لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-08-09, 11:32 PM   المشاركة رقم: 1051
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 146630
المشاركات: 11
الجنس أنثى
معدل التقييم: النرجسية عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النرجسية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بنات القصه فتحوها من امس في المنتدى الأصلي بطلب من الكاتبه..

بس للحين ما فيه بااارت يديد..

مادري عندي احساس انه ليتني بتنزل شيئ قريب..

قولوا آمين

 
 

 

عرض البوم صور النرجسية  
قديم 22-08-09, 05:08 AM   المشاركة رقم: 1052
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
صباحكم رمضاني .. ملؤه الطهر ..
كيف حالكم ،، من صميم روحي أبتهل بأن تكونوا بخير .. جميعكم .. فردا فردا ..
طال بي الغياب .. و أعلم ..
و أعتذر عن ذلك .. إلا أني لا زلت أعيش حالة لجوءٍ إلكتروني مع جهازي التالف ..
ما دفعني لكتابة هذه الخطوة موزعة بين خمسة أجهزة اضافة الى هاتفي ..!
ليس هذا ما يدفعني للتوقف الآن ..
هناك شيء يعربد بين أضلعي .. و أريد أن أبوح به لكم ..
اذا اقترب موعد طرحي لخطوة .. و أخذت أراجعها ..
أفقد السيطرة على نبضات خافقي التي تهيج دون هوادة ..
و الله ان شعورا بالنشوة يمزقني .. لا لطرح الخطوة ..
انما لأشهد انعكاسها على مشاعركم ..!
فأرتقب كلماتكم .. و نبض قلوبكم ..
أبهجني أن نلت شرف وجود عمالقة قلمٍ لم أحلم يوما بأن تحتضنهم أحرفي ..
و أحببت كثيرا ردودا ملؤها بساطة .. و رقة .. أثلجت صدري ..
أحب أن أقرأكم .. و كثيرا ما أعيد قراءة ما تكتبون مراتٍ و مرات ..
حتى ان الخطى ترتد بي إلى العتبات الأولى ألتمس دفء الأولين .. الغائبين ..
و أتسائل بحنين قاتل عن بقاعٍ تحتضنهم ..
أشد على ذكراهم .. و أهمس لهم .. كم اشتقت لعبق ذاك الحضور الأزلي ..
أريد أن أخبركم بأنه قدر ما تنغمسون في هذه الخطوات ..
أجدني أغرق نشوة لمشاركتكم أحاسيسها ..
أحب أن أكتب لكم ..
و أشعر بأن تقصيرا هائلا ينمّ عني ..
و لا يشفع الاعتذار له ..
لكن امتنان عظيم تضيق به أضلعي كلما لمحت تلويحة حبٍ أو شكرٍ من أكفّكم الطاهرة ..
شكرا لأنكم هنا ..
تقرأوني .. و تنقشون على جدران هذه الحكاية وجودكم ..
و أولئك الذي لا زالوا رهن الغياب و ظروفهم ..
هناك ثغراتٍ في الروح حفرت لكم ..
يلفحها الغياب بردا لا ينقطع
.
.
مبارك الشهر عليكم جميعا ..
و أعاننا الله على صيامه و قيامه ..
و بلغنا اياه أعواما و أعوام ..







لكم دوما //
ليتني

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
قديم 22-08-09, 05:09 AM   المشاركة رقم: 1053
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

► الخطـــــــــــــــوة الرابعـــــــــــــــــــة و الثلاثـــــــــــــــــــون◄


║ خطوات نحو المصير ،،║





رفعت عيناها للسقف و معالم وجهها تلتوي بعنف ..
تقضم شفتيها بقوّة .. و الأنفاس تنقطع عن الرئتين ..
شعرت بأنها توشك على فقد الوعي .. حين همست من ين أنفاسها ..
- بسرعة .. حسبي الله عليج .. بموووووت ..!!!!!
أختها بدورها كانت تصر على أسنانها .. و حكايات من عقد تسكن بين حاجبيها .. و هي تلهث .. فيما أصابعها تخذ بألم و هي تستميت لجر سحاب الفستان الذي أوشك على التمزق ..
- صبرج عليه انزين .. حد قالج تنتفخين هالكثر ..
انطلقت صرخة مدوية من حلق نورة ..
- عنلاااااااااااااتج .. يلدي .. صكرتيه ع يلدي .. آآآآآه يا خصري الغالي ..
رمشت دانة .. و هي تعود لفتحه قليلا ..
- سوري .. سوري .. الله و الخصر .. يا الله .. مالنا اسبوع من آخر مرة عدلنا قياس الفستان .. و الله انج تتتضخمين بشكل غير طبيعي .. !!! الله يغربلج يمكن شي فداخلج ينتفخ .. و قابل للانفجار ..
كان وجه نورة المحتبس الأنفاس المحمر من فرط الاختناق عاجزا عن الرد ..
لذلك ما ان أحكمت دانة اغلاق فستانها .. حتى زفرت بقوة .. تستبدل الهواء في رئتيها ..
- انطبي يا اليابسة .. و الله كلمة ثانية تتطنزين بها .. ان أيلس فوقج و اعيفج حليب أمج ..
اتسعت عينا دانة من نبرة التهديد .. و هي تقول بغل ..
- مهب منج .. من اللي يتعب ايديه و يعاونج .. انتي و هالويه الوارم .. شوي و انتي تصارخين لا ينطر الفستان بس ..
تحركت نورة في ضيق الفستان بصعوبة تتوجه للكعب الملقي في الغرفة .. لترتديه ..
و دانة تتوجه للباب بسرعة .. و ذيل فستانها الأصفر .. يتهادى خلفها .. و هي تقول بمكر ..
- لونيه مكانج .. بسير حافية .. ما ظنتيه .. هالكعب بيتحمل وزنج ..
ارتدته نورة و استوت عليه بصعوبة و هي تقول ببرود واثق ..
- بلبسه .. و خليه ينكسر و قدام العرب بطيح .. شوه يخصج انتي ..؟! في ظهرج و الا ظهريه ..؟!
لوحت دانة بيدها و هي تقول ..
- بس عسب ما يقولون العرب .. خت دانة طاحت ..
- ليش العرب يشوفونج أصلا يا الفص ..؟ انتي حاسبي بس لا يدوس حد عليج في القاعة و هو هب منتبه ..!!
- ما يحتاي .. بركب ع ظهرج .. محد بيروم يصكنيه ..
- ليش ختج الناقة ..؟
- لا ختيه الفيل ..
تحركت نورة بسرعة اتجاه دانة .. التي ما ان رأت حركتها حتى هرعت بلهفة اتجاه الباب تنشد الهروب ..
لكن خطواتها ارتدت للوراء .. حين دوى صوت ارتطام وراءها ..
لتلتفت بفزع .. فتجد نورة ممدة على بطنها أرضا و هي تئنّ بألمٍ خفيف ..
- آآآآآآآه .. الله يغربلج ..
نظرت لها دانة بفزع .. و هي تتحرك اتجاهها ..
- بسم الله عليج .. سلمتي .. سلمتي ..
تلوت نورة و هي تمسك ببطنها ..
- آآآآآآآآآآآآآمممممم .. يا بطنييييه .. ما حب أطيح ع بطني .. أحس انيه بموووت ..
رفعت دانة حاجبها تكتم ضحكتها باستماته ..
- شووه ..؟! مجربة من قبل ..؟!
- لا بس شكلي بجرب أطيج عليج ..
لم تستطع دانة مسك ضحكتها التي انطلقت بقوة ..
- ههههههههههههههههه .. ههههههههههههههه .. و الله قلت لج .. ما بيتحمل وزنج .. انكسر كعبج ..؟!!
تأوهت نورة بوجعٍ ..
- لا انكسر قفصي الصدري ..
- برايه .. زين اللي سلم الكعب ..!!
صرخت نورة التي تسندت براحتها تنهض بثقل..
- حسبي الله عليج .. يا رب اتطيحين ع استيج الكوشة و انتي تنزفين فليلة عرسج قدااام الخلق كلهم .. أشوف فيج يوم يا دندن ..
نظرت لها دانة بفزع ..
- عنلاااتج .. شوه هالدعوة الخايسة ..
اتكأت نورة على كوعها ..
- تعالي ساعدينيه ..
نظرت لها دانة بشك ..
- أخاف تضربينيه ..
- ما بظربج ..
- حلفي ..
- و الله ما بظربج .. يا الله عاد .. وايد عالي هالكعب .. اخاف صدق بنكسر ..
تقدمت دانة اتجاهها .. و الشك لا يفارق ملامحها ..
- تراج حلفتي بالله .. و انتي ما ترومين تحرمين كرشتج عن العيشة ثلاثة أيام عسب تظربينيه ..
- تعالي .. و الله ما أظربج ..
مدت عندها دانة يدها .. تساعدها على النهوض ..
و نورة تتأوه بألم ..
- ركبتيه تعورنيه ..
قطبت دانة بقلق ..
- يمكن انكسرت ..
- انكسرت بوقف عليها ..؟! شوه هالذكاء .. و داخله علمي بعد ..!!
زفرت دانة و نورة ترمي بثقلها متعمدة على دانة بحجة مساعدتها ..
- شدرانيه بج .. عاد الي يشوفج .. و انتي عافدة ع الركبة المسكينة يقول مستقصدتنها .. و الله اني رحمتها ..
زادت نورة بثقلها على دانة ..
- انزين لا تكثرين التعليقات .. لنيه أستثقلها .. و أحس انيه ما روم أشل عمريه وياها ..
تأوهت دانة ..
- حسبي الله عليج .. ليش انتي تشلين عمرج اصلا ..؟ أحس انيه شالتنج ع ظهريه ..!!
تجاوزن الباب يتجهن للغرفة المخصصة لعفرا ..
فتقرع دانة الباب .. و هي تدفع نورة عنها بجهد ..
- اصطلبي عاد مصختيها ..!!
أغمضت نورة عينيها ..
- لحظة لا تبطلين الباب الا يوم أقولج .. يا الله بطليه ..
فتحت دانة الباب ..
لتنزلق نظراتها عبره ..
فينتفخ قلبها لمرأى العذوبة المتجسدة أمامها .. فيما نورة المغمضة عينيها تسأل من ورائها ..
- عفرا قداميه ..؟!
لتهمس دانة بانبهار ..
- هيه ..
- أبطل عيونيه ..؟!
- بطليها ..
و ببطء شديد فتحت نورة عينيها .. لتقتحم الرؤية ..
صورة ذاك الغصن اليانع الندي الذي انغرس في غيمة ربيعية ناصعة ..
بدا و كأن للأبيض وهجٍ يشع من ورائها .. أعمى الأبصار ..
لتدفع نورة دانة بعيدا عنها تتقدم لعفرا التي رفعت رأسها اتجاههن بصمتٍ آسر ..
تتقدم منها ببطء .. و هي تهمس بدمعة سدت مجرى الهواء في صدرها ..
- ما شا الله و لا حول و لا قوة الا بالله ..
تقدمت دانة ورائها .. بقلبٍ مرتجف .. و رؤية وجهٍ آخر سيتملص الليلة من قربهم .. تؤلمها ..
و حاولت مستميتة دفع المرح في صوتها .. و نورة تجلس ببطء على مقعدٍ مجاورٍ لعفرا ..
- لو سمحتي شفتي ختيه ..؟؟ ناقة صفرا .. لنا سنة ما غسلناها ..!!
لتزاور شفتي العروس المتصلبة شبح ابتسامة ..
.
.
شبح ابتسامة فقط ..
لأنها كانت أبعد ما يكون في تلك اللحظات عن حضورهن الدافئ ..
و وجوههن تعيدها لحيث كانت تدس روحها منذ قليل ..!!
.
.
.
.
.
.
.
ضحكات صافية ،،
رنّانة ،،
لون الجدار الأبيض المتشقق ،،
و خط فحمٍ متعرجٍ حائل .. كان يرسم قصيدة مجهولة الاحساس عليه ..!
كانت الأرضيّة الحجرية الملساء داكنة اللون .. و قد افترش عليها بساط أحمر اللون ..
السماء الغائمة أنذرت ببشائر هشة ستمطرها على الرؤس المتقاربة في ذاك - الحوش - الضيق ..
و شمس خائبة حُشرت وراء تزاحم الغيوم الرماديّة التي أطلت لهفة لتطالعهن من السماء ..!
فيما تباهت نسائم البرد بتغلغل أنفاسهن .. و الاندساس في طيات ملابسهن ..
تلتف في أحضانهن ..
و تلفح وجوههن المتوردة ..
لترفرف الأهداب .. و تتسارع الأنفاس ..
كانت هي التي علّقت وكوب شاي ساخن يتصاعد بخاره بكثافة من كوبها ..
فيما تبعد يديها بمداولة لتلصقها بخديّها المتجمّدين تدفئهما بأثر حرارة الكوب ..
و تقول مرتجفة ..
- الله يستر كان ما بتظربنا زكمة عقب طقوس البوذيين هاي ..!! بموووت من البرد .. خسكن الله ..!!
كانت دانة تلهث من فرط البرد الا أن التصميم بدا في عينيها ..
- ما ترومين تتحملين ..؟ نحن البرد عدنا بس اسبوع في السنة .. و الباقي نار و شرار .. تذوقج مرار ..
كررت نورة التي انطوت بطريقة عجيبة على نفسها ورائها ..
- مرار .. مرار .. فاااه فاااه ..
قطبت دانة ..
- شوه فاااه هاي بعد ..
رشفة طويلة شفطتها نورة من طرف كوبها .. قبل أن تزفر متنهدة ..
- صح لسانج بالهندية ..
- حسيتاا سبة فرنسة ..!! المهم .. فطوم علومج ويا آآآ .. آآآآ ...
و غمزت بعينٍ متآمرة لها .. لترفع فاطمة التي كانت تدفن وجهها بين ركبتيها و تتوسط المها و حور رأسها ..
و هي مقطبة .. تسألها بارتجاف ..
- منوه هااي آآآآ .؟؟ عنزة زانطينها ..
- أونج تنكتين ..؟؟! أطري آممم .. آممم ..
نظرت حولها متأففة بضيق مصطنع ..
- و ردت توِن .. شي قارصنج ..؟!
لوحت دانة بيدها ..
- أطري الحب الأول و الأخير .. العشق الأزلي .. عنترة بن عنتر .. قصدي .. خلّود بن عنتر ..
ضاق ما بين حاجبي فاطمة .. و هي تقول ..
- عنترة يظهر من قبره .. و ايّز هالكشة بظربتي سيفن واحدة .. أيتها الشمطاء ..
كانت حور من تكلّمت قبل دانة .. تنظر لأختها بغيظ .. و هي تقول بصرامة ..
- عن السوالف الماصخة .. و ثمني رمستج ..
زفرت دانة تلتصق بالمها و تنظر لعفرا متجنبة وجه حور ..
- شوه قلت أنا ..؟! الا نسولف و نمزح ..!!
قالت حور بانتقادٍ لاذع ..
- امزحي في غير هالسوالف .. شوه عليج من الريال تطرينه .. و الله لو يدري ابوية .. ان يدوس رقبتج ..
أشارت فاطمة مقاطعة بسبابة ترفعها للسماء .. مستشهدة بنبرة درامية ..
- حتى الموت .. و بعدين صادقة حور .. شوه عليج من الريال ..!! لو تصفر أذونه الحينه .. بيقول فطوم تطرينيه ..!! و انا حليليه .. يالسه فحاليه .. الا بعض العرب .. ما يشوفونيه الا و يطرونيه .. يمكن خاطرج فيه يا دندن .. و متغيظة لن خاطبنيه و لا عبرج ..
رفعت دانة حاجبة .. متجاهلة تحذيرات حور للتو ..
- وليك ما فشرتي .. انا دانة بنت حمد .. أجمل بنات العالم .. اللي ملايين يرقبون منيه بس نظرة .. أفكر مجرد التفكير إن ذات ثنق كول بيين آآنتر ..؟؟!! نفر نفر .. دونت كير .. قو قو قو .. أوليه أوليه أوليه ..
قطبت هي لتتدخل بنبرة باردة .. و حاجبٍ منتقد ..
- شوه هاي أوليه ..؟ من وين يبتيها .. تعرفين شوه تعني هالكلمة ..؟!
- ياتكم عبقرية زمانها .. يعني انتي اللي تعرفين ..؟
- لا ما أعرف .. لكنيه ما أقول كلمة ما أعرف معناها ..
تدخلت حور . و هي تضع كوبها الفارغ ..
- لااا هاي دندن .. بتموووت .. لو ما قالت كلمة قبل لا تفكر فيها ..!!! دوم تخورهاا ..و الله أحسها فيوم بتزل قدام أبوية .. و بيلعن خيّر اللي يابوها ..
رفعت نورة يدا مرتعشة كمن يطلب الأذن من مدرسة ..
- عفوا أخت حور .. و لكن كيف يلعن الشخص خيّر اللي يابوا ولده .. أ ليس هو اللي يابه ..؟! ما هو ردّك على هذا الاعتراض ..؟ نرفض قطعا مطعا أن تلتفتي لفطيمة الشيفة أم شعر ليفة لتستشيرها أو تستعيني بها .. و للفريق الآخر .. حق نشع عقصج بو أرايل في حال عجزتي عن الرد خلال ثانية .. تك .. خلصت الثانية .. مطي العقص بو أرايل يا دندن ..
نظرت حور لدانة بعينين محذرتين ..
- ياااا وييييلج .. و الله لااا أسدحج .. و أرفسج ..
نظرت دانة لها بعينين ضيقتين ..
- عنبوج من بنت .. ما فيج ذرة من الأنوثة .. شوه هالدفاشة .. الله يعين ريلج عليج ..
قبل أن ترد حور كانت نورة تتأوه متألمة ..
- آآآآه .. فطوووم تعور و الله ..!
انكمشت ملامحها اثر قرصة فاطمة التي رفعت رأسها بشمم ..
- تستحقين .. عيل أنا شيفة و أم شعر ليفة ..!! و بعدين حور قمّة في الأنوثة .. قمّة في الرقة .. نحن بس مظهرينها هنيه .. لن الجو بارد .. و الا كان ساحت من زود النعومة ..
همهمت عفرا بسخرية ..
- ما يحتاي .. انتي شوفي الأرايل و تعرفين النعومة .. و بعدين اذا حور نعومة .. المها شوه تطلع ..؟!
نظرت حور للمها بعين ملؤها الحب ..
- أنا أتنازل عن أي مدح للمها ختيه ..
لترد نورة بحالمية ..
- الآنسة المخملية ..
ثم ربتت على كتف المها .. بحماس .. و مكر .. لترفع المها عينها عن شفتي حور .. بعد أن كانت تقرأ ما تقوله في حركة شفتيها ..
و استدارت لنورة .. التي أشارت بيدها .. و صوتها الصاخب .. يجاهد لبلوغ سمع أختها ...
- حوووووور تقووووووول .. المهاااا شعرهاااا آراااايل ..
قطبت المها قليلا قبل أن تستدير ناظرة لوجه حور .. تلتقط نظرتها لتبتسم بهدوء .. ثم تجيب .. بصوتٍ ناعم و أحرفٍ مهشّمة .. فيما يدها تلتمس حنجرتها .. و زلزلة الحروف التي تؤكد لها أن خرجت ..
- لااااا حواااي مااا قاااااات .. أكذبيييين ..!!
قالت دانة بابتسامة كبيرة ..
- خيبة يا الثقة .. أنا شفت أرايل حور أرسلت ذبذبات للمها ..
رفعت حور عينيها بجبين معقود في محاولة فاشلة للنظر إلى مقدمة شعرها ..
- بلاكن أرايل .. أرايل ..
ثم ربتت على شعرها ..
- ما شي أرايل .. الا كان شي نط من الروعة .. حتى شعريه .. يخاف يوم يشوف هالأشكال ..!!
ردت دانة بسرعة ..
- الأشكـ ...........
و قفزت من مكانها و هي تلمس خدها المتجمد و ترفع عينها للسماء ..
- مطرة .. مطرة .. و الله العظيم مطرررررة توها طاحت ع خديه .. مطاااااااااااار .. يااااااااا ربييييييه .. مطااااااااار ..
أثناء كلماتها تلك كانت القطرات الثقيلة .. تهوي بقوّة من السماء الداكنة .. لتتعاقب فجأة في ثانيتين .. بقوة .. و تنهمر بعنف ..
فيقفزن جميعا من أماكنهن .. و حور تحاول بسرعة مجنونة جمع الأكواب لتضحها في الصحن مع الابريق و تحملها جريا عبر الأرضية الزلقة المليئة بالماء تريد الدخول إلى الصالة حيث سبقتها نورة و فاطمة .. فيما هرولت المها ورائها .. و الأولى تصيح في عفرا .. و دانة ..
- لفّن الزولية قبل لا تتخيس ماااي .. حطنهاااا تحـ ..........
و وجدت أنها تطير انشا واحدا بشكلٍ أفقي .. قبل أن تحط على ظهرها بعنف .. فيما الصحن الذي كانت تحمل ينقذف جوارها .. حين دفعته عنها برد فعلٍ سريع .. خشية أن يحرقها ..
صاحت فاطمة بخوف .. و المها تضع يدها على فمها بصدمة .. و لم تعد تبالي بالماء الذي يغرقها ..
في حين تجاوزنها عفرا و دانة جريا .. غير مباليات بتعليمات حور للتو .. او تمددها على الأرض بفمٍ مفتوح راح يستقبل قطرات المطر ..!!
فاطمة و نورة .. كن في وضع التشقلب إثر الضحك الذي أصالبهن من منظر حور و هي تسقط .. و الأخيرة تونّ بوجعٍ حقيقي .. و المها .. تتقدم بخوفٍ من أختها الكبرى تساعدها على الوقوف ..
- آآسم الله .. حووو .. آآآوووااش ..؟!!
تئن حور بألم حقيقي .. و عينيها تضيق على الوجهان اللذان انضما لموجة الضحك .. و تهز رأسها نفيا .. كي لا تقلق أختها .. فيما تتوعد دانة و عفرا .. بصوتٍ موجوع .. و هي تقف على قدميها .. متجاهلة حطام الصحن و الابريق الذي اندلق على الأرض .. و بضع كؤوس مهشّمة .. تتقدم إلى الصالة بخطى معوجة .. مضحكة ..
- يا السبالات .. ما دخلتن الزولية ..؟!! يوم بتخيس ريحتاا من ماي المطر .. و الله .. و الله .. و هاي حلفة .. ان محد بيغسلها غيركن .. و انتي يا نوير بتغسلين الجاهي و تكنسين اللي انكسر ..
حُشرت ضحكة نورة في حلقها و هي تعترض ..
- لا و الله ..! هب أنا اللي طيحتهاا .. مادري ع شوه تربعين .. اظاهر صدقتي انج بتذوبين خاري ..
دفعتها حور بيدها و هي تدخل للصالة .. و تقول بغلٍ شديد ..
- بندن باب الصالة .. المطر خيس المكان ..
أغلقن باب الصالة لتعم ظلمة نسبية لا ينيرها الا ضوء النهار الضعيف الذي اخترق زجاج النافذة المغلقة .. و دانة و فاطمة و عفرا لا يتوقفن عن الضحك فيما حور تنظر لهن بحقد .. و فاطمة تقول بصوتٍ متقطع من الضحك ..
- و الله حور .. شكلج يموووت من الضحك ..
جلست حور في أقرب مكان تملّس أسفل ظهرها بألم ..
- حسبي الله عليكن . و الله ان ظهريه انكسر ..
انفتح باب الغرفة القريبة اليت كانت تضم الفتيات جميعهن .. ليخرجن منها مزنة و هند .. يتسابقن .. و الأولى تصيح بحماس ..
- حوووور .. مطرررر .. مطررررر .. و الله مطرررر .. سمعته يظرب المكيف .. حوووور .. ابااا أظهر ألعب قبل لا يوقف المطر ..
عقدت عفرا جبينها ..
- تلعبين وين يا الخبلة .. بيذبحج البرد ..
هزت دانة رأسها و هي تتوجه للمطبخ ..
- نحن نتمنى المطر .. و نفرح يوم ايي .. و نيلس نناقز تحته ما تقولين غير سبلان .. و العنقريز .. كل يوم المطر عندهم . و يشردون منه ..
قالت حور التي وقفت على قدميها تزاحم أخواتها و فاطمة على النافذة اليتيمة لمراقبة المطر الذي كان يزخ بغزارة ..
- نحن مطرنا غيث .. و رحمة من رب العالمين .. هم مطرهم لعنة عليهم ..
أطلت دانة برأسها من المطبخ .. و هي تستفسر ببراءة كاذبة ..
- غيث منوه ..؟! ريلج ..؟
لتلتفت حور مجفلة .. و هي تقول بكراهية ..
- الله يقطع هالطاري الأسود ..
قالت هند برجاءٍ هادئ ..
- حور نحن ما نشوف المطر .. وايد زحمة .. بنظهر عند باب الصالة ..
- لا فديتج .. بيدخل المطر و بيخيس المكان ..
- بنحط مناشف .. و الا الزولية لي عند باب المطبخ .. دخيلج حور ..
- برد .. برد حبيبتي .. عفاري خوزي مناااك .. خلي هنودة تشوف ..
تنحّت عفرا لتندس هند بين حور و المها .. فيما تتذمر فاطمة ..
- الحين متى بيوقف المطر ...!!! لااازم أرد البيت .. اماااية بروحهاا اهنااك .. غير ان السكة بتغدي مطينة بالقوو ..!!
ردت نورة متنهدة ..
- الحين يا المتشائمة .. اتشوفين رحمة ربج .. و تقولين مطينة و مادري شوه .. و الله ما شي مطين غير راسج .. الناقة .. شوه الأجواء عندج ..؟!
كانت عفرا الطويلة بعض الشيء .. تسترق النظر عبر النافذة من خلفهن ..
تتجاهل نورة .. و هي تسأل حور ..
- حور بطلي الدريشة .. خلي الهوا يحدر ..
قطبت حور بتردد ..
- لا برايها خلنها مبندة أخير .. بيخيس المطر الصالة ..
مدت عفرا يدها .. تفتح النافذة ..
- ان تخيست أنا بغسلها .. بس خلينا نشم ريحة المطر ..
و انزلقت النافذة العتيقة الضيقة .. ليدخل فوجٌ عذب من الهواء البارد المنعش ..
نسيم مبتل .. تغلغل أرواحهم .. بأجمل رائحة قد تُبث في رئة مخلوق .. لتعب صدورهن الأنفاس بنهم .. و شظايا غير مرئية من الثلج تنزلق إلى اجوافهن من البرودة المنتشرة ..
ضمت نورة نفسها مرتعشة .. و هي تهمس بانبهار ..
- سبحااان الله .. سبحاااان الله ..
و أغمضت هي عينيها للحظات ..
تختزن هذه الثانيتين الصافيتين بين أضلعها للأبد .. و تمنت لو تلتقط قطرتي مطر .. لتزرعها بردا في مآقيها .. فتنعشها حلما حلوا .. برائحة البشائر ..
أجسادهن تلتحف القرب ببعضها دفئا .. تلتمسه كل واحدة في ظل الأخرى ..
و صوت مزنة الطفولي يعترض ..
- حور .. حور شلييينيييه .. أبااا أشوووف المطر ..
لترد حور بصوتٍ متأثر .
- ماااروم فديتج .. ظهريه يعورنيه .. تونيه طايحة عليه ..
ضحكت نورة باحساس مختلف .. و رذاذ المطر الذي ارتطم بوجوههن .. يخترق جلدها ليسري عبر عروقها .. فيزرع في قلبها نشوة لا تضاهى ..
كانت تذمرات مزنة مستمرة .. و باب المطبخ يفتح .. و دانة تهرول بره .. تتجه إلى باب الصالة المغلق ..
و هي تصيح بحماس ..
- الله يغربلكن بغيت أنسى ..
كانت تحمل - طاسة - متوسطة الحجم .. و فتحت باب الصالة على اتساعه دون أن تكترث لصرخة حور الفزعة المعترضة ..
- لاااااا تبطلييين الباب ..
خرجت دانة دون أن تبالي بالمطر .. لتركض بخفة إلى منتصف - الحوش - و تضع - الطاسة - .. ثم تعود بجريٍ حَذر .. كي لا تنزلق .. تتجاوز بقايا آثار سقطة حور بضحكة رنانة .. و منظر حور و هي تنزلق يعاد في مخيلتها .. فيما تقف مزنة بعينين واسعتين لامعتين على باب الصالة ..
تنظر بفرحٍ للمطر المنهمر .. و دانة تدفعها للداخل و تغلق الباب وراءها لاهثة بخدين محمرّين .. و أنفٌ زهري ..
تداهمها فاطمة بسؤالٍ متعجب ..
- شوه تبين بالطاسة ..
لتجيب دانة ببساطة متقدمة نحوهن ..
- أجمع مطر ..
- شوه بتسوين به ..؟
- بشربه ..!!
اتسعت عينا فاطمة بصدمة ..
- أخيييييييه ..!! الله يكرم النعمة .. خبلة انتي .. المطرة الين توصل القاع .. لمّت وياها كل غبار .. و كل دخان .. و وصاخة .. و انتي تشربين نصخ العرب .. أععع ..
- من شكلج .. نعمة ربيه هاي .. و بعدين ما أشربها .. الا أختبر غبائج .. و طلعتي شرات ما توقعتج ..
رفعت فاطمة حاجبا .. تنظر لحور ..
- ختج هاي .. مول ما تحشم حد .. ما تقولين غير نحن أصغر عيالها ..
لكن حور تنهدت بحسرة .. دون أن تكترث بجدالهن ..
تطالع المطر عبر النافذة ..
- ليتنيه سرت ويا أميه صوب أميه عذيجة ..
.
.
.
.
هي التي فاق في داخلها .. إحساس نديٌّ بالفرحة .. أي شعور آخر ..
تمنت لو تتوقف الحياة هنا ..
يحتشدن جميعهن قرب النافذة ..
حتى مزنة التي جذبت متكأ لتقف عليه و تتطاول كي تصل إلى النافذة ..
أصواتهن المختلطة بنقر المطر .. و صرير الريح الذي راح يقرع الأبواب و النوافذ ..
و طوفانٌ من النقاء راح يجتاحهم برودة ..
يلفهم في فقاعة شفافة ..
من سحر ..!
.
.
.
.
و هنا ..!
الآن ..
في أبعد ما يكون زمانا و مكانا .. عن بقعة الصفاء المختبئة في روحها ..
تمنت لو كان بامكانها دفع أيامها الماضيات .. و سنين عمرها القادمة ..
لتحظى فقط بتلك اللحظة مرة أخرى .. و أخيرة ..
و تموت بعدها ..!
فلا تبالي ..!!

