهم .. أم .........
!!
هذه الفكرة لا تلبث أن تسكن نفسه .. لقد رأى الفقر المدقع برأيه الذي يعيشه عمه و أبناءه ..!
إذا كانت حاقدة عليهم .. و تعلم لما لازال الغفران خارج حدود علاقاتهم المعقدة ..
فلما ستوافق على الزواج به ..؟!
لا إجابة لهذا السؤال سوى تفسير واحد .. و هو واثق من هذا الشيء ..
لابد أنها ترى بأن لها حقا في ما تملك عائلة سيف .. فهي حفيدته ،، الوقت الذي تقضيه في ذاك البيت الضيق .. يتنعمون هم هنا بما لا يملكه أبيها ..
.
.
شعر بشيء من البرود يعتمر صدره ،، و هذه الأفكار تغزو مخه تباعا .. عجبا ..!!
كيف لم يفكر يوما بكل هذا ..؟! عقله الحديدي الذي لا يغفل عن شيء أهمل هذه النقطة ..
تلك الشابة وافقت على الارتباط به رغم أنها لم تعرفه يوما و لم تره ،، و سكتت عن تجاهله لها و إهماله وجودها ..!
هل تخفي في نفسها مآربا لم تصلها بعد ..؟!
الآن حقا بدأ يقلق على جدته ..
عقد جبينه بضيق ،، و بدا وجهه الصلب غارقا في التفكير ،، قبل أن يصله صوت جدته و هي تسأل بلهفة ..
- و أبوك سيف ..؟؟
الآن تتصاعد القسوة في روحه .. لو تجرأت تلك الغريبة على أذية قلب هذه العجوز ..
سيسحقها ،،
بلا رحمه ..!!
ابتسم بجمود و هو يقول ..
- خليه عليه ..
و ترك ما بيده ليهب واقفا ..
رفعت عينها عن صحنه لجسده الطويل و هي تعترض ..
- ما تغديت ..
نظر لها بحب ..
- شبعت فديتج .. بسير أشوف ابويه سيف ..
أومأت برأسها قبل أن تستفسر بتردد ..
- منوه بييبها باكر ..؟
هز رأسه ببساطة ..
- الدريول ..
عقدت العجوز جبينها بضيق ..
- و ليش الدريول لي بييبها .. انته شوه شغلتك ..؟ هب حرمتك هاي ..؟
قال بهدوء ليسيطر على أحاسيسه الغريبة . أصبح ينفر حقا من لقياها ..!!
- أمايا فديتج أنا عنديه أشغال باكر في الشركة ..
فجعت العجوز بما يقول ..
- باكر اليمعه ..!!
ابتسم لها ..
- أنا هب في المدرسة أعطل يمعه و سبت .. عنديه أشغال لازم أقضيها ..
كان الإحباط جليا على وجهها ..
- يعني ما بتشوفهاا البنية ..؟!
كان صارما و هو يقول ..
- لا ..

* * * * *

كانت عقارب الساعة تشير للثالثة إلا ربعا حين دلف البيت حاملا بيده بطيخة طازجة كبيرة ،،، علت الابتسامة وجوه أبناءه الذين كانوا ينتظرونه كعادتهم كل يوم حين عودته من العمل ..
سارعت ابنته الكبرى تحمل البطيخة عنه و هم يسلمون عليه تباعا .. ليسألها ..
- حور أمج وين ..؟؟
تقول بهدوء و هي تحمل البطيخة بثقل ..
- في حجرتا .. بعدها تعبانه شوي ..
هز رأسه و هو يخلع عمامته ليستريح أرضا ..
- خلاص هاتي الغدا .. و عقبها قطعي نص هاليحة و النص الباقي خليه في الثلاجة خالتكم عذيجة بتيي العصر ..
هزت حور رأسها بطاعة لتنهض عفرا من مكانها لمساعدتها .. اختفت الاثنتين في المطبخ .. و التزموا البقية الصمت و أبوهم يسند رأسهم على الجدار بتعب شديد .. الحقيقة أن الحر يزيد من تعبه الآن .. يشعر بأنه لن يستطيع المتابعة على هذا المنوال ..
لحظات و تفرش عفرا السفرة على الأرض لتقبل حور بصحن الغداء الخاص بأبيهم ..
تناول غداءه بهدوء وسط سكونهم ،، و حالما انتهى .. هب من مكانه ليغسل يده في المطبخ ..
كانت أعينهم تتبع مشية أبيهم المتعبة ..و هو يتحرك ببطء و كأنما أنهكه السير على قدميه ..
بعد خروجه من المطبخ أشار لحور آمرا ..
- تعالي الحجرة .. أباج ..
و دلف حجرته دون أن يزيد بحرف واحد ..!!
تبادل الجميع النظرات بتوجس .. لتهمس دانة بخفوت ..
- حور شوه يبابج أبويه اروحج ..؟؟
اتسعت عينا نورة بذعر ..
- ليكون درا بلعب البارحة و الا حد سمعنا من ييرانا و اشتكاله ..
انتفضت حور من الفكرة ..
- فال الله و لا فالج ..
قالت عفرا بعقلانيه ..
- ما اظن .. لو درا كان لعن خيرنا كلنا .. بس شكله يبا حور اروحها في سالفة ..
و نظرت لحور باستفهام .. لتهز الأخيرة كتفيها بعدم دراية ... و مزنة تمط شفتيها بضيق .
- يعني لعبتن البارحة ..؟؟ حووووور ليش ما لعبتينا وياكن ،، خليتينا نسير نرقد ..
حور كانت تفرك يديها بتوتر ..
- هب وقتج انتي الثانية الحين .. فكينا من حشرتج ..
قال نايف و هو ينبطح يلتقط رزمة الكتب المجاورة له و يفردها ..
- ابطيتي على أبوية كان ما تبين تتصفعين ..!
هبت من مكانها بسرعة .. لتتوجه نحو الغرفة ..
راحتيها تعرق دون توقف .. و نبضاتها في تعاقب سريع .. ترفع يدها المرتجفة لتطرق الباب ..
يأتيها صوته من الداخل ..
- تعالي ..
فتحت الباب بهدوء .. لترى أن أمها راقدة على فراشها و قد لفت الغطاء حول جسدها النحيل بالتفاته كاملة ..
في حين استرخى والدها جالسا بجانبه ..
أشار لها بعينه أن تجلس قربه .. تقدمت بصمت لتجلس جانبه و تدس يديها في حجرها كي لا يلاحظ توترها .. و ذعرها مما ينتظرها ..
فرك أبوها عينيه بإجهاد حقيقي و هو يزفر ببطء .. لا تعلم لما بدا لها وجهه مختلفا في تلك اللحظة ،، سماره الحالك نتيجة عمله تحت أشعة الشمس الكاوية .. و خطوط التجاعيد المتجمع عند زوايا عينيه و حول فمه ..
و تلك الأيام المجحفة قد رسمت آثار مرورها على وجهه ..
انعكاس القوة و الجفاف في عينيه بدا ضعيفا في تلك اللحظة و هو ينظر لقدميه الممدودتين بتعب أمامه ..
قال بصوت جهوري .. لم تخشى أن يوقظ أمها بما أنها لا تسمع ..
- انتي ترمسين ريلج ..؟
.
.
تقطعت أنفاسها بذهول شديد .. آخر ما توقعت أن يتفوه به في تلك اللحظة ..!!
نظرت له غير مدركة ما يعني ..!!
عاد يكرر سؤاله ..
- اسألج .. ترمسين ريلج ..
هزت رأسها نفيا و صوتها المبحوح يهمس ..
- لا ..!
.
.
.
.
كان يراقب تعابير وجهها المرتبك ،، لا يعلم لما تشعر بهذا الانفعال و التوتر ..
و لكن شيء اعتصر فؤاده حين ردت بتلك الإجابة ،، كان لديه بصيص من أمل .. بأن ابن عمها الذي لم تقابله طوال حياتها و لم تره حتى يوم عقد قرانها ..
قد يتواصل معها .. الآن و تلك الإجابة القاطعة التي أتت كوخزه تأنيب له و هو يراقب وجهها الصافي المتطلع له .. أهدابها ترف بقلق دون توقف ..
راح يخمد تلك الأصوات التي أقلقت ضميره .. لابد أنه يراعي مشاعر جده و أنه سيتعرفها عن قرب عاجلا أم آجلا فلِما الاستعجال ..؟! أليس طلبه أن تلتقي جدته بشارة خير ..؟!
جدته،، و جدتها ..!!
تنهد بصوت مسموع .. نسي أن ابنته لا تزال هنا .. و هو يرخي جفونه المثقلة .. ليراها خلف ستار الظلام ..
تلك المرأة .. تلك الحبيبة ..
شيء كاللهيب اجتاح قلبه .. يحرقه ..
أمـــه التي كان آخر عهده بها قبل هروبه بأسبوع .. تلك الدموع .. و تلك التوسلات ..
لا .. لم يرحمها ..
لقد أحرق قلبها .. لقد كسرها .. تلك المشاعر الجميلة التي يمكن أن تكون قد حوتها يوما ما ..!
و رحــــل ..!
أما زالت تذكره ..؟! .. تشتاق إليه .. و تحن للقياه .. ؟؟
ألا زالت تنتظره ..؟!
الحقيقة أن هناك ما يثقل قلبه منذ دهر ،، حنين جارف لأحضانٍ تلملمه ،،
و تجمع شتات أحزانه ،،، و يكتم صوت صيحات ،،
تطالب رحمةٍ منهم .. و أن يعفوا .. و أن ينسوا ..
و أن يصلوه بعد الهجر قبل أوانٍ يقترب ..
و بعد الحين .. لن يجدوه ..
يكتمها الصرخات ..
فلا تسمع ..!!
و تدفن بين أضلعه ،، ليفتت روحه الخذلان ،،
بنيران تعربد داخل الروح ..
كم يتمنى ..!
فقط يتمنى ...!!
.
.
- ابويـــه ..!
فتح عينيه متفاجئا .. ليلتقي بنظرتها القلقة .. كان قد نسي وجودها .. تحمحم بصوت مرتفع و هو يجلي حنجرته مما سدّها .. و هو يقول بصوتٍ خشن ..
- ريلج اتصلبيه ..
اتسعت عيناها و الذعر يتنامى داخلها .. اتصل ..!!! ماذا يريد ..؟؟
تابع أبوها و هو يركز على أطراف أصابع قدميه ..
- يقول انه يباج تسيرين تسلمين ع يدته ..
صمت للحظة قبل أن ينظر لها بصوت غريب ..
- يدتج .. !
نظرت له دون أن تستوعب ما قال للتو ..!
تذهب هي لتسلم على جدته .!! ماذا يعني ذلك ..!
جدته التي يفترض بها أن تناديها هي أيضا بجدتها .. و لكنها لا تشعر بأي صلة تربطها بتلك المرأة ..!
المرأة التي لم تصادفها يوما طوال حياتها .. المرأة التي يفترض بأنها هي من أنجبت أباها رغم ذلك لم تقع عينا حور قط عليها ..
من هي لتضطر إلى الذهاب إليها ..!! من هي تلك المرأة التي يصدر حفيدها الأوامر ..
يريدها أن تفعل .. !! أن تأتي .. أن تذهب ..!
أهي عبدته ..!!
شعرت بقلبها يتميز غيظا و هي تكتم كلماتها التي قد تزل بها ..
لتقول بهدوء و عقلانيه ..
- هب المفروض انهم هم لي ييون بيتنا .. ؟!
رفع أباها عينه مغتاظا مما قالت لينهرها بحدة ..
- أمايا تعبانه ..
ألجمها الألم الذي انعكس لوهلة في أفق عينيه و هو يضغط على شفتيه و يردف بصوت مختنق ..
- و مطرشة عليج تبا تشوفج .. لا تزيدين في الرمسة.. باكر الصبح بيي الدريول و يشلج .. تسلمين عليها ..
صمت لثوانٍ .. لما نطق عباراته الأخيرة بأمل ..؟!
لما لمعت عيناه هكذا ..؟ هل هو سعيد بقرب أمه من ابنته // منه ..!
هل يتمنى أن يكون في مكانها ..؟ .. أن يذهب هو .. أن يراها .. يسلم عليها ..؟!
لا تعلم .. بلع ريقها و هي تسأل بخفوت ..
- أسير بروحيه ..؟
لم يفهم مقصدها نظر لها متسائلا .. فقالت بصوت مرتجف ..
-أبا حد يسير ويايه ..
قال بصرامة ..
- أنا ماروم اسير وياج .. تبين حد من البنات تسير ما عنديه خلاف ..
بتر الكلمات قبل أن يعود ليقول مفكرا ..
- و الا أقولج .. شليهن كلهن وياج .. الا مزنة و هند خليهن هنيه .. ابا البنات الكبار يسلمن ع يدتهن ..
لا تدري لما يثير حنقها ذاك الشوق الذي تلمسه في صوت أبيها كلما ذكر أمّه ..! تلك المرأة نسيته لسنوات و لازالت ..
لماذا يشتاق إليها إذا ..!!
صوته الهادئ يعود ليقول ..
- خبريهن باكر الصبح يتزهبن تسيرن هناك و تسلمن عليها و تردن البيت ..
شيء واحد فقط أثار حفيظتها لتقول بصوت جازم ..
- أبوية ما بسير الصبح ..
قال بقوة ..
- بتسيرين غصبن عنج ..
ذعرت من نبرته الشديدة و قالت تهدئه ..
- بسير يا بويه . .بس الصبح ماروم .. باكر الجمعه اذا سرت أنا و البنات بيخلا البيت .. امايا تعبانة منوه بيسوي الغدا و يعابل الصغاريه و البيت ..؟!
نظر لها لبرهة .. دون أن يجد عيبا في كلامها ..
مع أنه طلب أن يتم حضورها صباحا .. إلا أن التأخير لن يضري أحدا ..
فلينتظروا اذا ..
- خلاص هب مشكلة الدريول بيتم الين تقظن مشواركن .. بتسيرن العصر ..؟
أومأت موافقة و هي تبلع غصة أوجعت قلبها ..
لا تعلم لما شعرت بأنها رخيصة و هي تتوجه لبيت زوجها بأمر منه ..
وجّه لأبيها ..!

