كاتب الموضوع :
زارا
المنتدى :
الارشيف
تتمة
توقفت السيارة أمام باب البيت بصرير قوي .. لتندفع هي قليلا إلى الامام مع التوقف المفاجئ ..
فيما فتح بابه .. و ترجل منه دون أن يكترث بها ..
لهثت هي بجنون .. و مؤشر الألم في داخلها .. يصل لحده الأخير ..
و ملايين الأصوات .. من طنين و أنين .. راحت تدوي في داخلها ..
برودة لا معقولة سرت في أطرافها .. و وجع كاسح يجتاح روحها .. و هي ترفع عينيها عبر زجاج النافذة تطالع خيال البيت الماثل أمامها ..
يعيدها لساحة المعركة الأخيرة ..
فقط لينهي مشهد الذبح الذي بقي معلقا طويلا بينهما ..
فُتح بابها بقوة .. ليقف هو جانبا .. آمرا اياها بملامحه المطموسة في الظلام ..
و لم تجرؤ هي على ازاحة غطاء وجهها ..
- انزلي ..
ارتجفت و هي تضم نفسها .. و انزوت إلى داخل السيارة ..
- مااابااا .. ردنيه القاعة ..
كرر كلمته ببرود شديد ..
- انزلي ..
العبرة التي قفزت في حلقها .. جعلت صوتها ضعيفا ..
- و الله بتندم على حركاتك هاي .. ردني أخير لك .. أكيد خوانيه يدورنيه الحين .. بيتحرون استوابيه شي..!! شوه تبااا ..؟!
وضع يده على الباب .. و الأخرى على سقف السيارة .. و أحنى قامته الفارعة .. مائلا تجاهها ..
يقول بنبرة قاسية باردة من بين أسنانه..
- بتنزلين و الا أنزلج غصب ..؟!
كل الذي استطاعت فعله .. هو الانزواء أكثر .. تنأى بنفسها .. و تتشبث بيديها في الكرسي الكبير ..
الا أنها لم تكن بعيدة كفاية عن يده التي مدها ليجذب ذراعها النحيلة مرة أخرى بقوة ..
فيخرج جسدها عنوة من السيارة ..
هكذا هو .. لم تعرفه يوما الا عنيفا .. يفرض سيطرته .. على ضعفها بكل صفاقة ..!
و غار الألم في روحها أكثر و أكثر ..
صرخة صغيرة انفلتت منها دون أن تشعر .. و هي تتعثر قليلا .. حين فارقت السيارة ..
ليمد هو يده الأخرى .. و يجذب غطائها بقوة .. و يلقيه داخل السيارة و يغلق بابها ..
شهقت بقوة .. حين سحب الحاجز الذي يعزل ملامحها ..
و شعرت بأن شعرها قد تشعث .. و ارتكزت خصلاتها في الهواء .. فيما ضرب الهواء ملامحها المثقلة بالحر ..
لم يلقِ نظرة واحدة عليها .. أولاها ظهره و كأنه كاره لالتقاء عينيها ..
و خلال جزءٍ من الثانية .. راودها خاطر غريب .. عن سبب نزعه لغطائها ..
ذاك الخاطر تبخر فورا .. و هو يجرها نحو درج بيته الذي يبعد عدة خطوات ..
و كعب حذائها يعلق قليلا في الثغرات الموجودة بين حجار الأرضية المرصوفة .. لتنتزعه برعب خشية السقوط .. فيما تهتز بجنون في محاولة التوازن على الحذاء ..
و هو بذات القوة .. يجرها وراءه دون أن يستدير اليها ..
أطلقت صرخة أخرى مذعورة .. حين أوشكت على التعثر ..
لتكور قبضتها بعدها .. و تلكم ظهره العريض بكل قوتها و هي تصرخ وراءه بصوتٍ متكسر ..
- شوي شوي يا الحقير .. اناا حااامل ..
توقف فجأة لتتقدم خطوة مفاجئة .. و تدفع ظهره براحتها كي لا ترتطم به .. و هو يستدير اتجاهها بسرعة ..
و في حركة تلقائية .. ارتدت خطوة خائفة للوراء .. و هي ترفع يدها تحمي وجهها ..
منتظرة رد فعلٍ ما على الشتيمة التي ألقت توا ..
الا أن ردة الفعل كانت مباغتة .. لتجد نفسها تصرخ للمرة المليون بفزع .. حين شعرت بجسدها معلقا في الهواء بين ذراعيه .. يحملها ببساطة .. و كأنها لا تزن شيئا .. و يرتقي درج المدخل بسرعة .. ليدفع الباب بمنكبه .. ثم يغلقه بقدمه ..
تشبثت بياقة ثوبه .. حتى كادت تخنقه .. و هي تلاحق كلماتها بهستيرية فتتردد في الصالة الخالية .. التي لطالما جرجرت أوجاعها وسطها .. و كان لها من الأذية نصيب ..
- نزلنيييه .. نزلنيييه .. انت تستهبل .. نزلنييييييييه .. شووه هالحركااات الخايسة .. نزلنييييه .. و الا بطيييح ...!!
ما الذي يظنه ..؟!
أ يلعب دورا سخيفا في فيلمٍ تقليدي ..؟!
ما الذي يفعله هذا المجنون ..
نظرت أسفلها .. و هو يرتقي الدرج حاملا اياها إلى الأعلى ..
أفزعتها المسافة و الانحدار الذي أصابها بالدوار .. ..
دمعة صغيرة راحت تبلل زاوية عينها .. و هي تتوسله بصوتٍ خائف مغمضة العينين .. تنشب اناملها الهزيلة في قسوة صدره ..
- غيث .. عن الخبال .. لا تطيحنيه .. نزلنيه دخيلك .. بسير وياك وين ما تبى ..بس نزلنيه ..
شعرت به يشدد قبضته عليها .. و وجهها يدفن في صدره الفسيح ..
و همسة قوية .. تلفح شعرها المبعثر ..
- لااا تخااافين ..
لكنها كانت خائفة منه حتى الموت ..
و يأس مهلك يزحف في عروقها .. و هي تشعر به يقطع الصالة العلوية .. ليدفع باب جناحهما و يدخله ..
انقبض قلبها بقوة .. و تقبضت يداها الممسكتان بياقته ..
و كما توقعت تماما ..
ها هو يعيدها لمسرح أوجاعها ،،
المكان الذي لطالما عاشت فيه .. و معه .. تقلباته المجنونة ..
المكان الذي شهد طويلا ليالي ذلها و انتهاكه لها .. ودموعٌ كانت تسكبها كل ليلة ..
لماذا اعادها الى هنا ..
أ و يرتب للمشهد الأخير ..؟!
تبا له ..
هذا الجو يحرق فتات الروح القابعة بين اضلعها الآن ..
كان يقطع صالة الجناح الفسيحة حين التوت يدها بألم في ثوبه .. و صوتها يتهدج رغما عنها .. مخنوقا في صدره ..
- لاااا ادخلنييييه اهناااك .. مااااباا .. مااابااا ..
و رغما عنها .. حين راح الضعف يسري في أطرافها و غثيان الليلة .. يعود إليها ..
راحت دموعها تبلل صدره .. و هي تطلق أنّة موجوعة مع تجاهله لتوسلها و تجاوزه لباب غرفة النوم التي أضاءها نور السرير الأصفر ..
- لآآآآآآآآ ..
تقدم هو بخطواته الواسعة .. ليضعها على طرف السرير .. فتنزل قدميها للأرض بسرعة و تستوي جالسة تنفض يده بوجع .. دون أن تجرؤ على الوقوف .. و جسده الضخم يسد كل سبيل للهروب ..
الحقيقة أن الهروب هو آخر ما دار في خلدها أثناء جلوسها المنتصب ..
كان أكثر ما تحتاجه هو أرض ثابتة تلتمس تماسكها عليها .. و عيناها تزيغان في تلك اللحظة ..
و آخر طاقاتها تفرغها في محاولة التماسك أمامه .. لتتشبث أصابعها المرتجفة .. باللحاف الثقيل تحتها ..
راحت روحها التي لم تعد سوى طيفا باهتا بحضوره .. ترتعش كورقة خريفية ..
و خشيت للغاية أن يطأها بقدمه الكبيرة فيفتتها مجددا ..
في أعمق أعماقها .. آمنت بأنه ان كان ساعيا لايذائها .. ستستسلم لطوفان وجعه .. و ستدعه يجرفها ..
و يغرقها .. و يزهق داخلها آخر أنفاس الحياة ..
فقط لأنها لا تملك طاقة لهذه الليلة العسيرة ..
تبا له ..
لقد هجرت أختها منذ قليل ..
هربا منه ..
و كثير من الألم يحتقن في صدرها الآن .. لا ينقصها الا طعنة واحدة من حرابه لتنفجر ..!
غطت وجهها بيديها النحيلتين حين راحت الدموع تتدافع بجنون لعينيها ..
يا الله ..!
لا تريد أن تواجهه .. و لا تريد رؤيته ..
لمَ لا يتركها و شأنها ..؟!
أ لم يأخذ ما يريد ..؟!
أ لم يحقق مبتغاه منها ..؟! حتى التحدي و الثأر الذي أشعلت فتيله في صدره .. انطفأ بعد اعترافها ..!!
لمَ لا ينسى أمرها فقط ..؟! و يوهم نفسه بانه لم يضيّع وقته في الزواج بها لبلوغ أمنية ..!
هي لا تقواه .. و لا تقوى مواجهته ..!
سحبت نفسا عميقا .. تشعر بظله الساقط عليها ثقيلا .. يجثم على أنفاسها ..
راحت تدس الدموع المالحة في زوايا مآقيها باستماتة..
ستبكي .. و ستحترق روحها ألما ..
لكن ليس هنا ..!
حين تبلغ جزر الأمان بعيد عن امتداد شعورها به ..
لن تبدأها نواحا .. ستلتمس قليلا من الثبات ..!!
حتى تعود إلى مسافاتٍ تفترش بينهما ..!
تعرف هذا الرجل .. الذي لا يرتقب الا ثقبا واحدا في جدارها .. ليحشر فيه قسوته .. و يهدمها ..!
و زحفت بقايا ثقتها إلى قلبها .. و هي تشعر به يجر أنفاسه و يبتعد عنها ..
تنفست الصعداء قبل أن تزيح يدها عن وجهها ..
كان الغثيان يتصاعد لحلقها .. و وجدت أنها ترتجف بعنف كالمحمومة ..!
فستانها الثقيل الذي ألصقه الحر بجسدها .. راح يعّذبها دون هواده ..
و شعرها يلتصق بشكلٍ كريه بوجنتيها .. و يلتوي على رقبتها .. و يلسع ظهرها تحت العباءة الثقيلة ..
هي على وشك الاختناق ..
و مشاعر تهيج داخلها .. تتفجر وسط روحها المتعبة ..
هذه هي مشكلتها الأزلية معه ..!
ما ان يلتقطها في مداره حتى يضيّعها في دوامةٍ من أحاسيس مهلكة ..!
كانت تضم كفيها لصدرها .. تضغط على قلبها .. و ثقلٌ يوضع على رأس معدتها .. و يجثم على صدرها ..
حتى شعرت أنها عاجزة عن أي شيء ..
.
.
.
.
بخطواتٍ بطيئة .. يعاند رغبة عارمة في الالتصاق بها ..
يثني جموح نفسه التي تحثه بجنونٍ لاجتياحها ..
لمعاقبتها .. و إذاقتها شيئا من الوجع الذي خلفته فيه برحيلها ..!
أراد أن يغزو خوالجها .. فيستوطن كل ركنٍ صغيرٍ في داخلها ..
أراد أن يحني عنادها الطفوليّ لأحاسيسه الرجولية العنيفة ..
الا أن رقّة توسلاتها للهرب عن كل هذا الألم ..
فزعها من العودة لبقاعٍ نثرت أشلائها فيها و نسيتها ورائها ..!
و شعوره بأنه يعاملها بغلظةٍ تحت وطأة ذاك الحنين الذي يمزقه ..!
دفعته للتنحي بعيدا عنها قليلا ..
لو اقترب مرّة أخرى .. سيطحنها دون شكّ ليستنشق فتاتها ..
و يدس بقاياها في داخله الى الأبد ..!
يجر نفسه اتجاه النافذة .. ليزيح ستائرها الثقيلة .. ثم يدفع نافذتها .. ينشد شيئا من هواء الصيف الخانق ..
فقط ليهرب قليلا من تأثير أنفاسها الكاسح .. و رائحتها ..!
تنفس بعمق .. و الهواء الحار يزحف للداخل ..
و ألم لا معقول يسكن صدره في تلك اللحظة ..
كان دنو روحها .. و جلبها إلى هنا ..
صراخها .. و اعتراضاتها ..
كان حضورها رغم مرارته شيئا ملأ قلبه .. و اجتاح حواسه ..
و شعر بأنه يفقد كل ذرة عقل .. و قدرة على التفكير و هي بهذا القرب منه ..
كان هجرانها له شيئا فاق قدرته على الاحتمال ..
هذه الطفلة الساكنة وراءه .. تستوطن عروق قلبه ..
و أدرك أنه لن يعيش دونها ..
لكن ..
كان هناك ملايين العثرات ..
و حواجز لا تحصى ..
و لم يفلح في ايجاد أي كلمة قد يبدأ بها .. ما يريد قوله ..
أو ينجح وراءها في استدراج بوحه ..
ليتلو عليها شيئا مما يخالجه نحوها ..
و تقلّصت عضلاته .. و هو يشد بيده على اطار النافذة الطويلة ..
حين تسلل صوتها الهامس من وراءه .. يسأله بتعاسة أوشكت على قتله ..
- ليش يبتنيه هنيه ..؟ شوه تبا منيه ..؟
أغمض عينيه بقوة ..
الكثير .....
يريد أشياءً قد تعجز عن منحها اياه ..
يريد أن تمحو من ذاكرتها كل أيامهم البائسة ..
و أن تتسلل بهدوء إلى صدره كي لا تُفزع ما يسكن فيه ..
فتقرأ كل حكايةٍ شهدتها أضلعه ..
يريدها أن تعود تلك الطفلة الحلوة الساذجة ..
تلك الروح الشفافة التي لم يمزقها خداعه ..
يريدها أن تحبه ..
لأنه عاجزٌ عن اقتلاع ذاك العشق الذي يعربد بجنون وسط قلبه ..!
عاجزٌ عن ردع ذاك الشغف الذي يقتله ليتلمّس بقاياها في العتمة .. من أثوابٍ مهجورة .. و رائحة عطر ..!
فليساعده الرب ..!
كم يحب هذه المرأة بجنون ..
يشعر بأنه قد يقتلها ان جرؤت على هجره مرة أخرى ..!!
.
.
سحب نفسا عصيبا .. و انتفخت عضلات صدره العريض .. و هو يحتجزه في رئتيه .. قبل أن يخرج صوته الأجش مجيبا سؤالها ببطء ..
- ابا أتفاهم وياج ..
و انهال صوتها المهتز نصالا حادة على ظهره ..
- اناااا مااارييييد أتفاهم وياك .. نتفاهم على شوووه أصلاااا ..؟! كل شي انتهى .. أنا قلت لهم يقولولك انيه أبااا ورقة طلااااقيه .. ليش ما تطلقنيه ..؟؟!!
و تهدج صوتها بلوعة جليّة .. فيما ملأ خليط مجنون من الغضب و الألم المر صدره ..
- ريحنيييييه و ارتاااااح .. طلقنيييييه .. انت ما خذت اللي تباااه ..؟! خلااااص .. اعتقنيييه ..!!
صر على أسنانه حتى اوشكت على التخلخل .. و قبضته تعتصر الهواء بقسوة ..
و هو يقول من صميمه ..
- ما بطلق .. و اللي أباااه ع قولتج ما قد خذته ..
نعم ..!
فقد كان أمامه الكثير ليجتازه و يصل إلى روحها ..!
و استدارت ملامحه المظلمة بما يشعر .. ليجدها تقف بدورها على قدميها مولية اياه ظهرها ..
قامتها الضئيلة قريبة منه .. الا أن روحها تبعد اميالا عن هنا ..
شعرها كان قد تشعث قليلا .. يندس بعضه تحت ظهر العباءة .. و البعض الآخر يتمرد .. ليزحف إلى الخارج .. منفلتا من عقد دائرية في رأسها ..
انطلق صوتها الآن حادا .. هزيلا .. و الرعشة التي لا تفارقه .. تصيب قلبه هو .. بعنف ..
- ليش ..؟! ابويه سيف ما كتب شركتك الغالية باسمك ..؟! ما خلصت ..؟ و الا قال بيسحبها لو ما رديت بنت حمد ..؟!
لو يعلم فقط من هو الجرذ الحقير الذي أخبرها بكل هذا .. لدق عنقه ..!
نظر لضعفها بصبر .. يراقب ظهرها .. و كتفيها المائلا .. بوقفة متعبة ..
و هو يحاول تمالك أحاسيسه الهائجة .. كي لا يقفز ليتلقفها بلهفة .. و يسأل بهدوء ..
- منوه قال لج عن الشركة ..؟
و انفجر قلبه .. و هي تستدير نحوه بقوة ..
تطالعه ملامحها الغارقة في الضوء الأصفر ..
ظلال داكنة تلوّن جفنيها .. و شفتين من قرمز .. تشد سهاما محرقة على نبال أحرفها .. لتطلق كلماتها ..
حادة .. موجعه ..
تصيبه في مقتل ..
- محد قاليه .. روحيييه سمعتك ترمس أبوية سيييف .. سمعت رمستك السم .. انته .. انته قلللت .. قلللت لبويه سيف .. انه لو باااقي بس يوم ع العرس بتردنيه لو ما عطاااك اللي تبااا .. قلت انك ما تبا العرس الا عسب تااخذ حلالك .. هب هاي رمستك ..؟! خلااااص .. و هذا انته خذت اللي تبااه .. و مالك حاية الحييين ..
و لمست جبينها بأصابع ترتعد .. و صوتها لا يثبت ..
- ططــ .. طلللقنييه ..!
صر على أسنانه بغيظ ..
كانت كلماته مجرد تخويف للعجوز كي لا يخلف وعده اذا علم بمشاعره اتجاه حفيدته ..!
خشي أن يسلبه الحق المتفق عليه ان علم أنه متعلق بالفتاة و سيسعى للزواج بها دون أن يضطر الجد لدفع فلسٍ واحد ,,
كان ما يحمله لها عميقا للغاية ..
لكنه أفسده تلك الليلة ..
و شاركته هي هذه الغلطة ..
لذلك قال بقهرٍ .. و صوته الرجولي يرتفع قليلا ..
- و انتي سمعتي الرمسة من هنه .. و سويتي فلمج من اهناااك ..؟ ليش ما قلتي عن اللي سمعتيييه ..؟؟ ليش ما ييتي تسألييينيه ..؟! وااايد عايبنج دور الضحية و الانتقااام .. لو سألتييينيه .. ما كان صار اللي صااار ..
انفجرت بصوتٍ ممزق في وجهه .. و هي تتحرك خطوتين مشيرة لصدرها بألم ..
- أسألك عن شوووه ..؟؟ كل شي كان واضح .. الريال لي تحريته ساعي يبانيه انا .. يشتري و يبيع فينيه عشااان الفلووووس ..
تقدم بقوة نحوها و عينيه تجحظان بقسوة.. و هو يشتهي اعتصار عنقها النحيل بيديه .. و رعد صوته بين جدران الغرفة في غضبٍ أسود ..
- واااضح لمنووووه ..؟؟؟ انتي غبية ..؟؟!! سمعتي رمسة ما تعرفين أساسها .. ما تعرفين شوه اللي خلاااانيه أقولها .. يمكن ما كنت أعنيييها .. ليش اتعمدتي تستفزينيه .. عسب أسوي اللي سويته فيج ..؟؟! لااا اتركبييينيه الغلط .. و انتي غلطااانه وياااية .. انتي تسببتي باللي صار امبينااا .. قد قسيت عليج ..؟ غلطت عليج قبلها ..؟ ما حسستج انيه أباااج لنفسج ..؟ و الا ماا صدقتي يتج الرمسة اللي سمعتيها .. و سويتي الفلم الهندي .. أنا ما كان أذيتج .. و لا كان مسيتج بشي .. حتى لو ما كنت أباااج .. انتي اللي حديتينيه ..
مع دنوّ جسده الضخم منها .. ضمت نفسها .. و هي ترتجف .. و أغمضت عينيها ..
كانت عاجزة عن التفكير ..
ملؤها الألم .. و القرف من كل شيء ..
و غلى الغثيان في جوفها .. و هي ترفع عينين محترقتين بالدمع ..
- أنا اللي حديييتك ..؟؟!! الحييين .. الحييين .. احلف انك ما خذتنيه الا لنيه حور بنت حمد .. و انك خذتنيه لنك تبااانيه .. و انك مااا كنت تبا الشركة .. احلف ان السبب ما كااان وعدك لبوية سيف .. أحلفك بالله .. الحين .. تقوليه الصدق .. و لا تكذب عليه ..
و انقطعت كلماتها .. ليسود صمت ,,
تتعلق عيناها بملامحه .. ترتقب ..
كان بامكانه الإنكار ..
هو معتاد على الكذب دون أن تهتز له شعره ..!
الا أنه لم يستطع الكذب عليها .. و لا تزييف مشاعره .. أو مخالطتها ..
لا يمكنه أن ينكر بأنه قضى وقتا طويلا .. حالما بملكية الشركة .. و باليوم الذي سيجني فيه ثمار تعبه ..
لا يمكنه أن ينكر أنه حتى آخر لحظاته .. و حتى الآن .. لا زال مرتاحا لأنه كسب الملكية ..
لا يمكنه أن يكذب عليها ..
و يدعي شيئا آخر ..
يريدها .. و تعتصره مشاعره بعنف ..
و لا يريد أن يبدأ مجددا بكذبه ..
عليهما أن يجتازا كل هذا أولا ..
.
.
.
.
بهتت ملامحها .. و انحسر كل لونٍ و دفءٍ عن وجهها ..
و شعرت بأن هناك من أمسك بأطراف روحها .. و جرها في اتجاهاتٍ معاكسة بقوة .. لتنشق بعنف ..
بدا الثقل في معدتها يزداد سوءا .. و عينيها تطالعان ملامحه الصلبة المنحوتة بألمٍ مبرح ..
لثانية واحدة بعد اعتراضاته ..
تملكها أمل ساذج .. بأن يكون الأمر مجرد خطأ منها ..!
و كلماتٍ أساءت تأويلها ..
الا أن صمته .. نحر هذا الأمل ..
لتغمض عينيها بوجعٍ سحق قلبها ..
و يلومها ..؟!
تبا له ..
ترتجف أطرافها بعنف .. و غثيانها يغدوا أكثر سوءا ..
و تهدج صوتها بهمسٍ ميت ..
- شفت ..؟! شفت انك كذاااب .. أباا أعرف بس .. ليش اتلومنيه ع اللي سويته ..؟؟ و انت اللي في لحظة وحدة بس .. قدرت تهدم في داخليه شي كبير بنيته ..!! الحين شوه تبا منيه ..
و راحت تمسك جبينها بيدها المرتجفة ..
و احساس مُرهق يوغل في داخلها ..
ليسكن الخرابة المسماة قلبها ..!
و انتكس صوتها .. بدمعةٍ انزلقت ثقيلة .. حارة على جانب وجنتها ..
- شوه تبــــا ..؟! ما كفاك اللي سويته ..؟! خلاااص .. حتى غلطتيه اللي تقول انيه غلطتها .. خذت عليها حقك و زود .. شوه تبا منيه بعد .. حراام عليييك .. و الله بموووت من اللي تسويييه فيينييه ..!!
أغمض عينيه بقوة .. و وجهه يسودّ فيما يمرر يده في شعره الكث بغضبٍ محبط ..
- أناا هب كذاااب .. ما انكر ان الشركة كانت جزء من الصفقة .. تبينيه أكذب عليج ..؟؟ أنا ما ملكت عليج لنيه أحبج .. انتيه تعرفين انيه ما كنت أعرفج ..؟ يعني شفتج في مناميه و ييت أخطبج ..؟! كنت أبااا شركتيه .. تعبيه و شقاايه .. حقيه .. و ما كان قداميه وسيلة آخذها الا هاي .. لكن خلااااف كل شي تغير ..
أحرق صدرها الألم و هو يعترف بهذه الصراحة ..
- و ما فكرت فينيه ..؟ في البنية اللي بنت باقي حياتها عليك ..؟! ما فكرت في أحلاميه .. في كل اللي تمنيته و أركيته على زواجيه منك ..؟ كل اللي كان همك شركتك ..؟!!
صرخ باحباط و هو يتقدم منها .. لتتراجع خطوتين إلى الوراء فيتوقف في مكانه .. باحتراق ..
- قلت لج كل شي تغير .. مع الوقت .. عرفتج .. و عرفت انيه أباااج انتي ..
و لم تستطع منع ابتسامة مزقت شفتيها بلوعة و عبرة أخرى تنزلق على وجنتها ..
- قصدك تبااا شركتك .. و تبا تستغلنيييه .. انت شفت انيه الطريقة الوحيدة اللي بتوصل بها لشركتك .. و كان عادي عندك تدوس عليه .. و أنا اللي أملت عمريه خير فيك .. و ما صدقت ان فيه ريال أروم أعتمد عليه .. و أثق فيه .. عطيتك كل شي ..
صر على أسنانه .. و هو يجد أنها تغلق كل السبل امامه ..
لا تريد أن تصدق انه أرادها بطريقة ما ..
تكلم بقهرٍ ينبع من عجزه عن الوصول اليها .. و هو لا يسيطر على صوته الراعد ..!
- يعني حتى انتي استغليتينيه ..ريال تعتمدين عليه ..؟ بتقولين الحينه انج كنتي تبينيه من أول ما خذتج ..؟ و انيه حطمت صورة فارس الأحلام .. ؟؟!
أمسكت بصدرها .. كانت تدنو الآن من آخر حدود الاحتمال ..
و شعرت بأن ستنهار قريبا جدا ..
و ستسقط عند مواضع القدمين ..
و بألمٍ منتهي رفعت صوتها الموجوع ..
- لاااا تقلب الدووور .. يمكن ما كنت أباااك .. لكنك عرفت تلعب زييين .. الين غررت بمشااعريه .. و استغليتنيه .. خليتنيه أحبك بس عسب لا تخسر فلوووسك و تِظمَنِّيه .. ما همتك مشاعريه .. و لا بشوه حسيت صوبك .. أنااا ما استغليييتك .. أنااا .. صدق .. صدق ..
و انهمرت دموع ضعفها الجلي .. تعلن مقتلها باعترافٍ أخير ..
- أناا حببيييتك .. و الين الحييينه أحبك و هب رااايمه أظهرك من خاااطريه .. لكن اللي سويته ذبحنيه .. و حرق فواديه ..
.
.
أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي يـا قصة لست أدري مـا أسميها
أنـا أحبك حاول أن تسـاعدني فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا
وإن من فتح الأبواب يغلقهــا وإن من أشعل النيـران يطفيهــا
يا من يدخن في صمت ويتركني في البحر أرفع مرسـاتي وألقيهـا
إنزل قليلا عن الأهداب يا رجلا مــا زال يقتل أحلامي ويحييهـا
كفاك تلعب دور العاشقين معي وتنتقي كلمــات لست تعنيهــا **
.
.
أغمض عينيه بقوة .. و هو يشيح بوجهه متألما ..
شعر بأن وتدا يدق في صدره .. و هو يتنفس بصعوبة و وجع ..
لطالما تمنى تلك الكلمة ..
و ارتقبها .. و رآها ملايين المرات في أحلامه ..
الا أنها لم تكن مسلوبة المعنى بهذا الشكل .. و لا سوداء .. شائكة ..
محملة باللوم .. و العتب ..
لم تكن مؤلمة ..!
و لم يكن لوقعها صوت أجراس النهاية المخيفة ..
خشي كثيرا من الصدى الذي ارتد صمته وراء كلماتها .. و هي تهتز بعنف .. مرتعشة ..
و كأن صاعقة ضربتها ..
وجد قدميه تقطعان المسافة القصيرة بينهما .. فيما تتراجع هي خطوة هزيلة .. رافعة راحتها رفضا في وجهه ..
و يقول بقوة موجوعة .. أخرجت صوته الأجش متحشرجا .. من ثقل المشاعر .. و هو يجد نفسه بهذا الضعف لأول مرة ..
- لو انتي تحبينيه .. عطينيه فرصة .. خلينيه أحسسج باللي أحسه صوبج .. ليش تهدين اللي بيننا ..
لوحت بيدها .. فيما تضع الأخرى على صدرها .. و بدا وجهها مظلما .. و هي تقول بصوتٍ مهتز ..
- ماااا ااروووم .. و الله مااارووووم ..
.
.
.
.
نعم ..
لم تعد تقدر ..
و شعرت بروحها تضيق بها .. و غثيانها ينفجر مرة واحدة ..
حين تصاعد في داخلها .. وصولا إلى فمها ..
و هو يتقدم محاولا الامساك بها .. و صوته يخفت في محاولة لاستدراجها ..
- حور .. !
الا أنها سدت فمها بيمناها .. و هي تلطم يده الممدودة بيسراها .. و تستدير متعثرة على عقبيها ..
تهرع بخطواتٍ مهتزة .. على قدميها المتعبتين المرتجفتين .. و على كعبيها الرفيعين ..
نحو حمام الغرفة تدفع بابه بعنف .. و هي تتقيأ بشدة دون أن تستطيع منع نفسها .. سوى بسد فمها بقوة .. لتقتحم الحمام ..
و تنحني على المغسلة اللامعة .. فتفرغ كل ما في جوفها داخلها بصوتٍ مرتفع ..
فيما صوته يرتفع بغلظة قلقة من ورائها مناديا ..
- حوووور ..؟!
شعرت بأن روحها تخرج من فمها .. و هي تتقيأ ذاك السائل الأصفر بقوة .. حتى مع إخراجها كل ما في معدتها الخاوية ..
استمرّت في التقيؤ بعنف دون أن تجد شيئا لتخرجه ..
تدمع عينيها .. و ينقبض صرها .. مع التواء معدتها العنيف ..
شعرت بالضعف يجتاح نواحيها .. و عظامها ترتجف بشدة ..
أصابعها النحيلة المتشبثة بطرف المغسلة تهتز مع توقّفها أخيرا .. لتجد انها عاجزة عن الوقوف على قدميها دون التمسك بها ..
لذلك تخاذلت ساقيها و هي تنحني للأسفل و دوار مهلك يجتاح جسدها النحيل ..
كانت حالتها مزرية ..!!
متعبة للغاية .. و متسخة ..
مستسلمة .. يقتلها الاحراج لتقيّئها أمامه ..
و لا طاقة لها ..!
تعاسة كاسحة تتكسر على جسدها ..
حزن لا محدود ..
انبثق فجأة من كل شيءٍ ليخنق روحها المتعبة ..
لذلك أجهشت فجأة ببكاءٍ متقطع بصوتٍ أبح .. مزّقته نوبة الغثيان للتو ..
و ذراعٌ صلبة تطوّق خصرها قبل أن تجلس فعليا على أرضية الحمام .. لتسندها ..
كانت شهقاتها تهز نحولها .. بين يديه .. و هو يرفعها قليلا .. فيما يتثاقل جسدها الخائر .. و يديها تسقطان بلا حيلة إلى الأسفل ..
قبل أن يحملها بجهد بين ذراعيه .. و رعدة مريعة تهز أطرافها المتراخية ..
ضمّها بشدة إليه .. يطمس ملامح وجعها في صدره ..
في تلك اللحظة كانت متعبة للغاية لتشعر بأي شيء ..!
غير قادرة سوى على النواح بحزنٍ عجيب ..
شعور لطالما كانت تنتهي به نوبات غثيانها ..
الا أن ألم هذه المرة مازجه انكسار مر مختلف ..!
و اعترافها للتو بمشاعرها استهلك كل قوةٍ متبقية في داخلها ..
كان يتمتم بشيءٍ لا تسمعه .. يهمس لخصلاتها المتناثرة بسرٍ لم تفضحه ..
فيما يمددها برفق على السرير .. ليتركها هناك .. فتفترسها وحدةٌ غريبة ..
و حاجة ملحة لأن تضم أطرافها .. و تلف روحه التي هجرها للتو ..
دفنت وجهها في اللحاف الوثير .. و ثقل الفستان الكريه ..
يجعل حياتها أسوأ كل لحظة ..!
بعد ثانيتين شعرت به يجذبها مرة أخرى يسندها لصدره .. يدفع بكوب ماءٍ لشفتيها المرتعشتين ..
و تعجز هي عن الثبات .. و شهقاتها تهز جسدها .. لتهز الكوب معها .. فتتساقط قطراته..
كأدمعها التي راحت تنهمر مطرا أسودا لطّخ وجهها ،، ليَقُصّ على الناظرين حكاية بؤسٍ حالك .. تعرج أخاديدا على وجهها الصافي ..
و قرب أذنها .. يودع هو دفء أنفاسٍ تهدئها .. كان مفعولها معاكسا ..
فلم تزدها الا وجعا .. و شعور مر بالرثاء ينتابها ..
يهمس بعمق ..
- اصصصص .. هاج المـــاي .. قولي بسم الله ..
.
.
.
.
وجهها مبلل بالدموع ،، و قد احتقن بشدّة ..
و التصقت به خصلات شعرها السوداء .. تخالط لطخات الألوان على صفائه ..
كانت تشهق كطفلة صغيرة .. تتقطع الأنفاس قبل أن تبلغ رئتيها .. لتبكي بنشيج موجع مبحوح مزّق صدره ..!
لم يعد في روحه مكمن ذرة واحدة لم يتشقق لمرآها بهذا الحال .. و هو يحاول دس طرف الكوب بين شفتيها .. فيما تدفعه .. بعناد ..
و نواحها يزداد .. و يسودُّ وجهها ..
وضع الكوب جانبا على طاولة السرير .. و الألم في داخله يتضخم بعنف .. ليمسك بمؤخرة رقبتها .. و يدفن وجهها في تجويف كتفه العريض.. يخنق بكاؤها .. حين استحال لتيارٍ محرق راح يمر بجسده ..
تلقف ضعفها .. يحتويه بمرارة .. مفكرا بأنه سبب حالتها هذه ..!
يعتصر نعومتها بقوة .. لتتكسر رقتها على صدره بقسوة لم يقصدها ..!
مرغ أنفه المستقيم في شتات شعرها .. يحبس رائحته في خلايا رئتيه ..
ليهدئ من الألم الزاحف في أوصاله .. و صوته الأجش يتلمس ملامحها الباكية يتغلغلها بإحساسٍ دافئ يطرد برود هجرانه ..
- بس حبيبي .. خلاااااص .. اصصصص .. لا تصيحين ..
و يهدهدها بصبر ..
حتى بدأ بكائها يخفت ..
طفلته الحبيبة ..!
كان أول من اقتحم عالمها الوردي ..
ليمزق الأخيلة الحلوة .. و يحطم قلاع الأحلام الرملية ..
و يبعثر أشلاء الدمى ..
هو الغازي الذي ظن نفسه فاتحا عظيما ..
فتمادى في إحراق مدائن إحساسها ..
و هدّ الأسوار .. و ذبح الحلم .. و سبى الفرح ..
أغمض عينيه بقوة .. حين اخترق همسٌ ميت صدره ..
و كلماتها تزحف بيأسٍ .. و احساسٍ منتهٍ ..
- مااا روووم .. خلااااص ..
و شهقت مجددا بقوة .. ليشد على عينيه بوجعٍ مُثقل .. و هي تبكي مجددا ببؤسٍ مرهق .. ذابل .. و صوتها الهامس خائر القوى ..!
- تعبت .. و الله تعبت .. ما أتحمل زووود .. آآآآآه ..
كل كلمة كانت تتفوه بها .. راحت تشج قلبه .. و هو يستمع لصدى بعيدٍ يتردد وسط أطلال الخرائب القابعة داخلها ..
بكاؤها .. راح يحني هامات القسوة في روحه .. راكعة للآلئ تدحرجت على وجنتيها ..
يزرع قبلة على قمة رأسها المنحني .. و صوته الأجش يمزق غلظة حنجرته .. و هو يهدّئها فيما جحيم مستعر يزداد وسط قلبه ..
- خلااااص .. لااا اتصيحين .. معاد به زووود .. تسمعينيه ..؟!
و أبعد رأسها المغمور في حضنه .. يمسك بيديه السمراوين القويتين وجنتيها الشاحبتين .. يحتضنها بوسع راحتيه .. ليرفع أمل مآقيها الذابل لعينيه الحادتين ..
و هو يشد على وجهها ..
- طالعينيه ..!! حور ..!
لكن نظراتها أبت إلا الفرار ..
تفضل التشرد على أن تستكين في ظلمة حدقتيه .
شد فكها بقوة الألم الذي يعتصر قلبه الآن .. مع تفلّت عينيها ..
- طالعينيه .. طالعينيه ..
ضغطت شفتيها للداخل .. و مآقيها تسكب نهرا دافقا الآن ..
مضطرّة ..
تجرجر بصرها صعودا .. فينهكها النظر ..
لم يكن التسلّق إلى عينيه يسيرا يوما ..!
لم يصدق أن يغرق في عمق مآقيها مجددا ..
حتى تمنى لو تغمره تلك الأدمع الصغيرة ..
تجتاح نواحيه .. لتغرقه ..
و ينتهي طريحا على شواطئ روحها ..
ميتا ربّما ..؟!
لكنّه سيبلغها ..!
سحب نفسا مزّق عضلات صدره القويّة .. و هو يشد على أسنانه ..
ناظرا لملامحها الدقيقة ..
و وجهها المتورم من البكاء ..
و التقط من رفٍّ في روحه .. احد الخناجر الذي اعتاد أن يمزق بها أوتار قلوب الغير ..
و راح يشحذه ..
و علم جيدا أن التمزق سيكون من نصيبه هذه المرة ..
حتى و هو ينظر لعمق عينيها بشدة .. و تتشبث حدته بأحداقها يقول بحزمٍ متصلب ..
- كل اللي تبينه بيصير .. انزين ..!! ريحي عمرج .. و عيني خير .. الصياح ما بيعدل الأمور ..
ارتجفت أهدابها .. لتمطر عبراتٍ سخية .. و كلماتها تتهدج بشهقاتٍ لا تهدأ ..فيما يمناها تعتصر صدر فستانها بألم و كأنها تختنق .. و اليد الأخرى تتشبث بإحدى يديه متوسلة .. لينخلع قلبه بأسى ..
- ماااا أقدررر .. انااا تعبااانة .. مليييت .. مليييت كل شي .. آآنس انيييه بمووووت ..
ثُقبت روحه من كلمتها الأخيره .. ليجد أنه ينهرها بغلظة دون ارادة .. فيرتعد جسدها لزمجرته ..!
- بسسس خلااااص قلنا لج .. ما با أسمعج اتييبين طاري الموت .. تسمعين .. ؟!
اختنقت شهقاتها و هي تعض على شفتيها .. و تحجرت الدموع في عينيها بنظرة خائفة ..
تطالع ملامحه بذعر .. و كأنه سيضربها ..!!
الألم في داخله أوشك على الانفجار .. و يده تشتد دون شعور على فكّها الرقيق ..
أي أشواك غرس في جوفها لتغدو أدغالا شائكة .. راحت تمزق نواحي روحه ..؟!
و كل رد فعلٍ يصفعه بكل ما كان يفعل بها ..!
حين ابتدأت شفتيها بالارتعاش .. و كانها توشك على الانفجار مجددا بالبكاء ..
أفلت ذقنها و هو يشيح بوجهه .. و يقف بعيدا عن امتداد أوجاعها ..
صار كل ما حوله يخنقه بقوة ..
و وضع يده على رقبته .. و هو يتنفس بألم .. حين علت شهقاتها مجددا ،، و هي تلقي بجسدها إلى الوراء و تدفن نواحها في المخدة ..
تبا ..!!
كلما أراد أن يصلح الوضع .. وجد أنه يزيده سوءا ..!
ابتلع كتل الشوك التي سدّت حلقه .. و هو يعود ليقترب منها بحذر ..
يجد أنه عاجزٌ و قليل الحيلة ..
كيف كان يحتمل بكاؤها و ألمها مسبقا ..؟!
لمَ يشعر الآن أن قلبه ينفطر .. لترنيمة الحزن التي تتصاعد من رأسها المدفون ..!
دفع أقدامه ليعود إليها مجددا .. ركع قرب السرير .. و مد يده ليلمس جنون شعرها المبعثر .. بصوتٍ متعب ..
- حووور .. حبيبتي ..
ضمت جسدها و هي تبعد يده عنها .. و صوتها يتقطع من بين شهقاتها ..
- خووووز عنيييييه .. انته شووووه تباااا منييييه ..؟ ردنييييه بيييت عميييه سلطاااان .. ماااريييدك أنااا .. خوووز عنيييه .. ليييش تصااارخ عليييه .. ؟؟
تنهد بيأسٍ و هو يشدها بقوة اليه .. رافعا رأسه للسماء .. بقلة حيلة .. و صوته يرتفع مجددا ..
يشعر بأنه لا يحتمل انهيارها و لا يحتمل أيضا الألم النابض في صدره ..
و لا ترديدها كل خمس ثوانٍ رغبتها في الرحيل ..!!
- انتي تحدييينيييه .. بلااااج غادية ياااهل و ونااانة .. كل كلمتين .. قمتي تصيحين .. انتي مااا تفهمييين شوووه أبااا ..؟! أبااااااج انتي ..
رفعت وجهها المحتقن بالألم له مجددا.. لا يفصل بينه و بين شظايا حطامها سوى انشين .. و وادٍ سحيق خشي أن يهوي فيه بحسرته ..
دفعت صدره بلوعة بائسة ..
- و أنااا قلتهااا مليووون مررررة .. ماااباااك ياااخي .. اعتقنيييه لوجه الله ..
صرخ بعنف و هو يفلتها و يقف على قدميه .. و كل سيطرة بدأت تنفلت منه ..
- انتي هبللللة ..؟ توج تقولييين أحبك و مادري شوه من خرابيط ..
أغمضت عينيها بقوة مؤلمة .. و انهمرت دموعها .. و هي تصيح به .. و يديها تتشبثان باللحاف تحتها ..
- هيه أحبك .. لكن خلااااص .. طابت نفسيه من عشرتك .. ارحمنيييه يا ابن الحلاااال .. من خذتك ما شفت يوم واحد حلو .. ذوقتنيه المرر .. أنا من خذتك نسيت كيييف أضحك .. أحبك .. لكن تعال شوف شوه فخاطريه من سواياك .. انته ما حسيت بعمرك ..؟؟ شوه كنت تسوي بيه ..؟؟ و الله .. و الله ان الذبح أرحم من اللي آنسه منك .. حرااام عليك .. و الله حرااام اللي تسوييه فيّه .. خاااف ربك .. سوّدت الدنيا في عينيه ..
كانت أصابعه ترتعش فشدها بقبضة قوية .. و عروقه تتشرب يأس أحرفها .. شعر بأنها تسد كل بابٍ في وجه ..
و دون أن يشعر .. اقترب منها يمسك بكتفيها .. يليّن نبراته .. لاستدراج صفحها ..
- اللي فات مات .. انسي اللي صااار .. انا أدري وااايد غلطت في حقج .. لكن عطينيه فرصة أصلح كل شي ..
بكت بيأسٍ و دفعت كتفه بوجع ..
- أنسى اللي صااار ..؟؟!! أنا الييين يطوينيه التراااب .. بتم سواايااك وسم في فوااديه .. مااا روم أنسى .. مااا روم أمسح كل اللي صااار من عقليه .. و قلبيه .. كل شي شرا الفلم ينعاااد عليه كل سااع ..
وجد أنه يمسك برأسها .. ليلتصق جبينه بجبينها و يغمض عينيه متنفسا بصعوبة ..
نبرته المحمومة توشك على احراقها حين بدأ يأسها يتسرب لروحه و راح يكافحه بشراسة .. مرددا بجنون ..
- حور .. حور .. حور .. ماااريد أخسرج ..
لفحت أنفاسها المحترقة وجهه .. و هي تشهق بحزنٍ .. تبعثر دموعها على صفحة وجهها ..
- غيث .. انته شوه تبابيه ..؟! ما بتخسر شي ..!! الشركة و صارت لك .. و الياهل تدري انيه ما بروم أمنعك عنه .. شوه تباا بعد ..؟!
صرخ بقوة أمام وجهها لينفض أوصالها ذعرا ..
- الله يلعنهااا من شررررركة .. انتييي غبييييية ..؟!!!!! قلت لج أباااااج انتي .. هب متعاايز أرصف ثلاث عليج و أيييب بداااال اليااااهل عشششر .. مااا تفهميييين ..
و لهث بقوة .. و هو يشد على رأسها بعنف .. حتى أوشكت انامله على اختراق جمجمتها ..
- أنااا أبـــااااج انتي ,,
.
.
.
.
و هدرت تيارات من ألم راحت تكتسح ضعفها ..
و قوته تضغط على نواحي وجهها ..
.
.
أنااا أبـــااااج انتي
أنااا أبـــااااج انتي
أنااا أبـــااااج انتي
.
.
كيف لها أن تصدّق ذلك ..؟!
بعد كل ما مرت به معه ..!
هل يحبّ الجلاد ضحيّته ..؟!
هل يحب الصاعد عتبات سلمه ..؟!
انتهى كل شيء ..
كل شيء ..
لا يمكنها أن تحاول العودة إلى هنا .. و كل النيران التي أوقدها لا زالت تضطرم في صدرها ..
لذلك وقفت من خلف دموعها .. تتأمل خشونة تقاسيمه السمراء ..
و بأصابعٍ مرتجفة .. تلمّست خشونة لحيته .. و شاربه الأسود .. و صوتها يتهدج ..
- و انااا خلااااص .. ما اتحمل قربك .. طاابت نفسيه منك .. و معااد بيه حيل أرد لك .. شوه بتسوي ..؟!
و انبثقت دمعة كبيرة من زاوية عينيها .. و هي ترى انعكاسا ساطعا لالتواء وجعها في عينيه المظلمتين ..
- بتردنيه غصب ..؟! ترى ما برد الا جسم ميّت .. روحيه خنقتها .. و ما بنفعك .. صدقنيه .. بتكرهنيييه .. و بتكره عمرك كل يوم زووود عن اللي قبل .. أناا و انته ما ننفع لبعض .. اناا غيير عنك .. تفكيري غير .. و أحلااامي غيير .. و انت ..انت قاااسي .. و اناا ما اتحمل ..
اعتصرت قلبها قبضة سوداء من الألم .. و هو يقول بقوّة ..
- ماا بغصبج .. لكن ما بطلّق .. انتي لي .. و بتمين لي الين أموووت .. ما أنكر انيييه غلطت وااايد فحقج .. لكن أناا برد اعتباارج شرات ما تبييين .. اطلبي اللي تبييينه .. اللي تبييينه .. الا الطلااااق ..
كان عنيدا .. صلبا .. و رجلٌ محبط ..
أغمضت عينيها تشد سهمها الأخير على نبال الكلمات قبل أن تهمس من بين عبراتها ..
- حتى لو قلت لك .. اكتب الشركة باسمي ..؟!
شعرت باجفاله تحت يديها .. لينحت الحزن ابتسامتها البائسة ..
نعم ..!
هذا ما تعرفه ..
هي التي لا تكون شيئا مقارنة بمُلكه ..!
أبعدت وجهها .. تتأمل ملامحه المظلمة .. بابتسامة كسيرة ..
- لااا تخااف .. ما بقولها .. لكن انته شووه بتستفيد لو خليتنيه معلقة ..؟! ما بتطولنيه يا غيث ..؟
همس من بين أسنانه .. و عينيه تلمعان بتصميم قاس ..
- و لا غيري بيطولج .. مثل ما قلت لج .. انتي لي .. لي وحدي .. أنا بخلي اللي بيننا للوقت .. و بييج اليوم اللي بتنسين فيه كل اللي صار .. و تردين لحياتي ..
و تقاطر الدم الأسود الحار من فؤادها مطلقا أبخرة كالدخان .. و هي تختنق بالحزن ..
- ما ظنتيه هاليوم بيي ..
ابتعد عنها ليقف على قدميه .. قائلا بصلابة جافة ..
- أنا مستعد أرقب ..
فهوت دمعتين كبيرتين على خدها المبتل ..
- بتتعب ..!
صمت لثوانٍ طويلة .. طويلـــــة .. قبل أن يقول و هو ينظر لها بهدوء تربع على ملامحه فجأة ..
- أباج تردين بيت أبوية سيف ..
ثقبت قلبها الفكرة ..
لن تستطيع الثبات هنا دون أن تلاحق أطيافه ..!
و ارتجف صوتها ..
- مااا روم .. أناا كل مااا أشوووفه أذكر انه هو السبب في كل شي .. هووو اللي حدك ع هالعرس .. ما بقدر ايلس ويااه في نفس البيت .. بجرحه برمستيه .. و كل اللي فصدريه بظهره .. مااروم أطالع ويهه و أعيش في بيته و أسكت .. أكيد بيغصبنيه خلااااف أرد هنييه .. و انته قلت ما بتغصبنيه .. دخيلك .. الا الردة هنيييه ..
.
.
.
.
صوتها المهزوز الذي توسله أن يعينها على فراقه .. شرخ روحه .. و امتد الأخدود الغائر على طولها ..
فهوى شيءٌ ضخم في العمق ..
شيءٌ طال تهاديه في السقوط قبل أن يرن ارتطامه في نواحيه .. ليشد قامته ..
يستتر عن عينيها المتشاغلتين بأوجاعها .. فلا تبصر طعناتها البريئة ..!
رفع عينين ثقيلتين .. و هو يسألها بعمق ..
- تبين اتمين عند خوانج ..؟!
لتومئ برأسها في لهفة .. و جزع من أن يجبرها على العودة حقا ..!
كان للتو يتوسّل عودتها .. و ها هي تستأذنه الآن في البقاء ..!
يا لتلك الروح الحبيبة ..!
ها هو الآن يلتمس خيوط الأمل الأخيرة ..
و بنبرة قويّة .. يسدد إلى هدفه ..
- ما عنديه خلااف يلسي عندهم الين تشبعين .. لكن على شرط ..
و ذوى قلبه على حدود أهدابها المرتعشة .. و صوتها الأبح يبتلع عبراتها ..
- شرط شوه ..
فيقتنصها ..
- متى ما بغيت أشوفج تظهرين ليه .. و اذا اتصلت اتردين ..
و من بين أسنانه توعّدها ان جرؤت على هجره بقسوة ..
- و صدقينيه و لا بحلف بالله .. لو اخلفتي شرطي .. بييبج بالغصب .. و لا بيهمنيه اذا جسم ميت و الا حي .. أهم شي انج تحت عينيه .. و انتي تعرفين انه ما يعوقنيه شي ..
و ها هو يطلق قيدها ..!
يحررها من نطاقه ..
سيتقلّب على الجمر لليالٍ لا تنتهي ..
و سينتظر عودتها ..!
سيختلي بأوجاعه ..
و سيتناسى ذاك الألم الذي ابتدأ من الآن ينشب مخالبه في صدره ليمزّقه بوحشية ..!
ها هو يراقبها بعجز .. صامت ..
و هي تهجره ..!
.
.
مسكين انا / لاصرت عايش بدوني
---------- ونجوم خاوتني مسافات / طاحـت
شقول لاحلامٍ بَنَتها فـ كوني ؟؟
---------- شقول لعروق انشفت بي / وناحت ؟؟
راحت ؟؟
راحـــ ـت ؟؟
راحت .. بعد ماهي خذتني بهوني
---------- ثم املكتني يوم بالشوق / باحـت
أوّل لقا قالت : (ترى لك شجوني)
---------- وآخر لقا قالت : (أحبـّك) / وصاحت
ياليتها مافارقت عن جفوني
---------- أو ليتها ماجاتـني / واســتراحـت
واللي ذبح قلبي .. وسهّر عيوني
---------- تحبّـني .. وتموووت فيني .. ورااحـت ! ***
.
.
قد قيل أنه اذا أردت شيئا بيأس ..
فأطلقه ..!
فإن عاد إليك .. فهو لكَ إلى الأبد ..
و إن لم يعد .. فهو لم يكن لك منذ البدء ..
و علم في قرارة نفسه أنها حتى و لو لم تكن له ..
سيسعى حتى موته لإعادة معشوقته إلى مدار جنونه الأهوج ..!
* * * * *
هـــــــــــــــدوء ..!
و كأن ضرسا خُلع من فاه كل واحدة ..!
ثلاث فتيات ..
يجلسن على ذات الأريكة ..
ذات الوضعيّة ..!
يسندن أكواعهن على ركبهن .. و تتكئ الملامح بهم على الأكف الخالية ..!
أطلقت كبراهن زفرة طويلة ..
نفسا واحدا .. سرعان ما تبخر في الهواء ..
ليلفهن الصمت مجددا ..!
شعرت هي بان الجو لسبب ما أصبح له كثافة غير طبيعية .. يمكنها أن تمسكه بين أناملها لتصنع منه جدائل سكونٍ طويلة .. طويلة ..!
و بدورها سحبت من ثقله نفسا طويلا .. لتطلقه ببطءٍ شديد ..
و كانه قد يحمل معه ذاك الشعور الجاثم على صدرها بدون سبب ..!
ثوانٍ فقط .. قبل أن تسمع الزفرة الثالثة عن يسارها .. تطلقها دانة .. لتعلق بأحرفٍ مضغوطة ..
- تعب كانت الليلة ..!
أومأت هي .. دون أن تجد الرغبة في الرد ..
ثوانٍ أخرى طالت قبل أن تعلق دانة بذات النبرة ملتصقة الأحرف ..!
- العرس ترتوب ..!
لتومئ مرّة أخرى .. موافقة بصمت ..
لحظاتٍ بطيئة ..!
لم يكن الوقت ساكنا كالليلة ..!
- شوه يعني ( ليلكي ) ..؟!
قطبت للمرة المليون لتجد نفسها مجبرة على النطق هذه المرة ..
- مادري .. شكلها كلمة لبنانية ..!!
هزت دانة كتفيها تجيب ببطء ..
- ما ظنيه .. ميعاد قالت شوفي البنية اللي لابسة ليلكي .. أحيد البنية أمها مصرية .. ما فيها عرق لبناني ..!!
- ما تدرين يمكن حد من أسلافها من لبنان .. و الا هي لاقطتنها من التلفزيون ..
- هيه و الله خرب عيالنا هالتلفزيون ..!
- حسبي الله على من كان السبب .. ربنا يخرب بيتوو ..
- شعندها حسنات ..؟!
لم ترد نورة بعد ذلك .. انغمست في الصمت الذي استفردت به المها للحظات ..
و شعور تستحضره .. كان كاسحا الليلة ..
لتتمتم دانة بذات الفكرة التي مرّت ببالها ..
- أحس بشيء غريب في صدريه ..! مادري كيف ..
تكاسلت أحرف نورة بشرود ..
- يمكن لن عفرا هب هنيه ..!
ابتلعت دانة كلمة جفّت في رأس حلقها .. و شكلت كتلة أوشكت على خنقها قبل أن تهمس ..
- يمكن ..!! مع ان عفرا دايم هادية .. هب من كثر حشرتاا ..!
رفرفت دمعة على حواف مقلة نورة .. بددتها .. و هي لا تنوي البكاء على فراق عفرا أمامهن ..
لتسأل مغيّرة الموضوع .. و آخر ما تريده هو الحديث عن أي شيء ..!
- شوه ياب طاري الليلكي .. و منوه كان لابسنه ..؟!
رفعت دانة رأسها عن كفيها تعيد ظهرها للوراء .. و تستند على ظهر الأريكة ..
- العنود بنت الـ ×××× .. ما شفتيها ..؟ ثنين من عيال عمها تذابحوا عشانها ..!! عاااادية بشكل ..!! اماا الاشااعاات طلعت عليها .. أونها ملكت جمال .. و يدوخ الواحد من ايشوفها .. اناا أحلى عنها .. ما شوف حد اتذابح عليّه ..
قطبت نورة تستوعب الكلمات للحظات قبل أن تقول ..
- هب شرط الزين زين ويه ..!! و بعدين وين تبين انتي يتذابحون عليج أونه ..!! الساع هب اشواريا راي ..
ثم فكّرت قليلا .. قبل أن تهمس بعينين ضيقتين ..
- أنا قد سمعت بسالفتاا .. مسكينة و الله ..!! مع انه مالها دخل .. بس أكيد تلقين هلها محملينها مسؤولية لي صار .. واحد من عيال عمومتاا ميت .. و واحد في السجن .. ما تخيل حد يموت بسبتيه .. و الله أموت وراه ..!!
راحت دانة تحرر قدميها .. من الحذاء .. و هي تقول ..
- يقولج ان اللي في السجن هو اللي كان خاطبنها أول و ان ابوه خو ابوها بالأم بس .. و يوم الملكة ياها ولد عمها الثاني .. اللي مات .. و هذا ابوه خو أبوها بالاب .. و قصرها قدام الشعب .. و انا اقرب و انا أولى مع انهم اثنينتهم عيال عمها .. خلاااف تناشبوا الشباب بسب و شتايم .. و هاك ذبح ولد عمه بشوزن صيد ..!!!!!
وضعت نورة يدها على صدرها ..
- يالله .. عسب لحظة طيش باع دنياه و آخرته و ذبح خووه ..؟؟
هزت دانة كتفيها ..
- شباااب ..!! ميعاد تعرفها تقول انها تقرب لخوانها من أمها .. سبحان الله .. الرسول نهى عن خطبة المسلم على خطبة خوه .. لكن عدنا هالشي عادي .. ماا ايييوز .. بعض العادات استغفر الله .. تخالف الدين و لا حد من القوم بيقوم يعدلها .. و الا ينهى عنها .. و الأخت الي قاعدة عدالج شعندها ع الكاتم ..؟! من يومين حالها هب عايبنيه ..!!
التفتت نورة بسرعة اتجاه المها التي كانت تطالع الأرض بتركيز شديد ..
ليسعها الذنب مع شعورها بأنهن أهملن المها مؤخرا ..
و مزاج ضيّق لا يفارقها .. كان واضحا دون أن تسأل أحدهن تلك الحبيبة ما خطبها ..
كانت ملاحظة ميعاد بالأمس قريبة للغاية ..
لتقول نورة بخفوتٍ و كأنها تخشى أن تؤذي بكلامها مسامع أختها ..
- و لا عايبنيه .. البنيّة لها يومين متغيّرة صدق .. عنبوه حتى البسمة اللي ما تفارقها معاد تنشاف .. شوه عندها ..
ثم مدت يدها تلتمس انتباها من اختها ..
لتنتفض الأخيرة بفزعٍ و تلك اللمسة تنتشلها من عمق الأفكار التي كانت تتخبط في لجتها ..
فتشير نورة إليها بسبابتها .. ثم تردف بعدة اشاراتٍ تقمص فيها تساؤلها عن ضيقٍ لا يفارق وجهها منذ يومين ..
الملامح الدقيقة المتسائلة برقّة ..
تلتوي ببطء .. في حزنٍ هادئ لم تستطع اخفاءه .. و هي تشيح بوجهها بعيدا عنهن ..
ليمسّ الفزع قلب نورة و دانة .. و هن يتبادلن النظرات .
قبل أن تتجاوز دانة .. جسد نورة المكتظ .. لتنغز المها في عضدها ..
تلتفت تلك لها بملامح مشبعة بالضيق ..
فتلوح دانة بيدها .. و هي تحرك شفتيها دون صوت ..
- شووه بلااااج ..؟؟!
نظرت المها أسفلها .. و التقطت حذائها بيسراها ..
قبل أن تقف على قدميها .. متجاهلة سؤالهن ..
و الدهشة العارمة التي اكتسحت ملامح شقيقتيها ..
تشير لصدرها و رأسها ..
- تعباااه .. بوووح نااام ..
.
.
.
.
و تجرجر أذيال خيبة تكتسحها ..
حتى الليلة لم تره ..!
أ و لم تتملكه لهفة لرؤيتها ..؟!
يوما عن يوم ..
أخذ الحلم يجف ببطء ..
حتى أوشق على التشقق ..!
لو كان نادما .. ليس عليه أن يطيل هواجسها ..
فليأتِ لينهِ الأمر ..
و تلتحف هي الرفض ..
و الاحتضار الصامت إلى الأبد ..!!
* * * * *
افترشت طبقات الفستان الأبيض الناصع الثقيلة .. طرف السرير الذي جلست عليه ..
و يدها المرتجفة لا زالت متشبثة بباقة الورد الأبيض ..
أجفانها المثقلة بكحل أحاط أحداقها انتكست دون أن تجرؤ على رفعها ..
و صوت خطواته يعلو على الأرضية الرخامية .. ليختنق تارة بسجادة ..
و تارة أخرى يصرخ باقترابه ..!
و على الكرسي الطويل المتعرج وصل هو لآخر محطاته ..!
متعبٌ للغاية ..
الليلة سار حافيا على شظايا كرامتهم المهشّمة ..
و أدمت حدّة شرفهم المكسور روحه المعذبة ..
ليبتسم قسرا و قهرا لكل مهنئٍ .. راح يصافحه سعيدا بزواجه من هذه الفتاة ..
و ابتلع مزاح الأصدقاء و الإخوة عمّا قد يحدث بينه و بينها ..
هو الذي قد يقتل نفسه قبل أن تراوده على لمسها ..
جذب - غترته و العقال - بيدٍ واحدة .. يسندها لرأس الكرسي الطويل ..
و لا شيء من أفكاره المظلمة يرتسم على ملامحه الباردة الهادئة ..
لم يستطع حتى استراق نظرة للبهاء الأبيض الماثل أمامه ..
لم يجرؤ على صدم عينيه بها و هي تكتسي نقاءً ليس لها ..
لم يستطع قلبه المنفطر أن يلقي نصف نظرة على حنايا الجسد الذي انتهكته أنفاس ذاك القذر ..
و كأنه سيرى لطخات لمساته تشوّهها ..
صمتٌ مدوٍّ يصدح في الغرفة حولهما ..
و فكرة غريبة تطرأ على رأسه الآن ..
لو كان الآن عريسا حقيقيا ..
متزوجا من امرأة اختارها بنفسه ..
واحدة لم يسبقه عليها الغير ..
فما الذي قد يفعله ..؟ و أي حديث سيلوك أطرافه و اياها .. و أي عناقيد غزلٍ سيقطفها لعينيها ..؟
كيف سيبتدئ ليلته معها ..؟!
بابتسامة حبٍّ واعدة لحياةٍ وردية قادمة ..؟!
أم بكلمة مباركة ..؟!
مباركة ..!!
هه ..
يسند كوعيه على ركبتيه .. و نظراته تنغرس في الأرض لتحفرها .. و تدفن فيها آخر أخيلته الساذجة ..
و صوته الهادئ البارد .. يلجم كل حرقةٍ تشتعل في داخله ..
- مبــــروك ..!!
.
.
.
.
رفرفت أهدابها بهلع ..
و تثاقلت أجفانها .. لتجد أنها تغلق عينيها لخمس ثوانٍ كاملة .. حين داهمها طوفان محرق من الألم ..
راح يجرفها .. فيما تعاند هي للصمود أمامه ..!
إلا أنه يجرها لعمق الوجع المهلك ..
لتشعر بأن جلد الشعور أخذ يتفسّخ .. و ينقشع بوحشية .. أمام بساطة كلمته التي أفجعتها ..!
يبارك لها ..!!
سخرية هي ..؟!
أم تقمص دورٍ ليس له ..؟!!
و بما يفترض أن ترد يا ترى ..؟!
غامت الرؤية وراء سحب الدموع .. التي راحت تنذر بمطرٍ سيهل ملوحة بعد قليل ..
و هي ترفع عينين هزيلة النظرات .. منكسرة الهامة ..
فتنظر لكآبة ملامحه .. و هو يعقد كفيه و يسند جبينه المعقود إليها ..
ما الذي ينتظره منها كرد ..؟!
هل هو جاد في كلمته تلك ..
لم تستطع المخاطرة بتجاهله ان كان جادا فيما يقول ..
و ان كان يسخر منها .. فلن يضريها أن تجعل نفسها محط شفقته الآن ..
و صوتها الهامس يخرج مرتجفا .. و هي تشتت جموع الدموع في مآقيها الذابلة .. و تنكس نظراتها مرة أخرى ..
- الله يبارك فيك ..
و كادت تضحك باكية ..
أو بالأحرى تنفجر بالبكاء ضاحكة ..
لم تعرف لما انتابها شعور هستيري ..
و تلوّت روحها ألما لا يوصف ..
تساءلت ان كان زوج أختها سيشعر بالراحة بعد هذه الليلة ..؟!
هل يشعر بأنه تستر على العار الذي خشي طويلا أن تجلبه لهم ..
و أي شيءٍ بعد هذه الليلة غير مهم ..
لأن ذاك الثقب في شرفهم رتقه وجودها مع أخيه الليلة خلف بابٍ مغلق ..؟!!
هل كان ما جاء منه بالأمس احساسٌ مسّه بالذنب ..؟!
أم أنه لا يكترث الا لأن يطمر بزواجها أي احتمالٍ و لو كان ضئيلا في فضح أمرها ..!!
ترى ماذا سيكون شعوره و هو يراها يوما بعد يوم تحت سقف أخيه .. تستظل بظلّه .. و تستتر بشهامته ..!!
شعرت بالموت يزحف على أوصالها ..
أسودا ..!
بأنيابٍ و مخالبٍ راحت تمزّق عزائمها .. مع صمته المحرق ..
لم تكن ملامحه المتيبسة تبشر بأي تفاهم أو ترطيب قادم لهذه الأجواء القاتمة ..
و شيئا فشيئا .. أصبح التنفس متعسرا عليها بحق ..
رأسه المطرق ..
و خلوّ جوه من أي كلمات قد ينطق بها ..
راح يجتر الدموع من عمق اضطراب مشاعرها المتعبة ..
لتجد أنها تكافح انهيارها ببسالة ..
لم تحب ذاك الانكسار المتألم الذي لاح من خلف صلابته المصطنعة ..
لم تحب أن يجثو ثقل همّها على أنفاس رجل لا ذنب له ..
فتقتل إحساسه بالحياة هكذا ..!
الليلة لم يكن المأتم لها وحدها ..!
روحه لُفت بكفنٍ لتُردم جوار بقاياها تحت أكوامٍ من اختناق ..
فراحت شهقاتها تنفلت بوجعٍ هادر .. و تقّطعت أوصال قلبها الرفيعة ..
و تناثرت الدماء على جدران صدرها ..
لتسيل باستسلام ..
لا حيلة لها أمام كل هذا ..
بالله عليهم ..!!
ليست سوى طفلةٍ يائسة ..
باكية ..!!
أفلتت عنوة ما كان ثمينا و مهما لدى الكبار ..
فتهشّم ..
لأن المهم و الثمين كان ثقيلا لتحمله وحدها ..
دون أن يعاونها أحدٌ على ضعفها أمام أي قوّة قد تفوقها ..!
فأفلتت ما تمسك رغم استماتتها في الحفاظ عليه ..
تهشّم ..!
ليلومها الكل على ما استحال من شظايا ..!
و ها هي الدموع و الظلم الذي يثقل عاتقها يستفردان بها ..
ليدفعاها يأسا لنواحٍ يمزّقها ..
لم يكن ذنبها ..
كانت ضعيفة للغاية ..!
ضعيفة حد وضع نهايةٍ دون ارادة لكل حياتها في تلك الليلة ..!!
أ هي المُلامة ..؟!
.
.
.
.
و على عاتقه تكسّرت هامات عزّتها المتخاذلة ..
و ذاك اليأس الذي أبكاها .. خرّم روحه حتى أصبحت خرقة بالية .. راحت أدمعها تخترق ثقوبها ..
دون أن تترك فيه موضعا للتشبث ..!
هو بدوره أراد البكاء ..
إلا أنه لا يملك بساطة تماكلها ذاك ..
ليفجّر احساسه دموعا ما ان يفوقه الوضع ..
هو يلتوى .. و يحتضن وجعه بين أضلعه سرا ..
ليطلق صراخ ألمه الأهوج صمتا لا يُسمع ..
هذه الليلة لم يكن يملك القوة .. أو الشهامة ..
لم يستطع التظاهر بأنه لا يملك تلك المشاعر الكريهة ..
هذه الليلة لم يكن سوى رجل موجوع ..
مطعون ..
رجل خذلته دموعه التي لم يستطع رشّ النيران المضطرمة في داخله بها .. لتبخِّر انطفاءً ..!
رجلٌ .. أصبحت مآقيه التي رفعها لها جافة ..
و قد أصاب مدامعه قحط عبرات ..
فماتت الأحاسيس على عتباتها ظامئة ..
أصبح حمل ظهره ثقيلا ..
ثقيلا للغاية ..
بشهقاتها التي راحت تتعاقب .. لتمزق مسامعه دون أن يجد في داخله الرغبة في أن يقوم ليواسيها ..
و تهوى مناكبه المثقلة للوراء ..
فيما يميل ظهره ممدا على طول الكرسي ..
و قدماه المنزلقتان لا زالتا تلامسان الأرض ..
يغشى أبصاره الجاحظة بذارعٍ يغطي بها وجهه ..
فيستر ملامحه الملتوية ألما ..
هو لا يملك أن يهدّئ وجعها ..
لأن الهدوء في خضم هذه الآلام التي تعتصر روحه .. آخر ما قد يشعر به ..
.
.
إنكساره !!!
لو تبي ... قول إندثاره !!!
حزن أسود
من يمينه // من يساره
آه والمسكين قلبه
في وهم هم الزمان
عزتي له !!!
حالته ياخوك ... حاله
لاتلومه
ضاع منه راس ماله
وش كثر يتعب..... وهو شايل فـ قلبه
ضيم أصعب
مثل طفل ٍ ... فارق امه ..
من يضمه ؟؟
من الشتات .. منهو يلمه ؟؟
من يعزي ميت ٍ في ثوب حي ..
إنزوى باقصى الظلام ..
ينتظر للنور ..... ضي
أسمعه يصرخ :
أنا من وين أمشي ..
والسهر نايم برمشي ..
مسكين
ماأقسى لحظات انكساره
كل هذا ..
وراح يبحث .. فـ الليالي
عن نهاره !!!****
.
.
ليلة طويلة ستمر بهما ..
وحيدين ..
موجوعين ..
يتجاوران على أعتاب مأساة حياةٍ بأكملها ..
يقتسمان جرحا أعظم ..
يقتاتانه بصمت ..
دون أن ينظر أحدهما للآخر ..!
* * * * *
* كوشة فرحها // عابرة سبيل رحمها الله
** إلى رجل // نزار قباني ،،
*** الناس من يوم الرحيل // عبد الله الملحم
**** انكساره // بركات الشمري
<<
|