لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-05-08, 03:48 PM   المشاركة رقم: 101
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

شووفوا كلام الكاتبه اللي قالته بالمنتدى عشاان التاخير اللي حصل للجزء.. والغاايب عذره معه..

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،

مساء الورد ،،

لظروف قاهرة تخلّفت البارحة عن طرح الخطوة الثامنة عشر ..

لن النت عنديه انقطع ..

و بما انهم ردّوه ،، بطرحها الليلة بإذن الله

طويلة نوعا ما .. تعويضا عن تأخري

سمحوليه ،، و ترقبوا ،،

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 03-05-08, 03:46 AM   المشاركة رقم: 102
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

[SIZE="3"]الخطوه الثامنة عشر

خطوات مجنونه


جحظت عيناه المحمرتين بقوة .. و هما تتعلقان بأخيه الجامد ..
يبحث بين ثنيات وجهه الأسمر القاسي عن أي بوادرٍ لضحكة .. أو سخرية ..
شيء يبشّر بأن كل ما قيل للتو مجرد مزحة ثقيلة ..!
كان قد انفجر .. وكاد يقتل غيث بعد كل تلك القذارة التي بسطها أمامه بهدوء ..
بعد دقائق طويلة من الصياح المقهور .. و الحقد القاتل .. استطاع غيث أن يعدم كل شي ..
أشار ببساطة أن ذاك الحثالة قد تلقى عقابه ..
تلقى عقابه ..؟ و لماذا إذا لا يزال حيّا ..؟
اللعنة ..
عليه أن يتوسد قبره الليلة ..
شعر برغبة جامحة تشده لخنق أخاه قبل أن يذهب لذاك الحقير .. ليمزّقه إربا ..
ثم يجرّها .. تلك الوصمة العالقة بشرفهم .. ليدفنها بعيدا ..
حيث تستر التربة بقايا فضيحتها ..
لكن سطوة غيث كان جازمة ..
و هو يقول بهدوء ..
- ما نبا الفضايح .. لو بغيت هالحشرة كلها كان خبّرت أبوية و عماميه .. انا هب ياي أخبرك عسب أشوف حميّتك ..
ثم أعاد ظهره للوراء باسترخاء غريب لا يناسب الموقف .. و لا الخبر الذي تلقاه حامد للتو ..
- الكلب ياه يزاه .. و لو كنت أبا أذبحه كان ذبحته .. هب صعبه عليّه و هب ياي أباك تسويها بداليه ..
ثم برقت عينيه بتصميم ..
- لكنّيه ما تسترت ع الموضوع عسب أفضح كل شي أحينه .. العجز لي بيعيش فيه يسدّه .. و الذبح راحة ما يستاهلها .. خله يعيش حياته ع كرسي إلين يموت .. ماريد أدنس ايديه بقتله ..
كان حامد ينظر بصدمة مقهوره .. شيء يلمع في عينيه بدا كدمعة غضب مجنون .. و هو يكابد لخنق ما يخالجه ..
أخيه الأكبر كان باردا .. باردا و هادئا للغاية .. و كأن الأمر لا يعنيه .. أو كأنه ليس بالرجل الذي قد يشعر ..
بل آلة تجلس بهدوء أمامه لتعالج الوضع بهذه العقلانية ..
- أنا ترانيه أول ما دريت بهالشي .. كنت شراتك .. الشي الوحيد لي كنت أبا أسويه انيه أحصل هالحيوان و أطلع عيونه و أخنقه بيديه .. لكن ربيه رحمنيه و هو كان شارد .. و هالشي خلانيه أفكر زين .. تتحرانيه هب محترق شراتك .. انته حيّا الله ولد عم ما دريت بهم إلا أمس .. و توهم داخلين حياتك و ما يهمونك ..
ثم أردف بألم لم يستطع إخفاءه و عينيه تقسوان بشدة ..
- لكن أنا .. أنا كنت ملزوم أحميهم .. و أداريهم .. أنا الريّال لي انتهكوا عرضيه تحت خشميه .. و أنا هب داري ..! تعرف شوه يعني انه حد يتعدا ع شرفك .. و انته آخر من يعلم .. انه الكلب لي تجرأ و سوى سواته يرتغد في كل مكان .. حي .. و عايش حياته .. عقب ما لوّث اسمك .. و دنّس عرضك ..
سحب نفسا عميقا بعد أن شعر بصوته المثقل بالمرارة يكشف مدى عمق جرحه ذاك .. ليقول بصلابة ..
- لكن ما بينفعنيه الا انيه أتصرف بعقل .. لو ذبحته شوه بستفيد ..؟ لي ما درى بالسالفة بيدري .. و بتغدي فضيحه على كل لسان .. فضيحة أنا أبا أتستر عليها .. لو خبّرت حد من هليه و الا من خواتها .. شوه بيستوي .. بيرد الزمن و بنغير شي ..؟ لااا .. بيغدون لي يعرفون هالموضوع وايدين .. و شوه يظمن ليه ان كل واحد منهم بيلم ثمه و يصخ ..؟
قال حامد بمرارة .. و صوته يخرج محترقا من جوفه ..
- الله يلعنه .. و يلعنها وياه .. برايه لو بننفضح .. بس أبا أبرد حرتيه .. أبا أذبحه ولد الكلب .. و الله لثوّر فيه .. حرام انه ما يبات باكر الا فقبره ..
لكن غيث نهره بقوة ..
- انته غبي ..؟؟؟ فكر .. فكر .. فكر .. شغّل مخك .. ذبحه ما بيفيد .. و لا بيرد شي .. نحن لازم نتستر على الفضيحة .. الحيوان و داويناه .. بس السالفة هاي لازم محد يدري بها .. أنا ما باك تتهور .. ما خبرتك عسب تتصرف و تستعرض عضلاتك .. افهمنيه .. أنا محتاينك في هالموضوع ..
لكن حامد لم يجبه . أسند جبينه بيديه .. و هو يطرق برأسه ذلا ..
و قد ارتخت أكتافه تحت وطأة العار الذي راح يشعر به ..
انتهك عرضه .. دنسوا شرفه ..
الحثالة .. لا يستحق أن يكون حيّا ..
- ماروم .. ماروم أفكر بعقليه .. ليش خبرتنيه و انته ما تبانيه أعدمه النذل .. ليش ..؟؟
ثم ظرب صدره بقبضته .. و صوته الأجش يتردد متلوعا ..
- تبا تقهرنيه ..؟ تبا تذبحنيه ..
لكن غيث قال بقوة و هو يتحرك نحوه ..
- حامد .. هد شويه .. ركّز ويايه .. انته ريال و تعرف شوه بيصير لو يظهر طرف خبر عن هالسالفة لأي حد .. أي حد .. تعرف شوه يعني ..؟؟ تمشي و راسك في القاع .. ما ترفع عينك في ويه ريّال .. تعرف شوه يعني الفضيحة .. ركز يا حامد .. ما بتفيدنا بشي لو العرب كلها درت انه الحيوان معتدي ع وحدة من بناتنا ..
شحب وجه حامد بشدّة .. و مئات الصور تتهيأ له ..
و غيث يقول بصرامة ..
- لازم محد يدري بهالشي .. و لو ما كنت مضطر .. ما خبرتك .. لكنيه محتاينك عسب تساعدنيه في حل هالموضوع ..
أزاح حامد يديه عن جبينه يرفع عينيه ببؤس و كأن لا حل في الكون لهذه المعضلة ..
- أساعدك فشوه .. انته فاهم الوضع و الا لا .. هاي فضيحة .. فضيحة يا غيث ..
لكن غيث قال بثقة و هو يدنو من أخيه ..
- هالفضيحة محد يدري بها الحين غيري و غيرك .. و ولد الـ ××××× لي خايف من القصاص عسب كذيه ما بيرمس ..
- شدرّاك ..؟؟ يمكن يبا ينتقم منك بسبة لي سويته ..؟
ارتفعت شفة غيث بإحتقار .. و هو يقف أمامه مباشرة ..
- و يروح إعدام ..؟؟ هه .. ما ظنتيه .. المهم .. انته مستعد تساعدنيه عسب نغطي ع لي صار و الا لا ..
- كيييييييف ..؟؟ كيف تباانااا نغطي ..؟؟ باكر لو ..
لكن غيث رفع يده مقاطعا ..
- مستعد .. و الا لا ..
وقف حامد في مكانه .. و هو يسخر بمرارة ..
- ماشي حل غير تذبح بنت عمك .. لو تبانا نذبحها .. ما عنديه خلاف .. ع الأقل أبرد شويه من حرتيه ..
نظر له غيث بصمت لبرهة ..
عينيه المتمعنتين ترصد عينا أخيه الحاقدتين بقسوة .. و اللتان تلمعان الآن بوحشية ..
- و ليش نقتلها ..؟؟ هي مالها ذنب و لي استوى غصبن عنها ..
التفت حامد نحوه بوحشية و هو يهس بصوتٍ كريه ..
- غصبن عنها ..؟؟ كيف وصل لها الكلب .. لو ما هي لي ترتغد الين حصّلها .. الله يعلم كانها ما تواعده و ... ..
و فرقع في جو الغرفة صوت اللطمة التي هوى بها غيث على جانب وجه أخيه ليخرسه .. قبل أن يجذبه من طرف ثوبه بقوة و هو يقول بغضب هادر ..
- كلمة وحدة يا ولد أمك عن عفرا .. و أدفنك فمكانك .. ثمن رمستك .. بنات عمّك حشام .. و لو تبا ترتغد كان سوتها قبل لا اييهم يوم ما عندهم لا ولي ولا والي ..
الطنين يهدر في أذن حامد ممتزجا بصوت غيث المرتفع .. فيما لا يزال مصدوما بقوة ..
مصدوما من الكلمات التي تفوه بها أكثر من اللطمة التي هوت على فكّه للتو ..
كيف استطاع أن يتفوه بهذه القذارة و هذا التشكيك الرخيص ..
عزا ذلك إلى قهره .. لكن يبدو أن أخيه لم يجد العذر له ..
دفعه غيث عنه بقوة ..
- الشرهة هب عليك .. عليّه أنا لي تحريت انيه أرمس ريّال .. إذلف و إظهر من ويهي .. أنا الغلطان لي متعني و عاطنك سرّي .. أبا فزعتك .. و ثرك رخو ما تعرف إلا عق الرمسة شرا الحريم ..
أطرق حامد برأسه .. يستجمع هدوء نفسه .. فيما يدير له أخاه الأكبر ظهره منتظرا منه الرحيل ..
تتزعزع الكلمات من بين شفتيه بمرارة ..
- اسمحليه يا بو سيف .. و الله من حر ما فيّه .. آنس انيه بموت فمكانيه كلما تخيّلت الكلب حي عقب كل لي سواه .. ابشر بفزعة .. و لك منيه لي تباه ..
جثم صمت ثقيل على أنفاس حامد منتظرا اشارة من غيث .. قبل أن يستدير الأخير مجددا نحوه قائلا بهدوء .
- يا حامد .. و الله ينك ما تدري بالنار لي تكوينيه .. وديه انيه أفجّر المستشفى لي هو فيه .. و الا أنتفه بأسنانيه .. أبا أقطّع جلده .. أسلخه و هو حي .. البنية صار لها لي صار و أنا لي مسؤول عنها .. لا تقول انيه ما حس باللي تحس به .. بس مافيه فايدة .. لازم نتصرف .. و أنا ما ييت أضيع الوقت عسب تستعرض عليّه رمستك الوصخة عنها .. انته تقول بتسوي لي أباه .. متأكد من هالشي ..؟؟؟
قال العبارة الأخيرة بشك واضح .. تعمد أن يثقله بالتحقير .. و هو ينظر لحامد من علو ..
حامد الذي بدأ يستوعب ببطء أي همٍّ يجثم على صدر أخيه الأكبر و هو يكافح لإيجاد حل ما ..
- متأكد يا خوية .. اشتد .. وراك ظهر و لا ترتد .. لك لي تباه .. لو تبانيه أنفده الـ ×××××
قاطع غيث كلماته ..
- و نحن من الصبح شوه نقول .. ما نباه يموت ..
- عيل شوه تبانيه أسوي .. خبرنيه بس ..
انصبت الأنظار الحازمة على وجه حامد .. لتلتقط أي تعبير قد يمر على وجهه ..
- تتزوجها ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
يفتح عينيه على اتساعها بذهول ..
يكاد أن ينفض رأسه قليلا ..
هل أخطأ السمع أم أن أخوه طلب للتو منه ان ..
تبعثرت الأحرف بعجز من بين شفتيه مصعوقا ..
- أتـ .. اتزو .. أتزوجها ..!!
بدت عينيه على وشك الوثب و قد غزاها الارتياع فجأة ..
غيث يقف مكتوف اليدين .. و عينيه الباردتين لا تتزعزعان من على وجه أخيه الذي لهث فجأة و كأنه لا يصدق ..
- أتزوج من ..؟
لكن الجليد الذي يكسو ملامح غيث لم يذب .. و هو يقول بصوتٍ قوي ..
- تتزوج عفرا ..
نظر له حامد بعدم تصديق .. و هو يقول مستنكرا ..
- عفرا ..!!!
رفع غيث أنفه قليلا و هو ينظر إليه بشيء من التحدي ..
- هيه .. عفرا ..
تلفت حامد حوله بحيرة .. و كأنه لا يفهم ما طُلب منه للتو .. يتزوجها ..!!
ثم عاد ينظر لغيث باستنكار ..
- تبانيه آخذ بنت عمّك هاي ..؟؟ ليش ..؟؟
تساقط الثلج من صوت غيث و نظرته التي بدت تحتد بقوة ..
- و بنت عمّك بعد و الا نسيت ..؟ هذا هو الحل .. لازم حد منا يستر عليها ..
ثم رفع حاجبه بهدوء ..
- و بما انيه ماخذ ختها .. بيكون لك الشرف تلعب هالدور ..
انكمشت ملامح حامد بنفور ..
- آآآخذهااااا ..!!! تبانيه آآخذها ..؟؟؟؟؟
- سمعتنيه .. لازم تتزوج عفرا .. و تستر عليها ..
هز حامد رأسه قبل أن يطلق ضحكة قصيرة غير مصدقة و هو يكرر بذهول ..
- تبانيه عقب كل لي قلته آخذها .. آخذ هاي لي ..
و قطع عبارته و هو يلوح بيده بألم ..
قست عينا غيث و هو يقول من بين أسنانه ..
- هيه أباك تاخذها ..
التفت حامد نحوه بقوة ..
- مينون انته ..؟؟ تبانيه آخذ وحدة هب .. هب ..
لم يستطع نطقها لذلك شعّت عيناه باشمئزاز .. و هو يرفع وجهه .. يصمت لدقيقة كاملة .. ينتظر كلمة من غيث الذي ظل يطالعه بصمت .. ينتظر ردة فعله ..
لن يفعلها ..
لن يجاريه في هذا بالتأكيد .. لذلك استجمع ما تبقى من هدوء في نفسه .. ليقول ..
- أنا آسف ..
رفع غيث حاجبه بصمت منتظرا .. ليتابع هو بقوة ..
- أنا هب مستعد آخذ وحدة لمسها غيري .. ما بسوي عمريه مضحي .. هالبنت لو على موتي ما خذتها ..
لكن وجه غيث المتصلب لم يلن و هو يقول بثقة ..
- بتاخذها ..
- لا .. شوف لك غير هالحل يا غيث ..
- بتاخذها ..
- وايد حلول قدامك .. شوفلها عيادة خاصة تسوي عملية رقع و الا ......
- بتاخذها ..
- ليش أنا ..؟؟ عندك أحمد ..
- بتاخذها و انت حمار ..
بدأ يستفزه الآن ..
- قلتلك بسوي أي شي .. الا هالشي .. اسمح ليه .. مستحيل أسويها .. أتزوج وحدة هب بنية .. سبقني واحد عليها .. مادري كيف وصل لها .. و الا شوه شاف منها ..
بدت عينا غيث تحمرّ الآن بغضب قاتل .. و صوته لا زال هادئا ..
- بتاخذها يا حامد .. غصبن عنك .. بتتزوج عفرا و تستر عليها .. و ننهي هالموضوع ..
لكن حامد لم يعد يحتمل الآن .. لذلك إنفجر بجنون ..
- اتخسي .. أنا آخذ هاي .. و الله لو هي ميته ما خذتها .. أنا هب مجبور فيها .. و لا مصلح اجتماعي .. أستر عليها ليش .. هب ملزوم أصلح غلطة غيري .. كان مسكت الكلب لي اعتدى عليها و زوجتها ايّـ ....
و لكنّه لم يتم عبارته و جسده يرتطم بالجدار ورائه فيما يشد غيث خناق ثوبه من عند عنقه ..
يخنقه ..
و هو يهس ببغضب ..
- لم ثمك لا اييك بوكس ايطيح ظروسك يا الكلب .. ما خبرتك السالفة عسب تعايرها .. عفرا انته تعرف بظروفها .. بتاخذها غصب طيب .. و من فوق خشمك و انته تضحك ..
لكن حامد تملص منه بجنون و هو يقول بقهر ..
- ما باخذها .. كيف تبانيه أتزوجها و أنا أدري ان واحد غيري استمتع بها .. كل ما صديت فويهها بتذكر هالشي .. تعرف شوه يعني أتزوجها .. أداريها .. و تكون حرمتيه .. في بيتي .. في فراشي .. كيف تباها تكون أم عيالي .. ؟؟
كان غيث يشد على قبضته .. يلجم هياجه كي لا يسحق وجه أخيه الآن .. يعلم أن وقع الطلب عليه كان قويا ..
- صخ شويه .. و اسمعنيه .. محد يبا منك شي .. بنت عمك تبا الستر .. و عقب لي استوى بها ما بتروم تاخذ واحد الا و هو يكتشف السالفة و هالشي لي نحن ما نباه ..
قال حامد بحقد ..
- الله يلعنها .. خير .. لازم تعرس ..؟ لي شراتاا عليهن عنوسة .. محد يباهن ..
أغمض غيث عينيه بصبر ..
- أقسم بالله انيه ميود عمريه عنك يا حامد .. كلمة ثانية عن عفرا .. و ما أخليك الا مكسر .. انته شوه خسران ..؟
اتسعت عينا حامد بعدم تصديق .. قبل أن يضحك بمرارة ..
- شوه خسران ..؟؟؟ أتزوجها و شوه خسران ..؟؟ ياخي أما انته عليك برود هب في بشر .. ما تعرف شي اسمه غيره .. مابروم أنسى لي صار لها ..
- حاااااامد .. افهم يا ريال .. محد يبا منك شي .. تزوجها بالاسم .. عطها اسمك .. و استر عليها .. ما نبا منك شي .. لا تييها و لا تعبرها .. خذها و اعتبرها أختك ..
التوت شفتي حامد بألم يخالطه اشمئزاز ..
- ختيه ..؟؟ و أنا أدري انهم اغتصبوها ..؟؟ تباها تحت عيني كل لحظة عسب أتذكر لي صار .. حرمتيه و مغتصبة ..!!
- قلنا لك .. لا تشوفها حرمتك .. اعتبرها يدار .. ما تبا منك شي .. لا تداريها و لا تعبرها .. و لو ما تبا ترمسها لا ترمسها .. رتب لك مكان .. و كل واحد يرقد في فراش .. ما يخصك فيها .. عقب سنة اتزوج عليها .. تبا تاخذ وحده و الا ثنتين و الا ثلاث انت حر .. بس عفرا بتاخذها .. بتاخذها ..
أشاح حامد بوجهه يائسا ..
- ماروم يا غيث ماروم .. افهمنيه ..
لكن غيث شعر بأن أخوه قد بدأ ييأس .. لذلك قال بهدوء ..
- أنا ما ييتك الا عاني يا حامد .. و و الله .. لو ما كنت ماخذ ختها كان قدها حرمتيه .. هب لحية ريّال يوم بنت عمّك تبا الستر .. و انته عايفنها .. كل لي صار ما كان ذنبها .. شوه بيظرك ..؟ اتيمل .. و اكسب أجر .. خذها و استر عليها .. و ان سكنت بيتك هب ملزوم بها الا قدام هلك .. خلاف تزوج لي تبا .. و هات عيال .. بس فكّر زين يا حامد .. فكر في ابوها الميت .. فكر فعميه .. و هلك كلهم .. فكّر في الفضيحة .. و فكّر فيها يا حامد ..
ثم بدا صوته مثقلا بهذا الهم ..
- فكّر بالبنية لي استوى بها كل هذا .. كيف عايشة الحين .. استر عليها يا حامد .. استر عليها ..
بدا حامد مشدوها لهذه النبرة الغريبة .. لم يرى قط في حياته كلّها غيث يتكلّم بهذه النبرة المتوترة ..!
دائما واثق .. دائما حازم .. دائما متصلب الرأي و لا يلين ..
و لكن هذه المشكلة حربة تنتصب في صميم كرامته .. تدمي رجولته ..
لن يكون رجلا إن تجاهل هذا .. و إن رفض ما يُعرض عليه ..
لن يكون ذا نخوة .. بل شبه رجل .. إذا أدار ظهره عن هذه المناشدة من أخيه ..
من عرضه ..
فقط تابع النظر لوجه أخيه بملامحه السمراء الخشنة .. و عينيه العميقتين ..
و انعقاد حاجبه تحت وطأة هذا الهم ..
ليجد الكلمات تنزلق وحدها .. و يتدفق القرار مدفوعا بشهامة تسكن كل رجل ..
يجد أن الغيرة على عرضه جزءا منه .. رغم كل تلك الإعتراضات المشينة و الشكوك المخجلة التي تفوه بها منذ لحظات ..
- خلاص يا بو سيف .. لي تباه بيصير .. بس لازم .. لازم تفهمها كيف بيكون الوضع .. ماريدها تطالبنيه بشي عقب الزواج .. خل كل شي واضح امبينا ..
برقت الراحة الحقيقية على وجه غيث .. رغم نبرة التحذير ..
- و لا تفكّر انك تاخذها لفترة و خلاف تطلقها .. خلاص من تتزوجها بتم وياك إلى أن يقضي الله أمرا ..
ثم أردف بنبرة متهكمة ..
- ترى الزواج بنية الطلاق باطل .. و بيغدي الوضع غريب الصراحة لو يلست عندك قدام هليه و هي متغشية ..!
تجاهل حامد نبرة السخرية ليقول بصوتٍ مهتم ..
- غيث .. ترانيه هب مطمن لولد الكلب هذاك .. شوه لي يظمنك انه ما بيرمس في الموضوع و يفضحها عند العرب .. و الا يعترف عليك ..؟؟
أسقط الغموض ستارا على عينيه .. و شفتيه تشتدان بقوة .. قبل أن يجزم بثقة غريبة ..
- أنا أظمن لك إياه .. بلوي ايده الحيوان .. و بنشوف كيف يعرف يرمس ..

* * * * *

حتما سيقتلها هذا الإحساس قبل أن تشرق الشمس ..
بأنامل مرتعشة .. تحاول كفكفة عبراتها المنزلقة بلا توقف ..
و جبينها الذي تسنده بيدها يضج بالصداع من فرط ما بكت ..
يده الكبيرة راحت تربت بصبر على ظهرها .. و بين الفينة و الأخرى شهقاتها تنزلق بصوتٍ مسموع ،،
كلما استعادت صورة أختها و هي ملقيّة على أرضية المطبخ .. و قد تناثر سائل القهوة عليها ..
جسدها المسجى في ذاك الوضع المرعب و قد استلقى كرسيّها ذو العجلات على جنبه جوارها ..!
لن تنسى قدميها و يديها حين ارتخت بلا حراك .. شعرها الذي تدلى من رأسها المتراجع و عمر يحمل ثقل جسدها الشبه ميت بين ذراعيه للسيارة ..
تناهى لمسامعها صوته الحنون يهدّئها ..
- ارحمي عمرج يا خولة .. تحمدي ربج انها بخير .. المفروض انيه ما أحركها من مكانها .. يمكن كانت رقبتها المكسورة و الا عامودها الفقري ..
راح الإحساس بالوجع يخزها بقوة مجددا .. و هي تنشج بقوة ..
- يااا الله .. أنا السبب .. انا السبب .. ليش خليتاا اروحها في البيت .. ليش ..؟؟ عمريه ما سويتهاا .. بس هالأيام أودرها اروحها .. كيف بتدبر عمرها .. كيف ..؟؟ آآآآآه .. و الله انيه بغيت أموت يا عمر يوم شفتها طايحة .. ختيه .. ختيه المشلولة مودرتنها اروحها .. عسب أظهر .. ليتني مت قبل لا تشبر ريولي خاري الباب ..
نهرها عمر بلطف ..
- استغفري ربج .. شوه هالرمسة ..؟؟ ما عليها شر ان شا الله .. الكسر لي في ريلها يباله أربع شهور و بيفكون الجبس عنه .. و حروق القهوة لي يتها عادي بتخوز .. صدقينيه .. خليها ترقد الين باكر و بتنش شرا الحصان ما فيها الا العافية .. بس انتي لا تستهمين ..!
شهقت بقوة ..
- كيف ما أستهم .. يا الله يعلنيه العوق كانيه بخليج مرة ثانية بروحج يا ميعاد ..
ابتسم لها عمر ممازحا ..
- باكر بتعرسين و بتودرينها غصب .. لا تدعين ع عمرج ..
لوحت خولة بيدها يائسة ..
- الله لا قال .. أنا وين و العرس وين ..
- منوه قال ..؟ الا انتي زاهبة .. بس يبالج معرس حليو .. يستاهلج ..
بكت بقوة ..
- دخيل والديك يا عمر لا ترمس في هالموضوع يذبحنيه .. الله لا ييب العرس و لا طاريه .. ما تشوف كيف قلب حاليه .. حتى ختيه أهملتها .. لو عرست منوه بيداري ميعاد .. بعدين هب وقته هالطاري ..
لكن عمر تجاهل كلمتها الأخيرة و هو يعقد جبينه باستياء ..
- ليكون ناوية تربطين عمرج بها الين ما تموتين ..
نظرت له بغرابة من بين دموعها ..
- و ليش لا .. هاي ختيه و أنا ملزومة بها .. أراعيها و أداريها .. لو أنا عرست منوه بيتم لها ..؟؟ نهيّان ..؟ لو هو معرس قلنا ما عليه .. بس حتى هو شال هالفكرة من راسه موليه .. شيّب و ما شفنا له نيّة .. عمر .. دخيلك .. ما خلّصوا الجبس ..؟ ابا أشوفها ..
نظر لها عمر مطولا قبل أن يزفر بضيق و هو يهب من على مقعد الإنتظار قائلا ..
- أنا بسير أشوف الدكتور و برد لج .. خلج هنيه ..
أومأت بموافقة ،، و هي تراقبه يقطع الممر نحو غرف الكشف ..