* * * * *

لا زال الذهول مختلط بعدم التصديق على وجوههن منذ أخبرتهن حور عن سبب انفراد أبيها بها ..!
لم يبدن أدنى اعتراض ،، و كأن الأمر مزحة ما أو غير حقيقي ..
و لا زال الشك يلوح في عيونهن ،، الحقيقة أن ردة فعل المها كانت الأغرب ..!
بدا الضيق على وجهها الحلو و هي تعقد جبينها بشدة من أن شرحت لها حور الأمر .. فقط لوحت بيدها غاضبة دون تفسير و دلفت المطبخ لتعد الشاي لخالتهن التي كانت قد وصلت للتو و جلست عن أمهن ،، تنهدت حور ببطء ..
تشعر بتبعثر مشاعرها ..
لا يمكنها أن تشعر بما يخالجها الآن ..
شيء واحد كانت متأكدة منه ،، أن زيارة الغد قد تحمل الكثير ..
.
.
- حوور .. ؟
انتشلها صوت شقيقها الأصغر من أفكارها .. لتلتفت له بعينٍ شاردة ..
- همممم ..؟؟
- مايد في الميلس يبا يسلم عليج ..
طارت تلك الأفكار التي اختنق بها فكرها المشغول و ابتسامة حلوة تعلو شفتيها و هي تصيح بشوق ..
- في ذمتك ..؟؟؟؟؟؟؟؟
لم تنتظر إجابته .. وقعت عيناها على المها و هي تحمل صينية احتوت على إبريق الشاي و أكواب زجاجية ،، لتشير لها بسرعة أن تعد إبريقا آخر لمجلس الرجال .. ثم تهرول إلى هناك بفرحة ،،
أنستها ما عاث في خاطرها من قلق بشأن الغد ..
حال وصولها للباب المجلس ابتسمت و هي ترى حذائه عند الباب .. لوحده هنا ..!
أطلت برأسها بخفة قبل أن تقرع الباب لتجده جالسا في الطرف الأبعد من المجلس الضيق .. كان ينظر للأسفل بحده ساهما .. ابتسمت بحب و هي تفكر .. بما الذي قد يشغل باله ،،
شعر هو بشيء يسد مرور ضوء الشمس عبر الباب ليرفع عينه فيراها واقفة تطل برأسها و هي تبتسم ،،
ابتسم فور رؤيتها .. و هي تقول معاتبة ..
- بعض النااااااااااس .. مقاطعينااا لهم أسابيع محد يشوفهم ..!!
فتح ذراعيه و هو يقول ،،
- ما عندهم سالفة هالناس ..
اقتربت لتسلم عليه بسعادة ثم تضربه على كتفه ..
- مالت عليك يا الدب .. وينك غطيت مرة وحدة .. شحالك ،، شوه اخبارك .. و علومك .. رب ما به يديد .. حد يا كم من مكان ..؟ تولهت عليك ..
ثم تذكرت لتقول و هي تصفق بيديها ..
- حصلت شغل ..؟؟
ضحك مايد بأريحية و هو يعود ليجلس على الأرض فتجلس الى جانبه .. و عيناها متعلقتان به تنتظر اجابه شافية لسؤالها ..
- خييييييبة .. يا حور .. شوي شوي .. كلتينيه .. الحين بشوه أرد أول ..
قالت بلهفة ..
- حصلت شغل ..؟؟
.
.
شعر بوخزه في ضميره قبل إن يقول بهدوء ..
- لا هاي سالفتاا طويلة .. أول شي أنا بخير الحمد الله .. شحالج انتي ..؟
رفعت ابهامها بنصر ..
- ترتوب الأحوال .. كالعادة ..
- خالوه شحالها ...
عقدت حاجبيها بعدم رضا ..
- فديتاا أمايا مادريبها هالأيام شوه مستوي عليها .. كله تعيانة و ميهودة .. حتى العيشة ما تطب ثمها ..
هز رأسه بأسى ..
- هيه تراه أبوج اتصل بامايا اليوم و قالها تيي تشوفها ..
رفعت حور حاجبها و هي تنظر له باستنكار ،،
- أفاا .. يعنتي لو ما أبوية اتصل ما كان ييت هنيه ..؟؟
ابتسم و هو يمسك بكفها الصغير ..
- لا و الله ،، امبونيه بيكم اليوم .. حسيت انيه مصختااا وايد .. و عبيد كان بيي ويايه .. بس ربعه اتصلوبه قبل لا نظر .. و يسلم عليج ..
- الله يسلمه فديته .. هذا السبال من زماااااان عنه .. شوه مسوي في الجامعة ..
هز رأسه برضا ..
- ماشيه أموره الحمدالله .. و ........
قاطعة طرقات على الباب .. لتهب حور من مكانها قبل أن تدخل عفرا و هي تخفي وجهها خلف الغطاء ..
- السلام عليكم ..
هب مايد واقفا في مكانه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
التقطت حور صينية الشاي من بين يدي عفرا التي نظرت لمايد ..
- شحالك مايد ..
- الله يعافيج ،، عفرا ..؟؟
- هيه ..
- شحالج ،، و علوم الثنوية العامة وياج ..
- يسرك الحال ،، الحمد الله كل شي تمام ..
- الله يوفقج ..
هزت عفرا رأسها تهم بالخروج ..
- يوفقنا يميع .. يا الله أترخص ..
و خرجت من المجلس للتقدم حور بالصينية و تضعها أرضا عند مايد الذي عاد ليجلس لتصب له بعض الشاي ..
مدت الكوب و هي تسأله ..
- الحين ما قلتليه .. لقيت شغل ..؟؟
التقط كوب الشاي بتوتر .. ليضعه أرضا .. نظر إليها لبرهة ..
عيناها تنتظران رده ،، لا بد أنها متلهفة لسماع تلك الحكاية الطويلة التي وعدها بها ..
و للحظات راوده شكٌ غريب ..
هل سيرى نظرة التسامح على وجهها الصافي بعد لحظات ..؟!
كان هادئا للغاية و هو يلتقط كوب الشاي ،،
- و الله تعرفين من متى و أنا ادور شغل ،، ما خليت مكان و لا دايرة و لا حكومة الا و قدمت أوراقيه .. و كلهم نفس الرد .. بنتصل بك .. بنتصل بك ،، و هاي الشهور تخطف و محد اتصل ..!!و الله يا حور ما خليت مكان تتخيلينه و ما تتخيلينه الا و قدمت أوراقيه طالب شغل .. بس ما شي فايدة .. هاي يستقدمون الخبرات الأجنبية و عيال البلاد هب محصلين لقمة العيش ..!! ،، ادري ان شهادتيه عادية و هب مطلوبة .. و انالمعهد دراسته ما تساوي دراسة الجامعة .. بس نحن أولى و الا شرايج ..؟!
نظر للحيرة التي سكنت عينيها ..
لماذا يسرد ما تعرفه جيدا ..؟! أهناك شيء آخر ..؟؟
- يعني ما لقيت شغل ..؟؟
تنهد بهدوء .. سيلقي ما في جعبته مرة واحدة ..
- الاسبوع لي طاف واحد من ربعيه خبرنيه عن شركة يديدة توها فاتحة و هاي الشركة تابعة لمجموعة شركات معروفة ،، يمعت أوراقيه .. و سرت الشركة اليوم و قدمتها ..
ابتسمت بتفاؤل ،،
- حلوو .. و متى بيردون عليك ..؟
قال بثقل ..
- الاسبوع الياي .. بس ما سألتينيه شركة منوه هاي ..
كانت عيناها تشعان حماسا ..
- شركة راعيها .. أهم شي انك تحصل شغل ..! بس ليش أسأل معروف راعيها ..؟؟
ابتلع ريقه .. و ركّز بصره على ملامحها ..
ماذا ستقول يا ترى ..؟
- آآ .. هيه تعرفينه ..
ضحكت بقوة و بانت أسنانها البيضاء الصغيرة ،،
- أوووف .. أعرفه .. - ثم أردفت مازحة - قوليه منوه تعرفنيه راعية واسطة أنا بخلهم يقبلونك .. شوه واحد من معجبيني و الا يطلع في التلفزيون ..؟؟
قال بهدوء ..
- مادري .. بس لو طلع ما بتعرفينه ..
ابتسمت و هي تغمز له ،،
- شوه لغز .. أعرفه و ما أعرفه .. امنوه راعيها ..؟؟
ألقى بكلماته بهدوء ..
- ريلـــــج ..
لثوانٍ رنت الكلمة في جو المجلس الهادئ ،، عدم الفهم يرتسم على ملامحها للحظات ..
.
.
تعقد جبينها الآن بادراك قاسي .. ثم استنكار ..
تمعنت في وجهه المترقب بلهفة لما تقول .. همست بقوة ..
- في شركتهم ..؟؟
أومأ برأسه آسفا ،، تنظر له و هي مذهولة .. لا تستطيع تفسير ما يخالجها ،،
أ هي خيبة ..؟! .. حيرة ..!
أم شيء لم تدرك كنهه ..؟
فقط صوته المعتذر يقول بهدوء ..
- قبل لا تزعلين و تيلسين تعاتبينيه .. فكري ،، من متى و أنا أدور شغل ..؟؟ راحت أياميه و أنا يالس عطالي بطالي .. يوم لقيت الفرصة قلت ليش ما أجرب حظيه .. يمكن يقبلونيه هالمرة .. حور أنا ما استغليت علاقتكم بهم .. و أنا خبرت أبوج قبل لا أقدم في الشركة و قال إن ما عنده اعتراض ع السالفة .. !
ثم نظر لها برجاء ،، و كأنما لا يريدها أن تسبب مشكلة بينهما من أجل ما لا يستحق ..
لا تنكر ذاك الضيق الذي اكتنف صدرها و هو يفاجئها بما يحمل ،،
و للحظة تأملت وجهه المترقب .. واثقة بأنه لن يتوانى عن ترك هذه الفرصة إذا طلبت منه ذلك ..
و لكن هل يحق لها بأن تفعل ..؟ .. أن تحرمه هذه الفرصة لمجرد عدم ارتياح يراودها من أولئك الأقارب الذين لم تلتقيهم قط ..؟!
أم عليها أن تتجاهل نزعة الأنانية التي تملكتها و هي تفضل بقاءه بلا عمل على أن يقتربوا منهم ..!!
.
.
هل لها أن تمنحه الراحه ،، أن تبتسم لأجله .. و تخبره بأن لا مانع لديها ..؟؟
يصعب ذلك عليها .. و لكنه ليس بمستحيل ..!
.
.
نمت عن شفتيها ابتسامة حلوة و هي تشد على أنامله ،،
تلك الراحة التي علت محياه تستحق الكثير ..!

* * * * *

يريح أصابعه على خدّه و الشرود بادٍ في عينيه ،، وجهه المريح بدا غارقا و هو يتخلخل لحيته بأصابعه بين الفينة و الأخرى ..
ارتشف هو فنجان القهوة الذي بيده قبل أن يقول بصوت عالٍ مازح ،،
- بعطيك عشر ربية و سر الحلاق قصر هاللحية لا يشلونك ،،
.
.
اخترقت الكلمات مسامعه بقسوة .. و لها وقع الشوك في قلبه .. كيف لأبيه أن يقول هذا ..
اعتاد على سخرية أبناء عمه من التزامه و إعفاءه للحيته .. و لكن أبوه ..
نظر له بعتب ..
- أفاا يا بو سيف .. تبانيه أحلق لحيتيه ..؟؟!!!
.
.
شعر هو بالحرج ،، و كأنما صغّرته الكلمات التي رماها بلا اهتمام منذ لحظة في عيني ابنه ,,
ليبرر له بابتسامه ..
- خايفك عليك يا بويه ما تسمع كل يومين و هم شالين حد ..
لم يجبه سيف .. أخفض عينه صامتا .. يلفه الغموض الهادئ .. تمنى أبوه للحظات لو أنه لم يتلفظ بالكلمات ،،
بدا ذاك بعيدا ..
بعيدا للغاية ..!
دقائق تمر و لا صوت يخدش جدران السكون ..
- سيف ..
التفت له باهتمام ..
- عونك يا ابويه ..
- عانك الرحمن .. بلاك هب ويانا ..
ابتسم بحلم ،،
- اسمحليه يا الغالي .. أفكر في الدورة لي طالبينيه فيها ..
هز أبوه رأسه ،، يخفي الضيق الذي يخالجه كلما تذكر ابنه الذي خرج عن نطاق عمل العائلة ..
- لو انته كافي عمرك الشر و تشتغل ويا اهلك هب أخيرلك ..؟؟
لم تختفي ابتسامته الهادئة ..
- ما عليه يا بويه .. أنا مرتاح في شغليه .. و التجارة ماليه فيها و لا في معاملاتاا ..
عقد أبوه جبينه ..
- الحين مرتاح .. باكر بتعرس .. و بتتلعوز ويا شفتات الشرطة .. يوم مظهرينك الفير .. و يوم تالي الليل .. شتبابها المغثة و الراحة عندك ..؟؟
أجبه مجددا ،،
- أنا مرتاح في دواميه يا بويه و ما به مغثة ..
انفتح الباب لتتوجه أعين الاثنين نحوه ،، دلف هو بتعب و توجه رأسا نحو أبيه يسلم عليه ،، ثم التفت نحو أخيه الأكبر الذي هب واقفا ليبادله السلام ..
- السلام عليكم ..
ردوا سلامه بصوت واحد ،،
- و عليكم السلام و الرحمه ..
جلس على الجلسة المنخفضة و هو يفرك عينه بارهاق .. يسأله أبوه ..
- هاا يا بو سلطان .. علومك ..
نظر له هزاع بابتسامة ،،
- ابد و الله يابو سيف ما به علم .. كسرتنااا هالجامعة ..
أومأ أبوه برأسه ينقل بصره بين ابنيه الذين بدآ بتبادل الأخبار بحديث سريع ،، كم هما مختلفان ..
رغم ذلك بدا أن سيف يلعب دور الرقيب على أخويه أكثر منه هو ..!!
انتشله صوت سيف الذي قال لأخيه وهو يصل للباب بحزم ،،
- لا ترقد .. ما بقى شي ع صلاة المغرب ..

* * * * *

- اماااااه .. - ثم أشارت بيدها و هي تجمع رؤوس أصبعها لفهما و ترفع الصوت - عشاا عشاا ..
نظرت أمها بوهن للصحن الذي وضعته للتو أرضا قبل أن تشيح وجهها و هي تشير رافضةً الطعام ..
- لاااا .. بس ..
ألحت عليها و هي تعقد جبينها ،، لا يمكن أن تستمر أمها في الإضراب عن الطعام بهذا الشكل ..
- أمااا - و تربت بيدها على صدرها - عشانيه ..؟؟
لكن أمها لم تطاوعها ،، شعرت بالهم يغزو روحها و هي ترى هذه الحبيبة تزداد نحولا .. ما خطبها ..؟؟
هي قلقة للغاية .. تخشى أنها مصابة بمكروه فيما هم غافلون عن ذلك ..!!
.
.
لم تكن تلك الليلة كغيرها من الليالي ،، منذ خرجت خالتهم قرابة المغرب مع ابنها لبيتهم ..
انشغل الجميع في ترتيب أمورهم .. و لكن بدا واضحا لأخواتها أنها تتحرك بآلية دون توقف.. عيناها المركزتين لا يمكن أن تكون أكثر دلالة على شرودها ..
كانت تشعر بتزاحم خواطرها يشتتها ،، حالما أوت هند و مزنة و نايف للنوم ،، و دخل والدهن لغرفته لينام ..
تجمعن ليجلسن على عتبة مدخل الصالة .. حور تسند ظهرها لإطار الباب و تجاورها المها التي بدا أنها تتأمل هذا الشرود الذي سكن عيني أختها .. عفرا تقابلهن و هي تجلس على الأرض الحجرية للباحة .. فيما قابلت نورة حور لتستلقي دانة و تريح رأسها فخذها .. و هي تقول مازحة ..
- حوووووه حووووور .. لي ما خذ عقلج يختي ..!! ليكون تفكرين في اللقاء ..
نظرت لها حور شزرا ..
- قالولج ما عنديه سالفة ،،
قالت عفرا و هي تمرر يدها على النقش القديم في اطار الباب الخشبي ..
- صدق حور شعندج .. من الصبح و انتي سرحانه .. كل عسب سالفة الروحه ..؟؟
تدخلت نورة بسرعة ..
- ما يرزا عليج يختي .. خفي ع عمرج .. بنسير خمس دقايق و بنرد ،، و لا تخافين - و شدت ذراعها تبرز عضلات وهمية - خواتج الوحوش وياج .. مستعدات للدفاع عنج ضد أي هجوم يشنونه الأشرار ..
تنهدت حور باحباط ..
- أقول انتن لي ما عندكن سالفة .. أنا الروحه ما تهمنيه .. و باكر سايرة عسب خاطر ابويه .. و هب خايفة و لا حتى متوترة .. بس ..
مدت يديها بعجز ..
- انتن ما تشوفن أمايا كيف غادية ..؟؟ عنبوه بتموت .. قدها عظام .. و الله انيه خايفة واايد عليها ..
سرعان ما بدأ القلق و الضيق ينتقل لوجوههن جميعا و حور تقلب مخاوفهن .. قالت دانة بصوت تعيس ..
- فدييتج يا أميه ،، حتى الرمسة ما فيها الحيل ترمس .. و لا العيشة تباها ..
تنهدت نورة ..
- خالوه تقول نصبر الين يوم الأحد و بتشلها الدختر .. حور بتسيرين وياهم ..؟؟
هزت حور رأسها بلا ..
- وين أسير و منوه بيتم هنيه .. خالوه أكيد بتيي الصبح .. انتن في المدرسة و مهاوي اروحها ..
أومأت عفرا برأسها ..
- الله يشفيها و يسوقلها العافية .. الله يخليها لناا ..
قلن معا ..
- آمين ..
صمتن للحظات قبل أن تعود دانة لتقلب موضوع الحديث ..
- الحين نحن باكر بنشوف يدووه ..؟؟
أومأت حور برأسها بهدوء .. لتعود دانة فتسأل بحيرة ،،
- تهقونها طيبة و الا عوفة ..؟؟
عقدت نورة جبينها و هي تنظر لوجه دانة في الأسفل ..
- مادري ليش أتخيل شكلها ضخمة .. و سمرا .. أحسها بتيي عودة شرات أبوية ..!!
ابتسمت حور في وجه المها التي بدا أنها تراقب شفاههن بتركيز كي تلتقط الحديث ..
- ابويه ريال لازم يي جسمه كذيه .. بس هاي عيوز يمكن غير الحين ..
قالت عفرا بهدوء ..
- أحسها متكبره شويه أو قاسيه .. كذيه أحسبها لنها تقول طرشوليه البنات ..!!!
الآن تتسع ابتسامة حور ..
- سبحان الله نفس الشعور يوم أبوية يخبرنيه .. بس ما علينا منها .. نحن هب سايرات نطلب بيت شعبي .. بنسلم عليها .. و شحالج .. انتي بخير .. و ردينا البيت و نسينا السالفة ..!!
قالت دانة بمكر ..
- يمكن مسوية هاييك العيوز خطة و مواعدة ولد ولدها عسب يشوفج ..!!
ارتعشت أطراف حور و هي تفكر بذلك ..
- فال الله و لا فالج يا السبالة ..
قالت نورة مفكرة ..
- صدق حور تخيلي باكر تكون يايبه عريس الغفلة و تباه يشوفج ..
سدت حور أذنيها بكفيها ..
- انتن بتنطبن .. عنلاتكن لا تروعنيه الحين ..!!
تثاءبت عفرا بشدة و هي تقول بارهاق ..
- طبيهن يختي .. لا تخافين و لاعندج خبر .. و اذا كان موجود .. ما يخصج فيه ارقعيه طاف و بنرد البيت .. أنا بسير أرقد ..
قالت حور و هي تقف في مكانها و تمط يديها بتعب ..
- كلنا بنرقد .. الساعة عشر و نص الحين ..
هزت دانة رأسها بخبث ..
- هيه عسب ننش و ويوهنا راويه ،، هب حلوة ويه حور يي تعبان و ريلها بيشوفها ..
نظرت لها حور بغل و نورة تشارك دانه الضحك .. مدت الأولى يدها لتنهض المها و يتوجهن الى غرفتهن و هي تقول بخفوت كي لا يزعجن الراقدين في هذا البيت ..
- أقول شكلج ما بتنطبين الا لو ياج كف مرتب ..
.
.
حين أراحت رأسها على مخدتها الصلبة في الظلام الدامس بعد انطفاء النور ،، كانت تسمع تهامس نورة و دانه المتحمس عما هو متوقع أن يحدث في الغد .. فيما تمتمت عفرا بارهاق تنهرهن ..
- ايه انتي وياها .. نبا نرقد ..
ردت نورة ..
- ارقدي امنوه ميود رموشج ..؟؟
- حنجرتج الذهبية انتي و هالتغريد .. صخن .. باكر قرن الين تموتن ..
قالت دانه بسرعة ..
- بسم الله علينا ..
حسدت حور في داخلها المها على السكون الذي يصم أذنيها عن هذا الضجيج ..!!
قالت بضيق ..
- دانة و نورة لو ما تبن ترقدن اظهر الصالة و سولفن هناك ..
قالت دانة بسرعة ..
- لا خلاص بنرقد ..بس سؤال واحد حور ..
تنهدت حور بصبر ..
- اسألي ..
- الحين باكر بنشوف ريلج و الا لا ..؟؟
.
.
صرت أسنانها بغضب حقيقي .. و هي تلتقط مخدة و ترميها في الظلام في اتجاه فراش دانه ..
- دااااااااانوووووووه ..!
رنت ضحكات نورة و دانة تشاركهن عفرا ..
فيما تصارع حور ذاك التوتر و هي تكتم ابتسامتها ،،
.
.
صدقا ..
ما الذي قد يحمله الغد في طياته ..؟!

* * * * *

و ها هو النور ،، آية ..
يسلطها الرب على غفوات ابتسامة حين تتشح السماء سوادا ،، آذنة لدموع خافية بالهطول ..
ليقبل فجرٌ جديد ،، حاملا على أكتافه لحظات ستوصم على جبين الذكريات ،، مميزة .. أَ مرّة كانت .. أم سكريّة ..
فكل يوم يمر هو حياتنا .. جزء منها ،،
و كل صبحٍ وليد هو أول ما تبقى من لحظات أيامنا ..
التي حتما ستمضي .. لنتمنى عودتها ذات رحيل ..!
.
.
تتغلغل أشعة الشمس ستار حجرته الواسعة ،، فيما يرتدي فانلته القطنية البيضاء على إزاره النظيف ،، ليقف أمام المرآة متأملا لحيته المشذبة ،، و وجهه الأسمر القوي ..
لحظات و تعلو شفتيه ابتسامه حادة .. يلتقط المشط ليمرره في شعره الكث المبلل ليعيده إلى الوراء ..
لابد أن الجميع رقودٌ الآن فاليوم إجازة رسمية .. و لا يفكر أحد بالنهوض للعمل غيره ..!!
فكّر بأنه لم يكن مجرد عذر للتغيب عن مقابلتها فقط ،،
بل إنه مضطر حقا لقضاء أعماله التي لا تزال تنتظره .. حقا تلتهم هذه الشركة وقته بجنون !
يشعر بالاسترخاء و هو يفكر بأنه سيسعد قلب جدته الحبيبة باحضار تلك - الزوجة - لتراها ..
شخر ساخرا متجاهلا وخزة الذنب .. زوجة .. !! هه .. هل تراه هي أيضا زوجا ..!! أم مجرد توقيع رسمته يداها على ورقة عقد القران ..؟!
لا يهمه أمرها بتاتا .. كل ما يحتاجه أن تمر هذه الزيارة بسلام دون أن تكتشف جدته أكاذيبه و حكاياه الملفقة عن تلك الزوجة التي يفترض بأنه يتواصل معها و يعرف أخبار أبيها ..!
التقط ثوبه يرتديه بسرعة قبل أن يلف - الغترة - على رأسه بمهارة ..
ليلتقط بعدها هاتفه المحمول و محفظته و يترك الغرفة ..
كان ينزل من الدرج الضخم الذي يتوسط الردهة حين وقعت عيناه على جده الذي جلس وحيدا يقلب بين يديه أوراق متناثرة ..
ابتسم بهدوء .. لم يكن له أن يرث حب العمل الذي يجري في دمه إلا مما سقاه هذا الرجل من بين راحتيه ..
رفع الرجل العجوز رأسه و هو يسمع غيث يسلّم بصوته الجهوري ..
- السلام عليكم و رحمة الله ..
نمت عن شفتي العجوز ابتسامة فخورة ،،
- و عليكم السلام و الرحمه ..
قبل غيث أنفه و رأسه ،، قبل أن يلقي بثقله على الأريكة المجاورة .. و هو ينقل عينه بين الأوراق .. و بين وجه جده الذي لا زال يشع بالقوة افتقدها من هم أصغر منه بسنوات ..!
- شحالك يا بويه ..
كان العجوز يركز بشدة و هو يقلب الأوراق تلك ..
- بخير و سهالة ،، بتسرح مكان ..؟
- سارح الشركة .. أميه وين ..؟؟
- عدها فحجرتاا .. بتتريق هنيه ..
هز غيث رأسه بهدوء ..
- هيه .. ما خبرتك ..!
بدا الاهتمام على وجه الجد ..
- بشوه ..؟؟
استرخى غيث في مقعده بابتسامة ساخرة ..
- حرمتيه بتيي البيت اليوم ..
انفلتت الأوراق من بين يدي الجد .. و هو ينظر للأمام مباشرة .. قبل أن يرفع عينه لغيث .. و هو يسأله بصوت غريب ..
- و شوه بيييبها ..؟؟
هز كتفيه بلامبالاة .. يعلم جيدا كيف يوخز أباه .. و يلمسه في وجع ..!
- بتيي تسلم على يدوه .. من ملكت عليها ا يتها .. و اتصلت بها تيي ..
تقلص فك العجوز بشيء يشبه الغيظ .. الا أن عينيه لا تزال هادئة ..
- زين عيل .. أنا ظاهر من الصبح الين في الليل العزبة ..
هز غيث رأسه بابتسامة ملتوية ،،
- بتتغدا هناك ..؟

* * * * *


لا تدري حقا لما بدا لها أن العصر يهرول قادما ،، و أن اللحظات لا تطول ..
لا تريد لعقارب الساعة ان تواصل السير إلى العصر ،،
فلتتوقف الثواني قليلا تريد التقاط أنفاسها و تهدئة روعة قلبها الذي راح يقرع أبواب صدرها بجنون ،،
ول كن العصر أقبل بعد صباح لم يكن قط أقصر في حياتها ..!!
تمرر المكواة على غطاء وجهها الثقيل بيد ترتجف .. و مئات الصور ترتسم في مخيلتها لذاك اللقاء الحتفي الذي ستعيشه بعد قليل ،،
أسدلت أهدابها لوهلة و هي تسحب نفسا عميقا ،، يتغلغل رئتها ..
على الأقل هذا الهواء الذي تتنشقه هواءها .. تعرفه جيدا .. و تتنفسه ..
لما كل هذا الخوف .. حور ..؟؟
لماذا تشعرين بالذعر و أنكِ على شفير ألم ،، أو دمعة ..
تمالكي نفسك .. ليس هناك ما يستحق أن تهتز أنفاسك لأجله ..!!
وضعت يدها على صدرها بهدوء و هي تومئ برأسها موافقة ..
ستكون قوية .. حتما ستكون كذلك ..!
.
.
- حور خلصتي ..؟ أبا أكوي شيلتيه ..!!
كان هذا صوت عفرا .. التقطت حور غطاءها عن طاولة المكواة .. و هي تتساءل ..
- حد سوت القهوة ..؟؟
نورة تفرد غطاء رأسها على الطاولة بحماس ..
- سوتها دانة .. و ابوية رد من الصلاة يقول دريولهم برا يرقبنا من الصبح .. و تغدا هنيه بعد ..!! .. و يقول لا تبطن ..
هزت حور رأسها بسرعة متوجهه لحجرة أمها ..
- قولي للبنات يظهرن .. بسرعة ..
دفعت باب الحجرة لتدلف بهدوء .. يقع ناظرها على وجه أمها المرهقة التي استلقت على جنبها بتعب..
أمـــاه .. ليتني منكنت مسجاةً على هذا الفراش عنكِ ،، اصبري يا غالية ..
أثلجت صدرها تلك الابتسامة الجميلة التي ارتسمت على وجه أمها .. و هي تراها ترتدي العباءة و مستعدة للخروج .. اقتربت حور لتركع على ركبتيها جانبها . و أحنت رأسها لتطبع قبلة عميقة على جبينها ..
شعرت بأنها تستمد القوة منها .. و أن شيئا من السكينة انتشر في روحها و هي تجلس هنا ..
لتبادل أمها الابتسامة و تشير لها راحتيها للسماء تحرك شفاهها بهدوء و هي تهمس ..
- ادعيليه ..
.
.
يداعب صوتها الناعم بكلماتها المتكسرة أذني حور .. ليطربها .. يدعمها ..
يدفعها للمواجهه بلا خوف ..
- الله أحفظكن .. الله أوفقكن ..
حنان هائل بقوة حب الأم يتدفق في مجرى الشريان الآن و هي تمسح أخيرا على رأسها لتقف مجددا و هي تلوح لها خارجة ..
رؤيتها لأمها .. و انفصال روحها للحظات عن كل ما قد تفكر فيه باستثناء صحة تلك الغالية .. جعلها أكثر هدوءا ..
شيء واحد رددته في داخلها بتصميم ..
لا يهمها .. و لن تكترث لمن و لما ستلاقي هناك .. هم مختلفون عنهم .. و خارج حدود دنياهم ..
عليها أن لا تسمح لهم بالتأثير عليها .. و زعزعة ما هي عليه ..
.
.
- حووووور أباااا اسير وياكم ،،
كان ذاك صوت مزنة التي تقف بباب الصالة تغالب دموعها ..

* * * * *

في مكانها الذي اعتادت اعتكافه كل عصر ،، لا يجالسها سوى السكون الذي لا يقاطعه شيء ..
و لكن اليوم كان لعبراتها حكاية ،،
حقا لا تجد تفسيرا واحدا .. هل كذب عليها ..؟؟
ذاك الحفيد .. بل هو ابنها .. ذاك الذي اعتنت بصدقه منذ صغره ..
وعدها بأنها ستحضر . و أنها ستكون هنا في الصباح ،،
لم يناوش عينها الرقاد ليلة الأمس .. وهي ترسم مئات الصور لها ..
لشيء يربطها بابنها البعيد .. شعرت بشيء كقسوة الشوق يحرق إحساسها ..
و عين ساهدة ،، تأبى أن تغفو للحظات .. فيدركها النهار و يمضي ..
فلا تراها ..
و لا تلتقي عيني ابنها في وجه تلك الشابة ..
حلم أمست ترجو قدومه أرادت أن تحويه عيناها المفتوحتين ..
لكن يبدو أن الحلم يأبى إلا مسكن النوم في روحها ،، لذلك لم تأتي ..
أتى الصباح حاملا عل كتفيه خيبة مرّة ..
و عقارب الساعة تواصل المسير باجتهاد ،، و كأنما لا تبغي من مضيها سوى أن توجع قلبها المسن ..
و اللحظات تمضي دون أن تقبل تلك المنتظرة ..
الآن ..
تجلس هي هنا ..
لم تعتد تنتظر أحدا .. حتى هو ..
لا تريد أن تلتقي بعينيه .. فترى ما لا تتوقع .. هل كان جادا .. و أخلفت هي الوعد ..؟؟
أم كان يصبرها بكذبة لم تكن أقسى قط ..؟!
شعرت بحرارة دمعة تلسع مؤخرة مقلتها .. و الشمس تلفح حزنها .. صمتها ..
و السكون ..
لتخفض رأسها بانكسار متلوع ..
لا شيء قد يمزق الروح و ينثرها لأشلاء ،،
كدنو الحلم من الحقيقة ..
و انفلاته ..!!
لن تروى عبراتها جفاف القلب بعدها ..
لن تفعل ،،
أبـــدا ..!

* * * * *

رغم وسع السيارة الفاخرة التي كانت في انتظارهن .. إلا أنهن تزاحمن في المقعد الخلفي ..
و السيارة منطلقة نحو المجهول .. بدا أن توتر حور السابق انتقل لأخواتها في حين تداركتها الثقة و هي تجلس بينهن بهدوء ..
ابتلعت نورة ريقها بضيق و هي تتساءل ..
- لو يبنا نايف ويانا هب أحسن من اليية ويا الدريول بروحنا ..؟؟ مادري أبويه كيف سواها ..!! ما حيده كذيه ..!
أجبتها حور و هي تلتفت للمها التي كاتن تعقد أصابعها في حجرها .. بدا واضحا أنها مرتبكة ..
- أبوية ما يبا نايف يي عندهم ..
ارتجف صوت دانة ..
- ليش ..؟؟
هزت كتفيها بعدم درايه ..
- مادري .. و صخن شوي .. سوالفكن خلنها للبيت الهندي يتسمع ..!
عفرا لم تنبس ببنت شفة منذ خروجهم من البيت و لامها بدا أنها تتحكم في نفسها بصلامة .. اذا لم يبدو غير ارتباكها أي شيء قد يدركه من حولها ..
كانت السيارة تتجتاز طرقات المدينة المعروفة قبل أن تنحرف لطريق فرعي يعرف بـأنه يؤدي للممتلكات الخاصة ،،
للحظات و يجتازون طريقا محفوفا بالنخيل .. و دانة تهمس لعفرا ..
- تخيلي هالهندي يبا يخطفنا و نحن ما ندري وين مودنا ..؟؟؟
ابتلعت عفرا ريقها بتوتر ..
- انطبي انتي و هالأفكار .. خلينيه أسترخي ..
نظرت لها دانة شزرا .. الحقيقة أنها كانت خائفة .. هذه تجربة لم تخضها من قبل ..!!
همست نورة برهبة ..
- شكلنا وصلنا ..!!
تلك الهمسة أرسلت العدة في أجسادهن ،، و السيارة تبطئ سيرها مع اقترابها من تلك الأسوار الحجرية العالية ..
حور تضع كفها على صدرها لتخنق ضربات قلبها التي بدأت بالتسارع مجددا ..
أغمضت عيناها بعد أن رأت السيارة تتوقف عند البوابة الحديدية الضخمة ،، و سائقها يطلق زمورها منبها لوصوله
أطلقت نفسا مختنقا و هي تستنشق الهواء بعمق ..
.
.
إلهي ،،
بث في قلبي ثباتا ،، امنحني القليل من القوة ..
.
.
شهقة المها المذهولة قرب أذنها أجبرتها على فتح عيناها ..
أجفل قلبها بقوة .. و هي ترى المساحة الشاسعة المزرعة التي يقطعونها و هم متوجهين للمبنى العملاق الذي ربض على الأرض أمام أعينهن ..
لا صوت يتردد للحظات في جو السيارة ،،
حتى صدى الأنفاس .. بد أنهن للحظات خشين أن يغرقن صدورهن بهواء هذا الحلم .. الذي بدا مخيفا للحظات و هن يقتربن من تلك الفيلا العملاقة ..
صوت دانة المذعور يتردد في الجو الساكن ..
- بيتهم عود ..!!
بدا أنها تترجم أفكارهن ..
.
.
تتوقف السيارة أمام الدرج الرخامي المؤدي للمدخل الضخم ..
ليلتفتن الى بعضهن بتوتر .. لا تلامس أعين احداهن الأخرى من خلف غطاء أوجههن الغليظة ..
تتمالك هي نفسها .. عليها أن تكون ثابته .. ليست لوحدها .. هناك من يعتمدن على قوتها الذاوية ..
- يا الله انزلن ..
نظرن اليها و كأنما لا يردن ذلك ..ربتت على كتف المها دون أن تنظر لهان .. و هي تشير لها بأن تفتح الباب بسرعة ..
هه ..
بسرعة ! قبل أن تخذلها شجاعتها و تأمر الشائق بإعادتهن إلى البيت ..!
فتحت المها الباب بطاعة .. لتنزل مفسحة لمن خلفها بالنزول ..
الآن باب السيارة مفتوح .. و المها تقف أمامها على تلك الأرض المجهولة ..
ابتلعت ريقها .. لتدفع نفسها للنزول .. قدمها تطأ تلك الأرض بهدوء .. و صوت انفتاح باب السيارة الآخر يصل لمسامعها ..
ما إن أغلقن بابها حتى انطلقت تاركة إياهن واقفات في مواجهة ذاك الدرج الامع تحت أشعة الشمس الحارقة ..
ينظرن اليه بتوتر ..
حور تشد قبضتها بقوة .. ليس على الأمر أن يطول .. فليدخلن بسرعة .. يسلمن عليها .. و يخرجن من هذا المكان ..
سيعودن فورا إلى البيت .. حيث تلك المساحة الضيقة .. الدافئة ..
الآمنة ،،
قالت بقوة ..
- يا الله بنحدر ..
تحركت إلى الأمام بتصميم ..
خطوتان .. و تلتفت إلى الوراء بدهشة ..
- شعندكن واقفات ..؟؟؟
تكلمت عفرا بصوت مرتجف ..
- حور .. سيري انتي أول .. شوفي امنوه داخل و تعالي خبريناا ..
بدا أن غيرها استحسن الفكرة اذ أيدتها دانة بسرعة ..
- هيه هم لي زاقرينج .. و نحن زيادة عدد بس ..
نظرت لهن حور بغيظ شديد ..
- و الله لو ما تحركتن قداميه ما بييكن خير .. يا الله أشوف ..
.
.
و لكن لم تنم عنهن أدنى حركة .. حتى المها التي واضح أنها لم تسمع شيئا من ذلك .. إلا أنها لن تتحرك إلا مع العدد الأكبر ..
قالت نورة بصوت مقنع ..
- سيري دقي الباب ز شوفي هاليدة وينها .. و خلاف تعالي زقرينا بنسلم و نتوكل .. هي تباج انتي .. و نحن يايين رزة فيس بس ..
الآن يتصارع الغضب مع اليأس في نفسها ..
- و الله لو ما مشيتن قداميه .. ليوصل الخبر عند أبويه ..
لم يبدُ هذا التهديد ذو أثر على عنادهن ..
تنهدت حور بخوف بدأ يتملكها ..
ماذا ..؟؟ أ عليها التوجه للقاء تلك المرأة لوحدها و تمهيد الطريق لشقيقاتها ..؟؟
- يا النذلات .. و الله لداويكن ..
و التفتت مجددا تنظر لباب .. تجر قدميها .. و الارتباك يتصاعد داخلها ..
رئتيها تعب من هواء العصر الساخن بسرعة ..
و هي ترتقي الدرج الأبيض ،، خطوة .. خطوة ..
الآن هي أمام الباب الخشبي الضخم .. و جرسه الأنيق يستفزها ..
يطالبها ساخرا بأن تقرعه ..
اصبع مرتعشة تلك التي مدتها لتضغط عليه ،، و ما إن انطلق الصوت عاليا ليصلها و هي تقف في الخارج ..
حت تمنت لو أنها لم تفعل .. أرادت في لحظة الاستدارة للجري عائدة للبوابة .. لا يهمها ان عادت الى البيت على قدميها ..
فقط أربكها وجودها هنا .. تشعر بأنها غريبة عن هذا المكان الموحش .. الضخم .. الهادئ ..
لحظات .. و صوت الخطوات يتردد قادما من الداخل .. قبضة الباب تدار بسهولة .. فيما تغمض هي عينيها من خلف غطاء وجهها ..
رباه ..!!
- Yes ؟؟
رفعت عيناها للخادمة القصيرة التي تساءلت و هي تقف عند الباب ..
بلعت خوفها تجلي حنجرتها لتقول بصوتٍ مبحوح ..
- أم علي وين ..؟
نظرت لها الخادمة بحيرة ،، و هي تطيل النظر فيها ..
- Who are you ؟؟
هل تعلم الخادمة بأمر مجيئها ..؟؟
- حـــــور ..
سرعان ما تبددت الحيرة لتحل مكانها ابتسامة كبيرة ..
- أووه مدام .. ماما نوراا قول انتي يجيي سوبه .. بس انتي سوي تأخير .. تفدلي أنا خبر ماما الهين ..
لم تبالي حور بالانقلاب السريع للغة الخادمة و هي تخطو عتبة ذاك المنزل لأول مرة ..
تخفض بصرها .. خائفة مما قد تراه إن رفعت عينها ..!
شيء واحد تبادر لذهنها و الباب ينغلق ببطء من خلفها ..
.
.
لقد كانوا في انتظارها ..!
.
.
تخطو بهدوء على الأرض الصلبة .. و هي ترفع رأسها ،، لثانية شعرت بهلع و هي تدير عينها فيما حولها ..
الردهة الفسيحة و قد توزع على وسعها الأثاث الفاخر المتناثر ،، و الديكور الفخم ..
الدرج العملاق الذي توسطها .. و الثريات الضخمة التي توسطت السقف العالي ،،
.
.
الخادمة تقودها نحو غرفة الجلوس و هي صامتة ،، تفتح الباب و تتنحى جانبا تدعوها للدخول قائلا ..
- تفدلي مدام .. الحين ماما نوراا يجي ..
و خرجت لتغلق الباب خلفها ،،
نظرت هي لهذه الأرائك الوثيرة ،، و الجلسة الأرضية الأنيقة التي وضعت في الزاوية البعيدة ..
كل شيء نظيف .. و لامع .. كل شيء متكامل .. و فاخر ..
أغمضت عيناها و ذهنها يصفو للحظات ..
هن فقط خمس فتيات .. ضعيفات ،، لم يحلمن قط بزيارة مثل هذا المكان في أوهامهن ..!
أدركت بأنهن وحيدات هنا ..!
.
.
ضمت حقيبة يدها البسيطة لصدرها بمرارة ..
حمقاء .. حمقاء ..
هذا ليس بمكانهن ..
كان عليها أن ترفض المجيء .. أن تعارض أباها .. تناقشه ..
ما الذي جرت نفسها إليه بالقدوم إلى هنا ..
هذا المكان غريب عنها تماما ..
لا تعرفه .. و تعرف سكانه ..
أجفلت و صوت الباب يفتح بهدوء يتعلق نظرها به .. مترقبة من سيدخل عبره ..
لا تتبين الرؤية خلف غطاء وجهها جيدا .. ترفعه لأعلى بيد مرتعشة ..
كاشفة عن وجهها ..
و وجه تلك القادمة ..!
امرأة ضئيلة الجسد ،، بدا أنها كبيرة في السن و هي تتقدم نحو حور بحركة بطيئة ..
تلك التجاعيد التي تتزاحم على وجهها الوقور ..
من هذه المرأة ..؟! أيعقل أن تكون جدتها ..؟!
تقترب العجوز أكثر و شبه من رجل أنجبها يلوح بين خطوط الزمن العتيقة ..
عيناها الواسعتين رغم تقدم سنها تمتلآن بالدموع .. و هي تهمس بلهفة دون أن تسلم حتى ..
- حــــور ..؟
حور لا تتحرك .. عيناها المتوجستان تراقبان هذه المرأة الغريبة .. و هي تبتلع ريقها بقلق ..
تومئ برأسها موافقة ،،
شيء مختلف يتألق مع دمعة وجدت الطريق لتنحدر على وجنتها ..
احساس سكن تلك العبرة اليتيمة .. و العجوز تمد ذراعيها بوهن ..
تدعوها للإرتماء في حضنها ..
ترجوها بأن تسمح لها بأن تزرع حنان أم لم يُظِلَّ إبنها منذ سنوات ..
تتوسلها بأن تأذن لها أن تلمس قربها .. أن تشم رائحة فقيدها ذاك ..
و صوتها الضعيف يتهدج قائلا ..
- تعالي سلمي يا أميه ..
.
.
كان خافقها هادئا الآن ..
لم تكن تتوقع أن ترى هذا الإنكسار من ساكنة هذا الجبروت ..
أم أنها لم تكن تتمنى ذلك ..؟!
لم ترد أن تشعر بأنها لم تنسى ابنها ..
تتقدم بلا شعور إلى حيث تقف المرأة تنتظرها .. و يداها لا زالتا معلقتان في رجاءها الصامت ..
تصلها بهدوء سيطر على قلب حور و تلك تلفها بذراعيها الناحلتين ..
لترتعش الأولى و هي تشعر بنحول جسد العجوز الدافئ ..!
و هي تبحث عن احساس حائر في حنايا فؤادها المشتت .. شيء واحد أدركته ..!
.
.
رابط قوي بينها و بين هذه الغريبه ،،
رغم ذلك .. لا احساس تلمسه اتجاهها سوى الضياع في أمانٍ تلمسه بين ذراعيها ..!!
.
.
.
.
كانت هي تشدها لأحضانها بظمأ أظناها لدهور ،،
كانت قد فقدت الأمل في هذا اللقاء ..
هذا حلم تعتصره بين ذراعيها .. و روح ابنها تسكن هذه الشابة التي تنظر اليها بعينيه ..!

* * * * *

تنزلق البوابة الأمامية بهدوء أمام عينه و هو يزيح - الغترة - عن رأسه ..
كان عائدا للتو من الشركة بعد أن قضى نهاره هناك .. استغل وقته جيدا لقضاء الكثير من الأعمال التي كانت بانتظاره ..
الآن و هو يقطع البوابة المفتوحة براحة ،، يشعر بالاسترخاء ..
لا بد أنها سعيدة الآن .. ناوشت شفتيه ابتسامة حانية و هو يتخيل وجهها الضئيل يشع فرحة ..
لا شيء يضاهي إحساسه زرع السعادة في روح تلك الغالية ،، و الأهم دون أن تكتشف ما قد يحزنها من كذبه ..!
أدار المقود و هو يدخل سيارته الفارهه في الموقف الخاص بها ..
في اللحظة التي انطلق فيها صوت هاتفه ليشق سكون سيارته ..
نظر للرقم الذي تراقص على شاشة هاتفه بعجب ،،
غريب ..!
.
.
.
.
.
يقف جنبا إلى جنب .. و عفرا تشعر بتوتر المها التي تعتصر ذراعها بخوف .. صوت نورة المرتجف و هي تقترب منها ..
- يمييييييه .. منوه هذا ..؟
قال دانة بخوف ..
- واحد من عيالهم .. يا ربيه .. ياي هنيه ..
كانت عفرا ترتعد بقوة و هي ترى ذاك الرجل الطويل ،، عريض المنكبين متقدما نحو البيت .. خطواته الواسعة تقطع المسافة بسهولة و هو مشغول بهاتفه الذي ألصقه في أذنه ..
كان يقترب بسرعة .. و بدا للحظات أنه لم يلاحظ وجودهن ..!
و صوته الرجولي الخشن يعلو و هو يتحدث بتكبر .. قبل أن يتوقف فجأة في مكانه و يدير رأسه الى حيث يقفن ..
.
.
رآهن الأربع الفتيات اللواتي وقفن قرب درج المدخل .. لباسهن البسيط الذي بدا رثا لعينه التي اعتادت أناقة شقيقاته البالغة ..
و اقترابهن من بعضهن بارتباك .. أدركْ ببساطة من هن ..!!
و لكن ما أثار استغرابه و حنقه هو كيف دخلن إلى هنا ..
لا زال بطي يثرثر بلا توقف في الهاتف ،، فيما مد يده هو إلى جيبه و هو يقترب منهن مخرجا محفظته ..
ليلتقط منها ورقة نقدية تساوي الكثير ليمدها بشرود لتلك التي بدت أطولهن ..
كن يقفن جنبا إلى جنب يلتصقن ببعضهن و كأنما يخشين أذية قادة و الرجل يبعد عنهن لحظات و هو يمد يده لعفرا التي شدت على يد نورة بارتياع ،،
نظر لهن بعجب من ترددهن في أخذ المال .. ! فعلم في الحال أنهن يستحين أن يأخذنه منه ..
إقترب ليضعه على العارض المجاور لمكان وقوفهن عند الدرج ..
و دانة تهمس بصوت خافت و قد بدا أنها الوحيدة التي أدركت الموضوع ..
- السبال يتحرانا طرارات ..!!!!!!!!!
ترددت الكلمة لبرهة فقط و هو يرتقي الدرج قبل أن تثور نورة و هي ترفع صوتها ..
- لـــــــــو سمحـــــــــــــت ،،
قرصتها دانة بقوة و عفرا تلكزها في خاصرتها .. فيما ندمت هي على الفور ..
ما الذي فعلته ..!!
توقف هو في مكانه للحظة دون أن يستدير لهن .. موليا ظهره لأوجههن .. قبل أن ينهي مكالمته بعجل و يعود لينزل مرة أخرى و الغيظ على وجهه و هو يسأل بصوته الخشن ..
- نعم ..؟؟
تظاهرت بالقوة و هي تشير للمال الموضوع على الدرج بصوت مرتجف ..
- خذ فلوسك ..
ازداد حاجبيها في الانعقاد قبل أن يضع يده في محفظته مجددا مخرجا ورقة نقدية مشابهه ليضعها بجانب الأولى باحتقار ..
- شليها و شلي عمرج و اظهري من هنيه .. توكلن على الله ..
و استدار دون ان يعيد النظر إليهن متوجها بسرعة قبل أن يختفي خلف الباب ..
فجعت عفرا بما فعل و هي تقول بصوت متهدج ..
- زين لي سويتيه يا السبالة .. يتحرانا طرارات و هب راضيات عن لي عطانا .. يا ويل حاليه .. وينها حور ما ردت ..!! ليتنا دخلنا وياها ..!!
.
.
.
في اللحظة التي أغلق فيها باب المدخل الخشبي بعصبية صاح بقوة ..
- أمينــــــــــــــــــه ..
.
.
.
.
.
انتفضت حور بقوة و هي تبتعد عن العجوز و صوت رجل يخترق سكون المكان تردد الجدران أصداءه بقوة ..
تهلل وجه العجوز بفرحة ،، و هي تنظر لحور بحب ..
- هذا غيث .. رد من الشركة ..
غيث .. غيث من ..؟؟!!
و للحظة هبط الإدراك عليها كمصيبة .. شعرت بأنها لا تقوى الوقوف على قدميها ..
و ارتجف صوتها .. لتتناسى كل شيء ..
- خواتيه برا .. واقفات يرقبنيه ..
عقدت العجوز جبينها بحيرة ..
- خواتج ..؟؟
كادت حور تبكي و هي تدرك أي مأزقٍ ألقت بنفسها فيه ..
- هيه خواتيه أربع يرقبنيه أزقرهن ..
تحركت العجوز بسرعة نسبية لكبر سنها .. متوجهه نحو الباب ..
- لا تروعين .. الحين بخلي أمينة تزقرهن ..
و خرجت مغلقة الباب خلفها ..
كادت حور أن تجلس على الأرض و هي تشعر بأنها على وشك الوقوع .. انه هنا ..
إلهي .. إلهي .. كيف سأتمكن من الخروج ..!!
.
.
.
.
كان الشر باديا على وجهه و هو ينهر الخادمة التي بدا أنها ليست أفضل حالا من حور ..
- منوه هاييلا لي عند الباب ..؟؟
قال بخوف ..
- هازا يجي مسان ماما نووراا ..
قبل أن يردف شيئا آخر .. داعب صوتها الهادئ أذنه و هي تقول ..
- خلها ياا غيث عنك .. هاييلا حريم ياياتنيه .. امينة سيري دخليهن ..
أقبل هو ليقبل رأسه و هو يبتلع عصبيته التي تتصاعد بقوة .. يعلم أن أمه لا يمكن أن تعرف أحدا بهذا المنظر الرث ،، لا بد أنهن متسولات و تريد إدخالهن البيت ..
- شحالج فديتج ..
- بخير يعلنيه هب بلاك .. احدر ميلس الحريم عدنا عرب بيسلمون عليك .. و خلنيه بشوفهن الحرمات ..
قال ببرود يخالجه ،، ليس في مزاج لتبادل المجاملات بعد انفعاله للتو ..
- عرب منوه يا الغالية ..
ابتسم بهدوء و هي تقول بثقة ..
- عرب طيبين .. حدر و بتحب راسي عقبها ..
بادلها ابتسامتها الحنونة و هو يقبل رأسها ..
- أحب راسج كل ساع .. هب الا لو شفت عربج ..
ربتت على كتفه قبل أن يتركها متوجها نحو المجلس ..
.
.
.
.
تقف هي قرب الأريكة الوثيرة بعد أن أعادت غطاء وجهها بارتياع لتخفي ذعرها .. تعتصر حقيبتها ..
و صوت خطوات على الأرض الرخامية يتردد قادما نحوها ..
هذه ليست خطوات العجوز ..!!
للحظة غبية راودتها فكرة مجنونة أن تختبئ خلف إحدى هذه الأرائك ..!!
قبل أن تتوالى طرقات سريعة على الباب و صوت رجولي غليظ يتردد قرب الباب ..
- هوووووود ..
شعرت بخفة في رأسها و دعت بصمت ان لا تفقد وعيها خوفا ..
تمرر يدها على غطاء وجهها لتتأكد أنه لا يظهر شيئا .. لحظات و صمت مطبق قبل أن يفتح الباب بقوة ..
و دلف رجلٌ مع الباب ..!!
لم تتبين وجهه بوضوح من خلف غطاءها و هي تتراجع خطوة للخلف دون أن تشعر .. شعرت بنبضات قلبها تخنقها .. و رجل فارع الطول .. عريض المنكبين .. و قف بثقة يسد مدخل المجلي مواجها اياها ..!
في تلك اللحظة تمنت لو أن هذا كابوس و يوقظها صوت أبيها مناديا إياها لصلاة الفجر ..!
ينظر هو إليها باستغراب شديد ،، عيناها تتأملانها من الرأس إلى القدم ..
الملابس البسيطة التي ترتديها تلك الشابة التي انزوت بخوف في الطرف الأقصى لا تتلاءم بتاتا مع منظر المجلس المترف ..!!
كان صوته صارما و هو يسألها بنبرة آمرة ..
- منوه انتي ..؟؟
ارتجفت حور و هو يوجه الكلام لها مباشرة .. حتى أنه لم يلقي السلام .. ألا يعرفون تحية الإسلام في هذا البيت ..
كان يقف هناك و هو يحملق في منظرها بتكبر .. منتظرا أن ترد عليه .. أطلقت نفسا مرتجفا .. و صوتها الضعيف يصل لمسامعه ..
- أنا حور بنت حمد ..
.
.
.
.
للحظات ظن أن أخطأ السمع ..!!
صمتٌ مدوٍ راح يضج في الغرفة .. قبل أن يستوعب ما قالت .. لتتسع عيناه بشيء لم تفهمه .. أمسك الباب ليغلقه بقوة .. فيطلق صوتا حادا مع انصفاقه في مكانه مستقرا ..
كادت أن توقع حقيبتها .. وقٌلبها .. و هي تنظر له بخوف ..
لماذا أغلق الباب ..!!
التفت إليها بحقد و هو يقول بقسوة ...
- أنا ما قلت لأبوج يطرشج الصبح ..؟؟ شوه يايبنج الحين ..؟؟
رغم اقترابها من الانهيار .. إلا أن كلمة واحدة استفزتها دون أن تجيب..
شيء جعلها تكابد عبرة أغرقت الرؤية أمامها و هي تسمعه ينطقها - يطرشج - ..!!
عليه اللعنة .. هو من طلب حضورها إلى هنا .. ليست بجاريه لديه ..
تكافح دموعها التي حتما لن يراها من خلف غطاءها ..
و لا ترد عليه .. فيما تحرك قليلا بغضب في مكانه .. لم يتخيل قط أن مخططه المحكم سيبوء بالفشل ..
لم يتبادر لذهنه الذكي أنها تفسد كل شيء ..!!
نهرها بصلابة ..
- بلاج صاخة .. ليش ما تردين ..
رآها ترتجف و هي تتراجع خطوة أخرى للوراء ..
شعر برغبة عارمة أن يتقدم إليها و يهزها بقسوة .. هذه الحمقاء اللامبالية ستوقعه في مشكلة الآن ..!
تقف هناك خلف حاجز هذه الأغطية الرثة ..
ثم ......
مهلا ..
التفت يسألها باستنكار و هو يشير إليها بغرور ..
- و شعندج متغشية ..؟؟
رآها تشد بيده تثبت الغطاء و كأنما تخشى أن يطير فجأة ،، كاد يشخر ساخرا مما قد يذهله خلف غطاءها هذا ..
الحمقاء .. تنسى أنه زوجها ..
ثم نظر لها بطرف عينه بتكبر .. هل هذه من يفترض أنا تكون زوجته هو ..؟!
.
.
لابد أن قلبها قد بدأ مراثون الدق منذ بدأ هذا الرجل في الصراخ و كأنها خادمته ..
و يسألها لما تتستر منه ..
المتعجرف .. لماذا ينظر لها هكذا ..؟؟
إنها لا تعرفه .. و لا تريد أن تفعل .. لا يهمها إن كان زوجها في تلك الوريقات البائسة ..
هو غريب .. غريب ..
غريب و تجمعها معه غرفة واحد .. أغلق بابها ..
كادت أن تبكي بصوت عالٍ و هي تفكر بذلك .. كيف سمحت لنفسها أن تقف مكتوفة اليدين ..
لا تكترث لما قد يربطها به .. فقط تريد الخروج .. لا تريد أن يختلي بها رجل .. لا تؤمن نفسها إلا بأنه لا يمت لشعورها بأدنى صلة ..
شعرت بالبرود يسري في أطرافها ..
ماذا ستفعل الآن ..؟؟
و كـأنما أتت الإجابة على سؤالها .. الأصوات المختلفة القادمة من الردهة نحو الباب ..
رأت الإدراك على وجهه و هو يشتم بقسوة ..
و في لحظة فقط بدأ بالتحرك .. قطع المسافة الفاصلة بينهما بخطوات واسعة سريعة ،، لم تجد في نفسها القدرة حتى أن تتحرك ..
و هو يقترب منها بسرعة ،، قبل أن يرتد النفس المذعور في صدرها .. كان قد مد يده ،، ليسحب غطاء وجهها بحركة سريعة و هو يقبض على معصمها الصغير باليد الثانية ليجرها فتقف خلفه تماما ..
بدا أن العالم قد توقف في تلك اللحظة .. و هي تنتفض بشدة و عيناها لا ترتفعان عن الأرض .. تشد معصمها الهش من بين أصابعه المحكمة .. فيما بدا هو غير مبالٍ بمحاولاتها لتملص ..
عيناها القويتين ترتكزان على وجهها بتفحص ،، بشرتها الصافية الخالية من أي مساحيق و غطاء شعرها المحكم حول رأسها لا يسمح لأي خصلة بالتمرد ،،
بدت بعباءتها القديمة .. و ووجهها الصافي مختلفة تماما عمّا توقع ..
شعر بوخزة ذنب قوية و هو يرى الدموع الحبيسة تتألق في عينيها المرتبكتين اللتان راحت تنقلها من الباب إليه بخوف .. و هي تهمس بصوتٍ مبحوح ..
- ودرنيه ..
اللعنة .. هذه الفتاة صغيرة للغاية ،، يستحيل أن تكون في الثالثة و العشرين من عمرها ..!!
لا يمكن أن تكون هذه من يفترض بها أن تكون زوجته ..!!
فتح الباب بهدوء شديد .. ليلتفت له بسرعة .. كما توقع تماما .. جدته ..
و لكن ليست وحدها ..!!
الشابات الأربع اللواتي يقفن خلفها .. نفسهن من إلتقاهن عند الباب .. متأكد من ذلك ..!!
ابتسمت جدته بحنان شديد و هي تقول له ..
- خل البنية تيلس يا غيث ..
حمد ربه على سرعة تصرفه و هو يتخيل الأفكار التي ستدور في ذهنها و هي ترى الفتاة تختفي منه بتلك الطريقة ..
حتما ستردك أكاذيبه الواسعة تلك .. !!
أطلق يدها و هو يتأكد من أن الصورة قد انطبعت في مخيلة العجوز .. و لكنها لم تتحرك .. ظلت تقف خلفه و كأنما تختفي عن أعينهم جميعا ..!
عيناها لا تترك أرضية المكان و هي تعض شفتها بقسوة ..
شعر بان عليه أن يترك المكان بسرعة و جدته تحث البنات على الدخول ،، لم يجد نفسه قط في موقف أكثر تعقيدا من هذا ..
زوجة غريبة يفترض بأنه يعرفها جيدا .. و بنات عمٍ اعتقدهن متسولات ...!
ادرك بأنه سيفقد هدوءه .. لذلك استأذن و صوته يرتفع في المكان بسلطة ،،
- أنا أترخص .. خذوا راحتكم ..
و بمجرد خروجه من الباب رفعن البنات جميعا أغطيتهن .. و أعينهن على حور التي لا تزال واقفة في مكانها ووجهها للأرض ..
الحيرة تلوح على وجوههن ،، و كأنما لا يجدن تفسيرا أو وصفا لما رأين..!!

* * * * *

الجو في السيارة التي انطلقت بهن عائدات للبيت مختلف تماما حين كن قادمات إلى هنا ..
أسندت رأسها بهدوء لزجاج النافذة و صوت دانة المرح يصلها ..
- ما توقعت يدووه كذيه .. فديتاا و الله انيه حبيتاا ..
وافقتها نورة الرأي ..
- حتى أنا يوم كنت أفكر فيها .. أتخيل الآنسة منشن .. بس حليلها .. طلعت شرات ايميليا خت الآنسة منشن ..
ضحكت دانة تلكمها في كتفها ..
- ههههههههه .. مالت عليج انتي و هالتشبيه .. بس وايد ضعيفة .. صح ..؟؟
عفرا كانت هادئة لا تنبس ببنت شفة .. و المها تراقب أختها الكبرى التي يقف غطاء وجهها حائلا بينها و بين عينيها ..
كانت قلقة للغاية .. فمنذ دخولهن للبيت لم تنطق بحرف واحد ..!! مدت أناملها لتقرص ذراعها بخفة تنبهها ..
رأت رأسها يستدير نحوها .. فأشارت بيدها لها بتساؤل .. فهمت حور قصدها .. فهزت رأسها نفيا ..
تنهدت المها و هي تسند ظهرها للخلف مع ضيق المساحة بتحاشرهن ..
ليس هذا الوقت و لا المكان المناسب لاستجوابها على كل حال ..!
.
.
خلف الغطاء الذي شكل حاجزا ،، يخفيها عمن حولها .. استسلمت هي لسطوة الألم الذي تشعر به و هي تأذن لعبراتها بغسل ذاك الضيق الذي اكتنف روحها ..
كانت تشعر بالاختناق .. تريد أن تصيح بالسائق أن يتوقف .. لتعود إلى البيت راكضا على قدميها .. و هي تلهث ..
تشعر بأن الأنفاس لا تصل لرئتها ..!
ضمت أناملها لشفتيها تكتم آهه كادت أن تنفلت من بين شفتيها ..
لم يحدث في حياتها قط أن اقترب منها رجل غريب بهذا الشكل ..
و ذاك .. ذاك الحقير ..
كيف تجرأ على فعل ما فعل .. كيف سمح لنفسه بأن يسحب غطاءها ..
أن يكشف سترها ..
لا يهمها من هو .. لا يعني لها شيء ذاك المتعجرف ..
كيف استطاع أن يزيل حشمتها .. و كشف وجهها ..
لا يحق له .. الغريب ..
لا يحق له ..
عضت شفتها السفلى بقوة حتى كادت تدميها .. و دموعها المرتجفة تواصل الانهمار ..
المتعجرف .. من يظن نفسه ..!!
.
.
- صح .. حور يا مسودة الويه .. شوه كنتي تسوين ويا ريلج هناك ..؟؟
أتاها صوت دانة المازح و كأنما تذر الملح على جرحها ..
ظلت تريح رأسها دون أن ترد .. و صوت عفرا ينهر دانة بقسوة ..
- انطبي يا الهبله ..
لم ترد دانة .. و قد شعرت بأن خطبا ما في أختها ..!! و غضب عفرا دليل قوي على ذلك ..
رأت نورة تدير رأسها لحور التي استندت على النافذة المظلمة ..
و قبضها قلبها بخوف .. فسألت عفرا بصوت قلق ..
- بلاها حور ..؟؟
كان صوت عفرا غير مرتاحا .. و هي تتنهد بهمس ..
- مادري ..!

* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 16-04-08, 10:38 AM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

► الخطـــــــــــــــوة الرابعــــــــــــــــــــة ◄

║خطوات متعثرة ،،║



الظلام الدامس ..
اللون الأسود يكسو كل شيء ،،
لا خيطٌ واحد من الضوء يخترق هذه الظلمات .. و برودة جو الغرفة تجمد أنفاس من رقد فيها ..
صدره يرتفع و ينخفض بسرعة ..
و كأنما يختنق ..
.
.
أو أن الأنفاس تخذله ..
يقارب الموت ..
يقاربه ..
خفقات قلبه تتسارع بجنون و هو يصارع ..
أنين خافت يخرج من بين شفتيه ،،
شيء يمزق الروح ..
أكان يقاوم ..؟؟
يستنجد ..؟
.
.
أم أنه آثر الاستسلام ..
ها هي الأنفاس تعلو ..
تعلو ..
ليفتح عينه في الظلام فجأة .. يده تلتمس قبسا من نور يعيد له الحياة ..
يضيء ضوء المصباح الواهي بجانب سريره الفسيح ..
صدره القوي العاري يرتفع و ينخفض بجنون ..
و وهو يمسح وجهه بقوة .. يعب الهواء بسرعة ..
قطرات عرق صافية تتألق على جبينه رغم برودة جو الغرفة ..
و الغثيان يتصاعد داخله ..
.
.
هـــذا الكابــــوس مجــــددا ..!

* * * * *

- دانووووووه ،، سكتي هالعيوز .. لا تتصفعين انتي وياها ..
صوت نورة يصيح من داخل الغرفة و هي تضحك ..
- وين بتحصلينها عسب تصفعينها .. ظنتيه ماتت هاي من يوم يدي .. و كلها الدود ..
تجاهلتها حور و هي تمرر المشط في شعر مزنة التي بدا عليها الضيق .. و هي تعود للصياح لدانة التي بدا أنها تنوي إسماع سكان الحارة جميعا صوت العجوز تلك ..!
- داااااااانه .. قصري حس الراديوو ..
تذمرت مزنة بصوت عالٍ ..
- حور عورتينيه .. و صوتج عالي ..
لحظات و ينخفض صوت الأغنية التي لا تزال مسموعة في الصالة الضيقة ..أطلت برأسها من باب الغرفة و هي تكمل تزرير قميصها المدرسي ..
- هاا الشيخة حور .. قصرنا الصوت .. أي طلبات ثانية ..؟؟
عقدت حور جبينها تستعجلها ..
- هيه خلصن بسرعة الساعة سبع و ربع .. باقي ربع ساعة ع الباص ..
- خلصت أنا بلبس كندورتيه و العباة و ظاهرة .. عفاري وين ..
شدت حور رباط شعر مزنة قبل أن ترفعها واقفة بخفة ..
- ترقبكن في الحوش .. بسرعة ..
اختفت دانة في الغرفة .. قبل أن تساعد حور مزنة في ارتداء ملابسها ..
فتح باب غرفة أمهن لتخرج منه هند تحمل حقيبتها .. نظرت لمزنة بهدوء ..
- خلصتي ..؟؟
أجابتها حور بسرعة و هي تضع طعام مزنة في حقيبتها ..
- هيه خلصت .. ارقبيها هنوده الين تركب الباص زين ..؟؟
أومأت هند برأسها و هي تدنو منها لتطبع قبلة على خدها .. و فعلت مزنة المثل و حور تبتسم بحب ..
- فديتكن و الله .. الله يحفظكن .. و يوفقكن .. ودعتكن الله ..
حال تجاوزهن الباب خرجت دانة بقوة من غرفتهن .. ترتدي عباءتها و بيدها حقيبتها المدرسية .. و باليد الأخرى غطاء وجهها .. و هي تقول بحماس ..
- تأخرت و الله ما بقى الا عشر دقايق من الباص .. - ثم صاحت - نوووووووري خلصتي ..!
ردت حور بسرعة ..
- نورة ترقبج برا .. خلصينا ..
اختفت دانة في غرفة أمها للحظات تودعها قبل أن تخرج بسرعة و هي تثبت غطاء رأسها و تطبع قبلة قوية على خد حور ..
- ما وصيج على فيروز .. أكليها و رقديها و وايقي عليها الين أرد .. تخاف تيلس بروحهاا فديتاا ..
ضحكت حور و هي تضربها على ظهرها ..
- اذا ما خشيت الراديو في مكان ما تحصلينه ما كون بنت ابويه .. أبااج تودرينه إثم هالعيوز ..
نظرت لها دانة بطرف عينها ..
- سهلة حبيبتي عنديه وسائل تجبرج على الاعتراف ..؟؟
- هه وسائل اعتراف أونه .. سيري يختي .. الحقي ع الباص .. محد بيوصلج ..
- لا تستهينين بي .. سهلة أتصل بالعيوز و أقولها تعزمنا بيتاا مرة ثانية .. و نشوف ريلج الغاوي مـ ...
اتعست عينا حور بشدة و هي تمد يدها لالتقاط شيء ما من حولها لترميه على دانة التي فرت ضاحكة و هي تصيح من الخارج ..
- أمزح وياج حوووووور .. ادعيييييليه ..
صاحت حور بغيظ شديد ..
- يااااااااارب يعطوووووونج الامتحاااان صعب اليوم و ما تفطنين منه سؤال واااحد ..
ثم همست بجهد ..
- استغفر الله .. الله يسهل امتحانها ..!! - ثم عاد تصيح - الله يوفقكن ..
تنهد و هي تهب من مكانها و تلتقط الصحن العريض التي توزع عليه أكواب الشاي و بقايا الفطور لتحمله للمطبخ .. وضعته على المغسلة لتخرج متوجهة لغرفة أمها ..
فتحت الباب بهدوء لترتسم ابتسامة حانية على شفتيها .. و عيناها تلامس ذاك المنظر ،،
أمها ترح رأسها على مخدة جلست المها عند رأسها و بيدها القرآن تقرأ بصمت و هي تمسح على شعر أمها الذي سقط عنه غطاء البيت القطني ..
عادت لتغلق الباب دون أن ينتبه لها أحدا .. و توجهت للمطبخ لتنظفه بسرعة قبل أن تأتي أمها عذيجة لأخذ أمها للمستشفى ..
شيء واحد خالجها و هي تفرك الأكواب بالاسفنجة الغارقة بالصابون .. و وجه أمها الحبيبة المتعب يعاودها ..
تمنت بقوة أن تكون بخير ..
لأجلهم ..!

* * * * *

يضم شفته و عينيه القاسيتين تضيق بتفكير حد و هو يسند يده على لحيته المشذبة ،، يسند ظهره على كرسيه الجلدي لمريح خلف مكتبه الواسع .. متجاهلا ذاك الذي يقف منتظرا منه إشارة واحدة ..
رفع عينيه له بشرود.. و ارتجف جسد الأخير و هو يفكر بما قد يدور في عقله الشديد التعقيد ..! هل أصاب في تبليغه قبل أمس بالأمر .. هل كان عليهم حل الموضوع دون العودة إليه ..؟؟
رفع رأسه أخيرا و هو يحرك مقعده و يقول ببطء ..
- بطي .. شفته الريال ..؟؟
أجاب بطي بسرعة ..
- لا طال عمرك .. بس هو قال لغانم إنه نسيبك ..! طال عمرك كنت بتصرف أنا وياه بس قلت أكيد حضرتك تبا تعرف الموضع ..
ضاقت عيناه بتفكير مرة أخرى ..
- متأكد من الاسم ..؟
هز بطي رأسه ..
- متأكد طال عمرك .. مايد سلطان ربيّع ..
الآن تنم عن شفتيه ابتسامه غريبة و هو يدق سطح المكتب بقلمه الفضي ..
- أهاا .. و شهادته ..؟؟
- من الدرجة الثالثة ..
- احتياطي يعني ..؟
- أكيد .. لن لي مقدمين غيره شهاداتهم أحسن ..
نظر له غيث بصرامة ..
- المهم اسمعنيه .. و سو لي أقولك عليه .. ردو عليه قبول ..
اعترض بطي بضعف ..
- بس طال عمـ ...
أسكته غيث بقسوة ..
- سمعتنيه .. ردو عليه قبول .. و حطوه في مستوى شهادته .. ان شا الله تحطونه في الكاونتر .. المهم تشغلونيه عنديه هنيه في الشركة ..
أومأ بطي بطاعة ..
- حاضر ..
أدر كرسيه نحو الأوراق التي تناثرت في الطرف الأقصى من مكتبه ..
- توكل شوف شغلك .. و طرش ليه محمود ..
- حاضر طال عمرك ..
التقط الملف من على المكتب ليخرج بسرعة ،، حالما انغلق الباب خلفه ..
عم الهدوء جو المكتب الفخم .. لا صوتٌ يعلو هذا الهدوء سوى طقطقة القلم الرتيبة ..
.
.
و ابتسامة غامضة ،، لم أعرف لها سببا ..!

* * * * *


- شوه أقولج يا فطوم .. فحياتيه ما ندمت على شي كثر روحتيه لهم يوم اليمعه .. تمنيت انيه مت قبل لا يقوليه أبويه سيري لهم ..!
قال هذا و هي ترخي جفنيها ببؤس شديد و تسند ذقنها لركبتيها التين ضمتهما لصدرها .. نظر لها فاطمة بتعاطف قبل أن تحول بصرها للمها التي جلست جوار أختها بهدوء و هي غارقة في قراءة الكتاب الذي بين يديها غافلة عن ذاك الهم الذي لاح على وجه حور ..
لم تعلم حقا ما الذي أحزنها .. ! .. فما حدث لها كان طبيعيا في نظرها هي على الأقل ..
قالت بواقعية رأت معها أن أنف حور ينكمش اشمئزازا ..
- حور .. خلينا من مشاعرج و لي تحسينه .. و فكري بعقلج شويه .. تجاهلي فكرة إنه هالريال غريب و أول مرة تشوفينه و ركزي على انه ريلج .. تفهمين شوه يعني ريلج ..؟؟ الريال مالك عليج من سنة و شي .. و اذا ما شفتيه و لا شافج .. ما يبطل عقد الزواج و الا يخليه منتهي .. تتوقعين ريال معرس بوحدة و ما قد صادفها فمكان .. و فجأة يلقاها فبيتهم ..! شوه يعني بيخطف عنها و ما بيسلم .. ما ظنتيه !!
ثم ضيقت عينيها بتفكير .. متجاهله نظرات حور المقهورة ..
- أمممم .. تصدقين ردة فعله طبيعية .. اتخيلي واحد يلقى حرمته قدامه متغشية و شاردة ..!! هذا ريلج ماما .. يعني عادي يي الحين و ييرج من كشتج لبيتهم ..
اتسعت عينا حور باحتقار و هي تطرد هذا المشهد من مخيلتها ..
- قصوره الهرم .. ها لي ناقص بعد .. شوه صخلة أبوه ييرنيه من كشتيه .. يخسي .. أنا حور بنت حمد محد يغصبنيه ع شي ..
انفجرت فاطمة تضحك بقوة .. و جسدها يهتز أثر كلمات حور الساخطة التي تخالف الواقع المرير الذي تعيشه ..
نظرت لها حور بغلٍ شديد مدركة ما تضحك فاطمة عليه .. و هي تقول بغيظ ..
- لا تتحرين احتراميه لقرارات أبويه يعني غاصبنيه .. بس أنا أبر والدينيه .. - ثم ضربتها على كتفها مع استمرارها بالقهقهه - فطوم بتنطبين و الا بهالبيالة ع راسج .. سخيفة وحدة ..
دفعت فاطمة راحتيها مهدئة و هي تبتلع ضحكاتها .. صوتها لا زال مهتزا و هي تقول بسخرية ..
- و الله عجيب أمرج حواري .. المهم الحين قولي ليه .. كيف شكله ..؟؟
نظرت لها حور بغرابة ..
- شدرانيه ..!
لم تفهمها فاطمة ..
- شوه شدراج بعد .. ريلج .. كيف شكله ..؟! ما شفتيه ..؟
- لا ..!
اتسعت عينا فاطمة مفجوعه ..
- عيل منوه لي تقولين انه شل غشوتج ..؟
قالت حور بسخرية مرّة ،،
- هو مسود الويه ..
- ريلج ..؟
- هيه ..
نفخت فاطمة بضيق مع تخبطها بكلمات حور الغير مفهومة ..
- عيل كيف ما شفتيه ..؟
نظرت لها حور شزرا ..
- مالت عليج .. شوه قالولج .. فطوم أم عين زايغة ..؟؟ أنا زين منيه رديت نصخيه في صدريه .. و الا عينيه ما رفعتاا من القاع .. يمكن طالعته شوي .. بس أحس هاييك الساع ما أتذكر منها غير نفضة ايديه ..
بسطت راحتيها للأمام بعجز و شعور الهم يعاودها ..
- حطي نفسج فمكانيه .. فطوم و الله حسيت عمريه خايسة و الا آثمة و أنا واقفة عند هالغريب و ويهي ظاهر .. وديه انيه مت فمكاني و لا استوا لي استوا .. غير خواتيه لي حدرن و أنا واقفة عنده السبال و هو متقبض بيديه .. عمريه ما حسيت بهالاحراج فحياتيه .. بس تدرين شوه ..؟!
نظرت لها فاطمة متسائلة و هي ترى بريق امتنان صادق في عينيها .. لتقول باخلاص ..
- محد منهن طرت الموضوع .. و الا نشدتنيه .. ارتحت لنيه صدق ما ريد أرمس عن هالشي .. أحسه ينرفزنيه ..!
تنهدت بضيق مجددا ،، شعرت فاطمة بأنها قد أثقلت على صديقتها .. فغيرت موضوع الحديث بسرعة ،،
- أمج شحالها ..؟
تغيرت نظرتها لحنان جارف ..
- الحمد الله .. ادعيلها .. أمايا عذيجة يت مساعة و شلتاا الدختر ..
ابتسمت فاطمة بهدوء ..
- هيه .. الله يعافيها ..
.
.
أمضن ساعة أخرى من الصباح معا قبل أن تستأذن فاطمة متوجهة لبيتها ... حور و المها غرقن في إنهاء أعمال البيت ..
في اللحظة التي تخطت أم مايد الباب و هي تمسك بيد أختها الصغرى ،، ركضت المها و حور نحوها بلهفة ..
حور تلتقط عباءة أمها بسرعة و هي توجه الحديث لعذيجة ..
- أمايا عذيجة .. أميه بلاها.. شوه قالو لكم ..؟؟
نقلت عذيجة بصرها بين ابنتها بالرضاعة و ابنة أختها ،، لترى انعكاس اللهفة و القلق البالغ على وجوههن .. ابتسمت بهدوء تطمئنهن ..
- لا تخافن ما فيها إلا العافية .. يا الله خلنا نحدر من الحر ..
تنحن بسرعة مفسحات لها الطريق و هي تقود أختها ببطء .. أدخلتها غرفتها لتجلس بجانبها و هي تضع عباءتها جانبا و توسع من خناق غطاء رأسها الثقيل و تحرك البرقع بضيق ..
- لا إله إلا الله ،،
سارعت حور بإغلاق النافذة و إدارة مكيف الهواء قبل أن تجلس بجانب أمها عذيجة و هي تسألها بسرعة و الهم بادٍ على محياها ..
- أمااه .. شوه قالو لكم ..؟؟
تركت المها الوقوف بجانب الباب لتجلس بجانب حور و بدا عليها الخوف مما قد تقوله الخالة ..
لكن الابتسامة المطمئنة تلك لا زالت تعلو شفتيها .
- ما قالو شي غير لي نعرفه .. عطوها حبوب لوعة و فتمينات .. و موعد في العيادات ..
لحظات و لا زال القلق و التوتر يكسو وجوههن ..
- بلاكن ..؟
نظرت لها حور بشك ..
- الحين الحرمة من اسبوع ميهودة و لا تحط لقمة العيش في ثمها .. و عظامها مبردة .. و تقولين فيتامينات و مواعيد .. الله يهديج يا أميه .. يهال نحن .. قولي بلاها أمايا ..
ابتسمت عذيجة بعتب ..
- أفا يا حور شوه أكذب عليج أنا ..
احمر وجه حور ..
- محشومة فديتج .. بس معقولة ما قالوا شي ..؟؟
هزت كتفيها بدون اهتمام ..
- شوه بيقولون .. الحرمة حامل و عندها نقص تغذية ..
.
.
عقدت جبينها بشدة .. يخيّل لها فقط أنها سمعت .....
حامل ..!!
شحب وجهها بشدة و هي تنظر لأمها عذيجة تنتظر ضحكة تنهي هذه النكتة السخيفة ..
و لكن عذيجة لم تفعل شيئا أبدا .. كانت تتأمل وجه أختها بهدوء .. شعرت حور بجفاف شديد في حلقها و هي تتساءل بهمس مصدوم ..
- حامل ..؟
أدارت عذيجة رأسها لابنتها .. لترى عيناها المتسعتين بصدمة .. ماذا ..؟؟ ألم ؟؟؟
ابتسمت بحب لها ..
- ما تعرفون ..؟؟؟ عيل راحت عليّه البشارة .. أنا قلت أكيد تدرون يوم انه امكن تدري و أبوكن بعد ..!
لكن حور لم تكن تعرف .. شعرت بالضيق في صدرها .. و هي تنظر لوجه أمها المتعب ..
حامل ..!! في هذه السن المتأخرة ..!
قالت عذيجة بهدوء و هي ترى الفزع الذي علا وجه المها و هي ترى انعكاس الصدمة في وجه أختها الكبرى ..
- أمج حامل لها شهرين .. ما تعرفين ..!
ضمت قبضتها بقوة .. و هي تحتبس تلك المشاعر الكريهة التي راحت تضطرم في صدرها ..
- لا ،،
نظرت عذيجة للمها مجددا لتعتصر يدها بخفة .. فتلتفت المها بخوف لها .. ربتت على يدها عذيجة و هي ترفع صوتها و تشكل شفتيها .. و يدها تدور بتكور أمام بطنها ..
- أمج حااامل .. بتييب ياهل .. حااامل .. حااامل ..
اتسعت عينا المها بمفاجأة .. قبل أن ترتسم ابتسامة ارتياح حقيقية على وجهها الجميل و هي تقف على قدميها بسرعة و تتوجه لأمها .. كانت السعادة الخالصة تتألق في عينيها و هي تضمها بخفة .. و ضحكة صافية تملأ جو الغرفة ..
حور لا تزال تجلس في مكانها .. تتجنب النظر إليهن .. ما بين حاجبيها يضيق ،، كانت عذيجة تنظر إليها بقلق ..
- حوور ..؟
رفعت حور عينها ببطء .. تجاهد لما تخفيه في نفسها ..
و هبت من مكانها بسرعة .. استدارت متوجهة للخارج و هي تقول بخفوت ..
- بسير أشوف الغدا ..
.
.
تسند يدها لحافة الموقد الدافئ و هي تراقب تصاعد الأبخرة ،، تغمض عينيها ..
تختفي خلفها للحظات فقط .. تنفصل عمّا حولها ..
تحتاج أن تنفرد بذاتها .. بعيدا عن قلبها .. عن عقلها ..
تريد الروح منها فقط .. لتستشف منها تلك المشاعر الخبيثة التي راودتها و هي تسمع خبر حمل أمها ..
لماذا يكتنفها النفور من هذا الأمر ..؟؟ و لماذا تشعر بالخذلان و الخيبة ..؟
لماذا تمنت أن تكون أمها عذيجة تمزح في تلك اللحظة ..؟؟
الإجابة واضحة تماما .. و لكنها تخجل من أن تعترف بها ..!
رغم ذلك لم تستطع منع ذاك الإحساس الذي تملكها و هي تدرك بأن أمها الذي تجاوز عمرها الثامنة و الثلاثين و أكبر بناتها أصبحت امرأة ناضجة ،،
على وشك أن تنجب طفلا آخر ..!!!
شدت قبضتها على الموقد .. لما حدث ذلك ..؟؟
ماذا حور ..؟
أَ كنتِ تتمنين أن تكون مريضة على حملها ..؟؟
ألا يسعدك أنها بخير و كل ما في الأمر مجرد أعراض حمل لا أكثر ..؟؟
و إذا كانت حاملا على كبر ..؟ ما الذي أتعسكِ يا ترى ..؟
نظرة الناس المتوقعة فقط ..؟؟ أم هو ذاك الشعور الخبيث باعتراضك على الأمر أنتِ أيضا ..!
غطت وجهها بكفيها و هي تكتم تلك المشاعر .. تخفيها ..
بل تختفي من اشمئزازها من نفسها ..
.
.
إذا كانت هذه هي ردة فعلها و هي ابنتها ..!
ماذا ستكون ردة فعل الناس من حولها على هذا الخبر ..
و الأهم ماذا ستكون ردة فعل البقية من إخوتها ..؟؟!!


* * * * *تجلس على آخر عتبات الدرج القصير و هي تباعد بين قدميها و تسند كوعيها بتثاقل على الركبتين و صوتها الخشن يرتد عن جدران السلم الضيق .. و هي تنظر لشعر صديقتها بجبين معقود ..
- آممم .. حلوو .. سلامي وين قصيتيه ..؟؟
توقفت سلمى عن الاستعراض لتقول بصوت نافر محبط ..
- شيخوووه يا الله عااد ..! حلوو بس ..؟؟
مررت يدها في شعرها الذي قصته و أصبح لا يتخطى أعلى رقبتها ..
- مالت عليج .. و الله مدحنه البنات .. قصيته روحيه في البيت .. ما يباله بعد ..
ثم جلست بجانب شيخة و هي تتنهد ،،
- يا الله عقبالج .. بيطلع عليج أحلى و بيي مرّة ياي على ستايلج بالقوو ..
لوحت شيخة بيدها دلالة عدم إهتمام .. الحقيقة أن ذهنها مشغول جدا ..
نظرت لها سلمى بمكر .. مدركة بما الذي قد يشغل بال شيخة ..
- لي ماخذ عقلج ..!
أجابتها شيخة ببرود ..
- محد ماخذ عقليه ..
اتسعت ابتسامة سلمى و هي تقول بثقة ،،
- متأكدة ..
نظرت لها شيخة بطرف عينها قبل أن تشيح بوجهها .. لتسأل سلمى بفضول ..
- شوه ؟؟ مستوي شي امبينكن ..؟؟
لحظات صمت قبل أن تتنهد شيخة بتعب ..
- لي يومين أتصل بها و ما ترد عليّه من عقب سالفة منى قاطعتنيه .. و الله مادري شوه أسويبها .. بتذبحنيه هاي .. المشكلة حتى في الجامعة ما أشوفها .. شكلها تتهرب منيه ..!!
ابتسمت سلمى لحال صديقتها .. و هي تقول بغلظة ..
- انزين هونيها و تهون .. ليش مضيقة صدرج ..؟؟
ردت شيخة بتعاسة بالغة ..
- وين أهونها .. تولهت عليهاا .. وااااايد هب متعودة أقطعها كل هالوقت من يوم عرفتها .. - أسندت رأسها بين كفيها و هي تهز حذائها الرياضي الخشن بتوتر - أحبهااا .. أحبهاا .. أموت فيهاا .. ما روم أعيش من دونها ..!!
ضحكت سلمى بصوت خشن عالٍ ..
- أووووه .. شيخووه تعرفين تحبين و الله .. - ثم هبت من مكانها و هي تجمع طرفي عباءتها تخفي بنطالها - يا الله نشي ..
رفعت شيخة عينيها بملل ..
- ع وين ..؟؟
لمع الخبث في عيني سلمى ..
- حصلنا قاعة فاضية بنتيمع فيها .. و حمدة .. قصدي حمدان بيّمع الشلة كلها ..
ردت شيخة ببرود .. و هي ترفض تسمية تلك الفتاة بحمدان كما تحب أن يطلق عليها ..!!
- و شوه عندها الشيخة حمدة ع العزيمة ..
هزت سلمى كتفيها ..
- عازمة خويتها اليديدة تعرفها علينا .. و لا تيلسين تستفزينها تعرفين انها ما تحب حد يزقرها حمدة .. - ثم غمزت لها بخبث - و أكيد رايه بتكون هناك ..
اتسعت عينا شيخة بأمل ..
- متأكدة ..؟؟
هزت سلمى رأسها و هي تنحني لعقد أربطة حذائها الرياضي الكبير ..
- هيه حمدان قال كل الشلة بتيي .. أكيد حبيبتج وياهن ..
.
.
.
راحت شيخة تصلح من هندامها بعجل ،،
حسناً ..
ها هي تنزلق ..!!
ببطء ،،

* * * * *


ينظر إليها و هي تجلس بهدوء شديد على تلك السجادة الفاخرة .. تهز بين أناملها فنجانا .. و الشرود على محياها ..
تلك بسمة غريبة تناوش شفتيها .. رمق من الفرح أصبح له مسكنا في عينها منذ أن التقت بهن ،،
كم ودّ من قلبه لو كان هنا .. لو رأى إحساسا على وجهها عند رؤيتهن ..
شيء افتقده منذ رحيل ابنه ،،
أو بالأصح .. منذ نفيه ..
.
.
بهدوء يتراجع بالخطوات من حيث أتى .. ذاك الذنب لا يفارقه كل ما التقى بها .. لذلك لا يجد في نفسه القوة لتحمل ثقله ..
دوما الهروب من وطأة ألم يلوح في عينيها هو الحل الوحيد ،،
يشتاق إليها تلك العزيزة .. يشتاق لمجالستها .. للحديث معها ..
و لكنه يكره الوجع الذي يعتمر صدره كلما رأى التوسل الصامت في عينيها ..
.
.
نفض كل هذا من ذهنه و هو يجزم بأن عليه أن يحدث غيث بما يدور في رأسه ،،
لقد طال أمر كثيرا .. لربما كان يماطل حتى يتملص من الأمر ..
قست عيناه و هو يدفع باب مكتبه بقوة ..
يعلم جيدا كيف يلجم تمرده ،، عليه تنفيذ تلك الرغبة قريبا ..
و قريبا جدا ..!

* * * * *


أطلقت إطارات الحافلة صريرا مميزا و صوت الباب الأوكوردي يُفتح تلقائيا مع توقفها .. لينزل الثلاث خلف بعض لا يُتَبين منهن شيئا ..
تتنهد دانة مع انطلاق الحافلة مبتعدة بأسى ..
- هب كأنه الحر ياي بدري هالسنة .. عنبوه تونا فأول أربعة و الشمس تشوينا ..
تتذمر عفرا هي الأخرى و هي تهف بكتابها الذي تمسكه و تعدل من وضع حقيبتها بضيق ..
- تشوينا بس ..؟؟ ذوبتنا ..
ضحكت نورة بحماس ..
- ههههههههههه .. شوه الأخت آيسكريم .. و بعدين تعالي عفاري أستغرب أنا و الله ..
نظرت لها عفرا شزرا من خلف الغطاء .. متأكدة بأن تعليقا ما سيأتي الآن على عجل ..!
- من شوه ؟؟
- بما إنج ناقة فإنتي المفروض تقاومين العطش و الجوع و الحر.. و الا ليش سموج سفينة الصحرا ..
ضحكت دانة و نورة بقوة .. و مطت عفرا شفتيها ..
- سخيفة ..
تأوهت دانة ..
- يااااا الله .. الحين نوري فصخي الجوتي .. بنسوي قصف للسبال هذا ..
دون أن يستدرن إلى ما أشارت علمن أن إبن الجيران لم يفوت موعد وصولهن كالعادة .. و ها هي سيارته الخردة تمشي محاذاتهن ببطء ..
عفرا تهمس بسباب طويل متحمس .. و لا يسمعن الا هسيسها .. نورة بسخرية ..
- شوه عفاري غادية تاير ينخس ههههه ..
عفرا تهمس بخفوت و صوت سالم يلاحقهن بحماس ..
- انطبن لا ترمسن الين نوصل البيت ..
رحن يمشين بسرعة كعادتهن .. و سالم يواصل المسير قربهن و صوته البغيض يشق الجو وصولا اليهن ..
- بلاهن الغراشيب ،، داخلات ماراثون ..؟؟ بالهون .. بالهون .. حرام هالطول ينهز .. لو مستعيلات أوصلكن .. يعلنيه فدا هالعرضات ..
نورة بقهر و هي تغالب غصة في صدرها ..
- الحيوان .. و الله لو ما صخ لفره بحصى .. ملعون الصير ..
كانت عفرا هي الأخرى تكتم تلك الحرقة التي تلهب صدرها .. ها هو البيت يلوح أمامهن .. سيبتعد الحثالة فورا ..
و كأنما أمره تفكيرها بذلك .. صاح بحماس و سيارته تبتعد ببطء ..
- الوعد باكر ..
لحظات و تزفردانة بيأس ..
- ذلف الحقير .. مادري الين متى بنتم ع هالحال ..!!
ردت نورة بحقد ..
- الين ما نلقى حد يوقفه عند حده الكلب ..
أحنت عفرا رأسها و هي تدلف من الباب الحديدي القصير ..
- ما بتلقن حد يوقفه عند حده غير أبويه .. تعرفن انه يخاف منه و الا ليش ما يقرب من البيت .. االحيوان ما يدري انه ما يي الا الساعة 3 الظهر .. بس بعد منوه منكن تروم تسير لبويه و تقوله .. - و راحت تخفض صوتها مع اقترابها من مدخل الصالة - أبويه .. تراه سالم ولد ييرانا كل يوم يرقبنا عند راس الفريق و ييلس يغزلنا ..
شخرت دانة بسخريه ..
- كان ما بيطير راس ثنتين منا قبل لا يفهم السالفة ..!! هذا أبوية تعرفينه ما عنده ون توو .. سيده يندفع ..
بمجرد وصولهن .. استقبلتهن صيحة نايف كالعادة ..
- حوووووور .. شرفن الشيخاااات حطي الغدااااااا ..
نظرت دانة لهند و مزنة اللواتي استلقين تحت التلفاز القديم ينظر لمسلسل ما يعرض عليه ..
- حشى هب صبي درام .. انته الصرط كله هذا وين يروح ..؟؟ ما يبين عليك ..
أجاب نايف ببرود ..
- ما يخصج ..
ظربتها عفرا على ظهرها ..
- اهب عليج .. ردي الشهادة لا تصكينه بعين ..
قال نايف بلا مبالاة ..
- خلن الهذرة و سيرن بدلن .. مساعة يالسين نرقبكن ..
ثم هب من مكانه متوجها للمطبخ ..
نظرت له دانة شزرا ..
- لا خلينيه أصكه عسب يخف ع العيشه شوي .. فقّرنا ما لقينا اللقمة لي تسد اليوع ..
ضحكت نورة و هي ترمي حقيبتها ..
- صادقة دندن - تجاهلت نظرة الضيق على وجه دانة و هي تأمر مزنة - مزنوووه هاتي لي ماي ..
عقدت مزنة حاجبيها و مطت شفتيها بضيق ..
- ما يخصنيه .. هاذوه المطبخ قدامج .. سيري اشربي ..
اتسعت عينا نورة بدهشة مصطنعة ..
- أوووفف .. شوووه ..؟؟ ما سمعت و الله ..؟؟ دندن .. سمعتي شوه قالت الفص ..؟؟
قالت دانة بخبث متجاهله اسم التدليل الكريهة ...
- دندن فعينج .. هيه سمعت .. شكلها بشكارتنا تبطّرت و مستقوية ..
اقتربت دانة و نورة و هن يلقين عباءاتهن أرضا من مزنة .. حين اختفت عفرا في غرفتهن .. ترفع نورة كم عبائتها بتخويف ..
- شوه يسوون العرب بالبشاكير لي ما يسمعن الرمسة ..؟؟
دانة بمكر و هي ترى عينا مزنة تتسع خوفا فيما تلقي هند نظرة باردة عليهن و تتابع النظر للتلفاز ..
- يشلونهن و يودونهن الستور القديم و يبندون عليهن هناك عند العقارب ..
ارتجفت شفتي مزنة بخوف و هي تتظاهر بالشجاعة ..
- ما ترومن تسون شي ..
رفعت هند صوتها منادية ..
- حووووووور ..
نظرت لها دانة بعينها محذرة ..
- أخيرلج هندوووه لا تدخلين ..
أجابتها هند ببرود و عيناها لا تفارقان التلفاز ..
- و أخيرلكن تودرن مزنوووه بتيي حور الحين ..
رفعت نورة حاجبها ..
- صخي .. شوه قلتي أخت بزيّة ..؟؟
أجابتها دانة بمكر ..
- قالت ماترومن ..
ضحكت نورة بخفوت ..
- ما نروم أونه .. وينها حور عنج الحين .. هااا .. آآآآآآآه ..
أجفلت بسرعة لترى من خلف هذه اللسعة التي أصابت جنبها ..
رأت حور تلوح بعصا طويلة تضرب دانة هي الأخرى و هي توبخهن ..
- أنا كم مرة قايلتلكن ما يخصكن فمزنوووه ..؟؟
فركت نورة مكان الضربة بألم ..
- حور عورتينيه .. هاي دانة قالت تعالي بنطفر بمزنووه ..
اتسعت عينا دانة على الفور بإنكار ،،
- كذاااااااااابة ..
رفعت نورة حاجبا بخبث ..
- حلفي انج ما حرضتينيه أتحرش بمزنه ..
- يا اللئيمــ ......
سدت حور أذنيها بضيق شديد و هي تصيح ..
- اففففففف .. بااااااس انتي وياااهاا .. خلاااااااص .. طفرتنبيييه.. عنبوووه انتن متى بتكبرن .. هب حاله هاي كل يوم و انتن كذيه .. شوه هالعيشة ..
.
.
للحظة عم الهدوء المكان .. نايف تجمد على باب المطبخ يراقب اتساع أعين أخواته و هن ينظر لحور بدهشة .. عفرا تطل برأسها من الباب بعجب و هي تتساءل ..
- حور ..؟؟
عضت شفتيها و هي تكتم صرخة أخرى كادت أن تنفلت بتمرد .. و كأنا أُعجبت روحها بفرجة التنفيس هذه ..
شعرت بغرابة .. و هي تفقد الإحساس .. برود يضطرم صدرها و هي تقف في منتصف إخوتها المتوجسين .. ممسكة بالعصا و أعينهم تطلب تفسيرا لما حدث ..
صوت صرير الباب لفت انتباههم جميعا .. نظروا لباب غرفة أمهم و المها تخرج منه ..
وقفت هي عند الباب لبرهة .. و أمامها المنظر الغير مفهوم .. وجوه إخوتها التي تنظر إليها و كأنما وجدت مهربا من شيء لم يفهموه ..
عقدت جبينها و هي تنظر لحور الممسكة بالعصا .. و لمحة من الذنب أو الإحراج أو شيء آخر بدت على وجهها ..
الأعين تستدير لحور مجددا و هي تتمتم بخفوت ..
- أنا بحط الغدا .. سيرن بدلن ..
و سارت للاختفاء في المطبخ .. لم يتحرك أحدهم من مكانه .. تقدم نايف للصالة و هو يقول بحماس ..
- أوووف .. أول مرة في التاريخ تهزبكن حور .. بس أحسن تستحقن يا مسودات الويه .. تطلعن الواحد من طوره ..
زفرت نورة يحقد ..
- انطب يا بو لسانين .. هب وقتك .. - ثم سألت باهتمام - بلاها حور .. شي مضيّقها ..؟!
لم تنتظر الإجابة .. التقطت حقيبتها من الأرض و هي تتنهد .. فجأة تشعر بالحزن يعتمر صدرها ،، لا تدري لما شعرت برغبة في البكاء و ملامح الصدمة لا تزال تلوح على أوجه من حولها ..!
تمنت لو أنها لم تضايق مزنة أو تطلب كوب الماء .. تمنت لو أنها لم تفعل شيئا يدفع حور للانفجار ..
لم يحدث قبلا أن وبختهن بهذه الطريقة ..!!
بدت على وشك الانفجار .. دلفت الغرفة تحت ناظري عفرا المتسائلة ..
- بلاها حور ..؟؟
- هزبتنيه أنا و دانه .. لنا نلعوز مزّوون ..
رفعت عفرا حاجبا بتشكيك ..
- هب أول مرة تلعوزن مزنووه .. متأكدات ما سويتن شي ..؟؟
هزت نورة رأسها و هي ترمي حقيبتها جانبا ..
- و الله ما سوينا شي .. بس شكلها حور متضايقة .. ما قد صارخت علينا كذيه ..!
تنهدت ببؤس قبل أن تدخل دانة بهدوء .. لم تنبس ببنت شفة و هي تستقر على فراشها بهدوء .. لحظات من الهدوء و هن ينشغلن بتبدل الملابس ..
التقطت دانة الثوب لتختفي خلف الستار البالي .. قبل أن تقول بصوت مرتجف ..
- بنات ..؟؟
التفتن لمصدر الصوت بهدوء .. قبل أن يأتيهن صوت دانة بذعر من خلف الستار ..
- ليش حور متضايقة ..؟؟ أمايا فيها شي ..؟؟ تراها سارت الدختر ويا خالوه اليوم ..؟
كانت وقع الكلمات كالصفعة التي هوت على وجوههن .. وضعت نورة أنامل مرتجفة على شفتيها .. و عفرا تبلع غصة من تخيل الأمر فقط .. أمهن ..!! نعم لا تفسير غير ذلك .. لا بد أن بها خطبا أحزن حور ..!!
.
.
.
كانت تقطع الخيار دون أن تراه .. أفكارها مشوشة .. لا تستطيع تبين حقيقة ما تشعر به ..
ضياع غلف إحساسها .. و هي تقف في المطبخ بلا حيله على هذه الفوضى التي تسكنها ..!!
امتدت يد تسحب السكين من بين يدها بلطف .. التفتت بسرعة لتصطدم عيناها بعيني المها .. تلك الابتسامة المريحة ترتسم على وجهها الجميل و هي تشير بأنها ستكمل التقطيع عنها .. سلمتها حور السكين بخضوع .. فإن استمرت على هذا النحو ستجرح نفسها ،، الآن ما الذي أتى بالمها هنا ..
تعرفها جيدا حين يكون مرادها قريبا .. ألم تعاشرها أكثر من بقية إخوتها في السنين الأربع الماضية حين لم تجد بدا من الجلوس في البيت ..
علمتها القراءة .. و الكتابة .. زرعت في داخلها حب المعرفة و تحديا كسر حواجز إعاقتها تلك ..
نظرت لها حور بطرف عينها و هي تسند ظهرها على الطاولة .. قبل أن يأتيها صوتها الناعم متسائلا ..
- بااج حووور ..
هزت حور رأسها فورا بالنفي .. نظرت لها المها لبرهة قبل أن تلكزها بكوعها ..
- هممم ..؟؟
عادت حور تهز رأسها و تلوح بيدها بأن لا شيء هناك .. لحظة صمت قبل أن تقول المها بلكنتها المكسرة و هي تنظر لحور بثقة ..
- انتي زعاانه أمااه حاامل ..؟
إهتزت أنفاسها و خفق قلبها بذعر .. كانت المها دقيقة للغاية .. رغم أنه لم يبدُ عليها أنها بانتظار إجابة ما .. فقد انهمكت في متابعة تقطيع السلطة .. عادت حور تنظر للأرض .. و شيء من الخجل يتسلل داخلها .. شعرت بوجهها يحمر بشدّة ..
أنامل المها تلامس ذراعها بخفة .. و هي تنظر لها بهدوء ..
.
.
أم أن شيئا من الخيبة سكن تلك العينين ..!
- هاا من الله ..
ثم هزت رأسها رفضا و حاجبيها يتعقدان .. و رفعت يدها للسماء ..
- همد الله .. نعمة .. همد الله ..
ثم اشتدت الخيبة في عينها و هي تهز رأسها ..
- لييش .. زعاانه .. امااه .. خير .. - و مسحت على صدرها - لا خاافين ..
الآن تنكمش روحها ..
حقاً كم هي صغيرة ،،
ضئيلة .. بذاك التفكير القبيح ..
مسحت على وجهها ببؤس .. قبل أن تشير بيدها حولها .. بأن الناس سيتكلمون عن الموضوع ..
سرعان ما تمنت لو أنها لم تفعل ذلك .. فنظرة الصدمة على وجه المها أخجلتها كثيرا .. شدت المها شفتيها بامتعاض و تلوح بيدها معترضة .. و الضيق يعلو وجهها النقي ..
- ماااا خص حد .. أمااه خيير .. و بسس .. مااا خص حد .. - ثم هزت رأسها و أشارت لصدر حور - انتيي كلّمين ..؟؟
ماذا حور ..؟؟
ألن تجيبيها .. بماذا ..؟؟ بأنكِ تفكرين مثل الناس ..؟؟
عجبــــاً ..!
لماذا جعلتك المها تشعرين بتضاؤل .. في حجم تفكيرك .. لماذا دفعتكِ لشعور بخجل يأكلكِ ذنبا ...؟؟
كانت المها تنظر لها تنتظر الإجابة ..
فهزت حور رأسها بضعف ..
- لاااا .. - و رفعت صوتها المهتز و هي تشير للمها شارحة - أمايا بخير و الحمدالله ..
و قبل أن تضيف شيئا آخر .. اقتحمت عفرا المطبخ بقوة تتبعها نورة و دانه ،، تجاوزن الأخيرتين عفرا .. لتتقدم دانة بخجل ..
- حور ..
نظرت لهن حور بدهشة ..
- هاا ..؟؟
تقدمت نورة لتقول بقوة ..
- زعلانه علينا ..؟؟
عقدت حور جبينها بعدم فهم ..
- لا .. ليش أزعل ..؟؟
نظرن لبعضهن بعجب .. لتقول دانة بشك .. و الفكرة تلك تتعاظم في داخلها ..
- لنا نلعوز مزنه ..
بدا الإدراك على وجه حور قبل أن تبتسم بهدوء ..
- لا هب زعلانه .. بس يا ويلكن ان عدتنها .. مع انيه أدري انكن بتسوزن حركة بايخة عقب شوي ..
ابتسمت نورة .. و لكن لم يبدُ الارتياح على وجه الأخريات ..
اقتربت عفرا مباشرة من حور .. الخوف بادٍ بوضوح على وجهها في حين تتظاهر هي بالقوة ..
- حور بلاها أمايا ..؟؟
عقدت حور جبينها و اكتفت المها بالمراقبة ..
- بلاها أمايا ..؟؟
قالت دانة و صوتها يتهدج ..
- أكيد اميه فيها شي و الا ليش انتي مضايقة و معصبة .. يوم سارت الدختر شوه قالو لها ..
.
.
أرخت حور أهدابها ببطء .. هذا الذعر .. هذا القلق .. هذا التوجس ..
الخوف ،،
كل هذا يغشاهن كي لا تصاب تلك الغالية بمكروه ..!
لما تجاوزت هي فرحتها بكل ذاك من أجل معتقدات أخافتها .. و اعتراض على حكمة الله ..!
فتحت عينيها .. و شيء بثِقل الذنب يجثم على أنفاسها .. صوتها بدا يأتي من البعيد ..
- أمايا ما بها الا العافية .. بس .. آآآ .. أمايا حامل ..
شهقة دانة المصدومة و صرخة نورة الفرحة و ابتسامة عفرا الكبيرة كانت أوجز تعبير عن فرحتهن و عفرا تصيح ..
- اماااااياااا حااااااامل .. هههههههههههههههههههه ..
صاحت دانة بحماس هي الأخرى ..
- بنااات تخيلن ياهل صغيروني عدناا في البيت ..
ضحكت نورة بقوة ..
- وناااااااسة .. بسير أباركلها ..
و ركضت بسرعة . تتبعها دانة و عفرا .. تاركة خلفها ..
المها تواصل تقطيع السلطة ..
و حور يتآكلها النفور من إحساس احتل روحها للحظات كريهة ..
.
.
و صمتٌ له ضجيج كالصراخ ..
يصمُّ الروح ..!

* * * * *


* * * * *

ابتسامته الملتوية كانت تسخر مما قال بوضوح .. لا زال مسترخيا في مكانه و هو ينظر لجده بهدوء .. منتظرا أن يغير الرجل العجوز فحوى الحديث .. في حين التزم الأخير الصمت منتظرا إشارة واحدة ردا على ما قال للتو ..
كان الأمر أشبه بالتحدي .. كل يريد أن يخضع الآخر لرغبته ..
و لكن يبدو أن عناد الجد الذي زرعه في قلب هذا الرجل كان الأقوى .. إذا سرعان ما هب غيث واقفا في مكانه .. اتجه نحو النافذة .. يستند على حافتها العريضة .. و يسرح بصره في الأفق الممتد أمامه ..
محاط بأسوار لا تخترق ..
كما هو حال ما يخالجه و ما يفكر به ..!
دوما يجد في هذه الفرجة في المكتب المغلق مساحة للحرية .. يمكنه النظر عبر هذه النافذة بأي إحساس يشاء ..
لن يرى أحد نظرته المهزوزة .. أو المتوجسة ,, أو القاسية ..
أيا كان إحساسه ،، لن يعلم أحد ما يخالجه .. هذه النافذة هي مهرب له ..
يطلق عبرها من الشعور ما يشاء ..!
.
.
لكن عينيه لم تكن تنظر الآن للأفق الممتد ،، الشرود المرتسم على وجهه القوي و هو يقف بعرض منكبيه يمنع ضوء شمس العصر من الدخول ..
ذهنه يستعيد ملامح وجهها الصافي .. دموعها المرتعشة على شفير مقلتها ..
و ذاك الذعر الذي ارتسم على وجهها الصغير ..
نظر إلى الأسفل بقسوة ،، و هو يخنق شعورا شفقة راوده عليها ..
هل تعلم حقا ما أقبلت عليه حين وافقت على الزواج به ..! تلك الخرقاء ليس لديها أدنى فكرة بما ستخوضه حقا ..
نفض إحساسا سخيفا تملكه .. و فكه يشتد بصرامة .. قبل أن يقول بصوت جاف ..
- ليش تبانيه آخذها ..؟
صوت جده ينهره كعادته بحدة ..
- ما نشدتنيه يوم قلتلك تخطبها .. لا تنشدنيه الحين .. بنت حمد بتاخذها ..
التفت لجده و هو يبتسم بسخرية ،،
- و إذا ما خذتها ،، ما بتحول الملكية لي ..؟؟ - ثم هز رأسه بخبث - أهاا ..
نظر لجده بحزم .. و صوته لا يهتز و هو يقول ..
- أناا البنيه ما تهمنيه .. لي يهمنيه الشركة لي تعبت عليها .. و عرس الحين ما بعرس .. تبانيه آخذ - و شدد على الأحرف - بنت حمد ،، إرقبنيه الين ما ترسي مناقصة البيوت السكنية لي بتطرحها البلدية شهر ستة .. خلاف يصير خير ..
شد الجد قبضته .. لا أحد أبدا من أبناءه يعارضه بهذا الشكل .. و لكن يبدو أنه علّم هذا الرجل اللامبالاة أيضا ..!
قال بهدوء ..
- ما عليه .. عقب المناقصة أباك تحدد موعد العرس .. و إلا الاتفاق لولي ماله قيمة .. الشركة بسحبها ..
نظر له غيث بصمت .. العجيب أنه رغم قسوة هذا الرجل العجوز و جفاف معاملته أحيانا .. إلا أنه يحبه ،،
يحبه كثيرا . و يحب نظرة الفخر التي تسكن عينيه أحيانا حين يتحدث عنه هو .. يحب .. قسوته ..
و يعشق تلك التحديات الصامتة و الصراعات المستمرة بين إراداتهم ..
يعلم أنه قد اقترب من قلب هذا المسن أكثر من أي أحد آخر ..
تعلم .. حنكته .. مكره .. و خبثه ..
و تشرب من بين راحتيه القسوة التي تسري بمجرى الدم فيه ..
.
.
لذلك هو واثق بأنه لن يتوانى عن تنفيذ تهديده ..
و لذلك أيضا لا يشعر هو بالخطر بتاتا .. لا يجد إزعاجا قط في استخدام تلك الفتاة للحصول على مآربه ..
فما كان لها أن توافق إن لم تكن لها مآرب هي الأخرى ..!

* * * * *

بدا أن مفعول حبوب الغثيان قد أدى دوره جيدا .. ها هي أمها تجلس معهم على سفرة العشاء .. تتناول بضع لقيمات تقيم طولها ..
مد أباه يده الكبيرة ليأخذ خبزه من الصحن و يقربها من أمها .. و راح يدني صحن السلطة منها و هو يشير بيده لفمه ..
شعرت بصعوبة بالغة في بلع لقمتها ،، و غصة كبيرة تسد حلقها .. لقد اعتادوا مراعاة أبيهم لأمهم .. لكن لا تدري لما شعرت بالشفقة على حال أمها ..
نظرت لها أمها بابتسامة و كأنما شعرت بأنها تراقبها .. ارتجفت البسمة على شفتيها و هي تهز رأسها ..
تحثها على الأكل .. أشارت بيدها لبطنها تعني أن عليها أن تغذي الطفل أيضا ..
شعور خفيف بالراحة يسري داخلها و هي تتعامل بطبيعية .. متجاهلة كل شيء ..
أمها حامل ..؟ نعم .. و هذه نعمة من الله كما أشارت المها ،،
الناس ستتكلم ؟؟ لا يهم .. و لا عليها أن تكترث .. لا شيء قد يعلو على أهمية صحة أمهم ..
غريب ..! لماذا تدفعنا أنفسنا أحيانا لإزهاق الفرحة بين أضلع الخوف ..
صوت مزنة الخافت يأتيها متساءلا ..
- حور .. الحين الياهل اليديد هو أصغرنا بشكارنا ..؟؟
كتمت حور ضحكة في غير محلها .. و همست ..
- لا محد بشكارنا .. كل واحد ينفع عمره ،،
سرعان ما لاح الغيظ في وجهها و صوت نورة الخافت يص لها و هي اهمس لمزنة ،،
- لا لا .. انتي أصغرنا بشكارتنا .. و الياهل بيكون آخر العنقود دلوعنا ..
نظرت لنورة تحذرها بعينيها و هي ترى مزنة قد وضعت لقمتها جانبا .. و تهمس مجددا ..
- أنا بشكارتكم و بشكارة آخر العنقود ..
قالت حور تقنعها و هي تتوعد نورة ..
- لا نورة و دانة بشاكيرنا و بشاكير آخر العنقود و هن بيغسلن مواعين العشا ..
و نظرت لنورة المحبطة بتحدي ..
.
.
.
جميل أن نلتهي بصغائر الأمور..
عمّا يؤرّق إحساسنا بحقْ ،،


* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 16-04-08, 10:42 AM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

هذي خطوتين ثانياات.. فلو سمحتوااا ابي ردوود الله يعاافيكم.. انا ابي منكم ردوووووود مب ابي فلوووووس..خخخخخخ

ابي انطبااع عن القصة اعجبتكم والا لأ؟؟

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 17-04-08, 05:28 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الرومنسية



البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29213
المشاركات: 2,295
الجنس أنثى
معدل التقييم: اقدار عضو على طريق الابداعاقدار عضو على طريق الابداعاقدار عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 250

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
اقدار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

زارا

انا مو مستغربه ان هذا ذوقك بصراحه ..

قصة اجمل مافيها لغتها المحبوكة ..

وأروع مافيها احداثها المتقنه وشخصياتها المختارة بدقة وعناية .



احياناً نقرأ قصص كتبت بالفصحى ولانستشعر حلاوتها لأن الألفاظ اما ان تكون ركيكه او انها متكلفه



هنا كانت ليتني غريبه مبدعه ومتألقه باللغة والسرد وجماليات الوصف



ابدعتي زارا في الاختيار ..



وغيث الرجل الأفضل الحنون الصارم ..


اعجبني موقفه مع امه وكبر بعيني بصراحه ..


بس طار على الكل وصار مصادر للست زارا لأنه رجل بمعنى الكلمة ..





اعجبني خلط الكاتبة لشخصيات متفاوته ومختلفه وقدرتها على الحبكه ..



شكراً زارا لأنك عرفتني على ليتني بهذه الرائعه ..


وشكراً لأن هذه القصة تنتمي الى ليلاس ..


ودي وشكري لكِ بلا حدود

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة اقدار ; 17-04-08 الساعة 05:33 PM
عرض البوم صور اقدار  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:42 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية