كاتب الموضوع :
زارا
المنتدى :
الارشيف
تسترخي بجانب روضة في المقعد الخلفي من السيارة المكيفة ..
و هي تؤكد لها ..
- لا أنا رمستهاا .. قالت ليه ثنتين بالضبط بنلقاها اهناك .. محاظراتها تخلص
على وحدة و نص ..
وضعت روضة يدا على بطنها المنتفخ .. و أخرى تتقافز أصابعها على هاتفها
المحمول دون توقف .. و هي تقول بتذمر ..
- أما حور .. سوت اللي محد يسويه .. أحس لو باقيلي بس الامتحانات و أتخرج ..
و انا بهالكرشة .. و الله لابيع الشهادة و طوايفها .. أنا بالموت أمشي في
البيت .. أقوم أرابع في الجامعة لا و بعد أرد أكمل و انا تونيه مربية .. اختج
هاي صدق غاوية شقى ..
لا أحد ..
لا أحد ابدا في هذا الكون الفسيح يعلم أي شقاء يسكن روح حور سوى بارئها ..
لا أحد يعلم أي طوفانٍ من حزن مهلك راحت تفر منه .. قد يغرقها ان ارتقبت أن
يبلغها و يجرفها ..!
مع انقلاب حياتهم جميعا رأسا على عقب .. و القفزات التي اتخذوها خلال الأشهر
الماضية ..
كانت حور هي الشخص الوحيد الذي تجنبت عفرا تداول حزنها مع الآخرين ..
لذلك ردت بهدوء و هي ترنو برأسها ..
- انتي من الصبح تتصلين بمنوه ..؟
تأففت روضة و كأن السؤال صرفها عن التعمق كالعادة في أمر حور و غرابة أطوارها
..
-أووففف .. أتصل بريلي و مغلق ..
هزت عفرا كتفيها ..
- انتي ما قلتي مداوم ..؟ أكيد مشغول ..!
لوحت روضة بكف بيضاء تزينها أظافر مصبوغة ..
- يا الله ..! وقته الحين .. يختي ما خبرته انيه بسير لحور .. بيحشرنيه ..
الحين اذا بسير الحمام لازم أعطيه خبر ..!
تنهدت عفرا و جدال هذا الصباح يتردد بأصداءٍ بعيدة في ذهنها ..
- حقه فديتج ..!
تمتمت روضة بضيق ..
- ما اختلفنا .. بس أنا يضايقنيه هالشي و ما رمت أتعود عليه ..! دوم أنسى
أعطيه خبر .. و يحشرنيه ..! وايد سيف متشدد من هالناحية ..!!
من هي لتعقب على أمر كهذا ..؟!
ها هي الآن تكسرا أمرا واضحا وجهه اليها .. لتعلن تحديها لاستئناف الحرب ..!
الحرب التي لن تجد وقتا أسوء للانفجار مع وجود خالته و ابنتها ..
راحت الحرقة الماكنة في صدرها تتزايد مع تذكرهما ..
قبل أن تقول بصوتٍ متحكم .. هادئ .. لا يفضح اللهب الذي التهم أحشاءها بقهر
..
- الا بغيت أتخبرج .. بنت خالتج .. يزوي .. كم باقي لها و تتخرج ..؟
رددت روضة بتساؤل ..
- يزوي ..؟! تستهبلين ..؟! يختي هاي متخرجة من ثلاث سنين ..
اتسعت عينا عفرا بذهول ..
- ليش كم عمرها ..
كتمت روضة ضحكة و هي تجيب ..
- الياهل أكبر عنيه بسنتين ..
شعرت عفرا بأنها لطمت بالاجابة .. و هي تردد ..
- أكبر عنج بسنتين .. ؟؟!
هزت روضة كتفيها و هي تقول بود ..
- أدريبها السبالة تبين أم 17 سنة .. تحب تصغر عمرها .. و حجمها يساعد ..
هههههه .. فديتها ..
كانت عفرا لا تزال تحت ظل الصدمة ..! و هي تستمع لروضة ..
تلك الطفلة التي اعزت تصرفاتها لطيش المراهقة .. كانت شابة ناضجة ..
مدركة لكل ما تفعله ..!
ذاك التغنج و الدلال أمام حامد .. الذي حسبت أنه من مراهقة تبحث عن عاطفة تسد
فراغها ..
هو فعل محسوبا من شابة .. كان جليا أنها تنوي استدراجه ..
شعرت و كأن أحدا صفع وجه ادراكها .. و هي تستعيد ما حدث بالأمس ..
و كلماتها التي رشقته بها ..!
.
.
(( فرحان وايد بعمرك .. مسويلي فيها مراهق ويا هالياهل .. اذا عادي عندك ..
فلا تنسى انك محسوب عليه ريل .. ما فيه داعي تحرجنيه .. و تشمت حد فينيه ..!
))
.
.
أغمضت عينيها بقهر ..
يا الله كم كانت مغفلة .. و محطا لسخريته ..!
شق سكون جو السيارة صوت هاتف روضة الحاد الذي علا رنينه .. لترفعه بلهفة . و
هي تقول ..
- أكيد سيف ..؟؟!
جرت هي نظرتها لتقذفها عبر النافذة و هي تبتلع صدمتها ..
و أحداث البارحة تسبح أمام عينيها ..
الستفزاز البارد .. و الاحتدام ..
ثم الاشتباك العنيف بالحديث ..
حتى يُقذفان كلاهما جريحان خارج دائرة القتال ..
دون نصر ..
التوت رقبتها بعنف .. و هي تستدير لروضة التي ردت بصوتٍ باسم ..
- مرحبا مليون .. حيا الله بو علي ..!
ببطء .. راحت وتيرة نبضاتها تتصاعد ..
هو .. لا أحد غيره سيتصل ..
طبعا سيفعل ..
يريد أن يرى ان كانت قد تجرأت و خالفت أمره ..
هه
حتما .. لن تخيب ظنه ..!
انصتت لروضة التي استرسلت بمرح ..
- عنبوه أختك بنت أمك و أبوك .. ما قد شفتك داق تسلم .. و الا عشان الشيخة
عفرا خاوتنيه اليوم ..؟!
ثم استمعت للطرف الآخر قليلا .. قبل أن تضحك ..
- فديتك و الله .. أسولف .. أدريبك ما تقصر يا الغالي .. بخير الله يعافيك ..
شحالك انته .. يسرك حاله .. و الله بخير ..
استمعت قليلا .. قبل أن تعاود القول ..
- لا بس مغير وقت الشفت .. ما ايي الا في الليل .. ان شا الله .. الله يسلمك
.. أوك .. هههههههه .. لا توصي .. اندوك سمو الشيخة ..
و مدت الهاتف لعفرا ..
.
.
أناملها ترتعش ..
و أسنانها تقضم طرف شفتها ..
و قلبها قفز الآن في حلقها ..
ليست خائفة من عقاب قادم ..
هي واثقة بأنها قادرة على مجابهة غضب حامد .. بمكعب ثلجٍ تحشره في فمه ..
و لكن ..
هناك فصول من المسرحية .. لا هدف لها إلا شيّ أحاسيسها على النار ..
فصول عليها أن تلعب أدوارها فيها بإتقان ..
فقط لأن الجمهور هو روضة أو أحد آخر ..!
صوتها منخفض هامس .. تحمّله شيئا خفيا لا يجد متنفسا له إلا في لحظات كهذه ..
ملؤه بحّة و ابتسامة وسط كل هذا الألم و الخوف .. تبزغ من العدم .. لتدغدغها
..
- هلا حبيبي ..!
.
.
.
.
و انتفض شيء خفي في صدره ..
هو هكذا اذا مرّ بمثل هذه التمثيلية .. !!
أ هي روح الرجل فيه .. أمام بحة أنثى دافئة ..
أم الفضول اتجاه امرأة تعيش تحت جناحه دون أن يدرك من تفاصيلها شيئا ..
غموضها الذي يتكشف أحيانا أمامه ..
ليدفعه للجنون الصرف .. فيفكر أنها امرأة كسائر النساء ..
كم يكره احساس التخاذل هذا ..!
هو الذي أقسم أنه لن يقتات الفضلات و لو مات جوعا ..!
حقده كان مشحونا بما يشعر به من زعزعة أورثها اياه صوتها ..
- بقتلج ..!
الضحكة الرنانة التي أوصلتها خطوط الهاتف جعلته يقذف بالقلم الذي كان يعتصره
.. ليهب واقفا على قدميه ..
عاجز عن الجلوس .. و هي تحاصره هكذا ..
يكره وجهها البشري العاطفي هذا..
يكرهه بشدة ..
كم يرتاح لبرودها البغيض الذي يستفزه ..
لأنه حينا يستطيع ابقاء روحه تحت السيطرة أمام جفافها ..
صوتها اللعوب .. أتاه مداعبا .. مستفزا ..
ليحرقه ..!
- حـــــلالك ..!
تمتم بشتيمة قاسية .. لم يبال إذا كانت ستصلها .. قبل أن يقول بغضب شديد ..
- ما عليه .. نتحاسب في البيت يا بنت حمد .. و بشوف عقب منوه الحمار اللي
تمشين رمستج عليه ..!
أتى صوتها واثقا متلويا ..
- حاشاك يا قلبي ..
انفجر صراخة في المكتب الهادئ .. غير مبالٍ ان كانت روضة تصيخ السمع و قد
تسمع ما يقول ..
- و الله .. يا عفرا .. ان كله بيطلع من عينج .. و الله يا انيه ما اطوفها لج
..
صمتت للحظاتٍ طويلة تنصت للهاثه ..
ثم كان ما قالته قد أخرجه بحق عن طوره ..
و هي تقول بتحبب حاني ..
- حبيبي تعوذ من ابليس .. لا تيلس تصارخ على المهندس كذيه .. مهما كان الريال
ما يحب المهانة .. و كرامة الانسان ابدى عليه حتى من لقمة عيشة .. راجعوا
رباعة .. يمكن انتو الغلطانين ..؟! فديت روحك .. هد شوي ..
كان اما أن يقذف الهاتف عبر الغرفة ليتفتت على الجدار .. أو يغلقه ليختزل كل
شحنات الغضب المهلكة في صدره حتى يلقاها ..
و هذا كان الحل الاسلم ..
بهدوء شديد .. أنزل الهاتف عن أذنه ليغلقه بهدوء .. و يعتصره في راحته ..
جهنم حقيقي هو العيش مع هذه المرأة ..
لم تعد المشكلة معلقة على ماضٍ فقط ..!
مذ قضت أختها نحبها .. و تحول الضعف فيها إلى نقمة أحالت حياته جحيما ..
كل ردود أفعالها تدفعه للجنون ..
طوال الوقت تشغل تفكيره ..
حتى في نومه ..
كأنه بها ..
تجلس على ذاك الكرسي باسترخاء .. و تصف أفكارها الجهنمية التي تقذف بهدوءه مع
النافذة لتختار فقط الطريقة التي ستعذبه بها اليوم ..
لتنظر اليه بعدها بعينين بريئتين خفاقة الأهداب ..
تدعي الجهل ..
هذا الاحتراق الذي تشعله فيه يوميا عليه أن يطفئه ..
و الا احاله و اياها إلى رماد ..!
.
.
.
.
كان تقطع الهاتف واضحا من الجهة الأخرى ..
الا أن الفصل لم يعلن ختامه لديها .. و هي تهمس بصوتها بخجل مصطنع ..
- فديتك و الله .. تيلفونيه فظت بطاريته .. لا ما بنطول شغلة ساعة و بنرد ..
أوكيه ..
ثم و هي تشعر بأذن روضة توشك على التمدد خارج الغطاء .. همست بحرج مصطنع ..
- و انا بعد .. يا الله ... فداعة الله ..
ثم تظاهرت بانهاء المكالمة .. و هي تناول الهاتف روضة التي تساءلت بفضول لا
تكبحه ..
- بلاه حامد يزاعق ..؟
هزت عفرا كتفيها ببراءة و هي تقول بتعاطف كاذب ..
- يقول المهندس حليله مادري شوه مخبص .. بس بعد حرام .. أكيد هب متعمد ..
الله يعينه ..
هزت روضة رأسها بموافقة فورية تؤيدها ..
- لا .. زين ما سويتي .. هاييل عباد الله .. و النهر مهب زين .. الواحد يترفق
بالمساكين اللي يطلبون لقمة العيش من ذمته ..
ابتسمت عفرا بخفة تلهيها عن الموضوع .. و تمازحها ..
- ما شا الله حرم الشيخ سيف .. درر تبارك الله درر ..!
.
.
و في أقصى أعماقها .. تعالت تكات العد التنازلي للانفجار التالي ..
رباااه ..!
مر اسبوع طويل بأكمله ..
كم افتقدت هذا ..!
رغم أنها ......
ستحترق ..!
* * * * *
- و نهيان اشحاله ..؟!
قالها و هو يقذف القلم الذي كان بين أصابعه على المكتب الفسيح .. ليدور
بمقعده نصف دوره و يتوقف مقابل الجدار الزجاجي الضخم .. يطالع من ذاك العلو
الشاهق .. زحف المدينة في الأسفل ..
المارة .. السيارات ..
زحامٌ خانق في ساعة الظهيرة هذه ..
الحشود تتسابق ..
كلٌ متلهفٌ للعودة إلى بيته ..!
إلى الحضن الرحب الذي سيقذف بروحه المتعبة وسطه ..
إلى الوسادة اللينة التي ستمتص عرقه و دموعه دون شكوى ..
هو أيضا سيخرج بعد قليل ..
لكنه لن يسابق ..سيسير على مهله ..
لا لهفة تدفعه شوقا لفراشٍ مهجور .. و وسادة باردة ..
و جدرانٍ صمّاء بكماء لا ترد لأنفاسه صوتا ..!!
انتشله الصوت الرقيق من انغماسه اللا متناهي في أفكاره ..
- طيب يسرك حاله .. يداوم ع العلاج الطبيعي و ان شا الله خير.. الدكتور يقول
انه يتقدم بسرعة ما شا الله .. و بعدين فترة الغيبوبة نسبيا ما كانت طويلة ..
الحمد الله ..
تنهد هو أيضا مكررا وراءها ..
- الحمد لله .. الحمد لله ..
- بتيي قريب ..؟!
باغته السؤال الرقيق ..! أتى من حيث لا يتوقع ..
- متى ما لقيت فرصة ان شا الله ..
تنهدت بحزن ..
- قد لك ثمان شهور ما لقيت فرصة ..
بدت الصلابة معتمة في صوته و هو يرد عليها ..
- ضغط في الشغل تعرفين .. نقل مقر الشركة هب هين ..
- و انت تنقل مقر الشركة ليش ..؟ كان فتحت لها فرع و خليت حد من المهندسين
يعابله .. غيث انته ما تتخيل الوضع من ظهرت من البيـ ...
لا يريد أن يسمع هذا الموال الذي تغرده يوميا بمعزوفة الحزن الهادئ ..
تلك الكلمات تثقب روحه ..
تنخره حتى العظم ..
قاطعها ببلادة ..
- ميعاد .. ريال دخل عليه .. برمسج خلاف ..
يعلم أنها كشفت كذبته تلك .. حين صاحت بيأس ..
- غيث اسمعنيـ ...
الا أنه لم ينصت لها ..
أغلق الخط ببساطة .. و أدار الكرسي مجددا .. ليعود الى المكتب حيث ملايين
الاوراق بعثرت عليه .. تنتظر مراجعتها .. و العمل بها ..!
تعلم في أشهر كيف ينسل من اضمحلال أشواقه التي تقيد روحه لقاع اليأس ..
كيف يجر نفسه بعيدا عنهم ..
كيف يبتر احساسه بهم من الجذور .. و يعيش بجسدٍ لا روح فيه ..! يجرجر ثقله في
الانحاء ..
لا وقوفا و لا متكأ ..
فقط سعي لا متناه وراء كل شيء قد يتركه مشغولا على الدوام ..
فلا يرى وسط بياض الورق شيئا أحمر ..
الاحمر الذي انسل من ذاك الجسد اليافع ببطء خبيث .. زحف تحت الابواب .. و
تسلق الجدران حوله .. و تقاطر من السقف ..
فبات يغرقه ..
يملأ رئتيه كل ليلة .. ليجعل كوابيسه أسوأ ..
فينتفض مذعورا .. يمسح العرق عن جبينه المبتل و ينظر الى اصابعه .. هل هو
الأحمر ..
فيطمئن إذا رأى خشونة يده دون تلك اللعنة ..!!
لربما كان لفظ أحبته له .. أفضل من هروب كان سيحول له دون شك في النهاية ..!
هو لا ينسى ذاك الوجه الصافي ..
و لا تلك العينين اللتان نظرتا له بمقت العالم .. و هي تبصق إحساسها في وجهه
..
معلنة بأنه نحر كل شيء ..!
و أنه اسال كل عرق فيها حتى آخر قطرة ..
و رأى صدقها .. حين تلقف ملامحها الباردة الخالية من الحياة ..
معلنة بأنه لم تجد يوما لحظة من السعادة معه ..
و أن التعاسة مسلسل لا ينتهي عاشت تفاصيله البائسة مذ ارتبطت به .. و لن تصل
لآخر حلقة الا بزفرِه خارج نطاق أنفاسها ..
.
.
.
.
.
بوجهٍ مسود ..
و لحيةٍ غير مهذبة .. شعره الكث مشعث - بلا غترة - ..!
و ثوبٍ تناسى اغلاق زريه العلويين من فرط اختناقه بالألم كان يلبسه منذ يومين
.. جلس على الطاولة يستمع إلى تلك المرأة التي راحت ترسم ببساطة صورة أثارت
رعبه ..
وجه الطبيبة بارد عملي لا تسكنه أي مشاعر تعاطف أو رحمه ..
- احتمال الاجهاض كبير جدا مع استمرار النزيف و نفسية المدام ما تساعد .. و
انفعال ما يزيد الامر الا سوءا على سوء .. أنا أعرف ان عندها ظرف صعب .. و
لكن الموت و الحياة بيد رب العالمين .. و الايمان بالقدر خيره و شره يساعد
الانسان على اجتياز الازمات اللي مثل هاي ..
ثم عقدت جبينها بصراحة مخيفة ..
- بهاي الطريقة الخسارة بتكون خسارتين .. و اجتياز المرحلة بيكون أصعب ..
انهيار المريضة يشكل خطر عليها قبل الجنين .. حاولوا تحتوونها و تساعدونها
على امتصاص الصدمة و الهدوء .. لأننا حاليا ما نروم نعطيها اي مهدئات أو
مسكنات .. و حملها في هالوضع الحرج ..!
اسود وجهه أكثر و هو يستمع لتعليمات الطبيبة ..
تعليماتها التي لا تحثه الا على الدنو منها لامتصاص حزنها و حمله على كاهلة
..
كان للتو قد أفرج عنه ..
لم يحضر العزاء و لا الدفن .. استمرت التحقيقات في الحادثة لاسبوعين اسودين
..
بعد انتهاءهما تمنى لو أنه ظل في السجن طويلا حتى يُفتقد ..!
أن يذوي خلف القضبان قدر أرحم من مواجهة الألم و الفقد في مآقي أحبته يصرخ به
..
كان البرود و القسوة أول صفعة تلقاها من ذاك الكبير ..
شيخ تربى في كنفه ..
أواه في ضعفه .. و سنده في قوته ..
لم يغفر له تهوّره و لا ساعة قضاءٍ لم يكن له يدٌ فيها ,,
ثم فوجئ بنبأ وجودها في المستشفى ..!
و ها هي طبيبتها تدفعه بما تقول لآخر حدود التحمل ..
متعب للغاية ..
مثقل الكاهل بذنب لا يغتفر ..
ذنب لم يرتكبه ..
يجرجر وجعه اللا متناهي ..
و عشرات الصور لتلك الفتاة تغزو مخيلته ..!
كيف انحرفت تلك الرصاصة بيده .. لتنالها ..
و كأنه من أطلقها في ذاك المسار ..
ثوان فقط ليجد أنه واقف أمام غرفتها ..
باب موصد ينبؤه بملايين الابواب التي لن تفتح ..
اذا كان ذاك الكبير أول من لفظه .. فما باله بها ..؟!
أصابعه الطويلة الخشنة تنقر الباب مستأذنه ..
ليفتح بعد ثوانٍ فقط .. و تخرج إمرأة كبيرة في السن ببرقعها المميز ..
يعرفها جيدا ..
خالة حور .. و أمها بالرضاعة ..
ما ان رأته حتى اجتذبت الباب وراءها لتغلقه .. و تقف أمامه و كأنه بها تمنعه
عن الدخول ..
صوته الأجش .. خرج منخفضا .. لا يريد أن يبلغها فتستعد لنفيه ..
يريد أن يباغت ضعفها .. ليستدرج عفوها قبل الحكم عليه ..!
- السلام عليج يا أم مايد ..
ترد عليه عذيجة بصوت مخنوق ..
- و عليك السلام و الرحمه .. حمد الله ع السلامة ابوية .. ظاهر من الشر ..
ليرد بتعب لم تخفه ملامحه ..
- الله يسلمج .. و لا تشوفينه .. عظم الله أجرنا و أجركم .. و أعاننا يميع في
هالمصاب ..
دمعت عينا عذيجة المجعدتين .. لتلتقط طرف - شيلتها - القطنية و تضغط بها على
أدمعها تمنعها من التدفق .. لتقول بصوت متحشرج ..
- البقا لله .. الحمد لله ع كل حال .. هذا أمر ربك ..
ابتلع عبرة لا تفارق حلقه .. كل ما طرأ عليه شبابها الذي دفنت به ..!
كم يباغتنا الموت ..!
تنحنح لبرهة .. قبل أن يسألها و عيناه تنظر ليده التي قلبت مفاتيح سيارته
فيها ..
- شحال حور .. اربها أحسن الحين ..
بنبرة موجوعة خرمت قلبه .. ردت عذيجة هامسة ..
- و الله يا ولدي انها على الله ..! الدخاترة ما يقولون شي .. و البنية حالها
يروع .. تعبانة .. و تصيح ختها .. و لا تذوق العيشة .. هاي ثاني مرة يركبون
لها دم .. غادية صفرا كانها بتموت .. هذا مقدر و مكتوب .. ساعة لا تقدم و لا
توخر .. لكن هي الله يهديها ما ترفقت بعمرها .. ولو تمت على هالحال بتظيع
ظناها ..
ابتلع ريقه بأسى قبل أن يسألها بخفوت ..
- الله يكتب اللي فيه الخير .. ما عليه عمتيه بحدر اشوفها ..
ردت أم مايد باعتراض ..
- راقدة فديتك .. خلها ترتاح و سير ريح عمرك شوي و تعال العصر ..
لكنه أجابها باصرار ..
- ما بوعيها .. أبا أشوفها بس ..
ترددت أم مايد لوهلة قبل أن تخضع و هي تقول ..
- خلاص فديتك .. أنا بسير لمكان قريب .. عدنا حرمة من هلنا مربية بشوفها ..
هز رأسه بصمت .. ممتن للخلوة التي منحتها اياه ..
يحتاج بشدة أن يراها لوحدة ..
يخشى أن تنكسر صلابته أمام الآخرين ..
فيحط حمولته تحت أعينهم ..
بهدوء شديد أدار أكرة الباب ليدلف بخطوات واسعة صامته ..
لا اضاءة تنير المكان الا اشعة شمس خجول تخلخلت الستائر .. و برودة خفيفة
تملأ الجو .. تقدم قليلا تفتش عيناه في الغرفة .. حتى سقطت على السرير الذي
اعتلاه تكوم صغير ..
لينتفض قلبه في صدره كطير ذبيح ..
بهدوء يسحب خطواته المنهكة .. يجر كرسيا خفيفا ليضعه جوار سريرها حيث أدارت
وجهها و هي تلتف حول جسدها .. كطفلة في شرنقة ..!
هاله ما رأى تحت الاضاءة الخفيفة ..
شحوب وجهها النحيل .. تجويف خديها .. و هالات داكنة صبغت وسع عينيها ..
كانت شفتيها منفرجتين .. و أنفاسها المتعبة تتردد بهدوء أوجعه ..
فيما التوى ما بين حاجبيها بخفة ..
و كأنها تعانى في الحلم ..
حتى خصلات شعرها الطويل ارتخت بذبول على وجهها و كتفها ..
و كأن كل شيء فيها انهار ..
و خيط آخر من الحياة قد انقطع هنا أيضا ..!
اتكأ على طرف الفراش يدني خشونة ملامحه السمراء .. من ذبولها الهش ..
يشتم رائحة أنفاسها ..
و يتجرأ ليلثم جبين الانكسار ..
لو تعلم ..!
كم يود لو يجنبها كل هذا الالم و الفقد و الخسارة ..
يريد أن يحميها من كل ما قد يخدش صفاءها ..!
أنامله السمراء تتسلل لخصلاتها .. يملسها قليلا قبل أن يلتقطها ليشمّها بحركة
اعتاد فعلها ..!
يا الله ..!
كم يحب رائحة الزهر فيها ..!!
تحتضن راحة كفه الكبيرة وجهها النحيل و هو يطالعها ..
كان يريدها أن تنهض مخالفا رغبة عذيجة ..
يريد أن يغوص في عمق عينيها ليتأكد من أنها لا تحمله مسؤولية ما حدث ..
و أن لا ضغينة ..
لا ضغينة ..!
بدأت أهدابها تتمطى ببطء .. الجفن الثقيل يجرها لأعلى ..
لتكشف وسع بحيرتين يعشقها ..
سيطمس روحه فيهما ..
سيخبئ احساسه بها فيهما .. حتى لا يقرؤه غيرها ..!
تلك العينين الغائمتين لم تستوعب قرب الملامح الرجولي لعدة ثوان ..
لكن ما ان ادركة واقعية وجوده .. حتى جرت وجهها دون كلمة .. لتدسه في شرشف
السرير .. بعيدا عن عينيه ..
و هي تحتضن نفسها أكثر فأكثر ..
مسمار دُق في صدره .. راح يقتله ألما مع هروبها ..
لذلك وضع راحته التي رفضت على رأسها .. و هو يدنو رأسه اتجاهها هامسا :
- حور ..؟!
كان صوت صغير مختنق يأتيه من وراء الشرشف ..
- اظهر برا .. اظهر .. ما ابا اشوفك .. اظهر ..
لا ..
لن تقتلعه هي الاخرى من حياتها ..
بحزم راح يسحب الشرشف من فوق رأسها .. و هو يقول بإصرار ..
- حور .. طالعينيه .. اسمعينيه ..
ما ان أبعد الشرشف .. حتى استوت أمامه جالسة بنحول جسدها .. و عينيها
الزائغتين .. و تبعثر شعرها ..
و حزنٍ هائل أعمى البصر و البصيرة ..
- أسمع شوه ..؟! ذبحت اختيه يا الحقييييير .. ذبحتهااااا .. ذبحتهاااا انت و
ولد عمك .. عساك الموت انت وايااااه .. الله ياخذكم ياااا رب ..
و كأنه صفع بدعوتها أن تموت .. كانت ملامحها شرسة حاقدة ..
حتى و هو يدنو منها يحاول تهدئتها مع شعوره بأن انفعالها قد يؤذيها و يؤذي
الجنين ..
- صلي على رسول الله .. أناا مااا ..
لكنه بتر عبارته حين راحت يديها النحيلتين تلطمه بعشوائية ..
فضربة في رأسه .. و أخرى على عينه .. و بلغت فمه واحدة لتسكته .. حتى صدره
..!
راحت تحرك يديها تظربه بعشوائية هشة دون تركيز .. تريد ايذاءه فلا تستطيع ..
جهد لا يحتمله نحول جسدها .. فكان الامساك بكفيها الصغيرتين .. و اجبارها على
الاستلقاء ليثبت يديها أعلى رأسها فعلا سهلا للغاية ..
الا أنها راحت تتلوى بين يديه بعنف أفزعه ..
خشي كثيرا أن يفقدها هو الطفل بدل أن يحثها على الحفاظ عليه ..
صراخها المكتوم كان حادا ..
- بطلنيييييييييييييييييييييييه يا الحقييييييييير .. يااااااااا
الحقيييييييييييييييير .. أكرررررررررررهك .. اطلع براااااااا ما اريد اشوفك
ويهك ..
صرخ في وجهها بعنف ظن أنه قد يسكتها ..
- صخي شوية و اسمعينيه ..!
لكنها توقفت عن التلوي لتصرخ بعنف في وجهه ..
- ماااااريد .. ماااريد أسمع منك شي .. اطلع براااااا ..
ثم راحت تصرخ بصوتٍ مفزع .. اضطره أن يضع يده الكبيرة ليخنق صرخاتها .. حاولت
التلوي .. الا أنه أطبق عليها باحكام ..
تلوت لثوان طويلة .. قبل أن تخمد مقاومتها.. لتطبق عينيها بقوة .. و ملايين
الادمع تنزلق كالسيل ..
أبعد يده عن فمها دون أن يفلت يديها ..
فيما عضت هي على شفتها السفلى تكبح نشيجها المحرق .. و هي تشيح بوجهها بعيدا
عنه ..
راح يمسح باصابعه دموعها متلهفا ..
- و الله هب متعمد .. اقسم بالله العلي العظيم ان الفرد ما كان في ايديه ..
أصلا ما شفنا الحريم .. و مادريت ان الرصاصة يت فيها ..
راح صدرها يهتز بعنف مع تجدد ذكرى الفقد القريبة ..
ليجلس هو جوارها على فراش المرض .. دون أن يفلت يدها ..
يريد أن يتغلغلها اقناعها قبل اطلاق سراحها ..
- انتي انسانة مؤمنة .. اللي صار قضاء و قدر .. لا بيدي و لا بيدج نأخره
ثواني .. أنا و الله العظيم لو بيدي فديتها بروحي .. و لا أشوف دمعة من عيونج
عليها .. لو أدري ان الرصاصة لو ما صابتني بتصيبها .. كان فتحتلها صدري ..
لكن ماشي بيدينا .. لو و لو و لو .. كلها عمل شيطان .. انتي تعترضين على حكم
رب العالمين ..؟! تلومينيه .. ؟ و تحملينيه المسؤولية ..؟ انا ما بيدي لا
احيي و لا اذبح حد ..!! كل شي بيد ربج .. حور تعوذي من الشيطان ..! في ذمتج
روح .. لا تروحينها تئثمين .. خافي ربج ..
انفرجت شفتيها عن شهقة ممزقة و هي تنوح بوجع ..
شهقة اخترقت صدره بعنف .. ليجتذبها و يحاول دسها بين أضلعه ..
الا أنها راحت تدفعه بضعف شديد .. كاد يقتله ..
- اطلع .. حراااام عليك ذبحتنيه .. اطلع من حياتيه ما ريييدك .. ذبحتنييييه
كرهتنيه في عيشتيييه .. كرهتنيه في كل شيي .. ما اريد أشوفك طلقنيه ..
اعتقنييييه ليتني مت و لا عرفتك .. الله ياخذ روحي و افتك منك ..
كاد يلطمها مع هذه الدعوة .. الا أنه تمالك نفسه و هو يعنفها ..
- استغفري ربج .. ما ايوز تدعين على عمرج بالموت ..
لكنها نشجت بجنون ..
- ما يخصك .. ما يخصك .. اطلع براااااااااا .. مااااريد أشوفك ليييييييين
أمووووت ..
ثم راحت تهتز بطريقة أفجعته .. و هي تتلوى بين يديه ..
ليقول مهدئا و هو يطلق قيدها ..
- خلاااااص خلاااااص بطلع بس هدي عمرج شوي ..
صرخاتها تنطلق وراءه كملايين اللعنات و الكادر الطبي يتدخل لاخراجه و تهدئتها
حتى عذيجة توسلته منتحبة أن يخرج ..
أن يترك روحه وراءه .. و يهيم على وجهه بلا أنفاس ..
كانت تلك هي الصفعة الثانية .. أما الثالثة و الرابعة .. و العاشرة ..
كانت تهوي على وجه احساسه كل صباح يشرق عليه بينهم ..
ليذكرهم بفقدهم ..
و يذكرونه بجرمٍ لم يرتكبه ..
حتى كان الرحيل هو الحل لانهاء عذابه و عذابهم ..!
ليسكت ضميره تركهم بحجة البحث عن الأفضل ..
مع استقرار حالتها و استكانة طفلها بطمأنينة في جوفها ..
علم أنه الوقت حان ليتركهم ..
.
.
.
يختلف الرحيل باختلاف الماضين فيه ..
هناك من الأرواح من يحمل في جعبته أمله .. و انطلاقة حياة ..
يرحل .. ليعود ..
و هناك من الأرواح من يدس بين جنبات أضلعه .. يأسا يقتات روحه الرمادية .. و
نهاية ..
يرحل .. ليذوي في أفق ..
و هناك من يرحل .. و لا شيء معه ..
لا أمتعه .. لا تذاكر ..
فقط يلتحف معطف ثقيل .. و قبعة ضخمة يخفي وراءها خلوّه من كل شيءٍ خلَّفه
وراءه ..
أحبته ..
الأمل ..
و الإحساس الحقيقي بالحياة ..!
مثل هذا الجسد كان قد ارتحل أولا عن روحه التي التصقت بجدران الحنين .. و
جلست على عتبات وطن هجره ..
يهيم في شوارعٍ ملؤها ناسٌ لا يعرفهم ..
لا يربطهم بمشاعره شيء ..!
يفتش في الوجوه عن أحدٍ يعرفه ..!
الجسد الذي زحف خارج الحدود رفضا ..!
سيضيع طوال حياته في حالة اللاشعور السوداء تلك ان لم يعد ليجد روحه ..
و يجد القدرة على تطويعها ..
لتصبح شيئا آخر .. خلاف الذي دفعه للرحيل ..!
* * * * *
بحب تتلقف الطفل الصغير من بين يدي زوجة اخيها .. لتحتضنه قريبا من صدرها رغم
بطنها المتضخم و هي تسمي بالله ..
طوفان من الحنان يتدفق ناحية هذا المخلوق الاحمر .. كبير الراس .. ذو الاطراف
الصغير ..
لتتمتم .. بعشقٍ لا متناهي ..
- يا الله يعلنيه فدى هالويه .. يا الله تصلحنا .. و تبارك فينا و تخلينا ..
يا دلبي .. يا دلبي .. أحمر .. و مفعوص .. و ما فيك زود ... بس مادري ليش
أحبك يا النتفة ..!
ضحكت عفرا و هي تلتقط كأسا من الماء ..
- أونها تمدح الحين ..
تمطى الطفل بين يدي الأولى فاتحا عينيه ببطء.. ليطالعها بنظرةٍ جعلت قلبها
يقفز لحلقها بشيء من الرعب ..
و هي تقول ..
- بسم الله الرحمن الرحيم .. شوه هالنظرات .. حوير .. ولدج ما خلى من ابوه شي
.. حتى النظرة ..
ثم ناولتها الطفل على عجل ..
- اندوج ولدج .. روعنيه حسبي على ابليسه .. و الله ان فواديه طار لابوه ..
سبحان اللي خلق ..
انتبهت لتوتر ملامح حور من ذكرها لذلك الغائب ..
لذلك لكزتها بأطراف أصابعها .. محاولة ترطيب الجو ..
- لا .. لا حور .. طلعتي هب أصيلة.. انسحب الولد عنج ..
ابتسامة صغيرة نمت عن شفتي حور لم تزد وجهها المرهق الا تعبا ..
- فديته اناا .. حبيب ماماه .. لو حتى يشبه راعي دكاننا .. أحلى ولد في
العالم ..
ثم رفعته عن الغطاء الذي كان يلتف به .. لترفعه قليلا للأعلى تبتسم في وجهه
..
- صح سواافي .. صح ..؟ من حبيب ماماه يقول آآناا ..انته حبيب ماماه .. يعلها
فداك ماماه .. يا ربيه تبلغنا فيه ريال معرس لابس بشته ..
ابتسمت عفرا بخفة ..
- معرس و لابس بشته ..؟ ادعيله بالصلاح يا بنت الحلال .. لا تيوزينه و هو
فاسد ..
ضمدت ابنها لصدرها برقة و هي تقول ..
- لا بسم الله عليه .. ان شا الله انه بيطلع ريال صالح و بار .. الله يبلغني
فيه رجلا صالحا شديدا في الحق ..
رددت عفرا و روضة وراءها ..
- آمين يا رب ..
لتضع حور ولدها في مهده القائم بجانب سريرها .. و هي تمازحهن بخفة ..
- يا الله عفاري شدي حيلج .. اذا يبتن كلكن بنات يمكن سواف يفكر وياخذهن كلهن
..
رفعت روضة حاجبا .. مع التزام عفرا ابتسامة صامتة شاردة .. و هي تقول ..
- عفوا ..؟! ما سمعت .. ان شا الله تبين بنتيه تتنازل و تاخذ ولدج لا و يعرس
عليها بعد ..
تدخلت عفرا ..
- اووف .. الله يعين سوااف على روضة و بنتها و دلعهن ..
نظرت لها روضة شزرا و هي تضع يدها على بطنها ..
- خير اخت عفرا .. اشوفج يالسة تسلكين لبنتج من الحين .. ؟!!
.
.
كم مرة من الاوقات ضحكن فيها دون توقف ..
لكن لم يعدن العدة لظروفهن هذه ..
فاختنقت الضحكات في الصدور ..
حتى خمدت ..!
* * * * *
- مادري أحس ميولي علمي .. أحب الكيميا و الاحياء .. بس الفيزيا و الرياضيات
شوي لج عليهن .. في نفس الوقت أنا أفهم أكثر مما أحفظ .. قلت أختار علمي ..
شرايج انتي ..؟!
ابتسمت بهدوء و هي تسترخي في مقعدها المتحرك .. تحتضن يديها كوبا كبيرا من
الشاي بالحليب .. تستنشق عبق الزعفران فيه .. قبل أن تجيب بأريحية ..
- رايي هب مهم .. هذا القرار انتي لازم تتخذينه بروحج .. و بعدين حطي في
الاعتبار شوه تبين تصيرين مستقبلا .. يمكن التخصص اللي تبينه يطلب قسم معين
.. فهمتي ..؟! و استخيري .. أهم شي الاستخارة .. حتى تتيسر أمورج ..!!
ابتسمت هند بثقة .. و هي تقول ..
- اكيد بستخير .. أما تخصصي فشرايج في الهندسة الجينية .. ؟
قفزت عينا ميعاد بصدمة .. لتقول بحذر ..
- قلنا الطموح طيب .. بس لا تشطحين ..
ضحكت هند بخفة ..
- ثرها الا رمسة .. الهندسة الجينية أظن يبالها سفر برا البلاد .. يعني مجرد
شي خطر لي ..
ابتسمت ميعاد لتلك الصديقة التي لازمتها لأشهر .. و أصبحت الاقرب اليها رغم
فرق السنوات الشاسع بينهما ..
روح تشبثت بها ،، حين تقاذفتهم المصيبة فأصبح كل منهم في واد ..
و رفعت بصرها لتناظر تلك الأخرى التي استلقت على الاريكة و عينيها لا تفارقان
شاشة الهاتف ..
كثير من الاشياء تغيرت ..
لم يعد شيئا كما كان ..
غريب كم يؤثر موت عزيز على حياة أحبته ..
و ان أنكروا فإن أشياء صغيرة تتعاظم مع الوقت ..
حتى تحدث فرقا بحجم الحياة ..!
هذه طفلة نضجت في أشهر لتساويها عقلا ..!
و هذه شابة عاشت لسنواتٍ في قوقعة لم يكسرها الا الفقد ..
و إمرأة عاشقة كتبت آخر فصول حكايتها مع رجل حياتها .. لتصنع حياة أخرى
انطلاقتها فيها اختصرت الكثير من سنوات عمرها .. و استعجال راح يورثها قلقا
مبررا .. هل تسعى لتناسي شيء ما و الهرب منه بهذه الهرولة ..؟!
و أخرى .......
- ياااااااااااااااا هنننننننند .. هندووووووووووووووه .. هند و صمممممممخ ..
كادت تقفز على قدميها حين داهمها الصراخ القادم من الاعلى ..طالعت هند
الثابتة بشيءٍ من الجزع ...
- بسم الله شوه صاير .. ؟؟! هذا صوت دانة ..
كانت هند تجلس متصلبة .. و عينيها تنظران للامام باصرار غريب ..
صوت دانة راح يتطاير مقتربا منهن .. حيث يجلسن أسفلا في الصالة الفسيحة ..
- هنننننننننند ..
بهدوء .. وقفت هند في مكانها .. فيما بدت المها الجالسة قريبا منهن متشاغلة
بهاتفها - البلاك بيري - لاهية عن ما يدور حولها من ضجيج ..
في ثوانٍ كانت دانة تقف أمام أختها الاصغر سنا ملتهبة .. بوجهٍ نحيل شاحب و
عينان حمراوين .. و صوت خرج من قعر بئر جاف .. يرتفع بلا صدى ..
- وينه ..؟!
تسحب هند نفسا طويلا قبل أن تجيب بهدوء ..
- شوه تطرين ..؟!
بدا و كأن شيطانا تلبس وجه دانة الملائكي حين التوى رأسها و هي تقول صوتٍ
أقرب للفحيح ..
- لا تستهبلين .. و الا و الله ما بتشوفين طيب ..
لم يزحزح تهديد دانة هند عن ثباتها .. و هي تجيب ببساطة ..
- انا ما ادري شوه تقصدين ..؟
انقضت دانة على هند بشراسة تمسك صدر ثوبها لتجذبه .. و هي تصر بكره ..
- الثوب الاصفر وينه .. أنا ادري انج اللي خذتيه .. محد يحدر الحجرة هاذيك
غيرج ..
طالعت هند يد أختها الملتوية في ثوبها .. لتعقد جبينها و هي تحاول التحرر من
قبضتها المحكمة ..
- أي ثوب أصفر ..؟؟ و الحجرة محد يروم يدخلها .. و مفتاحها وياج ..
هزت دانة يدها المتشبثة بثوب أختها و هي تصرخ بصوتٍ مزعج حاد ..
- اقولج الثوب الاصفر وييييييييييين ..؟!
فتتدخل ميعاد بهدوء محاولة أن تفض النزاع ..
- دانة تعوذي من الشيطان .. هند من الصبح يالسة عنديه .. لا شفت أصفر و لا
أحمر ..
لكن دانة لم تزحزح ناظريها عن هند و هي تقول بصوتٍ قاتل ..
- محد بيشله غيرها .. انا أعرف ان فيه سبير ضايع .. و السبير عندها .. أعرف
انها خذت الثوب .. تبا تعقه .. شرات ما كانت تبا تشل كل الثياب وياهم و
يعقونها ..
ما زالت هند تحاول تحرير صدر ثوبها بصبر و هي تقول بصوت متعقل هادئ ..
- دانة والله ما خذت الثوب .. و لا حدرت الحجرة .. و الثياب ما عقيناها .. كل
شي موجود يمكن انتي حطيتيه في مكان و نسيتي .. ؟!
هزتها دانة بعنف .. و هي تصرخ بحدة ..
- ليش شايفتنيه وحدة منكن ..؟! أنا ما أنسى نورة .. و لا أنسى وين أحط
أغراضها ..
يد من العدم دخلت بصمت لتهبط على يد دانة المتشبثة بثوب أختها .. و تفكك
أصابعها .. واحدا تلو الآخر ..
ثم يندس ذاك الطيف الهش بين الجسدين .. و هو يضع يديه على كتفي دانة و تحركها
قليلا للوراء ..
الا أن عنف دانة اللا مبرر انطلق في تلك اللحظة ليلطم اليد الرقيقة بغضب ..
دون أن تكترث لملامح الصدمة على وجه المها ..
طالعت هند من فوق كتفها و هي تصرخ ..
- و الله لتطلعينه و انتي حمااارة و الا بييج شي عمرج ما شفتيه ..
ثم استدارت متجهة للدرج بخطوات حثيثة .. تاركةً ذاك الجو مشحونٌ بزفراتها ..!
يطالعون بعضهم البعض ..
ثم يهزون رؤوسهم استسلاما و خذلانا ..!
.
.
.
.
.
.
مظلمة هي الأماكن الآن ..
لا نور يسكنها ..
ليضيء ذاك السرمد اللا متناهي في جوفها ..
تندس الآن كعادتها كل ليلة .. تلتحف بطانية لم تعد رائحة نورة تسكنها ..
حتى الرائحة أبت الا ان تهاجر كصاحبتها ..
التفت حول نفسها كجنين .. تضم طرف البطانية لصدرها ..
أناملها تلامس شفتيها .. عينيها جاحظتين في الظلام ..
خوف غريب يسكنها لا تعرف له سببا ..
لا ..!
هي لا تخاف أن تنام في مكان نورة .. و تفتش عن رائحتها في الملابس ..
تحب نوره ..
تحبها كثيرا ..
تحب أحاديثها التافهة .. و ضحكاتها الحمقاء .. تحب وزنها الذي كانت تسخر منه
..
و رقصها الذي يجعلها تهتز ككتلة من الجيلي ..
تحبها جدا ..
تحبها أكثر من صديقاتها .. و أهل سرعان ما تناسوها ليسعى كل منهم في طريق
ينشد لحياته متابعة ..
تحبها أكثر من الحياة نفسها ..
عروقها جفت ..
عينيها يابسة ..
شفتيها ارتخت
و انفاسها مغبرة ..
تشعر بأنها حشرت في بؤرة زجاجية سميكة ..
تجلس فيها ضامة ركبتيها إلى صدرها ..
تطالع ضحك العالم و صراخهم .. و سعيهم الحثيث وراء الحياة ..
و تتعجب ..
أنى لهم أن يعيشوا .. و يتنفسوا ..
أن يواصلوا بهذه البساطة ..؟!
و رصاصة ثقبت قلب نورة ..
رصاصة سلبتها ابتسامتها الاخيرة ..
رصاصة أخذتها حين غرة فلم يشعر أحد حتى برحيلها ..
رصاصة تغافلتهم جميعا لتصطاد طفلة اختبئت وراءهم بضحكة ..
اخترقتها .. فترنحت ..و تعثرت ..
و تناثرت من جعبتها ..
حصاد أيامها السابقة ..
خيالاتهم المشتركة .. أحلامهم الساذجة ..
دعاباتهم المضحكة ..
و ما تبقى من عمر لن تعيشه نورة ..!
هي خائفة الآن ..
لا تستطيع النوم الا بعينين مفتوحتين ..
ذاك الذعر يلف كل أحاسيسها ..
لا تستطيع الاكل الا بفزع .. و لا النوم الا بفزع .. و لا السير الا بفزع ..
الفقد يتربص بها .. و سينقض عليها في احدى هذه المنعطفات ..
هي على يقين من ذلك ..!
ضمت البطانية أكثر الى صدرها .. تلتمس رائحة تبخرت .. و لم تعد تسكن هذه
الأماكن ..
و بيأس قتلها ..
انزلقت دمعة باهتة .. من طرف عينها اليمنى ..
.
.
حبنا الاحمق للتمسك بأشياء لن تعود ..
يدفعنا لنسيان العيش مع اشياء سنفقدها بالتجاهل ..
و نسيان يقينٍ لقننا اياه الرب ..
بأن في كل شيءٍ قدّره حكمه ..
و أجل ..!
* * * * *
يلقي بجسده على الفراش الجاف الخالي من الحياة ..
لا يلتمس النوم .. فهو لا ينام ..!
يغمض عينيه ليقوم برحلة أخرى إلى عالم مفزع من الكوابيس ..
لذلك يهلك نفسه حتى يسقط قتيلا .. لا يشعر بثيابه التي عليه ..
كي لا تزوره تلك الأطياف المفزعة ..
هه ..!
أي سخرية ..
رجل يقارب الخامسة و الثلاثين .. تفزعه الكوابيس ..
و يفتش عن حضنٍ سيحتوي ذعره ..!
يلتقط الهاتف من الطاولة المجاورة و هو يثني احدى ركبتيه و يمدد الأخرى ..
تفتش أصابعه بلهفة عن تلك الصورة حتى يجدها ..
يطالع ذاك الوجه بنظرة غامضة .. لا تُسبر أغوارها ..
متأملا ذاك الوجه الأحمر .. و العينين المغمضتين و الفم الصغير ..
ليسكنه شعور غريب بالرحمه ..
مستعيدا ذاك اليوم الذي اتصل به أبوه سيف في ساعات الفجر الأولى ..
أبوه سيف الذي كان نادرا ما يتصل منذ أن هجرهم ..
كان هو من يدير المكالمات و يتصل ...!
لذلك أفزعته تلك المكالمة المبكرة ..
و جعلته يصف جيشا من ظنون السوء ..
.
.
(( ابشر بريّال ))
كانت تلك الكلمة التي لم يستوعبها ببعثرة ..
ثوان فقط .. ليجد أنه يقف ليجلس ليقف مجددا دون شعور ..
غير قادر على قول كلمة واحدو ..
حتى أتاه صوت جده مجددا ..
- غيث ..؟!
فيغمض عينيه حين اعتصر الوجع قلبه ..
- أمّه شحالها ..؟!
صوت جدّه أتى هادئا للغاية لا يشبه الاعاصير التي راحت تعيث داخله دواماتٍ لا
تَسكُن ..
- أمه بخير .. و الولد بخير ..
ثم صمت الطرفين و هو يتحرك بجنون في الشقة .. يضع يده تارة على رأسه .. و
أخرى على قلبه ..
ليسأل بصوت أجش مرة أخرى ..
- ربها ما تعبت ..
ليأتيه الرد باردا غير مراعيا ..
- تعب لا بد منه .. كل الحريم يتعبن ..
إلا صغيرتي ..
أنا لها أحمل التعب عنها ..!
هل تألمت ..
هل بكت ..
أ و احتاجته في تلك اللحظات ..
طفلهما .. هل ذكّرها به ..
أم أنها حقا مسحته من سجلاتها .. ؟!
من أوصلها للمستشفى ..؟
من أذّن في أذن الصبي ..
كيف ......
و اختنق باسئلته مع سؤال داهم روحه ..
- بتيينا ..؟!
اغمض عينيه و قبضة من حنين تعتصر قلبه ..
و من السرمد الامتناهي وراء جفنيه أتى طيفها يتهادى ..
برائحة الزهر القديمة ..
بتلك الابتسامة الحلوة ..
بشعر طويل منزلق تحسسه بأصابعه الغليظة ..
بأطرافها هشة ..
تتكسر على صلابته ..
بدفءٍ مختلف ..
بأنفاسٍ تشربتها رئتيه ..
بحميمية الشعور الذي لا ينقطع بوجودها ..
إمرأة واحد ..
أحبها ..
و سلبته الشعور إلى الأبد ..
حكم عليه أن يظل ميتا حتى تعود إليه و تحيي فيه النبض من جديد ..
من عمق روحه بزغت تلك الصورة التي التفت فيها بالبنفسج ..
حين اكتسحها في غفلة ..
يحاصر أحاسيسها البريئة .. لتتكسر خجلا على حدود رجولته ..!
و أطلق يدها ..
لتشمخ بنظرها لثانية واحدة .. تحتضن في مقلتيها صورة له ..
قبل أن تستدير ..
لم تعبأ بأنه لا زال يقف وراءها ..
و يراقب هروبها ذاك ..
بخطواتٍ متعثّرة .. ضمّت بكفها أطراف الفستان .. و هي تندفع نحو السلّم
البعيد متعجّلة ..
تتمايل أطراف شعرها الطويل بثقل ..
و تُجر أطراف فستانها على الأرض مجبرة على الرحيل ..
و ابتسامة خجلى تبزغ فجرا على شفتيها ..
و هي تبتعد ..
فيما يشيّعها هو بنظراته ..
تلك طفلة وشمته بحبها ..
بلعنة حرمته النوم .. و الحياة و الشعور ..
حتى يلتمس غفرانها ..!
لا ..
لا يزال مرتاحا في البعد ..
فالوجود بالقرب منها و تذوق الحرمان أشبه بالسلخ حيا ..
أو ربما كان في داخله جزءا لم يغفر لها ظلمها بحقه .. و ذاك الرفض ..
كان يريدها أن تتذوق الألم الذي يعيشه في بعدهم ..
هذا اذا كانت تكترث حقا له ..!!
* * * * *
ضيق عظيم راح يضغط على صدرها ..
حتى و هي تهتز على الان على الانغام العنيفة الصاخبة ..
حتى و السلاسل التي علقتها في رسغها ترتطم بعنف مع حركات يدها الهائجة ..
حتى و ضحكات صاخبة كاذبة تعانق السقف الذي تشعر به جاثما على أنفاسها ..
و تتخبط في ذاك الوحل ..
وجه حمدان .. او حمدة ..
أو .. أي شؤم سمّا ذاك الشيء نفسه ..!
يسترخي بقرب رفيقة جديدة ..
لحظات فقط .. لتنقطع الموسيقى .. وسط تصفيق أوحالٍ تطايرت ..
لتغمرها ..
و هي تتحرك .. بسرعة .. فتلقي نفسها جوار حمدة التي كانت تميل في تلك اللحظات
إلى رفيقتها الجديدة ..
لتنغزها في خصرها فتلتفت بغضب و تصدح بصوت رجولي تريد أن توصله فوق الأنغام
الصاخبة ..
- خربتي جوي ياا ×××××× ..!
ضحكت شيخة بلا مبالاة ..
- و من قال ..!
قطبت حمدة .. و هي تترك تلك الطفلة بجوارها لثوان تستدير بجسدها المكسو
بملابس غريبة لا تناسب أنثى على الاطلاق خصوصا مع القصة الغريبة لشعرها
الاقرب الى الحلاقة ..
- هااا حبي .. استانستي ..
كادت شيخة أن تتقيأ فوق حجر حمدة ..
كم تكره تصنعها .. رغم ذلك انغمست أكثر و هي تقول ..
- الا استانست من زمان عن الشاليهات .. !!
ثم قهقهت بضحكة فظة غليظة ..
- عاد أنا عنديه مناسبة تستاهل الاحتفال ..
رفعت - حمدان - حاجبا متساءلا ..
- ليكون حبيتي وحدة يديدة ..؟!!
نظرت لها شيخة بخبث قبل أن تقول ..
- لا لكن عطيت عفروه وحدة على راسها ..
رفعت حمدة حاجبيها و عينيها تبرقان بشدة عجيبة ما ان ذكرت شيخة عفرا ..
- حبي وايد تعطينها ويه .. وليني اياها بس .. بتشوفين كيف اسنعها الكلبة
الطويلة في يومين .. يلعــ××× عليها جسم يصرع .. ليتني اخوج بس .. !!
لا تحب تلميح حمدان الدائم لعفرا ..
تبغضها نعم .. دون سبب يذكر ..
ربما للفرق الشديد و التناقض بينهما ..
ربما لسلبها اهتمام أمها التي اصبحت فجأة لا ترى الا عفرا .. و كأنها ابنتها
التي لم تنجب سواها ..
و ربما تلك النظرة المحتقرة التي لا تفارق مآقيها ما ان تراها .. فتشعرها أي
حشرة حقيرة هي ..!
لكنها لا تريد أن يصيبها مكروه تعلم أن حمدة قادرة على اقترافه بحقها ..!
لذلك لوحت بيدها في وجه حمدة تنهرها بغلظة ..
- لا .. روحيه ابا اغربلها .. المهم ما قلت لك .. الحيوانة لها يومين يالسة
تنغز خص قدام أميه .. و أول أمس خالوه و بنتها يايين زيارة لحرمة ولدهم اللي
مربية في العين .. و بايتين عدنا .. عاد ما اقولك .. بنت خالوه قطعة .. يتشفق
عليها الواحد .. كتكوته .. و انا و هي ما نتوالف .. بس احيد سوالفها قبل لا
تعرس روضة كانت دوم تتصيد لحامد .. و أزخ لج عفروه .. و أيلس أنغزها بالرمسة
.. و ألمح لها .. و أصرح لها .. أعبي لج راسها .. تعرفين الخايسة شوه قالت
..؟!
جحظت عينا حمدان باهتمام ..
- شوه قالت يعلنيه فدى لشفايفها بس .. ؟؟!
قطبت شيخة دون أن تكترث اذ كثيرا ما تواجه مثل هذه التعليقات في الحديث عن
عفرا أمامها ..
- قال .. و الله معلومات مثيرة للاهتمام ..!!! و ابتسمت ليه بويه بارد و راحت
..
اطلقت حمداة ضحكة رجولية مجلجلة .. و هي تصيح بانفعال مزعج ..
- يااااااااااااااا لبيييييييييييييييه .. أموووووت ع الواثقة أناااااا ..
ارتفعت شفة شيخة بسخرية و هي تقول ..
- بس هب عليه فديتك .. فبركت لحامد خوية و الكتكوتة ييلسون في الصالة ارواحهم
.. و عاد بنت خالوه ما يبالها .. خص انيه لمحت لها ان حامد ما يبا عفروووه و
له خاطر فيها ..!!
اتسعت عينا حمدان باهتمام و هي تصفق كفا بكف ..
- انزين .. ؟!
ضحكت شيخة بشماتة ..
- و تنزل عفروووه من حجرتها و تلقى الاخ مكيف .. و ترتز عداله .. عاد يوم
شفتها ارتزت .. ارتزيت بعد .. و شفتها محترقة .. و بنت خالوه تتدلع و تتميع
قدام حامد .. و عفرا نااار و شراااار .. هههههه و الله يا ان صريخها هي
وريلها وصلنيه في حجرتيه البارحة ..!!!
التمعت عينا حمدة بخبث شيطاني و ابتسامة متلذذة تعلو شفتيها الجافتين .. و هي
تقول ..
- زين ما سويتيها .. تبنيه أعطيها من اللي عنديه ..
قطبت شيخة على الفور ..
- لا ما يحتاي .. اليوم شليت عنها الدريول و عندها امتحان .. ما ظنتيه حضرت
.. شكلها بتعيد المادة .. !
.
.
.
.
في ذاك الرأس الأسود .. و في غفلة عن شيخة ..
ملايين الخطط الشيطانية حيكت في الجوف ..
ترسم خندقا طويلا .. شائكا ..
قريبا ستسقط ذات الجسد الفاتن بين البراثن ..
و ستُكسر نظرة التكبر و الاحتقار الدائمة على وجهها للأبد ..
* * * * *
على عجلة .. تناقض ثقل بطنها ..
راحت تمشي بشبه هرولة .. تدس المفتاح في ثقب الباب .. و تديره ..
لتدلف إلى الجناح المضاء .. البارد ..
تسحب نفسا لاهثا .. و هي تكبح ابتسامتها ..
لم يصل بعد ..!
حمدا لله .. حمدا لله ..
كان غياب سيارته عن الكراج مطمئنا ..
يمكننها الآن تبديل ملابسها و الاستمتاع بحمام بارد .. و التظاهر بأنها كانت
هنا طوال اليوم ..
متشاغلة بشيء ما ..
دون أن يعلم أنها خرجت دون انتظار اذنه ..
زفرت و هي تتهادى بنشوة متجاوزة الصالة الصغيرة نحة غرفة النوم ..
- حيا الله الشيخة روضة ..
أطلقت صرخة حادة فزعة .. حين اجتاحها الصوت الرجولي العميق .. و استدارت تضع
كفا على بطنها و الاخرى على صدرها ..
عينيها تستوعب الرجل الطويل بلياس الشرطة الذي جلس بأريحية على كرسيٍ
للاسترخاء في الغرفة .. بدا أنه يجلس هناك منذ وقتٍ ليس بقصير ..
وجهه مشدود للغاية .. و ذقنه اتكأ على يده أخفى جزءا من وقار لحيته .. فبدا
للحظة حليقا ..
و من العدم بزغت فكرة في رأسها ..
سيبدو أكثر وسامة اذا حلق لحيته ..!
الا أنها سرعان ما طردت الفكرة و هي ترى الغضب المكتوم في عينيه ..!
لذلك أطلقت شهقة متأخرة قليلا .. قبل أن تقول بخوف متقن ..
- بسم الله ..! سيف ..! خوفتني .. بغيت أربي ..!
كان يتمتم بصوت خافت بكلمات لم تسمعها .. و لكنها تعلم ما هيتها ..
يستغفر ..!
اذا هو غاضب جدا ..!
و اذا كان لا يستطيع السيطرة على غضبه سيتخذ الخطوة الأخرى ..!
لكن يبدو أن الامور لم تبلغ ذاك السوء بعد ..
حين نظر اليها و هو يقول بصوت متحكم بدا مشحونا بما يعتمل في صدره ..
- من وين يا هانم ..؟!
هو الذي لا يخاطبها إلا بـ - الأميرة - .. كانت هانم .. أول عقابه ..!
يعلمها أنه غاضب جدا ..
و اذا كان غاضبا فأفضل وسيلة لامتصاص غضبه هي الاقرار بالذنب و الاعتذار ..
لذلك شبكت يديها و هي تتقدم اليه .. بصوتٍ متملق ..
- حبي انته ييت ..؟!
لم يرد على كلماتها ..
استمر بالنظر اليها مطولا ..
فيما جلست جواره بعبائتها و غطاء رأسها ينسدل على كتفيها ..
قبل أن تقول باضطراب تحت نظرته المحتدة ..
- فديتك انا سرت ويا عفرا بنت حمد قدا حرمة غيث نشوفها ..
صوته ملؤه الغضب البارد ..
- و منوه رخصج تسيرين ..؟!
زفرت في داخلها ..!
قبل أن تجيب باستعطاف ..
- دقيت عليك مليون مرة . و تلفونك مبند .. آخر شي قلت البنية ترقبنيه و هب
حلوة أخون فيها و انا عطيتها خبر اني بييها ..!!
ذات النبرة تتسلل من بين شفتيه المزمومتين ..
- لا .. الحلوة .. ان ريلج يرد البيت .. و يحصلج ظاهرة ابدون شوره ..
ثم ارتفعت وتيرة صوته قليلا و هو ينهرها بحدة ..
- هاي هب أول مرة ..و لا الثانية .. و لا العاشرة .. هاي المرة المليون اللي
نتكلم في هالموضوع .. لو انيه ارمس لي ياهل كان فطن .. لكن اظاهر انتي
ماخذتها عناااد ..
حاولت لي رقبة الموضوع لتهاجم و هي تقف بثقل لتبتعد عنه ..
- شوه قصدك .. انا ياهل ..؟!
لكنه لم يخضع لدلالها .. كان غضبه شديدا هذه المرة ..
- و الله الياهل يفهم .. لكن انتي ما تبين تفهمين ..
لم يعجبها أن بنهرها بهذه الطريقة .. لذلك نظرت له بعتب .. موبخة ..
- خلاص سيف لا تيلس ترمسنيه بهالاسلوب .. الموضوع ما يستاهل ..!
اتسعت عيناه بقهر و هو يقول ..
- و بعد الموضوع ما يستاهل ..؟؟!!
زفرت و هي تقول ..
- قصدي لا تكبر السالفة .. خلااص أنا فهمت و دريت انيه غلطانة و ان شا الله
هالشي ما يتكرر ..!!
شخر بعدم تصدقين ..
- ليش هالرمسة قايلينها اليوم أول مرة .. كل يوم و نحن على هالحال .. انتي
متى بتفهمين انج حرمة و معرسة و مسؤولة عن بيت .. و عقب شهرين أم ياهل ..
الين متى و انتي مهملة اللوح اللي يسمونه ريلج .. عايبنج يعني ارد من الدوام
هلكان كاره عمري .. و المشاكل الين راسي .. و القى حضرتج برا البيت و انا ما
أدري ..
.
.
.
.
حين وصل للبيت كان مختنقا للغاية ..!
رأسه لا يبحث إلا عن حجرها ليلقي ما يثقل رأسها عليه ..
ليجد أنها تسللت كعادتها تخرج دون إذنٍ منه ..
هو الذي يحدثها في ذلك متمالكا نفسه للمرة المليون ..
ملاحظا تجاهلها لأوامره .. و متغاضيا عن ذلك ..
ليس ضعفا منه .. و لا خوفا ..
إنما اتباع لوصية رسول كريم ..
أمرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا ..
و أخبرهم أن خيرهم .. خيرهم لأهله ..
إلا أن لا مبالاتها في ازدياد ..
اليوم بالذات تمنى لو وجد ذراعيها مفتوحتين لاستقباله ..
فما بلغه في مقر عمله من أمر ..
جعله مثقلا حائرا .. عاجزا عن التصرف ..!
.
.
لا خيبة توازي تجاهل من نحب في ضنكنا ..!
* * * * *
التوتر يعلو وجهه .. و هو بين كل ثانيتين يعود لفتح هاتفه .. فيطالعه لثوانٍ
ثم يغلقه مجددا ..
زوجين من الاعين تعلقتا بملامحه المحبطه ..
تتابع عفوية تصرفاته بابتسامة ..
فيما سحب هو نفسا عميقا .. أطلقه بزفره واحدة ..
لينطلق صوت ساخر من قربه ..
- ياااا الحبيب .. خلصت الهوا علينا ..
استدار بطريقة متفاجئة اتجاههما ليلتقط ابتساماتهما الخبيثة ..
فيجيب بحرج .. حين ادرك انهما يراقبانه ..
- سير تنفس براا ..!
الا أن ذاك استدار للآخر الذي اتكأ جواره يقول له بمكر ..
- أقولك عبيد .. ما سمعت عن المواطنة اللي راسلت شركة بلاك بيري ..؟!
كان الاهتمام الحقيقي على وجه عبيد و هو يصدق ما يقال ..
- لا و الله .. سمعنا ..؟!
فيما ضاقت عينا أحمد و هوم ينتظر ما يقال ..
يكاد يتبين سخرية هزاع و لو كانت على بعد ميل ..!
و استرسل الاخير يقول ..
- طال عمرك هاي مواطنة طالبت الشركة يوردون جهاز خاص لها .. ما يستقبل
البنقات ..!! تقول عندها في اللستة واحد غثها .. يعطيها بينق ابن كلب كل خمس
ثواني ..
ابتلع عبيد ضحكته و هو يتظاهر بالتفاعل ..
- يا ريااال ..؟!! و ليش ما تشوته من اللستة و تريح راسها ..!!
كان الاثنان يطالعان احمد الذي تصاعد الدخان من اذنه الآن ..
- مادري بها يا خوك .. يا انه كاسر خاطرها .. و ما عنده في اللستة الا هي ..
و الا انه قريب منها ..
تابع عبيد المزحة الثقيلة ..
- تقول أخوها ..؟؟! و الا حد من هلها .. ؟
لوح هزاع بيده يقول بخبث ..
- لا شكله ريلها ..!
ليصفق عبيد بيده ..
- امحق حال ..!! و الله اللي بلوها بنشبة ..
هنا أدرك أحمد مقصدهم من الاستفزاز ..
لذلك استرخى في مكانه .. و استلى احدى ابتساماته و هو يرفع حاجبا واحدا ..
- عزابيه ما ينشره عليكم .. تتمنون اللي أنا فيه و لا تطولونه ..
رفع هزاع حاجبا متحديا و هو يقول بثقة ..
- أي عز ..؟! أحب لي بنية يعني ..؟ بروح السوق و بلقى بدل الوحدة عشر .. بحب
لين ينفجر قلبي ..
استوى أحمد يقول بجدية ..
- مرفوقة بنت حمد عن اللوث .. أنا أطري الحلال يا الخايس .. طعم الحلال غير
..
هز هزاع كتفيه و هو يقول ..
- يمكن ..؟! يوم بنجرب بنخبرك ..
الا أن عبيد ابتسم باحترام لأحمد و هو يقول ..
- و الله كفو يا بو شهاب .. صدقت .. الحلال غير .. احيانا يطلع منك ..!
ابتسم أحمد ابتسامة كبيرة ..
- ما عليك زود .. أشكرك على هذا التعاون .. و المشاعر الطيبة.. و أول بنت
بيوزك اياها ..
لوح عبيد بيده ..
- يا ريال لا تحلف علي .. اسمينيه بعنس لو بتم ارقبها ..!
ضحك أحمد بخفة يشعر بها حقا ..
يحب هذه الأحاسيس حقا ..
الترقب و اللهفة .. الشغف الذي يخالجه اتجاهها ..
لا يهم .. كم تفر أحيانا كثيرة منه ..
يعلم أن عليه أن يقترب ببطء و هدوء كي لا يجفلها ..
الا أن تهوره يسبقه أحيانا ..
هو الذي لا يملك التحكم بردود أفعاله أمامها ..!
سحب نفسا عميقا و ابتسامة كبيرة ترتسم على شفتيه ..
ما يهم الآن هو حصوله على موعدٍ لن تخلفه ..!
* * * * *
يتبع قريبا
|