* * * * *

راحت تطقطق بقلمها على الطاولة في حركة عصبية .. و عينيها الواسعتين تمعنان النظر بضيق شديد في الشاشة أمامها ..
شعرت بالعينين الثقيلتين لزميلتها في الغرفة تنظر إليها ..
فالتفتت و شفتيها تتقلبان اشمئزازا .. و هي تزفر ..
- اوووووففف ..
نظرت لها المرأة باحتقار و عادت تدس رأسها بين أوراقها مجددا .. تتابع عملها ..
فيما ألقت عوشة نظرة أخرى للجريدة ..
لا زال يكتب فيها .. و عنوان بريده الالكتروني يذيّل المقال كالعادة ..
إذا لماذا لم يرد عليها ..؟
كانت قد أعقبت رسالاتها الاولى بثلاث أخرى .. حين لم يجبها ..
مرفقة بطلب آخر ..
لكنه لم يجبها ..
أرادت ان تضيفه في قائمة المحادثات الفورية لديها لكنها لم تشأ أن يظنها لحوحة ..
يكفيها تجاهله حتى الآن ..
المغرور ..! من يظن نفسه ..
انه لم يكلف نفسه عناء اعادة كتاباتها حتى ..!
همست بحقد ..
- مصدق عمره هو و شكله .. مطنش ..
راحت تقلب المستند الذي ستتمه الأسبوع المقبل ليكون اول تقرير لها فيعرض على إدارة التحرير لتأخذ إقرارا بالموافقة او الرفض ..
لن تكلف نفسها العناء .. تعلم جيدا أن بإمكانها تقديم الأفضل .. و لا يهمها ما يظنه الآخرون بقلة كفاءتها ..
قذفت قلمها بشيء من العصبية .. و تجاهلت الالتفاتة الحادة من تلك العانس .. و هي تستند على كرسيها بقهر ..
الحقيقة ان مسألة عدم رده على كتاباتها تغضبها ..
ماذا ..؟ هل هي دون المستوى المطلوب ..؟ أم أن ما كتبت لم يستحق الوقوف أمامه حتى ..
خفضت عينها بغيظ للمقال الجديد له .. كان بعنوان ( أفغان بين مطرقة و سندان ) ،،
دوما .. لا شيء يزكيه كجرأته في الطرح و التطرق لمثل هذه المواضيع ..
تجاوزات الإدارة العديدة من اجله تعني زيادة في عدد النسخ المباعة ..
الغريب انها لم تسمع عنه من قبل أن تأتي إلى هنا ..
و لم تكترث قط لأي جريدة .. حتى و إن كان مجال دراستها في الإعلام ..
كانت تطمح للإعلام المرئي ..
و سرعان ما وئدت أحلامها الحمقاء تلك في مهدها .. مع الإعتراضات التي واجهت فكرتها ..
لتكتفي بالمتابعة في نفس التخصص و لكن في منحنى آخر ..
منحنى لم يكن الشكل له الأهمية المطلقة فيه .. إنما الكلمات ..
الآن بعد أن وجدت نفسها مضطرة للعمل .. و قد أخذت المسألة مجرد تدبير للوقاية من الفراغ ..
وجدت أنها تتعلق بهذا العمل تدريجيا ..
ليس العمل بالطبع .. إنما جلوسها خلف هذا المقعد و متابعة تلك المقالات العظيمة و الجريئة التي تواجهها كل صباح ..
هل يعمل هنا معهم في المبنى ..؟ أم أنه يرسل المقالات أم ماذا ...؟
من هو قلم حر يا ترى ..؟
هل قرأ رسائلها ..؟ و كتاباتها .. ؟ أم أنه لم يصل لها بعد بين أكوام ما يصل له من القراء ..؟
ربما قرأها ..؟ ما الذي خالجه حين رآها .. هل إبتسم بإعجاب ..؟ و أثنى عليها في سرّه .. أم ......
و تراءت لها صورة مبهمة ..
لخيال رجل غريب .. في غموضه قوة تسحرها .. يجلس في الظلال فلا تتبين من ملامحه شيئا .. ممسكا قلما بين أنامله الطويلة المبدعة ..
ليربت على الورق بعناية .. ينثر عليها ذاك الحماس القوي الذي يتسرب للناس بسهولة أمام إعتراضاته ..
وضعت أناملها على شفتيها و هي تتمتم بضيق ..
- ليش ما ترد عليّه ..؟
ثم تنهدت بقوة .. أمامها الكثير من العمل .. لكنها تعود لتفحص البريد الالكتروني خوفا من أن يكون قد أرسل ردا ما دون أن تعلم ..
شعرت بشيء من القهر .. و هي تنتظر هنا بفروغ صبر .. بينما يتجاهلها ذاك المغرور ..
من يعتقد نفسه ..؟
يمكنها أن تفوقه نفوذا و قوة باسم عائلتها فقط .. و لا تحتاج لشهادته العفنة كي تتابع ما تكتب ..
شعرت بان كرامتها تنهض الآن ببطء .. لتنفض عنها الغبار .. و هي ترفع أنفها بشمم ..
إذا كان يعتقد أنها متلهفة للغاية كي يتكرم بكلمة ما لها .. فهو مخطئ ..
يمكنها أن تحاول لوحدها .. و ستقدم كتاباتها اليوم بالذات لإدارة التحرير تعرضها عليهم ..
لكن قبل ذلك ..
رفعت حاجبها و أصابعها تتقافز على لوحة المفاتيح بخبث ..
لن يضيره أن يتلقى خطابا يريه حجمه الحقيقي ..
أ و ليس كذلك ..؟
.
.
ما ان أنهت مهمتها حتى استرخت في رضا قطّة سرقت قطعة لحمٍ و التهمتها للتو ..
راحت تتأمل أظافرها المرتبة بعناية ..
لا أحد .. لا أحد أبدا يمكنه التقليل من شأنها ..
لا قلم حر و لا غيره ..!
غيره ..؟
كادت تضحك بذهول .. تبا .. كيف غاب الموضوع الذي كان يشغل ذهنها مؤخرا عن بالها ..؟
كيف نسيت تلك الخطط التي تنمقها بعناية لقمع تأصل وجود تلك الدخيلة في حياة من تحب ..
ربتت على خدّها بشيء من الشرود ..
الكثير من الأشياء كانت تشغل بالها .. و إزدحام الأفكار لا يساعدها أبدا على التركيز ..
سعادتها بانطلاقها في ما تكتب .. و سلاسة ما تنثره على الورق .. هذه الموهبة التي اكتشفتها و بدأت تطوعها ..
اقتحام تلك العائلة لثبات حياتها ..
خططها لما ستقدّم كأول مقال لها ..!
تواصلها مع ذاك القلم .. و لهفتها لمعرفة رأيه ..
لا تصدق أنها نسيت التفكير في الأمر منذ أن بدأت في انتظار ردّ هذا الكاتب المتبجح ..!
لا يهم ..
تذكرت الآن و كفى ..
ضيّقت عينيها بمكر و هي تستعيد في مخيّلتها قامته العريضة .. و عرض منكبيه ..
ملامح وجهه الرجوليه الخشنة ..
حضوره القوي الذي يزعزع من حوله توجسا امام الشراسة و القوة البدائية الناضحه منه ..
تأوهت بشوق جارف ..
كم تحبّه ..!
ستستعيده حتما ..
و إن ظنّت تلك الطفلة المزرية لبرهة أنها قد استحوذت عليه فهي مخطئة ..
أوه كم هي مخطئة ..!
فعوشة لم تكشّر عن أنيابها بعد ..!

* * * * *

أثقلت السعادة صوتها و عيناها الواسعتان تبرقان بفرح صافي ..
شيء لم تلمسه منذ قدومها إلى هنا ..
- و الله ليموتن البنات قهر يوم يعرفن انكن ييتن هنيه و هن مداومات ..
ثم أطلقت ضحكة مبتهجة قصيرة و هي تقول معاتبة ..
- بس ما عندج سالفة .. ليش ما يبتي مريوم .. وايد تولهت عليها ..!
أدارت وديمة عينيها المتسعتين بذهول في المكان و هي تقول ..
- أييبها وين ..؟؟ و الله انج خبلة .. هاي يوم كنت أييبها في بيتكم لولي .. كانت تقلب الدنيا فوق حدر .. تبينيه أييبها هنيه ..؟؟!!
مطت حور شفتيها و هي تقول بحب ..
- حتى و لو .. و الله انيه متولهة عليها موت ..
لكن وديمة ضربتها على كتفها ..
- لا يختي خليها عند عمتيه .. أبا أحس بالحرية شويه و أنا أحاوط .. بعدين أنا ما روملها مريوم .. ان خليتها بكيفها تعفس الدنيا .. و أنا ما شلها الحين .. - ثم ابتسمت و هي تقول بشيء من الخجل - احم احم ،، ترانيه ما بشرتج ..
اتسعت عينا حور التي كانت تجلس على الأريكة العريضة في زاوية غرفتها بجوار أختها بالرضاع ،،
- لاااا تقولييييييين ..!!!
أومأت وديمة بابتسامة حلوة .. لتصيح حور بفرحة ..
- حاااااااامل ..!!!!!
ضحكت وديمة تشاركها السعادة التي بدت مميزة على وجه أختها ..
أختها التي لم تعرف مؤخرا .. سوى التوجس و القلق و الإضطراب .. و تبعثر مشاعرها الذي جعلها دوما في حيرة من أمرها .. لفت ذراعيها على قد حور النحيل التي قفزت تحتضنها بفرح و هي تصيح قرب أذنها ..
- سبالووووه .. ما خبرتينيه ..!!! لحظة شويه ..
و التفتت للمها .. التي تجلس على الأرض و تسند ظهرها على الأريكة .. تقلب في المجلة الوحيدة التي تصفحتها حور مئات المرات في محاولة لتضييع الفراغ هنا ..
ربتت على كتفها بسرعة .. لتلتفت المها نحوها .. ترفع عينيها الواسعتين .. و ثقل الهدب يرتخي على تلك النظرة المستفهمة .. فيما تشير حور لوديمة و هي تصيح بصوتٍ مرتفع و تقوس تلويحة أمام بطنها ..
- حاااااااامل .. حااااااااااااامل ،،
انفرجت شفتي المها عن ابتسامة رائعة تلألأت من خلفها أسنانها العاجية .. و هي تهب واقفة لتقبّل خد وديمة بفرح رقيق ..
- ممبوووووووووك .. مممبوووووووك ..
قبّلتها وديمة بحب شديد ..
- الله يبارك في حياتج .. يا الله يعلنيه هب بلا هالويه .. فديت هالضحكة كم تسوا عنديه ..
ثم تنهدت و المها تعود لتجلس .. لتلتفت وديمة نحو حور .. و تقول بصدق ..
- و الله متولهين عليكم موت ..
رفعت حور حاجبها بعتب ..
- متولهين علينا ..؟؟ وين الوله ..؟؟ ما شوفه .. ؟؟ عنبوه يا وديمة ..! شوه استوا عليكم .. إلنا اسبوع هنيه .. محد قال بنخطف عليهم .. حيين .. و الا ميتين .. بنوايق شويه و نتطمن ..!! أشوفكم نسيتونا ..
اعترضت وديمة بصدمة ..
- حرااااام عليج .. نتصلبج .. شوه تبين أكثر ..
- لا و الله .. الحين اتصلتوا .. خلاص ..!! و الا يوم يينا هنيه بتقطعون الزيارة .. و بتتعلثون ببيت الغرب ..
ابتسمت وديمة بتسامح و هي تقول ..
- ع فكرة لو الود ودنا من أول يوم و نحن هنيه .. بس تعرفين يوم انتقلتوا أمايا عذيجة كانت تعبانة و ما رامت تخاويكم ..
- و يوم صحّت ..؟
ردت وديمة بهدوء ..
- ابويه سلطان قال لا تييونهم ..!
اتسعت عينا حور بصدمة ..
- شووووووه ..؟؟
ضحكت وديمة بخفة ..
- هيه و الله .. قال خلوهم ع راحتهم .. تستقرون .. و تتعودون ع البيت و ترتبون أموركم .. هب حلوة .. توكم ساكنين البيت و العرب ما قد تهنوا بشوفتكم و نحن طابين فوق روسهم .. قال ابويه عطوهم فرصة يتنفسون شوي .. و ياخذون ع المكان .. خلاف زوروهم ..
عقدت حور جبينها ..
- لا و الله !! الله يسامحه عميه سلطان .. نحن ما كنا نبا نتأقلم .. نبا نحس انه حد حولنا غير الغرب لي نحن وسطهم .. و الله يا وديمة عمرنا ما حسينا بحايتكم شرا هالأسبوعين .. أعوذ بالله إحساس فظيع بالغربة ..
عقدت وديمة جبينها ..
- غربة شوه و انتي بين هلج ..؟
هزت حور رأسها بقوة ..
- و الله يا وديمة انيه من ييت هنيه و أنا ضااايعة ..! مادري وين الله حاطنيه .. أقولج أحسنيه أشوف العرب و يتحركون قدام عينيه و أنا مبطله ثميه مادري شوه السالفة .. بليدة بشكل ..بس يوم حدرت أميه عذيجة من الباب و انتي وراها .. تقولين حد وعانيه من رقاديه .. كيف أوصف لج احساسيه .. يوم حد يشلج من مكانج و الحدود الضيقة لي انتي عايشة فيها .. ثم يفرّج في مكان يكون فرق السما عن الأرض .. بيئة مختلفة مية و ثمانين درجة عن لي انتي ظارية عليه .. عرب يدد في حياتج .. المفروض انج تعرفينهم .. نعرفين أساميهم .. و تجاملينهم .. و لكل واحد منهم احساس .. حد يخوفج .. و حد تشكين فيه .. و حد ما ترتاحين له .. أحس ان الصورة قدام عيونيه ادور ادور ،، و أنا دايخة .. هب فاهمة شي .. مرة أشد عمريه .. و مرة أرخي ..
أمالت وديمة رأسها بتعاطف و هي تواسيها ..
- لازم حور .. تتحرين لي مريتي به هيّن ..؟ انتي الحين ظهرتي من مكان .. و سرتي مكان ثاااني .. و يعني حتى أغلب المسؤوليات لي كانت عليج انتهت ..
ابتسمت حور متهكمة ..
- من جهة المسؤوليات .. فلا ترمسين .. أحس بفرااااغ فضيع ..!! طول اليوم و أنا يالسة هنيه .. و عينيه في هالمجلة الين ما نتفتها .. أول أشغل عمريه بمسؤوليات البيت .. و معابلة خوانيه .. بس الحين كل شي عندهم مرتب .. أربع بشاكير .. و لو قلتي بتطبخين .. عندهم طباخ .. أصلا ما فكرت انيه أمد ايديه في البيت .. لنيه أحس بعرميه ظيفه هنيه .. لكن افففف .. مليت .. مليت وديمة . طول الوقت يالسة .. و أفكر .. أفكر .. أفكر .. أحس انيه بتخبل .. أشوف الأمور تتضخم .. و الشي الواحد أطلع له مليون تفسير .. تبين الصراحة ..؟؟ و الله ان الشغل نعمة .. و الحركة بركة .. ع الأقل تلهين عمرج بأي شي .. أمايا الحين طول الوقت مخاوية يدوه .. عاد كيف اتعودن ع بعض و رامن يتفاهمن لا اتخبرينيه .. أشوف يدوه عندها خبره في التعامل .. اتقولين ساكنة ويا أمايا من السنين ..
.
.
وجدت ابتسامة حانية تنبلج من بين شفتيها و هي تنظر لأختها بعطف شديد ..
تراقب خفقات هدبها الحائرة .. تلميحاتها المتذمرة ..
و تعثّر تلك الكلمات المتخبّطة ..
خفق قلبها بحنان ..
و أيقنت بأن داخل جسد هذه الشابة الفتية ..
روح طفلة .. ترتعد خوفا مما يمر بها ..
تائهة .. لا دليل لخطواتها المبعثرة ..
تقف عند مفترق طرق ..
و بعينين متوجستين تحاول الإختيار .. أي طريق عليها أن تسلك .. و ترسم أثرها فيه ..
تخاف الأذى .. و تخشى التسرع ..
لا يمكنها العودة من حيث أتت .. و لا يمكنها التقدم نحو المجهول ..
لذلك هي واقفة في مكانها تأبى التزحزح .. مؤمنة بأن ثباتها هذا .. أمانٌ لها ..
على الأقل لن تقضي الوقت بالندم على ما مضى .. و لن تندفع مخاطرة .. نحو ما لا تعلم ..!
شيء واحد تأكدت منه .. هو أن أختها بحاجة ماسة لمن يدفعها ..
للأمام ..
عليها أن تتخذ خطوة .. و قرار ..
أن تختار ..
أيٌّ من الطريقين تريد أن تسلك ..؟
.
.
- وديمة ..؟؟
كانت تميل رأسها بابتسامة محرجة .. قبل أن تقول بسرعة و عيناها تعتذران ..
- صدق ما عنديه سالفة .. يايتنا زيارة أول مرة و أونيه براويج البيت .. أشوفنيه غثيتج بهالخـ ..
- جب ..
قاطعتها وديمة بابتسامة حلوة ..
- ما عليه من البيت .. و لو انه حلو .. و خاطريه أرقد على هالشبريه ..
و أشارت للسرير الوثير بمرح .. قبل أن تهز رأسها و هي تمسك بيد حور ..
ثم تلمع عينيها بجديّة و هي تقول بهدوء ..
- لكن انتي أهم .. و الزيارة هاي هب عسب نشوف بيتكم .. لكن نتطمن عليكم ..
ابتسمت حور بامتنان حقيقي .. و لسبب غير معروف .. شعرت بعبرة كبيرة تسد حلقها ..
وحدة غريبة أحاطت بروحها فجأة و هي تنظر لوديمة ..
تشد على كفّها بقوة .. و الأخيرة تقول بنبرةٍ خافتة ..
تخشى أن تخدش شيئا من أحاسيس أختها المضطربة ..
- شوه لي فخاطرج حور .. شوه لي مضايقج في اليلسة هنيه .. لا تكتمين شي فصدرج .. قولي لي تبينه .. خايفة ..؟ و الا زعلانة ..
نظرت حور لعمق تينك العينين الدافئتين .. بدت نظرة أختها من القوة .. حتى ألانت روحها ..
شعرت بأن وديمة تدفعها لنبش كل ما في داخلها ..
سحبت نفسا عميقا ..تقبضه بقوة بين حنايا رئتيها .. ليبرّد قليلا من حر ما تشعر به ..
قبل أن تكسر نظرتها إلى الأرض ..
كلماتها تخرج هامسة .. تحمل كل وجعٍ تدفنه في صدرها ..
لتبثّه على مسامع أختها ببطء ..
لا تريد أن تحرق روح هذه الكبيرة بحزنها ..
- مادري ..! مادري يا وديمة .. ما قمت أفهم عمريه .. و لا أفهم إحساسي .. أحس انيه غير حور لي كنتها قبل لا يموت أبوية .. غير حور لي وقفت وشدّت ظهر أمها و خواتها عقب موته .. غديت ضعيفة .. ضعيفة و انهزاميه بشكل ما تتخيلينه ..
رفعت رأسها للسقف بسرعة حين شعرت بتلك الدمعة الخبيثة التي راحت تغرق صوتها .. ستنفلت الآن ..!
- وديمة .. شوه لي يابنا هنيه ..؟ أبا أفهم كيف انيه رضيت اننا نعيش في هالبيت ..؟ البيت لي راغوا ابويه منه .. و ذلّوه .. البيت لي حرموه في من أمه .. و من أخوانه ..
لوحت بيدها بصمت .. و هي تبتلع اختناقها بالألم ،،
تعجز حتى عن التلفظ بقهرها الآن ..
ليتهدج صوتها بحرقة ..
- كيف طعتهم و ييت هنيه ..؟ ليش ما قلت لااا .. ؟ وين صوتي ..؟ ليش أول ما قالوا يا الله قلت يا الله .. منقاده لكل لي يبونه .. و كانيه ميتة .. ابا أعيش في البيت لي ظهر منه ابوية .. ظهر اروحه .. محد قال هذا خوية .. بتنشد عنه .. و الا بشوفه .. و الله .. ثم الله .. غير يوم ملكتيه محد منهم شبر باب بيتنا و درينا به ..
دمعة حارة ترتعش على شفير هدبها .. ستنزلق حتما ..
- أبويه مات وحيد .. وحيد يا وديمة .. ما شاف حد منهم .. لا أمه .. و لا أخوانه .. و لا أبوه لي راكز خشمه الين الحين علينا.. مات اروحه .. عند الباب .. و في الشمس .. محد يعرف شوه لي كان فخاطره .. مشتاق ..؟ و الا بعده زعلان .. متلوع من بعدهم ..
آهة حارة أُقتلعت من أعماق روحها .. و هي تفرد كفيها بيأس ..
- و هم شوه لي يحسون به ..؟ محد منهم متلوم لن خوه مات و هو محتاي .. مشتاق .. و ظااامي لشوفتهم ..
ضمت شفتيها المرتعشتين بقوة ..
- ماريد أتم هنيه .. ما ريد أعيش في هالبيت لي ما ظم أبويه .. أباهم يخبرونيه أول ليش ..؟ ليش نفوه بعيد عنهم ..؟ ليش أبويه مات و محد حوله .. ليش ما ذكروا شوفه .. و قربه الا عقب ما غاب .. حد يخبرنيه يا ناس ..!!
تهدج صوتها و دمعة ثقيلة تهوي من علو لترتطم بخدّها الشاحب ..
- ليش يموت انسان و هو محروم من شوفة أمه .. و من رضى أبوه ..
بأصابع مرتعشة تزيح دمعتها تلك .. و صوتها الخافت يتابع ،،
- أحط راسي ع المخدة و أنا أفكر .. أبويه مرتاح فقبره الحين ..؟ و الا يتعذب ..؟ ابوه هاللي ما شفنا اللين فويهه .. راضي عليه الحين ..؟ و الا قلبه صخر .. و ما علمته الايام يسامح الميت ..؟ لو أعرف .. بس لو أعرف شوه الذنب لي سواه أبويه عسب يطردونه .. برتاح .. أبا أفهم شوه موقعنا نحن من القصة .. نحن عيال حمد .. شوه لي سواه حمد .. ؟؟ ورثنا ذنبه و الا شوه .. ؟ ابا حد يخبرنيه .. أنا لي أسامح و الا أتريا السماح .. بس كيف ..؟؟ كيييف ..؟؟ أمي ما ترد .. و أمايا عذيجة و غيث و انتي ما تدرون ..!! كيف عيل يدي يوز بنته لريال رايغينه هله ؟؟ ما يعرف شوه من مصيبة وراه ..؟ معقولة أمايا عايشه وياه كل هالسنين و هي ما تعرف شوه السر .. ؟ كلكم تعرفون .. بس ليش محد يبا يرمس ..؟ شوه داسين عنّا ..؟
ضمت أناملها لشفتيها و هي تغمض عينيها بقوة .. صوتها الهامس كان يرتعش ..
- أنا تعبت .. و الله تعبت ..
من بين جفنيها المطبقين زحفت سخونة عبرة راحلة .. تحمل الكثير من ذاك الهم الذي يجثو على أنفاسها المتهدجة ..
للحزن سطوة غريبة ..
في حضوره يحبرنا على الصمت .. أو الهمس خجلا من كسر طوقه ..
يقيّد أرواحنا فيخفت بقوته أي أنين قد يسمع ..!
أحنت وديمة رأسها خجلى أمام ضخامة هذا الألم الذي كانت أختها تخفيه ..
لم يكن بيدها أن تخفف عنه بأي كلمات ..
كل ما تبادر لذهنها هو سؤال واحد .. لمَ ..؟
- ليش ما سألتي يدج و الا يدتج ..؟
ابتسامتها الساخرة وسط دموعها .. كانت تغرس نصلا حادا من الألم في روح من يراها .. و هي تتساءل بمرارة ..
- يدي ..؟ ليش نحن نشوفه و الا نرمسه .. أنا مادري ليش يابونا هنيه و هو ما يبانا فبيته .. نشوفه في اليوم مرة و الا مرتين .. عينه ما تصد علينا .. و لسانه ما يطيح بلسان حد منا .. بس السلام و عليكم السلام .. هب متحمل وجودنا هنيه .. تطنيشه .. و ضيقته .. و الله ثم الله انيه ميوده عمريه بالقوو .. و الا اذا طفح الكيل بسير و بقولها فويه .. ترانا هب مشردين عدنا بيت ظم أبونا و بيظمنا .. و نحن هب في حايتهم .. و لو هو ما يبانا مرة .. نحن ما نباه عشر .. ما يينا هنيه الا مغصوبين .. و لو الود ودنا ما يلسنا دقيقة في هالبيت الكريه البارد .. لي محد يعرف ييلس فيه الا مكشر ..
عقدت وديمة جبينها و هي تلتمس هذه العدائية المفاجئة ..
- و يدتج ..؟؟
بدت حور التي كانت غارقة للتو في هجوم مشاعرها السلبية متفاجئة و هي تردد ببطء ..
- يدتيه ..؟
.
.
و أرخت الهدب ببطء ..
نظرة غير مفهومة تربعت في مآقيها ..
تفكّر ..
لبرهة حقيقية .. لتنتزع شيئا من أعماقها ..
- خفت .. هب منها .. خفت عليها .. سبحان الله .. !! منوه يصدّق إنه هاي العيوز هي حرمة هذاك الريّال .. في صوتها دفا .. ودج انج تحطين راسج فحظنها .. و ترقدين .. و الا تحضنينها .. و تبكين .. طيبة متجسدة في روح هالإنسانة .. في فرحتها بوجودنا .. الفرحة لي أنا خفت أكسرها لو سألتها .. و ذكّرتها .. لو يبت طاري ولدها .. و نشدتها .. ليش ..؟ ليش خليتيه يروح ..؟ ليش ما سرتي وياه ..؟ ليش ما لينتي قلوبهم و يمعتيهم على الخير ..؟ ليش خذلتي ابوية ..؟ و خليتيه يموت .. و هو لا حب راسج .. و لا استسمح منج .. و لا سمع دعوة واحدة .. خفت انيه لو أفتح الموضوع .. أرد و أشوف العيوز ،، لي في عيونها فرحة مذبوحه .. و شوق كبر الدنيا .. نفس العيوز لي شفتها أوّل مرة .. يوم طرشني لها أبويه ..
و عضّت شفتيها بألم مع احتضان دمعة أخرى خدّها .. تسقي تلك الذكرى ..
- العيوز لي لوت عليّه و كأنها تبا تلوي على ولدها .. و على ريحته فيّه .. ماريد أشوف هاييك النظرة .. لنيه ماروم يا وديمة .. ماروم يختي أروي ظماها .. و لا أسقي شوقها .. و لا أبرد حرّة فوادها .. ما روم .. و الله ..!
عجز ..!
ربما .. او هو شيء من الرفض ..
صوت وديمة ينزلق .. ليخترق روحها و هي تهمس ببطء ..
- منوه لي قال انج ما ترومين ..؟ كيف قررتي هالشي ..؟ ما فكرتي حور .. انتي يا اللي ميته قهر من لي استوا على ابوج و انه كان وحيد .. ما خطر فبالج للحظة وحدة انهم كلهم واحد واحد .. يمكن حاسين بعد بالفقد .. و الوحدة .. و انه هالعيوز بالذات .. لي راح ظناها دون لا تشوفه .. في داخلها حرقة .. تكوي روحها كي .. و انها بكم .. تحس بولدها .. تشوفه فعيونكم .. و ضحكاتكم ... و لمتكم حولها .. تحس بوجوده لنكم عندها ..
كانت الملوحة تتعلق بأهدابها يائسة قبل أن تسقط بوهن لتبلل وجنتها الباردة .. و هي تهمس ..
- أدري .. و حاسه فيها .. بس فيه حاجز بينيه و بينهم .. كلما حسيت بشي صوبهم أقاومه .. اذا أنا ما أعرف شوه السالفة بتم شاكة في الموضوع .. أنا محتاية أعرف كل شي ..
عقدت وديمة حاجبيها قبل أن تتنهد ..
- ليش ..؟ شوه بتستفيدين ؟؟ لي راح راح .. و نحن عيال اليوم ..
- أبا أعرف .. عسب اشوف اذا كنت أروم أسامح و الا لا ..
رفعت وديمة حاجبها ..
- تسامحين ..؟! حور هم ما آذوج بشي ..
إصرار غريب تألق في عينيها ..
- أذّوا أبويه .. و أبا أعرف شوه السبب ..
سحبت وديمة نفسا عميقا قبل أن تقول ببساطة ..
- لا اله الا الله .. انتي ما بترتاحين الا لو نبشتي لولي و التالي ..
صمتت حور ردا على كلماتها تلك ..
قبل أن تنظر لها وديمة بطرف عينها ..
- ع راحتج .. لي تبينه سويه .. بس ما خبرتينيه .. علومه ريلج ..
.
.
و اختلجت نبضاتها ..
في غفلةٍ من الإحساس يداهمها ذكره ..
لتنبلج تقاسيم وجهه القوية أمام عينيها ،،
فقط إسمـــه ،،
كفيل بأن يمزقها بحاجة غريبة ..
و توقٌ مضني لأمانٍ مجحف .. غدت لا تلمس دفئه إلا جوار ذاك الرجل ..!
تتبعثر أنفاسها ..
فتتلهف لاستنشاق عبق حضوره ..
و تضيع نظراتها ..
تبحث في الفراغ جاهدة ..
عن سطوة وجوده ..
عجبا .. كيف تشتاق قرب رجلٍ لا يجيد إلا تشتيت تعقلها ..!
راحت تتدارك أنفاسها .. و هي تقول بهدوء ..
- علوم الخير ..
- اييكم ..؟
هه .. سؤال غريب ..! يكاد الرجل أن يسكن هنا ..
هزت كتفيها ..
- أكيد .. يعني لو ما كان في الدوام تلقينه ويا يدي .. !
هزت وديمة رأسها بشيء من الإدراك .. و هي تنظر للنافذة بجمود ..
- آهااا .. انزين سؤال ..
نظرت لها حور بابتسامة مرتبكة .. أ يخيل إليها .. أم أن وديمة أصبحت أكثر برودا ..؟!
- اسئلي فديتج ..
نظرت لها أختها بابتسامة صغيرة ..
- ما شي عرس قريب ..؟
بدا جليا على وجه حور الذي لاح عدم الفهم عليه أن السؤال داهمها ..
- عرس ..؟ عرس منوه ..؟
أجابتها تلك ببساطة ..
- عرسج ..
اتسعت عينا حور فجأة بصدمة و هي تكرر بذهول ..
- عرررسي ..!!!!!!!
هزت وديمة كتفيها ..
- بلاج متروعة .. قصديه البيت لي برا زاهب .. و الريال يداوم .. و انتي ما تدرسين .. يعني محد رمس في الموضوع ..؟!
لكن الإرتياع كان فاضحا في صوت حور ..
- عرس شوه وديمة .. نحن مالنا الا اسبوع هنيه .. منوه لي ياب هالطاري ..
ابتسمت وديمة بخفة ..
- بسم الله عليج شياج تروعتي .. حوووه .. محد قال شي .. أسألج أنا .. قلت يمكن حد قال لج شي ..
أكرت حور بتوتر ..
- لا .. محد قال شي .. و حتى لو قالوا .. أنا الصراحة وحدة هب مستعدة أتزوج حاليا إلين ما تستقر أموريه .. و أتعود ع المكان .. يوم أشوف إن أمايا و خواتيه و نايف هب في حايتيه .. و ان البيت صار بيتهم .. هاييك الساعة ما عليه .. يسوون لي يبونه ..
نظرت لها وديمة بإمعان .. و هي تسألها بنبرة بطيئة ..
- يوم بتستقر أمورج .. عادي تعرسين ..
- و أنا شوه قلت من شوي ..
الآن تبرق عينا وديمة بخبث .. و هي تستدرج سذاجة حور ..
- عادي تاخذين غيث ..؟
عقدت حور جبينها و هي تحك أنفها المحمر ..
- ما فهمت ..؟ هب ريلي ..؟
ابتسمت وديمة ..
- يعني .. سالفة انه أبوج هو ضاغط عليج و انج ما خذه الريّال مغصوبة .. الحين أبوج الله يرحمه .. و ما ظنتيه حد بيغصبج ع شي .. ما فكرتي تنفصلون و كل واحد يشوف نصيبه ..
بهت لون حور و فمها يفتح بصدمة .. قبل أن تتمتم بنبرة غريبة بدا للخوف أثرٌ فيها ..
- يشوف نصيبه ..! نتطلق ..؟!!!!
.
.
و تناهت الصورة المشوّهة لذهنها المتخبّط ..
ستقود الخطى كل واحدٍ منهما لطريقٍ مختلف ..
و عليها أن تمضي بقيّة أيامها الممتدة دون وجوده في حياتها ،،
كل ذاك الإحساس الدافئ بقربه .. و أنها ملكٌ له سيسلب منها ..
و سينتزع من روحها الحق في أن تشعر به .. و له ،،
كل خفقة من أهدابها .. كل نبضة خائنة .. كل إختلاج .. و كل لحظة قد يراودها فيه طيفة ..
لن تكون سوى محرّمة ..!
أ تولي ظهرها لكل إحساسٍ يمزقها لأجله .. ؟
أتمضي للأمام تاركة بين راحتيه قلبها .. الذي حتما سيتناثر أشلاءً بهجره ..؟!
تلك القوة .. و سطوة نظراته الحميمة .. ابتسامته التي تكسر حدة تقاسيم وجهه القاسي .. و تليّن روحها ..!
الهالة الآسرة التي تغرقها كلما دنا منها .. لتجد أنها تغوص في عمق زخم كل المشاعر التي يثيرها ..
أمستعدة بأن تعيش بقيّة عمرها في خواء ..؟
منتظرة شخصا آخر يمكنه أن يشعل روحها بهذه القوة ..؟!
.
.
- ما تبين تتطلقين ..؟
كانت ابتسامة وديمة هادئة .. لكن ذهن حور المذهول أمام تلك النتيجة لم يرى سوى العبوس .. أمام حياةٍ قد تضطر أن تعيشها على ذكرى وجوده ..
لذلك كان صوتها محموما و هي ترد بقوة ..
- لااا .. شوه أتطلق !!
.
.
المها لا زالت تسكن ذاك الهدوء الأبدي ..
سكون مريح يلف لحظاتها ..
يرحمها مما قد يخدش نقاء روحها ..
و وديمة تبتسم بتواضع .. و كأنما وجدت شيئا كانت تبحث عنه .. ابتسامتها المنتصرة دفعت حور للإنكماش ..
تبا ..
أ لم تبدو متحمسة في الرفض قليلا ...؟
قليلا .؟!!
هه .. لقد صرخت بـ لا قاطعة للتو ..
شعرت بحرج بالغ لما أظهرته من لهفة .. و لم تساعدها نظرة وديمة الراضية أبدا .. سرعان ما راحت تتمتم بإضطراب لتبرير رعونة أحاسيسها المنفلتة تلك ..
- قصديه انه ريلي و خلاص .. انا تقبلت هالشي .. و انه صار نصيبي .. و أنا راضية ..
أطلقت وديمة ضحكة خفيفة ..
- بس راضية ..؟
عقدت حور جبينها ..
تُجَرّد هنا ..
هل كان هذا استدراجا منذ البداية ..؟ تريد أختها أن تصل به إلى شيء ما ؟!
قلق راح بتغلغل داخلها و نظرة خشية تسكن حدقتيها الواسعتين ،، فيما يرتعش السؤال على شفتيها ..
- شوه قصدج ..؟
ربتت وديمة على خدها بمكر ..
- يعني بتقوليليه انج ما تبينه .. و انج هب مرتاحة لوجوده ..؟
اهتزت نظرتها و هو تقاوم ،،
- هاا .. عادي .. أصلا ما يهـ ...
- حور شفيج ..؟
كان السؤال هادئا للغاية ..
لكنه فجّر كل مشاعر حور .. ليتركها في فوضى ..
و هي تندفع قائلا ..
- شوه فينيه ..؟
- أنا لي بخبرج .. انتي قولي ليه ..؟ بلاج خايفة .. أنا وديمة ختج .. لو شي فخاطرج لا تخافين ..
لكن أنظارها انتكست لأطراف أناملها التي راحت تتلاعب بها في توتر .. قبل أن تمد وديمة يدها لتعتصرها برقة ..
تجبر حور على الإرتقاء بعينيها .. لتشتبك نظراتها المضطربة بعيني وديمة المطمئنتين ..
و الأخيرة تسأل بصوتٍ رخيم ..
- خبرينيه .. شوه يعني لج ..
سحبت حور يدها ببطء من يد وديمة لتسند جبينها المطرق بها .. تسنح للحظات بأن تغدق عليهما بسكينة تمكّنها من استمداد الشجاعة ..
أي كلماتٍ ستترجم إحساسها .. قد تعني لروحها وعدا بقادم ..
لذلك كانت ترنيمة نبضاتها صاخبة في ذاك السكون .. تتعاقب مع أنفاسها المتوترة ..
الكلمات ترتعش على شفتيها الحائرتين .. قبل أن تدفعها دفعا للخروج ..
صوتها الهامس راح ينسج إحساسا في الهواء حولها .. يلفها بدفء ..
- يعني لي وايد .. يربكنيه قربه .. و يفرحنيه إهتمامه بي .. ما تعرفين كيف أحس يوم يخصنيه و أهله كلهم هنيه يوم يمد ايده و يسلّم .. يوم يبتسم بس .. أحس اني ياهل يوم يطالعنيه و الا يرمسنيه .. حتى الكلمة ما أعرف أقولها .. يفز فوادي لا شفته متصل .. و أشتاق له لا خطف اليوم و لا سمعت عنه شي .. أحس انه منيه .. مادري يا وديمة .. هالريال هو نفسه لي قلت مرة انيه ما أباه .. و ان الطلاق هو غايتي .. لكن .. كيف أحسه فخاطريه الحين .. السبع شهور لي خطفت عليه و هو فبيتنا .. ضعفي لي ما أحس به الا و هو موجود .. تعيبنيه شخصيته .. و هيبته .. و الله يا وديمة لو شفتيه ويا يدوه .. ما تقولين هالريّال لي نعرفه .. ويهه يتغير اميه و ثمانين درجة .. و صوته الواطي .. و مسكة ايده لها .. تقولين خايف عليها من الهوا .. لو شفتي كيف يعطيها دواها و الا يربع و اييب لها ماي .. حريص عليها كأنها قطعة من روحه .. لو بييلس ييلس عند ريولها .. يعني جانب ما قد شفناه منه .. تعودناه يكون قوي .. و متحكم .. بس عند يدته .. يغدي شرا الياهل لي يبا يعوض غياب أمه ..
أعادت خصلة إنزلقت .. تقبل جبينها الصافي .. و صوتها المرتجف تحت ثقل مشاعرها و الإعتراف يتابع ..
- يجذبنيه .. و وايد أفكر فيه .. يا الله يا وديمة .. ما تدرين كيف سوابيه طاري الطلاق .. ما روم على هالشي .. انا تعودت وجوده في حياتيه .. و تعودت انيه أفر حملي عليه .. و أعيش الضعف .. ماريد أكون قوية و لا أتحمل لو كان حد مستعد يشل عنيه الحمل و يريحنيه .. واحد أقدر منيه على هالشي .. محتاية الشعور بالإهتمام لي يعطيني اياه ..
زفرت بعمق ..
راحت تنفث هما مع أنفاسها ..
و راحة غريبة تسري على طول الشريان ..
لشخصٍ تبوح له بمكنونات الروح كانت تفتقر ..
مع ابتعادهم عن كل مألوف .. و تخبطها في أحاسيسها .. إحتاجت ليدٍ كبيرة .. خبيرة .. تربت على ظهرها و ترشدها إلى الطريق ..
و الآن ..
بعد كل تلك الثرثرة التي تقارب الهذيان ..
و التي لم تعد حقا تذكر ما قالته فيها ..
شعرت بسكينة تغزو روحها .. تتسلل لأعماقها ..
حتى و هي تستنشق الهواء مرة أخرى .. و تقول بصوتٍ خافت ..
- ما أنكر انه يثير فضولي .. أبا أعرفه .. و أعرف فشوه يفكر .. و شوه لي يحبه .. و شوه لي يضايقه .. خاطريه أكون قريبة منه .. أعرف كل شيء صغير و كبير فحياته .. ريال بهالغموض و هالتأثير يحسسج انج بس تبين شي منه . تبينه يطالعج بنفس النظرة لي شفته يطالع بها يدوه .. كانج الشي الوحيد لي يهمه في هالدنيا ..!
لم تتجرأ على الشموخ بنظرتها لتلتقي عيني أختها بعد كل هذا البوح الصريح ..!
لذلك ارتدت صمتها لبرهة طويلة .. امتدت بطول حاجتها للثبات ..
قبل أن يأتيها صوت وديمة ..
واثقا .. قويّا ..
و مباغتا ..
- تحبينه ..؟
ليتوقف قلبها عن الخفقان ثانية واحدة .. سجدت فيها الأهداب مستسلمة .. تقبل خدّها الصافي ..
قبل أن يندفع فؤادها مرة أخرى قارعا الطبول بجنون ..
سحقــا .. هذا جنون ..
حقا جنون ..
هل تحبّه ..؟
كيف استطاع ترويض إحساسها .. ؟
كيف طوّع قلبها ..؟
راحت ترمش بعينيها و هي تفتح فمها لتنفخ بقوة .. ثم بأنامل مرتعشة تعيد خصلاتها المنفلتة على جبينها للأعلى ..
خرج صوتها غريبا .. و كأنما تنتزعه من أعماقها .. و هي تقول غير مصدّقه ..
- أحبّه ..؟
و أصابتها الفكرة بالذعر الشديد ..!
تحبه .. ذاك الرجل القوي .. الغامض .. الذي لا تفقه عنه شيئا ..
هل تحبه ..؟
ارتعش صوتها و هي تضم اناملها لفمها بقلق ..
- مادري .. مادري يا وديمة .. يا الله .. شوه أسوي .. أحبه ..؟ لا .. لا .. ليش أحبه ..!!! يا ربيييييه ..
و نظرت لوديمة تستغيث .. لتجد الأخيرة قد فتحت فمها على اتساعه و هي تقهقه بقوة ..
اتسعت عينا حور بذهول .. هل ألقت نكتة للتو ..؟!
ما الذي قد يضحك في الأمر ..؟ سرعان ما راح الضيق ينتشر في صدرها و هي تعقد حاجبيها ..
قبل أن تظرب ركبة وديمة بعتب ..
- مالت عليج .. ما شي يضحك ..
حاولت وديمة خنق ضحكاتها الرنانة .. بيدها .. قبل أن تفجر مرة أخرى أمام عيني حور الغاضبتين .. قبل أن تشيح الأخيرة بوجهها ..
- ما عليه يا ودوووم .. هب منج .. من لي يسويلج سالفة و يخبرج ..
- هههههههه .. حوووور .. ههههههه .. سوري و الله سوري .. لا تزعلين .. بس ضحكتينيه ههههههههههههه ..
نظرت لها حور بغل ..
- و شوه لي يضحك في الموضوع ..؟
ارتسمت على وجه أختها ابتسامة كبيرة بعد أن توقفت عن الضحك .. و هي تقول بصوتٍ ممازح ..
- حد تخاف لنها تحب ريلها ..
اعترضت حور بسرعة ..
- انا ما قلت انيه أحبـ ......
قاطعتها وديمة بنبرة جازمة ..
- جب .. تحبينه يا مسودة الويه .. هههههههه .. ليش خايفة تعترفين .. عادي حور .. طبيعي الوحدة تحب ريلها .. ما شذيتي عن الكون صدقيتي ..
خفقت أهداب حور بتوتر و هي تنفي الموضوع ..
- يا بوج انتي ما عندج سالفة .. قلت لج ما حبه عاااادي .. بس تعودت على وجوده في حياتيه ..
لكزتها وديمة بمرفقها ضاحكة ..
- عيني فعينج .. حلفي انج ما تحبينه ..
ثبتت حور نظرها على المها و هي تقول بتوتر ..
- افففف .. ودوووم .. طفرتيبيه تراج ..
رفعت وديمة يديها مدافعة و هي تقول بصراحة ..
- خلاص .. خلينا جديين شوي .. ليش يا حور يا بنت حمد .. تنكرين احساسج قدا ريلج ..
أنكرت حور مرة أخرى ..
- ما أنكرت ..!
- قلتي ما تحبينه ..
- لنيه ما حبه ..
رفعت وديمة حاجبها ساخرة ..
- صدق و الله ..؟ و الفلم الهندي لي من شوي شوه كان ..؟ عرض التاسعة صباحا ..؟
زفرت حور بضيق ..
تحاصرها هذه الأخت .. تحشرها في زاوية من صدق لا يمكنها أن تتقمصه .. ليس هناك أفضل من الإنكار لحماية نفسها ..
و لكن ..
أيمكنها التجرد أمام أختها ..
أن تستكين هادئة و تسمح لها بأن تشرّح إحساسها ..
لتفهم حقا ما الذي تحويه في جوفها ..
ارتجفت بردا .. و سؤال يخطر في بالها ..
استفهاما تجاوز الشفتين الورديتين و عيناها تلمعان بخوف طفلة .. وجدت نفسها في غير ذاك الطريق الذي كانت تقصد ..
- يا ربيه ..! لو كنت أحبه شوه أسـ .....
استنكرت وديمة ..
- لو كنتي تحبينه ..؟ حور من شوه خايفة .. ليش ما تعترفين بمشاعرج .. ترا هالشي لا حرام و لا عيب .. هذا ريلج .. فكري شوي .. دوري فقلبج .. و قولي ليه ..
ثم أردفت ببطء شديد ..
- تحبينه ..؟ و الا ما تحبينه ..؟
كانت مشدوهة الإحساس .. لامعة العينين ..
وقد انتشل قلبها بقوة .. ليلقى على مفترق طرق الآن ..
تحبه .. أو لا تحبه ،،
تحبه .. أو لا تحبه ،،
تحبه .. أو لا تحبه ،،
تحبه .. أو لا تحبه ،،
كان الإعتراف صعبا ..
صعبا للغاية ..
كم تخشى أن تنطق بكلمة شائكة .. قد ترتد لتخدش قلبها ذات يوم ..
رغم هذا ..
كانت أناملٌ مساندة تعتصر كفّها الباردة .. و عينين دافئتين .. تلتقط نظرتها الحائرة ..
و ابتسامة تشجيع تدفعها للمخاطرة ..
أ و تفعلها ..؟!
.
.
قال السراب وقلت ظامي لسـرابه .. قال الهلاك و قلت لعيون الاحباب

يا لايمي في حب متـرف شـبابه .. الموت حق و لاتبـرق بالاسباب

كانه ذبحني صـاحبي من عـذابه .. ماابي لدمي يا هل اللـوم طلاب

في حجر عينة لي غديـر وسحابه .. وفي وسط قلبي له تناهيت وعتاب

إن قلت أحبـه يكفي القل مـابه .. وان قلت أنا مابيه .. باصير كذاب *
.
.
و انفرجت الشفاه عن تلك الكلمة المثقلة ..
أحرفها تلامس الهواء بذعر مكبوت .. تلتفت يمنةً و يسره ..
تدفعها الأنفاس دفعا للخروج ..
للإنطلاق ..
و انتفضت الحقيقة على لسان تلك الطفلة .. و هي تقولها للمرة الأولى ..
- أحبـــه ..!
.
.
صدق طفلة تلفظ بتلك الكلمة الحالمة ..
بقوة تلك الراحة و الفرحة .. و تلك الجرأة و هي تقولها ..
رحماك يا ربي ..
كم ستتجرع مرارة هذا الإعتراف يوما ..!

* * * * *

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة زارا ; 06-05-08 الساعة 07:40 PM سبب آخر: وجود اخطااء تم تعديلها من قبل الكاتبه
عرض البوم صور زارا  
قديم 03-05-08, 03:48 AM   المشاركة رقم: 103
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي وجود اخطاء تم تعديلها من قبل الكاتبه..

 


مع انهمار قطرات المطر من علو ،، و ارتطامها بالشوارع المبتلة ،،
بدت في أول الشارع المهجور تلك السيارة التي راحت تقطع الطريق بجنون .. صوت محرّكها الذي كان قد عدُِّل مسبقا يضجّ متحديا هدير الغيث القادم من السماء ..
فيما تتناثر المياه بقوة على جانبي الإطارات اللامعة التي راحت تنزلق بسلاسة ،، و السيارة ذات الدفع الرباعي تندفع بقوة كبيرة ..
لتصل إلى آخر الشارع ثم تنحرف بقوة .. لتدور عدة دورات حول نفسها ..
و صرير إطاراتها يصدح في الهواء الرطب كصراخ إمرأة أوشكت على فقد عقلها ..!
لم تكد تتوقف السيارة قبل أن تندفع سيارتين من بداية نفس الشارع .. تتسابقان بجنون تتصاعد أصوات المحرّكات - المزودة - و كأنها على وشك الإنفجار ..
قبل أن تنحرفان في اتجاه معاكس لترتفع جانب واحد من كلا السيارتين عن الأرض فتدور في حركة استعراضيّة مخيفة قبل أن تعود للتوازن و تلامس العجلات الجانبية الأرض مرة أخرى ،،
و مع توقف السيارتين بصرير قوي ..
فتحت نافذة الأولى بسرعة ليطل منها وجهه الضاحك .. و قد ضاعفت البهجة التي يشعر بها من وسامته ..
و هو يطلق بوق سيارته بقوة .. ليفتح صاحب السيارة الأخرى نافذته بدوره ..
متجاهلا قطرات المطر الباردة المتسللة عبر نافذته .. و هو يصيح ..
- أحمدووووووه يا الهررررررم .. ليش لفيت يمين ؟؟؟؟؟
رفع أحمد رأسه للأعلى و هو يضحك بقوة ..
- انته لي لفيت يسار ..
لكن هزاع كبح ضحكته و الغيظ لا زال ينازع المرح ..
- جب .. عنلااااتك .. لو ما لفيت فآخر لحظة كان دعمنا بعض ..!!
لوح أحمد بيده لا مباليا و هو يضحك بقوة قبل ان يشير للسيارة الثالثة ..
- شعنده الزحمي ..؟؟
أطلق هزاع البوق بقوة و هو يطل برأسه الذي تشعث شعره .. و هو يصيح ..
- زحمييييييييي ..
دنت السيارة الثالثة منهم ببطء .. قبل أن ينزل صاحبها نوافذها الأمامية .. و يصيح من خلف نظاراته التي لم يكن لها داعيا في تلك الليلة الماطرة ..
- شباااب .. ما يسد لعب .. الوالد يتصل بيه ..
ضحك هزاع و هو يقول ممازحا ..
- باكر مدرسة و يباك ترقد بدري ..؟
لكن الزحمي لم يبالي و هو يقول بجدية ..
- لا يا خوك .. يقول عدنا رياييل في البيت .. بسير له ..
لوح أحمد له بسرعة و هو يقول ..
- برايك لو بتسير .. نحن بنسري قدا الشباب في ميلس راشد ..
رفع الزحمي يده محييا ..
- يا الله باباه .. لا تلعبون في المطر و تخيسون كناديركم .. و الا ما شي حلاوة ..
ضحك أحمد و هو يومئ له ..
- ان شا الله أميه ..
و صاح هزاع بقوة حين بدأ الزحمي في التحرك ..
- ويل .. ويل ..
حرك الزحمي عمامته قليلا .. و هو يصيح لهما ..
- هذا لعيوونكم ..
و أطلق صوتا هادرا من محركه و هو يضغط على دواسة البترول قبل أن يندفع للأمام بقوة نحو مقدمة الشارع ..
و ما إن وصل إلى الرأس حتى ارتفع جانب السيارة في حركة دائرية قبل أن تلامس الأرض مجددا مع صيحات أحمد و هزاع المشجعة ..
إختفت سيارة الزحمي من الشارع المهجور و أحمد يصيح بهزاع ..
- ما شي وقت أودي السيارة المزرعة مرة ثانية ..
فأشار له هزاع مقترحا ..و صوته بالكاد يُسمع وسط هدير الأمطار ..
- بنحطها فكراجات قوم راشد .. و بردك ويايه .. حرك يا الله ..
رفع أحمد ابهامه في علامة النصر قبل أن يرفع زجاج السيارة الداكن ليحركه منطلقا بسرعة .. فيتبعه هزاع نحو غايتهم المنشودة ،،
.
.
.
.
يضغط بحماس شديد على جهاز التحكم الموصول باللعبة .. و هي يميل تلقائيا مع كل انحرافه للسيارة ..
ليضحك تركي الذي ألقى بالغترة و العقال جانبا .. و هو يمسك بالجهاز الآخر ..
- أحمد يا الخبل .. أشفيك كل ما لفت السيارة لفيت معها ..
لكن أحمد لم ينظر إليه بل ركّز بقوة على الشاشة و هو يصر بأسنانه حماسا ..
- محد خبل غيرك .. بتشوف الحينه .. أحمد بن علي يوم يلعب سيارات شوه يسوي ..
نظر له تركي ساخرا ..
- وش بتسوي يعني .. هه ..
و انفجر ضاحكا مع انتهاء السباق بفوزه .. لينظر أحمد إلى شاشة التلفاز بجبين معقود و هو يتمتم ساخطا ..
- عنلااااتهم ..
و التفت إلى راشد .. متجاهلا قهقهة تركي المنتصرة ..
- أقول بو سنيدة هالجهاز لي عنديه خربان .. بدلوه ..
و رماه أرضا .. قبل أن يبتسم عبيد بهدوء .. و تركي يواصل الضحك على أحمد .. ليقول الأول مواسيا ..
- ما عليك منه يا بو شهاب .. سوو دوري كوره و بنلعب .. بنشوف منوه لي بيفوز ..
وضع تركي يده على صدره يتنهد براحة .. كان الفوز على أحمد و الغيظ الذي يخلفه في نفس الأخير يمتعه كثيرا ..
- لاااا ياخي .. انا ماني براعي كورة .. بس بسابق .. و بعدين معروف اللي بيفوز .. مهوب هزيع مع وجهه .. ؟!
التفت هزاع الذي كان يحادث شابا آخر في طرف المجلس .. قبل أن يلتقط سماعة الهاتف و يلقيها نحو تركي بقوة ..
- لا تسب سمعتك ..
- و الله اللي منت بوجه مدحة .. انقلع .. جعلك ما تفوز بكره في السباق .. و يخرب موترك في راس الطعس ..
تأوه هزاع بضيق ..
- آآآخ .. ييت ع العوق ياخي .. و الله انيه هب مرتاح .. أحس انيه ما بييبها هالدورة ..
عقد أحمد حاجبه بشك ..
- و ليش ..؟
- أمس وديت الموتر الصناعية ببدل السفايف .. و يوم سويت له خراطة درامات .. يقول راعي الكراج ان المكينة لها صوت .. صدق ياخي سمعت لها صوت غريب ..!! تقول سيرها بينقطع ..!!
تبادل أحمد و تركي نظراتٍ قلقه .. قبل أن يقول الأخير مقترحا ..
- و الله يا بو سلطان لا تدخل السباق و سيارتك خربانه .. شل سيارة أحمد و سابق بها ..
ابتسم هزاع ببساطة ..
- شوه الدنيا فوضة ..!! يا بوك لازم تسجيل السيارة قبل السباق باسبوع .. قبل لا أسجل اسم تيمي حتى .. الله يغربلهم.. بس ما عليه بسابق بالموتر .. ما بيستوي به شي ان زدت الدوس عليه شوي ..
- مجنون انت ..؟ تقول سيارتك خربانة و بتسابق بها .. خل الهرج الفاضي عنك .. مهوب لازم تسابق .. خل السلعاوي يسابق مكانك ..
لكن هزاع قال بغل ..
- يخسي يسابق .. ما يسد سباق قطر ,, ما عليك منيه يا تركي .. لا تخاف ع خوك .. أنا لي ثلاث سنين أسابق بهالموتر و ما قد استوا بيه شي .. و بعدين تراه الا صوت .. يعني عادي ..
لكن الإرتياح لم يبدُ على محيّا أحدهم رغم ثقة هزاع ..
قبل أن يأتي صوتٌ يقول باستغراب ..
- حوووه يا شباااب .. موتر شوه ..؟؟ و أي سباق ..؟ شوه السالفة ..؟
استدارت الأعين نحو عبيد الذي بدا عدم الفهم كاسحا على ملامحه .. قبل ان يستدير أحمد ناظرا إلى هزاع ببطء ..
و تركي يقول باستغراب طفيف ..
- السباق اللي في عوافي ..
- أي سباق ..
- ياا رجااال ..؟ ذلحين منت بنسيبهم ؟؟ كيف ما تدري ان هزاع بيمثل Kings في عوافي يوم الخميس ..؟
بدا عبيد مشدوها لبرهة قبل أن يلتفت لهزاع الذي ابتسم له بتوتر ..
- لااا ما يعرف .. ما خبرتك يا عبيد .. أنا و أحمد نسابق في تيم Kings من 3 سنين ..
خيّم صمتٌ متوتر بعد هذه الجملة .. امام نظرة عبيد المذهولة ..
لم يتوقع قط أن يتورط هزاع و أحمد في شيء من هذا القبيل مع إسم عائلتهما المعروف ..
عقد جبينه بنظرة قلقة و هو يلتقط نظرة أحمد اللا مبالية ..
قبل ان يقطع الصمت صوت راشد الذي لم يلاحظ هذا الإرتباك و هو يقول ..
- هاا يا شبااب .. سرى الليل . حد بيرتب الدوري ..؟؟
التقط أحمد الجهاز و هو يقول بنبرة خفيفة لترطيب الأجواء ..
- أفاا عليك يا بو سنيدة الحين بنرتب دوري انجليزي .. بلعب أنا بليفربول ..
و انطلق صوت هزاع من آخر المجلس ..
- و أنا مانشتسر يونايتد ..
لكن قبل أن يدير أحمد القرص الجديد .. مال تركي نحوه قائلا بخفوت ..
- اسمح لي و أنا اخوك .. ما دريت انكم مخبين عليه ..
ابتسم أحمد له ببساطة ..
- بالحل .. و لا يمهك يا بو مسفر .. لو ما عرف اليوم .. بيعرف باكر .. أخير لنا نقوله دام انه مخاوينا ..

* * * * *

اندفعت بقوة بين تجمعات الطالبات .. تشد قبضتها على حقيبة الظهر الرياضية التي تحوي كتبها .. و تحني رأسها بشعره المقصوص .. خطواتها الواسعة تقطع أرضيّة الممر بحذائها الرياضي ..
صوتٌ في داخلها راح يحثها على الإسراع .. و الصوت الحاد يلاحقها بإصرار ..
- شيييييخاااااااه .. شيخوووووووووه .. شويييييييييخ ..
تظاهرت بأنها لا تسمع شيئا و هي تواصل المسير .. لكن الخطوات الثقيلة التي راحت تأتي من الخلف أعلمتها بأنها لم تنجح في التملص هذه المرة ..
إذ هبطت على كتفها تلك اليد الثقيلة و الصوت المرح يأتي من خلفها ..
- حوووووووه يا الصمخه .. ما تسمعينيه أزاقر عليج ..
توقفت شيخة فجأة .. و قد امتنعت الآن من الهرب .. أغمضت عينيها بقوة .. و هي تتنفس بإحباط قبل أن ترسم ابتسامة متوترة على شفتيها و تلتفت للفتاة السمينة التي تقف خلفها مباشرة .. صوتها كان غريبا للغاية و هي تقول باضطراب ..
- أهلين أسماا ..
انقضّت عليها أسماء تمسك كتفيها بحماس .. لتقبّل خدها .. فتتسع عيني شيخة بقوة ..
ضحكت أسماء و هي تلهث بقوة و جسدها المكتظ بالشحوم يرتج إثر أنفاسها المتسارعة ..
- خسج الله .. ذبحتينيه و أنا أربع وراج ..
عقدت شيخة جبينها و هي تفكر ..
ما كان عليها أن تجري ورائها اذا .. لمَ لا تتركها و شأنها ..
كانت نبرتها جافة و هي تكذب ..
- ما سمعتج ..
ابتسمت أسماء بسرعة ..
- أدريبج ما سمعتينيه .. يعني بتكونين مطنشة ..؟ و الا شاردة منيه ..
ثم غمزت ممازحة ..
- لو شاردة لا تخافين .. ترانيه نباتيه .. مهما يعت ما عليج خطر ..
ابتسامة مضطربة ارتسمت على شفتي شيخة ..
و حرج شديد تعاظم فجأة في نفسها و قد أحرجتها كلمات أسماء .. التي تابعت تسألها ..
- شحالج .. و شوه أخبارج ..
تمتمت شيخة و هي تتلفت يمنة و يسرة ..
- بخير ،،
غير مرتاحة بالوقفة هنا ..
فقد بدت بعباءتها المتيبسة و التي فتحت من الأمام كاشفة عن بنطالها الواسع .. ستر أعلاه طول قميصها الرمادي الشاحب .. قمة في الفظاظة أمام عباءة أسماء الناعمة التي سترت جسدها السمين بعناية و هي تحتضن كتبها لصدرها و ابتسامة جميلة تعلو شفتيها و هي تلكز شيخة بكوعها ..
- و بلاج تقولينها من طرف خشمج .. وراج شي ..
لوحت شيخة بضيق و صوتها الغليظ يرد بفتور ..
- أبا ألحق محـ ..
- الساعة كم محاظرتج ..؟
- 12 و نص ..
أمسكت أسماء بيدها بسرعة و هي تجذبها ..
- جب لااا .. عاد نص ساعة عندج .. تعالي .. ابا راويج شي مهم .. مهم .. مهم ..
انتفضت شيخة من قبضتها .. و جذبت يدها بقسوة .. و حاجبيها ينعقدان ..
لتستدير أسماء نحوها متفاجئة ..
- بسم الله .. بلاج ..
صرت شيخة على أسنانها و هي تهمس ..
- و لا شي ..
لا تعلم هذه الصديقة أنه بالنسبة لها لا يمكن أن تعتبر أي لمسة بينهما بريئة .. تكره لمسة قد تجرفها لذاك الإنحدار الذي تخافه ..!
ابتسمت أسماء بتسامح و هي تلوح ..
- انزين تحركي عسب لا تضيعين وقت .. مشت شيخة بجوارها ..
خطواتها المتثاقلة تقطع الممر قاصدة ما لا تعرفه ..
زفرت بقوة .. حين امتدت بهم الخطوات إلى البعيد ..
جسد أسماء السمين يتحرك بنشاطٍ غير مسبوق و هي تلهث بقوة .. و قد تجمعت قطرات عرقٍ صغيرة على أنفها رغم برودة الجو القارصة ..!
فجأة اندفعت نحو مجموعة مكونة من ثلاث شابات يقفن معا ..
كانت إحداهن تجلس على مرتفعٍ حجري .. و هي تضم حقيبتها .. فيما تميل أخرى بهاتفٍ في يدها تقهقه بصوتٍ مرتفع ..
وحدها التي تقف قبالها .. تسقط نظراتها على أسماء لتبتسم بمرح .. قبل ان تلتقط عيناها جسد شيخة الذي يتبع الأخيرة بكلل ..
تمتمت بشيء ما لم يصل شيخة مع إقترابها منهن خلف أسماء ..
لتلفت انتباه الإثنتين نحوها .. استدارت الفتاة على المرتفع بفضول .. بدا وجهها مألوفا ..
ضيقت شيخة عيناها بقوة ..
هي تعرف هذه الفتاة ..
و تعرف أيضا تلك الضاحكة التي اختفت ابتسامتها لتحل محلها نظرة حادة تسقط عليها ..
خطوات كانت تفصل شيخة و أسماء عنهن ..
حين أدركت الأولى من هن ..
في ثانية اليقين تلك تجلّت داخلها أمنية يتيمة ..
لو أنها تستدير فقط .. و تفر هاربة ..
لم تكن تريد رؤيتهن ..
لم تكن تريد أن تلتقي أحدا كان يعرفها في حقبة أخرى ..
ليكشف لها ببساطة مدى الإختلاف الذي يفصلها عن ذاتها القديمة ..
لذلك حين توقفت .. أمامهن .. صوت أسماء التي راحت تسلّم عليهن بحرارة واحدة تلو الأخرى و هي تصيح بمرح ..
- يايبتلكن سربرايز ..
ثم خطت إلى الخلف مشيرة إلى شيخة .. و هي تقول بصوتٍ متآمر ..
- منوه هالحلوة ..؟ محد عرفها ..؟
أغمضت شيخة عيناها تكبح ردا خشنا .. و رغبة في الاستدارة ببرود و تركهن ..
فيما أمعنت العيون الست النظر فيها ..
لم يخفَ عليها الإستنكار العميق الذي تألق في عين الوسطى ..
و إلى ارتعاش شفة الفتاة الضاحكة العليا ببوادر إحتقار ..
كانت صاحبة الهاتف هي من تكلّمت أولا بنبرة متشككة .. تحدج شيخة بنظرة .. موجهه حديثها لأسماء ..
- لا ما عرفناها ..!
و لم تبدو اللهفة عليها لمعرفتها ..!
رفعت أسماء يدها في الهواء بحركة مرحة ..
- عيزتن ..؟؟ أقوووووووووووول ..؟؟
حين لم يبدو الحماس على أيٍّ من الأربعة .. قالت بسرعة ..
- شيخة علي .. شيخة علي سيف .. ما تحيدنها .. ربيعتكن في الثنوية ..
ضاقت أعينهن قبل أن تتسع فجأة بإدراك مصدوم لتقول الفتاة الجالسة على العارض بصوتٍ مذهول ..
- شيخة ..!!!
رفعت شيخة وجهها ببرود .. حين لم تقدم أي واحدةٍ منهن بالسلام أو أي بادرة ترحيب ..
فقط تعلقت النظرات المصدومة المستنكرة بها .. قبل أن تلتفت لصاحبة الهاتف بجمود .. و صوتها يسأل في غلظة ..
- علومج علاية ..
مرت نظرة - علاية - صعودا و نزولا قبل ان تقول بجفاء ..
- طيبة ..
أحنت شيخة رأسها بسخرية للفتاة التي توسطتهن و كانت الأولى في رؤيتها ..
- ظبية ..شوه الأخبار ..
بدت ظبية متصلبة و عيناها تنظران لأسماء بغرابة قبل أن ترد بهدوء ..
- زينة .. شحالج انتي ..
هزت شيخة كتفيها بلا مبالاة ..
- تماموو ..
اضطراب أسماء من برودة و جفاف هذا اللقاء لم يخفى عليها ..
ما الذي كانت تتوقعه ..؟
استقبالا بالأحضان مثلا ..!
هه ..
ناعمات الأنامل هن .. لم يرضين حتى بمد أيديهن للمصافحة ..
التفتت للفتاة الجالسة على المرتفع الحجري .. لتصطدم بابتسامة حلوة .. فيما تقف على قدميها و تتقدم منها بهدوء ..
- هلااا شيخة ..
و راحت تسلّم عليها .. سرت رعشة باردة على طول ظهر شيخة مع ملامسة خدها لخد تلك الفتاة و التقاءها بنظرات الإشمئزاز الطفيفة التي علت محيّا علاية ..
فيما تقول الفتاة بحرارة ..
- شحالج شيخة .. ربج بخير ..
ابتعدت شيخة عنها خطوتين إلى الوراء .. و هي تقول ببرود ..
- ترتوب .. علومج ليلى ..
واصلت ليلى الابتسام ببساطة ..
- علوميه طيبة .. ما شا الله .. ما عرفتج .. وايد تغيرتي ..
ثم التفتت لأسماء المرتبكة و التي بدأت تشعر بفداحة اندفاعها في هذا اللقاء ..
- متأكدة انها هاي شيخة .. يمكن يايبه وحدة من بنات الخلق بالغلط ..
لم يضحك أو يبتسم أحد ..!
كان الهواء باردا ..
باردا للغاية ..
و اقشعر جسد شيخة المتصلب لهذا الجمود الذي تشعر به ..
أعقب كلمات ليلى المازحة صمتٌ مربك .. فبدا الجميع متشاغلا بالنظر حوله .. حتى شيخة التي التصقت عيناها بحذائها الرياضي ..
كرهت ثقل هذا الصمت .. لترفع رأسها و صوتها الخشن يقول بغلظة ..
- أنا ورايه محاظرة الحين .. بسير .. نايس تو سيو قريلز ..
ثم لوّحت بيدٍ ساخرة ..
- سلام ..
.
.
و أدارت ظهرها لهن ..
ذاك الماضي الذي أصبحت تكره .. لأنه يعيّرها بكل ما فقدت من قيم ..
راحت تدفع قدميها الزاحفتين ببطء بعيدا .. خطوتين فقط .. تنسل بها بعيدا عنهن ..
لكنها لم تقطع الكثير لتتجنب ذاك السهم الذي انغرس في ظهرها ..
بتلك الكلمة الخافتة التي انسلت من خلفها ..
لتجرح .. مسامعها ..
و الروح ..!
كان ذاك صوت ظبية الذي ارتعش بإحتقار و هي تقول بذهول ..
- عنلااااتكن .. غدت بويه ..!
أغمضت عيناها بقوة .. متماسكة حين وخزتها الجملة الأخرى .. من تلك التي ابتسمت في وجهها للتو ..
واحدة بدا أنها لم تبالي بأن يصل إلى شيخة صوتها .. و كأنها تريد أن تعلمها بحقيقة إبتسامتها و ترحيبها الزائف ..
- أسوم يا السبالة ليش يبتيها .. أحرجتيناا ..
.
.
بدا الصوت الأخير بعيدا .. مع ابتعادها ..
و كأنما ينشب مخالبه الأخيرة في هروبها ..
كانت تلك علاية التي قالت بنبرة مشمئزة ..
- يا الله بالستر .. شكلها يـ ....
و لم تعد تسمع ..
فقط تدفع قدميها بقوة ..
لتطوي المسافات هربا ..
ما كان عليها أن تواجه أحدا من ماضيها ..
لتقف فجأة بين ما مضى و ما هو حاضر الآن ..
لتستشف أي هوة بينهما ..
تلك الهوة التي راحت تغدق عليها بكل ما وصلت إليه ..
.
.
و لبرهة قاتلة ..
عاد المشهد المقرف يبزغ أمامها بقوة كريهة ..
تلك القذارة التي شهدت بعينيها منذ وقتٍ قريب .. في إحدى غرف ذاك الكوخ المغلقة ..
تلك الصورة التي أعلمتها لأي مستوى ستصل مستقبلا ..
و أي انتكاس سيصيب روحها ..
و أي وساخة ستلتصق بإحساسها ..
و هي تنحرف ..
.
.
إلى الهوان تنجرف ..!

* * * * *

انفرجت شفتي عفرا عن ابتسامة باهته و هي تنظر للخادمة التي وضعت صحنا عملاقا صفّت عليه حافظات القهوة و الشاي .. إلى جانب عدد من الحافظات الطعام .. قبل أن تميل لحور التي أسندت فكّها بيدها تجلس جوارها على الجلسة الأرضيّة الصلبة فيما يبعد ذهنها عن هنا أميالا..
- الله يرحم ظراباتنا .. يوم كل وحدة تتبرا ما تبا تسوي الجاهي العصر ..
لكن بدا جليا أن حور لا تسمعها .. اذ ضاقت عيناها بنظرة ساهمة و هي تقضم شفتها السفلى بشرود فتلكزها عفرا بهدوء ..
- حواري ..
التفتت حور نحوها باهتمام مفاجئ ..
- همممم ..؟
رفعت عفرا حاجبا متساءلا ..
- بلاج ..؟ مساعة أرمسج و انتي هب ويايه ..
أنكرت حور بخفة ..
- لا وياج .. بس ...
هزت كتفيها .. قبل أن تعترف بتنهيدة ..
- ملل شوي ..
ثم نظرت حولها .. بضجر .. مزنة و هند يجلسن بعيدا أمام التلفاز ذو الشاشة العملاقة بعد أن قضين واجباتهن المدرسية .. المها تجلس في الزاوية بهدوء و في حجرها كتاب كبير تخط شيئا على أسطره بصمتٍ يلف أيامها .. و إحساسها ..
دانة تستلقي على طول إحدى المراتب المصفوفة .. تضع رأسها على فخذ أمها التي تداعب شعرها و هي تقول شيئا ما بأحرفها المكسرة ،، و حركات يدها المصوِّرة لجدتهم ..
فيما تستمع الأخيرة بعناية شديدة .. و يبدو أنها تجاهد كي لا تفقد شيئا ما هنا ..
نورة تجلس على بعد مرتبتين و هي تحمل سيف الصغير و تداعبه .. و تناغيه بأصواتٍ مضحكة مختلفة ..
قالت بصوتٍ خافت ،،
- غريبة .. ليش انحس هنيه بالملل .. و فبيتنا كانت حلوة اليلسة ..؟ مع انه نحن نفسنا نحن .. !!
ابتسمت عفرا بهدوء ..
- يمكن ما تعودنا ع المكان .. و الا من قبل كنا بس نيلس العصر .. و طول الوقت مشغولين بالدراسة و الا الترتيب .. وقتنا كله حركة .. و يوم ايي العصر و نيلس نحس بطعم اليلسة .. لكن الحين طول الوقت فاظين ما ورانا شي ..
هزت حور رأسها بتململ ..
- يمكن ..! شرايج ..؟ بنتعود على هالوضع ..؟
نظرت عفرا حولها لبرهة مفكرة ..
- نتعود ..؟ و الله أظن ان أغلينا على وشك التعود .. يعني أول خطوة في الموضوع هو تقبل الشي .. و أشوف ان الأغلبية متقبلة هالشي ..
عقدت حور جبينها بشدة ..
- مثل ..؟
شيء من البرود قبض قلب عفرا و هي تستشف الضيق في نبرة حور ..
هل تكره أختها الكبرى أن يتأقلمون في هذا البيت الجديد ،، و أن يتقبلوا حياتهم الجديدة بهذه البساطة ..
ردت بصوتٍ خافت ..
- شوفة عينج .. نايف لو ما كان في المدرسة و الا يذاكر .. تلقينه سار العزبة و الا لاصق فريلج لي أغلب وقته عند يدي .. و الا في الميلس ..!
تورد وجه حور بخفّة و هي ترمش لثانيتين .. قبل أن تتابع عفرا و هي تميل برأسها لأختها الكبرى ..
- مزون و هنوده أكثر ثنتين مرتاحات من هالوضع .. بيت عود و تلفزيون .. و وناسة يبونها كل اليهال .. دانة و نورة ..! هه .. هاييلا لو الاسبوع الياي تفرينهن فملجأ بيمشن أمورهن ..
- ملجأ فعينج يا الناقة ..!
اتسعت عينا عفرا بقوة حين أتاها اعتراض دانة من جانبها الأيمن قبل أن تنظر لها شزرا ...
- أعوذ بالله ..
رفعت دانة حاجبها بانتقاد ..
- شايفة أم الدويس شوه ..؟
- من وين ظهرتي .. توج راقدة هناك ..
دفعتها دانة بشيء من الهمجية و هي تجلس في المساحة الضئيلة التي تفصلها عن حور بابتسامة مستمتعة ..
- خوزي برتز هنيه ..
ظربتها حور بضيق و هي تتحرك بدورها لافساح مجالٍ لها ..
- لا و الله .. صالة طول و عرض .. و ضاق المكان .. ما لقيتي تيلسين الا فحظنيه ..
مسحت دانة مكان الظربة بخفة و نظرة لها ببراءة قبل أن تنقض على حور و تحتضنها بقوة ..
- أبا حنااان ..
دفعتها حور بقوة ..
- اففففف خووووزي يا الهبله .. حنان شوه و انتي عيوز كبر أميه ..
تأوهت دانة برقة مصطنعة ..
- آآآي .. يا الدفشه ..
رفعت عفرا حاجبيها ..
- عدال يا الرقيقة ..
نظرت لها دانة بغرور ..
- لو سمحتي آنسة ناقة .. دونت توك عن الرقة .. شدراج انتي بالنعومة و البرستيج .. و الاتكيت ..
مدت حور يدها لتقرص ذراع دانة بقوة .. و هي تقول من بين أسنانها بغيظ ..
- ما تلاحظين ان لساتج طال شبرين هاليومين ؟؟
أطلقت دانة صيحة مروّعه و هي تتأوه بمبالغة ..
لتنتفض جدتهم بذعر ..
- ويدييييه .. بسم الله عليييج .. بلاهااا البنية ..
نظرن حور و عفرا لوجه العجوز الخائف .. فيما تفرك دانة ذراعها بألم مبالغ فيه .. ليحمر وجه الأولى بحرج .. و دانة تقول بلؤم ..
- يدووووه .. هاي حور قرصتنيه بأظافرها ..
احتقن وجه حور بإحراج .. اذ لم تعتد بعد التصرف بهذه الأريحية التي تستمتع بها دانة و نورة و إخوتها الصغار في هذا البيت ..
لكن صوت جدتها الحنون رحمها من ذاك الخجل و هي تقول بعتب مرح لدانة ..
- برايها الحور يعلنيه هب بلاها .. ما بتظربج بلا سبب .. أكيد غثيتيها ..
رفرفت أهداب دانة بخذلان قبل أن تستعطف جدتها ..
- حرام يدوه .. أنا أغث .. أنا سكرة .. لو تحطونيه في بيالة جاهي أذوب ..
ابتسمت عفرا بسخرية ..
- و الله لو انه صدق كان ربج راحمنا و ذوبناج من زمان و افتكينا من غلاستج ..
نظرت لها دانة بغل ..
- جب .. ناقة وحدة .. اصلا انتي تغارين من خفة دمي ..
استغلت حور انشغال جدتها مجددا بأمها التي استأنفت حديثها الصاخب .. لتمد أظافرها مهددة مرة أخرى ..
- شكلج تبين قرصة ثانية يا دندن ..
اتسعت عينا دانة بارتياع ..
- لاااا .. دخيل أمج .. توووووبة .. بس عاد شوهتينيه .. باكر بعرس .. و يوم بيشوف ريلي هالقرصات بيتحراكم تضطهدونيه ..!
نظرت لها حور شزرا ..
- مسودة الويه .. و ليش مستعيلة ع العرس .. خلصي دراستج أول ..
- وعع .. بشوه بتنفعنيه الدراسة ..! آخرتاا بيخطبنيه سعيد الحظ عسب شهادتيه ..
قالت عفرا متحدية ..
- بيخطبج .. لأخلاقج .. و سمعتج .. و ذرابتج ويا العرب ..
وافقت حور عفرا بهدوء ..
- صادقة عفاري .. و خفّتج .. و خبالج لي زايد هاليومين ودريهم .. ترانيه ساكته عنج ..
اتسعت عينا دانة ..
- بسم الله .. الحين لو الواحد منا ضحك شويه .. و الا فرفش .. و ظهر لي حوله من جو النكد يغدي خبل ..؟
عقدت حور جبينها بهدوء ..
- منوه عايش فجو النكد الحين ..؟
أجابت دانة بصراحة ..
- انتن ..
ثم التفتت لنورة و كأنما تطلب رأيها ..
- و الا شرايج نوري ..
رفعت حور حاجبها ساخرة و هي تنتظر حكم نورة .. التي رفعت عينها للأعلى مفكرة ..
- لااا عاد .. يمكن حور نكدية .. و هي من يومها يعني .. تعونا .. لا تضحكن .. ذاكرن .. خلصن شغلكن يا الله بسرعة .. بس عفرا ..
قلبت سيف على بطنه لتربت على ظهره بخفّة و هي تبتسم لعفرا ..
- تبين الصدق و الا ولد عمه ..
استرخت عفرا تعقد ذراعيها .. و هي مستعدة للنقد ..
- الصدق طبعا ..
نظرت نورة لحور قليلا و كأنها تطلب إذنا بالحديث قبل أن تقول بهدوء .. و جدية خافته ..
- تعرفين .. مر عليّه وقت حسيت أننا ضيعناج ..
أنصتت حور باهتمام هي و دانة .. فيما عقدت عفرا جبينها ببطء .. قبل أن تتابع نورة بنفس الصوت الخافت ..
- يعني .. فجأة اختفيتي .. ما نشوف عفرا لي نعرفها .. عفرا 98% علمي .. شطارتج .. و خقتج .. تعرفين أول كنتي تقهرينيه يوم تطنزين علينا .. و الا ترمسين بهاك البرود لي يقهر ..و الا تتفلسفين علينا يوم حور تهازب ..
بدت نورة أكثر تألما من عفرا التي إحتقن وجهها بوجع مكتوم .. و احمر جفنيها مع خنقها حرارة دموعها ..
- و فجأة كل شي اختفى .. عفرا لي نعرفها فجأة راحت .. تمت نسخة باهتة منها .. مرات أحسج شرا الميتة .. ما أذكر من متى تغيرتي .. بالضبط ..؟
لكن دانة قاطعتها تجيبها و هي تنظر لعفرا ..
- من عقب سالفة الكلب ..
أغمضت عفرا عينيها بقوة .. و نورة تتابع ..
- مادري .. يمكن .. المهم انيه حسيت اننا فقدناج عفاري .. تضحكين و عينج ممزورة دموع .. تاكلين و انتي مالج خاطر .. ترمسين و تفكيرج فمكان ثاني .. كنتي وايد متغيرة .. و.. و تمنيت لو ...
و سكتت هنا حين سدّت عبرة كبيرة حلقها .. لترفع عينها للسقف .. بابتسامة متألمة ..
حور تعض شفتها السفلى بوجع مشترك مع دانة التي راحت الدموع تتراقص بحزنٍ دفين في مآقيها ..
أما هي ..
المعنية بتلك الحكاية ..
ترتسم ابتسامة ميّتة على شفتيها .. و عيناها تلتصقان بالأرض خشية أن تفضح إحساسها ..
و أن تبوح غير راغبة بكل الأسرار الدفينة ..!
فيما انزلقت دمعة ساخنة على خد نورة و هي تقول بصوتٍ مختنق .. و أناملها تتدارك دمعتها الخائنة ..
- تمنيت لو انيه أعرف شوه فيج .. أشل شوي من حملج .. تمنيت لو انيه أنش الصبح .. و أحصلج رديتي .. عفرا ختيه لي أعرفها .. و اشتقت لج .. وايد اشتقت لج ..
و نظرت لعفرا التي تعلّقت في طرف هدبها دمعة وحيدة .. تهدد بالسقوط ..
مدت يدها .. و اليد الأخرى تحتضن أخاها الصغير .. لتمد عفرا بدورها كفها .. تعتصر أنامل أختها بحبٍّ عميق .. و نورة تقول بهدوء ..
- يوم يينا هنيه .. حسيت انج بديتي تردين عفرا لولية .. و الله انه أكثر شي ريحنيه بييتنا هنيه .. هب درابزين الدري لي أتزحلق عليه .. و لا الثلاث ثلاجات لي في المطبخ .. لا .. لا يغرج ..
ضحكن معا وسط ذاك الوجع الذي خيّم بخفوت على أرواحهن .. حتى عفرا ابتسمت ابتسامة حقيقية .. و نورة تتابع .. ببسمة تسكن ثغرها ..
- أكثر شي فرحنيه .. هو انيه حسيتج ترتاحين هنيه .. في هالمكان ..
تدخلت دانة بصوتٍ صادق ..
- صادقة نورة .. أحس انج رحتي مكان و رديتي فجأة .. تدرين انه آخر شي كنّا نباه .. اننا نفقدج و نحن تونا فاقدين أبويه ..
تأوهت حور مازحة حين شعرت بحاجة ماسة تحثها على كسر طوق الألم هذا ..
- يا الله محلاكن و انتن عاطفيات رومنسيات .. مع انيه ماحب الأفلام الهندية ..
قالت عفرا بصوتٍ مرتجف .. و عيناها الممتنتان تدور على وجوههن الحبيبة ..
- فديتكن و الله .. مادري شوه أسوي في الدنيا بلاكن ..
رفرفت دانة بأهدابها ..
- ليكون هاي النهاية ..
ضحكت نورة ..
- ههههههههههههه شكلها و الله .. تصدقين حور ..
قاطعتها حور بغل ..
- لا ما صدق .. الحين أنا نكديه ..!
- يعني .. هب نكديه .. نكديه .. بس ما تعيشين حياتج ..
- محد طلب رايج ..
ابتسمت نورة باعتذار ..
- انزين ترا المها تشابهج يعني ..
عقدت حور جبينها ..
- تشابهنيه فشوه ..؟؟
- غادية نكدية شراتج .. و أكاالة كتب شرات عفاري .. وايد .. وايد .. ساكتة .. ما أذكر انيه سمعت لها حس اليوم ..!
التفتت حور بصدمة للمها التي كانت قد نسيتها للتو في غمرة مشاعرها الهائجة .. ليتعاظم الإحساس بالذنب داخلها .. و هي تراها على الأرض لازالت ممسكة بالقلم .. و تخط على الأسطر التي تقرأ ..
لم تفهم ما الذي كانت تفعله بالضبط .. لكنها قالت بخجل ..
- فديت مهاوي و الله .. لولاها .. أنا ميتة من الملل الحين ..
تنهدت دانة بحب و هي تنظر اليها ..
- حور .. انتي ما قلتي بتدرسينها يوم تسمح الظروف ..؟؟ دخليها المدرسة الحين .. عدنا في الفصل الأول .. و المها ذكيّة .. و بعدين انتي تتشكين من الملل .. و هي أخس عنج .. حرام تضيعين وقت أكثر ..
ردت حور بحزم ..
- و الله من دون ما تقولين .. يوم رمست وديمة .. شجعتنيه ع هالشي .. و قلت خلاص ,, الأسبوع الياي بسير بسجلها في المدرسة مالت ذوي الإحتياجات .. و بداوم معها كم يوم .. أشوف ترتيبهم .. فديت روحها .. لازم نعطيها حقها كامل .. بتدرس إن شا الله و بإذن الله ..
ثم تنهدت و هي تقف على قدميها ..
اتسعت عينا دانة و هي تقول ..
- شوه بتودينها الحينه .. عيني خير .. العرب مقيلة ..
ضحكت حور بخفّة ..
- جب .. بسير أسوي لقيمات .. خاطريه أتحرك في المطبخ ..
قالت دانة بمرح ..
- وين يا حسرة .. هذا هب مطبخ .. الا مطعم .. كل شي بتحصلينه فيه ..! الله يرحم مطبخنا لولي .. كانـ ........
.
.
.
.
.
.
.
.
كانت الشمس قد ملّت التعلق اليائس بالسماء ..
فأخذت تنتكس ببطء .. تنشد الرقاد .. استعدادا لفجر جديد يحمله الغد ..
حين انتهت مما كانت تفعله .. رغم التهوية الممتازة للمطبخ الفسيح .. إلا أن وقوفها قرب الزيت لوقتٍ طويل لذع بشرتها بحرارته ..
فشعرت بوجهها ساخن وسط هذا الجو المتجمد ..
حملت السلّة المليئة - باللقيمات - و وضعتها على طاولة المطبخ .. سألت الخادمة بشيء من الخجل أن تحضر لها عسلا ..
لم تعتد بعد التصرف بأريحية في هذا المكان ..
و لو كان الخيار لها .. لتشبّثت بالتزامها حجرتها ..
لكنها لن تستفيد شيئا من عزلتها سوى اهمال إخوتها .. و حالهم بعد الإنتقال إلى هنا ..
إلتقطت وعاء العسل الذي أحضرته الخادمة .. و أخذت منه قليلا بالملعقة .. لترشه على - اللقيمات - الساخنة ..
كان البخار يتصاعد منها .. ليزيد خديها دفئا ..
أفادتها محادثة وديمة كثيرا ..
شعرت بأنها أطلقت كثيرا مما تحبس في صدرها ..
و أخذت ترى كثيرا من الأمور بمنظورٍ آخر ..
سلاسة تأقلم أخواتها مع البيت .. جعلها تشعر بأنها تقف على حده بعيدا عنهم ..
غريب كيف لم تلاحظ تغيّر عفرا منذ قدومهم ..
ابتسامة طفيفة علت شفتيها و هي تفكر بأن أخواتها أكثر عمقا من أن يغفلن عن شيء كهذا ..
فيما كانت هي غارقة حتى أذنيها في كل ما يخالجها ..
ثم تنهدت ..
سعيدة للغاية بعودة عفرا إليهم .. لازال الحزن يغفو على حدود مقلتها .. لكنها تعود ..
تعود إليهم ببطء .. و هذا يكفي ..!
و امتدت تلك الأنامل الرجولية الطويلة لتلتقط إحدى - اللقيمات - الساخنة بهدوء ..
فتتجمد الملعقة بيدها قبل أن ترفع عينيها ببطء .. لتتسعان على الوجه الأسمر القوي .. الذي مال صاحبه على الطاولة .. بابتسامة ملتوية على شفتيه ..
يعقد إحدى ساعديه المفتولة على صدره و قد رفع كمّه إلى المرفق ..
فيما رفع يده الأخرى ليلقي بحبّة - اللقيمات - الصغيرة متقنة الصنع في فمه .. ليلوكها بتلذذ ..
شعرت بالغباء و هي تنظر إليها بفمٍ مفتوح .. قبل أن تشعر بوجهها يحتقن بالدماء ..
و كأن اعترافها بمشاعرها لأختها قد وصل إلى مسامعه .. أو كأنه قد يكشف ما الذي تخفيه له بين أضلعه ..
ضربات قلبها المجنونة راحت تتصاعد لحلقها ..
و قربه الذي ينضح حرارة يدفئ روحها بقوة ..
كان يقف متكأً على قيد إحساسٍ منها ..
إحساسٍ قد ينبشه .. ليعلم أي سذاجةٍ دفعتها للتعلق به ..
و خشية أن يقرأ ما تدفق في عينيها من مشاعر .. كسرت نظرتها للأرض بخجل صامت ..
و صوته الخشن يتغلغل داخل مسامعها .. يجري مع الدماء .. ليُضخ في قلبها .. و هو يقول بصوتٍ خافت ..
- مساء العسل ..
كان الهواء ثقيلا للغاية لا يصل لرئتيها .. و هي تقول بصوتٍ محرج .. جاهدت لإظهاره طبيعيا ..
- مساء النور ..
ليس عليها أن تظهر أمامه كالحمقاء لمجرد أنه باغتها و لم تستعد لإخفاء مشاعرها البلهاء ..!
.
.
.
وجد السيطرة على نفسه صعبة للغاية .. و هي يطالع وجهها الصافي المتورّد بقوة ..
و عينيها المنخفضتين ..
و خصلات شعرٍ حالك إحتضنت وجنتها النديّة ..
خفق قلبه في اللحظة الذي دلف فيها حاملا وعاء اللبن الثقيل للمطبخ .. ليجدها تقف امامه بشرودها ..
و ابتسامة عذبة خفيفة تسكن ثغرها القاني ..
بدا جليّا أنها غارقة في عالم بعيد غير هذا الذي يسكنه ..
لم تشعر به و هو يطالعها بذاك الإحساس الغريب الذي إجتاحه .. و لا تلك اللذة التي استشعرها و هو يسترق النظرات إليها في غفلة منها ..
مدت أناملها لتلتقط الملعقة المليئة بالعسل مجددا ..
الملعقة التي كانت تهتز بين أناملها الصغير .. ليغزوه شعورٌ آخر .. تخالطه نشوة راح صدره ينبض بها ..
أ يربكها قربه منها ..
ابتسم بتسلية و هو يسألها بنفس النبرة المنخفضة ..
- شحالـــج ،،
تزدرد ريقها بتوتر .. متأكّدٌ بأنها متوترة ..
الغريب بأنه شعر بذلك أيضا .. شيء من اللهفة الغير مفهومة .. يضج بها كيانه القاسي .. و هو يطالع بساطتها الحلوة من علو ..
و صوتها المبحوح .. يترنم بتلك الكلمة الهامسة ..
- بخير ربيه يعافيك .. انته شحالك ..
سحب نفسا عميقا ليزفره بقوة .. قبل أن يجيبها بشيء من الخشونة التي استلزمته ليكبح أي رد فعلٍ أخرق سيقوم به أمامها ..
- يسرج حاليه .. شوه تسوين ..
سؤال غبي .. !! رغم هذا أجابته ببساطة و كأنها لم ترى عيبا فيه و أشارت بالملعقة ..
- لقيمات ..
كاد يقهقه بقوة إذ بدا له الوضع غريبا و هو يشعر بالإضطراب مثلها .. و لكنه أحجم عن ذلك ..
شعوره بالسيطرة راح يخبو .. و علم أنه على وشك أن يتهور ليجذبها بين ذراعيه و يعتصر تلك البساطة الرقيقة بقوة .. حتى تسكن صدره ..
كاد يستدير ليتركها .. لكنها رفعت عينيها الواسعتين إليه تناظره لمرة أخيرة ..
فتصلّب إحساسه بقوة ..
قبل أن يرفع يديه الكبيرتين ليحتضن صفاء وجهها المستدير بينها .. يعيد نعومة خصلتها المنزلقة إلى خلف أذنها المتوردة ..
ثم ينحني ليطبع قبلة قويه على خدّها ..
شعر بها تنتفض بقوة ..
تلك الانتفاضة التي سرت في جسده أيضا و هو يتركها ببطء .. قبل أن يستدير متجاهلا قرعات قلبه الذي تكاد أن تهشّم أضلعه ..
و هو يغادر المطبخ ..
استنكر إحساسه المجهول هذا .. و راح يزفر مرارا ..
تبا لها ..
تلك الفتاة تعشش تحت جلده الآن ..!
.
.
.
.
.
خلفه هي .. تلهث بقوة .. و قد فقدت السيطرة على أنفاسها ..!!
شعرت بالدوار يجتاحها .. و هي تغطّي وجهها بإحراجٍ شديد ..
و تهمس بخجل مميت ..
- عنلاااااته السبال ..

* * * * *

* * * * *

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة زارا ; 06-05-08 الساعة 07:45 PM
عرض البوم صور زارا  
قديم 03-05-08, 03:51 AM   المشاركة رقم: 104
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 


حلم هي ..
كبرياء صمتٍ أغدق عليها ذاك الرونق المتباعد ..
و شفافية طمأنينة هادئة .. راحت تنبثق من جسدها الساكن ..
عيناها الكبيرتان .. المظللتان بالأهداب الثقيلة ..
ملتصقة بذاك المصحف الكبير .. الذي يسترق هو النظر إليه ..
يميّز من مكانه هوامش التفسير المرفقة بالآيات الكريمة ..
ثواني قليلة التي أمضاها جالسا هنا .. دون أن تنتبه لوجوده ..
تقاسيم وجهها الرقيقة بدت غارقة .. و هي تركز بشدة في الوريقات الطاهرة التي تقبضها بين يديها ..
فيما يخالجه الفضول نحوها ..
تناهى لذاكرته منظرها و هي تتهاوى عند أول لقاء يجمعهما ..
تتأرجح في الهواء مستسلمة ..
لتسقط أرضا بدوي مكتوم ..
كورقة خريفية جافة ..
ملت تعلقها اليائس بغصن ..!
عينيه المتكبرتين تشيحان للأمام بعنفوان .. ليجد أنه بين لحظة و أخرى .. يختلس نظرة منها ..
كانت مختلفة تماما ..
مختلفة عن إخوتها .. شكلا .. و إحساسا ..
يمكنه استشعار البرود الناضح من الكبرى ..
و الحذر الذي يشوب وجود عفرا ..
فيما تتغلغل دانة و نورة وسط روحه بمناوشاتهن الهامسة .. بحضورهن الصاخب ..
توجس مزنة .. و عقلانية هند ..
و حتى تعلّق نايف به .. و ملازمته إياه رغم جفاء معاملته له ..
و بروده الذي لم يثني ذاك الطفل عن مرافقته كلما حضر ..
هل يرى فيه نظيرا لأبيه يا ترى ..؟!
و اقتبست العينين رؤية أخرى لجانب وجهها الصافي متأملا ..
لتصطدم بعينيها الكبيرتين ..
ذاك العمق الذي انصب في نظراتها على وجهه الجامد و هو يطالعها مشدوها لبرهة ..
تقاسيم وجهها كانت هادئة ..
شفتيها المطبقتين لم تبشّر بأي نطقٍ قد يكسر تصلب الصمت الذي هبط مع انتباهها لحضوره ..
بدت ساكنة .. مطمئنة .. و هي تضم كتاب الله لصدرها بوقار ..
مرتاحة للغاية ..
و عينيه تهربان للأمام من نظرتها المتمعنة ..
لينتزع روحه بقوة .. من هالة الصفاء التي غشتها بحضور تلك الشابة الصامت ..!
.
.
.
.
في وجهه القاسي ..
أو عمق عينيه .. أو إختلاس نظراته ..
في أنفه الذي ارتفع بكبر .. أو يده التي انقبض بقوة ..
في تلك الجلسة المنتصبة .. و تلك الهامة التي لم تنحني تحت جبروت العقود الماضية عليها ..
شيء من الإحساس كان يدفئ قلبها ..
غرابة تداهم روحها .. و هي تستشف رحمة تسري في عروقها اتجاه هذا العجوز ..
متى جلس هنا ..؟
لم تنتبه لوجوده قط ..!
لم تفعل حتى شعرت بسطوة حضوره حين استدارت و شعور يتملكها بأنها لم تعد وحدها ..
لتجد أنها في تلك الردهة الخالية .. تجلس على بعد أريكتين .. من ذاك الوجه الجامد ..
و قد بدا غارقا .. و للحظة حقيقية ..
مزّق قلبها رؤية وجهه .. و شعورٌ دامي بالحزن يجتاحها حين التقت نظرته الساهمة ..
فيما يفكر ..؟
في ابنه الراحل ..
ذاك الحبيب .. القوي ..
هل اشتاق إليه ..؟
لماذا دفعه للرحيل اذا ..؟!
خاطر آخر سكنها بقوة .. هو أنه .. بحضوره .. و وجوده .. و رحيله ..
يشعرها بأن أباها هنا ..
ذاك الكبير .. العظيم ..
تلك القوة التي احتوتهم لسنوات ..
طيفه لا يفارق المكان ..
.
.
تقف على قدمين .. لنسدل الغطاء الواسع الذي تحجّبت به حول جسدها .. لا زال القرآن غافيا بين أناملها ..
برفقٍ تحمله ..
و هي تدنو ..
حاملة معها شعور بالسلام .. خلّفه الإيمان العميق بربها ..
بعد كل ذاك الوقت الذي أمضته في تلاوة آياته .. لتتوقف مئات المرّات أمام مختلف الكلمات .. تبحث لها عن نظير يفسّرها ..
فلا تقرأ ..لمجرد أن تقرأ ..
بل لتفقه .. لتتعلم .. و لتؤمن ..
يقين لا يتركه في النفس إلا الدنو من رب العالمين ..
دفعها للأمام خطوات .. تقطع بها كل شق امتد بينهم طوال تلك السنين ..
متناسية تلك الهوة العملاقة التي تفصلهم عن بعضهم ..
لتقترب ..
ناشدة شيئا تبحث عنه ..
في عمق روح هذا الرجل ..
فهل تجده ..؟!
.
.
و يشعر هو بدنوها البطيء ..
تلك الحركة المتهادية ..
تقلّص المسافة بينهم ..
ليدوي قرع فؤاده كالطبول ..
تقف أمامه لتجبره على الشموخ بنظراته نحوها ..
ليلتقط صفاء عينيها الواسعتين .. و حلاوة ابتسامة غفت على شفتيها كأمنية تحققت ..
و آثرت بعد سهادها نوما ..
و على ركبة واحدة ..
أمامه ..
تركع الصامتة ..
بيدٍ تحتضن الكتاب العزيز .. و بيدٍ أخرى ..
صغيرة .. بيضاء .. غلّفت بالنقاء .. و جرأة خجول ..
تمدها .. و تلتقط كفّه .. بهدوء ..
ترفعها برقّة لوجهها ..
فتسري قشعريرة على طول ظهره .. ينتصب لها شعر رأسه ..
و هي تقلب كفّه الكبيرة بيدها ..
تطرق برأسها .. تستنشق راحته ..
ثم تطبع عليها قبله كالأنفاس ..
و كأنها تمنحه ..
تعطيه إحساسا .. و تهديه ذاك الشعور المذهل بدنوّه منها ..
و هي تهمس بصوتٍ خافت ..
- ابـــــااااه ..
.
.
المنعزلة .. الصامتة ..
الصمّاء ..
تلك التي لم تلتقي من البشر الكثير ..
كيف كسرت حواجز رعبها .. و خشيتها ..
توجسها .. و الحذر ..
كيف اجتاحت هذا الغريب إحساسا ..
و كيف اندفعت للركوع أمامه تقبّل راحته .. و تناجيه صمتا ..
لا تعلم ..
هل ما خلّفه ذلك فيها ..
هو حزين عميق .. امتزج بحنين جارف ..
و هي لا تغفل عن نقاء عبرةٍ وصلت لحدقة ذاك العجوز ..
تتراقص هناك ببهجة تناقض العبوس المتوجع على وجهه ..
لتريح يده على ركبته بنفس هدوء التقاطها ..
.
.
آن لها أن ترحل الآن ..
لتتركه يكابد دمعته و ما يشعر ..
ربما لا يريد أن ينثر حطامه أمامها ..
لذلك هبت واقفة لتتركه .. هي تجهل ما قد يحمله بين أضلعه ..
ندم ربما .. أو قهر .. نار لم تخمد منذ رحيل ابنه ..
و أدارت ظهرها لذاك العجوز .. ستتركه ..!
لكن تلك القبضة منعتها ..
هي الراحة التي قبّلت للتو .. اعتصرت أناملها الخشنة يدها الصغيرة تستوقفها ..
لتلتقي نظرتها الملهوفة رجاءً صامتا حفر في عينيه المكسورتين ..
لم تفهمه .. و لم يصل لها ما يريد ..
لم تجد ما قد تقدّمه له .. سوى تلك العبرة الساخنة التي انسلّت ببطء من بين أهدابها ..
و هي تشد على الكف الممسكة بيدها ..
تعتصرها بقوة ما تشعر ..
قبل أن تنسحب ..
.
.
لتمضي ..!

* * * * *

نظرت لها بإمعان و جسدها المنهك يستلقي على سريرها الدافئ ..
بريق الدموع يتألق في عينيها العسليتين و هي تدني ملعقة الحساء من شفتيها الجافتين..
- يا الله غناتيه .. شربي منها شوي بعد ..
لكن ميعاد أشاحت بوجهها الشاحب رافضة بصوتٍ متعب ..
- بس خولة .. شبعت ..
- شوي بس ..!
- و الله ما روم .. أحس كبدي لايعة ..
أعادت خولة طبق الشوربة للصحن بسرعة .. و هي تقول بحنان ..
- ع راحتج غناتيه ..
ثم أردفت و هي تنظر لها بلهفة ..
- أييب لج قلاص حليب ..
ابتسمت لها ميعاد في وهن .. تعلم أي ذنب يتملك أختها ..
و أنها تلوم نفسها لما حدث ..
منذ استيقظت في المستشفى بالأمس .. استطاعت أن ترى بانها استعادت خولة ..
أمها الحنون التي عرفتها طوال حياتها..
لكنها كرهت أن تندفع خلف شعورها اليائس بالألم مجددا .. لذلك امسكت بيد خولة المشغولة بترتيب الصحون على الطاولة المجاورة و هي تناديها ..
- خوله ..
التفتت لها خولة باهتمام كبير . .و صوتها الدافئ يقول بلهفة ..
- لبيـــــــــه ..
تأملت العينين العسليتين .. و البشرة الناعمة .. تلك التقاسيم الحادة المذهلة ..
و ذاك الجمال الأخاذ .. كيف استطاع ابن أخيها أن يقاوم أنثى بمثل هذا الكمال ..؟!
و فضّل تركها على تقييد نفسه بزواج آخر ..
هل تفوق حور .. أختها جمالا ..؟
لا يهم .. هي تحبهم جميعا ..
ربما لم تعرف حور يوما .. لكن لها مكمنٌ في القلب تمنى دوما لقياها .. و لم تشأ أبدا أن تسبب إحداهن الألم للأخرى ..
لا حور .. و لا خولة ..
حمدت ربها مئات المرّات بأن غيث قدم لزيارتها في المستشفى أثناء غياب خولة و عودتها للبيت ..
و الا لانبثق الألم مجددا من جرحٍ لم ينمل بعد ..!
همست بخفوت ..
- لبيتي في منى .. أبا أقولج شي ..
- قولي فديتج .. شي فخاطرج ..؟
أغمضت عينيها بحزن عميق .. كيف استطاعت أن تقبل تضحيتها تلك ..؟
حتى و ان كانت هي من أصر .. كان على ميعاد أن تقف في وجه أختها و ترفض كل ذلك ..
- سامحينيه يا ختيه .. سامحينيه ..
اتسعت عينا خولة بذهول و هي تقول ..
- ع شوه يا الغالية .. شوه سويتي عسب أسامحج ..؟
و انكسر صوتها بمرارة و هي تعود للوم نفسها ..
- الا انتي لي سامحينيه .. لي سويته هب هيّن .. طبيت سنين و سنين .. و كل شي بينيه و بينج .. و نسيت كل شي .. عسب أتسلى .. و أضيع وقتيه .. و أرتغد من مكان لمكان ..
قالت ميعاد بضعف .. ودمعة تستقر في عينيها ..
- حقج يا خولة .. و أنا ما لومج .. بالعكس .. و الله فرحتـ ...
قاطعتها خولة بتصميم موجوع ..
- بس يا ميعاد .. لا تذبحينيه .. دخيل والديج .. هب ناقصة ويع قلب .. لي سويته ما ينّسى .. بس و الله .. و الله لو عدته يا ميعاد .. يعل ربيه يشل روحيه و لا يردها .. يعلنيه عوق منه ما أبرى ..
ثم أمسكت بكف ميعاد التي انهمرت دموعها تشغل خدّها بدفء ..
- لو بدّيت شوق ريّال ع ختيه .. أنا ما أستاهل أعيش ..
.
.
لكن الطريق لا زال طويلا للغاية أمامها ..
ستهلك نفسها بالنسيان ..
و إلى أن تنجح في ذلك .. عليها أن تتعايش مع ذاك الذنب الذي يتآكلها ..
و ذاك الألم الذي ينخر روحها ..
آه ..
كم ستشقى على هذا الدرب الممتد بلا نهاية ..!

* * * * *

العباءة المزخرفة ذات القماش اللامع كانت تبرق بجرأة أمام عيني شيخة المشمئزتين .. و هي تكبح جنون نفورها بقوة .. فيما ترتسم ابتسامة أنيقة على شفتي عوشة المصبوغتين بعناية .. و هي تسترخي على الأريكة الوثيرة في بيت عمها علي ..
أظافرها المطلية تربت على خدّها الناعم و عيناها المثقلتين بالكحل تناظران شيخة من أعلى رأسها لأخمص القدمين ..
كان الجو متوترا للغاية من حولهما ..
نظرات عوشة الساخرة .. و تعبير القرف الجلي على شيخة معتادة للغاية ..
لكن بخلو المكان إلا منهما .. يكاد الوضع ينفجر ..
تنهدت عوشة بضجر و هي تلوح بيدها ..
- رويض وين ..؟
رفعت شيخة حاجبها ببرود ..
يجلسن معا منذ ما يقارب النصف ساعة .. و لم يتبادلا الا الكلمات الجافة و التحديات المبطنة ..
تعلم جيدا لمَ عوشة هنا .. و ليس السبب روضة بالتأكيد ..
بل أخاها الأكبر ..
و تعلم أن عوشة على يقين بإدراكها لسر حضورها ..
و لم يكن عليها تكرير السؤال كل مرة للتمويه .. لذلك كان صوتها الغليظ يزداد خشونة متعمدة ..
- مساعة قلتلج انها هب هنيه .. فبيت يدي .. لو عندج غير هالسؤال اسألي .. و الا الحقيها اهناك ..
رفعت عوشة حاجبا .. و هي تقول بسخرية متجاهلة الرسالة التي وصلتها للتو ..
- و ختج ما تفارق بيت يدي من ين بنات حمد .. شوه هالحب لي ذابحنها عليهن ..
ابتسامة صفراء تربعت على شفتي شيخة ..
- شفتي تأثير - و تلفظت ببطء مقلّدة أسلوب عوشة الناعم - بنات حمد .. امتد هب لروضة اروحها .. حتى خو روضة مطيح اهناك ..
كان هذا استفزازا سافرة .. لذلك ابتسمت عوشة بحلاوة و هي تجيب بصوتها الحاد ..
- و الله خو روضة من سنين ساكن اهناك .. تلقينه ما صدق عمره يوم افتك من بيت الفقر هذاك .. و يعوض ..
هزت شيخة كتفيها بجفاء سكن وجهها الجامد الذي يخلو من أيّة مساحيق ..
- يعوض شوه ..؟ ما شي قاصر عليه هنيه .. لكن معلوم .. لازم بيلصق يوم ان شوقه هناك ..
راح القهر يلمع في عيني عوشة حتى و هي تطلق ضحكة قصيرة ساخرة ..
- أي شوق يا حسرة .. ليكون تطرين الفص اليابسة ؟؟!
لمعت عينا شيخة بتحدي و هي تتقدم على الأريكة ..
- الفص اليابسة حرمته .. و عايبتنه ..
- هاييك المنتفة ..؟
و فرقعت بلسانها غير راضية باستهزاء ..
- تؤ تؤ .. هاي لو أييب تامي سيلانيتنا .. اتيي أحلى عنها .. تصدقين عاد غمضتنيه يوم شفتاا .. و كسر خاطريه غيث .. الله يعينه الصراحة .. تلقينه متوهق بها و هب رايم يفك عمره ..
إهانة صريحة .. كم تمنت شيخة لو أن أحدهم كان هنا ليسمع هذه الكلمات ..!
كان صوتها مرتفعا .. و هي ترد ..
- لا استريحي بويه .. غيث مرتاح .. و ميت عليها .. و لا تيلسين تحطين مقارنات .. لنج انتي بتكونين خسرانه .. و بعدين حركاتج اهناك عندهم كلها مكشوفة .. لا تسوين عمرج طيبة .. و انتي من تحت لتحت .. ترا غيث ما بيرحمج لو أذيتي حرمته ..
اتسعت عينا عوشة .. و هي تضع اصبعين خلف أذنها الذي تدلى منها ذاك القرط الضخم اللامع ..
- اشوه ..؟ ما سمعت .. عيدي .. بالله عليج ..
ضحكت عوشة بقوة مفاجئة ..
- مقارنات ..!!! اتخسي و تعقب .. ابويه .. هاي لي حاشرتنا بها .. ما تيي شي عند ظفريه .. و بعدين لا تخافين .. ما بسوي عمريه طيبة .. هي كاسرة خاطريه .. لكنيه ما بنزل مستوايه لها .. لنها ما ترزا .. يعني لو أبا .. أطيرها من طريقي .. لكنيه راحمتنها .. تصدقين عاد .. وايد يعورنيه قلبي عليها .. لنج تعرفين انها ما بتسد عين غيث خوج .. اذا هب اليوم باكر .. بيفرها و بيدور غيرها .. هاي ما ترقى لمستواه .. و لا تيي عنده شي .. و بتقولين عوشة قالت ..
صرت شيخة على أسنانها .. شعرها القصير يحتضن وجهها الشرس و هي تحذر عوشة ..
- لا تلعبين بالنار يا عويش .. و الله لو تلمسين شي يخص غيث انه ما يحشمج و لا يحشم حد .. بيلعن خير لي يابوج ..
رفعت شيخة حاجبها و صوتها العالي يقول بتكبر ..
- خفت و الله .. شوه هالحرص على حرمة خوج .. أشوفج وايد مهتمه ..
لم ترد شيخة بل مدت ساقيها بقهر .. اذا استمرت في هذا الحديث .. ستخنق عوشة في آخر المطاف ..
لن تخاطر بأن تؤول ابنة عمها المدللة حديثهن هذا لشيء آخر من نسج خيالها ..
لكن يبدو أنها تأخرت ..
تأخرت كثيرا في إدراك هذه الحقيقة ..
إذ سرعان ما أتاها صوت عوشة الخبيث .. متسللا .. بغيظا ..
- ليكون عايبتنك الحرمة يا بو الشباب .. شوه حبيتيها و تباها لك بدال ما تكون لخوك ..
صدمت كلماتها شيخة الذي تصلّب ظهرها بقسوة و هي ترفع ناظريها ببطء لعوشة التي تابعت بمكر دنيء و هي تطالع أظافرها الطويلة ..
- ما انكر انها حليوه .. و انك تميل لحثالة القوم .. لكن حرمة خوك ..! صعبة السالفة شوي .. مع ان القرب بينفعكم يعني ..
ثم غمزت بعينها ساخرة ..
تنفث سمومها القذرة .. و تتلفظ بكلماتها هذه هازئة بطريقة حقيرة ..
لا تعلم كم كانت ملاحظتها الحقيرة الناتجة عن غيظها مؤلمة ..
أوجعت شيخة بقسوة .. و شطرت روحها ..
لتندفع مشاهد مختلطة أمام عينيها الجاحظتين و هي تقول بحقد ..
- عوشووه لمي ثمج .. لا قسم بالله تندمين ع رمستج الوصخة ..
اتسعت عينا عوشة ببراءة .. و هي تكرر بصوتٍ زائف ..
- وصخة ..؟!! الله يعلم منوه الوصخة ..
ثم طالعت ثوب عوشة الذي تسربلت به .. بدا شاذا عليها بعد أن إعتادوا ارتدائها السراويل الواسعة و القمصان الباهتة ..
لتردف بسخرية قاسية ..
- أووه .. تصدقين ما لاحظت انج لابسة كندورة .. هه .. شوه غديتي أنثى ..؟!
و انفجر الوضع بعد تلك الثانية .. و شيخة تقفز على قدميها بغضب مجنون .. صائحة بغلظة ..
- عوووشووووه ..
و على قدميها .. ببطء متعمد وقفت عوشة .. و هي تضع أناملها على صدرها و تخفق بأهدابها ..
- مامي .. تروعت و الله .. شوه ظهر صوتج ما شا الله .. تختبرين رجولتج ..
في خطوتين واسعتين وصلت إليها شيخة .. و هي تضم قبضتها ..
لم تعد ترى عوشة فقط ..
هناك أوجه مختلفة تنظر إليها باشمئزاز .. و استنكار ..
الأوجه التي التقتها من الماضي .. و أخرى لم تعرفها إلا قريبا ..
صوت حمدة الكريهة يردد تلك الكلمات الحاقدة ..
.
.
.
.
( ع شوه رافعة خشمج .. تراج الا شراتيه .. )..
.
.
.
.
(تراج الا شراتيه .. )
(تراج الا شراتيه .. )
(تراج الا شراتيه .. )
.
.
.
.
ثم لفحة محرقة تنفثها عوشة لتزيد نار جوفها اشتعالا .. و هي تشمئز منها قائلة ..
- أعصابك يا الحبيب ..
و هنا بلغ السيل الزبى ..
لتمتد يد شيخة بقوة .. و تمسك بمقدمة شعر ابنة عمها .. التي أطلقت صرخة مذهولة متفاجئة ..
- اييييييييييه .. يا الحيوانه ..
و مدت يدها أظافرها بقوة في يد شيخة التي اشتدت أكثر على شعرها .. و هي تقول ..
- محد حيوانه غيرج .. من يلستي و انا حاشمتنج .. لكن انتي هب ويه حشمة .. شلي عمرج و ذلفي من بيتنا .. يالااا ..
لكن عوشة نشبت أظافرها بشراسة قطة في عنق شيخة .. و هي تصيح بحقد ..
- بيت عميه و بيلس فيه ع كيفيه .. هب انتي لي بتطردينيه يا الحقيرة ..
أطلقت شيخة صرخة كالعواء مع شعورٍ حار يسري في رقبتها المخدوشة .. لتجد يدها توجه لطمة قاسية لعوشة ..
فيما تبعتها الأخيرة بردة فعل سريعة و هي تخدش وجنة شيخة .. ثم تنقض عليها في محاولة عضّها ..
يد شيخة لا زالت تطبق على مقدمة شعرها حتى شعرت به يتمزق بين أناملها ..
توالت الصفعات و الخمش .. و ضرباتٍ غير مدروسة تندفع لكل مكان ..
لم تكن شيخة بركلاتها و قبضاتها تواجه خصما عاديا ..
فقد انقلبت عوشة بوحشية لأخرى راحت تظرب و تخدش و تركل بقوة ..
صرخاتها التي كانت تصم الأذن راحت تترد بقوة في الردهة الفسيحة ..
و شيخة تدفع جسدها نحو الأريكة بقوة .. في محاولة ابعادها ..
و لم تسمع أحدهن في غمرة العراك الطاحن .. تلك الصرخة الرجوليه التي انطلقت من عند الباب لتوقفهن عما يفعلن ..
لم يشعر بشيء ..
حتى طوقت ذراع أحدهم خصر شيخة تجذبها بعنف بعيدا عن عوشة التي لم تتوانى عن لطم وجهها بقوة .. محدثة أثرا عميقا بأظافرها الحادة ..
فيما صوت حامد يتفجر قرب أذن شيخة التي راحت تقاوم باستماته لتنفلت و تهجم عليها من جديد ..
- باااااااااااس انتي وياااهاااا .. شيييييخااااااااه ..
و اضطر الى دفع عوشة بعيدا عن أخته التي احمرت عيناها بقوة .. و بدت على وشك ارتكاب جريمة ..
- عووووشه .. بااااس .. خلااااص.. توكلي بيتكم .. يا الله .. ما نباا مشاااكل ..
لتنظر إليه الأولى بنظرة حاقدة .. لم تستطع من خلالها إخفاء لمعان الدموع و هي تصيح بقسوة فيما يدها تعيد وضع عبائتها و غطاء شعرها ..
- عنلااااتج يا الخايسة .. و الله ما خطف لج اياها .. قسم بالله بتندمين ..
اندفع صوت شيخة من أعماق حنجرتها و هي تجذب نفسها من أخيها بقوة .. محاولة الإمساك بعوشة .. و تلقينها درسا .. و اخماد قهرها بتمزيقها ..
- محد خايسة غيرج ..
لكن شيخة التقطت حقيبتها .. لتلطم بها شيخة في حركة سريعة على وجهها المجروح .. قبل أن تصرخ بحقد ..
- أنا خايسة يا البويه .. يا الشاااااذة .. أنا أنظف عنج و عن لي يابو أشكالج ..
زأر حامد بصوتٍ مدوي ارتد في الردهة بقوة ..
- عوشااااااه .. اظهري .. و سري بيتكم دام النفس عليج طيبة ..
لكن شيخة أصيبت بجنون و هي تظرب حامد بقسوة ليتركها ..
- ودرنيييييييه .. خلنيه براويها السنع الـ ××× ..
بيد مرتعشة أعادت عوشة وضع غطاء شعرها أمام تلك الكلمة البذيئة التي أطلقتها شيخة للتو .. غير مبالية بوجود حامد و هي تقول باحتقار ثائر ..
- شوه بيظهر منج يا المستريلة غير هالألفاظ يوم انج مرابعة بنات الشوارع و أشكالهن ..
يحتقن وجه شيخة بقهر ..
- أنا مرابعة بنات الشوارع .. و الا انتي لي تربعين ورا الرياييل شرات الكلبة و هم ما يدروبج ..
هنا كان صبر حامد قد نفذ .. و بحركة سريعة اعتصر شيخة بيدٍ واحدة ليمد الأخرى بقسوة .. و يجر بها عوشة ليوجهها نحو الباب .. ثم يدفعها بغلظة ..
- عووووشه .. سيري بيتكم قبل لا أغلط عليج ..
لم يعلم بأنه سبق و فعل ذلك للتو .. حين أمسكها بيده و كسر الحدود المرسومة بينهم ..
الدين .. و عاداتهم .. و احترامه لها ..
ليشير بصوتٍ صارم نحو الباب الخارجي ..
- اظهري خاري بيتنا .. و يوم بتعرفين ترمسين باحترام .. و تحشمين هل البيت .. حيّاج الله ..
لكن عوشة رفعت رأسها بغرور و هي تقول بوقاحة ..
- هب انته لي تروغنيه من بيت عميه .. أنا بظهر بكيفيه .. لو فيك الخير .. كان ربيت هالشاذة لي ميودنها .. عقب ما سودت ويوهنا عند العرب ..
و بخطواتٍ سريعة قطعت الردهة متوجهه للباب الأمامي .. كي لا تترك لحامد أي فرصة بالرد ..
و صراخ شيخة المجنون يتبعها للخارج ..
شيخة التي دفعت حامد لكنها لم تستطع زحزحته و هو يشد قبضته على ذراعها ..
يدنيها منه و هو يسأل بصوت راعد ..
- تعالي .. على وين ..؟ شوه السالفة ..؟ ليش اتظاربتن ..؟
لكن شيخة اليتي كانت تكابر دموعها الدانية انتزعت نفسها بقوة آلمت ذراعها .. و هي تصيح بقهر ..
- و ليييييييييش .. تتخبرنيييه .. روح انشدهااا الحيواانه شوه تبا من غيث .. و شوه قالت عن حرمته ..
ثم ارتجفت قدماها و هي تتوجه راكضة للأعلى ..
و قد أقبلت دموعها لتنهمر ذلا أمام أخيها ..
و أمام الرؤية الضبابية التي أغشتها الدموع ..
شعرت بالدمع المالح يلذع جروح وجهها .. و الروح ..
.
.
لم تشأ أن تخبر حامد عن السبب الحقيقي لضربها تلك الحقيرة ..
ما الذي كان سيفعله لو أنه علم حقا أين المشكلة ..
لكن مهلا ..
تعيش معه منذ سنواتٍ تحت سقف هذا البيت و لم يبدِ يوما أي إعتراضٍ على تصرفاتها ..
ألا يفهم أن تجاهلهم سبب انحرافها ..!
قليل من الإهتمام قد ينتشلها من ضياعها ..
و لكن أي إهتمام قد يجدي نفعا الآن ..؟
أي إهتمام ..
تأخروا كثيرا ..!

* * * * *

حركت غرتها الناعمة بخفة على جبينها و هي تستنشق نسيم الليل العليل و قد رطّبه المطر الذي توقف منذ لحظات ..
مخلفا بقع عملاقة من الماء تتفرق على الأرض المرصوفة المتسعة للأسوار المحيطة بأملاك جدّها ..
الأشجار المتوزّعة في الحوش الأمامي .. و المقلّمة بمنظر دائري جميل ..
بدت مظلمة الإخضرار بعد البلل الذي أصابها ..
و عكست أنوار المدخل الراحة الموزعة على أوجههن جميعا و هن يجلسن على الدرج الخارجي المؤدي للباب ..
لتتمطى هي بكسل و تقول بصوتها الناعم .. و ابتسامة رائعة تنمو على ثغرها ..
- رووووعه ريحة القاع عقب المطر .. الصراحة شي رهيب ..!!!
ابتسمت عفرا بهدوء .. قبل أن تؤيدها ..
- صدقج رويض .. سبحان الله .. المطر نعمة من رب العالمين .. يا الله .. أحب المطر ..
تنهدت حور بعمق .. و هي تبتسم ..
- تصدقن إن الجو له تأثير في النفسية ..! الحين حتى لو كنتي متضايقة .. ما ترومين تكشرين و الجو بارد و مطر .. و مهب يرد الروح .. لكن في الحر .. يوم الشمس تكويج .. حتى و انتي تضحكين بتعقدين حياتج ..!
أطلقت نورة ضحكة قصير ,,
- يا الفلسفة .. روضاني .. سجلي هالخاطرة و سمعيها خوج خلاف ..
نظرت روضة لنورة التي تسند ظهرها على أحد الأعمدة الضخمة على جانب المدخل ممازحة ..
- يباليه .. عسب يشوف الجانب الشاعري من حرمته ..
لكن دانة التي تجلس جوار المها قالت بسرعة ..
- هه .. حبيبتي .. تلقينه شاف كل الجوانب .. الشاعري و الخاطري .. و القصصي و الروائي .. نسيتي انه عدنا من شهور ..
ثم غمزت لروضة ضاحكة .. مع احمرار وجه حور ..
- عاد في هالشهور لي خطفت .. تولهنا ع حور .. مررره ما تنشاف .. طول الوقت في الميلس ..
احتقن وجه حور و هي تهوي بيدها نحو دانة تنوي ظربها لكن الأخيرة تجنبت الضربة بخفة لتصطدم بالمها الجالسة جوارها .. و التي عقدت جبينها بهدوء .. بعد أن قطعت دانة تأملها ..
فيما قالت حور بغل ..
- كذااابة وحدة .. أنا باب الحوش ما كنت أظهر منه ..
وضعت نورة يدها على فمها ..
- أستغفر الله ..!!! حلفي انج ما كنتي تظهرين ..
قالت حور بعناد ..
- ما بحلف ..
رفعت نورة حاجبها ..
- أمحق قدوة .. ختنا العودة تكذب ..!!
قاطعت عفرا الجدال مقترحة بهدوء ..
- بنات .. نشن بنمشي شوي في الحوش ..
وافقتها روضة الرأي و هي تقف بسرعة .. و تنفض ثوبها بعد جلستها على الدرج ..
- صدق و الله .. خاطريه أمشي في هالمهب ..
ارتعشت حور و هي تحتضن نفسها ..
- حرااام عليكن .. أنا برداااانه .. أخاف تصكنيه حمى ..
طمأنتها عفرا ..
- لا تخافين ماشي بييج .. نشن يا الله ..
عادت حور تقول بقلق ..
- و الدريولية .. و البيدار ..
هزت روضة كتفيها ..
- لا تخافين .. بابهم من خاري .. ما يحدرون الحوش إلا من الباب لي قدام ..
وقفن جميعهن .. و دانة تهز المها لتشير لها بالوقوف ..
لتكرر الأخير نفس اعتراض حور بجبين معقود ..
- بيد .. بيد ..
صفقت حور بيدها ..
- هاا .. حتى المها بردانة ..
لكن دانة عدّلت شال الصلاة الواسع حول المها قبل أن تفرك ذراعيها بسرعة مبتسمة ..
و تشير بيدها لأختها صائحة ..
- شويه .. شويه بس .. - ثم أشارت بحركة دائرية حول المكان - بنمشييييييي شوياااه .. و بنرررد دااااخل ..
أومأت المها موافقة .. قبل أن تنزل الدرج و تنضم لروضة و عفرا و نورة .. تتبعها حور و دانة .. و عفرا تتساءل بجفاء ..
- هب كانه وايد عود هالحوش ..؟؟ هذا ايي كبر الشعبية لي كنا فيها كاملة ..
ابتسمت روضة و هي تجيبها ..
- هاي خمس أراضي ويا بعض .. لي بانين عليها البيت العود .. و بيت غيث .. و الحوش من هنيه الين البوابة .. أرض .. و الباقي قسميهن أربع أراضي ..
اتسعت عينا حور بذهول ،، كانت قد تعجبت من طول المساحة المحيطة بالبيت دون داعٍ .. لتسارع نورة بالسؤال ..
- و ليش أربع أراضي ..؟ شوه بتبنون فندق و الا بيت ..؟
هزت روضة كتفيها تجيبهن ..
- لااا .. بس ابويه سيف يوم اشترى الأراضي .. كان يبا عياله وياه فنفس المكان .. عسب يبني كل واحد منهم بيته داخل هالحدود ..
نظرت دانة للأرض حولها قبل أن تقول بهدوء غريب ..
- بس محد بنى بيته هنيه ..!
لا زالت روضة تبتسم و هي ترد ..
- لااا .. كل واحد من عياله بنى له بيت فبقعه ثانية .. بيتنا ما قد سيرتن عليه .. بس قريب ان شا الله بتزورنا فيه .. و بيت عميه سعيد .. قريب منا فنفس المنطقة .. عميه مطر بيته قريب من هنيه .. يعني عشر دقايق .. و يكون فبيت بويه سيف .. أما عميه أحمد فأبعد بيت بيته ..
تذمرت دانة ..
- ما شا الله .. أربع أعمام .. و ما راموا اييبون الا ثلاث بنات ..!ثنتين ضمير غائب و وحدة لا تغني و لا تسمن من جوع ..
فتحت روضة عينيها ..
- أفاا .. الحين روضة بنت علي بن سيف شخصيا تضيع وقتها وياج .. و لا تغني و لا تسمن من جوع ..! عيل مالي حايه أسير وياكن السوق باكر .. برايكن عاد ..
ابتسمت نورة بخبث و هي تلقي على دانة نظرة سريعة ..
- ليش ع كيفج هو ..؟؟
هزت روضة كتفيها بأنقة .. و هي تقول بنعومة ..
- عيل ع كيف منوووه ..؟
قالت دانة و هي تدنو من نورة ببطء ..
- ع كيف أمي ..
ثم بحركة سريعة .. اقتربن معا ليدفعنها للأمام فجأة ..
وجدت روضة نفسها تفقد التوازن .. تلوح بذراعيها في الهواء قبل أن تسقط على مؤخرتها بقوة ..
ما إن لا مست الأرض حتى تناثر الماء حولها مع صرخة حور الغاضبة ..
- يا السبالات .. يالـ ..
لكنها لم تتمم عبارتها .. إذ ركضن بسرعة نحوها .. لتجد نفسها هي الأخرى وسط إحدى البرك الصغيرة التي خلّفها المطر ..
في رد فعل سريع راحت عفرا تركض نحو البيت .. خوفا من أن يلقين بها أيضا ..
فيما وقفت المها في مكانها .. واثقة بأنهن لن يؤذينها ..
نظرت روضة حولها بذهول .. و ضحكات نورة و دانة .. تمتزج بسباب حور الساخط ..
رفعت يديها المبتلتين .. يتقاطر الماء من كمي قميصها الأنيق ..
لتصيح بقهر ..
- دااااااااااانووووووه .. انتي وختج يا السبااااالاااااااااات .. أكرهكن ..!!!!
توقفن عن الضحك و صمتت حور فجأة ..
لتلتفت الأعين إلى روضة الجالسة وسط الماء ..
شهقت دانة بخفّة تضع يدها على صدرها و هي تقول بصوتٍ متألم ..
- أوه .. you break my heart ..
ثم اعتدلت ملامحها بشقاوة و هي تضع يديها على خصرها و تقول بابتسامة ..
- سيري لااا .. تحبينيه .. و تموتين عليّه .. لنـ .........
صرخت نورة من وراءها فجأة ..
- داااانووه ..
لكن الصرخة أتت متأخرة و حور التي خرجت من الماء مبتلّة كالقطة المتسخة .. تدفعها نحو البركة التي سقطت فيها روضة ..
لتتنحى تلك بسرعة .. و تسقط دانة وسط البركة و هي تصرخ بذعر ..
تناثر الماء مجددا .. ليتساقط مرة أخرى على روضة ..
نظرت لحور ببؤس .. و تعبير الإشمئزاز يتجلى على ملامحها الجميلة ..
- افففففف حووووووووووووور ..
ضحكت حور ..
- سوري .. و الله سوري .. ما كان قصديه .. عليج بها رواضي لا ترحمينها ..
و ضحكت فجأة حين رأت أن روضة تدفع دانة بقوة مجددا في الماء حين حاولت الوقوف على قدميها ..
التفتت لتجد أن نورة أسرعت بالهرب .. فرفعت ثوبها المبتل لتركض لاحقةً اياها .. و حين أيقنت بأنها لن تدركها ..
بإندفاع مجنون .. ولّده الشعور الذي ذكّرها بخلو بالها في تلك الأيام البعيدة ..
توقفت لتخلع حذائها المبتل .. لترفعه إلى أعلى ثم تسدده نحو ظهر نورة الراكضة بقوة .. و تقذفه على طول يدها ..
لم يصل إلى نورة ..
التي قهقهت بقوة و هي تصل لباب المدخل ثم تختفي داخل البيت ..
لكن ذلك لم يمنع حور من الصراخ خلفها ..
- و الله ما خطفهاااا لج يا نويييييييير .. بردهااااا و الا ما كوووون بنت أبوووووويه ..
.
.
.
.
.
.
.
و من إحدى تلك النوافذ المظلمة .. دون علمهن .. كانت تلك العينين العتيقتين .. تراقبهن منذ مدّة ..
و ابتسامة حانية تعتلي شفتي ذاك الشيخ الذي يتمتع بما يرى ..
جدران البيت الصامتة الباردة راحت تضجّ بأصوات الحياة منذ قدومهم إلى هنا ..
و كأنهن حملن الفرحة في جعبتهن ..
و الضحكات .. و نبض قلوبهن .. في حقائبهن ..
لينثرنها هنا ..
فتلون بؤس هذا البيت الصارم من جديد ..!!


*

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة زارا ; 06-05-08 الساعة 07:48 PM
عرض البوم صور زارا  
قديم 03-05-08, 03:54 AM   المشاركة رقم: 105
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 



نظارتها الداكنة الكبيرة غطّت نصف وجهها الرقيق .. و هي تقطع الممر المؤدي إلى مكتبها بغرور .. حقيبتها الثمينة تتدلة من مرفقها بأناقة .. و أناملها تحتظن هاتفها الذي تدلّت منه سمّاعة الأذن الخاصة به ...
شعرت بمزاجها يهبط إلى الحضيض .. و هي تنفخ بكراهية ..
شجار الأمس سبب لها كدمة قبيحة قرب عينها .. شيئا كرهت ظهوره أمام أي عينٍ إعتادت منها التمعن بإعجابٍ في وجهها الجميل ..
و ليزداد الأمر سوءا إصطدمت بأحدهم بقوة .. لترتد إلى الخلف بشيء من الغضب ..
السواد المنحني أمامها .. أثار غيظها .. و ببقايا حقد الأمس كادت أن تسدد لكمة لظهر المرأة التي ركعت لإلتقاط ما سقط منها ..
قبل ان تنتصب بهدوء مرة أخرى ..
لتجد عوشة نفسها تقابل وجه المرأة الأسمر .. و قد نحتت التجاعيد بصمة السنوات الماضية عليها ..
فيما تضخمت عينيها من وراء النظارة الطيبة الغليظة ..
ابتسامة لطيفة أثارت مزاج عوشة العكر .. لتجد نفسها تقول بحدّة ..
- حاسبي لو سمحتي .. ما تشوفين ..
اتسعت ابتسامة المرأة و هي تقول بصوتٍ واثق ..
- و الله يا بنتيه انتي لي كنتي خاطفة .. و صدمتينيه .. انا واقفة فمكانيه ..
توترت عوشة .. لتشد على حقيبتها ..
- و شوه موقفنج فنص الممر .. ما تشوفين العرب خاطفين و رادين من هالمكان ..
ثم زفرت بضيق شديد ملوّحة بيدها ..
- بااااي ..
- حفظج الرب يا عوشة ..
خطواتها السريعة النزقة كانت قد ابتعدت بها قليلا .. قبل أن تتوقف فجأة في مكانها ..
هل يخيل إليها أم أن المرأة نادتها بإسمها للتو ..
استدارت للوراء بسرعة و هي ترفع يدها بغيّة مناداة تلك العجوز ذات العينين المتضخمتين ..
لكن يدها تجمدت في الهواء و الأحرف تتوقف على طرف لسانها .. و هي ترى الممر أمامها قد خلى من إمرأة بتلك المواصفات ..
عدد من الموظفين كانوا يتبادلون الدخول إلى المكاتب ..
و المرأة لم تعد موجودة هنا ..!
أسقطت يدها بقهر .. و هي تتجاهل الموضوع ..
لا بد أنها تخيّلت الأمر ..
دلفت مكتبها .. بذاك المزاج الأسود .. لتلقي نظرة حاقدة من خلف زجاج نظارتها الداكنة على رأس حصة الغارق بين الأوراق ..
لم تلق أي تحية عليها .. فقط رمت حقيبتها بقوة على سطح المكتب قبل أن تجلس بضجر على كرسيها .. و هي تتأفف بصوتٍ مرتفع تعمدت أن يصل إلى حصّة العانس ..
- افففففف ..
لكن تلك لم ترتفع رأسها عن وريقاتها و هي تقول بصوتٍ ساخر ..
- يا الله صباح خير ..
نظرت لها عوشة بحدّة ..
لا تستحق الرد .. لا تستحق ذلك .. رغم رغبتها بالشجار .. و تفريغ غضب الأمس ..
إلا أنها لم تشأ أن تثير فضيحة هنا ..
ألا يكفيها إحباط الأمس مع تقبل أبيها الهادئ الباسم لمسألة ضربها في بيت عمها على أنها - سوالف بنات - ..!
لكنها لن تسكت .. حتما لن تفعل ..
ستجعل تلك الشاذة تندم على فعلتها تلك ..
أصبح لها هدفان الآن لتستمتع بسحقهما ..
حور .. و شيخة ..
اثنتان كريهتان ..
تعلمتا كيف تؤذيانها ..!
صرفت هذه الأفكار السوداء عن ذهنها و عينها تلتقط منظر جريدة اليوم ملقاة على مكتبها ..
لتلتقطها بلهفة ..
و تفتحها على العمود اليومي لـ ( قلم حر ) ،،
لهفتها تلك سرت رعشة باردة على طول جسدها .. و هي ترى ذاك العنوان الأنيق يترأس المقالة ..
(( أحـــــــرف إباحيــــــــة ))
اتسعت عيناها ذعرا .. أيعقل بأنه يتحدث عن رسالتها الأخيرة التي خاطبته فيها بأسلوب تحقِّر فيه ابداعه ..
راحت عيناها تلتهمان الأسطر المخطوطه أمامها ..
بقلق ..
.
.
.
.
.

(( حين تضيق حدود أدبنا و المعارف لنجد أن الكتب لم تعد تضم بين دفتيها سوى تلك المشاهد الرومانسية المثقلة بالأنفاس ، و اللهاث ، و لعاب أفسد كلمات يفترض بنا أن نقرأها لنفهم ، لنعرف ، و لنستفيد ، حين تغدو الأوراق نسخا مملة لا تحوي سوى التكرار و التكرار ثم التكرار ..
ما الحل الذي قد يقصده قارئ عربيّ ليكسر ذاك التكرار سوى الفرار ..؟
و التوجه لإشباع الفكر بطرقٍ أخرى ، بعد أن أصبحت القراءة عبئا على النفس ، لما تحمله من إنحدار فكر و ضيق أفق قلم .
فأنى لكلمة أن تحمل همَّ أمة ما بين قبلة و فراش ؟
و أنى لفكرٍ أن ينبش واقعا يدرسه أمام استفزاز شهوات متابع ..؟
و كيف ..؟
كيف لوريقاتٍ أن تحكي عن هويتنا الحقيقية ، عمن نكون نحن دون انسلاخ قذر ، و دون التسربل بأوساخ المجتمع ، لنبدو الأسوأ فقط .
دون أن نريهم أولئك الذين لا يعرفوننا كم نحن مختلفون ، متعففين ، و مترفعين عن كل وصفٍ مشين ، و كم هي بيضاء راياتنا ، نقيّة معتقداتنا .
دون أن ندفع أنفسنا للبحث في عمق أرواحنا عن التسامح و الطهارة ، و الكثير من الحقيقة التي لا تتقن الأقلام سوى طمسها ..؟
إذا كانت الحياة قضيّة ، كيف لنا معالجة جوانبها بالتضخيم ..؟
أ لم يئن الآوان لتلك الأحرف الإباحية التي راحت تروج مشاعرنا الإنسانية ، الطاهرة ، و جمال أحاسيسنا الصادقة ، سلعة رخيصة على الورق ، تصف أزمات وطن بين انحناءات جسد إمرأة ، و إختلاس نظرات رجل ؟
تبا لأصحاب قلمٍ لا هم لهم سوى تسويق كلماتهم المنهزمة ، المكررة ، المشبعة بلزوجة مشاعرهم المنحرفة فلا تعرف سوى رسم صور لا تمت لحياء الإسلام بصلة ،،
و تبا لنهم أعينٍ تبحث عن غرائزها بين تلك الكتابات الهابطة ،،
و تبا لكن قارئ يدير ظهره لكتاب يتوسد مكتبة ليعلوه الغبار .. يحوي من قيمنا ما قد ينعش روحه العفنة ،
كتاب ينحت قلم حقيقي عليه صدق مبادئه على صفحاتٍ من نور ،،
كتابٍ يرسم مشاعرٍ تدغدغ خفايا النفس بنقاء ، بعيدا عن غمزات الأعين و لمسات الأيدي ، يترجم خلجات النفس البشرية بطهرٍ مختلف ، تستلذ لبياض صفحاته الروح .
و هنا ..
أجدني مضطرا لأصمت ..
و أترك قلمي جانبا ، و أقف عن مقعدي هذا ،
في لحظة صمتٍ و إحترام ، لأبجل الكثير الكثير من الأقلام ، بعضها هائج و بعضها مجنون ،
و بعضها لا يعرف إلا الهدوء ،
أقلام لا تعكس إلا الحقيقة .. بوصفٍ راقٍ يشعرني بأن الفكر النظيف لا زال يتصدر الكتب أحيانا ..
و هنا ..
أضم كفيّ إلى السماء مبتهلا ،
و قد تذكرت صفاء قلمٍ ، علمت منذ أيام بأنه طريح الفراش و قد افترسه قدر ،
لتتهاوى الأحرف بوهن إلى جانب تلك اليد التي رقدت بصمت ،
يدٌ ينحني النور لتقبيلها ، و التمرغ في طهارة كفٍّ نديٍ بقطرات الوضوء ،
تتساقط الأحرف من بين أناملها صدقا و نقاءً
و نفحها بتمتمات رجاءٍ صامت ،
بأن عودي لنـا ،
قلم فتي يشع صفاءً كما إعتدنا ،،
( هديل محمد الحضيف ) ،
عافاكِ الرب أخيتي و أنار فؤاد والديك بالصبر و الثبات ،
أسئل الله العظيم ذو العرش العظيم أن ينفح قلبكِ شفاءً ،
و أناشد المولى الكريم المهين الشافي رب السماوات و الأرض أن ينفح العافية في صدركِ و أن ترى مقلتيكِ النور قريبا ،
و أن يشرح الله صدر كل أحبّتكِ بعودتكِ ، كي تملئي أماكن البهجة التي سألتنا يوما أن نجهزها لعودته ، استعدادا لعودتكِ أنتِ و لوقتٍ ينسينا الظلام الذي مررنا به يوما حين سقوطكِ ،
عفوا ،
هنا سأصمت ،
تقديسا لروح إمرأة ، قالت يوما :
( يرعبني أن أكون بيدقاً في يد لا أعرفها، يرعبني أن تكون آرائي صدى لغيري دون وعي مني، ويجعلني أحياناً أعيد النظر في جدوى الكتابة، وجدوى القضايا التي أؤمن بها، وجدوى كينونتي ككل! )
مختلفة أنتِ ..
لكِ كل أمنية بالشفاء أخيّه )) **
.
.
.
.
تنهدت براحة فظيعة ..
إذا فقد رأى قلم حر أنها غير جديرة بالإهتمام .. و لم يكن يقصدها بذاك العنوان المخيف ..
لكن مهلا ..
هديل محمد الحضيف ..
لماذا بدا لها الإسم مألوفا للغاية ..؟
أدارت جهازها بسرعة بغيّة معرفة سبب إهتمام القلم الحر بهذه الكاتبة ..
ما الذي طبعته في كتاباتها يا ترى ليراها بذاك النقاء ..؟!
و في لحظة غريبة .. دفعها خاطر غريب لرفع عينيها إلى السقف ..
و هي تهمس بخفوت ..
- الله يشفيها ..
فأيا كانت .. لا بد أن تكون مختلفة إذ حازت على إعجاب مثل هذا القلم ..!

* * * * *

- هب كانه خوك .. غادي رومنسي شوي ..؟
قالها هزاع بابتسامة غريبة لأحمد المشغول بمطالعة الفيلم المعروض على التلفاز أمامه ..
ليرد الأخير بشرود ..
- خويه من ..؟ حامد ..؟؟ هذا من يابته أمه رومنسي ..؟
لكن هزاع كان يراقب غيث الذي جلس مع والده و جده و أعمامه الثلاثة و قد انخرطوا في حديث عميق ..
- أطري غيث خوك يا الخبل ..
فتح أحمد فاهه بعجب ..
- هاا ..؟ غيث رومنسي ..؟؟ وين الرومنسية يا حسرة .. ابا أشوفها ..
لكن هزاع قال بجدية ..
- مادري احس غيث شوي متغير هالأيام ..فيه شي غريب .. يمكن هادي شوي ..
فرك أحمد لحيته مفكرا و قد تجاهل الفيلم متأملا أخاه الأكبر الذي راح يعقد حاجبيه الغليظين و يتكلم بصوتٍ منخفض .. فيما كان من حوله مصغيين باهتمام ..
- تصدق حسيت بهالشي .. هب هادي .. بس مادري كيف .. أحسه يفكر .. مهموم يعني ..تقول شي فخاطره ..!
ابتسم هزاع ممازحا ..
- أكيد متوله .. عقب ما تعود ع قرب شوقه .. أبعدوه الريّال ..
ضحك أحمد موافقا ..
- هييييييييه .. لاعبتنبه المعزبة .. حي .. يطالعنيه الله يغربلك ..
ضحك هزاع بقوة من قلق أحمد .. يثير أخاه الأكبر قلقه دوما .. بتحكمه و سيطرته الهائلة رغم ابتعاده عنهم طوال حياته ..
وصله صوت أخاه الأكبر سيف الذي كان يجلس قربهم يحدّث فهد .. حين التفت لهم ملوحا بضيق ..
- شباب يزاكم الله خير .. بندو هالخياس .. و تعالو خلونا نشوفكم ..
قال أحمد مازحا ..
- بو هناد .. شوفنا من بعيد ياخي .. مشغولين شوي ..
عقد سيف جبينه بهدوء ..
- مشغولين بشوه يا أحمد .. ودر هالخرابيط عنك .. و اقلب القناة ع شي نستفيد منه ..
تعلقت عينا أحمد بشاشة التلفاز المسطحة و هو يقول ضاحكا مع جلوس بطلة و بطل الفيلم الذي يعرض معا على الأريكة ..
- لاااا يا سيف .. ما تشوفهم يلسو مع بعض الحين .. بعد شوي بيطيح مفتاحه .. و بيي يبا يشله و بيحبها بالغلط .. و بتصفعه هي .. و هو بيطلع ولد قبايل و يخمها ببوكس ع عينها ..
ثم ضحك هزاع موافقا ..
- هيه .. تراها هاي عقدة القصة ..
لكن صوتا صارما .. رن ببرود في المجلس الفسيح ..
- أحمد ..
ليلتفت أحمد بسرعة نحو أخيه الأكبر الذي كان يجلس جوار جده ..
- عونك ..
أمره غيث بصرامة ..
- بند التلفزيون ..
.
.
.
.
.
.
.
رفع عينه مجددا لأجده .. يلتقط نظرته المؤيده .. قبل أن يعود لينظر إلى عمه مطر قائلا بهدوء ..
- خلاص يا عميه .. عقب ملكة سيف .. رمسوها و تخبروها .. و لي تباه نحن حاظرين ..
أعقب بو غيث على كلام ابنه قائلا ..
- و الله كان وديه انيه أنا أكون فمقام أبوها .. لكن الريال ولديه .. و ما ريدها تستحي منيه ..
هز بو سيف رأسه بابتسامة ..
- ما تقصر يا بو غيث .. نحن بنسدك يا خوية ..البنية يتيمة و نحن في مقام ابوها ..
ثم التفت لغيث قائلا ..
- و مثل ما قال أحمد .. يوم انه باقي على البيت خمس شهور و يزهب .. عطوا البنية مهرها و خلوها تزهب عمرها .. ما تعرف الحريم .. الوحدة يبالها سنة لين ما تخلص خربطان الزهبه ..
عاد غيث يومئ برأسه .. و دفئ غريب يسكن جوفه .. فيما يخفق قلبه بثقل ..
- و أنا حاظر لكل شي ..
شعور غريب تملّكه .. و نشوة مختلفة شعر بها و هو يناقش دنو زواجه ..
أشهر فقط تفصله عنها ..
ليجمعهما سقف واحد ..
و حيرة ذاك الإحساس الذي ينبثق داخله كلما سقطت عيناه عليها ..
يعلم جيدا أنها تعني له الكثير ..
أكثر من مجرد وسيلة كسب ..
و رغبة مجنونة تحثه على امتلاكها .. اجتياح قلبها فلا يسكنه غيره ..
يريد أن يحتل خيالها حتى ..
أنفاسها ..
و كل ما سيمر على روحها من خواطر ..!

* * * * *

حك نايف رأسه بمؤخرة القلم .. و هو يقول لحور ..
- هو عادها مرتين .. بس انا ما رمت أفهم ..
نظرت حور بجبين معقود إلى مسألة الرياضيات المعقدة .. قبل أن تزفر بضيق ..
- و الله يا نايف .. أنا مادري كيف يعطونكم هالمسائل .. على أيامي كانوا يعطونها ثالث علمي .. امرررة هب فاهمتنها .. بس براجع وياك الآية في الدين و معانيها .. و يوم بتخلص .. سير لعفرا و هي بتشرح لك انزين ..؟
هز نايف رأسه فورا ..
- خلاص ..
أومأت له و هي تلتقط كتاب التربية الإسلامية لتفتح الصفحة المقصودة .. قبل أن تأمره ..
- يا الله سمع ..
في وقتٍ قياسي إستطاع تسميع الآية .. و معانيها ..
ذاك ما أبهج حور الذي قبّلت خده بقوة .. و هي تبتسم بفخر ..
- حبيبي و الله .. شاد حيلك فديتك .. هيه .. كذيه أباك ترفع الراس ..
مسح خده بقوة و هو يغلّظ صوته ..
- يا بوج لا تحبينيه .. شوه شافتنيه مزنوووه .. و بعدين لازم بشد حيلي و بطلع من الثلاث الأوائل .. عسب ييبلي غيث تيلفون ..
انتفض قلبها لذكره .. و هي تسأل نايف بلهفة ..
- هو قالك بييب لك تيلفون ..؟
هز نايف رأسه و هو يلتقط كتبه ..
- هيه .. قال ليه لو طلعت من الأوائل .. بييب لك تيلفون .. أي تيلفون تباه ..
شعرت بالإمتنان العميق لغيث .. لما يلعبه من دورٍ مهم في حياة أخيها المراهق .. الذي لوح لها ..
- أنا بخلي عفاري تفهمنيه رياضيات ..
- أوكيه حبيبي ..
فتح نايف الباب ليخرج .. مع دخول نورة للغرفة ..
قالت الأخيرة بصوتٍ ملول ..
- سلام ..
لترفع حور عينيها عن المجلة العتيقة ..
- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
ألقت نورة جسدها بقوة على السرير الناعم .. قبل أن تقلب وجهها نحو حور ..
- ارحميها حور .. نتفتي أوراقها .. ظنيه صميتيها صم من كثر ما قريتيها .. سيري يا بوج شلي شي من كتب المها .. و اقري .. و الا طالعي التيلفزيون شوي ..
- لا .. أنا ماحب الكتب و قرايتن .. بسرعة أمل .. و أنا هب راعية تلفزيون و يلسات عليه ..
- خراطة .. كل خميس كنا نهرِّب التلفزيون داخل حجرتنا و نشوف فيلم ..
ابتسمت حور للذكرى .. قبل أن تقول ..
- يعني يمكن أشوف أفلام .. بس ما أميل للتلفزيون وايد ..
استلقت نورة على ظهرها و هي تتنهد بصوتٍ عالٍ ..
- تصدقين حواري .. اشتقت لخبال هاييك الأيام ..!!
صمتت حور و استمرت في تقليب المجلة .. هي أيضا ..
و الله يعلم كم اشتاقت إليها .. فهذا الفراغ يكاد يقتلها ..!
- آمممم .. حور ..
ركزت حور على مقالٍ شدّها في المجلة .. جزئية لم ترها قبلا ..
- لبيه ..
- لبيتي حايه .. أبا أسألج سؤال ..
- سألي فديتج ..
- ليش يدي راغ بويه حمد الله يرحمه ..
.
.
و اهتزت المجلة بين أناملها ..
قبل أن تثبّت نظرها على الأوراق .. لكن دون أن تراها الآن ..
لم يكن السؤال اذا يسكنها فقط ..!
بل يؤرقهم جميعا ..!
تابعت نورة بصوتٍ خافت و هي تنقلب على بطنها بقلق ..
- تدرين وايد أفكر في هالشي .. أبا أعرف ليش ..؟ يمكن انتو ما تبون ترمسون في الموضوع عسب ما تفتحون السوالف لولية .. بس خاطريه أعرف .. كان أبويه .. و من حقي أعرف ..
لو تعلمين أن هذه اللهفة نفسها تمزّق روحي ..
أريد ذلك أيضا .. !
ثم قالت نورة بحذر ..
- حور .. أبويه سوا شي غلط و الا حرام .. يعني سوّد ويه يدي .. عسب كذيه راغه ..؟
انتفضت حور و أبعدت المجلة عن يديهاو هي تقول بقوة ..
- نوري شوه هالرمسة .. ابويه كان ريّال متدين و يخاف ربّه ما يصلّي الا ويا الجماعة .. شفتي كيف ربانا ع الدين .. صلاتنا .. و التزاماتنا .. هالريال يمكن انه يكون سود ويه حد ..؟ لا تفكرين في هالشي ..
ترددت نورة ..
- بس ....
قاطعتها حور بضيق ..
- بس شوه ..؟؟؟؟
كرهت أن يظن إخوتها بأبيهم ظن السوء .. بسبب سرٍّ لم يكشف لهم ..
بدا أن نورة تريد قول شيء ما .. لذلك حثّتها حور بعصبية ..
- ارمسي ..
رفعت نورة حاجبها ..
- بقولج بس لا تقولين انيه أتجسس و ما دري شوه .. و الله بالصدفة ..
عقدت حور جبينها ..
- صدفة شوه .. شوه السالفة ..
جلست نورة و هي تفرك يديها ..
- مساعة عقب صلاة العشا .. كنت عند الفتحة لي قلت لج عنها أنا ودانة .. هاييك الدريشة لي شفنا فيها المكتب ..
استعجلتها حور ..
- هيه بلاها ..
سكتت نورة قبل أن تقول ببطء ..
- سمعت يدي يرمس حد .. مادري منوه .. بس صوته كان عالي .. و كان يقول شي ما فهمته .. و بعدين .. قال ...
- اففففففف .. قاااال شووووه ..؟؟؟؟
- مادري .. بس سمعت شي .. عن انه ما خاب ظنه .. و قال .. شوه ترييت من ولد حمد .. يوم انه بيظهر مثله ..
كانت عينا حور جاحظتين و هي تصيخ السمع لما تقوله نورة .. نورة التي اكتسى وجهها بقلق غريب و هي تقول مفكرة ..
- حور .. تقولين نايف سوى شي .. و عصّب عليه يدي عسب كذيه قال هالرمسة ..؟
هبت حور واقفة .. و هي تقول باصرار ..
- لااا .. ليش تفكرين بالشين .. ؟؟ يمكن سوا شي و ذكره ببويه ..
كم آلمها أن يفكر أحدهم بالسوء في أبيها ..
فماذا إذا كان هذا الأحد واحدا من أبناءه ..
أتعسها أن تهتز صورة ذاك الكبير في أعينهم .. لذلك قالت بحزم ..
- لا تخلين الشيطان يلعب بأفكارج .. أبويه ما سوى شي غلط .. انا متأكده ..
- كيف متأكدة .. تعرفين ليش طردوه ..
قالت بألم نضح من عينيها ..
- لا .. بس بعرف ..
يكفي .. عليها أن تكشف هذا الغموض الذي راح يلفّ القصة السخيفة .. متأكدة بأنه شيء تافه ذاك الذي نفي والدها لأجله ..
و أنهم تركوه وحيدا لأجل لا شيء ..
لذلك اندفعت خارج غرفتها ..
قدماها تلتهمان الطريق إلى المكتب البائس بسرعة مجنونة ..
ترد أن تبلغه .. لتلقي ما يثقل صدرها قبل أن تخونها شجاعتها ..
لا تدري لما راح يعتمل الخوف داخلها قليلا ..
هل تشك بأن أباها قد ارتكب جرما فادحا استحق لأجله أن يرمى سنينا عدّه ..؟!
.
.
تقف أمام باب المكتب الذي لم تدخله قبلا .. لا تعرف كيف يبدو و لا يهمها ذلك ..
كل ما تريده أن تخترقه .. لتجمح في الداخل مطالبة بالحقيقة ..
الحقيقة فقط ..
و على هذا الإصرار .. طرقت الباب ثلاثا ..
ترفع رأسها بكبرياءٍ أنشئت عليه .. و علمها أنها لن تحتاج لأي ذلٍّ كي تعيش ..
الصوت الخشن المنطلق من حنجرة العجوز .. أذن لها بالدخول ..
- اقــــرب ..
لترتعش يدها فوق مقبض الباب ترددا ..
قبل أن تدفعه بشيء من القوة .. لتدلف بسرعة .. و تتقدم من المكتب الذي كان يواجه الباب مباشرة ..
يسترخي خلفه ذاك الرجل .. ينظر إليها بدهشة خفيفة لم يستطع إخفاءها .. حتى و صوته الجاف يتردد في جو الغرفة مرددا إسمها ..
- حور ..؟!
هل يستنكر وجودها ..؟ أم يتعجب ..؟ أم أنه يتسائل فقط عن السبب الذي يقبع وراءه ..
كانت تقف في منتصف المكتب مولية ظهرها للباب .. و عينيها لا تفارقان وجهه العجوز .. تلك الملامح السمراء القوية ناقضت الشيب الأبيض الذي صبغ لحيته .. و هي يعود للوراء بكرسيه مسندا فكّه بيدٍ واحدة ..
و ينتظر ..؟!
فيما تقف هي بصمتٍ أيضا .. و كأنها تريد أن يحثها على الحديث ..
لكنه لم يفعل .. يتبادلان النظرات بغرابة ..
هيّا ..
كوني شجاعة .. و إهدمي تلك الشكوك المتعاظمة في داخلكِ ..
إسألي حور ..
لمَ كان ذلك ..؟ لمَ ..؟
خرج صوتها مرتجفا .. و هي تشد على غطاء رأسها الذي توقف عن قمّته .. سامحا للغرة الناعمة أن تنزلق إلى جانب وجهها بهدوء ..
- ليش .. ليش رغت أبويه من بيتك ..؟
و لم يكن له أن يخفي صدمته العظيمة التي لمعت في عينيه ..
لم يتوقع سؤالها هذا .. و هذا ما جعلها تشعر بشيء من التفوق .. فتعود بسؤال آخر .. حمّلته كل مرارتها ..
فيما تعتصر يدها المرتعشة ..
لما هي خائفة ..
- ليش ابويه عاش عمره كله وحيد .. شاقي .. و تعبان .. كل يوم من الفير .. الين العصر .. تحت الشمس .. و في الحر .. حتى في البرد .. و الدنيا تمطر .. على شاحنه .. غادي و ياي .. و لو يبا زيادة مرمطوه .. و لعوزه .. و آخرتاا يزيدونه كم اميه .. و انتو هنيه .. عايشين حياتكم .. محد منكم قال .. ولديه و الا خويه كيف ماات ..؟ مااات من التعب .. و من الهم ..
كان الألم يعتصر ملامحه بقوة إثر كلماتها .. استطاعت رؤية ذلك بوضوح .. حتى و هو يطرق برأسه متجنبا النظر إليها ..
كم شعرت بلذّة تستقر في روحها و هي توجعه ..
ثم دوى صوته الجهوري الذي لا زال يذهلها .. كيف يخرج من حنجرة هذا العجوز ليقول بقوة ..
- ظهرها من هنيه ..
للحظة ظنّت أنها أخطئت السمع .. أو أنه لم ينطق الجملة بالشكل الصحيح ..
كان يأمر أحدا ..
و لم تكن هي هذا الشخص ..
أدركت هذا فورا حين التفت أصابع قوية بشيء من اللطف و صوتٌ عميق يتدفق من خلفها .. قائلا بهدوء ..
- حور .. تعالي ويايه ..
شُلّ الإحساس ..
و تبخر الهواء من حولها ..
كان هنا منذ دخولها .. كيف لم تنتبه لوجوده ..؟!
ذلك لأنها كانت مشغولة بالإندفاع ..
سمع مرارتها ..
حسنا ..
فليسمع أكثر .. ما قامت به كان أكثر خطوة شجاعة أقدمت عليها منذ قدومها .. لا يهمها من سيكون شاهدا على هذا النزاع ..
أتت إلى هنا كي تعرف سببا مقنعا لتخلي هذا العجوز عن أبيها و اتعاسه حتى مات بإبعاده عن حياته ..
و لن يثنيها وجود غيث .. الذي لطالما كانت على ثقة بأنه مطلع على تلك الحكاية و لو كان يدعي العكس ..
سحبت ذراعها من أنامله القوية .. لتقول بثبات ..
- ما بتحرك من مكانيه لين ما تقول ليه ..
كانت هنا تكلّم جدها ذو الوجه المتصلب الزاخر بألم متكبر ..راح يكافح جاهدا ليمسح بقاياه ..
و أشارت بسبابتها أرضا مصرة ..
- الحين تقول ليه .. ليش .. سنين و انته مقاطعنه .. و عقب ما توفى يبتنا عندك .. ليش يبتنا أصلا و انته ما تبانا .. ليش شليتنا من بيت ابويه .. بيتنا .. لي ظمنا سنين .. عشنا فيه و مات فيه راعيه ..بس عسب تعطينا ظهرك كلما شفتنا و الا تصد بويهك لو رمسناك .. ترانا هب ميتين .. و لي خلقنا كتب رزقنا ..
الآن تنتصب هامة العجوز ليستدير نحو النافذة موليا حور ظهره .. ليعود فيقول بنفس الصوت القوي ..
- غيث شل حرمتك و ظهرها من عنديه ..
شكت لبرهة بأن غيث يستمتع بهذه المواجهة .. اذ يمكنه في لحظة واحدة أن يجبرها على الخروج لو أراد .. لكنه بدا لينا بشكل مريب .. فقط يحني رأسه نحوها .. مخيّرا إياها غير آمر بتلك النبرة الهادئة ..
- حور .. ما بتستفيدين شي لو عرفتي .. شوه لي تبينه .. لي فات مات .. و نحن عيال اليوم ..
أرخت جفنيها و هي تختفي خلف الظلمة قليلا .. تستمد القوة من كل شيء حولها ..
من ألم جدها الذي علمت أنه يسكنه الآن ..
من موقف غيث الحيادي بعد أن توقعت تحيزا للرجل الذي قام بتربيته ..
و من الوجع المتفاقم في روحها ..
لن تتراجع .. وصلت إلى هنا .. و هذا كثير ..!
رفعت رأسها الآن بتحدي .. عينها اليمنى تلمع بدمعة باردة .. و هي تشحذ أحاسيسها في مواجهة الجميع ..
- لااا .. ماشي مات .. كل شي حي .. دام ان ذنب ابويه في رقبته .. خله يقول ليه .. أبا أعرف ..
ثم وجّهت حديثها لظهر جدّها بصوتٍ متهدج ..
- ليش أبويه مات في الشمس .. عند باب ميلسه بروحه .. و يوم بغينا لي يعيينه ما ذكرناكم .. ليش الرياييل شلّوه على ظهورهم .. و أخوانه هب دارين عنه ..
رفع الجد رأسه للأعلى بصمت .. و هو لا زال متجاهلا كلماتها ..
قبل أن تصرخ بقهر ..
- ليييييييش ..؟؟؟
.
.
و كانت هذه الصرخة هي الخيط الوحيد الذي يربط غيث بالهدوء .. فانقطع ..
بدأت تثور الآن .. و لن يسمح لها بأن تقلل من إحترام جدها ..
لذلك أطبق على ذراعها بحزم .. و هو ينهرها ..
- حووووور .. قصري حسج .. و لا ترفعين الصوت ..
التفتت إليه الآن ..
عيناها الواسعتين .. تلتهبان قهرا .. بدا خذلانٌ غريب على وجهها .. و كأنما توقعت أن يقف في صفها ..
حسنا كان سيفعل ذلك للتو .. فقد رأى في الأمر فائدة لجده .. ربما سيرتاح قليلا إن واجهها بالحقيقة .. إن تحدّث مرة أخيرة عن الموضوع ..
و لو كان في الأمر مخاطرة أمام نكئ جرحه الذي لم يبرأ بعد ..
لكنها وصلت إلى الحدود البعيدة .. و تمادت في رفع صوتها ..
خرج صوتها المبحوح مستنكرا ..
- هذا لي هامنك الحينه ..؟!! لا أرفع حسي ..؟
سحبت نفسا عميقا و هي تشمخ ببصرها للأعلى .. و بصوتٍ مثقل بالألم ..
- و لا يهمك يا غيث .. ما بعلي صوتي .. و حتى النظرة بكسرها .. بس قول ليه .. ريحنيه .. ابويه ليش انطرد .. ؟؟
ثم دقت صدرها باناملها .. و عيناها المحمرتين تنذر بدموعٍ تكابر خلف جفنيها ..
- أنا أعرف انه كان مشتااق لكم .. و كان يبي القرب منكم .. يوزنيه ايااك و لكم سنين ما نشدتوا عنه .. ما سألت عمرك ليش ..؟؟ لنه كان يبا أي شي يربطه بكم .. حتى يوم طلبت أمه انها تشوفنا .. طرشنا كلنا لها .. و كانه من اللهفة يسوق روحه ويانا .. لا مات و هي راضيه .. و لا خاطر أبوه صافي ..
ثم أسدلت أهدابها بيأس و صوتها يتكسر على حدود الشفاه الموجوعه ..
- بالله عليكم .. خبرونيه .. ابويه شوه كان ذنبه ..؟؟
رفع غيث نظره لأبيه الذي كان قد عاد ليجلس على كرسيّه الجلدي و يديره نحو النافذة ..
و علم أنه يمارس الهروب الآن كما اعتاد ..
يخشى تحطما قد يفضحه أمامهم ..
حوّل عينيه لوجهها ..
ليجدها تمنع نفسها بقوة .. خانقةً رغبة جامحة تدفعها لبكاء قد يريحها ..
اعتصر قلبه الألم و هو يراها بهذا الشكل البائس .. فاقترب منها بهدوء .. يحيط كتفيها النحيلين بذراعه الآمنة .. و هو يهمس في أذنها مهدئا ..
- حبيبي .. تعالي ويايه .. ما بيفيدج نبش السوالف لولية .. ما بتلقين من وراها الا حرقة الفواد ..
ارتعشت قربه .. قبل أن ترفع عينين حزينتين .. أغرقتها الدموع و هي تهمس ..
- لازم أعرف .. لازم ..
ثم انزلقت الدمعة تسيل على جانب وجهها و صوتها يتهدج بحرقة ..
- غيث .. أنا يتيمــــــــة ..!
اقشعر بدنه لهذه الكلمة .. دون أن يعلم لذكرها سببا ..
ما الذي دفعها لهذا القول ..؟
و انقبض قلبه بقوة حين تشبثت بصدر ثوبه متوسلة ..
- دخيلك .. خبرنيه .. معاد فيّه صبر ..! خبرنيه ..
رفع نظره لظهر الكرسي الأسود .. واثق بأن الجالس عليه ينصت دون اعتراض ..
أعاد نظره لحور .. قبل أن يومئ لها ببطء ..
- انزين تعالي يلسي ..
- بتخبرنيه ..؟
كالطفلة التي ترجو وعدا ..
يضمن لها تحقيق أمنية ..
- بخبرج .. بس تعالي ..
قادها للأريكة التي تجاور الباب ..نفس التي كان يجلس عليها حين دلفت بتلك القوة إلى المكتب ..
أجلسها برفق .. و في داخله يتعجب من قلقه عليها ..
في حين لا تعلم هي أنها على وشك أن تتناثر شظايا بعد لحظات ..!
جلس قربها بهدوء .. ليميل إلى الأمام مسندا كوعيه على ركبتيه .. و هو يعقد أنامله .. و الحاجبين ..
عينيها الواسعتين تتعلقان بفمه .. مترقبه ما قد يجود به من كلمات ..
فيما راح هو يمعن النظر لعينيها ..
لحظات أنسته وجود جدّه في المكان ..
ذاك الرجل الذي أدار ظهره لأحزانها .. لمجرد أنه لا يستطيع أن يحتملها فوق ألمه ..
حين تكلم .. شعر بأنه يقتلع الكلمات من روحه .. كيف لا .. و هي التي ستخدشها بعد قليل ..؟!
بدأ هادئا .. متزنا .. يحاول أن يمنحها الوقت لتستوعب هول ما هو قادم ..
- حور .. عميه حمد يوم كان عاده شباب .. في سنج تقريبا أو أكبر شويه .. الله بلاه بالرفقه الشينه .. و ربعه لي كان مخاويهم علموه عالشرب ..
بدت كالميتة .. و وجهها يشحب في صدمة .. مد يده بعتصر كفها النحيلة و هو يتابع ..
- أبويه سيف كان يعرف ان ولده سكير .. أكثر من مرة حاول انه يصلبه .. حبس و حبسه .. ظرب و ظربه .. حتى الدختر وداه .. لن هاييك الأيام ماشي مصحات إدمان .. بس ماشي نفعه .. الريال كان مدمن .. و الشرب غدى له الحياة .. كل لي سووه ما نفع وياه .. حتى خوانه حاولوا يساعدونه .. لكن ابوج ما كان يبا المساعده .. آخر شي ما كان فيه حل الا ان أبويه سيف يطرده من البيت ..
و سقطت دمعة على خدّها .. لكن هذه لم تكن نهاية القصة بعد .. تابع بنفس الصوت الهادئ .. و هو يعلم بأن أبوه سيف ينصت مثلها لهذه الحكايا ..
و يمعن غيث في غرز ذاك النصل القاسي و هو يتابع ..
- عقب ست شهور رد ابوج .. و قال انه ودر الخمر .. و ما يشرب .. و عقب تدخلات و واسطات عرب وايدين .. ابويه سيف سامح عميه حمد .. و رد عميه البيت .. و هاييك الأيام توفى يدي علي .. أخو ابويه سيف .. يعني عم أبوج .. و يدي علي كان عنده بنتين .. فاطمه العوده كانت ماخذه واحد من هل دبي .. و موزة لي تمت عقب عين ابوها و مالها حد ..!
تنهد من ثقل ما يشعر به .. و هو يحكي هذه القصة الغابرة بكل ما تحمله من مشاعرمؤلمة ..
- ابويه سيف بغى يتطمن ع بنت خوه .. و عرض ع بوج انه ييوزه موزة لن ابويه كان معرس هاييك الأيام .. منها يطمن ع بنت أخوه و منها يستقر أبوج .. و ينصلح حاله عقب ما كانوا يخافون انه يرد للضياع لولي ..! ابوج وافق .. و ملك ع البنية .. واتفقوا يسوون العرس عقب كم شهر .. لكن البليّه ان عميه حمد رد للخمر قبل العرس بكم شهر ..
كانت تهز رأسها بجنون رافضة كل هذا .. و دموعها تغرق وجهها المصوم ..
علم أنه حطّم قلبها و هي لم تسمع شيئا بعد ..
صوتها الهامس كان ينكر كل ما تسمع و هي تردد ..
- انته شوه تقول .. شوه تخرف ..! ابويه .. ابويه كان يصلي .. و يصوم .. ابويه لي صاننا و علّمنا أمور الدين .. كيف تقول انه سكير .. و راعي خمر .. كيف ..!!
و نشجت بقوة ..
أراد أن يحتضنها قليلا ليخفف شيئا من مواجعها .. و لكنه بحاجة لانهاء هذه الحكاية أولا ..
لذلك تابع بصوتٍ هادئ .. علم أنها تصغي إليه رغم شهقاتها المتألمة ..
- ما كان في ايد بويه سيف شي .. و فكّر انه يتمم الزواج .. و انه ابوج يمكن يعقل عقب العرس .. لكن قبل العرس بيومين .. استوت ظرابة بين أبويه سيف و عميه حمد .. و انقال كلام وايد في هاييك الليلة ..
تنهد ببطء ..
و هو يشعر بخيط من الحزن امتد ليربطه بأباه سيف ..
ذاك الرجل الذي ضمه تحت جناحه لسنوات ..
ليتمم غيث حديثه ..
- عميه حمد طلّق موزة و هي حاضره و قدام عين بويه سيف لي راغه من البيت ..لكن ابوج ما طاع يظهر .. و شل الفرد و رفعه في ويه أبويه سيف .. عقبها .. شل الفلوس لي كانت في التجوري .. ما كانت وايده .. لكن مدة ايده على حق الغير .. كسرت كل شي طيب في النفوس .. و ظهر ابوج من البيت .. عقب ما كسر قلب أمّه .. و عين أبوه .. و وطى راسهم في القاع ..
كانت تغطي وجهها الباكي بمرارة ..
ليقول غيث بهدوء .. الجزئية الأهم من كل هذا .. و الذي عليها أن تفهمها ..
- عقب هالسالفة بخمس شهور .. موزة بنت علي عرّست ..
ارتجف صوتها و هي تقول شيئا .. كان أقرب للسؤال في عينيها الحمراوين .. لذلك أدنى رأسه منها .. ليسمعها تعيد الجملة بصوتٍ مهتز ..
- عميه مطر ..؟
اتسعت عيناه بذهول .. هل أخبرها أحد ما بهذا ..؟!
- هيه .. خذها عميه مطر .. و يابت له بنت وحدة و توفت الله يرحمها ..و عقب ما توفت بسنة .. رد أبوج .. كان متغيّر .. و تايب .. و ريّال هداه ربيه .. و زيّن له طريق الصلاح .. لكنه يوم رد .. عدها النفوس ما طابت من جروحه .. و اللحظة لي شبّر فيها من الباب .. تقابلوا هو و أبويه سيف .. و الرمسة لي تنقالت امبينهم كانت ثقيلة .. و انطرد أبوج من بيته للمرة الثالثة .. بس عقب هالطردة مارد .. عزّت عليه نفسه .. و هو ريال راعي كرامة انه يرد مرة و مرتين و يعتذر من ابوه و الا يراضيه .. و ابويه سيف حتى و هو يعرف انه تغيّر .. زين له الكبر رفعة الراس .. و ما هانت عليه كرامته انه يراضي ولده و هو غلطان ..
سحب نفسا عميقا و هو يقول جملته التالية بألم أتعسه هو ..
- خمس و عشرين سنه خطفت .. و كل واحد منهم يكابر روحته للثاني .. و الا شوقه له .. و مرت سنينهم .. و راح الوقت عليهم ..
نظر لوجهها المحمر .. و هي تشهق بلوعة إثر تلك الحكاية الفظيعة ..
يعلم أن أكثر ما يؤلمها هو تحطّم صورة ذاك الكبير في عينها و تهشّم البرواز الذي أحاطت به عنفوانه لسنوات ..
و مدرك بأن أكثر ما يمزقها هو أن تجد فجأة بأن أباها كان بهذا السوء ..!
و كأنما تؤكد له ما فكّر به .. أتى صوتها الباكي ممزوجا بنشيجها المحطم ..
- ما صدق .. ابويه ..! ابويه أنا ..كيف .. كيف استوى كل هذا .. ذنب منوه .. ذنبه و الا ذنب أبوه .. كيف ابويه المسلم .. المصلي .. الصايم .. يشرب .. و يرفع فرد في ويه أبويه .. و يكسر قلب أمه .. و يذل بنت عمّه لي ما تبى غير الستر .. لييش ..!! ليش ابويه سوى كذييييه ..
ثم تأوهت بوجع ..
- آآآه يا ربييييييه .. ليتني مت قبل لا أسمع هالسالفة و أعرف كل هذا .. ليتني مت ..
أخفض صوته .. ليصلها بعنايه .. و هو يحيط كتفها بذراعه ..
- حور .. ! تعوذي من ابليس .. كلنا نغلط .. انتي .. وأنا .. محد معصوم الا الله سبحانه و تعالى .. ابوج بعد ياه يوم و غلط .. يمكن كان غلطه كبير .. بس بيتم غلط .. و هو بشر .. شوه تتوقعين منه .. الكمال ..؟ محد كامل الا رب العالمين .. و عقب عرف انه غلطان .. و تاب .. لكن الوقت كان متأخر .. أو انه استعيل في ردته و لي سواه عاد ذكره حاظر .. اذا كان الله تاب عليه .. و سامحه .. و أنعم عليه بعيشه هو كان راضي بها لآخر يوم فحياته .. ليش انتي تعترضين ..؟
ثم أردف بقوة جازمة ..
- ليش تنسين حقيقة الريّال لي ربّاج .. و لي شقا عسب ييب لج لقمة العيش .. علّمج الصلاة .. و لبّسج الشيلة .. ليش تنسين كل لي عرفتيه من يابج الين اليوم .. بس لنه مر عليه وقت كان فيه ظال .. ثم اهتدى ..؟! بس يا حور .. لا تظلمين أبوج الحين و هو وسط قبره .. و تنكرين كل لي كانه في حياتج .. عسبة طيش باب انتهى من سنين ..و قبل لا تنولدين حتى ..!
لم يعد الآن يرى أي داعٍ لتلك الإنشات الذي تفصله عن إحتوائها ..
لذلك ضمّها بقوة على صدره .. شعر برأسها يستكين في تجويف كتفه العريض و هو شدّها براحة ..
- انتي ظلمتي ابويه سيف بعد .. لن الريّال لي يصد كلما شافكم .. ما يبا يروغكم من البيت مثل ما راغ أبوكم.. لكنه ما يبا يشوف اللوم في عيونكم ع السنين اللي ضيّعها و هو متكبّر عقب ما رد ولده لي ياي يبا يمد الوصل بينه و بينهم .. ما يبا يتذكر انه لو ما رفض الصلح و ما طرد أبوج هذاك اليوم .. كان ما مات الا و هو بينهم .. هب اروحه .. و مقطوع من سنين ..
ثم أبعدها حين شعر بأنها أكثر هدوءً .. لا زالت ترتعش نعم .. لكنها أفضل حالا الآن ..
احتضن وجهها بين يديه .. و اقترب منها .. ليهمس أمامها بصدق ..
- دوم كان ابويه سيف مشتاق لبوج .. و يباه يرد .. و ياخذه فحضنه و يعوضون لي راح .. و أكبر دليل ع هالشي انه هو لي قاليه عنج .. و طلبنيه أخطبج .. كان يبا أي شي يقربه من حمد .. مثل ما كان ابوج يبا القرب يوم وافق ..
ثم دفن أصابعه في شعرها المنزلق و هو يحظّها بخفوت ..
- روحي له .. شوفيه .. لا تضيعين الوقت لي ضيّعه أبوج .. اكسري كبر هالريّال .. و بتلقين داخله عوق شايب .. ضيع ولده .. قبل لا يصفون خواطرهم قدا بعض ..
كانت عينيها المبتلتين غير مفهومتين .. و رغم الألم الشديد الذي يعتلي وجهها إلى أنها تحركت طواعيه حين ساعدها على الوقوف ..
ليدفعها خطوة إلى الأمام ..
خطوة واحدة فقط ساعدها في تقدمها .. ليتركها على رأس ذاك الطريق ..
ثم يترك المكان لها ..
و لروحها الإختيار ..
عليها أن تقطع المسافة تلك وحدها ..!
و أمام ظهر ذاك الكرسي الجلدي الأسود ..
بدت السنوات القاطعة .. الفاصلة ..
واهنة للغاية .. و لا تعني شيئا ..
مجرد وقتٍ ضائع .. تخبّطوا فيه بحيرة ..
كلن منهم ينتظر أن يقدم الآخر على الخطوة الأولى الذي تنهي شتاتهم ..
لكن أحدا لم يخطوها ..
و لن تضيّع هي وقتها في انتظار خطوة ما ..
لذلك ساقت روحها قبل الأقدام ..
تحفر لحظاتها هذه على أرض الحجرة .. لتعود لاحقا .. و تشهد هذا الإنكسار في الذاكرة .. مراتٍ و مرات ..!
أمامه مباشرة تقف .. يفسد الرؤية بحر ساخن من تلك الدموع ..
و مع انهمارها على خدّها .. وجدت نفسها تسقط على ركبتيها ..
لتنحني على ركبته .. لم تنتظر منه قبولا أو تشجيعا ..
لا تعلم ان كان يكره قربها أو لا ..
و لا يهمها حقا ما قد يشعر به ..
فقط تحني رأسها لتدفنه في ركبته ..
و تنفجر باكية ..
دموعها تسيل أنهارا .. و صوتها يرتفع بشهقات طفلة وجدت شيئا كانت تبحث عنه يوما ..
راحت تبكي .. و تبكي .. و تبكي ..
أغرقت ركبته مرارتها ..
بكت موت أباها و هي تشعر بأنه مات للتو .. بكت وحدته تلك التي كان بالإمكان ملئها ..
بكت روح هذا العجوز و زوجته .. و الألم المقيت الذي سيحمله في قلبه حتى يموت ..
و بكت نفسها ..
كم كانت تتوق لهذا البكاء ..!
راحت تذرف كل أحزانها .. و ضياعها و المرارة ..
كل شيء تسكبه هنا .. لأنها لن تتجاوز مخرج هذه الغرفة .. الا وقد لفظت آخر أنفاس كل حقدٍ و كراهية .. قد حوتها روحها يوما ..!
و لتزيد الدموع غسيل روحها .. حين شعرت بثقل تلك الراحة تمتد لترتاح على رأسها .. تمسح ببطء شديد ..
.
.
كانت هذه هي الخطوة الأولى ..
هذا ما أدركته و هي ترفع عينها لوجهه المجعد ..
فترى شموخ تلك العينين يذوب ملوحةً على خديه ..
عندها ارتمت بقوة بين ذراعيه الواهنتين .. تلك اللتان طوّقتاها بتردد حزين ..
معلنة أنها نهايةً لشيء ما ..
و بدايةً لشيء آخر ..!

* * * * *
* قال السراب / للبدر ،،
** مقال أحرف إباحية / بقلمي ..




(( نهاية الخطوة الثامنة عشر ،،
ألقاكم بإذن الله بعد أسبوعين في الخطوة المقبلة
قراءة ممتعة لكم ..))

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة زارا ; 06-05-08 الساعة 07:52 PM
عرض البوم صور زارا  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:54 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية