كاتب الموضوع :
زارا
المنتدى :
الارشيف
وجود اخطاء تم تعديلها من قبل الكاتبه..
مع انهمار قطرات المطر من علو ،، و ارتطامها بالشوارع المبتلة ،،
بدت في أول الشارع المهجور تلك السيارة التي راحت تقطع الطريق بجنون .. صوت محرّكها الذي كان قد عدُِّل مسبقا يضجّ متحديا هدير الغيث القادم من السماء ..
فيما تتناثر المياه بقوة على جانبي الإطارات اللامعة التي راحت تنزلق بسلاسة ،، و السيارة ذات الدفع الرباعي تندفع بقوة كبيرة ..
لتصل إلى آخر الشارع ثم تنحرف بقوة .. لتدور عدة دورات حول نفسها ..
و صرير إطاراتها يصدح في الهواء الرطب كصراخ إمرأة أوشكت على فقد عقلها ..!
لم تكد تتوقف السيارة قبل أن تندفع سيارتين من بداية نفس الشارع .. تتسابقان بجنون تتصاعد أصوات المحرّكات - المزودة - و كأنها على وشك الإنفجار ..
قبل أن تنحرفان في اتجاه معاكس لترتفع جانب واحد من كلا السيارتين عن الأرض فتدور في حركة استعراضيّة مخيفة قبل أن تعود للتوازن و تلامس العجلات الجانبية الأرض مرة أخرى ،،
و مع توقف السيارتين بصرير قوي ..
فتحت نافذة الأولى بسرعة ليطل منها وجهه الضاحك .. و قد ضاعفت البهجة التي يشعر بها من وسامته ..
و هو يطلق بوق سيارته بقوة .. ليفتح صاحب السيارة الأخرى نافذته بدوره ..
متجاهلا قطرات المطر الباردة المتسللة عبر نافذته .. و هو يصيح ..
- أحمدووووووه يا الهررررررم .. ليش لفيت يمين ؟؟؟؟؟
رفع أحمد رأسه للأعلى و هو يضحك بقوة ..
- انته لي لفيت يسار ..
لكن هزاع كبح ضحكته و الغيظ لا زال ينازع المرح ..
- جب .. عنلااااتك .. لو ما لفيت فآخر لحظة كان دعمنا بعض ..!!
لوح أحمد بيده لا مباليا و هو يضحك بقوة قبل ان يشير للسيارة الثالثة ..
- شعنده الزحمي ..؟؟
أطلق هزاع البوق بقوة و هو يطل برأسه الذي تشعث شعره .. و هو يصيح ..
- زحمييييييييي ..
دنت السيارة الثالثة منهم ببطء .. قبل أن ينزل صاحبها نوافذها الأمامية .. و يصيح من خلف نظاراته التي لم يكن لها داعيا في تلك الليلة الماطرة ..
- شباااب .. ما يسد لعب .. الوالد يتصل بيه ..
ضحك هزاع و هو يقول ممازحا ..
- باكر مدرسة و يباك ترقد بدري ..؟
لكن الزحمي لم يبالي و هو يقول بجدية ..
- لا يا خوك .. يقول عدنا رياييل في البيت .. بسير له ..
لوح أحمد له بسرعة و هو يقول ..
- برايك لو بتسير .. نحن بنسري قدا الشباب في ميلس راشد ..
رفع الزحمي يده محييا ..
- يا الله باباه .. لا تلعبون في المطر و تخيسون كناديركم .. و الا ما شي حلاوة ..
ضحك أحمد و هو يومئ له ..
- ان شا الله أميه ..
و صاح هزاع بقوة حين بدأ الزحمي في التحرك ..
- ويل .. ويل ..
حرك الزحمي عمامته قليلا .. و هو يصيح لهما ..
- هذا لعيوونكم ..
و أطلق صوتا هادرا من محركه و هو يضغط على دواسة البترول قبل أن يندفع للأمام بقوة نحو مقدمة الشارع ..
و ما إن وصل إلى الرأس حتى ارتفع جانب السيارة في حركة دائرية قبل أن تلامس الأرض مجددا مع صيحات أحمد و هزاع المشجعة ..
إختفت سيارة الزحمي من الشارع المهجور و أحمد يصيح بهزاع ..
- ما شي وقت أودي السيارة المزرعة مرة ثانية ..
فأشار له هزاع مقترحا ..و صوته بالكاد يُسمع وسط هدير الأمطار ..
- بنحطها فكراجات قوم راشد .. و بردك ويايه .. حرك يا الله ..
رفع أحمد ابهامه في علامة النصر قبل أن يرفع زجاج السيارة الداكن ليحركه منطلقا بسرعة .. فيتبعه هزاع نحو غايتهم المنشودة ،،
.
.
.
.
يضغط بحماس شديد على جهاز التحكم الموصول باللعبة .. و هي يميل تلقائيا مع كل انحرافه للسيارة ..
ليضحك تركي الذي ألقى بالغترة و العقال جانبا .. و هو يمسك بالجهاز الآخر ..
- أحمد يا الخبل .. أشفيك كل ما لفت السيارة لفيت معها ..
لكن أحمد لم ينظر إليه بل ركّز بقوة على الشاشة و هو يصر بأسنانه حماسا ..
- محد خبل غيرك .. بتشوف الحينه .. أحمد بن علي يوم يلعب سيارات شوه يسوي ..
نظر له تركي ساخرا ..
- وش بتسوي يعني .. هه ..
و انفجر ضاحكا مع انتهاء السباق بفوزه .. لينظر أحمد إلى شاشة التلفاز بجبين معقود و هو يتمتم ساخطا ..
- عنلااااتهم ..
و التفت إلى راشد .. متجاهلا قهقهة تركي المنتصرة ..
- أقول بو سنيدة هالجهاز لي عنديه خربان .. بدلوه ..
و رماه أرضا .. قبل أن يبتسم عبيد بهدوء .. و تركي يواصل الضحك على أحمد .. ليقول الأول مواسيا ..
- ما عليك منه يا بو شهاب .. سوو دوري كوره و بنلعب .. بنشوف منوه لي بيفوز ..
وضع تركي يده على صدره يتنهد براحة .. كان الفوز على أحمد و الغيظ الذي يخلفه في نفس الأخير يمتعه كثيرا ..
- لاااا ياخي .. انا ماني براعي كورة .. بس بسابق .. و بعدين معروف اللي بيفوز .. مهوب هزيع مع وجهه .. ؟!
التفت هزاع الذي كان يحادث شابا آخر في طرف المجلس .. قبل أن يلتقط سماعة الهاتف و يلقيها نحو تركي بقوة ..
- لا تسب سمعتك ..
- و الله اللي منت بوجه مدحة .. انقلع .. جعلك ما تفوز بكره في السباق .. و يخرب موترك في راس الطعس ..
تأوه هزاع بضيق ..
- آآآخ .. ييت ع العوق ياخي .. و الله انيه هب مرتاح .. أحس انيه ما بييبها هالدورة ..
عقد أحمد حاجبه بشك ..
- و ليش ..؟
- أمس وديت الموتر الصناعية ببدل السفايف .. و يوم سويت له خراطة درامات .. يقول راعي الكراج ان المكينة لها صوت .. صدق ياخي سمعت لها صوت غريب ..!! تقول سيرها بينقطع ..!!
تبادل أحمد و تركي نظراتٍ قلقه .. قبل أن يقول الأخير مقترحا ..
- و الله يا بو سلطان لا تدخل السباق و سيارتك خربانه .. شل سيارة أحمد و سابق بها ..
ابتسم هزاع ببساطة ..
- شوه الدنيا فوضة ..!! يا بوك لازم تسجيل السيارة قبل السباق باسبوع .. قبل لا أسجل اسم تيمي حتى .. الله يغربلهم.. بس ما عليه بسابق بالموتر .. ما بيستوي به شي ان زدت الدوس عليه شوي ..
- مجنون انت ..؟ تقول سيارتك خربانة و بتسابق بها .. خل الهرج الفاضي عنك .. مهوب لازم تسابق .. خل السلعاوي يسابق مكانك ..
لكن هزاع قال بغل ..
- يخسي يسابق .. ما يسد سباق قطر ,, ما عليك منيه يا تركي .. لا تخاف ع خوك .. أنا لي ثلاث سنين أسابق بهالموتر و ما قد استوا بيه شي .. و بعدين تراه الا صوت .. يعني عادي ..
لكن الإرتياح لم يبدُ على محيّا أحدهم رغم ثقة هزاع ..
قبل أن يأتي صوتٌ يقول باستغراب ..
- حوووه يا شباااب .. موتر شوه ..؟؟ و أي سباق ..؟ شوه السالفة ..؟
استدارت الأعين نحو عبيد الذي بدا عدم الفهم كاسحا على ملامحه .. قبل ان يستدير أحمد ناظرا إلى هزاع ببطء ..
و تركي يقول باستغراب طفيف ..
- السباق اللي في عوافي ..
- أي سباق ..
- ياا رجااال ..؟ ذلحين منت بنسيبهم ؟؟ كيف ما تدري ان هزاع بيمثل Kings في عوافي يوم الخميس ..؟
بدا عبيد مشدوها لبرهة قبل أن يلتفت لهزاع الذي ابتسم له بتوتر ..
- لااا ما يعرف .. ما خبرتك يا عبيد .. أنا و أحمد نسابق في تيم Kings من 3 سنين ..
خيّم صمتٌ متوتر بعد هذه الجملة .. امام نظرة عبيد المذهولة ..
لم يتوقع قط أن يتورط هزاع و أحمد في شيء من هذا القبيل مع إسم عائلتهما المعروف ..
عقد جبينه بنظرة قلقة و هو يلتقط نظرة أحمد اللا مبالية ..
قبل ان يقطع الصمت صوت راشد الذي لم يلاحظ هذا الإرتباك و هو يقول ..
- هاا يا شبااب .. سرى الليل . حد بيرتب الدوري ..؟؟
التقط أحمد الجهاز و هو يقول بنبرة خفيفة لترطيب الأجواء ..
- أفاا عليك يا بو سنيدة الحين بنرتب دوري انجليزي .. بلعب أنا بليفربول ..
و انطلق صوت هزاع من آخر المجلس ..
- و أنا مانشتسر يونايتد ..
لكن قبل أن يدير أحمد القرص الجديد .. مال تركي نحوه قائلا بخفوت ..
- اسمح لي و أنا اخوك .. ما دريت انكم مخبين عليه ..
ابتسم أحمد له ببساطة ..
- بالحل .. و لا يمهك يا بو مسفر .. لو ما عرف اليوم .. بيعرف باكر .. أخير لنا نقوله دام انه مخاوينا ..
* * * * *
اندفعت بقوة بين تجمعات الطالبات .. تشد قبضتها على حقيبة الظهر الرياضية التي تحوي كتبها .. و تحني رأسها بشعره المقصوص .. خطواتها الواسعة تقطع أرضيّة الممر بحذائها الرياضي ..
صوتٌ في داخلها راح يحثها على الإسراع .. و الصوت الحاد يلاحقها بإصرار ..
- شيييييخاااااااه .. شيخوووووووووه .. شويييييييييخ ..
تظاهرت بأنها لا تسمع شيئا و هي تواصل المسير .. لكن الخطوات الثقيلة التي راحت تأتي من الخلف أعلمتها بأنها لم تنجح في التملص هذه المرة ..
إذ هبطت على كتفها تلك اليد الثقيلة و الصوت المرح يأتي من خلفها ..
- حوووووووه يا الصمخه .. ما تسمعينيه أزاقر عليج ..
توقفت شيخة فجأة .. و قد امتنعت الآن من الهرب .. أغمضت عينيها بقوة .. و هي تتنفس بإحباط قبل أن ترسم ابتسامة متوترة على شفتيها و تلتفت للفتاة السمينة التي تقف خلفها مباشرة .. صوتها كان غريبا للغاية و هي تقول باضطراب ..
- أهلين أسماا ..
انقضّت عليها أسماء تمسك كتفيها بحماس .. لتقبّل خدها .. فتتسع عيني شيخة بقوة ..
ضحكت أسماء و هي تلهث بقوة و جسدها المكتظ بالشحوم يرتج إثر أنفاسها المتسارعة ..
- خسج الله .. ذبحتينيه و أنا أربع وراج ..
عقدت شيخة جبينها و هي تفكر ..
ما كان عليها أن تجري ورائها اذا .. لمَ لا تتركها و شأنها ..
كانت نبرتها جافة و هي تكذب ..
- ما سمعتج ..
ابتسمت أسماء بسرعة ..
- أدريبج ما سمعتينيه .. يعني بتكونين مطنشة ..؟ و الا شاردة منيه ..
ثم غمزت ممازحة ..
- لو شاردة لا تخافين .. ترانيه نباتيه .. مهما يعت ما عليج خطر ..
ابتسامة مضطربة ارتسمت على شفتي شيخة ..
و حرج شديد تعاظم فجأة في نفسها و قد أحرجتها كلمات أسماء .. التي تابعت تسألها ..
- شحالج .. و شوه أخبارج ..
تمتمت شيخة و هي تتلفت يمنة و يسرة ..
- بخير ،،
غير مرتاحة بالوقفة هنا ..
فقد بدت بعباءتها المتيبسة و التي فتحت من الأمام كاشفة عن بنطالها الواسع .. ستر أعلاه طول قميصها الرمادي الشاحب .. قمة في الفظاظة أمام عباءة أسماء الناعمة التي سترت جسدها السمين بعناية و هي تحتضن كتبها لصدرها و ابتسامة جميلة تعلو شفتيها و هي تلكز شيخة بكوعها ..
- و بلاج تقولينها من طرف خشمج .. وراج شي ..
لوحت شيخة بضيق و صوتها الغليظ يرد بفتور ..
- أبا ألحق محـ ..
- الساعة كم محاظرتج ..؟
- 12 و نص ..
أمسكت أسماء بيدها بسرعة و هي تجذبها ..
- جب لااا .. عاد نص ساعة عندج .. تعالي .. ابا راويج شي مهم .. مهم .. مهم ..
انتفضت شيخة من قبضتها .. و جذبت يدها بقسوة .. و حاجبيها ينعقدان ..
لتستدير أسماء نحوها متفاجئة ..
- بسم الله .. بلاج ..
صرت شيخة على أسنانها و هي تهمس ..
- و لا شي ..
لا تعلم هذه الصديقة أنه بالنسبة لها لا يمكن أن تعتبر أي لمسة بينهما بريئة .. تكره لمسة قد تجرفها لذاك الإنحدار الذي تخافه ..!
ابتسمت أسماء بتسامح و هي تلوح ..
- انزين تحركي عسب لا تضيعين وقت .. مشت شيخة بجوارها ..
خطواتها المتثاقلة تقطع الممر قاصدة ما لا تعرفه ..
زفرت بقوة .. حين امتدت بهم الخطوات إلى البعيد ..
جسد أسماء السمين يتحرك بنشاطٍ غير مسبوق و هي تلهث بقوة .. و قد تجمعت قطرات عرقٍ صغيرة على أنفها رغم برودة الجو القارصة ..!
فجأة اندفعت نحو مجموعة مكونة من ثلاث شابات يقفن معا ..
كانت إحداهن تجلس على مرتفعٍ حجري .. و هي تضم حقيبتها .. فيما تميل أخرى بهاتفٍ في يدها تقهقه بصوتٍ مرتفع ..
وحدها التي تقف قبالها .. تسقط نظراتها على أسماء لتبتسم بمرح .. قبل ان تلتقط عيناها جسد شيخة الذي يتبع الأخيرة بكلل ..
تمتمت بشيء ما لم يصل شيخة مع إقترابها منهن خلف أسماء ..
لتلفت انتباه الإثنتين نحوها .. استدارت الفتاة على المرتفع بفضول .. بدا وجهها مألوفا ..
ضيقت شيخة عيناها بقوة ..
هي تعرف هذه الفتاة ..
و تعرف أيضا تلك الضاحكة التي اختفت ابتسامتها لتحل محلها نظرة حادة تسقط عليها ..
خطوات كانت تفصل شيخة و أسماء عنهن ..
حين أدركت الأولى من هن ..
في ثانية اليقين تلك تجلّت داخلها أمنية يتيمة ..
لو أنها تستدير فقط .. و تفر هاربة ..
لم تكن تريد رؤيتهن ..
لم تكن تريد أن تلتقي أحدا كان يعرفها في حقبة أخرى ..
ليكشف لها ببساطة مدى الإختلاف الذي يفصلها عن ذاتها القديمة ..
لذلك حين توقفت .. أمامهن .. صوت أسماء التي راحت تسلّم عليهن بحرارة واحدة تلو الأخرى و هي تصيح بمرح ..
- يايبتلكن سربرايز ..
ثم خطت إلى الخلف مشيرة إلى شيخة .. و هي تقول بصوتٍ متآمر ..
- منوه هالحلوة ..؟ محد عرفها ..؟
أغمضت شيخة عيناها تكبح ردا خشنا .. و رغبة في الاستدارة ببرود و تركهن ..
فيما أمعنت العيون الست النظر فيها ..
لم يخفَ عليها الإستنكار العميق الذي تألق في عين الوسطى ..
و إلى ارتعاش شفة الفتاة الضاحكة العليا ببوادر إحتقار ..
كانت صاحبة الهاتف هي من تكلّمت أولا بنبرة متشككة .. تحدج شيخة بنظرة .. موجهه حديثها لأسماء ..
- لا ما عرفناها ..!
و لم تبدو اللهفة عليها لمعرفتها ..!
رفعت أسماء يدها في الهواء بحركة مرحة ..
- عيزتن ..؟؟ أقوووووووووووول ..؟؟
حين لم يبدو الحماس على أيٍّ من الأربعة .. قالت بسرعة ..
- شيخة علي .. شيخة علي سيف .. ما تحيدنها .. ربيعتكن في الثنوية ..
ضاقت أعينهن قبل أن تتسع فجأة بإدراك مصدوم لتقول الفتاة الجالسة على العارض بصوتٍ مذهول ..
- شيخة ..!!!
رفعت شيخة وجهها ببرود .. حين لم تقدم أي واحدةٍ منهن بالسلام أو أي بادرة ترحيب ..
فقط تعلقت النظرات المصدومة المستنكرة بها .. قبل أن تلتفت لصاحبة الهاتف بجمود .. و صوتها يسأل في غلظة ..
- علومج علاية ..
مرت نظرة - علاية - صعودا و نزولا قبل ان تقول بجفاء ..
- طيبة ..
أحنت شيخة رأسها بسخرية للفتاة التي توسطتهن و كانت الأولى في رؤيتها ..
- ظبية ..شوه الأخبار ..
بدت ظبية متصلبة و عيناها تنظران لأسماء بغرابة قبل أن ترد بهدوء ..
- زينة .. شحالج انتي ..
هزت شيخة كتفيها بلا مبالاة ..
- تماموو ..
اضطراب أسماء من برودة و جفاف هذا اللقاء لم يخفى عليها ..
ما الذي كانت تتوقعه ..؟
استقبالا بالأحضان مثلا ..!
هه ..
ناعمات الأنامل هن .. لم يرضين حتى بمد أيديهن للمصافحة ..
التفتت للفتاة الجالسة على المرتفع الحجري .. لتصطدم بابتسامة حلوة .. فيما تقف على قدميها و تتقدم منها بهدوء ..
- هلااا شيخة ..
و راحت تسلّم عليها .. سرت رعشة باردة على طول ظهر شيخة مع ملامسة خدها لخد تلك الفتاة و التقاءها بنظرات الإشمئزاز الطفيفة التي علت محيّا علاية ..
فيما تقول الفتاة بحرارة ..
- شحالج شيخة .. ربج بخير ..
ابتعدت شيخة عنها خطوتين إلى الوراء .. و هي تقول ببرود ..
- ترتوب .. علومج ليلى ..
واصلت ليلى الابتسام ببساطة ..
- علوميه طيبة .. ما شا الله .. ما عرفتج .. وايد تغيرتي ..
ثم التفتت لأسماء المرتبكة و التي بدأت تشعر بفداحة اندفاعها في هذا اللقاء ..
- متأكدة انها هاي شيخة .. يمكن يايبه وحدة من بنات الخلق بالغلط ..
لم يضحك أو يبتسم أحد ..!
كان الهواء باردا ..
باردا للغاية ..
و اقشعر جسد شيخة المتصلب لهذا الجمود الذي تشعر به ..
أعقب كلمات ليلى المازحة صمتٌ مربك .. فبدا الجميع متشاغلا بالنظر حوله .. حتى شيخة التي التصقت عيناها بحذائها الرياضي ..
كرهت ثقل هذا الصمت .. لترفع رأسها و صوتها الخشن يقول بغلظة ..
- أنا ورايه محاظرة الحين .. بسير .. نايس تو سيو قريلز ..
ثم لوّحت بيدٍ ساخرة ..
- سلام ..
.
.
و أدارت ظهرها لهن ..
ذاك الماضي الذي أصبحت تكره .. لأنه يعيّرها بكل ما فقدت من قيم ..
راحت تدفع قدميها الزاحفتين ببطء بعيدا .. خطوتين فقط .. تنسل بها بعيدا عنهن ..
لكنها لم تقطع الكثير لتتجنب ذاك السهم الذي انغرس في ظهرها ..
بتلك الكلمة الخافتة التي انسلت من خلفها ..
لتجرح .. مسامعها ..
و الروح ..!
كان ذاك صوت ظبية الذي ارتعش بإحتقار و هي تقول بذهول ..
- عنلااااتكن .. غدت بويه ..!
أغمضت عيناها بقوة .. متماسكة حين وخزتها الجملة الأخرى .. من تلك التي ابتسمت في وجهها للتو ..
واحدة بدا أنها لم تبالي بأن يصل إلى شيخة صوتها .. و كأنها تريد أن تعلمها بحقيقة إبتسامتها و ترحيبها الزائف ..
- أسوم يا السبالة ليش يبتيها .. أحرجتيناا ..
.
.
بدا الصوت الأخير بعيدا .. مع ابتعادها ..
و كأنما ينشب مخالبه الأخيرة في هروبها ..
كانت تلك علاية التي قالت بنبرة مشمئزة ..
- يا الله بالستر .. شكلها يـ ....
و لم تعد تسمع ..
فقط تدفع قدميها بقوة ..
لتطوي المسافات هربا ..
ما كان عليها أن تواجه أحدا من ماضيها ..
لتقف فجأة بين ما مضى و ما هو حاضر الآن ..
لتستشف أي هوة بينهما ..
تلك الهوة التي راحت تغدق عليها بكل ما وصلت إليه ..
.
.
و لبرهة قاتلة ..
عاد المشهد المقرف يبزغ أمامها بقوة كريهة ..
تلك القذارة التي شهدت بعينيها منذ وقتٍ قريب .. في إحدى غرف ذاك الكوخ المغلقة ..
تلك الصورة التي أعلمتها لأي مستوى ستصل مستقبلا ..
و أي انتكاس سيصيب روحها ..
و أي وساخة ستلتصق بإحساسها ..
و هي تنحرف ..
.
.
إلى الهوان تنجرف ..!
* * * * *
انفرجت شفتي عفرا عن ابتسامة باهته و هي تنظر للخادمة التي وضعت صحنا عملاقا صفّت عليه حافظات القهوة و الشاي .. إلى جانب عدد من الحافظات الطعام .. قبل أن تميل لحور التي أسندت فكّها بيدها تجلس جوارها على الجلسة الأرضيّة الصلبة فيما يبعد ذهنها عن هنا أميالا..
- الله يرحم ظراباتنا .. يوم كل وحدة تتبرا ما تبا تسوي الجاهي العصر ..
لكن بدا جليا أن حور لا تسمعها .. اذ ضاقت عيناها بنظرة ساهمة و هي تقضم شفتها السفلى بشرود فتلكزها عفرا بهدوء ..
- حواري ..
التفتت حور نحوها باهتمام مفاجئ ..
- همممم ..؟
رفعت عفرا حاجبا متساءلا ..
- بلاج ..؟ مساعة أرمسج و انتي هب ويايه ..
أنكرت حور بخفة ..
- لا وياج .. بس ...
هزت كتفيها .. قبل أن تعترف بتنهيدة ..
- ملل شوي ..
ثم نظرت حولها .. بضجر .. مزنة و هند يجلسن بعيدا أمام التلفاز ذو الشاشة العملاقة بعد أن قضين واجباتهن المدرسية .. المها تجلس في الزاوية بهدوء و في حجرها كتاب كبير تخط شيئا على أسطره بصمتٍ يلف أيامها .. و إحساسها ..
دانة تستلقي على طول إحدى المراتب المصفوفة .. تضع رأسها على فخذ أمها التي تداعب شعرها و هي تقول شيئا ما بأحرفها المكسرة ،، و حركات يدها المصوِّرة لجدتهم ..
فيما تستمع الأخيرة بعناية شديدة .. و يبدو أنها تجاهد كي لا تفقد شيئا ما هنا ..
نورة تجلس على بعد مرتبتين و هي تحمل سيف الصغير و تداعبه .. و تناغيه بأصواتٍ مضحكة مختلفة ..
قالت بصوتٍ خافت ،،
- غريبة .. ليش انحس هنيه بالملل .. و فبيتنا كانت حلوة اليلسة ..؟ مع انه نحن نفسنا نحن .. !!
ابتسمت عفرا بهدوء ..
- يمكن ما تعودنا ع المكان .. و الا من قبل كنا بس نيلس العصر .. و طول الوقت مشغولين بالدراسة و الا الترتيب .. وقتنا كله حركة .. و يوم ايي العصر و نيلس نحس بطعم اليلسة .. لكن الحين طول الوقت فاظين ما ورانا شي ..
هزت حور رأسها بتململ ..
- يمكن ..! شرايج ..؟ بنتعود على هالوضع ..؟
نظرت عفرا حولها لبرهة مفكرة ..
- نتعود ..؟ و الله أظن ان أغلينا على وشك التعود .. يعني أول خطوة في الموضوع هو تقبل الشي .. و أشوف ان الأغلبية متقبلة هالشي ..
عقدت حور جبينها بشدة ..
- مثل ..؟
شيء من البرود قبض قلب عفرا و هي تستشف الضيق في نبرة حور ..
هل تكره أختها الكبرى أن يتأقلمون في هذا البيت الجديد ،، و أن يتقبلوا حياتهم الجديدة بهذه البساطة ..
ردت بصوتٍ خافت ..
- شوفة عينج .. نايف لو ما كان في المدرسة و الا يذاكر .. تلقينه سار العزبة و الا لاصق فريلج لي أغلب وقته عند يدي .. و الا في الميلس ..!
تورد وجه حور بخفّة و هي ترمش لثانيتين .. قبل أن تتابع عفرا و هي تميل برأسها لأختها الكبرى ..
- مزون و هنوده أكثر ثنتين مرتاحات من هالوضع .. بيت عود و تلفزيون .. و وناسة يبونها كل اليهال .. دانة و نورة ..! هه .. هاييلا لو الاسبوع الياي تفرينهن فملجأ بيمشن أمورهن ..
- ملجأ فعينج يا الناقة ..!
اتسعت عينا عفرا بقوة حين أتاها اعتراض دانة من جانبها الأيمن قبل أن تنظر لها شزرا ...
- أعوذ بالله ..
رفعت دانة حاجبها بانتقاد ..
- شايفة أم الدويس شوه ..؟
- من وين ظهرتي .. توج راقدة هناك ..
دفعتها دانة بشيء من الهمجية و هي تجلس في المساحة الضئيلة التي تفصلها عن حور بابتسامة مستمتعة ..
- خوزي برتز هنيه ..
ظربتها حور بضيق و هي تتحرك بدورها لافساح مجالٍ لها ..
- لا و الله .. صالة طول و عرض .. و ضاق المكان .. ما لقيتي تيلسين الا فحظنيه ..
مسحت دانة مكان الظربة بخفة و نظرة لها ببراءة قبل أن تنقض على حور و تحتضنها بقوة ..
- أبا حنااان ..
دفعتها حور بقوة ..
- اففففف خووووزي يا الهبله .. حنان شوه و انتي عيوز كبر أميه ..
تأوهت دانة برقة مصطنعة ..
- آآآي .. يا الدفشه ..
رفعت عفرا حاجبيها ..
- عدال يا الرقيقة ..
نظرت لها دانة بغرور ..
- لو سمحتي آنسة ناقة .. دونت توك عن الرقة .. شدراج انتي بالنعومة و البرستيج .. و الاتكيت ..
مدت حور يدها لتقرص ذراع دانة بقوة .. و هي تقول من بين أسنانها بغيظ ..
- ما تلاحظين ان لساتج طال شبرين هاليومين ؟؟
أطلقت دانة صيحة مروّعه و هي تتأوه بمبالغة ..
لتنتفض جدتهم بذعر ..
- ويدييييه .. بسم الله عليييج .. بلاهااا البنية ..
نظرن حور و عفرا لوجه العجوز الخائف .. فيما تفرك دانة ذراعها بألم مبالغ فيه .. ليحمر وجه الأولى بحرج .. و دانة تقول بلؤم ..
- يدووووه .. هاي حور قرصتنيه بأظافرها ..
احتقن وجه حور بإحراج .. اذ لم تعتد بعد التصرف بهذه الأريحية التي تستمتع بها دانة و نورة و إخوتها الصغار في هذا البيت ..
لكن صوت جدتها الحنون رحمها من ذاك الخجل و هي تقول بعتب مرح لدانة ..
- برايها الحور يعلنيه هب بلاها .. ما بتظربج بلا سبب .. أكيد غثيتيها ..
رفرفت أهداب دانة بخذلان قبل أن تستعطف جدتها ..
- حرام يدوه .. أنا أغث .. أنا سكرة .. لو تحطونيه في بيالة جاهي أذوب ..
ابتسمت عفرا بسخرية ..
- و الله لو انه صدق كان ربج راحمنا و ذوبناج من زمان و افتكينا من غلاستج ..
نظرت لها دانة بغل ..
- جب .. ناقة وحدة .. اصلا انتي تغارين من خفة دمي ..
استغلت حور انشغال جدتها مجددا بأمها التي استأنفت حديثها الصاخب .. لتمد أظافرها مهددة مرة أخرى ..
- شكلج تبين قرصة ثانية يا دندن ..
اتسعت عينا دانة بارتياع ..
- لاااا .. دخيل أمج .. توووووبة .. بس عاد شوهتينيه .. باكر بعرس .. و يوم بيشوف ريلي هالقرصات بيتحراكم تضطهدونيه ..!
نظرت لها حور شزرا ..
- مسودة الويه .. و ليش مستعيلة ع العرس .. خلصي دراستج أول ..
- وعع .. بشوه بتنفعنيه الدراسة ..! آخرتاا بيخطبنيه سعيد الحظ عسب شهادتيه ..
قالت عفرا متحدية ..
- بيخطبج .. لأخلاقج .. و سمعتج .. و ذرابتج ويا العرب ..
وافقت حور عفرا بهدوء ..
- صادقة عفاري .. و خفّتج .. و خبالج لي زايد هاليومين ودريهم .. ترانيه ساكته عنج ..
اتسعت عينا دانة ..
- بسم الله .. الحين لو الواحد منا ضحك شويه .. و الا فرفش .. و ظهر لي حوله من جو النكد يغدي خبل ..؟
عقدت حور جبينها بهدوء ..
- منوه عايش فجو النكد الحين ..؟
أجابت دانة بصراحة ..
- انتن ..
ثم التفتت لنورة و كأنما تطلب رأيها ..
- و الا شرايج نوري ..
رفعت حور حاجبها ساخرة و هي تنتظر حكم نورة .. التي رفعت عينها للأعلى مفكرة ..
- لااا عاد .. يمكن حور نكدية .. و هي من يومها يعني .. تعونا .. لا تضحكن .. ذاكرن .. خلصن شغلكن يا الله بسرعة .. بس عفرا ..
قلبت سيف على بطنه لتربت على ظهره بخفّة و هي تبتسم لعفرا ..
- تبين الصدق و الا ولد عمه ..
استرخت عفرا تعقد ذراعيها .. و هي مستعدة للنقد ..
- الصدق طبعا ..
نظرت نورة لحور قليلا و كأنها تطلب إذنا بالحديث قبل أن تقول بهدوء .. و جدية خافته ..
- تعرفين .. مر عليّه وقت حسيت أننا ضيعناج ..
أنصتت حور باهتمام هي و دانة .. فيما عقدت عفرا جبينها ببطء .. قبل أن تتابع نورة بنفس الصوت الخافت ..
- يعني .. فجأة اختفيتي .. ما نشوف عفرا لي نعرفها .. عفرا 98% علمي .. شطارتج .. و خقتج .. تعرفين أول كنتي تقهرينيه يوم تطنزين علينا .. و الا ترمسين بهاك البرود لي يقهر ..و الا تتفلسفين علينا يوم حور تهازب ..
بدت نورة أكثر تألما من عفرا التي إحتقن وجهها بوجع مكتوم .. و احمر جفنيها مع خنقها حرارة دموعها ..
- و فجأة كل شي اختفى .. عفرا لي نعرفها فجأة راحت .. تمت نسخة باهتة منها .. مرات أحسج شرا الميتة .. ما أذكر من متى تغيرتي .. بالضبط ..؟
لكن دانة قاطعتها تجيبها و هي تنظر لعفرا ..
- من عقب سالفة الكلب ..
أغمضت عفرا عينيها بقوة .. و نورة تتابع ..
- مادري .. يمكن .. المهم انيه حسيت اننا فقدناج عفاري .. تضحكين و عينج ممزورة دموع .. تاكلين و انتي مالج خاطر .. ترمسين و تفكيرج فمكان ثاني .. كنتي وايد متغيرة .. و.. و تمنيت لو ...
و سكتت هنا حين سدّت عبرة كبيرة حلقها .. لترفع عينها للسقف .. بابتسامة متألمة ..
حور تعض شفتها السفلى بوجع مشترك مع دانة التي راحت الدموع تتراقص بحزنٍ دفين في مآقيها ..
أما هي ..
المعنية بتلك الحكاية ..
ترتسم ابتسامة ميّتة على شفتيها .. و عيناها تلتصقان بالأرض خشية أن تفضح إحساسها ..
و أن تبوح غير راغبة بكل الأسرار الدفينة ..!
فيما انزلقت دمعة ساخنة على خد نورة و هي تقول بصوتٍ مختنق .. و أناملها تتدارك دمعتها الخائنة ..
- تمنيت لو انيه أعرف شوه فيج .. أشل شوي من حملج .. تمنيت لو انيه أنش الصبح .. و أحصلج رديتي .. عفرا ختيه لي أعرفها .. و اشتقت لج .. وايد اشتقت لج ..
و نظرت لعفرا التي تعلّقت في طرف هدبها دمعة وحيدة .. تهدد بالسقوط ..
مدت يدها .. و اليد الأخرى تحتضن أخاها الصغير .. لتمد عفرا بدورها كفها .. تعتصر أنامل أختها بحبٍّ عميق .. و نورة تقول بهدوء ..
- يوم يينا هنيه .. حسيت انج بديتي تردين عفرا لولية .. و الله انه أكثر شي ريحنيه بييتنا هنيه .. هب درابزين الدري لي أتزحلق عليه .. و لا الثلاث ثلاجات لي في المطبخ .. لا .. لا يغرج ..
ضحكن معا وسط ذاك الوجع الذي خيّم بخفوت على أرواحهن .. حتى عفرا ابتسمت ابتسامة حقيقية .. و نورة تتابع .. ببسمة تسكن ثغرها ..
- أكثر شي فرحنيه .. هو انيه حسيتج ترتاحين هنيه .. في هالمكان ..
تدخلت دانة بصوتٍ صادق ..
- صادقة نورة .. أحس انج رحتي مكان و رديتي فجأة .. تدرين انه آخر شي كنّا نباه .. اننا نفقدج و نحن تونا فاقدين أبويه ..
تأوهت حور مازحة حين شعرت بحاجة ماسة تحثها على كسر طوق الألم هذا ..
- يا الله محلاكن و انتن عاطفيات رومنسيات .. مع انيه ماحب الأفلام الهندية ..
قالت عفرا بصوتٍ مرتجف .. و عيناها الممتنتان تدور على وجوههن الحبيبة ..
- فديتكن و الله .. مادري شوه أسوي في الدنيا بلاكن ..
رفرفت دانة بأهدابها ..
- ليكون هاي النهاية ..
ضحكت نورة ..
- ههههههههههههه شكلها و الله .. تصدقين حور ..
قاطعتها حور بغل ..
- لا ما صدق .. الحين أنا نكديه ..!
- يعني .. هب نكديه .. نكديه .. بس ما تعيشين حياتج ..
- محد طلب رايج ..
ابتسمت نورة باعتذار ..
- انزين ترا المها تشابهج يعني ..
عقدت حور جبينها ..
- تشابهنيه فشوه ..؟؟
- غادية نكدية شراتج .. و أكاالة كتب شرات عفاري .. وايد .. وايد .. ساكتة .. ما أذكر انيه سمعت لها حس اليوم ..!
التفتت حور بصدمة للمها التي كانت قد نسيتها للتو في غمرة مشاعرها الهائجة .. ليتعاظم الإحساس بالذنب داخلها .. و هي تراها على الأرض لازالت ممسكة بالقلم .. و تخط على الأسطر التي تقرأ ..
لم تفهم ما الذي كانت تفعله بالضبط .. لكنها قالت بخجل ..
- فديت مهاوي و الله .. لولاها .. أنا ميتة من الملل الحين ..
تنهدت دانة بحب و هي تنظر اليها ..
- حور .. انتي ما قلتي بتدرسينها يوم تسمح الظروف ..؟؟ دخليها المدرسة الحين .. عدنا في الفصل الأول .. و المها ذكيّة .. و بعدين انتي تتشكين من الملل .. و هي أخس عنج .. حرام تضيعين وقت أكثر ..
ردت حور بحزم ..
- و الله من دون ما تقولين .. يوم رمست وديمة .. شجعتنيه ع هالشي .. و قلت خلاص ,, الأسبوع الياي بسير بسجلها في المدرسة مالت ذوي الإحتياجات .. و بداوم معها كم يوم .. أشوف ترتيبهم .. فديت روحها .. لازم نعطيها حقها كامل .. بتدرس إن شا الله و بإذن الله ..
ثم تنهدت و هي تقف على قدميها ..
اتسعت عينا دانة و هي تقول ..
- شوه بتودينها الحينه .. عيني خير .. العرب مقيلة ..
ضحكت حور بخفّة ..
- جب .. بسير أسوي لقيمات .. خاطريه أتحرك في المطبخ ..
قالت دانة بمرح ..
- وين يا حسرة .. هذا هب مطبخ .. الا مطعم .. كل شي بتحصلينه فيه ..! الله يرحم مطبخنا لولي .. كانـ ........
.
.
.
.
.
.
.
.
كانت الشمس قد ملّت التعلق اليائس بالسماء ..
فأخذت تنتكس ببطء .. تنشد الرقاد .. استعدادا لفجر جديد يحمله الغد ..
حين انتهت مما كانت تفعله .. رغم التهوية الممتازة للمطبخ الفسيح .. إلا أن وقوفها قرب الزيت لوقتٍ طويل لذع بشرتها بحرارته ..
فشعرت بوجهها ساخن وسط هذا الجو المتجمد ..
حملت السلّة المليئة - باللقيمات - و وضعتها على طاولة المطبخ .. سألت الخادمة بشيء من الخجل أن تحضر لها عسلا ..
لم تعتد بعد التصرف بأريحية في هذا المكان ..
و لو كان الخيار لها .. لتشبّثت بالتزامها حجرتها ..
لكنها لن تستفيد شيئا من عزلتها سوى اهمال إخوتها .. و حالهم بعد الإنتقال إلى هنا ..
إلتقطت وعاء العسل الذي أحضرته الخادمة .. و أخذت منه قليلا بالملعقة .. لترشه على - اللقيمات - الساخنة ..
كان البخار يتصاعد منها .. ليزيد خديها دفئا ..
أفادتها محادثة وديمة كثيرا ..
شعرت بأنها أطلقت كثيرا مما تحبس في صدرها ..
و أخذت ترى كثيرا من الأمور بمنظورٍ آخر ..
سلاسة تأقلم أخواتها مع البيت .. جعلها تشعر بأنها تقف على حده بعيدا عنهم ..
غريب كيف لم تلاحظ تغيّر عفرا منذ قدومهم ..
ابتسامة طفيفة علت شفتيها و هي تفكر بأن أخواتها أكثر عمقا من أن يغفلن عن شيء كهذا ..
فيما كانت هي غارقة حتى أذنيها في كل ما يخالجها ..
ثم تنهدت ..
سعيدة للغاية بعودة عفرا إليهم .. لازال الحزن يغفو على حدود مقلتها .. لكنها تعود ..
تعود إليهم ببطء .. و هذا يكفي ..!
و امتدت تلك الأنامل الرجولية الطويلة لتلتقط إحدى - اللقيمات - الساخنة بهدوء ..
فتتجمد الملعقة بيدها قبل أن ترفع عينيها ببطء .. لتتسعان على الوجه الأسمر القوي .. الذي مال صاحبه على الطاولة .. بابتسامة ملتوية على شفتيه ..
يعقد إحدى ساعديه المفتولة على صدره و قد رفع كمّه إلى المرفق ..
فيما رفع يده الأخرى ليلقي بحبّة - اللقيمات - الصغيرة متقنة الصنع في فمه .. ليلوكها بتلذذ ..
شعرت بالغباء و هي تنظر إليها بفمٍ مفتوح .. قبل أن تشعر بوجهها يحتقن بالدماء ..
و كأن اعترافها بمشاعرها لأختها قد وصل إلى مسامعه .. أو كأنه قد يكشف ما الذي تخفيه له بين أضلعه ..
ضربات قلبها المجنونة راحت تتصاعد لحلقها ..
و قربه الذي ينضح حرارة يدفئ روحها بقوة ..
كان يقف متكأً على قيد إحساسٍ منها ..
إحساسٍ قد ينبشه .. ليعلم أي سذاجةٍ دفعتها للتعلق به ..
و خشية أن يقرأ ما تدفق في عينيها من مشاعر .. كسرت نظرتها للأرض بخجل صامت ..
و صوته الخشن يتغلغل داخل مسامعها .. يجري مع الدماء .. ليُضخ في قلبها .. و هو يقول بصوتٍ خافت ..
- مساء العسل ..
كان الهواء ثقيلا للغاية لا يصل لرئتيها .. و هي تقول بصوتٍ محرج .. جاهدت لإظهاره طبيعيا ..
- مساء النور ..
ليس عليها أن تظهر أمامه كالحمقاء لمجرد أنه باغتها و لم تستعد لإخفاء مشاعرها البلهاء ..!
.
.
.
وجد السيطرة على نفسه صعبة للغاية .. و هي يطالع وجهها الصافي المتورّد بقوة ..
و عينيها المنخفضتين ..
و خصلات شعرٍ حالك إحتضنت وجنتها النديّة ..
خفق قلبه في اللحظة الذي دلف فيها حاملا وعاء اللبن الثقيل للمطبخ .. ليجدها تقف امامه بشرودها ..
و ابتسامة عذبة خفيفة تسكن ثغرها القاني ..
بدا جليّا أنها غارقة في عالم بعيد غير هذا الذي يسكنه ..
لم تشعر به و هو يطالعها بذاك الإحساس الغريب الذي إجتاحه .. و لا تلك اللذة التي استشعرها و هو يسترق النظرات إليها في غفلة منها ..
مدت أناملها لتلتقط الملعقة المليئة بالعسل مجددا ..
الملعقة التي كانت تهتز بين أناملها الصغير .. ليغزوه شعورٌ آخر .. تخالطه نشوة راح صدره ينبض بها ..
أ يربكها قربه منها ..
ابتسم بتسلية و هو يسألها بنفس النبرة المنخفضة ..
- شحالـــج ،،
تزدرد ريقها بتوتر .. متأكّدٌ بأنها متوترة ..
الغريب بأنه شعر بذلك أيضا .. شيء من اللهفة الغير مفهومة .. يضج بها كيانه القاسي .. و هو يطالع بساطتها الحلوة من علو ..
و صوتها المبحوح .. يترنم بتلك الكلمة الهامسة ..
- بخير ربيه يعافيك .. انته شحالك ..
سحب نفسا عميقا ليزفره بقوة .. قبل أن يجيبها بشيء من الخشونة التي استلزمته ليكبح أي رد فعلٍ أخرق سيقوم به أمامها ..
- يسرج حاليه .. شوه تسوين ..
سؤال غبي .. !! رغم هذا أجابته ببساطة و كأنها لم ترى عيبا فيه و أشارت بالملعقة ..
- لقيمات ..
كاد يقهقه بقوة إذ بدا له الوضع غريبا و هو يشعر بالإضطراب مثلها .. و لكنه أحجم عن ذلك ..
شعوره بالسيطرة راح يخبو .. و علم أنه على وشك أن يتهور ليجذبها بين ذراعيه و يعتصر تلك البساطة الرقيقة بقوة .. حتى تسكن صدره ..
كاد يستدير ليتركها .. لكنها رفعت عينيها الواسعتين إليه تناظره لمرة أخيرة ..
فتصلّب إحساسه بقوة ..
قبل أن يرفع يديه الكبيرتين ليحتضن صفاء وجهها المستدير بينها .. يعيد نعومة خصلتها المنزلقة إلى خلف أذنها المتوردة ..
ثم ينحني ليطبع قبلة قويه على خدّها ..
شعر بها تنتفض بقوة ..
تلك الانتفاضة التي سرت في جسده أيضا و هو يتركها ببطء .. قبل أن يستدير متجاهلا قرعات قلبه الذي تكاد أن تهشّم أضلعه ..
و هو يغادر المطبخ ..
استنكر إحساسه المجهول هذا .. و راح يزفر مرارا ..
تبا لها ..
تلك الفتاة تعشش تحت جلده الآن ..!
.
.
.
.
.
خلفه هي .. تلهث بقوة .. و قد فقدت السيطرة على أنفاسها ..!!
شعرت بالدوار يجتاحها .. و هي تغطّي وجهها بإحراجٍ شديد ..
و تهمس بخجل مميت ..
- عنلاااااته السبال ..
* * * * *
* * * * *
التعديل الأخير تم بواسطة زارا ; 06-05-08 الساعة 07:45 PM
|