كاتب الموضوع :
زارا
المنتدى :
الارشيف
► الخطـــــــــــــــوة الثالثـــــــــــــــــــة و الثلاثـــــــــــــــــــون◄
║ خطوات نحو المصير ،،║
يرعبنا الفقد ..!
كلما تذكّرنا بأنه دانٍ منا بشكلٍ مرعب ..
قد يباغتنا في أي منعطف .. ليفطر قلوبنا ..
أولئك الذين تجرّعوا مرارته ..
لن تسعف الكلمات أوجاعهم السرمدية ..
و لن تطفئ سعيرا يخلّفه تلاشي فردٍ عزيز .. لتملأ حرارته فجوة في الروح ..
تقتل ..!!
وحده الله من يمنحنا الصبر و السلوان ..
و وحده يجمعنا بأولئك الذين مضوا .. يرتقبون أن نتبعهم يوما ..
لنقف هنا .. صمتا لثوانٍ ..
نتلقف وشائج الحزن الأسود مرة أخرى ..
لأختٍ قريبة ..
ثوانٍ إخوتي ،،
فانخراطنا في مشاركة الأحبة أحزانهم .. قد يحمل عنهم وزرا ..!
"L7'9t '3ram"
أفجعنا مصابكم أخيّة ،،
لروح أمك سلامٌ و رحمة من ربّ العالمين ..
غفر الله لها و أسكنها فسيح جناته ..
.
.
.
(( اللهم أغفر لها وأرحمها وعافها و أعفوا عنها , وأكرم نزلها ووسع مدخلها
وأغسلها بالماء والثلج والبرد , ونقها من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيضُ
من الدنس , اللهم أوسع عليها قبرها, وفرش قبرها من فراش الجنة ,
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرةً من حفر النارِ يا رب العالمين , اللهم أبدلها داراً خيراً من دارها وأهلاً خيراً من أهلها وزوجاً خيراً من زوجها , وأدخلها الجنة وأعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار .
اللهم عاملها بما أنت أهله ولا تعاملها بما هي أهله , اللهم أجزها عن الإحسان إحساناً وعن الإساءةِ عفواً وغفراناً .
اللهم إن كانت محسنةً فزدها في حسناتها وإن كانت مسيئةً فتجاوز عنها يا رب العالمين .
اللهم أدخلها الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقةِ عذاب , اللهم آنسها في وحدتها
وآنسها في وحشتها وآنسها في غربتها , اللهم أنزلها منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين .
اللهم أنزلها منازل الصديقين الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً , اللهم أعذها
من عذاب القبر وجاف الأرض عن جنبيها , اللهم املأ قبرها بالرضا والنور والفسحةِ
والسرور , اللهم قِها السيئات ( ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ) , اللهم إنها في ذمتك وحبل جوارك فقِها فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر لها وارحمها إنك أنت الغفور الرحيم , اللهم اغفر لها في المهديين واخلفها في عقبها في الغابرين واغفر لنا ولها يا رب العالمين وأفسح لها في قبرها ونور لها فيها ,
اللهم إن هذه عبدتك وابنة عبدك وابن أمتك خرجت من روح الدنيا وسعتها ومحبوبيها وأحبائها فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيها , كانت تشهدُ ألا إلها إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلم بها , اللهم إنها تنزل بك وأنت خير منزولٌ بها وأصبحت فقيرةً إلى رحمتك وأنت غنيٌ عن عذابها آتها برحمتك رضاك وقها فتنة القبر وعذابها وآتها برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثها إلى جنتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أنقلها من مواطن الدود وضيق اللحود إلى جنات الخلود ,اللهم ارحمها تحت الأرض واسترها يوم العرض ولا تخزها يوم يبعثون , اللهم يمن كتابها ويسر حسابها وثقل بالحسنات ميزانها وثبت على الصراط أقدامها وأسكنها في أعلى الجنات في جوار نبيك ومصطفاك .
اللهم اجعل عن يمينها نوراً وعن شمالها نوراً ومن أمامها نوراً ومن فوقها نوراً حتى تبعثها آمنةً مطمئنةً في نورِ من نورك , اللهم انظر إليها نظرة رضا فإن من تنظر إليه نظرة رضا لا تعذبه أبداً , اللهم أسكنها فسيح الجنان واغفر لها يا رحمن , اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم فإنك أنت الله الأعز الأكرم .. اللهم اعف عنها فإنك أنت القائل ( ويعفوا عن كثير ) .
اللهم إنها جاءت ببابك وأناخت بجنابك , فجد عليها بعفوك وإكرامك وجودك وإحسانك ,
اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء وهو شيء فارحمها رحمةً تطمئن بها نفسها وتَقَر بها عينها .
اللهم احشرها مع المتقين إلى الرحمن وفدا , اللهم احشرها في زمرة المقربين وبشرها بروحِ وريحان وجنة نعيم , اللهم احشرها مع أصحاب اليمين واجعل تحيتها سلام لك من أصحاب اليمين.
اللهم بشرها بقولك ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) , اللهم اجعلها من ( الذين سُعدوا ففي الجنةِ خالدين فيها مادامت السموات والأرض ) , اللهم لا نزكيها عليك ولكنا نحسب أنها آمنت وعملت صالحاً فاجعل لها جزاء الضعف بما عملت واجعلها في الغرفات من الآمنين , اللهم إنها خافت مقامك فاجعل لها جنتين ذواتى أفنان بحق قولك ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) , اللهم إنها صبرت على البلاء فلم تجزع فامنحها درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب فأنت القائل ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) , اللهم إنها كانت مصليةً فثبتها على الصراط يوم تزل الأقدام , اللهم إنها كانت لك صائمةً فأدخلها الجنةَ من باب الريان , اللهم إنها كانت لكتابك تاليةً فشفع فيها القرآن وارحمها يا رحمن من النيرآن واجعلها يا رحمن ترتقي في الجنة إلى آخر آية قرأتها وآخر حرفٍ تلته . اللهم ارزقها بكل حرفٍ من القرآن حلاوة وبكل كلمةٍ كرامة وبكل آيةٍ سعادة وبكل سورةٍ سلامة وبكل جزءٍ جزاء.
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان , سبحان ربك رب العزةِ عن ما يصفون وسلامٌ على المرسلين , والحمد لله رب العالمين , وصلى اللهم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا
.
.
أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ..
إنا لله و إن إليه راجعون ))
* * * * *
هوت المغرفة المحمّلة بالرز العبق برائحة زكيّة على صحنها .. لتخترق الرائحة خياشيمها .. فتنكمش نفسها تلقائيا ..
ترفع عينيها لأمها بتوسّل مهزوز ..
- أمــــااايه .. بس فديتج .. منوه بياكل كل هذا ..؟!
عقدت عذيجة حاجبيها .. و هي تقرب صحن السلطة من ابنتها بالرضاع .. تحثها بحزم ..
- محد غيرج بياكله .. يا الله أشوف .. انتي من يوم ييتينا و انا عيشتج هب عايبتنيه .. ما غديتي بهالضعف في هالشهر الا من قل العيشة .. كلي .. الحين انتي ما تاكلين عن عمرج .. في داخلج روح تسألين عنها .. كلي تعزين عمرج .. و الا هلكج الحمال ..
انكمشت ملامحها تشيح بها عن مغرفة اللحم الطري الذي ارتفعت بيد أمها مرة أخرى ..
- لحم لاا .. ماااابااه .. أحسه ع كبدي .. باكل عيش و سلطة ..
عقدت عذيجة حاجبها تتساءل بلهفة ..
- تبينه شِوِي فديتج ..؟
لوحت حور بيدها بسرعة .. تزدرد لقمة صغيرة كانت قد حشرتها رغما عن نفسها في فمها الموصد ..
- لا شِوِي و لا مطبوخ .. ما صونه فديت روحج ..
قطبت عذيجة باستياء ..
- انتي تشربين الحبوب اللي يبتيها ..؟ مالت اللواع ..؟
أومأت حور برأسها و هي تحرّك يدها في الصحن دون أن تلتقط شيئا منه ..
- هيه .. أشربهن .. ما سون شي ..
لانت ملامح أمها بشفقة ..
- ما عليه يا أميه صبرج .. قزري هالشهرين .. و بيروح هالغثا كله .. لكن لا تراوين عمرج .. كل ما حسيتي انج بتعيفين العيشة .. رصي عمرج عليها .. و الا بتنقطع شهيتج ..
هزّت حور رأسها بهدوء ..
- ان شا الله ..
ثم رفعت ذبول عينيها .. تتساءل ..
- وديمة ما اتصلت بج ..؟ ما يات اليوم .!
تصب عذيجة كأسا من اللبن لتدنيه من ابنتها ..
- عمتها بتتغدا عندهم اليوم .. يمكن تويّه العصر صوبنا لو ظهر ريلها ..
و التقطت حور الكوب الزجاجي المترع .. لتضعه جانبا .. فيما تواصل عذيجة بنظرة حذرة ..
- البارح رقدتي بدري يميه .. !!
أومأت حور بجبين معقود تتذكر الأمس ..
- فديتج .. عقب العشا .. ما قر شي فبطنيه .. كل اللي كلته ظهر من عيونيه .. و حسيت عظاميه ما تشلنيه .. الله يغربل هاللوعة.. مادري متى بفتك منها ..
ازدردت عذيجة لقمة من تحت برقعها .. لتقول بهدوء ..
- الوحام يا أميه .. لكن بيروح ويا الوقت .. اسمعي فديتج ..عقب مارقدتي يا ريلج ..
و اعتصرت قبضة مرّة قلبها الغض .. لتهتز يدها .. و تعيد القمة إلى الصحن ..
ذكره فقط .. يطلق أمواجا هائجا في نواحيها.. تتصادم على شفير المآقي .. و رجفة الشفتين ..!
.
.
حبيبي والطعون الي تجي من خنجرك خيرة ..
لان الجرح ياخذ هيبتة من هيبة الجاني ،،
تعبت وكل ذنب بغيبتك ماتت معاذيرة ...
مثل ما كنت مسرف بالعطايا وانت حرماني ،،*
.
.
لم تجرؤ على رفع عينيها ..
لم تشأ أن تشهد أمها انكساراتٍ .. و مشاعر شاذة قد تناقض جرحها ..
نبضاتها الثقيلة .. التي بدأت بطيئة .. راحت تدوي بقوة و عنف ..
و هاج شيءٌ غابر في داخلها ..
ابتلعت احساسها الصارخ و هي تستتر بثقل أجفانها متسائلة بهمس ..
- شوه يبا ..؟
تنهدت عذيجة ..
- شوه يبى بعد .. يبى يشوفج ..!!
أشاحت بوجهها بعيدا دون أن ترد على هذه الاشارة الواضحة ..
حركت عذيجة برقعها قليلا و هي تقول بصوتها العميق ..
- حور يا اميه ما يستوي كذيه .. الريال كل ما يبا يشوفج انتي معيية .. كيف بتتفاهمون ..؟ رمسيه فديتج شوفيه ..
عقدت حور جبينها و بصرها يلتصق بالصحن ..
فيما الألم يتضخّم داخلها و ينفخ قلبها ..
هذا ما لن تفعله ..
لن تراه ..
لن تفعل و لو جرّت إليه جرا ..
ستفقأ عين الشعور لتعميه عن الشوق إليه ..
ما يلهبها ..
و يزيدها احتقارا لنفسها ..
هو الوله الخفي الذي تطمس معالمه في مآقيها .. كي لا يفضحها أمامهم ..
و يعلمهم .. أي حمقاءٍ و عبدةٍ لأحاسيسها استحالت ..
رباه ..!
لا يمكن أن تكون مهووسة .. أو مريضة ماسوشية ..!
لتشتاق إلى رجلٍ لم يتقن سوى امتهانها ..
رجلٌ له قلب قد من حجر ..
ملؤه قسوة باردة ..
ذاك الذي أهداها في كل لحظة معه .. ثقبا لا يرتق في فؤادها ..
و لا زالت تحمل ندوب أفعاله في روحها ..
ذاك الرّجل الذي ارتحلت من بيته تجرجر أشلائها .. ينهكها الحنين لتتلاشى مرّة أخيرة بين يديه ..
أو يحملها الزمن مرتدا بها لعهد العتبات الضيّقة الغابرة ..
حيث مارس خداعه سرّا على قلبها .. و غرر بقلبها ..
و أهداها حبّا كاذبا ..
هي الساذجة لا زالت تتلهف لعودة تلك الأمسيات ..
و يعتصر روحها شوق مؤلم .. حين تفتش أنفاسها وسادة تخلو من رائحته ..
رغم هذا لن تجرؤ ..
و لا تتخيل حتى أنها قد تقدر على مواجهته .. بعد الدمار الذي أحالها له ..
و تساءلت للمرة المليون عمّا قد يحمل في جعبته مثل هذا الرجل ..؟!
ما الذي يريده ..؟!
ألم ينهي هو الحكاية ..
بصفعةٍ على السطر .. و انتهى ..؟!
أ لم يدر لوجعها و انكسارها ظهره ..؟
أ لم يدس على الحقيقة الفجة أمام عينيه .. حين نشرت غباءها أخيرا أمامه .. لتعترف أخيرا بأنه نجح في التغرير بها ..
و أن غدرها لم يكن سوى وخزة شوكٍ بائسة أمام نصل السيف الذي نحرها ..؟!
ربما زاره احساس متأخر بالذنب ..؟
أو أتى ليعيدها إلى مدار أملاكه ..
أ و ليست هي حق مسجّل له ..؟
لا تخطئ احساسه المتملك ناحيتها ..
هو الذي لا يفرط مطلقا بما يخصه ..
فما باله بزوجةٍ تحمل طفلا منه الآن ..؟!
ان كان مراده أن يأتِ متبجحا لاستعادتها .. ظنا منه أنه قادرا على ليّ رقبتها مجددا ..
فهو مخطئ ..
ولّى دهر الذل منذ تلك الليلة ..
هي الآن لبوة تنتفض ..
لن تقبل إلا أن تلملم حطامها بعيدا عنه .. بعد أن يطلق سراحها بعيدا عن سياط قسوته التي لا ترحم ..!
.
.
و تداركت اصبعها دمعة انزلقت فيما تدفع يدها الأخرى صحن الطعام بعيدا ..
و ارتجفت شفتيها و هي تكرر جملتها التي تتغنى بها منذ أسبوع ..
- أنا قلت لكم ما أبا أشوفه .. ما اباه ولا أبا منه شي غير ورقتيه .. غير هالرمسة ما عنديه ..
.
.
و كان أن اندست في خندقٍ تتلافى أي إمتدادٍ منه قد يثنيها خوفا .. أو طوعا لأحاسيسها ..
هي التي تعبت حد السقوط من عبثه بها ..
لن تطأ طريقا يقودها إليه لو كان في ذلك موتها ..!
* * * * *
أصابعه الطويلة القويّة تشتد على فنجان القهوة حتى توشك على تهشيمه ،،
عينيه الثاقبتين بنظراتها المتسلّطه .. المحاطتين بنقوش زحفت تسخر من قوّة فتية لا زالت تتشبث بنواحيه ..
كانت نظرته المتأمّلة تلتصق بالأرض ..
ما فعلته ابنة حمد كان طلقة نافذة .. أردته قتيلا ..
رغم مرور أسبوع على ذلك .. الا أن تلك الجمرة المتقدة في داخله لم تنطفئ ..
بل استمرّت في النبض يتلك الحرارة المحرقة .. في عمق روحه .. لتكزّه بوجعٍ لا يطاق ..
خيبة مُرّة أورثتها اياه .. بفعلتها تلك ..
أن تتجاهل وسع بيته و حماه لتلتجئ إلى ذاك الغريب .. كانت صفعه ثقيلة شجّت كرامته ..
و هو لن يغفر لها ذلك ..
لن يفعل ..
و منذ ذاك الوقت ..
رفع يده عن التدخل في أمرها ..
و لم يستطع منع نفسه من الانحياز لحفيده رغم قسوة ما فعل ..!
دحرج فنجان القهوة الفارغ على الأرضيّة اتجاه الصينية التي جلست عفرا ورائها منتصبة .. لتلتقط نظرته و هو يشير بيده ..
- بس ..
التقطت - دلّة - الشاي تنوي صب كأسٍ له .. لكنه استدرك رغبتها بالنهي مرّة أخرى ..
و هو يشعر بنظرات تلك الأخرى التي راحت تلوّح جانب وجهه ،،
دون أن يتوقّف لسانها عن التمتمة السينية للاستغفار .. و لا تنفك حبيبات المسبحة الطويلة عن الانهمار ..
كان ارتضائها لدخول ميعاد الى البيت شيئا كالسحر ..!
فاق كل توقعاته .. الا انه لم يخفف من المر الذي يملأ حلقه كلما استعاد فعلة حفيدته تلك ..
لذلك أتت الهمسة الخافتة من قِبل زوجته .. مهيّجة .. لمشاعره المحتدة .. و لهجته الباردة الكريهة التي لم تعد تفارقه مؤخرا ..
- بو علي .. وين غيث ..؟!عديبه من أمس في الليل هو سار مكان ..؟!
رفع عينيه الجليديتين يقول بجفاءٍ بارد ..
- مشغول الريال .. ما بين شركته و العزبة و البيت وين تبينه يسير .. ؟
رفعت عينيها بأمل .. و صوتها ينخفض أكثر .. و هي تلتمس جوابا لما يشغل قلبها ..
- ما سار صوب حرمته يردها ..!!
رفع الجد عينيه اتجاه عفرا .. كي لا يرى الأنوار تردم في عيني امرأته بعد قليل ..
- مادري به .. انا هب راعي فيه و الا في حرمته ..
اهتز الأمل في صوتها و هي تقول بخيبة ..
- ما نشدته شوه امبينهم ..؟؟ كاد ربك نطيب خاطرها و نردها ..؟! أنا رمستاا .. لكن ما طاعت اتقوليه شي ..!!
هذا أفضل ..!
سيخيب بكِ الظن ان علمتِ ان ذاك الرجل الذي أنشأتِ قد آذى ابنة حمد العزيز ..!
تساند و هو يقف على قدميه .. و لا شيء من أفكاره قد يظهر على وجهه المتيبس الملامح ..
- برايهم .. كل واحد أدرى بعمره و بهله.. انا بويه صوب العزبه .. لو شفته خليته يخطف عليج .. و انتي خذي علومه ..
تنهدت بهدوء تستسلم لتجاهله .. و هي تومئ بموافقة ..
- الله يحفظك ..
و راقبت قامته العريضة تبتعد حتى اختفت عن عينيها ..
فيما ضجة من الممر المودي إلى الجناح الشرقي .. لفتت انتباهها ..
لتنتصب نظراتها تجاه تلك القادمة تدفع كرسيّها ببطء ..
فتنتكس عينيها لحبيبات المسبحة التي ارتعشت بوجعٍ انبثق من عمق قلبها ..
ذاك الوجع الذي يخز روحها .. و ينخر قلبها العتيق .. كلما طالت النظرات وجه تلك الشابة لتذكرها بصفعة زوجها الدامية ..
و خيانته التي لا تغتفر ..
و بهدوء أسدلته على جراحها .. رفعت رأسها دون أن تفارق عينيها الأرض أو تلتقط شرود عفرا الكئيب و هي تناديها ..
- عفرا يا أميه .. نشي فديتج .. ودينيه حجرتيه ..
أبدا لن تجلس يوما على متّكأ من صبرٍ لا تملكه لتشاهد بعين الانكسار مغبّة فعلته ..
سيقتلها ذلك ..!
.
.
.
.
و توقّفت هي عن التقدّم ما ان رأت الجسد الضئيل يتساند بضعف ليقف على قدمين ..
و يتقدم بخطواتٍ واهنة بمساعدة عفرا .. في الاتجاه المعاكس ..
تراقب نفور تلك الكبيرة .. و حزنٌ جاف .. يجتاح نواحيها ..
الرفض هو ما يقابلها مذ قدمت إلى هنا ..
كادت الفرحة أن توقف قلبها حين علمت من غيث بأنها على وشك الانتقال إلى أحضان العائلة .. رغم الظروف التي يمرون بها في غياب حور ..
الا أنها الآن تدرك بأن ذاك القبول لم يأتِ من رضا ..
لم يأتِ سوى فرض رأيٍ ربما مارسه غيث على جدّته ليجبرها على تقبلها هي ..!
و ها هي تشهد ذات التجاهل الذي شهدته عشرات المرات منذ قدومها ..
ما يدفعها لالتزام حجرتها ..
و اعتكاف حزنها و الصمت ..
بعيدا عن أعينٍ لا تريدها ..
أو أعينٍ لا تهتم ..!
* * * * *
غليان من غضب أسود استمر في التفاقم بين أضلاعه ..
و نيران في أحشاءه تتقد ..
إلا أن ثبات الواجهه لم يهتز أبدا ..
ملامح وجهه الأسمر منحوتة من صخر ،، و هو يتلقّى توبيخ والده .. مفكرا بأنه اجتاز العمر الذي يعلّمه في أصول الحياة منذ عقود ..
صوت علي يرتد عن جدران المجلس و هو يقول بغضب ،،
- معلوم ما بطيع ترد .. ثره لي سويته شويّه .. سود الله ويهك .. تظرررب بنت عمك يا المعثور ..؟؟ متعنتر على هالمسكينة الضعيفة ..؟!
حامد الذي كان يعقد ذراعيه بهدوء أمام صدره .. أيّد والده قائلا ..
- يوم ان ما وراها ظهر طالع منها .. لكن و الله لو ان حد لمس شعره من خواته .. كان دفنه في مكانه .. بس هالضعيفة ما لقت حد يردّه عنها ..
أكثر ما يكره أن يصبح ما بينهما في متناول انتقادات الجميع ..!
نظرة ناريّة محتقرة صوّبها غيث لحامد و هو يقول ببرود قاتل ..
- انته تلم ثمك .. لا تندفن صدق هنيه .. الشي لي ما يخصّك لا تتدخل به .. ايلس و انته ساكت ..
ثم نظر لوالده يلتقط احتراق نظرته .. ليرد على غضبه بذات البرود المترفّع الذي لا يعكس جحيما متقدا يتقلّب عليه احساسه ..
- رمستك ع العين و ع الراس .. لكن لي بينيه و بين حرمتيه محد له دخل فيه .. مشاكل و نحن بنصفيها ..
صرخ علي بصوتٍ مجلل .. و برود ابنه الأكبر يستفزه كثيرا ..
- يوم انها بتعطيك الفرصة و الا بتقابل ويهك عقب سواتك ..
تكلم غيث من بين أسنانه و والده يمس باصبعٍ مالح طراوة جرحه فيخزّه ألما ..
- انتو اطلعوا منها .. و هي عامرة ..
كاد علي يشدّ شعره بقهر .. و هو يقول بغيظٍ تجلى في ملامحه ..
- ليش نحن لي خربناها ..؟! نحن لي صطرنا بنت عمك الين شردت تتعون بالغريب ..؟ عايبتنك سواياك .. و يلستاا فبيت سلطااان ..؟ فضحتنا فيها بين العرب .. وين اللي يقول بيردها عقب يومين ..؟ باكر عرس خوانك .. و اللي مايدري .. بيدري ..
الحريق الذي سرى في عروقه و راح يلتهم ثباته البارد ببطء .. لم يسعفه في التماسك كثيرا ..
كان يسكنه غضبٌ اذا فتح الأبواب أمامه .. أحرقهم ..!
لذلك ارتد صوته مرتفعا دون تماسك و هو يهب واقفا..
- يدرووون و الا في اللعنة .. محد له عندي شي ..
و في رد فعل سريع التقط علي فنجان القهوة شبه الفارغ القابع أمامه ليقذفه بقوة اتجاه ابنه الأكبر .. فيرتطم بصدره .. و يرتد إلى الأرض بوقعٍ مكتوم على السجّادة ،،
عرقٌ بارز نبض في صدغ غيث الذي اسودّ وجهه و والده يقف على قدميه صارخا بغضب ..
- سوّد ويهك يا الهرم .. عنبو ذا اللحية اللي هب على ريال .. ترفع صوتك على ابووك ..؟!
ببطءٍ انحدرت عيناه لصدره يتأمل لطخة بقايا القهوة السوداء على صدر ثوبه الأبيض ..
صرّ على أسنانه .. و قهر عظيم يجثم على أنفاسه ..
و يمسك بخناقه ،،
و كأن الألم و الندم الذي ينهشه لا يكفيه .. ليبدي كل واحدٍ منهم تعصبه و استياءه ..
أ و يظنون انه حقا لا يكترث ..
هو الذي يدس في أقاصي روحه تفاصيل معاناته الخفية .. لن يدركوا يوما .. أي جمرٍ يبتلع في صمت ..!
الآن اختناق موجع راح يضغط على صدره .. ليرفع عينيه الضيقتين نحو والده .. دون أن يملك ردا ..
و ملايين الأحاسيس الكريهة تتزاحم في داخله .. شعر بأنه قد ينفجر .. ليحرق ما حوله ان لم يخرج الآن ..
فلم يجد بدا من ادارة ظهره لوسع مجلس أبيه .. و يتوجه نحو الباب .. فيما سيل من السباب الساخط يلاحقه .. ليلسع قفاه بقسوة ..
- ما خرّبك و كبر راسك الا ابوك سيف .. العرب هب عبيد عندك .. ما تحشّم حد .. و لا تعرف قدر غيرك ..
و بدأ صوت أبيه يذوي و هو يتجاوز باب المجلس ..
- شرررد .. هاا اللي فاالح فيه .. كل مااا عارضت رمسة هواااك .. عطيتها مقفاااك .. الدنيااا هب على شووورك .. و انته لو ...........
و أغمض عينيه بضيق كاسح .. يتوجّه إلى سيارته ..
شمس العصر الذاوية التي راحت تميل بتكاسل للغرب .. زادت أحاسيسه احتراقا ..
و يمتلئ هو ببطء .. غضبا .. و ضيقا .. و وجعا خفيا .. تستره ملامحه الصلبة ..
أي ثقبٍ قد ينفتئ .. سيفجّر كل ما فيه من جنون ..
دس جسده الفارع خلف مقود سيارته و هو يديرها .. صافقا الباب بقوة ..
يديه القويتين تعتصر المقود .. و هو يضغط على دواسة الوقود بشدّة ..
فتطلق الاطارات صراخا مجنونا .. تعترض على السرعة المفاجئة ..
يطوي المسافات بها في انحرافاتٍ مفزعة .. و يده اليسرى وحدها التي تتحكم بالمقود ..
يلتقط بيمينه علبة السجائر ليستل واحدة .. و يدسها في فمه ..
يقضم طرفها .. و هو يشعلها على عجل .. ثم يجر نفسا دخانيا طويلا ليخنق به أحاسيسه ..
يحتبسه لثوانٍ في رئتيه قبل ان يزفره محملا بالهم .. ليتلاشى في جو السيارة ..
لو أن ما يملأ صدره يخرج ببساطة هذا الدخان ليتبخر في الهواء فقط ..!!
و انحرف بعنف في منعطف آخر .. و هتاف المآذن يدعو لصلاة المغرب يتسلل من الفرجة الضيقة التي كشفتها نافذته لتخرج الدخان ..
أخذ منعطفا آخر يوصله للمسجد القريب من بيته ،، حيث اعتاد أن يصلي ..
ما ان لاح له هيكل البناء الضخم بمئذنته العملاقة .. حتى هدأت أنفاس سيارته ،،
و هي تتباطئ ..
و كأنها تستحي أن تصرّ بغضبه تحت ظل مثل هذه البقاع الرحمانية ..
بهدوء ..يركن سيارته في الموقف .. ليرتجل .. ملقيا عقب السيجارة الطازج .. يدهس رأسه المشتعل بطرف حذاءه الثقيل ..
و هو يطلق نفسا أخيرا من غبار الهم الذي ألقى توا ..
فيملأ به وجه البسيطة ..
صفق باب السيارة يتوجّه للمسجد بظهر بنوء تحت ثقل ما يحمل ..
زفراته تتلاحق دون توقّف ..
يرتقي السلّم و هو يرفع رأسه للزرقة الحائلة في السماء ..
و ملحمة شمسٍ تذبح في الأفق لا يلقي لها بالا ..
هناك عند الباب .. سيترك الهم في انتظاره .. يلتمس السلوى في صلاته ،،
ولج الحمام ليتوضّأ .. يجمع الماء بين كفّيه ليقذفه على وجهه .. يبلل أهدابه ..
و لحيته ..
و تتشربه روحه المتعبة ..
أسند كوعيه لحافة المغسلة .. و عينيه تضيقان على الماء المتدفق من الصنبور في شرود ..
و صور مجنونة تطفو أمام عينيه ..
.
.
.
.
غرست أظافرها في قبضته التي التفت على فكها .. لتتزيحها عن وجهها بقوة رفعت قبضتها الضعيفة لتضرب بها صدره و هي تصيح بحرقة .. مع التواء ملامحه بحقد شنيع ..
- عنلااااااااااتك .. بطلللللللل شعرييييييه يا الحقيييييييييييييير .. بطلللل أقوووووووولك .. هب عبدة أبوك .. ترفع صوتك عليه و تظربنيه .. آآآآآآآآآآآآآآه ..
زاغت عينيه بشكل مخيف أمام كلماته .. و قبضته تلتوي في شعرها حتى التوت رقبتها النحيلة ..
لا حيلة لها ..
لا قوة أمامه ..
حتى و هي تكبح دموعها ..
انبثق نبع من زاوية أجفانها التي أطبقتها بقوة أمام صوته العاتي الذي ضج في رأسها ..
- عبدتيه غصبن عن خشمج .. شريتج بفلوسيه يالـ×××××× .. دفعت فيج لي ما أدفعه في قاع .. تعرفين ليش ..؟ لنج ما تسوين ماطايه .. اتعرفين ليش خذتج ..؟ عسب أحطج عند اريوليه .. وين مكانج .. و ما اقبل في شيفتج الا لو بغيتج .. انتي سد حاية .. حالج حال البهيمة ..
كان يمسك بالكلمة .. و يهوي بها ليغرسها في صميمها ..
يمزّق وشائج كرامتها .. يهتك العنفوان الضئيل المتبقي لها ..
ليجذب نصلها بحدة .. و يعود ليهوي به في ذات الصميم الدامي ..
مرة تلو الأخرى ..
كلماته .. الإهانة .. اشمئزازه .. و الإحتقار ..
كراهيته المتجلّية هدّت قوّتها .. طحنت روحها بؤسا ..
و أنهارٌ تتفجر في جوفها مع كل كلمة ..
و هي تلوّح بكفّها الصغيرة .. لتلطم بها قسوة وجهه الخشن ..
تصفع إحتقاره ..
تجاهد لمسح الملامح الشيطانية السوداء المنحوتة في وجهه ..
جارحة هي كلماته تلك .. قتلتها ..
انفجر الوضع فجأة حين أطبق بيده على معصمها ليلوي يدها التي صفعته بقوة .. وراء ظهرها ..
فترتطم هشاشة جسدها بصلابة صدره مع صرخة حادة .. امتزجت بسيل الشتائم المنساب من بين شفتيه .. و عينيه اللتان جحظتا بهيجانٍ مجنون ..
دموعٌ صريحة ترافق شهقة مرتفعة انفجرت من حلقها و هي تصيح فيه ..
- أنا هب بهيمة عندك .. كل ما اشتهيت ييتنيه .. و لو عصبت نشعت شعريه .. يوم انك هب قاصر الا سد الحاية كان خذت حد من اللوث لي يمزرن الشوارع .. أنا أسواك و أسوى لي أحسن منك .. أسواااااك .. تسسسسسمع .. أناااا هب بهيييييمة .. هب بهييييـ ....
صوتها الذي كان ينحرف بانكسار مذلّ أوغل الوجع الذي تشعر به في أعماقها ..
لذلك جرّت نفسا معذّبا .. تقاوم النحيب الذي يملأ صدرها ..
لتتهدج بوجع قاتل ..
- أنااا اذاااا ما اسسسسوى شي .. فانته هب ريااااااال .. تسمعنييييييه .. تتعنطز عليه و انته تعرف انه ما عنديه لي يردك .. اتساوي بنت عمك بالخياس لي تشوفهن .. كل ماااا بغيييت اتهد عليه اتعذرت بفلوسك .. الفلووووووس هايييييك هب حقك .. حقيه .. و أقل منه .. لاااا اتسويليه فيها شريف و مخدوووع .. حتى انته قضيت لك حااايه من هالعرس .. هاي المريلة عندك ..؟؟!! تعررررف شووووه سوييييت ..؟؟!! انته كسرررت كل شيي فداااااخلي .. كسرتنيه .. و ذلييييتنيه .. كسرت فرحة العروس فيّه .. صرقت حقيه أكون شرا أي بنية في أول حياتااا .. حتى احساسي بالخجل حرمتنيييه منه .. خذييييت كل شي منيه ..اتعرف بشوووه حسييييت ..؟؟! شوووه ياااانيه ..؟؟ تبانيه أحس انيه رخيصة ..؟؟ما يحتاي .. لي سويته كفى و وفى .. اتقوووول بهييييمة ..!!! شاطر اتعنتر ع الحريم .. و اتظربهن ..
غرست نظراتها في حدقتيه و قبضته تتصلب مع جسده في شعرها ..
الدموع النازفة على جانبي وجهها لم تعد تبالي بها .. لو كان سعيدا بانكسارها .. فسيسعد أكثر ..
هي على استعدادٍ بأن تتوسله مقابل سمعتها ..
لذلك انكسر صوتها أمام ملامحه القاسية التي سكتت أمام انفجارها ..
و كأنه يجمع بين أنامله كل الإهانات التي تخدشه بها .. ليرشقها بها بعد قليل ..
- تباااا تظرب ..؟؟؟ اظرررررب .. يااا الله .. أنااا هب قددك .. و لااااا بردك .. ما عنديه لي بيدافع عنيه .. طلع حرتك كلهاااا و لاااا اتخلييي شييي فخاطرك .. يعيبك يوم تظربنيه ..؟؟؟ رياااال ترااااك اظررررب .. بسس .. بسسس ......
بدأت كلماتها تتقطع .. و الإذلال يملأ صدرها .. يثقل أنفاسها ..
ينكس نظراتها خذلانا .. و خنوعا مرّا ..
يملأ فمها مهانة ..
ليست وحدها في المركب ..
لن يقال حور ..
بل ابنة حمد .. و ماذا فعلت كي تُطلّق بعد أسبوعٍ من زواجها ..
ستذكر كأختٍ للمها .. لعفرا .. لنورة و دانة ..
سيشار لهند و مزنة غدا بأنهن أخوات إمرأةٍ لم يستطع رجل استبقائها في بيته اسبوعا واحدا ..!
و ستلوكهم الألسنة دون رحمة ..!!
ها هي تدوس على ما تبقى من كرامتها ..
تغمض عينيها و صوتها يخبو متوجعا ..
- بسسس .. لاااا .. لااا اتردنييه اهنااااك ..
أمام هذه الفكرة .. و هي تنطلق لتصبح مسموعا لها قبل أن تكون له ..
لا تريده أن يذلّها علنا .. فليفعل ما يشاء بين جدرانٍ صمّاء ..
لكن أن يمرغ كرامتها بالتراب أمام الناس ..
و يدوس دون إكتراث على أحبتها معها ..
النشيج الذي كانت تكبح طوال المواجهة .. أصبح ينفلت بارتفاع من بين شفتيها ..
بارقة بعيدة من شعورٍ آخر .. اقتحمت زخم مشاعره الغاضبة لتبرق في مآقيه ..
فيما لا زالت يدها الملتوية خلف ظهرها .. و شعرها الذي تقطّع تحت الشد ..
تحت رحمة قوّته ..
- دد .. دخيــ..ــ .. دخيلـــكـ .. لاااا تطلــ..ــقنــ..ــيييه .. عــ.. ع الأقــ..ــل هـــب الحيــ..ــنه .. تبــ..ــااا تطلــ..ــق .. اصــ.ــبر عــ..ــليه شهــ..ــر و الا ثنيين .. لااا تفضحنــ..ــيه عنــ..ـد الخلــ..ــق .. أســ..ــألك باللــ..ــه ..
.
.
.
.
أغمض عينيه بقوة .. و هو يجمع الماء بكفيه ليقذفه على ملامحه للمرة العاشرة ..
و كأنه يتمنى غسل سواد تلك الصور ..! عاجزا عن اطفاء اللهب الذي أحرق فؤاده ..
ما الذي فعله ..!
ما الذي اقترفه في حق تلك الطفلة التي استوطنت أضلعه ..؟!
و اعتصرت قبضة من ألم كريه قلبه ..
كلما استحضر وجهها في مخيلته ،، لا يجده الا باكيا ،، أو محطّما ..!
لتصرخ ملامحها المتروكة في الذاكرة بالأذية التي كان يمارسها عليها ..!
تخبره كم تمادى في ايلام تلك البريئة التي دفعتها السذاجة لرد اعتبارها بطريقة حمقاء ..
اتخذها هو عذرا لينتهكها بأبشع الطرق ..!
.
.
سحقـــــــا ،،
أما لهذا الوجع حد ..؟!
* * * * *
(( فيتساءل المواطن إن كان الأمر يستحق فعلا أن يقضي أجله ضحية - عطسة خنزيرية - ..؟!
أم أنه على استعدادِ بأن ينصهر على أرض الوطن خيرٌ من أن يكون نهاية اختطافه أرضٌ مجهولة تطمر فيها جثته بلا هويّة ..؟
الآن و قد أصبحت الممارسات العدائية موجودة في كل مكان .. و تشمل الجميع .. من خطفٍ و سرقة ..
أعتقد بأن سارقي سيارة - فزّاع - كانوا ليجدوا فائدة أكبر ان كان يقودها شخصيّا ..!
و منطلقا من كل هذا ننبئكم أعزائي ..
بأن شروط السلامة تشمل هذا الصيف ،،
أن تتجنبوا كل أنفٍ أحمر ينذر بأنفلونزا لا تعرفون مصدرها ..
و أن لا تتوقفوا في طريقٍ نائي خالٍ بسياراتكم الثمينة امتثالا لشيروكي مسلحة تظن أنها - دبابة - ..!
و الأهم هو ان زاولت طفلك رغبة شراء بعض الحلوى ،، عليك بزرع جهاز تتبع .. لتتمكن من الوصول اليه في حالة اختطافه ..!
حمدا لله على سلامتك عبد الرحمن بن درويش ،،
و ( عليك العوض ) يا - ليكزس - فزّاع ..! ))
رفعت حاجبا متكبّرا ،، و هي تطوي الجريدة لتلقيها جانبا .. دون اكتراث .. و هي تهمس ..
- و الله لا بفعصك حمدان بن محمد .. باصبوعه الصغير ..
من يقرأ المقال سيظن أن - هانبيال - الاسطوري من كتبه ..
و ليس ذاك الشيء اللزج الذي رأته قبل أسبوع ..!!
ذاك الانبهار بالأحرف و التلاعب بالكلمات تبخّر .. ما ان تبينت حقيقة الشخص القابع خلفها ..
و ما ان سقط قناعه في عينيها .. حتى تساءلت لو أن قراءه في مختلف أنحاء المعمورة كانوا ليتلهفوا إلى قراءته كل صباح اذا التقوه كما فعلت ..!!
السحر الذي حاكته أخيلتها .. ذوى ما ان ارتطمت بالواقع ..
هل يمنحنا التستر خلف أسماءٍ مستعارة .. الحق في أن نكون ما نريد .. ؟
هل يمنحنا الحق في التغرير بالآخرين و رسم شخصياتٍ ليست لنا ..؟!
أم أن خصوصياتنا هي بقاع يجب أن لا يطأها المتطفلون .. و علينا حمايتها بالتخفي ..؟!
تسقط الألقاب علينا هيبة أحيانا لا نملكها ..؟
و تمنحنا الفرصة كي نتجرد من كينونتنا .. لنكون و لو مرّة على خلاف أنفسنا ..؟
أو نكون حقا من نريد .. بدل تلك القوالب التي حشرتنا فيها الحياة ..!!
لم يكن قلم حر بهيئته الهزيلة .. و تأتأته المزمنة ليكسب الثقة و المصداقية من قراءه الذين قد يستندون إلى الشكل كالعامل الأهم و الركيزة الأولى لانحرافات الروح و ميولها ..!!
هي ذاتها لم تستطع تجاوز القالب الذي يحوي تلك الروح التي احترمت لأشهر .. و لاحقتها دون توقّف ..
لتجد أنها عاجزة عن العودة إلى ذاك الهوس ما ان رأت غرابة شكله ..!
الآن و بعد أن التقت صاحب هذه الأحرف وجها لوجه .. وجدت أن نظرتها تتغير للكلمات تلقائيا ..
فقط لأنه لا يمكنها النظر إليها ككلماتٍ مجرّدة ..
بل ظلٍّ ينفسخ عن ذاك المخلوق .. و جزء لا يتجزأ منه ..
.
.
كل ذلك لا يلهيها عن الأهم ..
لن تغفر استغفال أمّه ما حييت ..
تلك المرأة لم يكن لها الحق أبدا في دهس تفاصيل حياتها لمجرد التنفيس عن غضبها ..!!
* * * * *
فتحت النافذة الضخمة التي كانت بطولها تقريبا ،،
تأذن لدفقٍ منعش من نسائم الليل الصيفي بالدخول ..
فيلفّها برفق .. يداعب أطراف شعرها .. و يربّت على روحها بشيءٍ من الهدوء ..
لتجرّ هي بضع أنفاسٍ منها .. تدسّها في ضيق صدرها .. و هي تغمض عينيها ..
هل توشك على الانهيار يا ترى ..؟!
لمَ يصيبها هذا التصلّب الغريب .. و الهدوء اللامعقول .. و هي العروس التي ليست كذلك ..!
هي السيف الذي شُحذ ليبتر أحلام رجلٍ لا ذنب له ..!
أيعقل بأن الخوف و الترقب شل أحاسيسها ليتركها بهذه الصلابة ..؟
أم أنها مكالمته الأخيرة ..؟!
تلك المحادثة التي زرعت يقينا مضاعفا في داخلها بأن ذاك المنقذ ليس سوى إنسان بدوره ..
يقتسم معها رغيف الوجع الجاف .. يزدرده يابسا يمزّق أحشاء الشعور فيهما ..
فيهلكهما وجعا ..
ذاك الاتصال رغم أنه أرعبها حد الموت مما قد يعقبه .. الا أنه كان جرعة ثقيلة خدّرت أحاسيسها ..
أن يتّصل بها ليعتذر .. عن أذى خشي أنه سيسببه لها ..
تذكّره وعده الذي قطع ترك أثرا في داخلها لا تنكره ..
شيءٌ دفعها للشعور بشيءٍ من الأمان ..
سيجاهد هو اذا للسيطرة على أحاسيسه ..
و ستبتلع هي أي أذيه قد تنفلت رغما عنه ..
و هكذا ستستمر الحياة بينهما ..
من يدري ..؟!
بعد وقتٍ طويل ..
أشهر .. أعوام .. أو حتى عقود ..
قد ينسى لم تزوجها .. او يتناسى على الأرجح ..
حتما سيفعل ما ان يعود لاستئناف حياته الطبيعية مع امرأةٍ أخرى ..
إمرأةٍ يختارها بقلبه و عقله ..
ليقدّسها .. و يحفظ كرامتها ..
امرأة لن يخشى أذيتها ..
امرأةٍ يحترم ..
تكون أما لأطفاله .. و شريكة حياته الحقيقية ..
فتقتسم معه اللقمة .. الهم ..
و أحاسيسه ..
.
.
و لا تدري لما ثقبت هذه الصورة قلبها بوجعٍ مرّ ..
و خيل اليها بأنها ستختار حينها ركنا بعيدا تذوي فيه بصمتٍ لن يشوّش رتابة حياتهم الجميلة ..!
.
.
الصوت المرح الذي انزلق عبر الأسلاك ،، كان له وقع الزيف في تلك اللحظات و هي تنصت له ..
- مرحبـــــــا العـــــــروس ..!
متخمة بالأسى .. و الألم ..
و ألقى عليها هول ما يقع .. رداءً ثقيلا من الصمت .. راح يخنق صراخا في داخلها ..
مطلقا .. لن يفهم أحدٌ معنى أن تُسلب شيئا رغما عنك ..
ثم يُنظر اليك باحتقار السارق الذي دس الشيء .. أو اختلسه .. أو باع أمانته عمدا ..!!
لن يدرك أحدٌ أي شعور مرٍّ يخنقها .. و هي التي سترتدي البياض لعيني رجلٍ يعلم أي عارٍ يلطّخها .. و ستساق إليه تحت ناظري أخيه الذي يعلم بدوره تفاصيل تلك الحكاية القذرة ..
رجلين غريبين تماما عنها .
و لا تشفع رابطة الدم لهما أي قربٍ لروحها ..!!
لم يوغل أي من أحبتها في عمق ذاك الجرح أو حتى يلمسه ..
و هما ..
يدركان ذاك الخزي الذي تتلقف أطرافه لتدسّه دون أن تفلح ..!!
عروس ..!!
أي عروسٍ هي ..؟!
هي مخادعة .. و أختها هذه التي تتقمص الفرح .. لا تختلف عنها كثيرا ..
كلاهما يغافل الأحزان لأجل أحبّته ..!
- مرحبا مليون .. حي بأم سيف ..
و في خضم تلك الأوجاع المتراكمة ..
كان خبر حملها قد انبلج ليملأها حبور يزهق تعاستها ..
و طفل قادم من مدائن النور .. سيشرق سعادة في أيامهم دون شك ..!
كون حياة أختها الزوجية على المحك لم يكن بهذا الأهمية .. امام بهجتهم الصارخة بما تحمل في أحشائها ..
و لانت ملامح الحزن في ابتسامة رقيقة .. و هي تتخيّل ذاك الكائن الضئيل القادم ..
تقول بهدوءٍ خافت ..
- هيييه .. يا خدود سيفان .. طاح كرتج .. الحين بيشرّف ولي العهد سيف بن غيث .. و محد بيقبّل في ويه سيف بن حمد ..
زحف صوت أختها بتنهيدة لم تستطع حبسها .. و هي تردّ ..
- لا خدود سيفان الأصل .. ما نروم نستغني عنها .. لو يا الياهل بلا خدود بنستلف منه شوي ..
التوت شفتي عفرا بمزاحٍ بارد .. لم تستطع قمع كآبتها من التسلل الى صوتها ..
- و ليش محاسبة سيفان على خدوده .. عندج خدود نورة .. لو توزعينها ع العين بيي عندج فائض .. و صدريه لبوظبي ..!!
أتى صوت حور المتعب بعتابٍ رقيق .. لطالما سمعته منها مؤخرا ..
- ع الأقل عندها خدود .. هب شراتج .. ما تقولين غير مستوردينج من مجاعة .. ليتج ما خذتي هالصيفي .. مادري شوه ياج .. و انتي عرسج عقب شهر ..!! أصلا شوه تبين بالدراسة .. و انتي خلااص بتعرسين ..؟ بيسدج ريلج ..!!
زفرت عفرا و هي تتحرك بهدوء في الغرفة تنظر حولها لكل شيء ..
إلى الكومة البيضاء العملاقة التي علّقت في زاوية الغرفة ..
- ما بينفعنيه الا شهادتيه يا حور .. الشهادة ظهر في هالزمن .. لو دارت الأيام .. و ما لقيت لي عون .. بتسد حايتيه ..
أتى صوت حور مداهما .. مواربا جراحها ..
- بسم الله .. الله لا يعوزج لها .. ما بيصير شي .. الخير وايد ..
استلقت على ظهرها .. تتوسط السرير الفسيح .. و شعرها الطويل يتبعثر على نعومة المخدة .. يتسلّق بياضها بغلظته الحالكة ..
- هب سالفة حاية .. أنا أدرس و أنجح .. و أطور عمريه .. و أزيد معرفتيه عشان ذاتي .. أخير من انيه أوقف حدود حياتي عند ريلي .. و يكون هو بداية العالم و نهايته .. هب يعني انيه بعرس .. يولي كل شي .. و أضيع كل شي فحياتيه و أخليه محور العالم .. هو بعد عنده جوانب في حياته ما بيتخلى عنها عشانه خذني ..
صمت امتد لدقيقة طويلة .. قبل أن تهمس حور بهدوء غريب ..
- عرسج باكر ..
لتطبق يدٌ ضخمة من همٍّ كريه على رقبتها .. و تعتصر أنفاسها .. فيتحشرج صوتها بألم كاسح ..
- أدري ..!
- شوه هالثورة الغريبة في الأفكار ما قد سمعتج ترمسين كذيه .. حامد قال شي عن دراستج ..؟
انتفضت بغتة مع اسمه الذي هوى على روحها بثقل ..
دراستها ..؟!
المنفذ الوحيد من بؤسها ..
بالتأكيد لن يفعل ..!!
- لا ما قال شي .. بس .. أنا قصديه ان الشهادة تضيف شي للانسان .. ترفعه درجة .. حلو ان الوحدة تلتفت لحياتاا .. تكوّن شي .. و تنجز شي .. هب يعني انيه أعرس .. أعدم كل أحلااامي ..!! أنا أبا أدرس لنفسي .. تكون عنديه شهادة ..
و اقتلعت كذبة من داخلها .. و هي تسرد حلما سرمديا .. أحرقته منذ دهور ..
- بعدين مثل ما قلت لج .. أطوّر نفسي .. ما يقولون اننا مربيات الأجيال .. باكر لو يو عياليه خلهم يشوفون أمهم جامعية ..
و أغمضت عينيها بألم فادح ..
كم هو مؤلم أن تأتِ الطعنة من كفها هي ..!
بنبرة بطيئة باهتة .. أتت كلمات حور .. و قد بدت باردة بعض الشيء ..
- ما حيد أميه وديمة كان عندها شهادة يوم ربتنا .. حتى أبوي ..!!
كانت عفرا مشغولة بألمها .. لم تسمع الصراخ الذي أتى خلف الاعتراض ..
- زمانهم غير عن زماننا .. الحين الواحد بلا شهادة جامعية ما يسوى .. الشهادة الثنوية ما تسوى شي ..!! راعيها عادي يعتبر جاهل ..
أتت سخرية حور مريرة ..
- آآهااا .. عجيب و الله ..!! ما حسيت من قبل انكن تشوفنيه جاهلة ..!!
و كأن هناك من اقتلعها من عمق أحزانها لتنتفض جالسة بسرعة ..
- لااا حور .. هب القصد .. و الله ..!! لا تفهمين رمستيه غلط ..
لكن حور سبقت اعتذارها ببرود ..
- مادري لو فهمتج صح ..!! لكن اذا قصدج ان كل وحدة ما تعرف تقرا و تكتب .. ما تصلح تكون مربية أجيال فهالشي يخليج تلغين صلاحيات ملااايين الحريم .. اللي ربّوا أجيال أحسن عنا ..!! كم من حرمة أمية ربت عيالها .. أحسن عن وحدة جامعية لتهتهم بحرية أفكارها ..!!
وضعت عفرا يدها على رأسها باحساس مصيبة ..
- و الله فهمتينيه غلط .. المسألة نسبية . انا بس كنت أرمس عن عمريه .. انتي تعرفين انيه أحب الدراسة .. و الشي اللي أحبه في نفسيه بتوجه له و بطوره .. و بعد ماريد يكون فيه فجوة بينيه و بين ريلي في التفكير .. و انتي هب جاهلة .. يا حور .. انتي متعلمة أكثر عنا كلنا .. و عمر العلم ما كان كتب و مدارس .. الحياة تعطينا دروس ..
أتت نبرة حور ساخرة قليلا ..
- الحياة تعطينا دروس ..!! ترى ريلي عنديه شهادة ماجستير من مكان ما رمت أتهجى حروفه ..!! و انا راعية ثنوية ..!!
عضت عفرا شفتيها .. و ألم آخر بدأ يثقل كاهلها ..
- لااااا يا أم سيف .. زعلتي علينا و الله ..!! فديتج حواااري .. لااا تاخذين برمستيه .. تعرفين انيه ضايقة عسب باكر .. دخيلج .. ماباج تزعلين عليّه .. !! حور ..؟!
امتدّ الصمت لثوانٍ مطاطيّة كريهة .. قبل أن تقبل زفرة حور .. و هي تلقي بكل السخرية و الاعتراضات الفارغة جانبا .. و حزن حار يتدفق من حنجرتها ..
- ما زعلت يعلنيه هب بلاج .. أنا بس غادية حساسة شوية .. لا تسويليه سالفة .. و ليش ضايقة ويا ويهج اليابس ..؟
ابتلعت عفرا عبرتها و هي تهمس بانكسار .. امام حزن أختها ..
- ليتج هنيه يا حور .. ليتج هنيه .. محتايتنج يا ختيه ..
همست حور تبثها طمأنينة شحيحة ..
هي التي لا تملكها ..
لا يحق لها المنح ..!
- و أنا هنيه يا الغالية ..
انبثقت دمعة مرتعشة من خلف جفنها الشاسع و هي تهز رأسها بـلا .. و كأن حور قد تراها ..
لا .. حور ..
لستِ هنا ..!
مر وقت طويل على رحيلك ..
و أعلم يقينا ان وقتا أطول سيمر دون عودتكِ ..
عليكِ أن تجدي روحك التي أضعتها أولا .. لترتد بك الخطى الينا ..!
.
.
ابقي بعيدة حتى اندمال الجرح ..
لأنك لو لمستِ همّي ..
لأحترقت اطرافكِ يا حبيبة ..!
* * * * *
>>
|