* * * * *

أصبح الجو كثيفا ..
هلاميا .. زلقا ..
شيئا لزجا .. كريه ..
يستعصي على رئتيه ..
و ازدحام المدعوين في وسع القاعة الشاسعة يجثم على صدره ..
يرى فرحة شريكه في هذه الليلة ..
يهجة سيف تصرخ في مآقيه .. و توشك على الوثب .. لتتراقص أمامه ..
فيما تتراقص أحاسيسه على صفيحٍ محرق من أسى ..
و لوعة تكوي روحه و هو يطالعهم ..
تتلقف كفّه أكفهم المهنئة ..
و كم من - دقة خشم - أتته تبارك له هذا الاحتضار البطيء ..
و حين ينتهي هذا الاحتفال المبهرج ..
سيعودون إلى بيوتهم .. و يتوسّدون التعب .. و يناموا ..
أما هو .. فسيختار مقعدا .. ليجلس على جمرٍ يشوي قلبه بهدوء ..
و ينظر إليها .. تتحرك أمامه .. تتكلم .. تنام .. و تعيش أيامها تحت سقفه ..
فيما يغرق هو مع كل لمحة تتبين له ..
و ملايين الأفكار تنحره ..
ليتسائل ان كانت يد ذاك النجس قد طالت هذا الجزء منها ..؟ أم لامست ذاك ..؟
كيف غلبها ..؟ أو كيف وصل لها بالأصل ..؟!
هل استسلمت بسرعة ..؟ أم قاومته حتى الرمق الأخير ..؟!
و أي فكرة تبادرت لذهنها حين كفت يديها .. لتفلت شرفهم ..؟!
و من أعمق أعماقه .. تسائل ان كان قد تبادر إلى ذهنها فكرة أن تنهي عارها بيدها .. و تنتحر ..؟!
يا الله ..!!
كم هي مريحة فكرة أن تكون قد انتحرت .. قبل أن يعلم أي أحدٍ بعارها ..
لتُدفن حكايتها القذرة معها .. فلا تبلغه ..
لتقتله ..!!
صر على أسنانه .. و كل الوجوه حوله تصرخ بفرحةٍ ليست له ..
هل سيصبر ..؟
أم أن نفاذ احتماله يدنو ..؟!
سحب نفسا عميقا .. يلتقط خشونة ملامح أخيه الأكبر بوقفته المتكبّرة .. يجاور جدّه كعادته ..
برودة كريهة تعلو وجهه .. و هو يطالع الحفل حوله بسخرية مختبئة ..
استطاع هو أن يلتقطها من مكانه .
مما يسخر ..؟! أ و ليس سعيدا بالتخلص من عبئها الليلة ..؟!
أم أنه مستمتع برؤية كل هذه الأعداد الهائلة تخدع بفرحة زائفة ..
و بعيني فهدٍ أسود كبير متحفز .. أحس اخاه بمراقبته الصامتة .. ليدير عينين حادتين له ..
فيلتقي نظراته الصامتة .. بأخرى موجوعة بغضبٍ دفين ..
فيستحيل صمت الكبير لتحذير باردٍ .. و هو يرفع حاجبه الغليظ ..
ليجد أن التحدي يقفز إلى عينيه .. و هو يلوي طرف شفته بسخرية ..
لطالما اعتاد أخاها هذا أن يكون صاحب القرارات الأول ..
و تعلموا هم القبول و الخنوع تحت هيمنة سيطرته ..
لكن هنا ..
كان هو وحده صاحب السيطرة على الموضوع الذي خرج من بين يدي ذاك مذ وقّع عقد زواجه بها ..
ليضمها تحت جناحه .. و يستر باسمه فضيحتها ..
و تلوى شيء عنيف في داخله .. و ألم حاد يضغط على قلبه ..
في كل ثانية تقفز الفكرة إلى عقله ..
عاجز عن تناسي الأمر أو التلهي عنه و لو لثوان ..
.
.
.
.
في سماء القاعة .. دارت البندقيّة الآلية حول نفسها رأسيا عدّة مرّات و هي تهوي بقوة للأرض .. ليتلقفها هو دون جهدٍ بيده ..
مبتسما ابتسامته البيضاء الكبيرة .. يحبس قهقهته ..
يحب هذه الأجواء كثيرا ..
التجمعات الشبابية .. استعراضات الشباب في - اليولة - ،، الفرح الذي يسكن الأجواء ..
و الذي اضطرم في صدره ليملأه بهجة خالصة ..
فاليوم تزف أخته الكبرى .. و شقيقه أيضا ..
قلما يفرح باربعةٍ معا ..
تنفس بفرحٍ يأخذ دورة أخرى .. يجاري فيها جموع المتحركين من الشباب ..
و - العيالة - التي كانت بدون موسيقى فقط بايقاعٍ دفيٍّ مميز .. لا تفسد أجواء الفرح أو تقلل من الحماس ..
اذ لا يبدو أن أحدا من الحاضرين ترك غياب الموسيقى يعيق استعداده للانضمام الى جموع - اليوّيلة- ..!
التقى في دورته هزاع الذي انضم اليه يجاريه في الرقص و يحمل بدوره سلاحا .. و ينفخ صدره بغرور .. و هو يستعرض مهاراته في - اليولة - ،،
صاح أحمد يرفع صوته فوق مستوى الأهازيج الصاخبة ..
- لو شي كيمرة فيديو الحينه .. هب كانا يالسين نرزف و داقين يابس عندها .. عليه طلعاات الارهااابي ..!! خرب علينا .. كم سنافيّة ودّها بالشوفة ..
ابتسامة هزاع المتباهية تلاشت فجأة و هو يتذكّر شيئا ..
- اقطع .. و طالع امنوه حاظر .. اهناك .. اهناك .. صوب الزحمي ..
تلفّتت عينا أحمد دون أن يتوقف عن الرقص .. لتتسع حدقتيه بخفة مندهشا ..
- يعنبو ذا الويه و الله ..!! امنوه مسود الويه لي عزمه ..!!
رد هزاع و هو يلتقي نظرة الرجل المتحدية التي أتته من بعيد .. و كأنما شعر بأنهما يتحدثان عنه ..
ليرفع حاجبا مزدريا ..
- ولد عمه يشتغل ويا سيف في الشرطة .. و عازمنهم الاثنين ..
شهق أحمد بصدمة .. و كاد يتوقف في منتصف الرقصة .. و هو يقول بجزع ..
- عنلاااااتك .. و تقولها ببرود ..!!! ولد عمه ويا سيف خوك ..؟؟ هب بعيدة ايقوله عناا ..!!
.
.
.
.
نظرة كرهٍ قاتلة ..
منبعها حبّ اللعبة المدمرة ..
ذاك التطرف جعل المشاعر بينهم أكثر شراسة مع احتقارهم له ..
لذلك لم يكن يطيق الترابط الوثيق بينهما ..
و أسر في داخله بأمنية مستحيلة ..
هي أن يجد احدهما يوما يتخبط دون الآخر ..
و أمنية أكبر و أهم ..
هي أن تطمس رؤوسهم بأعناقها المتطاولة في وحل الهزيمة ..!
و الذل ..
ليشهد هو - مصبّح شوماخر- ..
بعينيه .. المرارة و هي تتآكلهما ..

* * * * *

- عصير ..؟!
اخترقت الكلمة التي ارتفعت فوق الضجيج مسامعها .. و كأس زجاجي ملؤه سائل أصفر ثقيل ،، تقاطر عن ظهره الندى البارد .. يوضع أمامها ..
لترفع عينيها الواسعتين إلى الوجه الباسم الذي جلس جوارها ..
ثم تنتكس أهدابها الطويلة التي أثقلت بالكحل إلى الكأس مرّة أخرى ..
الصوت المفعم بالحيوية يأتي مرة أخرى مرتفعا .. غير آبهٍ بمن كان يجلس على الطاولة غيرها ..
فيما يعلو صوت مكبرات الصوت على أحاديث الحاضرين الذين توزّعوا على الطاولات المستديرة في وسع القاعة ..
- مارلين مونرو .. شهالتكشيرة اللي كبر راس سيفان خوية ..!! عنبوه ناقعة حَمَار .. و مدحناج من شوي .. و انتي ما فكيتي هالعقدة .. غادية أخس عن مزنوه ترى ..!
تثاقلت أهدابها الحالكة حتى عانقت بياض خدها الثلجي ،،
و يدها الرقيقة المرتعشة تمسح فستانها شديد الحمار الذي ارتدت ..
و هي تهمس بشفتين صبغتا بلونٍ قرمزي صارخ من بين أسنانها ..
- دانة .. يوزي عنيه و الا بزوع فوقج ..!
تراجعت دانة في مقعدها و هي تقول باشمئزاز ..
- الله يغربلج .. زوعي فوق نورة .. حضنها أكبر .. غادية اسفنجة قابلة للامتصاص ..
رفعت حور نظرة غيظٍ حقيقية لها .. قبل أن تشيح بوجهها و هي تطالع المدعوين الذي ملأو القاعة بشكلٍ خيالي مزدحم ..
شعرت بأنهم يجلسون على صدرها المثقل ..
و أن ملايين الحركات تتعاظم في عينيها لتصيبها بالدوار
رائحة البخور راحت تخنقها..
نظرت لكأس العصير مجددا ..
و معدتها الفارغة تتقلص بقوة ..
هل تجرؤ على ملئ فراغها به ..؟!
و باحساسٍ معدوم التقطت الكأس ترتشفه في جرعة واحدة طويلة ..
لتشعر بثقل المانجو ينسل في مريئها ببطء ..
و دانة تمرجح رأسها في حركة تمثيلية ..
- أقول يا بو الشباب .. ما تبا مزّة ..؟ أصب لك واحد بعد ..؟!
كانت رغم سخرية دانة .. تشعر حقا بأن الضيق يسكرها .. و يدير رأسها ..
و هذه الأصوات تتعاظم في داخلها .. حتى توشك على اصابتها بالجنون ..
هي متعبة للغاية ..
رغم ذلك تكافح لرفع رأسها .. و مطالعتهم .. و الادعاء بأنها على مايرام ..!
تجاهلت دانة .. لتطالع ميعاد الجالسة إلى جوارها ..
تسألها بزفرة .. و صوتٍ لا يكاد يسمع مع كل هذا الضجيج ..
- شفتي عوشة ..؟!
ضيقت ميعاد أجفانها التي تناثر عليها لون أزرق لمّاع .. و هي تميل برأسها .. و ترفع صوتها ..
- شوووه ..؟!
سحبت حور نفسا عظيما قبل أن تعود لترفع صوتها ..
- عوشة .. عوشة .. شفتيها ..؟؟! ما كنتي تبين تشوفينها ..
نظرت ميعاد لطاولة قريبة .. تتأمل الشابة التي استرخت في ثوبٍ ذهبي ،،
أنثى مذهلة بتفاصيلها ،،
الثوب الذي إلتف على مفاتنها ليبرز جسدا أقرب للكمال .. و عريّ كتفيها .. و شيءٌ من ظهرها ..
جعلها تبدو غير محتشمة بتاتا أمام بنات حمد .. اللواتي انضممن إلى طاولة ميعاد ..
ذاك الجمال الذي نُحت برودةً .. زحف منذ ساعتين من أمام طاولتها .. دون أن يلقي نصف نظرةٍ عليها ..
رأتها بعينها ..
تسلّم على الفتيات عند المدخل حين أقبلت ..
ببرود كما توقّعت .. انما كان سلاما على الأقل .. و هذا ما لم تحصل هي عليه ..!!
لذلك لم تستطع الابتسام و هي تجيب حور بفتور ..
- شفتهااا .. صدقج .. ملكة جمال ..!!
هزت حور نحول كتفيها .. و هي تقول بذات اللهجة ..
- بس مغرورة ..!
لتحني ميعاد أطراف شفتيها .. و ترد ..
- يحق لها ..!
- سلمتي عليها ..
غرست ميعاد نظراتها في عمق أحداق حور .. و هي تردّ بألمها الذي لا يخفى ..
- لااا ..!
فتمد حور يدها تربت على كف ميعاد ..
- برايها .. انتي هب محتاية سلااام حد .. لي يباج .. يدل مكانج .. و الباقي ما يسوى ماطاج ..
بلى .. أحتاج و الله ..
و بيأس ..!
لأي التفاتة و لو كانت مشفقة .. من عائلتي ..
أريد أن أعيش قبولا ..
لا يأتي ..!
.
.
.
.
شعرت بنعومة الثوب تلتصق بنواحي جسدها ..
و أكوامٌ من المساحيق تثقل بشرتها ..
فيما ملايين الأضواء تبرق أمام ناظريها ما ان ترمش بعينين ملؤها ذرات لمعانٍ .. راحت تعميها ..
تقدمت .. تتمايل بصعوبة .. محاولة التوازن على كعبين رفيعين .. كانت روضة قد اختارتهما مع الفستان ليلائماه ..
تقدمت حتى وصلت الى الطاولة المنشودة .. متسائلة في داخلها عن احتمال ملاحظة الجالسين عليها غيابها .. ان انسلت بعيدا عن طالوتهم .. و انزوت في احد البقاع بعيدا عن هذه المعمعة ..
وصلت بهدوء .. و ملامحها الباردة لا تشجّع أي أحدٍ للتعاطي معها ..
رغم يقينها بأنه لا تتملك أي منهن رغبة في الحديث معها ..
نورة و دانة كن يسترقن النظر اليها بين الفينة و الخرى ..
و لا يخفى في مآقيهن بريق الاستنكار الذي اعتادت أن تراه في أعين الناس ..!
زوجة أخيها الأكبر ،، تتكئ بهدوء على الطاولة .. و هي تطالع الوجوه بإحساسٍ مبهم كئيب ..
و هي التي توقعت بأنها لن تحضر ..!
لكنها مخطئة .. نظرا لتربطهن .. لن تفوت حتما حفل زفاف أخيها ..!
هل يعلم غيث بأنها هنا ..؟!
تلك العمة التي بزغت مؤخرا من حيث لا تدري .. كانت تميل كل لحظتين عليها .. لتهمس لها بشيءٍ ما . و قد بدا أن عيشها مؤخرا في بيت غيث .. خلق رابطة ما بينها و بين زوجته ..!
وحدها الصمّاء من كانت تجلس بسكونٍ تطالع الجموع الغفيرة بنظرةٍ شاردة .. و قد خيل لها فجأة بأنها تجلس مهملة ..
في حين تشاغلن أخواتها بالأحاديث التي لا تصلها ..
شعرت بأنهن ربما نسين وجودها بقربهن ..!
ترى هل سيراود شقيقها .. شعورا سريعا بالملل من عبء إعاقتها ..
ليتركها بهذا الشكل ..؟!
غريب أن يتقاسم ثلاثة من إخوتها .. بنات عمّها اللواتي لم يمر على دخولهن لحياتهم أكثر من سنة ..
و رفعت عينيها للمنصة التي تتصدر القاعة .. حيث جلستا العروستين بهدوءٍ ملكيّ ،،
و هيبة يفرضها .. لون الفرح .. الأبيض ..
هناك أرواحٌ لن تصلها امتدادات النور من إشراقاتهن ..!
و هي احداها ..
لا تشعر بأي نوعٍ من السعادة .. و البهجة ..
فقط شعورٌ بارد راح يصلّب أوصالها .. و نغزات ألمٍ سريعة .. تكاد لا تلحظ .. لولا .. أن ألمها يستمر لثوانٍ طوال قبل أن تنساه ..!
هذا عرس أخويها ..
لمَ لا تجد في روحها القدرة على الادعاء حتى ..!!
تمنت لو أن بامكانها .. أن تزيل الركام الملون عن ملامحها المتيبسة ..
و تمزّق نعومة هذا الرداء ..
لترتدي خشونتها .. و تندس في الثقب الذي لطالما حشرت ذاتها فيه ..
جلوسها هنا .. هكذا .. و الآن ..
يمزق روحها المهترئة لأشلاء ..
روحها التي لم تعرف يوما سوى التشتت و التمزق .. و القلق ..
تجد أنها تجهدها بشكل لا يصدّق .. و هي ترتدي قناعا فوق قناعها ..
لتتراكم الأقنعة حتى تخنقها ..!
نظرت ناحية أختها التي جلست برقّة .. و أطراف فستانها الضخم تفترش الأرض حولها ..
هي لم تستطع يوما أن تكون مثلها ..
أو ربّما كانت يوما تسير على نهجها قبل أن تضل الطريق .. حتى تاهت خطواتها ..
لتوصلها إلى تلك البقاع النائية ..
روضة عاشت حياة الفتاة المثالية .. و هاي هي تواصلها كإمرأة .. تبتدئ حياتها في ظل رجلٍ يريدها و تريده ..
هي لن تحصل على فرصة مشابهه ..
لأنها مسخ .. بلا ملامح ..
لن تكون كروضة .. لأن هذه النعومة الأنثوية سُلخت من روحها ..
و مضى وقتٌ طويل لم تعد تفكّر كما يفترض بها أن تفعل ..!
التوت شفتيها بتعاسة صرفة .. لم تستطع يوما الاقتراب من روضة ..
و ها هي تضيّع كل فرصة في ذلك .. برحيلها ..
هه ..
لكن متى كانت بحاجة إلى روضة ..؟!
هما على طرفي نقيض .. و لم يجمعهما يوما شيء ..!!
لا تحتاج أختها ..؟ و لا تحتاج قربها ..
لكن ....
صدقا ..!
لما تتلوى روحها بوجعٍ .. و هي ترى هالة البياض تستقر على غيمة ..
ستمطرهم فراقا بعد ساعةٍ أو أقل ..!
- أموت ع الفوشي السرحان أنا ..
تجمّدت أصابعها .. و صوتٌ غليظٌ يزحف على مؤخرة عنقها التي استشعرت الأنفاس الساخنة عليها ..
شلّت أطرافها .. و عينيها تتسعان بصدمة مهوّلة ..
فيما تتوجه نظرات الجالسات على الطاولة اتجاهها ..
و هي تستدير ببطء .. غير مصدق ..
لتنفجر الملامح الخبيثة .. الخشنة .. في وجهها بابتسامة حقيرة ..
و الصوت - المسترجل - يأتي أكثر وضوحا مع اقتراب ذاك الرأس ..
و الكلمة تثقب قلبها الجزع ..
- سربرايز حبووو ..!!

* * * * *

على المقعد الذي اختارت على طاولة جدّتها .. تجلس مستقيمة الظهر .. و كأن ذهبا منصهرا سُكب على قدّها الميّاس .. و هي تطالع جدّتها بغنج ..
- انتي خربتي مرررة يا بنت مطر .. لول محد يسواج عنديه .. محد لي خوي غيرج .. لكن الحينه غاديه شرات المطر .. تهلين في السنتين مرة !! لا تسيرين .. و لا تتصلين .. بلاج يا أميه ..؟ حد حادنج عن اليية ..؟ و الا حد سمعج رمسة غثتج ..؟
قناع من البرود كانت تتشبث به مستميتة مع دخولها الحفل تهاوى ببساطة أمام السؤال المهتز الذي تعرج على خطوط السنين الكهلة .. لتبلغها ..
فينبلج بريق دمعة في مقلتها اليمنى راحت تشتته برفرفة أهدابها الطويلة و هي تميل بجسدها في دلال إلى الجسد الضئيل الذي اتكأ على الطاولة بتعب ..
- هيه زعلاااانه أنااا .. أشوف من يوو عيااال ولدج في بيتج .. استكفيتي بهم .. و نسيتي عواااش بنتج ..
مسحت العجوز على رأسها و كأنها طفلة صغيرة ..
حركة أوجعت عوشة .. في حين ردت الأولى بذات الصوت الذي ملؤه غبار السنين المتطاير ..
- أفاا يا بنت مطر اتشكّين بغلاتج ..؟ انتي متربعة في فواديه ..
ابتسامة محبّة مزهوّة ارتسمت على شفتيها و هي تحتضن كفّها بحب ..
- أشوفنيه متربعة في فوادج .. و أنا قد ليه اسبوعين ما ييتج .. اتصلي .. و الا انشدي .. يمكن استوى بيه شي ..
نظرت لها العجوز بعتب ..
- أنا اللي اتصل و أنشد و الا انتي الملزومة ..؟ قد نشدت مطر عنج .. قال تهيت في كل بلاد .. يوم انج ما خليتي بقعة ما شبّرتيها .. شعنه ما تخطفين على أمج اتشوفينها ..؟ امرررة يا عوشة تغيرتي هب لولية ..!!
سحبت نفسا مضطربا .. و ابتسامتها تخبو ..
- كان عنديه زحمة شغل فديتج .. في الجريدة ..
قطبت أم علي تنظر لها بعدم رضى .. و صوتها المرتعش يأتي هزيلا رغم الصخب الذي يعم القاعة ..
- الله يقطعها .. طبيها .. خير أبوج وااايد شوه حادنج ع الشين ..
احتبست نفسا في رئتيها .. لتبرر ..
- مليت من يلسة البيت .. بس خلاص الحين استقلت .. و ترى ما عنديه شغلة .. بتلصق فيج ليل و نهار .. لا تقولين خلاااف عوشة نشبة ..
اهتزت ابتسامة العجوز ..
- الا أبركها من ساعة يا أميه .. أبا أشوفج مثل لول .. عدنا .. و فبيت أبوج .. أنا ما يغنينيه حد عن شوفتج و قربج .. و لا تستكثرين العرب حوليه .. هاذوه بنات حمد .. ثنتين منهن غيّبن .. وحدة عرست .. و وحدة زابنة فبيت خالتااا عنّا .. و الباقيات لاهيات ..
مس فؤادها استجداء العجوز لرفقتها هي التي اعتادت سنوات طوال التردد عليها .. و المكوث معها بالساعات فقط لتسترق ثوانٍ محرمة .. من تأمل ذاك الرجل الذي غرر الوهم بمشاعرها اتجاهه طويلا ..
لكن ما لفت انتباهها أكثر هو ذكر زوجته هنا ..
تلك الزوجة التي توقعت أنها لن تجرؤ على القدوم إلى العرس .. مع الخلاف الذي تعلم يقينا من أبيها أنه شب بينها و بينه ..
و التوت شفتيها بابتسامة شماتة لم تستطع منعها ..
ربّما انحسرت مشاعر الكره و الحقد التي قضت أشهرا طويلة تشحذها اتجاه هذه الطفلة الغرّة ..
و بعد تبين مشاعرها .. لم تملك الا شفقة نحوها .. و هي تعلم جيدا بأنها سوف تحترق بنار ذاك الرجل ..
الا انها لم تستطع يوما أن تحبها أو تشعر بأي مشاعرٍ حيادية كما تشعر اتجاه أخواتها . .اللواتي تعودن دوما التجمع حولها اذا قدمت إلى البيت ..
لقد تنبّئت مذ رأت الفتاة للمرة الأولى .. بأنها لن تصمد أمام ريحه العاتية ..
رجولته الكاسحة .. و أنفته .. تكبّره .. و جبروت السيطرة الذي يمارسه عليهم جميعا ..
ذاك الأتون المستعر كان ليحيل هذه القشرة المهملة إلى رمادٍ في ثوان ..
و تعجبت طويلا تقبل رجل مثله لوجودها المهترئ في حياته ..
ربما أدركت حقيقة أنها ليست مغرمة به ..
الا أن الاعجاب يلهب حواسها اتجاهه ..
رجل كهذا لا تملك الأنثى أمامه إلا أن تخضع ..
و لطالما أسرتها فكرة أن تكون امرأته .. لتذوي نعومة بين جنبات قسوته الصارمة ..
لتنشر في نواحي بروده حرارة .. تُشعلها و تدفئ لياليه ..
إلا أن الحظ لم يحالفها ..
هي كانت الأنسب له دون شك .. بالمقارنة مع تلك المراهقة الكبيرة التي تزوج ..
ماذا ..؟!
هل أفزعها واقع كونها زوجة له ..؟
أم أنها لم تصمد شهرا من العيش تحت ظلّه .. ؟!
غيرها ستتوسّل أن تكون جارية ..
الحمقاء ..!!
أبعدت شعرها إلى الخلف و هي تميل على أذن جدتها هامسة .. كي لا يصل الحديث لأم فهد التي كانت تجاور العجوز ..
- أمااايه .. حرمة غيث شعندها زااابنة عند خالتااا ..؟! شوه مستوي امبينها و بين ريلها ..؟!
رفع العجوز عينيها تفتّش عن تلك الملامح البسيطة بين الحضور لتلتقط هياجانا أحمر جوار مقعد تلك الكسيحة على طاولة ..
فيوجعها النحول البالغ ،، و الشرود الذي اكتسح حواس تلك .. فتهمس بقلبٍ منقبض ..
- مااادري ياا أميييه .. مااادري شووه بلاااها .. عييين صابتهم .. و الا مالهم شهر معرسين .. شوه يااهم ..؟ و الله ين حال غييث شاان من ظهرت من البيت .. ماا غيير انشوفه معصّب و الا يهاد .. و الا يصارخ .. كنه شاال يبل على ظهره .. و هي الله يصلحها هب طااايعة حتى ترمس حد .. و تقوله شوه مستوي .. كاد العرب بيصلحون امبينهم ..
رفعت عوشة حاجبا منتقدا .. و لم تستطع منع التشفي في صوتها ..
- ما ظنتيه غيث اللي غلطان عليها أكيد انها سوّت شي .. و الا ليش زااابنة عند خالتاا و بيت أبوية سيف موجود .. أكيييد انهاا خاايفة.. و تعرف ان الغلط ما يرضى به أبوية سيف ..
زفرت العجوز .. و ملامحها تكتئب بحق ..
- الله يصلح بينهم .. الله يصلح بينهم .. و الله يا بنتيه .. حتى حالها مااا يسر .. ما بج الا هالوحام اللي هد حيلها ..
للحظة واحدة هزت عوشة رأسها بهدوء ..
ثم تيبّست رقبتها بشدّة ..
و جحظت عيناها .. حتى أوشكت على التشقق ..
فيما يجف حلقها بصدمة .. و هي تكرر بعدم تصديق .. تلك الكلمة الشاذة التي سمعت توّا ..
- وحــــــاااااااااام ..؟!!!!
و جدتها تتابع و كأنها لم تتلقف الصدمة التي شلّت ملامح حفيدتها ..
- و الله ان ريلها مستهم عليها .. روحه طرش بنت سيف عدنا .. يباها لا ردّت ترتاح .. و لا تتعبل بحد ..
سرت قشعريرة باردة على طول ظهرها .. و هي تزحزح عينيها عن وجه جدتها ..
تعيد نظراتها .. لبساطة الطفلة التي اتكأت على طاولة قريبة ..
تستوعب نحول قدها .. بعينين مصعوقتين .. و هول الأمر يقع عليها ..
هذه الطفلة تحمل في أحشائها طفلا من غيث ..!!!
الرجل الذي منّت نفسها سنواتٍ طوال بحبّه .. استرسل في المضي بعيدا عن حياتها ..
لتدرك بعمقٍ أكبر أن هناك ملايين الخطوات بينهما ..
فيفجعها السكون الذي عمّ خوالجها لثوان ..
لتتساءل بصدمة ان كانت تأمل سرا حتى مع اكتشافها لحقيقة مشاعرها .. أن يلتفت لها يوما ..
فلا يكون ذاك الحر قد صدق .. و تدرك بأنها هدرت عقدا بأكمله من الأحلام ..؟!
ذاك الخواء الذي طال روحها في بداية الأمسية حين بدأت التزين مفكرة بأن بنات عمّها اللواتي يصغرنها سنّا ..
بدأن في تأسيس حياةٍ فعليّة فشلت هي في نيلها ..
تعاظم الآن في داخلها ..
و هي ترى أن احداهن الآن توشك على الإنجاب ..
و يفزعها يقين مفاجئ بأن الجميع يعيشون حياتهم .. و يتقدّمون ..
الجميع يمضون ملوّحين .. فيما ثبتت قدميها في طرقات الضياع تلك ..
الجميع يختفون في الأفق ..
متخلّفة عنهم هي بأشواط .. !!
و لا في الأفق الذي مضوا إليه لمحة مستقبلٍ واحدة قد تلملم شتاتها ..
اعتصر شعورٌ قاسٍ قلبها ..
و عيناها تمسحان شرود ملامح تلك الفتاة بارتعاش ..
هامسة بصدمة مروعة و صوتٍ صرّت الريح في خلفيّته ..
- حامــــــل ..؟!

* * * * *

كان وجهها المصفر خوفا يبرز حدة الألوان التي صبغت وجهها .. و هي ترتجف .. متلفّتة يمنة و يسرة .. خشية أن يدخل أحدهم فجأة ذاك الممر المنزوي أو يخرج من إحدى الغرف المكتظة ..
و ارتعش صوتها مستميتة لتتماسك ..
- تخبلتي انتي ..؟ شوووه ياااابج هنيييييييييه ..؟؟؟!!! تبيييين تفضحييينيييه ..!!!!!
حمدة المسترخية في بنطالٍ مموّه خاص بالجيش تعلوه فانيلة قطنية سوداء رُسم على صدرها أثر قدمٍ كبيرة خضراء ..
تستند على الجدار المقابل و ترفع قدما حشرتها في حذاءٍ أسود ..
و شعرها شبه الحليق يلمع تحت ضوء الممر الباهت .. و هي تميل رأسها إلى جانبٍ واحد تلتهم عيناها بنظرةٍ قذرة تفاصيل جسد شيخة الذي حشر في فستانٍ أنثوي التفاصيل فيما راحت الأخيرة تقطع الممر بفزع ذهابا و ايابا ..
للمرة الاولى كانت حمدة تلتقيها و هي بهذه الصورة ..
لأول مرة تباغتها بهذا الشكل .. و كان أن أعجبها كثيرا ما رأت ..!!
لذلك تتجاوز العبارات المهينة و ابتسامة شنيعة ترتسم على وجهها و هي تقول بصوت مثقل ..
- شوه هالجسم اللي عليج .. يخرب بيتج .. وين داستنه عنيه ..!!
.
.
.
.
توقف شعر شيخة في الهواء ..
و سرت قشعريرة ثلجٍ على طول ظهرها .. و هي تتوقف في منتصف الممر
لتستدير ببطء اتجاه ذاك الجسد المائل على الجدار .. فتلتقط النظرات الموحلة التي راحت تحدجها بفسوق ..
و انقلبت أحشائها في موجة غثيان عنيفة .. لتشد على أصابعها المرتجفة .. تقول بصوتٍ غليظٍ كارهه ..
- حيوانة انتي ..؟؟ أنا فوادي و انتي فوادي ..؟ من وين يبتي دعوة ..؟! و ليش ييتي ..؟؟ هليه كلهم هنيه .. أميه .. و خالاتيه .. و حريم عميه .. و بناتهم .. كل يماعتنا هنيه ... و انتي فرحانة بعمرج تتمخطرين قدااامهم ..!! الحين كلهم شاااافووووج ويااااية ..
و تذكّرت نظرة الارتياع المختلطة بالاشمئزاز التي لفحتها بسخونة مرّة .. من قِبل بنات عمها .. و عمتها الكسيحة .. و هن يتلقفن منظر حمدة الرجولي ..
و شابت خوفا من فكرة أن تذكر زوجة أخيها الأكبر الأمر أمامه .. ان عادت له .. او حادثته ..!!
في خضم خلافهما .. قد تجد معايرته بأخته أمرا مسليا .. او سبيلا للتقرب .. أو الانتقام ..
و تخيّلت ردّة فعل غيث على ذلك .. ليقف شعرها بذعرٍ أهوج ..
لمجرد أنه رآها يوما تلبس بنطالا تحت العباءة كاد أن يمزقها عنوة عن جسدها ..
و استنكرت ذاك اليوم رأفته ..!
و الله لو علم بأنها ترافق هذه المنحرفة ..!! بل و تخرج معها ..!!
لسلخها حيّة ..!!!
و تخيّلت غضبا عنيفا يلوي ملامحه القويّة ..
لن يرحمها دون شك ..
كانت حمدة تتشدق دون أن تزحزح عينيها عن شيخة .. و هي تقول بخبث ..
- و ليش زعلاااانه .. شوه..؟! خايفة يشوفونج وياي ..؟! أنااا حمدااان حبيبـ ..
ثم بنبرة متعمدة صححت العبارة و هي تلتهم ثناياها ..
- أطري خويّك ..!
ضغطت شيخة على رأسها و مخاوفها تنفلت ..
- الله يلعـ×××× حرمة غيث كانت يالسة قداميه .. شافتج ..!! شافتج .. أكيد بتقوله الحينه ..!!
قطبت حمدة و صوتها الرجولي المفتعل يوحي لمن هو واقف أمامها بأنه يحادث رجلا بحق ..
- حرمة خوج ..؟! أي وحدة فيهن .. أما الذهبية اللي كانت على الطاولة اللي قدامكم قطعة ..
شعرت شيخة بالاختناق و هي تسمع حمدة تتغزل في كل من في القاعة أو يمت لها بأدنى صلة ..
و شعور مرٌّ يتأصل فيها حين سخر صوتٌ منها .. متسائلا لما تشعر بالخجل من تصرفات حمدة ..!!
أ و ليست هي نسخة مبدئية منها ..؟!
تحتاج لقليل من الوقت فقط .. لتجد أن تنغمس في أوحال انحرافها علنا .. لا تخشى أحدا ممن حولها ..!!
هذه حمدة ..
المسخ الذي لا هويّة له ..
تلك التي لم تستطع أن تكون أنثى كالاناث .. و يستحيل أن تحيل نفسها رجلا حقيقيا ..
هي شيءٌ مشوّه النفس .. عفن التفكير ..
يتآكل روحها العطن ..
و تفوح منها رائحة القذارة المشينة التي تتباهى بها فخورة ..
هي قريبا جدا .. ستكون مثلها تماما ..
بلا هوية .. و لا رادع ..
و ثُقبت روحها السوداء المحترقة بوتد حقيقة استقرت داخلها ..
ها هي تنظر لمستقبلها ماثلا أمامها ..
يعايرها ..
لتمقته ..
لكن لا ارتداد ..
هي التي اتخذت تلك الطرقات الموحلة سبيلا لها ..
لتتسربل بالرذائل .. و ترافق من يرتدوها ..
و بكت تلك الشمعة التي تتقد ان انزوت في ظلمة اغفاءات العيون ليلا ..
ذاك الصوت الضئيل الذي اختنق في زاويةٍ مجهولةٍ من روحها .. أنبها بمرارة على ما تفعل ..
حتى و هي تحترق بوجعٍ داخلي لا مثيل له .. يجابه رعبها الأكبر ..
- يا بنت الـ ×××× .. أقولج خوية العود بيدري .. و انتي تقولين ذهبي.. ؟؟!
هزت حمدة كتفيها .. و هي تتقدم بخطواتٍ متباهية .. واسعة .. و صوتها يرن بتلك الخشونة البشعة ..
- و يدري .. و بعدين ..؟!
.
.
و كان أن يدري ..
شيءٌ خبيث .. حقير ..
سطع في رأسها ..
ليتلوا على التفكير فكرة ملعونة ..
شيءٌ تعلم يقينا بانه قد يكسر شوكة هذه المتمردة التي أتعبتها ملاحقة منذ وقتٍ طويل ..!
و امتلأت النفس العفنة بهجة كريهة ..!!
ستنفجر ..
لتسحق الغير قريبا جدا ..!

* * * * *


>>

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
قديم 22-08-09, 05:13 AM   المشاركة رقم: 1054
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

تتمة




أقبلت أختها تمشي باتجاهها و هي تحمل حقيبتها و عبائتها .. و غطاء الرأس ..
فيما ميعاد تسألها بهدوء غريب بدا آليا ..
- ها بتسرين ..؟!
نفخت حور ثقل الهواء من رئتيها .. تنظر لدانة المقبلة على عجل ..
- هيه .. دانة تقول ان أميه عذيجة بتخاوي أميه وديمة و عفرا لبيت عميه علي .. انا برد ويا عبيد .. تقول انه يرقبنيه خاري .. اكيد حرق تيلفونيه و أنا فارتنه في الشنطة ..
و مع آخر كلماتها .. ناولتها دانة عبائتها و حقيبتها و غطاء وجهها و هي تقول بسرعة دون ان تنظر لها ..
- خالوه تقول لا تبطين على عبيد .. له ساعة خاري ..
وقفت حور ببطء .. ترتدي عبائتها .. و هي تقول بتنهيدة ..
- و الله أحس كبديه واقفة في زوري ..!! حتى النفظة آنسها في عظاميه ..
أعطتها دانة أخيرا غطائها الثقيل لتضعه و هي تقول مناكشة ..
- أذيتينا يختي .. كان محد حمل قبلج .. الا ريحتكم خايسة .. و الا كبديه لايعة .. و الا الحقونيه أدوخ .. غديتي أخس عن أفلام أسود و أبيض .. ما ناقص الا ادوخين .. و يظهر من عندج الدكتور يقول .. مبروك حامل ..
انتزعت حور حقيبتها الصغيرة بقوة من يد دانة و هي تقول بغل ..
- من عاب ابتلى .. بييج الهم فيوم ..
لوحت دانة بيدها ..
- بسم الله .. !! ادعيليه بخير انزين ..
نظرت حور لميعاد تتجاهل دانة .. فآخر ما قد تريده هو مجاراة مزاحها في حين لا تطيق هي أنفاس ترتد في صدرها .. و قالت يهدوء ..
- بتصلبج فديتج .. أدري انيه مقصرة فيج .. لكن سمحيليه هاليومين .. و الله هاااالكة بالقوووو ..
ابتسمت لها ميعاد بخفّة .. و توتر خفي يتراقص خلف عينيها ..
- بالحل حبيبتي .. و لا تستهمين ..
تنهدت حور بتعب .. قبل أن تلتفت لدانة ..
- سلموليه ع عفرا .. و خبروها انيه سرت البيت .. و برمسها خلاااف في التيلفون .. و الله تعبااانة .. و ما فيه شده أسير الين هناك و ارد الين البوابة ..
ربتت دانة على ظهر حور ..
- سلامن يبلغ .. سيري فديتج ..
راحت تقبلهن الواحدة تلو الأخرى .. لترفع نظرها لدانة ..
- سيري نزلي نورة من الكوشة عن تكسرها الحينه ..
نظرت دانة بدورها إلى نورة التي كانت ترقص بحماس مفرط مع إحدى بنات خالة روضة ..!!
ثم ابتسمت ..
- خليها كاد ربج تنقص كيلوين و الا ثلاث ويا حركات الاهتزاز هاي ..
تنهدت حور و هي تلوح بيدها ..
- الله يعين .. يا الله .. خالفتنيه العافية ..
رددن معا .. اذ كان لا يجلس على الطاولة سواهن ..
- الله يعافيج ..
و كانت قد ابتعدت خطوات حين تكلّمت ميعاد بصوتٍ خافت و عيناها لا تفارقان ظهر تلك الراحلة ..
- عبيـــد ..؟!
فارتجفت نبرة دانة بمأساوية ..
- بتستبيح دمي ..!!
ثم رفعت يدها التي كانت تعتصر هاتف حور المحمول .. لتسنده على خدّها ..
و تقول بعينين ضيقتين سلطت نظراتٍ منتقدة على ميعاد ..
- مع ان هولاكو ما يستاهل انيه أخون ختيه عشانه .. لكن عن حلفتج بس .. و الله لو طاحت فراسيه بيرج ويايه .. هيه .. ما أحب أضحي أنا ..
تنهدت ميعاد ببؤس .. و هي تهمس ..
- ما رمت أكذب عليها ..!! بتزعل عليه .. الله يعدي الليلة ع خير ..
- أبند التيلفون ..؟!
قطبت ميعاد ..
- لااا .. بيستهمون عليها .. لو حد دق .. ردي و قولي انها نسته ..!
زفرت دانة .. قبل أن تتحرك .. و هي تقول بخفوت ..
- خلينيه أكمل المهمة .. و أقول لخالوه انها ردت البيت ويا الدريول ..
.
.
.
.
.
.
.
.
شعورها بأن كتلا من الحجارة تثقل معدتها كان يقتلها ..
تمنت لو انها لم تحتسي كوب العصير الذي لم يزد غثيانها الا سوءا ..
تلقفت أطراف عبائتها الطويلة خشية أن تتعثر بها .. و هي تمشي متخبطة في ذاك الحذاء ذو الكعب العالي ..
كانت قد قرأت في مكان ما عن مضار الكعب العالي على المرأة الحامل .. و تسائلت في داخلها ان كان ارتداءه لهذه الليلة فقط سيشكل أي مشكلة ..؟!
ما ان خرجت من بوابة القاعة المبرّدة .. حتى داهمتها موجة حر خانقة اصابت انفاسها بصدمة لثوان ..
لتشعر بأن الرطوبة تتخثر في رئتيها بشكلٍ كريه ..!
ما هو بعيدٌ عن كعبها العالي و مغبات ارتداءه .. و هذا الهواء الذي خنقها ..
كان أكثر شيءٌ مؤلم راحت تسعى لطمس تأثيره ..
فيما احساس مهلك يعتصر قلبها ..
لذلك ..
توقفت في منتصف الممر و هي تضغط بيدها على صدرها ..
و التمست كفها الأخرى الجدار تستند عليه ..
تعض شفتها بألم ..
شيءٌ أشبه بسلكٍ نحاسي حارق اخترق طراوة قلبها ..
و مئات الغصات تملأ صدرها ..!
فكرة أنها خلّفت عفرا وراءها ..
عفرا تلك العزيزة ..
ترتدي النور لتزف إلى رجل حياتها هذه الليلة ..!!
و هي لا تقف خلفها .. لتبتسم بحنو كلما التفتت ورائها بخوف ..
فتقوم بالدور الذي لطالما ألفته .. دفعهن إلى الأمام .. و ان خشين سلك تلك الطرقات ..
جرت نفسا عميقا .. تهدئ دموعها المتحفزة ..
و راحت تجاهد لابتلاع عبرتها العملاقة التي وقفت بصمود في حلقها ..
هل راودهن ذات الاحساس في ليلة الشؤم التي هجرتهن فيها ..؟!
هل شعرن بأنهن فقدنها .. وأنها رحلت إلى مكانٍ آخر .. بعيدا عن متناولهن ..؟!
هل شعرن بأن حياةٍ ما قد انتهت ،، و أن إسما قد بدت ألوانه تنسل ببطء .. مخلفةً ظلا طفيفا ..
يعلمهن بأن صاحبته .. تركت جزءا من قلبها لهم .. و حملت البقيّة في جوفها .. لتمسك بيد رجلٍ يسلك بها طرقاتٍ ،، لن يسلكوها ..
فتفترق بهم السبل ..!
هل راودهن احساس مؤلم .. بالوحدة .. و الخواء .. رغم ازدحامهن حول بعضهن ..؟!
و انفلتت دمعة ساخنة ..
رغم ذلك كانت عفرا حولها في مأتمها ..
كفراشة برّاقة .. عطرة الرائحة ..
راحت تلوّن السواد الذي غشي كل شيء ..
و تَبِثُّها ثقة افتقدتها ..
فيما تتسلل هي خفية ..
لتتركها ..!
لكن عفرا مختلفة ..
عفرا أنثى مكتملة الأحلام .. و ها هي ستجني ثمار أخيلتها الحلوة بعد نضوجها ..
و ستتلقف من شجرة الحياة .. كل أمنية لامعة .. عُلّقت نجوما عليها ..
الا أنها لن تكون هناك لتشهد ذلك ..
و ها هي مغبات هجرانها لهم تتبين واحدة تلو الأخرى ..
و صلاحياتها كأخت و أم ،، و شقيقة روح .. تتوقف أمام عتبات بيوت عائلة ذاك الرجل .. و تعتذر ...!!
ضغطت برؤوس أصابعها على فمها .. و هي تزدرد عبرتها بقوة ارادة ..
آخر ما تريده أن تنهار أمام أحد أحبتها .. لتجره إلى بقاع تعاستها .. و تجبره على اقتسام البؤس معها ..!
أخذت ثانيتين .. لتنشق نفسا رطبا ثقيلا .. و حرارة الجو تتغلغل في صدرها ..
تمنت لو أن أنفاس مكيف القاعة الباردة ترافقها حتى تصل لسيارة عبيد ..
تجاوزت عدة أبواب ليلفظها الاحتفال ... إلى المواقف الخاصة ..
حاجزين مرتفعين يمتدان عن جانبي الباب إلى الشارع الأمامي .. حيث قد تقف أي سيارة لنقل النساء .. دون أن يراهم من هم خارج القاعة ..!
على الشارع .. وقفت عدّة سيارات .. بطريقة غير قانونية .. فقط لاستعجال البعض عودتهم إلى بيوتهم ..
و من خلف غطائها الثقيل .. وجدت صعوبة بالغة في تعرف سيارة عبيد ،،
ميّزت ما لا يقل عن ثلاث سيارات بيضاء اللون .. و ضيّقت عينيها .. و هي تتقدم خطوتين ..
أ يجدر بها التقدم نحو الشارع لتتبين أين سيارة عبيد بالضبط ..
تقدمت أكثر و شعور بالخجل يجتاحها من أن تقف في المواقف لتفتش عن سيارة وسط سياراتٍ ملؤها رجال..!
و راحت تملس غطاء وجهها بتوتر .. و هي تتأكد من وجوده ..
فيما تهنئ نفسها على فكرة رفع ذيل الفستان وشبكه بدبوس يثبته بالثوب .. ليرتفع عن الأرض بدل جرجرته وسط كل هذه الأعين .. !
كانت تقف مباشرة الآن أمام السيارات التي لو كان عبيد وسط أحدها .. لنبهها ببوق سيارته ..
و خشيت أن تغامر في ركوب احداها لتجد نفسها تقتحم سيارة غريبٍ ما ..!
مدت يدها تتنهد بضيق من الحر .. و تمسح بلل ارتفع فوق شفتها العلوية ..
و التصقت خصلاتها المنزلقة برقبتها و التفت عليها ..
فيما ذابت غرتها على جانبي وجهها .. و باتت توشك على الانفجار .. و هي تطمس أناملها في حقيبتها تفتش عن عبيد الذي لم تتبين له أثرا واحد وسط زخم السيارات ..
كانت السيارة التي تقف أمام الرصيف مباشرة تتحرك مبتعدة الآن تفسح للقادم من السيارات مجالا آخر مما أعطاها أمل بأن عبيد ربما لم يجد المتسع ليتقدم بسيارته ..
و لازالت تحث يدها عن ايجاد هاتفها و يدها تصطدم بآلاف الأغراض الصغيرة داخله ..
لتزفر بقوة ..
- الله يهديك يا خوية ..
رفعت عينيها بأمل للسيارة القادمة ..
بأمل ما ان أطلقته .. حتى توقّف امامها يوليها ظهره .. و الصدمة في وجهه .. يطالع زحف السيارة القادمة ببطءٍ شديد ..
ليرتد مرتجفا .. يتسلّق مآقيها .. و يندس خلف أجفانها بصدمة مروعة ..
تصلّبت أوصالها .. و أطرافها تُشل بفعل الذهول ..
فيما انتفض قلبها انتفاضته الأخيرة قبل أن يتوقف تماما .. و السيارة ذات المقدمة الطويلة المتكبرة و الزجاج الداكن اللامع .. تقف بتسلط رهيب أمامها ..
و انقبض قلبها الذي لم يخطئ تعرف تلك المركبة المميزة ..
المركبة التي ركبتها مراتٍ لا عدة ..
المركبة التي ما كانت لتكون أكثر شبها بصاحبها من ذلك ..!
و ان كان ساورها الشك في راكبها .. فذاك الشك كان قد دحض في الثانية التالية ..
حين تباطأت الأنفاس .. و نبضات خافقها .. و حركة الناس ..
و باب السائق يفتح على اتساعه .. ليترجل ببطء ذاك الرجل الذي أحنى رأسه قليلا كي لا يصطدم بإطار الباب ..
ثم تمتد قامته الفارعة و هو يقف منتصبا ..
مديد القامة .. عريض المنكبين .. يلقي ظلا من رهبة أمامه ..
ظلا طويلا ممتدا .. تلوى على الأرض ليصلها ..
من بين كل الناس .. و من بين كل احتمالات لقاءه .. لم تتوقع مطلقا أن تراه هنا ..! و الآن ..!!
يقف بطوله الفارع .. و بنيته القوية ..
ليملأ الشارع بأكمله حضورا كاسحا ..
شعرت بأن ساقيها المرتجفتين لا تقويان على حملها ..
و تفكيرها البطيء لا يسعفها ..
ربما لحق عبيد إلى هنا ..؟!
أين عبيد .. تريد الاحتماء به ..!
و تلفت يمنة و يسرة ..
قبل أن يصلها تفكير منطقي .. اكتسح حواسها ليزرع في قلبها شيئا من الهدوء ..
كم هي حمقاء ..
لن يعرفها بالطبع .. من خلف الغطاء و العباءة ..
ثم باغتتها ضحكة هستيرية مجنونة حبستها .. و هي تشد على حقيبتها .. و تغمض جفنيها بقوة مرتعشة ..
بالطبع .. كم هي حمقاء ..!
ليس عليها سوى الاستدارة بهدوء ..
و العودة الى باب القاعة و الاختباء فيها حتى تتمكن من الاتصال بعبيد ..
و دون ان تلقي نظرة اخرى للوجه البعيد الذي ألقت انوار الشارع وراءه ظلا مبهما أظلم ملامحه ..
استدارت للمضي ..
و ثبتت نظرها ببسالة على الباب المغلق و هي تتحرك بخطوات ثابتة ..
فيم راح قلبها يتراقص بجنون ..
كطير لم ترحمه سكين جلاده .. و عجزت عن فصل رقبته ..
ليتراقص وسط تقاطر دماءه ..
رؤيته فاقت كل قدرة هذه الليلة ..
و لانها بوغتت فقط لم تجد الوقت للألم .. و لم تتوسد الأرض و تبكي ..!
.
.
.
.
.
.
.
شعر بأن هناك من سدد لكمة لمعدته ..
و مرساة حديدية علقت بطرف أحاسيسه راحت تجرها للأسفل ..
لا يخطئها ..
تلك التي نقشت تفاصيل أسطورتها على جدران قلبه ..
لتخلد ذكرى كل المشاعر التي تركت ورائها داخله إلى الأبد ..!
المرأة الوحيدة التي نقّبت في طبقات الجليد .. ..
حفرت بدأب .. لتصل ذاك العمق الذي غرست فيه بذرة ..
ثم ردمت ما تبقى من برود و انتظرت ...
ليس كثيرا ..!
تلك المرأة رحلت قبل أن ترى أي شجرة باسقة أزهرت بوجودها ..
و أي أغصانٍ انتكست .. و ذبلت برحيلها ..
سرى شيء حار في صدره .. و هو يتبين تفاصيلها .. و المسافة بينهما تتقلص ..
خطواته الواسعة .. تلتهم غيابها ..
تلحق باللقاء ..
الغبية الصغيرة ..
أتظن أنها باستدارتها تلك .. و خطواتها الثابتة العائدة .. ستظلله ..
يمكنها أن تربط عينيه .. و سيلتمس الطرقات التي يرن فيها وقع خطواتها ..!
لقد غاص في عمق خلجاتها ..
عرف كل أخدود ضيق في تفكيرها ..
و كل عرقٍ يضخ في قلبها ..
هو الذي وصل لأدق تفاصيلها الحميمية ..
ايماءاتها .. و لمحات روحها ..
أول من اجتاح حصونها .. و هدم أسوارها ..
و هد كل شيءٍ أيضا ..
لم تسعفه معرفته كثيرا ..!
أو ليس هو الذي خدع بادعائها الساذج ..
كان قلبه يخفق يعنف ..
و الدم يهدر عاليا في أذنيه ..
وقع خطواته ربما أنبأها به ..
لذلك حثّت الخطى على عجل تسابق وصوله ..
الا أن خطواته الواسعة كانت أسبق ..
مد يده ليطبق بأصابع محكمة على ذراعها يجذبها إلى الخلف ..
فترتد للوراء بقوة شاهقة .. توشك على فقد اتزانها .. ليثبتها بيدٍ واحدة و صوتها المبحوح بخترق صدره بكلمتها المذعورة ..
- يمااه ..!!
في لحظة واحدة تمنى لو يعتصرها بين ذراعيه محتضنا .. حتى تذوي ..
تمنى لو يشق صدره ليولجها بين أضلعه .. و يخبئها هناك الى الأبد ..
الا أن شيئا من ذلك لم يظهر على ثبات ملامحه الصارمة .. و هو يطالعها بعينيه الضيقتين .. فيما تلوت يدها في قبضته و هي تهمس بارتعاش .. و نفضتها تلك تسري من جسدها .. لتضرب صدره بتيار كهربائي صعقه ..!
- فك ايديه ..!! فكنيه .. عبيد .. عبيد هنيه .. خوز ايدك ..
رفع أنفه ببرودٍ متكبر أمام كلمتها ..
و كأنه قد يبالي لو كان عبيد و أهله كلهم هنا ..!
جرّها ورائه و هو يتقدم لسيارته دون توقف .. و لا رأفة بخطواتها المتعثرة ..
تخبّطت بجزع و هي تقول من ورائه .. تنشب أظافرها في قبضته تنوي التملص ..
- فكنيه و الا و الله بصارخ .. بفضحك .. فكنييييه .. ايييييه ..
كادت تسقط على وجهها .. و صوته البارد يقول بقسوة دون أن يوليها وجهه ..
- يا الله .. سمعينيه ..
يعلم يقينا بأنها لن تثير فضيحة هنا .. و في ليلة أختها ..
لذلك لم يكترث بتهديدها الساذج ..
دار حول السيارة ليفتح باب المرافق .. و يدفعها للداخل بقوة .. فترتد تنشد النزول ما ان افلتها .. حاولت التسلل من تحت ذراعه .. ليدفعها مجددا و يثبّت كتفيها على ظهر المقعد ..
ثم يعود ليصفق الباب .. و يغلقه بزر التحكم عن بعد في اللحظة ذاتها ..
فتشت يدها بذعر عن زر القفل وسط الظلام و من أسفل غطائها الثقيل ..
يدها المرتجفة عجزت عن فتح القفل الموصد بقفل الأمان .. و هي تراه يدور حول السيارة ليفتح باب السائق .. و يدس جسده الكبير جوارها ..
و يصفق بابه .. بقوة ..
ثم يدير السيارة ..
التصقت بباب السيارة .. و أغمضت عينيها ببؤس ..
و تهدج صوتها حين أوشك قلبها على التوقف ..
- نزلنيه .. نزلنيييه و الا بتندم .. مااارييييييييد أسير وياااك .. نزلنييييه ..!
الا أنه لم يفعل سوى تجاهلها ..
و الضغط على دواسة البنزين بجنون ..!

* * * * *

معنى الحياة بعينها صحـوة المـوت
شهـود صلـوا والمملـك دفنـهـا
وكوشـة فرحهـا حولوهـا لتابـوت
واكليلهـا الأبيـض بقايـا كفنـهـا
تبريكهم أصبح عزا يجرح الصـوت
صرخـة ويبابـه تشابـه لحنـهـا
غصبٍ عليها تقبل الوضـع بسكـوت
مهـره وعـادات البـداوه رسنهـا
.
.
.
.
لا تعلم ان كان أحد أولئك الذين التفّوا حولها بعد أن أعيدت للغرفة التي ستنتطلق منها إلى بيته ..
قد مرّوا يوما بهذا الاحساس الذي ملأ جوفها حتى كادت تتقيأه .. !
احساس غريب بالتيه .. و الألم الصامت ..
شيءٌ يبعثر كل ثباتٍ للأفكار في رأسها ..
لتجد أنها لا تستطيع التفكير سوى بتوافه الأمور ..
هل أغلقت ماء الصنبور حين تركت الحمام قبل أن تأتِ إلى هنا ..؟!
نور الغرفة ..! هل تركته مضاءً ورائها ..؟!
هل وضّبت كتاب الفيزياء الذي عليها أن تعيده للجامعة مع ما تبقى من حاجياتها ..؟
تلك الوردة التي تزيّن ثوب دانة .. هل هي ذهبية ..؟ أم درجة فاتحة من اللون البني ..؟
هول الموقف .. يعجزها .. عن استيعاب تلك الأطيفة التي تحوم حولها ..
و هي تفتح عينين ذاهلتين .. تتابع التحركات في أرجاء المكان ..
أولئك الذي خيّل إليها أنهم يدورون في فلكٍ غير الذي تتخبط فيه ..!
و تساءلت فجأة لمَ لم يلتفت أحدهم إليها ليسألها عن حالها الآن ..
هل هي بخير ..؟!
لا ليست بخير ..
لمَ لا يستطيع أي منهم أن ينصت لصراخها الذي راح يصمّ روحها ..؟!
و لمَ هي نفسها عاجزة عن البكاء ..؟ عن الاعتراض ،،
عن شق لفائف الكفن الذي صرّ جسدها ،، و راح يضغطه بتعاسة ..؟
لمَ لا يمكنها فقط الزحف من تحت أنظارهم ..
التسلل بعيدا عن كل هذه الأضواء و الألوان ..
عن كل ما حدث في الماضي .. و كل ما هو مقبل .. ؟؟!!
هي مجبرة بأن تحمل على كتفها عارها .. و تجرجر ورائها رجلا خائب المنى ..
فلا تُساق وحدها كبشا لما حدث ..
هو أيضا سيقدم فداءً عن ذلك ..
و سيلقى بفتات رماده على جمر خزيها .. ليستره ..!
.
.
أغضت وصدت وانطلق صوت مكبوت
لابـو تقاليـد الحـيـاة وسننـهـا
.
.
و انشقّت روحها هولا .. و ألما لا يحتمل ..
أن تحتمل هي مغبة ما يحدث رغم براءتها منه .. كان شيئا لا يحتمل ..
لكن معرفتها بأن غيرها يسقى من ذات الكأس هو الهلاك بعينه ..
بأي وجهٍ ستقابله الليلة ..؟!
كيف ستنظر لوجه الرجل الذي يعلم بقصتها ..؟!
كيف ستجرؤ على رفع عينيها لترى لومه .. و اشمئزازه .. و انعكاس كل احتقار يسكنه في مآقيه الكارهة ..!!
أنى لها أن تجتمع وإياه تحت سقفٍ ..
ليرصدها ليل نهار .. و يتقلب في حسرته ..
و كم تراها ستنتظر حتى يصرح بأنه تعب من شهامته ..
فيجرّدها من كل كرامة .. و يذلّها ..
فتصبح ممسحة سهلة لأقدامه ..!!
.
.
و ارتعشت أدمعها .. مع الصوت الذي انزلق إلى مسامعها .. و راحة دافئة تلامس ذراعها التي تعرّشت نقوش الحناء الدامية على بياضه ..
- آآفاااا ..
لتستدير بوجهٍ مبيضٍّ بهت من كل لون .. لا تقوى حتى على اصطناع ابتسامة و مع ارتجاف يدها التي أوشكت على اسقاط لفافة الورد من يدها ..ضغطت بكفٍّ واحدة على صدرها .. هامسة بصوتٍ تعلم أنه لن يصل لأمها ..
- لبيــــــه ..
تلبية اعتادت و أخواتها النطق بها و ان لم تسمعها أمهن ..
شدت حبال الدمع التي أوشكت على التدلي من محاجرها .. و أمها تتسائل بنبرة رفعتها قدر الامكان .. و مزجتها بايماءاتٍ مختلفة ..
- تببييينييي أوووح أأيااش بيت .. ألا سآآآآامة بككفيي ..
البيت ..؟!
و انتهى عرس الدمع ..
قريبا ستزف وسط الأهازيج لخندق المواجع ..
ربــــــــاه ..! رحمتك ..!!
ترقرقت دموع الخوف .. و ارتعش صوتها الذي حاولت رفعه دون جدوى لتشير بيدها يائسة ..
- حووور .. حووور وييينهااا ..؟!
قطبت أمها .. و بانت عقدة جبينها من خلف البرقع و هي تلوّح بسرعة قلقة ..
- حوووو سااآآآت آآبييييت ..
و أشارت لصدرها بتعبير الضيق ..
- آقووو تعباااانه ..
و زحفت دمعة مخذولة من زاوية محجرها المحمر ..
لماذا حور ..؟!
أ لم أكن أستحق تضحية صغيرة هذه الليلة ..؟!
هل كان صعبا للغاية أن تتناسَي نفسكِ قليلا لأجلي ..؟!
أن تتجاوزي آلامكِ و الخلافات لتشدي من أزري في محنتي هذه ..!
و اعتصر قلبها الخذلان و هي ترفع عينها لملامح أمها المختبئة خلف البرقع ..
لمَ تناشد حور .. و هذه العظيمة تملأ مدارها ..؟
لمَ عليها دائما أن تلتمس دعم تلك التي لا شك أنه سيأتي يوما لتتشاغل بما لديها ..
اما هذه وحدها .. ليس لها غيرهم ..! سيكونون دوما همها الأول و الأخير ..!
و شعرت بأن حور ثقبت جدارا منيعا داخلها .. و رحلت مخلّفة فجوة يتسرب منها إلى الداخل .. البرد و الوحدة و يأسٌ مختلف .. لم تلمسه إلا بغيابها ..!
أطالت السكوت ..
و وجعها يتعاظم ..
هل تجرجر أمها أيضا في موكب عرسها الجنائزي هذا ..؟
هل تنتهك قدسيّة هذه الروح الطاهرة .. و تشركها في ذلك ..
فكّرت فقط في هذا السؤال الذي ألقت للتو عن رغبتها في مرافقتها للبيت ..
هل خشيت أن تتطفل عليها ..؟!
أي أمٍّ تتساءل عن رغبة ابنتها العروس في مرافقتها إلى بيت الزوجية .. سوى واحدة يلمّ بها الخجل من أن تتطفل بشكلٍ ما .. و تفسد ليلتها ..
و تضاعفت آلامها ملايين المرات .. و الدمع يخز عينيها المحترقتين ..
اعذريني أمي ..!
فلتصفح شفافية روحك الطاهرة عنّي ..
لن أعفيكِ من تشييع عاري لهذه الليلة ..
بحاجتكِ أنا ..
لأنكِ وحدك التي أثق بأنها لن تخذلني ..!
عَفوَكِ يا حبيبة .. فمثلكِ يُشرَّف ..
لا يقاد في مثل هذه الطرقات القذرة ..!
وجدت أنامل أمها تستدرك دميعاتها الحارة التي تلاحقت بجزع ..
لترفع عينيها بألمٍ لم تكترث ان فسّره أحد بشكلٍ مغايرٍ لاضطراب عروس ..
و تخلّت عن الورود النديّة لتلوّح متوسّلة بيدين مرتجفتين .. و صوتٌ لا يعدو كونه همسا متبخرا بين الأنفاس ..
- أبااااج اتروووحيييين ويااااية .. سلاااامة هب أمييييه ..
ثم أشارت بحزنٍ نخر عظامها و فتتها .. إلى أمها .. ثم إلى قلبها..
- إنتي أميييه ..!!
و ها هي تجر فردا آخر من أحبتها معها ..
لتطمسهم في رذائل ماضيها المشين ..
و الله لم يكن ما حدث خطؤها ..!!
كل شيءٍ كان غصبا .. و اغتصابا ..
.
.
رباه لا تعفو عن ذاك الحقير الذي أحرق أيامي .. و شتتها ..
ربي لا تصفح عنه .. و اجعل سقرا مأواه و مسكنه ..
ربي لا تنظر لوجهه ،،
فإنه لم ينظر لضعفي و قلة حيلتي ..
ربي لا ترحمه ..
فلم يرحم عفّتي ..
اكشف ستره .. كما كشف ستري ..
و افضحه فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض ..
.
.
و امنحني صبرا يا رب ..
فإني هالكة دون رحمتك و دونه ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
و راحت وبركان القهر لاتهـا لـوت
تبي تصيـح وفيـه خـوفٍ سكنهـا
راحت وصدى كلماتها زلـزل بيـوت
لابـو تقاليـد الحـيـاة وسننـهـا *

* * * * *

أسطورة أبدية من فرح ،،
هي الصورة الصادقة للعروس هذه الليلة ..
بهجة الأنثى المقبلة على حياة بأسرها ،،
تحني رأسها الذي ارتاحت كفّه السمراء عليه .. تنفح دعواتٍ صادقة ..
بنية مخلصة ..
تتوجه لوجه واحدٍ أحد .. تنشده تيسيرا و توفيقا .. و خيرا كثيرا ..
وجناتها زهرٌ ندي ،، مترف ..!
وأهدابها المكحّلة تنحني بخجلٍ رقيق ..
تغطي الجفون الشاسعة مساحات عينيها اللامعتين ..
قلبها الذي علق في حلقها راح يتضخّم بقوة مع عنف نبضاته .. لتزدرده بتوتر .. حين شعرت به يدنو من مقعدها ..
ظلّه الطويل يلقي بأثره على بياضٍ انتشر حولها .. لتعتصر أناملها الشفافة المنقوشة بالحناء المروحة الكرستالية الفضيّة ..
حتى خزت قسوة المعدن طرواة راحتها ..
فيما يهبط الفراغ على المقعد بجانبها تحت ثقله .. لتنكمش روحها بحرجٍ عارم ..
ما الأمر ..؟!
هذا سيف زوجها ..؟!
ذاك الذي قضت ليالٍ طوال تسامره على الهاتف .. .. لطالما جلست معه .. ربما ليس بهذا القرب المهلك .. لكنّها أمضت زياراتٍ كثيرة تحادثه .. و يتودد اليها بدفء ..
ما الذي اختلف هذه الليلة .. ليشلّها الخجل الفادح عن أي حركة .. و أي خفقة هدب .. و أي نبضة ..!
عطره القويّ المفعم بحضوره الآسر انتشر في رئتيها .. حين انحنى بهدوء اتجاهها ممسكا ذقنها الرقيقة بأصابعه الطويلة يرفع رأسها ..
ليتوقّف الدم في عروقها و تغمض عينيها بشدة .. حين لثم جبينها الصافي بدفءٍ أزهق أنفاسها ..
و بعثرها .. فراحت تشتت أنظارها في الفراغ .. و اهدابها الخفاقة تبدد الضياع الذي انتشر في نواحيها مع ابتعاده الهادئ ..
و ينتفض قلبها مرة أخرى حين همس قرب وجهها بحبٍّ صادق ..
- ألف مبروك يا الغالية .. الله يجمع بيننا ع الخير ..
تضرج وجهها بالدماء .. و هي تقضم شفتها السفلى و تتنفس بصعوبة من قربه هامسه ..
- الله يبارك في حياتك ..
و أشاحت قليلا بوجهها محرجة .. حين همس مبتسما بإعجاب ،،
- سبحان من صوّرج .. فتنة للناظرين .. ما قد شافت عيني أحلى منج ..
ابتلعت ريقها و نظراتها تنتكس بخجل ..
ليالٍ طوالٍ سهرتها .. تترنم بعبارته الغزليّة الدافئة ..
لكن الليلة شعرت بأنها لا تملك الجرأة حتى لرفع رأسها ..
و حين امتدت يده تنتزع طرحتها البيضاء المثبّتة .. بأصابع ثابته .. و بطيئة .. أفجعتها جرئته ..
و لم تستطع السيطرة على الرعدة التي هزّت أوصالها ..
.
.
.
.
في داخله .. سبّح الرحمن و هو يطالع حسن خلقه ..
و حمده حمدا كثيرا ..
و راحة منتشرة بين أضلعه .. لم يشوشها إلا شيءٌ راح يعالجه بلطفٍ بين أصابعه ..
خفق قلبه بعنفٍ أهوج .. و رائحتها تتغلغل خياشيمه .. لتداعب أوتار قلبه بحلاوتها ..
هو الذي راح يعب بنهمٍ هواءً يجمعه بأنفاسها ..
و ترتاح أصابعه لجزء من الثانية على نعومة خصلاتها ..
يسترخي على مقعدٍ يجمعه بها ..
آمنا .. مطمئنا ..
مستمتعا ..
و سكينة قصوى .. تخالط بهجته المتفجرة ..
فتشرح صدره .. و تنشيه ..
و هو يعلم بأن الرب يباركهما ..
الله وحده يحفهما برحمته ..
و ينظر لهما من فوق عرشه ..
و ابتهل قلبه بلهفة .. ان يديم هذه النعمة ..
حتى و أصابعه .. تتلمس الرؤوس المعدنية السوداء التي ثبّتت بياض - الدانتيل - على قمّة رأسها المتضخّم بغرابة.. فتنتزعها ..
يجمعها واحدا تلو الآخر .. فتنزلق أطراف الطرحة البيضاء ببطء بين يديه ..
لان شيءٌ في داخله و هو يلمس رجفتها ..
و ابتسم بحنوّ دون أن تراه .. و هو يشهد فزعها ..
ما ان أزال الطرحة .. حتى راح يفكك عقد شعرها المجموع على قمّة رأسها ..
فيسدل خصلاتها واحدة تلو الأخرى بنعومة فائقة .. جوار تلك التي تبعثرت على كتفيها ..
و انسدلت حتى منتصف ظهرها ..
لحظاتٍ فقط قبل أن ينتهي ..
ليدس أصابعه الطويلة في شعرها المكوم أعلى رأسها برفق يريد تمشيطه .. لتصطدم أصابعه بجسمٍ بلاستيكي مزروع وسط شعرها ..
فيقطب بخفّة .. قبل أن يلتمس طريق أنامله بعناية و هو يخلص القطعة البلاستيكية من شعرها ..
ينتزعها برقة دون أن يؤذيها ..
و يودعها الطاولة جوار المشابك السوداء الصغيرة ..
الآن راحت أصابعه تمشط شعرها البنيّ .. برفقٍ شديد ..
مبتسما مع ازالته لتلك الكومة التي كانت تعلو رأسها منذ قليل ..
يتبين وجهها المحتقن بالإحمرار .. عبر غلالة شعرها ..
قبل أن يمسك بجانبي رأسها .. فيدير وجهها اتجاهه برقة .. و هدوء ..
يتلقف حرجها .. و حيائها الشديد .. و هو يعلم أي مخاوف طبيعية تغزو نفسها الآن ..
لذلك ابتسم بهدوءٍ واثق مفعم بالحنان .. يناديها بخفوت ..
- روضاني .. حبيبي ..
ارتعشت شفتيها و هي تغمض عينيها بحياءٍ شديد لبرهة .. تهمهم بردٍ مبهم ..
ليحني رأسه مميلا إياه لجانبٍ واحد ..
فيما قلبه يضجّ بالدماء لمرأى ملامحها تتكسر بخجلٍ حلو .. دغدغ روحه ..
و همس يحثها على الاجابة ..
- لا تذبحينيه بهالحيا .. أبا أشوف عيونج .. ارفعيهن ..
الا أنها لم تجرؤ ..
لذلك رفع رأسها قليلا للأعلى .. فخفضت نظراتها أكثر قبل أن تغمض عينيها و هي تهمس بخجلٍ مميت ..
- سيف ..!!
اعتصرت قبضة معدته .. و عيناه تمسحان وسع أجفانها الشاسعة .. و أنفها الدقيق .. و وجنتيها الزهريتين .. أذابت قلبه برقتها .. ليرد بهمسٍ أجش ..
- عيونه ..
عضت شفتيها تحرر وجهها من قبضته بيدين مرتعشتين .. و تشيح بوجهها المحمر بعيدا ..
سحب هو نفسا عميقا .. قبل أن يميل اتجاهها قائلا بخفوتٍ مثقل بالأحاسيس ..
- كنتي حلم .. و الين الحينه هب مصدق ان ربيه أكرم عليّه .. و حققه .. أحلى حلم يا الغالية ..
و نظر لعقد أصابعها المبيضّة و هي تعتصر مروحة فضيّة لامعة بين أناملها الهشة .. ليغطيها بيديه الكبيرتين .. و يميل الى الأمام بهدوء ..
- أحلى ما خلق ربي فديتج .. و هب في حاية هالخرابيط .. انتي بلاها أحلى .. و أحلى ..
و أخيرا .. ارتفعت عيناها بنظرة مصدومة غير مستوعبة ..
تطالع ملامحه السمراء الهادئة الوسيمة ..
سماحة وجهه التي أضفت عليها لحيته الطويلة السوداء وقارا رجوليا بحتا ..
لتتبع إصبعه الذي أشار لأكوام المشابك .. و طوق - البف - الأسود على الطاولة أمامهما ..
فيتابع بهمسٍ رقيق و هو يستكين بعمقه في نظراتها الضائعة ..
- ما حب هالنفخات التي تحطنها ع روسكن يعلنيه هب بلا هالعيون .. غير ان الله ما يرضاها .. لا تسوينها غير هالمرة يا الغالية .. هاي رؤوس البخت المائلة الله لعن راعياتاا .. و أنا و انتي من أهل الجنة ان شا الله .. انزين حبيبتي ..؟!
و ارتعشت شفتها بخفة قبل أن تخفض أهدابها مجددا .. بهمسٍ مرتجف ..
- ان شا الله ..
يعلم أن عروسا في مكانها لا تريد سماع نصائح .. أو أوامر في ليلتها الذهبية ..
لكنه عاجز عن رؤية الخطأ و تجاهله .. خصوصا بأنها مسئولة منه الآن ..
خشي أن يكون قد أحرجها و أفسد ليلتها باستيائه من تسريحة شعرها ,,
لذلك أرادها أن ترتاح أولا ليلهيها عن أي تفكير بذاك المنحنى ..
الزهر الذي لذع بياض وجنتيها المخمليّتين أرّق أحاسيسه ..
يمسك بكفّها الرقيقة .. و يرفعها إلى شفتيه .. مقبلا باطن يدها بحنان آسر .. قبل أن يسألها بحب ..
- شرايج تبدلين .. و نصلي ركعتين قبل نكمل السهرة .. و الا نرقد عقب ما نصلي؟!
رفعت عينيها البراقتين لتعتصر فؤاده بنظرتها المتوترة .. و هي تجيب بخفوتٍ محرج ..
تفضح خجلها فيه .. و قلقها ..
- لاااا .. نكمل السهر عادي ..
و غضّت طرفها بحياءٍ أخرس .. حين ضحك سيف بخفّة إزاء ردّة فعلها المضطربة ..
قبل أن يميل لها مجددا .. يهمس بحب ..
- أحسن بعد .. ما بقى شي ع صلاة الصبح ..
أمسكت هي بأطراف فستانها الثقيلة .. تقف بثقلٍ متوتر .. قبل أن تجرّه بخطواتٍ مرتبكة اتجاه غرفة النوم ..
فيما ابتسم هو يراقب مضيّها براحة لا متناهية ..
غطّى وجهه بكفيه .. و سحب أنفاسا طويلة ..
و سعادة خالصة لا يشوبها شيء تنفرد بين أضلعه ..
فيتنهد بعمقٍ .. متمتما بصدق ..
- اللهم لك الحمد و الشكر على ما أنعمت علي .. اللهم أدمها من نعمة .. اللهم لك الحمد و الشكر ..
.
.
.
.
أي نعمةٍ حُرم منها أولئك الذي تتخبط بهم الخطى إلى طرقات الظلال ..
أي طعمٍ للذة حقيقية خالصة فقدوا ..
و هو يقتاتون اللحم العفن .. و بقايا ..
.
.
و أي نعمةٍ ..
طمأنينة ..
و راحة نفسٍ ..
و أحاسيس نقيّة ..
تلك التي يورثنا إياها الرب تحت جنح رحمته ..
حــــــــــلالا ..!!

* * * * *



<<

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
قديم 22-08-09, 05:17 AM   المشاركة رقم: 1055
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

تتمة


توقفت السيارة أمام باب البيت بصرير قوي .. لتندفع هي قليلا إلى الامام مع التوقف المفاجئ ..
فيما فتح بابه .. و ترجل منه دون أن يكترث بها ..
لهثت هي بجنون .. و مؤشر الألم في داخلها .. يصل لحده الأخير ..
و ملايين الأصوات .. من طنين و أنين .. راحت تدوي في داخلها ..
برودة لا معقولة سرت في أطرافها .. و وجع كاسح يجتاح روحها .. و هي ترفع عينيها عبر زجاج النافذة تطالع خيال البيت الماثل أمامها ..
يعيدها لساحة المعركة الأخيرة ..
فقط لينهي مشهد الذبح الذي بقي معلقا طويلا بينهما ..
فُتح بابها بقوة .. ليقف هو جانبا .. آمرا اياها بملامحه المطموسة في الظلام ..
و لم تجرؤ هي على ازاحة غطاء وجهها ..
- انزلي ..
ارتجفت و هي تضم نفسها .. و انزوت إلى داخل السيارة ..
- مااابااا .. ردنيه القاعة ..
كرر كلمته ببرود شديد ..
- انزلي ..
العبرة التي قفزت في حلقها .. جعلت صوتها ضعيفا ..
- و الله بتندم على حركاتك هاي .. ردني أخير لك .. أكيد خوانيه يدورنيه الحين .. بيتحرون استوابيه شي..!! شوه تبااا ..؟!
وضع يده على الباب .. و الأخرى على سقف السيارة .. و أحنى قامته الفارعة .. مائلا تجاهها ..
يقول بنبرة قاسية باردة من بين أسنانه..
- بتنزلين و الا أنزلج غصب ..؟!
كل الذي استطاعت فعله .. هو الانزواء أكثر .. تنأى بنفسها .. و تتشبث بيديها في الكرسي الكبير ..
الا أنها لم تكن بعيدة كفاية عن يده التي مدها ليجذب ذراعها النحيلة مرة أخرى بقوة ..
فيخرج جسدها عنوة من السيارة ..
هكذا هو .. لم تعرفه يوما الا عنيفا .. يفرض سيطرته .. على ضعفها بكل صفاقة ..!
و غار الألم في روحها أكثر و أكثر ..
صرخة صغيرة انفلتت منها دون أن تشعر .. و هي تتعثر قليلا .. حين فارقت السيارة ..
ليمد هو يده الأخرى .. و يجذب غطائها بقوة .. و يلقيه داخل السيارة و يغلق بابها ..
شهقت بقوة .. حين سحب الحاجز الذي يعزل ملامحها ..
و شعرت بأن شعرها قد تشعث .. و ارتكزت خصلاتها في الهواء .. فيما ضرب الهواء ملامحها المثقلة بالحر ..
لم يلقِ نظرة واحدة عليها .. أولاها ظهره و كأنه كاره لالتقاء عينيها ..
و خلال جزءٍ من الثانية .. راودها خاطر غريب .. عن سبب نزعه لغطائها ..
ذاك الخاطر تبخر فورا .. و هو يجرها نحو درج بيته الذي يبعد عدة خطوات ..
و كعب حذائها يعلق قليلا في الثغرات الموجودة بين حجار الأرضية المرصوفة .. لتنتزعه برعب خشية السقوط .. فيما تهتز بجنون في محاولة التوازن على الحذاء ..
و هو بذات القوة .. يجرها وراءه دون أن يستدير اليها ..
أطلقت صرخة أخرى مذعورة .. حين أوشكت على التعثر ..
لتكور قبضتها بعدها .. و تلكم ظهره العريض بكل قوتها و هي تصرخ وراءه بصوتٍ متكسر ..
- شوي شوي يا الحقير .. اناا حااامل ..
توقف فجأة لتتقدم خطوة مفاجئة .. و تدفع ظهره براحتها كي لا ترتطم به .. و هو يستدير اتجاهها بسرعة ..
و في حركة تلقائية .. ارتدت خطوة خائفة للوراء .. و هي ترفع يدها تحمي وجهها ..
منتظرة رد فعلٍ ما على الشتيمة التي ألقت توا ..
الا أن ردة الفعل كانت مباغتة .. لتجد نفسها تصرخ للمرة المليون بفزع .. حين شعرت بجسدها معلقا في الهواء بين ذراعيه .. يحملها ببساطة .. و كأنها لا تزن شيئا .. و يرتقي درج المدخل بسرعة .. ليدفع الباب بمنكبه .. ثم يغلقه بقدمه ..
تشبثت بياقة ثوبه .. حتى كادت تخنقه .. و هي تلاحق كلماتها بهستيرية فتتردد في الصالة الخالية .. التي لطالما جرجرت أوجاعها وسطها .. و كان لها من الأذية نصيب ..
- نزلنيييه .. نزلنيييه .. انت تستهبل .. نزلنييييييييه .. شووه هالحركااات الخايسة .. نزلنييييه .. و الا بطيييح ...!!
ما الذي يظنه ..؟!
أ يلعب دورا سخيفا في فيلمٍ تقليدي ..؟!
ما الذي يفعله هذا المجنون ..
نظرت أسفلها .. و هو يرتقي الدرج حاملا اياها إلى الأعلى ..
أفزعتها المسافة و الانحدار الذي أصابها بالدوار .. ..
دمعة صغيرة راحت تبلل زاوية عينها .. و هي تتوسله بصوتٍ خائف مغمضة العينين .. تنشب اناملها الهزيلة في قسوة صدره ..
- غيث .. عن الخبال .. لا تطيحنيه .. نزلنيه دخيلك .. بسير وياك وين ما تبى ..بس نزلنيه ..
شعرت به يشدد قبضته عليها .. و وجهها يدفن في صدره الفسيح ..
و همسة قوية .. تلفح شعرها المبعثر ..
- لااا تخااافين ..
لكنها كانت خائفة منه حتى الموت ..
و يأس مهلك يزحف في عروقها .. و هي تشعر به يقطع الصالة العلوية .. ليدفع باب جناحهما و يدخله ..
انقبض قلبها بقوة .. و تقبضت يداها الممسكتان بياقته ..
و كما توقعت تماما ..
ها هو يعيدها لمسرح أوجاعها ،،
المكان الذي لطالما عاشت فيه .. و معه .. تقلباته المجنونة ..
المكان الذي شهد طويلا ليالي ذلها و انتهاكه لها .. ودموعٌ كانت تسكبها كل ليلة ..
لماذا اعادها الى هنا ..
أ و يرتب للمشهد الأخير ..؟!
تبا له ..
هذا الجو يحرق فتات الروح القابعة بين اضلعها الآن ..
كان يقطع صالة الجناح الفسيحة حين التوت يدها بألم في ثوبه .. و صوتها يتهدج رغما عنها .. مخنوقا في صدره ..
- لاااا ادخلنييييه اهناااك .. مااااباا .. مااابااا ..
و رغما عنها .. حين راح الضعف يسري في أطرافها و غثيان الليلة .. يعود إليها ..
راحت دموعها تبلل صدره .. و هي تطلق أنّة موجوعة مع تجاهله لتوسلها و تجاوزه لباب غرفة النوم التي أضاءها نور السرير الأصفر ..
- لآآآآآآآآ ..
تقدم هو بخطواته الواسعة .. ليضعها على طرف السرير .. فتنزل قدميها للأرض بسرعة و تستوي جالسة تنفض يده بوجع .. دون أن تجرؤ على الوقوف .. و جسده الضخم يسد كل سبيل للهروب ..
الحقيقة أن الهروب هو آخر ما دار في خلدها أثناء جلوسها المنتصب ..
كان أكثر ما تحتاجه هو أرض ثابتة تلتمس تماسكها عليها .. و عيناها تزيغان في تلك اللحظة ..
و آخر طاقاتها تفرغها في محاولة التماسك أمامه .. لتتشبث أصابعها المرتجفة .. باللحاف الثقيل تحتها ..
راحت روحها التي لم تعد سوى طيفا باهتا بحضوره .. ترتعش كورقة خريفية ..
و خشيت للغاية أن يطأها بقدمه الكبيرة فيفتتها مجددا ..
في أعمق أعماقها .. آمنت بأنه ان كان ساعيا لايذائها .. ستستسلم لطوفان وجعه .. و ستدعه يجرفها ..
و يغرقها .. و يزهق داخلها آخر أنفاس الحياة ..
فقط لأنها لا تملك طاقة لهذه الليلة العسيرة ..
تبا له ..
لقد هجرت أختها منذ قليل ..
هربا منه ..
و كثير من الألم يحتقن في صدرها الآن .. لا ينقصها الا طعنة واحدة من حرابه لتنفجر ..!
غطت وجهها بيديها النحيلتين حين راحت الدموع تتدافع بجنون لعينيها ..
يا الله ..!
لا تريد أن تواجهه .. و لا تريد رؤيته ..
لمَ لا يتركها و شأنها ..؟!
أ لم يأخذ ما يريد ..؟!
أ لم يحقق مبتغاه منها ..؟! حتى التحدي و الثأر الذي أشعلت فتيله في صدره .. انطفأ بعد اعترافها ..!!
لمَ لا ينسى أمرها فقط ..؟! و يوهم نفسه بانه لم يضيّع وقته في الزواج بها لبلوغ أمنية ..!
هي لا تقواه .. و لا تقوى مواجهته ..!
سحبت نفسا عميقا .. تشعر بظله الساقط عليها ثقيلا .. يجثم على أنفاسها ..
راحت تدس الدموع المالحة في زوايا مآقيها باستماتة..
ستبكي .. و ستحترق روحها ألما ..
لكن ليس هنا ..!
حين تبلغ جزر الأمان بعيد عن امتداد شعورها به ..
لن تبدأها نواحا .. ستلتمس قليلا من الثبات ..!!
حتى تعود إلى مسافاتٍ تفترش بينهما ..!
تعرف هذا الرجل .. الذي لا يرتقب الا ثقبا واحدا في جدارها .. ليحشر فيه قسوته .. و يهدمها ..!
و زحفت بقايا ثقتها إلى قلبها .. و هي تشعر به يجر أنفاسه و يبتعد عنها ..
تنفست الصعداء قبل أن تزيح يدها عن وجهها ..
كان الغثيان يتصاعد لحلقها .. و وجدت أنها ترتجف بعنف كالمحمومة ..!
فستانها الثقيل الذي ألصقه الحر بجسدها .. راح يعّذبها دون هواده ..
و شعرها يلتصق بشكلٍ كريه بوجنتيها .. و يلتوي على رقبتها .. و يلسع ظهرها تحت العباءة الثقيلة ..
هي على وشك الاختناق ..
و مشاعر تهيج داخلها .. تتفجر وسط روحها المتعبة ..
هذه هي مشكلتها الأزلية معه ..!
ما ان يلتقطها في مداره حتى يضيّعها في دوامةٍ من أحاسيس مهلكة ..!
كانت تضم كفيها لصدرها .. تضغط على قلبها .. و ثقلٌ يوضع على رأس معدتها .. و يجثم على صدرها ..
حتى شعرت أنها عاجزة عن أي شيء ..
.
.
.
.
بخطواتٍ بطيئة .. يعاند رغبة عارمة في الالتصاق بها ..
يثني جموح نفسه التي تحثه بجنونٍ لاجتياحها ..
لمعاقبتها .. و إذاقتها شيئا من الوجع الذي خلفته فيه برحيلها ..!
أراد أن يغزو خوالجها .. فيستوطن كل ركنٍ صغيرٍ في داخلها ..
أراد أن يحني عنادها الطفوليّ لأحاسيسه الرجولية العنيفة ..
الا أن رقّة توسلاتها للهرب عن كل هذا الألم ..
فزعها من العودة لبقاعٍ نثرت أشلائها فيها و نسيتها ورائها ..!
و شعوره بأنه يعاملها بغلظةٍ تحت وطأة ذاك الحنين الذي يمزقه ..!
دفعته للتنحي بعيدا عنها قليلا ..
لو اقترب مرّة أخرى .. سيطحنها دون شكّ ليستنشق فتاتها ..
و يدس بقاياها في داخله الى الأبد ..!
يجر نفسه اتجاه النافذة .. ليزيح ستائرها الثقيلة .. ثم يدفع نافذتها .. ينشد شيئا من هواء الصيف الخانق ..
فقط ليهرب قليلا من تأثير أنفاسها الكاسح .. و رائحتها ..!
تنفس بعمق .. و الهواء الحار يزحف للداخل ..
و ألم لا معقول يسكن صدره في تلك اللحظة ..
كان دنو روحها .. و جلبها إلى هنا ..
صراخها .. و اعتراضاتها ..
كان حضورها رغم مرارته شيئا ملأ قلبه .. و اجتاح حواسه ..
و شعر بأنه يفقد كل ذرة عقل .. و قدرة على التفكير و هي بهذا القرب منه ..
كان هجرانها له شيئا فاق قدرته على الاحتمال ..
هذه الطفلة الساكنة وراءه .. تستوطن عروق قلبه ..
و أدرك أنه لن يعيش دونها ..
لكن ..
كان هناك ملايين العثرات ..
و حواجز لا تحصى ..
و لم يفلح في ايجاد أي كلمة قد يبدأ بها .. ما يريد قوله ..
أو ينجح وراءها في استدراج بوحه ..
ليتلو عليها شيئا مما يخالجه نحوها ..
و تقلّصت عضلاته .. و هو يشد بيده على اطار النافذة الطويلة ..
حين تسلل صوتها الهامس من وراءه .. يسأله بتعاسة أوشكت على قتله ..
- ليش يبتنيه هنيه ..؟ شوه تبا منيه ..؟
أغمض عينيه بقوة ..
الكثير .....
يريد أشياءً قد تعجز عن منحها اياه ..
يريد أن تمحو من ذاكرتها كل أيامهم البائسة ..
و أن تتسلل بهدوء إلى صدره كي لا تُفزع ما يسكن فيه ..
فتقرأ كل حكايةٍ شهدتها أضلعه ..
يريدها أن تعود تلك الطفلة الحلوة الساذجة ..
تلك الروح الشفافة التي لم يمزقها خداعه ..
يريدها أن تحبه ..
لأنه عاجزٌ عن اقتلاع ذاك العشق الذي يعربد بجنون وسط قلبه ..!
عاجزٌ عن ردع ذاك الشغف الذي يقتله ليتلمّس بقاياها في العتمة .. من أثوابٍ مهجورة .. و رائحة عطر ..!
فليساعده الرب ..!
كم يحب هذه المرأة بجنون ..
يشعر بأنه قد يقتلها ان جرؤت على هجره مرة أخرى ..!!
.
.
سحب نفسا عصيبا .. و انتفخت عضلات صدره العريض .. و هو يحتجزه في رئتيه .. قبل أن يخرج صوته الأجش مجيبا سؤالها ببطء ..
- ابا أتفاهم وياج ..
و انهال صوتها المهتز نصالا حادة على ظهره ..
- اناااا مااارييييد أتفاهم وياك .. نتفاهم على شوووه أصلاااا ..؟! كل شي انتهى .. أنا قلت لهم يقولولك انيه أبااا ورقة طلااااقيه .. ليش ما تطلقنيه ..؟؟!!
و تهدج صوتها بلوعة جليّة .. فيما ملأ خليط مجنون من الغضب و الألم المر صدره ..
- ريحنيييييه و ارتاااااح .. طلقنيييييه .. انت ما خذت اللي تباااه ..؟! خلااااص .. اعتقنيييه ..!!
صر على أسنانه حتى اوشكت على التخلخل .. و قبضته تعتصر الهواء بقسوة ..
و هو يقول من صميمه ..
- ما بطلق .. و اللي أباااه ع قولتج ما قد خذته ..
نعم ..!
فقد كان أمامه الكثير ليجتازه و يصل إلى روحها ..!
و استدارت ملامحه المظلمة بما يشعر .. ليجدها تقف بدورها على قدميها مولية اياه ظهرها ..
قامتها الضئيلة قريبة منه .. الا أن روحها تبعد اميالا عن هنا ..
شعرها كان قد تشعث قليلا .. يندس بعضه تحت ظهر العباءة .. و البعض الآخر يتمرد .. ليزحف إلى الخارج .. منفلتا من عقد دائرية في رأسها ..
انطلق صوتها الآن حادا .. هزيلا .. و الرعشة التي لا تفارقه .. تصيب قلبه هو .. بعنف ..
- ليش ..؟! ابويه سيف ما كتب شركتك الغالية باسمك ..؟! ما خلصت ..؟ و الا قال بيسحبها لو ما رديت بنت حمد ..؟!
لو يعلم فقط من هو الجرذ الحقير الذي أخبرها بكل هذا .. لدق عنقه ..!
نظر لضعفها بصبر .. يراقب ظهرها .. و كتفيها المائلا .. بوقفة متعبة ..
و هو يحاول تمالك أحاسيسه الهائجة .. كي لا يقفز ليتلقفها بلهفة .. و يسأل بهدوء ..
- منوه قال لج عن الشركة ..؟
و انفجر قلبه .. و هي تستدير نحوه بقوة ..
تطالعه ملامحها الغارقة في الضوء الأصفر ..
ظلال داكنة تلوّن جفنيها .. و شفتين من قرمز .. تشد سهاما محرقة على نبال أحرفها .. لتطلق كلماتها ..
حادة .. موجعه ..
تصيبه في مقتل ..
- محد قاليه .. روحيييه سمعتك ترمس أبوية سيييف .. سمعت رمستك السم .. انته .. انته قلللت .. قلللت لبويه سيف .. انه لو باااقي بس يوم ع العرس بتردنيه لو ما عطاااك اللي تبااا .. قلت انك ما تبا العرس الا عسب تااخذ حلالك .. هب هاي رمستك ..؟! خلااااص .. و هذا انته خذت اللي تبااه .. و مالك حاية الحييين ..
و لمست جبينها بأصابع ترتعد .. و صوتها لا يثبت ..
- ططــ .. طلللقنييه ..!
صر على أسنانه بغيظ ..
كانت كلماته مجرد تخويف للعجوز كي لا يخلف وعده اذا علم بمشاعره اتجاه حفيدته ..!
خشي أن يسلبه الحق المتفق عليه ان علم أنه متعلق بالفتاة و سيسعى للزواج بها دون أن يضطر الجد لدفع فلسٍ واحد ,,
كان ما يحمله لها عميقا للغاية ..
لكنه أفسده تلك الليلة ..
و شاركته هي هذه الغلطة ..
لذلك قال بقهرٍ .. و صوته الرجولي يرتفع قليلا ..
- و انتي سمعتي الرمسة من هنه .. و سويتي فلمج من اهناااك ..؟ ليش ما قلتي عن اللي سمعتيييه ..؟؟ ليش ما ييتي تسألييينيه ..؟! وااايد عايبنج دور الضحية و الانتقااام .. لو سألتييينيه .. ما كان صار اللي صااار ..
انفجرت بصوتٍ ممزق في وجهه .. و هي تتحرك خطوتين مشيرة لصدرها بألم ..
- أسألك عن شوووه ..؟؟ كل شي كان واضح .. الريال لي تحريته ساعي يبانيه انا .. يشتري و يبيع فينيه عشااان الفلووووس ..
تقدم بقوة نحوها و عينيه تجحظان بقسوة.. و هو يشتهي اعتصار عنقها النحيل بيديه .. و رعد صوته بين جدران الغرفة في غضبٍ أسود ..
- واااضح لمنووووه ..؟؟؟ انتي غبية ..؟؟!! سمعتي رمسة ما تعرفين أساسها .. ما تعرفين شوه اللي خلاااانيه أقولها .. يمكن ما كنت أعنيييها .. ليش اتعمدتي تستفزينيه .. عسب أسوي اللي سويته فيج ..؟؟! لااا اتركبييينيه الغلط .. و انتي غلطااانه وياااية .. انتي تسببتي باللي صار امبينااا .. قد قسيت عليج ..؟ غلطت عليج قبلها ..؟ ما حسستج انيه أباااج لنفسج ..؟ و الا ماا صدقتي يتج الرمسة اللي سمعتيها .. و سويتي الفلم الهندي .. أنا ما كان أذيتج .. و لا كان مسيتج بشي .. حتى لو ما كنت أباااج .. انتي اللي حديتينيه ..
مع دنوّ جسده الضخم منها .. ضمت نفسها .. و هي ترتجف .. و أغمضت عينيها ..
كانت عاجزة عن التفكير ..
ملؤها الألم .. و القرف من كل شيء ..
و غلى الغثيان في جوفها .. و هي ترفع عينين محترقتين بالدمع ..
- أنا اللي حديييتك ..؟؟!! الحييين .. الحييين .. احلف انك ما خذتنيه الا لنيه حور بنت حمد .. و انك خذتنيه لنك تبااانيه .. و انك مااا كنت تبا الشركة .. احلف ان السبب ما كااان وعدك لبوية سيف .. أحلفك بالله .. الحين .. تقوليه الصدق .. و لا تكذب عليه ..
و انقطعت كلماتها .. ليسود صمت ,,
تتعلق عيناها بملامحه .. ترتقب ..
كان بامكانه الإنكار ..
هو معتاد على الكذب دون أن تهتز له شعره ..!
الا أنه لم يستطع الكذب عليها .. و لا تزييف مشاعره .. أو مخالطتها ..
لا يمكنه أن ينكر بأنه قضى وقتا طويلا .. حالما بملكية الشركة .. و باليوم الذي سيجني فيه ثمار تعبه ..
لا يمكنه أن ينكر أنه حتى آخر لحظاته .. و حتى الآن .. لا زال مرتاحا لأنه كسب الملكية ..
لا يمكنه أن يكذب عليها ..
و يدعي شيئا آخر ..
يريدها .. و تعتصره مشاعره بعنف ..
و لا يريد أن يبدأ مجددا بكذبه ..
عليهما أن يجتازا كل هذا أولا ..
.
.
.
.
بهتت ملامحها .. و انحسر كل لونٍ و دفءٍ عن وجهها ..
و شعرت بأن هناك من أمسك بأطراف روحها .. و جرها في اتجاهاتٍ معاكسة بقوة .. لتنشق بعنف ..
بدا الثقل في معدتها يزداد سوءا .. و عينيها تطالعان ملامحه الصلبة المنحوتة بألمٍ مبرح ..
لثانية واحدة بعد اعتراضاته ..
تملكها أمل ساذج .. بأن يكون الأمر مجرد خطأ منها ..!
و كلماتٍ أساءت تأويلها ..
الا أن صمته .. نحر هذا الأمل ..
لتغمض عينيها بوجعٍ سحق قلبها ..
و يلومها ..؟!
تبا له ..
ترتجف أطرافها بعنف .. و غثيانها يغدوا أكثر سوءا ..
و تهدج صوتها بهمسٍ ميت ..
- شفت ..؟! شفت انك كذاااب .. أباا أعرف بس .. ليش اتلومنيه ع اللي سويته ..؟؟ و انت اللي في لحظة وحدة بس .. قدرت تهدم في داخليه شي كبير بنيته ..!! الحين شوه تبا منيه ..
و راحت تمسك جبينها بيدها المرتجفة ..
و احساس مُرهق يوغل في داخلها ..
ليسكن الخرابة المسماة قلبها ..!
و انتكس صوتها .. بدمعةٍ انزلقت ثقيلة .. حارة على جانب وجنتها ..
- شوه تبــــا ..؟! ما كفاك اللي سويته ..؟! خلاااص .. حتى غلطتيه اللي تقول انيه غلطتها .. خذت عليها حقك و زود .. شوه تبا منيه بعد .. حراام عليييك .. و الله بموووت من اللي تسويييه فيينييه ..!!
أغمض عينيه بقوة .. و وجهه يسودّ فيما يمرر يده في شعره الكث بغضبٍ محبط ..
- أناا هب كذاااب .. ما انكر ان الشركة كانت جزء من الصفقة .. تبينيه أكذب عليج ..؟؟ أنا ما ملكت عليج لنيه أحبج .. انتيه تعرفين انيه ما كنت أعرفج ..؟ يعني شفتج في مناميه و ييت أخطبج ..؟! كنت أبااا شركتيه .. تعبيه و شقاايه .. حقيه .. و ما كان قداميه وسيلة آخذها الا هاي .. لكن خلااااف كل شي تغير ..
أحرق صدرها الألم و هو يعترف بهذه الصراحة ..
- و ما فكرت فينيه ..؟ في البنية اللي بنت باقي حياتها عليك ..؟! ما فكرت في أحلاميه .. في كل اللي تمنيته و أركيته على زواجيه منك ..؟ كل اللي كان همك شركتك ..؟!!
صرخ باحباط و هو يتقدم منها .. لتتراجع خطوتين إلى الوراء فيتوقف في مكانه .. باحتراق ..
- قلت لج كل شي تغير .. مع الوقت .. عرفتج .. و عرفت انيه أباااج انتي ..
و لم تستطع منع ابتسامة مزقت شفتيها بلوعة و عبرة أخرى تنزلق على وجنتها ..
- قصدك تبااا شركتك .. و تبا تستغلنيييه .. انت شفت انيه الطريقة الوحيدة اللي بتوصل بها لشركتك .. و كان عادي عندك تدوس عليه .. و أنا اللي أملت عمريه خير فيك .. و ما صدقت ان فيه ريال أروم أعتمد عليه .. و أثق فيه .. عطيتك كل شي ..
صر على أسنانه .. و هو يجد أنها تغلق كل السبل امامه ..
لا تريد أن تصدق انه أرادها بطريقة ما ..
تكلم بقهرٍ ينبع من عجزه عن الوصول اليها .. و هو لا يسيطر على صوته الراعد ..!
- يعني حتى انتي استغليتينيه ..ريال تعتمدين عليه ..؟ بتقولين الحينه انج كنتي تبينيه من أول ما خذتج ..؟ و انيه حطمت صورة فارس الأحلام .. ؟؟!
أمسكت بصدرها .. كانت تدنو الآن من آخر حدود الاحتمال ..
و شعرت بأن ستنهار قريبا جدا ..
و ستسقط عند مواضع القدمين ..
و بألمٍ منتهي رفعت صوتها الموجوع ..
- لاااا تقلب الدووور .. يمكن ما كنت أباااك .. لكنك عرفت تلعب زييين .. الين غررت بمشااعريه .. و استغليتنيه .. خليتنيه أحبك بس عسب لا تخسر فلوووسك و تِظمَنِّيه .. ما همتك مشاعريه .. و لا بشوه حسيت صوبك .. أنااا ما استغليييتك .. أنااا .. صدق .. صدق ..
و انهمرت دموع ضعفها الجلي .. تعلن مقتلها باعترافٍ أخير ..
- أناا حببيييتك .. و الين الحييينه أحبك و هب رااايمه أظهرك من خاااطريه .. لكن اللي سويته ذبحنيه .. و حرق فواديه ..
.
.
أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي يـا قصة لست أدري مـا أسميها
أنـا أحبك حاول أن تسـاعدني فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا
وإن من فتح الأبواب يغلقهــا وإن من أشعل النيـران يطفيهــا
يا من يدخن في صمت ويتركني في البحر أرفع مرسـاتي وألقيهـا
إنزل قليلا عن الأهداب يا رجلا مــا زال يقتل أحلامي ويحييهـا
كفاك تلعب دور العاشقين معي وتنتقي كلمــات لست تعنيهــا **
.
.
أغمض عينيه بقوة .. و هو يشيح بوجهه متألما ..
شعر بأن وتدا يدق في صدره .. و هو يتنفس بصعوبة و وجع ..
لطالما تمنى تلك الكلمة ..
و ارتقبها .. و رآها ملايين المرات في أحلامه ..
الا أنها لم تكن مسلوبة المعنى بهذا الشكل .. و لا سوداء .. شائكة ..
محملة باللوم .. و العتب ..
لم تكن مؤلمة ..!
و لم يكن لوقعها صوت أجراس النهاية المخيفة ..
خشي كثيرا من الصدى الذي ارتد صمته وراء كلماتها .. و هي تهتز بعنف .. مرتعشة ..
و كأن صاعقة ضربتها ..
وجد قدميه تقطعان المسافة القصيرة بينهما .. فيما تتراجع هي خطوة هزيلة .. رافعة راحتها رفضا في وجهه ..
و يقول بقوة موجوعة .. أخرجت صوته الأجش متحشرجا .. من ثقل المشاعر .. و هو يجد نفسه بهذا الضعف لأول مرة ..
- لو انتي تحبينيه .. عطينيه فرصة .. خلينيه أحسسج باللي أحسه صوبج .. ليش تهدين اللي بيننا ..
لوحت بيدها .. فيما تضع الأخرى على صدرها .. و بدا وجهها مظلما .. و هي تقول بصوتٍ مهتز ..
- ماااا ااروووم .. و الله مااارووووم ..
.
.
.
.
نعم ..
لم تعد تقدر ..
و شعرت بروحها تضيق بها .. و غثيانها ينفجر مرة واحدة ..
حين تصاعد في داخلها .. وصولا إلى فمها ..
و هو يتقدم محاولا الامساك بها .. و صوته يخفت في محاولة لاستدراجها ..
- حور .. !
الا أنها سدت فمها بيمناها .. و هي تلطم يده الممدودة بيسراها .. و تستدير متعثرة على عقبيها ..
تهرع بخطواتٍ مهتزة .. على قدميها المتعبتين المرتجفتين .. و على كعبيها الرفيعين ..
نحو حمام الغرفة تدفع بابه بعنف .. و هي تتقيأ بشدة دون أن تستطيع منع نفسها .. سوى بسد فمها بقوة .. لتقتحم الحمام ..
و تنحني على المغسلة اللامعة .. فتفرغ كل ما في جوفها داخلها بصوتٍ مرتفع ..
فيما صوته يرتفع بغلظة قلقة من ورائها مناديا ..
- حوووور ..؟!
شعرت بأن روحها تخرج من فمها .. و هي تتقيأ ذاك السائل الأصفر بقوة .. حتى مع إخراجها كل ما في معدتها الخاوية ..
استمرّت في التقيؤ بعنف دون أن تجد شيئا لتخرجه ..
تدمع عينيها .. و ينقبض صرها .. مع التواء معدتها العنيف ..
شعرت بالضعف يجتاح نواحيها .. و عظامها ترتجف بشدة ..
أصابعها النحيلة المتشبثة بطرف المغسلة تهتز مع توقّفها أخيرا .. لتجد انها عاجزة عن الوقوف على قدميها دون التمسك بها ..
لذلك تخاذلت ساقيها و هي تنحني للأسفل و دوار مهلك يجتاح جسدها النحيل ..
كانت حالتها مزرية ..!!
متعبة للغاية .. و متسخة ..
مستسلمة .. يقتلها الاحراج لتقيّئها أمامه ..
و لا طاقة لها ..!
تعاسة كاسحة تتكسر على جسدها ..
حزن لا محدود ..
انبثق فجأة من كل شيءٍ ليخنق روحها المتعبة ..
لذلك أجهشت فجأة ببكاءٍ متقطع بصوتٍ أبح .. مزّقته نوبة الغثيان للتو ..
و ذراعٌ صلبة تطوّق خصرها قبل أن تجلس فعليا على أرضية الحمام .. لتسندها ..
كانت شهقاتها تهز نحولها .. بين يديه .. و هو يرفعها قليلا .. فيما يتثاقل جسدها الخائر .. و يديها تسقطان بلا حيلة إلى الأسفل ..
قبل أن يحملها بجهد بين ذراعيه .. و رعدة مريعة تهز أطرافها المتراخية ..
ضمّها بشدة إليه .. يطمس ملامح وجعها في صدره ..
في تلك اللحظة كانت متعبة للغاية لتشعر بأي شيء ..!
غير قادرة سوى على النواح بحزنٍ عجيب ..
شعور لطالما كانت تنتهي به نوبات غثيانها ..
الا أن ألم هذه المرة مازجه انكسار مر مختلف ..!
و اعترافها للتو بمشاعرها استهلك كل قوةٍ متبقية في داخلها ..
كان يتمتم بشيءٍ لا تسمعه .. يهمس لخصلاتها المتناثرة بسرٍ لم تفضحه ..
فيما يمددها برفق على السرير .. ليتركها هناك .. فتفترسها وحدةٌ غريبة ..
و حاجة ملحة لأن تضم أطرافها .. و تلف روحه التي هجرها للتو ..
دفنت وجهها في اللحاف الوثير .. و ثقل الفستان الكريه ..
يجعل حياتها أسوأ كل لحظة ..!
بعد ثانيتين شعرت به يجذبها مرة أخرى يسندها لصدره .. يدفع بكوب ماءٍ لشفتيها المرتعشتين ..
و تعجز هي عن الثبات .. و شهقاتها تهز جسدها .. لتهز الكوب معها .. فتتساقط قطراته..
كأدمعها التي راحت تنهمر مطرا أسودا لطّخ وجهها ،، ليَقُصّ على الناظرين حكاية بؤسٍ حالك .. تعرج أخاديدا على وجهها الصافي ..
و قرب أذنها .. يودع هو دفء أنفاسٍ تهدئها .. كان مفعولها معاكسا ..
فلم تزدها الا وجعا .. و شعور مر بالرثاء ينتابها ..
يهمس بعمق ..
- اصصصص .. هاج المـــاي .. قولي بسم الله ..
.
.
.
.
وجهها مبلل بالدموع ،، و قد احتقن بشدّة ..
و التصقت به خصلات شعرها السوداء .. تخالط لطخات الألوان على صفائه ..
كانت تشهق كطفلة صغيرة .. تتقطع الأنفاس قبل أن تبلغ رئتيها .. لتبكي بنشيج موجع مبحوح مزّق صدره ..!
لم يعد في روحه مكمن ذرة واحدة لم يتشقق لمرآها بهذا الحال .. و هو يحاول دس طرف الكوب بين شفتيها .. فيما تدفعه .. بعناد ..
و نواحها يزداد .. و يسودُّ وجهها ..
وضع الكوب جانبا على طاولة السرير .. و الألم في داخله يتضخم بعنف .. ليمسك بمؤخرة رقبتها .. و يدفن وجهها في تجويف كتفه العريض.. يخنق بكاؤها .. حين استحال لتيارٍ محرق راح يمر بجسده ..
تلقف ضعفها .. يحتويه بمرارة .. مفكرا بأنه سبب حالتها هذه ..!
يعتصر نعومتها بقوة .. لتتكسر رقتها على صدره بقسوة لم يقصدها ..!
مرغ أنفه المستقيم في شتات شعرها .. يحبس رائحته في خلايا رئتيه ..
ليهدئ من الألم الزاحف في أوصاله .. و صوته الأجش يتلمس ملامحها الباكية يتغلغلها بإحساسٍ دافئ يطرد برود هجرانه ..
- بس حبيبي .. خلاااااص .. اصصصص .. لا تصيحين ..
و يهدهدها بصبر ..
حتى بدأ بكائها يخفت ..
طفلته الحبيبة ..!
كان أول من اقتحم عالمها الوردي ..
ليمزق الأخيلة الحلوة .. و يحطم قلاع الأحلام الرملية ..
و يبعثر أشلاء الدمى ..
هو الغازي الذي ظن نفسه فاتحا عظيما ..
فتمادى في إحراق مدائن إحساسها ..
و هدّ الأسوار .. و ذبح الحلم .. و سبى الفرح ..
أغمض عينيه بقوة .. حين اخترق همسٌ ميت صدره ..
و كلماتها تزحف بيأسٍ .. و احساسٍ منتهٍ ..
- مااا روووم .. خلااااص ..
و شهقت مجددا بقوة .. ليشد على عينيه بوجعٍ مُثقل .. و هي تبكي مجددا ببؤسٍ مرهق .. ذابل .. و صوتها الهامس خائر القوى ..!
- تعبت .. و الله تعبت .. ما أتحمل زووود .. آآآآآه ..
كل كلمة كانت تتفوه بها .. راحت تشج قلبه .. و هو يستمع لصدى بعيدٍ يتردد وسط أطلال الخرائب القابعة داخلها ..
بكاؤها .. راح يحني هامات القسوة في روحه .. راكعة للآلئ تدحرجت على وجنتيها ..
يزرع قبلة على قمة رأسها المنحني .. و صوته الأجش يمزق غلظة حنجرته .. و هو يهدّئها فيما جحيم مستعر يزداد وسط قلبه ..
- خلااااص .. لااا اتصيحين .. معاد به زووود .. تسمعينيه ..؟!
و أبعد رأسها المغمور في حضنه .. يمسك بيديه السمراوين القويتين وجنتيها الشاحبتين .. يحتضنها بوسع راحتيه .. ليرفع أمل مآقيها الذابل لعينيه الحادتين ..
و هو يشد على وجهها ..
- طالعينيه ..!! حور ..!
لكن نظراتها أبت إلا الفرار ..
تفضل التشرد على أن تستكين في ظلمة حدقتيه .
شد فكها بقوة الألم الذي يعتصر قلبه الآن .. مع تفلّت عينيها ..
- طالعينيه .. طالعينيه ..
ضغطت شفتيها للداخل .. و مآقيها تسكب نهرا دافقا الآن ..
مضطرّة ..
تجرجر بصرها صعودا .. فينهكها النظر ..
لم يكن التسلّق إلى عينيه يسيرا يوما ..!
لم يصدق أن يغرق في عمق مآقيها مجددا ..
حتى تمنى لو تغمره تلك الأدمع الصغيرة ..
تجتاح نواحيه .. لتغرقه ..
و ينتهي طريحا على شواطئ روحها ..
ميتا ربّما ..؟!
لكنّه سيبلغها ..!
سحب نفسا مزّق عضلات صدره القويّة .. و هو يشد على أسنانه ..
ناظرا لملامحها الدقيقة ..
و وجهها المتورم من البكاء ..
و التقط من رفٍّ في روحه .. احد الخناجر الذي اعتاد أن يمزق بها أوتار قلوب الغير ..
و راح يشحذه ..
و علم جيدا أن التمزق سيكون من نصيبه هذه المرة ..
حتى و هو ينظر لعمق عينيها بشدة .. و تتشبث حدته بأحداقها يقول بحزمٍ متصلب ..
- كل اللي تبينه بيصير .. انزين ..!! ريحي عمرج .. و عيني خير .. الصياح ما بيعدل الأمور ..
ارتجفت أهدابها .. لتمطر عبراتٍ سخية .. و كلماتها تتهدج بشهقاتٍ لا تهدأ ..فيما يمناها تعتصر صدر فستانها بألم و كأنها تختنق .. و اليد الأخرى تتشبث بإحدى يديه متوسلة .. لينخلع قلبه بأسى ..
- ماااا أقدررر .. انااا تعبااانة .. مليييت .. مليييت كل شي .. آآنس انيييه بمووووت ..
ثُقبت روحه من كلمتها الأخيره .. ليجد أنه ينهرها بغلظة دون ارادة .. فيرتعد جسدها لزمجرته ..!
- بسسس خلااااص قلنا لج .. ما با أسمعج اتييبين طاري الموت .. تسمعين .. ؟!
اختنقت شهقاتها و هي تعض على شفتيها .. و تحجرت الدموع في عينيها بنظرة خائفة ..
تطالع ملامحه بذعر .. و كأنه سيضربها ..!!
الألم في داخله أوشك على الانفجار .. و يده تشتد دون شعور على فكّها الرقيق ..
أي أشواك غرس في جوفها لتغدو أدغالا شائكة .. راحت تمزق نواحي روحه ..؟!
و كل رد فعلٍ يصفعه بكل ما كان يفعل بها ..!
حين ابتدأت شفتيها بالارتعاش .. و كانها توشك على الانفجار مجددا بالبكاء ..
أفلت ذقنها و هو يشيح بوجهه .. و يقف بعيدا عن امتداد أوجاعها ..
صار كل ما حوله يخنقه بقوة ..
و وضع يده على رقبته .. و هو يتنفس بألم .. حين علت شهقاتها مجددا ،، و هي تلقي بجسدها إلى الوراء و تدفن نواحها في المخدة ..
تبا ..!!
كلما أراد أن يصلح الوضع .. وجد أنه يزيده سوءا ..!
ابتلع كتل الشوك التي سدّت حلقه .. و هو يعود ليقترب منها بحذر ..
يجد أنه عاجزٌ و قليل الحيلة ..
كيف كان يحتمل بكاؤها و ألمها مسبقا ..؟!
لمَ يشعر الآن أن قلبه ينفطر .. لترنيمة الحزن التي تتصاعد من رأسها المدفون ..!
دفع أقدامه ليعود إليها مجددا .. ركع قرب السرير .. و مد يده ليلمس جنون شعرها المبعثر .. بصوتٍ متعب ..
- حووور .. حبيبتي ..
ضمت جسدها و هي تبعد يده عنها .. و صوتها يتقطع من بين شهقاتها ..
- خووووز عنيييييه .. انته شووووه تباااا منييييه ..؟ ردنييييه بيييت عميييه سلطاااان .. ماااريييدك أنااا .. خوووز عنيييه .. ليييش تصااارخ عليييه .. ؟؟
تنهد بيأسٍ و هو يشدها بقوة اليه .. رافعا رأسه للسماء .. بقلة حيلة .. و صوته يرتفع مجددا ..
يشعر بأنه لا يحتمل انهيارها و لا يحتمل أيضا الألم النابض في صدره ..
و لا ترديدها كل خمس ثوانٍ رغبتها في الرحيل ..!!
- انتي تحدييينيييه .. بلااااج غادية ياااهل و ونااانة .. كل كلمتين .. قمتي تصيحين .. انتي مااا تفهمييين شوووه أبااا ..؟! أبااااااج انتي ..
رفعت وجهها المحتقن بالألم له مجددا.. لا يفصل بينه و بين شظايا حطامها سوى انشين .. و وادٍ سحيق خشي أن يهوي فيه بحسرته ..
دفعت صدره بلوعة بائسة ..
- و أنااا قلتهااا مليووون مررررة .. ماااباااك ياااخي .. اعتقنيييه لوجه الله ..
صرخ بعنف و هو يفلتها و يقف على قدميه .. و كل سيطرة بدأت تنفلت منه ..
- انتي هبللللة ..؟ توج تقولييين أحبك و مادري شوه من خرابيط ..
أغمضت عينيها بقوة مؤلمة .. و انهمرت دموعها .. و هي تصيح به .. و يديها تتشبثان باللحاف تحتها ..
- هيه أحبك .. لكن خلااااص .. طابت نفسيه من عشرتك .. ارحمنيييه يا ابن الحلاااال .. من خذتك ما شفت يوم واحد حلو .. ذوقتنيه المرر .. أنا من خذتك نسيت كيييف أضحك .. أحبك .. لكن تعال شوف شوه فخاطريه من سواياك .. انته ما حسيت بعمرك ..؟؟ شوه كنت تسوي بيه ..؟؟ و الله .. و الله ان الذبح أرحم من اللي آنسه منك .. حرااام عليك .. و الله حرااام اللي تسوييه فيّه .. خاااف ربك .. سوّدت الدنيا في عينيه ..
كانت أصابعه ترتعش فشدها بقبضة قوية .. و عروقه تتشرب يأس أحرفها .. شعر بأنها تسد كل بابٍ في وجه ..
و دون أن يشعر .. اقترب منها يمسك بكتفيها .. يليّن نبراته .. لاستدراج صفحها ..
- اللي فات مات .. انسي اللي صااار .. انا أدري وااايد غلطت في حقج .. لكن عطينيه فرصة أصلح كل شي ..
بكت بيأسٍ و دفعت كتفه بوجع ..
- أنسى اللي صااار ..؟؟!! أنا الييين يطوينيه التراااب .. بتم سواايااك وسم في فوااديه .. مااا روم أنسى .. مااا روم أمسح كل اللي صااار من عقليه .. و قلبيه .. كل شي شرا الفلم ينعاااد عليه كل سااع ..
وجد أنه يمسك برأسها .. ليلتصق جبينه بجبينها و يغمض عينيه متنفسا بصعوبة ..
نبرته المحمومة توشك على احراقها حين بدأ يأسها يتسرب لروحه و راح يكافحه بشراسة .. مرددا بجنون ..
- حور .. حور .. حور .. ماااريد أخسرج ..
لفحت أنفاسها المحترقة وجهه .. و هي تشهق بحزنٍ .. تبعثر دموعها على صفحة وجهها ..
- غيث .. انته شوه تبابيه ..؟! ما بتخسر شي ..!! الشركة و صارت لك .. و الياهل تدري انيه ما بروم أمنعك عنه .. شوه تباا بعد ..؟!
صرخ بقوة أمام وجهها لينفض أوصالها ذعرا ..
- الله يلعنهااا من شررررركة .. انتييي غبييييية ..؟!!!!! قلت لج أباااااج انتي .. هب متعاايز أرصف ثلاث عليج و أيييب بداااال اليااااهل عشششر .. مااا تفهميييين ..
و لهث بقوة .. و هو يشد على رأسها بعنف .. حتى أوشكت انامله على اختراق جمجمتها ..
- أنااا أبـــااااج انتي ,,
.
.
.
.
و هدرت تيارات من ألم راحت تكتسح ضعفها ..
و قوته تضغط على نواحي وجهها ..
.
.
أنااا أبـــااااج انتي
أنااا أبـــااااج انتي
أنااا أبـــااااج انتي
.
.
كيف لها أن تصدّق ذلك ..؟!
بعد كل ما مرت به معه ..!
هل يحبّ الجلاد ضحيّته ..؟!
هل يحب الصاعد عتبات سلمه ..؟!
انتهى كل شيء ..
كل شيء ..
لا يمكنها أن تحاول العودة إلى هنا .. و كل النيران التي أوقدها لا زالت تضطرم في صدرها ..
لذلك وقفت من خلف دموعها .. تتأمل خشونة تقاسيمه السمراء ..
و بأصابعٍ مرتجفة .. تلمّست خشونة لحيته .. و شاربه الأسود .. و صوتها يتهدج ..
- و انااا خلااااص .. ما اتحمل قربك .. طاابت نفسيه منك .. و معااد بيه حيل أرد لك .. شوه بتسوي ..؟!
و انبثقت دمعة كبيرة من زاوية عينيها .. و هي ترى انعكاسا ساطعا لالتواء وجعها في عينيه المظلمتين ..
- بتردنيه غصب ..؟! ترى ما برد الا جسم ميّت .. روحيه خنقتها .. و ما بنفعك .. صدقنيه .. بتكرهنيييه .. و بتكره عمرك كل يوم زووود عن اللي قبل .. أناا و انته ما ننفع لبعض .. اناا غيير عنك .. تفكيري غير .. و أحلااامي غيير .. و انت ..انت قاااسي .. و اناا ما اتحمل ..
اعتصرت قلبها قبضة سوداء من الألم .. و هو يقول بقوّة ..
- ماا بغصبج .. لكن ما بطلّق .. انتي لي .. و بتمين لي الين أموووت .. ما أنكر انيييه غلطت وااايد فحقج .. لكن أناا برد اعتباارج شرات ما تبييين .. اطلبي اللي تبييينه .. اللي تبييينه .. الا الطلااااق ..
كان عنيدا .. صلبا .. و رجلٌ محبط ..
أغمضت عينيها تشد سهمها الأخير على نبال الكلمات قبل أن تهمس من بين عبراتها ..
- حتى لو قلت لك .. اكتب الشركة باسمي ..؟!
شعرت باجفاله تحت يديها .. لينحت الحزن ابتسامتها البائسة ..
نعم ..!
هذا ما تعرفه ..
هي التي لا تكون شيئا مقارنة بمُلكه ..!
أبعدت وجهها .. تتأمل ملامحه المظلمة .. بابتسامة كسيرة ..
- لااا تخااف .. ما بقولها .. لكن انته شووه بتستفيد لو خليتنيه معلقة ..؟! ما بتطولنيه يا غيث ..؟
همس من بين أسنانه .. و عينيه تلمعان بتصميم قاس ..
- و لا غيري بيطولج .. مثل ما قلت لج .. انتي لي .. لي وحدي .. أنا بخلي اللي بيننا للوقت .. و بييج اليوم اللي بتنسين فيه كل اللي صار .. و تردين لحياتي ..
و تقاطر الدم الأسود الحار من فؤادها مطلقا أبخرة كالدخان .. و هي تختنق بالحزن ..
- ما ظنتيه هاليوم بيي ..
ابتعد عنها ليقف على قدميه .. قائلا بصلابة جافة ..
- أنا مستعد أرقب ..
فهوت دمعتين كبيرتين على خدها المبتل ..
- بتتعب ..!
صمت لثوانٍ طويلة .. طويلـــــة .. قبل أن يقول و هو ينظر لها بهدوء تربع على ملامحه فجأة ..
- أباج تردين بيت أبوية سيف ..
ثقبت قلبها الفكرة ..
لن تستطيع الثبات هنا دون أن تلاحق أطيافه ..!
و ارتجف صوتها ..
- مااا روم .. أناا كل مااا أشوووفه أذكر انه هو السبب في كل شي .. هووو اللي حدك ع هالعرس .. ما بقدر ايلس ويااه في نفس البيت .. بجرحه برمستيه .. و كل اللي فصدريه بظهره .. مااروم أطالع ويهه و أعيش في بيته و أسكت .. أكيد بيغصبنيه خلااااف أرد هنييه .. و انته قلت ما بتغصبنيه .. دخيلك .. الا الردة هنيييه ..
.
.
.
.
صوتها المهزوز الذي توسله أن يعينها على فراقه .. شرخ روحه .. و امتد الأخدود الغائر على طولها ..
فهوى شيءٌ ضخم في العمق ..
شيءٌ طال تهاديه في السقوط قبل أن يرن ارتطامه في نواحيه .. ليشد قامته ..
يستتر عن عينيها المتشاغلتين بأوجاعها .. فلا تبصر طعناتها البريئة ..!
رفع عينين ثقيلتين .. و هو يسألها بعمق ..
- تبين اتمين عند خوانج ..؟!
لتومئ برأسها في لهفة .. و جزع من أن يجبرها على العودة حقا ..!
كان للتو يتوسّل عودتها .. و ها هي تستأذنه الآن في البقاء ..!
يا لتلك الروح الحبيبة ..!
ها هو الآن يلتمس خيوط الأمل الأخيرة ..
و بنبرة قويّة .. يسدد إلى هدفه ..
- ما عنديه خلااف يلسي عندهم الين تشبعين .. لكن على شرط ..
و ذوى قلبه على حدود أهدابها المرتعشة .. و صوتها الأبح يبتلع عبراتها ..
- شرط شوه ..
فيقتنصها ..
- متى ما بغيت أشوفج تظهرين ليه .. و اذا اتصلت اتردين ..
و من بين أسنانه توعّدها ان جرؤت على هجره بقسوة ..
- و صدقينيه و لا بحلف بالله .. لو اخلفتي شرطي .. بييبج بالغصب .. و لا بيهمنيه اذا جسم ميت و الا حي .. أهم شي انج تحت عينيه .. و انتي تعرفين انه ما يعوقنيه شي ..
و ها هو يطلق قيدها ..!
يحررها من نطاقه ..
سيتقلّب على الجمر لليالٍ لا تنتهي ..
و سينتظر عودتها ..!
سيختلي بأوجاعه ..
و سيتناسى ذاك الألم الذي ابتدأ من الآن ينشب مخالبه في صدره ليمزّقه بوحشية ..!
ها هو يراقبها بعجز .. صامت ..
و هي تهجره ..!
.
.
مسكين انا / لاصرت عايش بدوني
---------- ونجوم خاوتني مسافات / طاحـت

شقول لاحلامٍ بَنَتها فـ كوني ؟؟
---------- شقول لعروق انشفت بي / وناحت ؟؟

راحت ؟؟

راحـــ ـت ؟؟

راحت .. بعد ماهي خذتني بهوني
---------- ثم املكتني يوم بالشوق / باحـت

أوّل لقا قالت : (ترى لك شجوني)
---------- وآخر لقا قالت : (أحبـّك) / وصاحت

ياليتها مافارقت عن جفوني
---------- أو ليتها ماجاتـني / واســتراحـت

واللي ذبح قلبي .. وسهّر عيوني
---------- تحبّـني .. وتموووت فيني .. ورااحـت ! ***
.
.
قد قيل أنه اذا أردت شيئا بيأس ..
فأطلقه ..!
فإن عاد إليك .. فهو لكَ إلى الأبد ..
و إن لم يعد .. فهو لم يكن لك منذ البدء ..
و علم في قرارة نفسه أنها حتى و لو لم تكن له ..
سيسعى حتى موته لإعادة معشوقته إلى مدار جنونه الأهوج ..!

* * * * *


هـــــــــــــــدوء ..!
و كأن ضرسا خُلع من فاه كل واحدة ..!
ثلاث فتيات ..
يجلسن على ذات الأريكة ..
ذات الوضعيّة ..!
يسندن أكواعهن على ركبهن .. و تتكئ الملامح بهم على الأكف الخالية ..!
أطلقت كبراهن زفرة طويلة ..
نفسا واحدا .. سرعان ما تبخر في الهواء ..
ليلفهن الصمت مجددا ..!
شعرت هي بان الجو لسبب ما أصبح له كثافة غير طبيعية .. يمكنها أن تمسكه بين أناملها لتصنع منه جدائل سكونٍ طويلة .. طويلة ..!
و بدورها سحبت من ثقله نفسا طويلا .. لتطلقه ببطءٍ شديد ..
و كانه قد يحمل معه ذاك الشعور الجاثم على صدرها بدون سبب ..!
ثوانٍ فقط .. قبل أن تسمع الزفرة الثالثة عن يسارها .. تطلقها دانة .. لتعلق بأحرفٍ مضغوطة ..
- تعب كانت الليلة ..!
أومأت هي .. دون أن تجد الرغبة في الرد ..
ثوانٍ أخرى طالت قبل أن تعلق دانة بذات النبرة ملتصقة الأحرف ..!
- العرس ترتوب ..!
لتومئ مرّة أخرى .. موافقة بصمت ..
لحظاتٍ بطيئة ..!
لم يكن الوقت ساكنا كالليلة ..!
- شوه يعني ( ليلكي ) ..؟!
قطبت للمرة المليون لتجد نفسها مجبرة على النطق هذه المرة ..
- مادري .. شكلها كلمة لبنانية ..!!
هزت دانة كتفيها تجيب ببطء ..
- ما ظنيه .. ميعاد قالت شوفي البنية اللي لابسة ليلكي .. أحيد البنية أمها مصرية .. ما فيها عرق لبناني ..!!
- ما تدرين يمكن حد من أسلافها من لبنان .. و الا هي لاقطتنها من التلفزيون ..
- هيه و الله خرب عيالنا هالتلفزيون ..!
- حسبي الله على من كان السبب .. ربنا يخرب بيتوو ..
- شعندها حسنات ..؟!
لم ترد نورة بعد ذلك .. انغمست في الصمت الذي استفردت به المها للحظات ..
و شعور تستحضره .. كان كاسحا الليلة ..
لتتمتم دانة بذات الفكرة التي مرّت ببالها ..
- أحس بشيء غريب في صدريه ..! مادري كيف ..
تكاسلت أحرف نورة بشرود ..
- يمكن لن عفرا هب هنيه ..!
ابتلعت دانة كلمة جفّت في رأس حلقها .. و شكلت كتلة أوشكت على خنقها قبل أن تهمس ..
- يمكن ..!! مع ان عفرا دايم هادية .. هب من كثر حشرتاا ..!
رفرفت دمعة على حواف مقلة نورة .. بددتها .. و هي لا تنوي البكاء على فراق عفرا أمامهن ..
لتسأل مغيّرة الموضوع .. و آخر ما تريده هو الحديث عن أي شيء ..!
- شوه ياب طاري الليلكي .. و منوه كان لابسنه ..؟!
رفعت دانة رأسها عن كفيها تعيد ظهرها للوراء .. و تستند على ظهر الأريكة ..
- العنود بنت الـ ×××× .. ما شفتيها ..؟ ثنين من عيال عمها تذابحوا عشانها ..!! عاااادية بشكل ..!! اماا الاشااعاات طلعت عليها .. أونها ملكت جمال .. و يدوخ الواحد من ايشوفها .. اناا أحلى عنها .. ما شوف حد اتذابح عليّه ..
قطبت نورة تستوعب الكلمات للحظات قبل أن تقول ..
- هب شرط الزين زين ويه ..!! و بعدين وين تبين انتي يتذابحون عليج أونه ..!! الساع هب اشواريا راي ..
ثم فكّرت قليلا .. قبل أن تهمس بعينين ضيقتين ..
- أنا قد سمعت بسالفتاا .. مسكينة و الله ..!! مع انه مالها دخل .. بس أكيد تلقين هلها محملينها مسؤولية لي صار .. واحد من عيال عمومتاا ميت .. و واحد في السجن .. ما تخيل حد يموت بسبتيه .. و الله أموت وراه ..!!
راحت دانة تحرر قدميها .. من الحذاء .. و هي تقول ..
- يقولج ان اللي في السجن هو اللي كان خاطبنها أول و ان ابوه خو ابوها بالأم بس .. و يوم الملكة ياها ولد عمها الثاني .. اللي مات .. و هذا ابوه خو أبوها بالاب .. و قصرها قدام الشعب .. و انا اقرب و انا أولى مع انهم اثنينتهم عيال عمها .. خلاااف تناشبوا الشباب بسب و شتايم .. و هاك ذبح ولد عمه بشوزن صيد ..!!!!!
وضعت نورة يدها على صدرها ..
- يالله .. عسب لحظة طيش باع دنياه و آخرته و ذبح خووه ..؟؟
هزت دانة كتفيها ..
- شباااب ..!! ميعاد تعرفها تقول انها تقرب لخوانها من أمها .. سبحان الله .. الرسول نهى عن خطبة المسلم على خطبة خوه .. لكن عدنا هالشي عادي .. ماا ايييوز .. بعض العادات استغفر الله .. تخالف الدين و لا حد من القوم بيقوم يعدلها .. و الا ينهى عنها .. و الأخت الي قاعدة عدالج شعندها ع الكاتم ..؟! من يومين حالها هب عايبنيه ..!!
التفتت نورة بسرعة اتجاه المها التي كانت تطالع الأرض بتركيز شديد ..
ليسعها الذنب مع شعورها بأنهن أهملن المها مؤخرا ..
و مزاج ضيّق لا يفارقها .. كان واضحا دون أن تسأل أحدهن تلك الحبيبة ما خطبها ..
كانت ملاحظة ميعاد بالأمس قريبة للغاية ..
لتقول نورة بخفوتٍ و كأنها تخشى أن تؤذي بكلامها مسامع أختها ..
- و لا عايبنيه .. البنيّة لها يومين متغيّرة صدق .. عنبوه حتى البسمة اللي ما تفارقها معاد تنشاف .. شوه عندها ..
ثم مدت يدها تلتمس انتباها من اختها ..
لتنتفض الأخيرة بفزعٍ و تلك اللمسة تنتشلها من عمق الأفكار التي كانت تتخبط في لجتها ..
فتشير نورة إليها بسبابتها .. ثم تردف بعدة اشاراتٍ تقمص فيها تساؤلها عن ضيقٍ لا يفارق وجهها منذ يومين ..
الملامح الدقيقة المتسائلة برقّة ..
تلتوي ببطء .. في حزنٍ هادئ لم تستطع اخفاءه .. و هي تشيح بوجهها بعيدا عنهن ..
ليمسّ الفزع قلب نورة و دانة .. و هن يتبادلن النظرات .
قبل أن تتجاوز دانة .. جسد نورة المكتظ .. لتنغز المها في عضدها ..
تلتفت تلك لها بملامح مشبعة بالضيق ..
فتلوح دانة بيدها .. و هي تحرك شفتيها دون صوت ..
- شووه بلااااج ..؟؟!
نظرت المها أسفلها .. و التقطت حذائها بيسراها ..
قبل أن تقف على قدميها .. متجاهلة سؤالهن ..
و الدهشة العارمة التي اكتسحت ملامح شقيقتيها ..
تشير لصدرها و رأسها ..
- تعباااه .. بوووح نااام ..
.
.
.
.
و تجرجر أذيال خيبة تكتسحها ..
حتى الليلة لم تره ..!
أ و لم تتملكه لهفة لرؤيتها ..؟!
يوما عن يوم ..
أخذ الحلم يجف ببطء ..
حتى أوشق على التشقق ..!
لو كان نادما .. ليس عليه أن يطيل هواجسها ..
فليأتِ لينهِ الأمر ..
و تلتحف هي الرفض ..
و الاحتضار الصامت إلى الأبد ..!!

* * * * *


افترشت طبقات الفستان الأبيض الناصع الثقيلة .. طرف السرير الذي جلست عليه ..
و يدها المرتجفة لا زالت متشبثة بباقة الورد الأبيض ..
أجفانها المثقلة بكحل أحاط أحداقها انتكست دون أن تجرؤ على رفعها ..
و صوت خطواته يعلو على الأرضية الرخامية .. ليختنق تارة بسجادة ..
و تارة أخرى يصرخ باقترابه ..!
و على الكرسي الطويل المتعرج وصل هو لآخر محطاته ..!
متعبٌ للغاية ..
الليلة سار حافيا على شظايا كرامتهم المهشّمة ..
و أدمت حدّة شرفهم المكسور روحه المعذبة ..
ليبتسم قسرا و قهرا لكل مهنئٍ .. راح يصافحه سعيدا بزواجه من هذه الفتاة ..
و ابتلع مزاح الأصدقاء و الإخوة عمّا قد يحدث بينه و بينها ..
هو الذي قد يقتل نفسه قبل أن تراوده على لمسها ..
جذب - غترته و العقال - بيدٍ واحدة .. يسندها لرأس الكرسي الطويل ..
و لا شيء من أفكاره المظلمة يرتسم على ملامحه الباردة الهادئة ..
لم يستطع حتى استراق نظرة للبهاء الأبيض الماثل أمامه ..
لم يجرؤ على صدم عينيه بها و هي تكتسي نقاءً ليس لها ..
لم يستطع قلبه المنفطر أن يلقي نصف نظرة على حنايا الجسد الذي انتهكته أنفاس ذاك القذر ..
و كأنه سيرى لطخات لمساته تشوّهها ..
صمتٌ مدوٍّ يصدح في الغرفة حولهما ..
و فكرة غريبة تطرأ على رأسه الآن ..
لو كان الآن عريسا حقيقيا ..
متزوجا من امرأة اختارها بنفسه ..
واحدة لم يسبقه عليها الغير ..
فما الذي قد يفعله ..؟ و أي حديث سيلوك أطرافه و اياها .. و أي عناقيد غزلٍ سيقطفها لعينيها ..؟
كيف سيبتدئ ليلته معها ..؟!
بابتسامة حبٍّ واعدة لحياةٍ وردية قادمة ..؟!
أم بكلمة مباركة ..؟!
مباركة ..!!
هه ..
يسند كوعيه على ركبتيه .. و نظراته تنغرس في الأرض لتحفرها .. و تدفن فيها آخر أخيلته الساذجة ..
و صوته الهادئ البارد .. يلجم كل حرقةٍ تشتعل في داخله ..
- مبــــروك ..!!
.
.
.
.
رفرفت أهدابها بهلع ..
و تثاقلت أجفانها .. لتجد أنها تغلق عينيها لخمس ثوانٍ كاملة .. حين داهمها طوفان محرق من الألم ..
راح يجرفها .. فيما تعاند هي للصمود أمامه ..!
إلا أنه يجرها لعمق الوجع المهلك ..
لتشعر بأن جلد الشعور أخذ يتفسّخ .. و ينقشع بوحشية .. أمام بساطة كلمته التي أفجعتها ..!
يبارك لها ..!!
سخرية هي ..؟!
أم تقمص دورٍ ليس له ..؟!!
و بما يفترض أن ترد يا ترى ..؟!
غامت الرؤية وراء سحب الدموع .. التي راحت تنذر بمطرٍ سيهل ملوحة بعد قليل ..
و هي ترفع عينين هزيلة النظرات .. منكسرة الهامة ..
فتنظر لكآبة ملامحه .. و هو يعقد كفيه و يسند جبينه المعقود إليها ..
ما الذي ينتظره منها كرد ..؟!
هل هو جاد في كلمته تلك ..
لم تستطع المخاطرة بتجاهله ان كان جادا فيما يقول ..
و ان كان يسخر منها .. فلن يضريها أن تجعل نفسها محط شفقته الآن ..
و صوتها الهامس يخرج مرتجفا .. و هي تشتت جموع الدموع في مآقيها الذابلة .. و تنكس نظراتها مرة أخرى ..
- الله يبارك فيك ..
و كادت تضحك باكية ..
أو بالأحرى تنفجر بالبكاء ضاحكة ..
لم تعرف لما انتابها شعور هستيري ..
و تلوّت روحها ألما لا يوصف ..
تساءلت ان كان زوج أختها سيشعر بالراحة بعد هذه الليلة ..؟!
هل يشعر بأنه تستر على العار الذي خشي طويلا أن تجلبه لهم ..
و أي شيءٍ بعد هذه الليلة غير مهم ..
لأن ذاك الثقب في شرفهم رتقه وجودها مع أخيه الليلة خلف بابٍ مغلق ..؟!!
هل كان ما جاء منه بالأمس احساسٌ مسّه بالذنب ..؟!
أم أنه لا يكترث الا لأن يطمر بزواجها أي احتمالٍ و لو كان ضئيلا في فضح أمرها ..!!
ترى ماذا سيكون شعوره و هو يراها يوما بعد يوم تحت سقف أخيه .. تستظل بظلّه .. و تستتر بشهامته ..!!
شعرت بالموت يزحف على أوصالها ..
أسودا ..!
بأنيابٍ و مخالبٍ راحت تمزّق عزائمها .. مع صمته المحرق ..
لم تكن ملامحه المتيبسة تبشر بأي تفاهم أو ترطيب قادم لهذه الأجواء القاتمة ..
و شيئا فشيئا .. أصبح التنفس متعسرا عليها بحق ..
رأسه المطرق ..
و خلوّ جوه من أي كلمات قد ينطق بها ..
راح يجتر الدموع من عمق اضطراب مشاعرها المتعبة ..
لتجد أنها تكافح انهيارها ببسالة ..
لم تحب ذاك الانكسار المتألم الذي لاح من خلف صلابته المصطنعة ..
لم تحب أن يجثو ثقل همّها على أنفاس رجل لا ذنب له ..
فتقتل إحساسه بالحياة هكذا ..!
الليلة لم يكن المأتم لها وحدها ..!
روحه لُفت بكفنٍ لتُردم جوار بقاياها تحت أكوامٍ من اختناق ..
فراحت شهقاتها تنفلت بوجعٍ هادر .. و تقّطعت أوصال قلبها الرفيعة ..
و تناثرت الدماء على جدران صدرها ..
لتسيل باستسلام ..
لا حيلة لها أمام كل هذا ..
بالله عليهم ..!!
ليست سوى طفلةٍ يائسة ..
باكية ..!!
أفلتت عنوة ما كان ثمينا و مهما لدى الكبار ..
فتهشّم ..
لأن المهم و الثمين كان ثقيلا لتحمله وحدها ..
دون أن يعاونها أحدٌ على ضعفها أمام أي قوّة قد تفوقها ..!
فأفلتت ما تمسك رغم استماتتها في الحفاظ عليه ..
تهشّم ..!
ليلومها الكل على ما استحال من شظايا ..!
و ها هي الدموع و الظلم الذي يثقل عاتقها يستفردان بها ..
ليدفعاها يأسا لنواحٍ يمزّقها ..
لم يكن ذنبها ..
كانت ضعيفة للغاية ..!
ضعيفة حد وضع نهايةٍ دون ارادة لكل حياتها في تلك الليلة ..!!
أ هي المُلامة ..؟!
.
.
.
.
و على عاتقه تكسّرت هامات عزّتها المتخاذلة ..
و ذاك اليأس الذي أبكاها .. خرّم روحه حتى أصبحت خرقة بالية .. راحت أدمعها تخترق ثقوبها ..
دون أن تترك فيه موضعا للتشبث ..!
هو بدوره أراد البكاء ..
إلا أنه لا يملك بساطة تماكلها ذاك ..
ليفجّر احساسه دموعا ما ان يفوقه الوضع ..
هو يلتوى .. و يحتضن وجعه بين أضلعه سرا ..
ليطلق صراخ ألمه الأهوج صمتا لا يُسمع ..
هذه الليلة لم يكن يملك القوة .. أو الشهامة ..
لم يستطع التظاهر بأنه لا يملك تلك المشاعر الكريهة ..
هذه الليلة لم يكن سوى رجل موجوع ..
مطعون ..
رجل خذلته دموعه التي لم يستطع رشّ النيران المضطرمة في داخله بها .. لتبخِّر انطفاءً ..!
رجلٌ .. أصبحت مآقيه التي رفعها لها جافة ..
و قد أصاب مدامعه قحط عبرات ..
فماتت الأحاسيس على عتباتها ظامئة ..
أصبح حمل ظهره ثقيلا ..
ثقيلا للغاية ..
بشهقاتها التي راحت تتعاقب .. لتمزق مسامعه دون أن يجد في داخله الرغبة في أن يقوم ليواسيها ..
و تهوى مناكبه المثقلة للوراء ..
فيما يميل ظهره ممدا على طول الكرسي ..
و قدماه المنزلقتان لا زالتا تلامسان الأرض ..
يغشى أبصاره الجاحظة بذارعٍ يغطي بها وجهه ..
فيستر ملامحه الملتوية ألما ..
هو لا يملك أن يهدّئ وجعها ..
لأن الهدوء في خضم هذه الآلام التي تعتصر روحه .. آخر ما قد يشعر به ..
.
.
إنكساره !!!
لو تبي ... قول إندثاره !!!
حزن أسود
من يمينه // من يساره
آه والمسكين قلبه
في وهم هم الزمان
عزتي له !!!
حالته ياخوك ... حاله
لاتلومه
ضاع منه راس ماله
وش كثر يتعب..... وهو شايل فـ قلبه
ضيم أصعب
مثل طفل ٍ ... فارق امه ..
من يضمه ؟؟
من الشتات .. منهو يلمه ؟؟
من يعزي ميت ٍ في ثوب حي ..
إنزوى باقصى الظلام ..
ينتظر للنور ..... ضي
أسمعه يصرخ :
أنا من وين أمشي ..
والسهر نايم برمشي ..
مسكين
ماأقسى لحظات انكساره
كل هذا ..
وراح يبحث .. فـ الليالي



عن نهاره !!!****
.
.
ليلة طويلة ستمر بهما ..
وحيدين ..
موجوعين ..
يتجاوران على أعتاب مأساة حياةٍ بأكملها ..
يقتسمان جرحا أعظم ..
يقتاتانه بصمت ..
دون أن ينظر أحدهما للآخر ..!

* * * * *
* كوشة فرحها // عابرة سبيل رحمها الله
** إلى رجل // نزار قباني ،،
*** الناس من يوم الرحيل // عبد الله الملحم
**** انكساره // بركات الشمري


<<

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:03 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية